كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الهـــروب من إبليـــس
نظرت كريستينا بارتياح إلى الآلة الكاتبة . لقد أنجزت كل ما عليها وكتبت القائمة بأكملها ، وراجعتها اكثر من مرة . انه إنجاز عظيم ، خاطبت نفسها وهي تمزقها تيارات عاطفية هائلة .
حملت مظاريف الرسائل والقائمة لتتوجه إلى الدور العلوي من المنزل وتسليمها إلى السيدة براندون . ثم ترددت قليلاً . لن تصعد الآن ، فتواجه ديفلين وعمته سوية لا ليس الآن ، كان عزاؤها الوحيد جهل ديفلين التام لحقيقة مشاعرها تجاهه وهكذا تستطيع أن تغادر سانت فيكتوار بدون أن تتورط معه في قصة حب فاشلة . أمامها الآن فرصة ذهبية للرحيل محتفظة ببعض كرامتها وكبريائها . نهضت متوجهة نحو النافذة . كانت تشعر بالحر الخانق والعرق يتصبب منها . غمرها توق جارف لمداعبة مياه حوض السباحة . ركضت مسرعة نحو غرفتها ، واختطفت منشفة كبيرة ، ثم هبطت السلم المؤدي إلى الحوض . كانت المياه رائعة كما توقعتها . سبحت متوانية من طرف إلى آخر . استعادت نشاطها وحيويتها ، فقررت الاسترخاء قليلاً على حافة الحوض لتجفيف شعرها ، والتمتع بأشعة الشمس . كان الهدوء يخيم على المكان ، ماعدا هسهسة بعض الحشرات . غلبها النعاس ، فأغمضت عينيها واستسلمت إلى نوم عميق .
أيقظتها بعد فترة قصيرة قطرات ماء تتساقط فوق وجهها . فتحت عينيها فرأت ثيو أمامها يرش فوقها رذاذاً من مياه الحوض وحدجته متعجبة . كان يرتدي ملابس السباحة ،
قالت متلعثمة :
- شكراً على إيقاظي . علي العودة لا شك أن جدتك تنتظرني .
قطب جبينه :
- إن جدتي لا تحتاج إلى أحد اليوم . جلست مع ديفلين طوال الصباح واعرف أن مزاجها يصبح لا يطاق بعد كل جلسة من هذا النوع والأرجح أنها لن تغادر غرفتها .
ردت :
- مع ذلك ، علي الذهاب الآن ...
ولم يدعها تكتمل كلماتها . مد يده وشدها من قدمها وقال :
- لا تتركيني يا كريستينا . لا يمكنك أن تحقدي علي إلى الأبد بسبب حادث مر وانتهى .
أكدت له :
- لم اعد أفكر في الامر .
ابتسم قليلاً :
- إذن امكثي بعض الوقت .
قالت :
- إذا أمعنت في كلام كهذا ، سأمضي لتوي إلى الداخل .
تنهد مستاء ثم أرخى قبضته عن قدمها وقال متلوعاً :
- أف لديفلين . ما الذي أتي به اليوم؟ جاء ليلهي جدتي ويعكر مزاجها ، وكنت احضر نفسي لذهاب معها بعد الظهر لمشاهدة زورقي الجديد .
سألته كريستينا ببعض الدهشة :
- زورق؟ أي زورق؟
قال :
- انه هدية عيد ميلادي . وهو زورق رائع ، أكثر جمالاً من مركب ديفلين ويرسو الآن في سانت فيكتوار ينتظر عمتي لتوقيع عقد الشراء أما الآن فقد ترفض بعد اجتماعها بذلك اللعين .
علقت كريستينا بجفاف :
- لا اعتقد ذلك يا ثيو . أن جدتك لا ترفض لك طلباً .
نظر إليها بتمعن :
- نعم هذا صحيح باستثناء أمر واحد احتاج إليه اكثر من أي شيء آخر . لماذا لا تأتين معنا لرؤية الزورق؟ انه ملائم جداً لقضاء شهر العسل .
قالت بنبرة استنكار :
- لا اعتقد أنها فكرة صائبة .
