كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ياله من نقاش مخيف ، فكرت كريستينا . ألم يكن من الأفضل لها الاكتفاء بالتنزه في الحديقة؟ ها هي تتورط أكثر فأكثر ، ولن يتورع ديفلين هذا الإبليس اللعين عن كشف قصتها كاملة معه في كوخه الحقير . وفجأة رجع الجرسون ينحني قائلاً :
- مطلوب على الهاتف سيد براندون.
تنفست الصعداء ، ثم خابت آمالها . كان الجرسون يخاطب ثيو وليس ديفلين وحملق ثيو في الرجل متعجباً :
- أنا؟ ولكن من يريدني؟
ووقف على قدميه ، ومشى وراء الجرسون مندهشاً . جلست كريستينا صامتة ، متمنية لو أن ديفلين يتركها ويعود من حيث أتى . كان وجوده قربها . لا يفصل بينهما سوى طاولة صغيرة مقلقاً يثير في نفسها مشاعر غريبة لا تدري كيف انتابتها . قررت الاعتصام بالصمت وتجاهله . قال كأنه يقرأ أفكارها :
- إنها خطة فاشلة ( وشدها من معصمها ) تعالي نرقص .
اشتعلت وجنتاها خجلاً :
- لا . لا أريد أن أرقص .
تابع بإصرار :
- أما أن نرقص أو نتصايح أمام الناس . وإياك التعلل بآلام كاحلك . انك شفيتِ تماماً وتعرفين ذلك جيداً .
رضخت بامتعاض . وقادها إلى حلبة الرقص . حاولت الاحتفاظ بمسافة بينهما ، سألت نفسها . وكيف حرك عواطفها تجاهه وهي تعرف مدى خبثه وكره عائلة براندون له؟
تأمل وجهها لحظة ، ثم سألها :
- متى سيطلب ثيو يدك؟
حبست أنفاسها :
- ماذا تقول؟ هل تريد الإيقاع بيني وبين ثيو؟
استطرد مازحاً :
- لا تتظاهري بالغباء . ما معنى وجودكما هنا الليلة؟ ولماذا أتيتِ من إنجلترا في المقام الأول؟
ازداد صخب الموسيقى . ظلت تدور حوله وكأنها تغرق في حفرة عميقة لا قرار لها .
ألح بصوت أجش :
- أريد جواباً . أليس صحيحاً ما أقول؟
تنهدت مرتاعة في غضب :
- كلا. لقد شرحت لك سبب مجيئي إلى سانت فيكتوار ، لماذا لا تصدقني؟ أنا .. أنا لم اكن اعلم بوجود ثيو حتى وصلت إلى ارك انجل . وهو ليس خطيبي فأنا بالكاد اعرفه .
بدت عيناه جامدتان في قسوة .
- لم اكن أتحدث عن الحب . ومدى معرفتك به مسألة لا أهمية لها عندي . ألم تذكري لي بنفسك انك فقيرة لا تملكين شلناً واحداً وربما كنت تبحثين عن زوج ثري مثل ثيو .
كادت أن تلطمه بقوة قبضتها . ولكنها أرادت إغاظته بأسلوب آخر :
- هل تعتقد إنني دمية معروضة للبيع؟
خرجت الكلمات من فمها حادة ، تقطر المرارة منها . وعجبت لقلقها الزائد واهتمامها بآراء ديفلين ، وكيفية اهتمامه بها .
هز كتفيه ممعناً في سخرية لاذعة :
- إن عمتي هي التي تقرر ذلك . ولا اعتقد أنها أتتِ بك إلى هنا بدون أن تتأكد من إتمام الصفقة .
- أنت مخطئ ولكن لا ألومك على إساءة فهمي . لقد أخبرتني عمتك عن مدى خيبة آمالك لحرمانك من الإرث . وأستطيع أن أتصور لماذا لا تريد أن اعقد قراني على ثيو ولكن ما لا افهمه هو لماذا تنظر إلي كجزء من مؤامرة دنيئة لتجريدك من أي حق لك في ارك اينجل .
- اعرف انك بريئة من التورط في أي مؤامرة دنيئة . إن المؤامرات هنا بدأت منذ سنوات عديدة وقبل أن تدري عمتي بوجودك . ولكن هذا لن يغير شيئاً إذا كنت تؤمنين فعلاً بكل كلمة تقولينها ، فستغادرين هذا المكان وتعودين ألى انكلترا بأسرع وقت .
