المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
23 - الملاك الحارس - سارة كريفن - دار الكتاب العربي ( كاملة )
الملخص
الشعور بالضياع واليتم محنة تفوق احتمالات البشر. كريستينا الفتاة الرقيقة التي لم تتجاوز العشرين ربيعا، عاشت معاناة الوحدة وتجرعت آلامها ومعاناتها.
ماتت عمتها وحرمتها من الميراث، تركتها وحيدة بلا أهل ولا مال أو مهنة تقيها عوائل الزمن.
صديقة عمتها تأخذها إلى حيث تعيش في جزر البهاماس، وهناك لم تهنأ الفتاة الحزينة، فقد اكتشفت أن هناك خطة مدبرة لتزويجها من حفيدها ثيو…ذلك الشاب الطائش المائع غريب الأطوار…بينما تعلق قلبها بابن شقيقة السيدة المستبدة…دون أن تخبره بمشاعرها.
ولأنها يتيمة وحيدة ضعيفة. فكرت بالعودة إلى انجلتر من جديد، لكن الأقدار كانت تقف لها بالمرصاد، وتعاندها. فتتعاظم آلامها. وتنسكب دموعها لوعة وأسى..ترى ماذا كانت النهاية؟ وما هو مصيرها في جزيرة إبليس حبيسة الخوف والمحنة؟
الوصيــــة الأخيـــرة
والآن المجموعة الرابعة والثلاثون! تمثالان صغيران سيداتي وسادتي من يريد أن يفتح المزاد؟
وتحولت نبرة سمسار المزاد إلى همس خافت عندما أغلقت كريستينا وراءها باب غرفة الطعام بهدوء ومشت بخطى بطيئة عبر الممر الضيق المؤدي إلى مدخل البيت الصغير الخلفي .
لقد ارتكبت خطأ فادحاً في الانتظار لحضور المزاد العلني . إنها تدرك ذلك الآن . حذرها السيد فريث من مغبة تجربة كهذه ، تجربة مشاهدة محتويات منزلها معروضة للبيع . وهي التي الفتها طوال ستة أعوام ألفة حميمة ، يا ليتها عملت بنصيحته وتوارت عن الأنظار . ولكن عاطفتها كانت أقوى من أن تقاوم . غمرها شعور بشوق خفي لشراء ولو قطعة صغيرة من تحف ربة عملها ، لتحتفظ بها كذكرى سعادة غابرة.
ولكن جاءت الأسعار المعروضة لشراء الآنية الصينية وقطع الأثاث والتحف الأخرى لتذكرها بمدى إفلاسها .
منتديات ليلاس
كم ستفرح عائلة ويبستر بنتيجة المزاد . رأتهم يجلسون في آخر الغرفة يتبادلون ابتسامات الفوز . كان كل شيء بالنسبة إليهم يسير على ما يرام . ولا يفيدها الآن إقناع نفسها بحقهم الشرعي في التصرف هكذا . لم يتركوا فرصة تفوتهم إلا وشددوا على حقهم الطبيعي وهي تعرف أنها لا تملك أي حقوق من الناحية القانونية ولا علاقة للأخلاق في مثل هذا الأمور .
مشت مكتئبة إلى المطبخ الخلفي . كان كبقية البيت ، خاوياً من كل قطعة قابلة للبيع . وبدت خزانة الحائط الكبيرة كالحة ، مهجورة لا اثر للآنية الزخرفية والنحاسية على رفوفها.
توجهت إلى المغسلة ، وفتحت صنبور الماء البارد ، ورشفت من راحتيها لتطفئ عطشها ، ثم مسحت جبينها بقطرات منعشة .
كانت لا تزال عاجزة عن تفسير التغيير المفاجئ في حياتها و أوضاعها . وعرفت أن عليها التفكير في المستقبل ورسم خطة ما ، تماماً مثلما اخبرها السيد فريث عدة مرات . ولكن كيف؟ بدا لها أنها كانت تعيش في سعادة منحتها إياها العمة غريس ، تلك المرأة الحنونة والمستبدة في الوقت نفسه ، والتي ربتها تربية حسنة بعد أن أصبحت يتيمة ، ولكنها لم تساندها في اللحظة الحاسمة في حياتها.