نهضت على قدميها فارتبك متوسلاً :
- لم اقصد إزعاجك المعذرة . أرجوكِ ألا تذهبي واعدك بتهذيب سلوكي إذا قبلت الإجابة على سؤال واحد :
قالت بتأفف :
- وما هو هذا السؤال؟
سألها بصوت خفيض :
- لماذا ترفضين الزواج مني؟
أدركت مدى كآبته وعمق مأساته ، فحاولت أن تهدئ من روعه :
- لأننا لا نستطيع التحكم بمشاعرنا يا ثيو . لا اعرف كيف اشرح لك ولكن ...
قاطعها برفق :
- أنتِ ترفضين وهذا كل شيء . كوني صريحة معي لا تخافي أستطيع تحمل الصدمة .
استطردت :
- إن المسألة ليست في هذه البساطة أنا لا أريد أي شخص ...
انفجرت أساريره :
- لا ينطبق هذا تماماً على ما رأيته عبر نافذة المكتبة صباح اليوم.
تجمدت في مكانها ، والغضب يشتعل في داخلها . تنهد ثيو بتكلف :
- آه يا كريستينا كم يؤلمني أن أرى ديفلين يستغلك بهذا الأسلوب القذر ولكن لا تجزعي لن أبوح بشيء أمام جدتي . وأنا لست متزمتاً كثيراً وعندما نتزوج ستكشفين ذلك بنفسك.
جن جنونها :
- ما هذا الهراء يا ثيو؟
ابتسم بوداعة وانتصب واقفاً :
- هيا بنا لنسبح معاً .
ظل يلح عليها إلى أن أذعنت للأمر الواقع وأخذا يتسابقان لبلوغ الطرف الآخر فظنت أن ثيو يتعمد التلكؤ ليترك لها فرصة تجاوزه . انتظرته فلحقها صائحاً :
- أحسنتِ .
قالت محتجة :
- أنت تعمدت التأخر .
- لا أبداً اقسم لك .
ألقت نظرة على حافة الحوض ، حيث كانا يجلسان فلم تجده ثم أحست بقوة هائلة تشدها من قدميها إلى قاع الماء . فغرت فمها مشدوهة فابتلعت بعض الماء . أفلتت من القبضة الملتفة حول قدمها واندفعت نحو سطح الماء .
قالت صارخة :
- يا لك من صبي أحمق يا ثيو ...
وشدها مرة ثانية إلى الأسفل . حبست أنفاسها توجسا ً. ثم أخذت تركل بعنف وتجاهد للإفلات منه . استمرت في عراكها خائرة القوى ، تشعر بألم حاد في رئتيها . ضاعفت جهدها للإفلات منه وأدركت فجأة أن ما بدأ كلعبة مسلية تحول إلى حلبة قتال حقيقة ليثبت ثيو تفوقه عليها ، فهو أقوى منها حتماً كان يبارزها ليؤكد لها انه السيد المطلق .
أصابها رعب شديد ممزوج بغضب هائل ، حاقد . حاولت السيطرة على أعصابها معللة نفسها بعدم قدرة ثيو على البقاء تحت الماء طويلاً . سيضطر للتوقف والتنفس بعد قليل فلتصبر وتتحمل ما دام ذلك ممكناً .
ولكنها لم تعد تملك قوة على الصبر وهو مستمر في جذبها نحو القاع فتضيق أنفاسها ويضج رأسها ألماً وتخال أنها تكاد تنفجر كالقنبلة وكانت قبضته تمسك بها بقوة حديدية لا تستطيع الإفلات منها مهما تلوت وركلت .
ياله من وغد مجرم ، فكرت كريستينا ملتاعة . انه لا يسمح لأحد بعصيان أوامره وهو الآن يعاقبها بكل وحشية لأنها رفضته ، عصت أوامره ، ولم تركع ساجدة أمامه كما يتوقع من الجميع .
اخذ يشدها بكل قواه بوحشية هائلة فأطلقت صرخة ألم حاد وتدفقت المياه إلى فمها كتيار جارف . غمرتها ظلمة قاتمة وأخمدت أنفاسها .
كانت تتقيأ كل ما في أمعائها وهي تحس بقبضة متينة تضغط على ظهرها وتدفع الماء من فمها . فتحت عينيها متأوهة . كانت مستلقية على حافة الحوض ورئتاها تقذفان الماء خارجاً . حاولت اكتشاف هوية صاحب اليدين اللتين تضغطان عليها سمعت ديفلين يقول بصوت هادئ :
- لا تتحركي ستكونين بخير الآن .