توقف عزف الموسيقى وتفرق ، عائدين إلى طاولتهم . استدارت كريستينا تهم بالذهاب مرددة :
- سبق لي أن أخبرتك انه مستحيل علي الرجوع . والآن أرجوك اتركني وشأني .
شدها من يدها :
- تريدين مني أن أتركك وشأنك مع ثيو !
شمخت بأنفها :
- نعم ، إذا كان عقلك يظن ذلك .
وسحبت يدها بعنف وسارت متثاقلة نحو طاولتها . كانت أعصابها كالوتر المشدود يا لها من سخافة ! فكرت والندامة تعضها . لقد نجحت في إغضاب ديفلين ولا شك أن ثيو ينتظرها غاضباً هو الآخر .
ولكنها أخطأت الظن . رأت ثيو يجلس مبتسماً ، بادي الارتياح . أثنى عليها قائلاً :
- انك تجيدين الرقص يا كريستينا ( ثم تفرس في ملامحها ) هل أنتِ بخير؟ يبدو عليك الشحوب .
واغتنمت كلماته قائلة :
- أخبرتك إنني أعاني من صداع حاد .
- لا تقلقي . هيا بنا . آن لنا أن نعود قبل أن ينفذ صبر جدتي .
فوجئت كريستينا برباطة جأشه ، ودماثة أخلاقه وهو يمضي بها إلى الخارج ربما أدرك خطة ديفلين لاستفزازه ، فأحبط مساعيه . رأت كريستينا أن ثيو انضج عقلاً مما كانت تظن .
استلقت فوق مقعد السيارة ، وأسندت رأسها إلى الوراء ، مصممة على التزام الصمت المطبق وكأنها تعاني فعلاً من ذلك الصداع . وغرقت في تفكير عميق بينما كان ثيو يركز أنظاره على الطريق الملتوي .
استعادت كلمات ديفلين براندون . هل تصدق ما يقوله؟ حدثها بمنتهى الجدية وكأن زواجها من ثيو أمر مؤكد ومحتم! مع ذلك ، انه شخص يعاني من المرارة ويكن حقداً شديداً لعمته وحفيدها ، وكل عائلة براندون . إذن ما يقوله ليس أكثر من تنفيس لأحقاده الدفينة ، ومجرد وهم من الأوهام .
انعطفت السيارة مخلفة وراءها تلك الصخرة الشاهقة التي أرعبتها . أغمضت كريستينا عينها . وتابعت أفكارها ، أيقنت أن ديفلين مجرد إنسان خسيس ، لن تسمح له بالاقتراب منها بعد الآن . وستطرد شبحه من ذهنها وتنساه وتدفن كل ما يذكر به في طيات المجهول . أحست بالإعياء الشديد عندما توقفت السيارة أمام المنزل تمنت لو تتوجه في الحال إلى غرفتها ، وتوصد الباب وراءها لتبكي لكن أمانيها ذهبت أدراج الرياح .
كان ثيو يلح عليها الجلوس قليلاً في الصالون ، واحتساء بعض القهوة ويعلن لها أن السيدة كريستوف ستجلب لها مسكناً يزيل صداعها . أذعنت لرأيه بعد أن بدت اعتراضاً لم يقنعه ، لم تعجبها فكرة خلوتها مع ثيو مجدداً ، وتنفست الصعداء عندما رأت السيدة براندون لا تزال مستيقظة ، تجلس تنتظرهما .
جلس ثيو بجانب جدته مقبلاً يدها ، ثم انطلق يروي لها أحداث الليلة على نحو لا تذكر منه كريستينا شيئاً . عدد لها مثلاً قائمة طويلة من الناس الذين التقيا بهم في الفندق والنادي وبطريقة توحي بأنهما قضيا الوقت وسط مجموعة كبيرة من الناس وليس وحدهما ولم يأت على ذكر ديفلين ، فأدركت كريستينا أن التغاضي عنه مسألة بديهية .
دخلت السيدة كريستوف حاملة صينية القهوة ، فقامت السيدة براندون ومضت نحو الباب بعد أن طبعت قبلة على وجنة ثيو وتمنت لكريستينا ليلة سعيدة .
وما أن خرجت السيدة براندون ، وأغلقت الباب وراءها حتى استدارت كريستينا نحو ثيو تعاتبه :
- لماذا لم تخبرها حقيقة ما جرى؟
رفع ثيو كتفيه بحركة لا مبالية :
- لأنها لا تريد سماع ذلك . عليك أن تتعلمي كيفية التعامل مع جدتي وهذا ما ستكتشفينه مع مرور الوقت .