ولكن ، وكما أشارت فيفيان ويبستر بأسلوبها المتغطرس ، ما الذي كانت تتوقعه من امرأة لا تربطها بها صلة قرابة ودم؟
وكانت هذه عبارة السيدة ويبستر المفضلة ، مع تجنبها الاقتراب من العمة غريس عندما كانت حية ، أو الاهتمام بها وبصحبتها . ولم تكن العمة غريس ، على أي حال قليلة العقل . كانت تعرف مدى اعتماد ابنة أختها عليها . وتركت كل شيء في وصيتها لفيفيان ويبستر ، ولم تذكر كريستينا بخير أو شر ، وهي التي لازمتها طوال حياتها ، وتولت أمور البيت الصغير وساعدت ربة عملها في أعمالها الخيرية وذكرت نفسها أنها لم تكن تطمع في الحصول على شيء . العمة غريس هي التي أصرت دائماً على توفير كل ما تحتاج إليه كريستينا في حالة وقوع طارئ لها ، مع أنها لم تحدد ما الذي تعنيه بذلك . ورددت كل هذا على مسامعها مرة تلو الأخرى خاصة عندما كانت كريستينا تقترح الحصول على مؤهلات دراسية لمهنة لائقة فتعترض العمة غريس .
وطالما سمعت الآنسة غرانثم وهو الاسم الأول لعمتها تقول :
- لا حاجة إلى المؤهلات يا عزيزتي . أعدك انه لن يعوزك شي وسوف أولى عناية خاصة لهذه المسألة ، لا تقلقي .
وها هي كريستينا الآن تجد نفسها بدون عمل أو أي ضمان آخر ومحرومة من البقاء في بيتها القديم ، والتفكير بالمستقبل بهدوء . تنهدت بأسى ونظرت من النافذة محدقة في حديقة الخضار الصغيرة حيث قضت مع العمة غريس ساعات طويلة من العمل المضني إلى أن سقطت صريعة مرض عضال.
علت وجهها ابتسامة عابرة وهي تفكر في نشر إعلان صحفي يعلن عن مواهبها الخاصة :
" فتاة كفؤة ، في التاسعة عشرة من عمرها ، تملك خبرة محدودة في طهي الطعام وزرع الخضار والكتابة على الآلة الكتابة ، ورعاية المرضى ... "
بدا لها أن قائمة الخبرات طويلة لا تنتهي . ولكن لا بد لها من الإقرار بعجزها عن إتقان أية مهنة . وهل يوجد شخص آخر يرضى بخدماتها مثل العمة غريس؟
لقد وجدت نفسها تعيش فجأة مع ربة عملها عندما تعرضت والدتها لنوبة قلبية ، بعد أن فقدت زوجها ، و كريستينا لا تزال طفلة صغيرة .
وواظبت كريستينا على الذهاب إلى مدرستها وهي تعرف أن عمتها غريس هي التي تدفع رسوم التعليم ، كما كانت تفعل منذ البداية . وما أن بلغت سن السادسة عشر حتى طلبت منها العمة غريس التوقف عن الدراسة والبقاء معها في البيت ، فتخلت عن متابعة الدراسة وخضعت للأمر الواقع . وهي لا تنكر مدى راحتها في العيش معها ، والسكن ضمن أجواء قرية جميلة كانت عمتها أحد وجوهها البارزة .
بذلت كريستينا جهداً خاصاً لإيجاد رابطة ودية بينها وبين عمتها القاسية ، وذات الآراء المتزمتة فقد كانت ضد تحرر المرأة بما تحمله هذه الكلمة من معنى وترى ان كل امرأة تحتاج إلى رجل ليرعاها ويحميها من " عوادي الزمان "
ووجدت عمتها من يرعاها في شخص السيد فريث ، محامي العائلة والذي كانت تتقيد بآرائه حول أية مسألة ، باستثناء مستقبل كريستينا كما يبدو . وماتت بدون زواج أو أولاد . وما أن شيعوها إلى مثواها الأخير حتى تقدم السيد فريث من كريستينا ليبدي اسفه وعجزه عن إقناع عمتها لتغيير وصيتها لتشملها ولو على نحو متواضع .
قال لكريستينا بلوعة :
- تظاهرت بأنها لم تسمعني . وأنتِ تعرفين أسلوبها المعهود في هذه الأمور .
لم تجد كريستينا تفسيراً معقولاً لتصرف عمتها . أما السيدة ويبستر فهي لا تعرف معنى الشهامة والنبل . كان همها الوحيد بأسرع وقت ممكن وبدون إظهار أدنى اهتمام بمستقبل فتاة سهرت الليالي للاعتناء بعمتها إن عليها الآن الاعتماد على نفسها ، ولتحمد ربها على بقائها مدة طويلة تعيش حياة مرهفة هنيئة وهي كما تدل تصرفاتها لا تبدي أي اهتمام بالبيت الصغير أو محتوياته فهي لا ترغب في التخلي عن لندن والانتقال إلى الريف . لم تكن السيدة ويبستر مهتمة بأكثر من تحويل ارثها إلى أموال سائلة ، وبأقصى سرعة.