ثم تكلم ثيو :
- كريستينا . كريستينا ( ثم ارتمى أمامها) اعذريني . لم اقصد إيذاءك كانت مجرد لعبة .
كان صوته يقطر ندامة . ولكنها لمست في نبرته مسحة من الابتهاج بالانتصار أيضاً وأدركت كريستينا أنه يحاول تلقينها درساً لن تنساه . أغمضت عينيها لكي لا تراه .
انحنى ديفلين يساعدها على النهوض . ثم حملها بين ذراعيه شعرت باطمئنان غريب وهو يمضي بها إلى غرفتها واستلقت على سريرها ، كأنها في حلم من تلك الأحلام التي تختلط فيها لحظات اليأس والذعر بقبس من الأمل والرجاء .
جلس ديفلين على حافة السرير ، وحدجها بنظرة عتاب :
- هل تسبحين دائماً بهذا الأسلوب المحموم؟ لو لم أصل في اللحظة الحاسمة لكنت في وضع سيئ للغاية .
كان صوت في داخلها يحثها على قول حقيقة ما جرى والارتماء بين أحضانه والتنفيس عن مخاوفها ولكنها ترددت وهي تدرك نتيجة خطوة كهذه .
غمغمت بإعياء :
- كنا نلعب في الماء . ثم تطورت الأمور أنها غلطتي منذ البداية .
قال في عذوبة :
- لا شك في ذلك ربما يكون من الأفضل الحذر قليلاً عندما تمارسين ألعاباً كهذه أو على الأقل التريث في اختيار من تلعبين معه .
أطرقت برأسها :
- ربما كنت على حق . يبدو أن علي أن أشكرك ثانية .
صمت قليلاً ثم نهض واقفاًَ وهو يقول :
- سيجلبون لك الشاي في أي لحظة الآن أرجوك أن تعتني بنفسك والإصغاء إلى نصائحي .
هزت برأسها ، يهدها التعب غمرتها رغبة جامحة لتغرق في نوبة من البكاء المرير ولكنها لن تسمح لنفسها بالظهور بمظهر الضعف أمام ديفلين يجب عليها ومهما كانت الظروف ، الاحتفاظ ببعض كرامتها . لم تنظر إليه نهائياً ، فتدحرجت على خديها دموع كالجمر الحارق .
مسحت دموعها ، متأهبة لاستقبال السيدة كريستوف التي ستحمل إليها إبريق الشاي في أي وقت . رأتها تدخل بصحبة السيدة براندون التي هتفت فور دخولها :
- كريستينا! ما الذي جرى؟
حدقت فيها كريستينا ملياً وهي تتناول فنجان الشاي . وأحست بقشعريرة باردة تنفذ إلى عظامها رغم جو الغرفة الدافئ . اقتربت السيدة براندون من السرير بعد أن أشارت على السيدة كريستوف بالخروج . قالت العجوز بشفتين مرتجفتين :
- يا له من حادث مؤسف! كدت تغرقين في حمام السباحة لولا أن أسرع ثيو لإنقاذك .
انحنت كريستينا إلى الأمام :
- أهذا ما قاله لك؟ لولا وجود ثيو هناك لما كنت في حاجة إلى الإنقاذ يا سيدتي .
تأوهت العجوز منكمشة في كرسيها . أخرجت منديلاً ومسحت به جبينها :
- اعرف انك منهمكة القوى يا عزيزتي ولا تدركين معنى كلامك الآن سنتحدث في وقت لاحق .
ردت كريستينا بأسى :
- أنا أدرك تماماً معنى كلماتي . ناقشت موضوع الزواج مع ثيو ولم تعجبه آرائي ولذلك قرر أن يعاقبني هذه هي الحقيقة المرة .
حاولت السيدة براندون تملقها :
- يجب أن تراعي شاب مثل ثيو ، وتتفهمي مدى خيبة أمله إن لم يتزوجك .
ردت كريستينا بمرارة :
- آسفة لجهلي لم تخطر على بالي مسألة بديهية كهذه . ولكنك تعلمين أنه يستحيل علي البقاء هنا بعد ما جرى . أود أن ارحل بأسرع وقت ما يمكن ...
تأوهت العجوز في حركة تمثيلية :
- لا . لا . مستحيل ...
لاحظت كريستينا بارتياع اضطراب السيدة براندون ، إذ كانت تتنفس بصعوبة وإجهاد وتضغط بيدها على صدرها . قفزت كريستينا من سريرها بانزعاج :
- سيدة براندون هل أنتِ بخير؟
وسمعتها تتمتم :
- أقراص الدواء ... محفظة يدي ...
فتحت كريستينا المحفظة وناولتها علبة الدواء ... ابتلعت قرصاً ثم لم تلبث أن هدا روعها ، واستعادت بعض حيويتها ، قالت تخاطب كريستينا بلهجة قاسية :
- هل تدركين الآن كما أنا مريضة ؟ مع ذلك لم أتعرض لنوبة كهذه منذ مجيئك إنني اعتمد عليك يا ابنتي .
قالت كريستينا باحتجاج :
- ولكني لم افعل شيئاً .
مدت السيدة براندون يداً مرتعشة :
- ولكنك أدخلت الأمل إلى قلبي يا ابنتي . شارفت حياتي على نهايتها ولا أتمنى أي شيء سوى رؤيتك أنتِ وثيو في بيت واحد . أنتِ وحدك قادرة على إسعاد ثيو وإسعادي .
جحظت عينا كريستينا :
- استمعي إلى جيداً يا سيدة براندون . لن أتزوج ثيو الآن أو في أي وقت آخر وانوي الرحيل عن سانت فيكتوار والاستقرار في إنجلترا سواء قبلت أو رفضت .
أغمضت العجوز عينيها:
- نعم ربما كان ذلك افضل حل ، سأحجز لك مقعداً على الطائرة من المارتينيك ولكن ليس الآن . أرجوك يا كريستينا أن تتكرمي علي و تساعديني في الترتيب لعيد ميلاد ثيو الأسبوع المقبل وبعد ذلك لك مطلق الحرية وسأقدم كل مساعدة ممكنة .
جلست كريستينا على سريرها ، تتجاذبها آراء متضاربة . أقنعت نفسها أن بقاءها بضعة أيام أخرى لن يغير شيئاً طالما أن السيدة براندون رضخت للأمر الواقع كما يبدو . قالت متنهدة :
- حسناً سأبقى ثم ارحل فور انتهاء الحفل .
راحت تتقلب في فراشها تلك الليلة حائرة غاضبة ، تتقاذفها أصابع القدر الخفية وصورة مستقبلها المجهول . لماذا قررت البقاء على ذكرى صداقتها القديمة مع عمتها غريس.
دفنت رأسها في الوسادة . هتف صوت داخلي هازئاً . ان عدم رحيلها مباشرة يتعلق به هو ،، ديفلين،، انه السبب الرئيسي وراء بقائها وأملها في سماع كلمة واحدة تغير مجرى حياتها . ومهما كان تعلقها به وحبها له ، فكرت يائسة ، ما الفائدة من هذا الانتظار؟ آن لها الاقتناع بطبيعته واستهتاره . استغل يولالي وهو يريد استغلالها اكثر . هذا هو الواقع الأليم . ولكن عليها مواجهته كما هو . إن ديفلين رجل شرير عليها الابتعاد عنه .
كانت لا تزال كئيبة ومتعبة عندما استقبلت أنوار الصباح . ارتدت ملابسها بسرعة وتوجهت لتوها إلى جناح السيدة براندون . اعترضت يولالي طريقها قائلة :
- إن السيدة براندون لا تزال مرهقة . وقد استدعينا الطبيب لمعالجتها ولا ترغب في رؤية أحد .
عادت كريستينا أدراجها كانت تلقت تعليمات واضحة بالأعداد لحفل ثيو . عمدت إلى إرسال كل بطاقات الدعوة ، ثم توجهت للتباحث مع السيدة كريستوف ، وجدتها متجهمة الوجه ، تبدي تأففها من الحفل وهموم استقبال الناس والاهتمام بهم فقررت أن تتحدث ألى الطاهية مباشرة .