كانت كريستينا تتمنى أن تحتفظ عائلة ويبستر بالبيت الصغير ، لقضاء عطلة نهاية الأسبوع ، والإبقاء عليها لترعى شؤونه أثناء غيابهم . لكن خابت كل آمالها ، ورفضت السيدة ويبستر ان تساعدها في إيجاد عمل ، واكتفت بأن قالت لها : " هناك مكاتب التوظيف".
أما السيد فريث وزوجته فكانا كريمي الأخلاق ووعداها بإعطائها توصيات ملائمة عندما يحين الوقت وذهبا إلى حد دعوتها للسكن معهما ،عندما يأتي دور البيت الصغير لطرحه في المزاد العلني . لكن كريستينا لم تقبل عرضهما .
اعتقدت أن وجهة نظر عائلة ويبستر اكثر عملية بضرورة تولي أمورها بنفسها ودخول معترك الحياة قبل فوات الأوان . ثمة مجالات كثيرة خارج هذه القرية الصغيرة وعليها أن تبحث عنها .
وقررت أن اتخاذ الخطوة الأولى هي اصعب مرحلة في أي عمل . وكانت خطواتها الأولى استئجار غرفة في فندق القرية الوحيد ، مع إدراكها أنها ستكون خطوة مؤقتة . فهي لا تملك إلا النذر القليل من المال ، وستحتاج صاحبة الفندق السيدة ثرثتون لكل غرفة لاستقبال السياح مع تقدم فصل الصيف.
وظلت كريستينا تفكر في عمتها ، ومع ذلك ، لم يستقر رأيها على أحد وهي تعرف أنها تتمتع بقدر معين من الجمال ، شعرها الأشقر الطويل يزيدها جمالاً ، إضافة تموج عينيها الخضراوين .
ومنذ وفاة عمتها ، اتضح لها أن عدم زواجها يعود إلى إدراك معظم عائلات القرية لوضعها الاجتماعي وتواضع إمكانياتها المادية . وهي عائلات غنية في معظمها تتوقع مصاهرة من هم بمستوى قريب من مستوياتهم .
شعرت بالألم وهي تفكر في هذا الأمر ، وقررت طرد شبحه من ذهنها . ألقت نظرة على ساعة يدها . كان المزاد العلني مستمراً ، ففكرت أن تتوارى عن الأنظار فهي لا ترغب في لقاء عائلة ويبستر مرة أخرى والإصغاء إلى أسئلتهم الكثيرة عن مدى نجاحها في إيجاد عمل . تنهدت بحسرة . هذه هي الحقيقة المرة فهي تقدمت بطلبات عديدة للعمل وبدون فائدة.
علاوة على ذلك ، يبدو نهارها مملاً ، طويلاً . فلتركب القطار إلى لندن وتتصل ببعض مكاتب التوظيف . إنها الآن وحيدة ، وعليها أن تشق طريقها ومهما كانت الصعاب.
ألقت نظر أخيرة مليئة بالحزن على المكان والحديقة ، واستدارت نحو الباب ثم اكتشفت أنها لم تكن وحدها ، وانطلقت صرخة اندهاش من فمها . وخيل إليها ان المرأة الواقفة أمامها ، كانت تراقبها منذ فترة طويلة.
لم تكن امرأة طويلة ، ولكنها قوية الشخصية ترتدي ملابس أنيقة وتتكئ على عصا دقيقة الصنع مرهفة كالسيف.
نادتها المرأة باسم عائلتها ، وبصوت هادئ خفيض ، وكان بلكنة أجنبية :
- الآنسة بينت؟
ترددت كريستينا ثم أجابت :
- نعم . ولكن للأسف الشديد لا أعرف ....
ابتسمت المرأة بتمهل ، كاشفة عن أسنانها البيضاء المتناسقة :
- كم تتصورين بالضبط ، لم يسبق لنا التعارف ولكن أؤكد لك يا آنسة إنني لا اعتبرك إنسانه غريبة ويخامرني شعور أن صداقتنا قديمة ومتينة.
اعترت كريستينا الدهشة . فتابعت المرأة :
- اسمحي لي بتوضيح ما اقصد . أنا مرسيل براندون يا آنسة ألم تحدثك عمتك عني أبداً؟
وقالت كريستينا بصراحة :
- لا أبداً .. هل ... هل كنتِ إحدى صديقاتها؟
وجدت صعوبة في تصديقها . كانت عمتها امرأة إنجليزية خالصة ، لم تغادر ارض بريطانيا في حياتها ، على ما تذكر كريستينا أن تكون لها علاقة من قبل مع هذه المخلوقة الغريبة.
التعديل الأخير تم بواسطة Rehana ; 31-07-19 الساعة 01:18 PM
سبب آخر: إضافة ملخص الرواية
|