منتديات ليلاس
كانت كريستينا في حالة يرثى لها ، عندما سمعت هدير سيارة خارج المنزل ولمحت السيدة كريستوف تفتح الباب لزائر أتى للاطمئنان على صحة السيدة براندون ولكن أصابتها الدهشة وهي ترى لورنا مينارد تدخل غرفة المكتبة فلحقت بها :
وتهللت أساريرها :
- لورنا! يا للمفاجأة السارة . ماذا تفعلين هنا؟
ردت لورنا تتكلف ابتسامة باهتة :
- استدعتني السيدة براندون هذا الصباح ويبدو آن علي مساعدتك في شؤون الحفل خاصة وانك ستكونين سيدة المنزل عما قريب .
حملقت كريستينا مندهشة :
- ماذا تقولين؟ هل أصبحت حديث الجزيرة؟
أجابت لورنا بعفوية :
- أنك على كل شفة ولسان . لم تعد القضية سراً أليس الحفل من اجل إعلان الخطبة؟
قالت كريستينا ببطء :
- لا . أن الحفل من أجل عيد ميلاد ثيو لا أكثر ولا اقل .
نظرت إليها لورنا بارتياب :
- كنا نتوقع زواجك من ثيو منذ أن وطئت قدماك ارض سانت فيكتوار .
قالت كريستينا مستاءة :
- يا لخيبة الأمل . أطمئنك يا لورنا إنني سأعود إلى إنجلترا الأسبوع المقبل ولن يرى وجهي أحد من عائلة براندون بعد ذلك.
ارتسمت إمارات الغبطة على وجه لورنا :
- هل أنتِ جادة؟ يا له من خبر سار! ولا أخفي عنك مدى كراهيتي لهذا الصبي الأناني المدلل . إن زوجي كلايف لا يقل كرهاً لثيو عني ياله من ولد قذر وجبان كلما وقع نظري عليه أخال أنني أرى إبليس اللعين .
نعم ، فكرت كريستينا هذه هي الحقيقة التي فاتتها ، حقيقة غطرسته وحبه للسيطرة والاستبداد وفظاظته . كانت تظن أن تحذير العراف ينطبق على ديفلين ولكنها كم كانت مخطئة! الآن تعرف من هو إبليس الحقيقي .
استطردت لورنا :
- ولكن كيف ستغادرين هذا المكان؟ إن عائلة براندون لا تنهزم بسهولة .
- وعدتني السيدة براندون أمس بمساعدتي على الرحيل فور انتهاء الحفل .
حدجتها لورنا مستغربة :
- يبدو لي أنها تخدعك ، وإلا ما معنى طلبها منا اخذ الخاتم إلى الصائغ لتنظيفه وتصغير حجمه وطلبت منا الاستعجال .
علقت كريستينا :
- هكذا إذن . كانت السيدة براندون تريد وضعي أمام الامر الواقع في ليلة الحفل معتقدة أنني لن اجرؤ على رد طلبها أمام أصدقائها .
سألتها لورنا برقة :
- وهل ترفضين طلبها في وضع كهذا؟
تنهدت كريستينا :
- أنه موقف حرج . ولذلك علي الهرب بأسرع وقت . متى يبحر المركب من الميناء؟
- الساعة الرابعة بعد الظهر . ولكن كيف ستصلين إلى هناك؟
تراقصت عينا كريستينا :
- سأطلب من لويس نقلي بالسيارة . سأختلق عذراً ملائماً فأقول له أنني أريد مقابلة فرقة موسيقية لاكتشاف إمكانية استئجارها ليلة الحفل .
سألتها لورنا :
- وماذا عن أمتعتك؟ كيف ستحملينها معك بدون إثارة الشكوك؟
رمت كريستينا يديها متأوهة :
- لابد من العثور على وسيلة ما .
قالت لورنا :
- احزمي أمتعتك وضعيها في مكان أمين . ثم أخذها معي إلى بيتي واحتفظ بها حتى تتدبري أمرك فأرسلها إليك .
- شكراً يا لورنا . لا أدري كيف أعبر عن عرفاني بالجميل .
تنهدت لورنا :
- والآن لنعد إلى الحفل وتدبير شئونه .
تناولت كريستينا طعام الغداء بسرعة ، ثم تسللت إلى غرفتها لحزم أمتعتها وكانت قد أنهت إعداد كل الترتيبات اللازمة للحفل ومن كل النواحي . ظل شبح ديفلين براندون يطاردها ، ويلقي بينها وبين مستقبلها ستاراً غامضاً ملياً بالتساؤلات . عقدت العزم على نسيانه ، تابعت أفكارها ، لم يبدر منه ما يشجعها ويمنحها بعض الأمل لتوقع تطور إيجابي حقيقي في موقفه .
ألقت نظرة أخيرة حزينة حولها ، ثم حملت حقائبها عبر السلم الخلفي ، ومضت إلى طرف الحديقة واخفت الحقائب تحت شجيرة مورقة بانتظار مجيء لورنا لنقلها في الوقت اللائم ثم أقفلت عائدة إلى غرفتها وهبطت إلى الدور الأرضي حيث كانت لورنا تتوقعها بلهفة مع السيدة كريستوف وقالت لورنا بهدوء :
- أن لويس ينتظرك في السيارة ، لقد أخبرته على ضرورة ذهابك إلى المدينة للاتفاق مع فرقة موسيقية .
شكرتها كريستينا بابتسامة ذات معنى ، وسارت نحو الباب الأمامي فرأت لويس يتمشى أمام السيارة مترقباً قدومها , هرول يفتح لها الباب بكل لباقة واحترام .
انطلقت بهم السيارة تترنح صعوداً وهبوطاً فوق الطريق وبقى لويس صامتاً يصفر ألحاناً ناعمة . نظرت كريستينا من النافذة إلى الحقول ، غارقة في تفكير عميق . كان عليها أن تدبر مكاناً للسكن .
ورأت أن يكون هذا المكان غرفة في فندق حيث تعرض على صاحبه بعض الخدمات مثل الغسل أو الكنس أو أي شيء آخر مقابل سكنها مجاناً وما أن تستقر حتى تعمد إلى كتابة رسالة مفصلة تشرح فيها مشكلتها لسيد فريث .
لاحظت فجأة أن السيارة تزداد ترنحاً وتأرجحاً ورأت لويس ينحرف إلى جانب الطريق ويتوقف . خرج من السيارة وألقى نظرة على العجلات وصاح :
- لا بد من تغيير العجلة الأمامية يبدو أنها ثقبت .
ولم تعد تذكر كم استغرق تغيير العجلة اللعينة . لكنها انتظرت مدة طويلة ، ونفذ صبرها ، ولويس كان لا يزال منكباً على العجلة يفكها بجهد النفس ولا يجد سبيلاً إلى وضع عجلة أخرى مكانها .
وأخيراً نجح لويس في إنجاز عمله ، فداخلها بعض الاطمئنان ، وانطلقت بهم السيارة نحو الميناء .
غادرت كريستينا السيارة وأشارت على لويس بعد انتظارها فرفع قبعته قائلاً :
- كما تشائين يا آنسة .
أدركت كريستينا أن لويس هو الآخر سمع باقتراب زواجها من ثيو واخذ يظهر لها احتراماً يليق بسيدة البيت في المستقبل . أسرعت الخطى عبر الشوارع المزدحمة التي عرفتها جيداً أثناء وصولها المارتينيك . تفقدت ساعة يدها لتتأكد من عدم تأخرها عن موعد إبحار المركب وما هي إلا لحظات حتى رأت الميناء أمامها والمركب يرسو قرب رصيفه . وكان الناس حوله ، فاعتقدت انهم يستعدون للسفر والإبحار .
ومر أمامها أحد راكبي الدراجات فتقدمت منه مستفسرة عن حقيقة ما يجري ومعنى تجمع الناس بهذه الكثافة . أجابها بعجب :
- ألم تلاحظي تلبد الغيوم في الفضاء . إن العاصفة على وشك الهبوب ولن يبحر المركب نتيجة لذلك بانتظار تحسن الجو يوم غد انه الإعصار الرهيب يا آنسة .
تراجعت كريستينا تجر أذيال الخيبة والفشل . أين تذهب الآن؟ لا يمكنها العودة إلى ارك اينجل وليس من السهل العثور على مكان تلجأ أليه حتى موعد الإبحار الثاني . كانت تسير ببطء فوق الرصيف تضرب أخماساً بأسداس عندما أحست بقبضة عنيفة تطوق يدها وأعلن ثيو براندون مبتهجاً :
- يا للصدفة العجيبة! ماذا تفعلين هنا يا عزيزتي .
|