انحنت كريستينا تلتقط فنجان القهوة , ورشفت قليلاً منه بشفتين مرتجفتين . استطرد ثيو :
- كانت جدتي فرحة للغاية الليلة . ارتاحت إلى رؤيتنا نخرج ونجلس معاً . إن أحدنا يكمل الآخر ، ألا تعتقدين ذلك؟
علقت كريستينا مضطربة البال :
- اشعر بالإرهاق ، والأفضل أن اذهب إلى حجرتي وآوى إلى الفراش .
علت ملامحه ابتسامة ذات معنى :
- هل تنوين تمثيل لعبة القط والفار؟
صاحت ساخطة في حدة وغضب :
- انك شاب وقح .
اقترب منها قليلاً :
- لا يمكنك خداعي . هل تفضلين ديفلين علي؟ أتظنين أنني لم الحظ كيف كنتِ تراقصينه؟ أنا لست غبياً يا كريستينا .
وانقض عليها كالذئب الكاسر ، ملقياً بثقله فوقها . استجمعت قوها ، فدفعته عنها بقوة وركلته بقدمها ، فتدحرج فوق ارض الغرفة . استلقى على ظهره يحدق فيها . اخذ ينتحب كالطفل الرضيع . فوجئت كريستينا وانتابها الذعر :
- بحق السماء يا ثيو ما الذي دهاك؟ ما هذا العويل؟
نظر إليها والدموع تنهمر من مقلتيه :
- كيف لا ابكي وأنتِ تعاملينني بهذه القسوة؟
قالت غاضبة :
كف عن هذه السخافات . هل كنت تتصور إنني سأستسلم لتصرفاتك المشينة أيها الغبي؟
قال راكعاً على ركبتيه :
- لا . لا انك تسيئين فهمي . فقدت السيطرة على نفسي وأنا آسف جداً . لا اعرف كيف اعتذر لك . ترفقي بي يا كريستينا ، إنني احبك ....
انتفضت واقفة :
- اخرس! لن ادعك تخاطبني بهذه الكلمات أيها الأبله!
أجاب متوسلاً :
- لقد غضبت مني لأنني كذبت على جدتي ، ولم اكن صادقاً معها ، وتغضبين مني الآن لأنني أقول الصدق . ماذا افعل؟.. سامحيني يا كريستينا لم اكن انوي اطلاعك على حقيقة مشاعري ، ولكن عندما رأيتك مع ديفلين وعرفت كيف يتآمر لأبعادك عني ، كادت الغيرة تقتلني .
ياله من كابوس مرعب! فكرت كريستينا مجيبة :
- لا يحق لك أن تشعر بالغيرة ولا يوجد أي مبرر لذلك .
نهض على قدميه وحملق في وجهها :
- اسمعي يا كريستينا . أتذكرين تلك المكالمة الهاتفية في النادي؟ ذهبت إلى الهاتف فوجدت السماعة مقفلة ، فعرفت أنها خدعة ولما عدت كنت ترقصين معه فاتضح كل شيء . كانت مكالمة مجرد خدعة لابعادي عن طريقه . إن ديفلين رجل حاقد فهو يحقد على جدتي ويحقد علي انه يخطط لتدمير حياتي وأخذك مني .
قالت كريستينا بلهجة جادة صريحة :
- دعنا نؤكد حقيقة واحدة . أنا لست فتاتك .
خيم الصمت مثقل بالتوتر . أدار ظهره واعترض بصوت مخنوق :
- أنتِ تقولين ذلك بقصد جرح مشاعري .
أجابت بنعومة :
- كلا يا ثيو . إنها الحقيقة . أنا لا أحب خداعك منذ البداية وابدي أسفي إذا ما جعلتك تسئ تفسير موافقتي على الذهاب معك النادي . انه خطأ لن أكرره . تصبح على خير .
أوصدت الباب واتكأت عليه لحظة تستعيد هدوءها ثم سارت بخطوات وئيدة إلى غرفتها ...
كانت متأكدة من عدم تشجيعها لثيو على الاعتقاد بأنها أصبحت ملكاً خاصاً له . لا بد أن السيدة براندون هي التي دفعته إلى وضع كهذا . وطالما لاحظت علامات الرضى ترتسم على محياها كلما رأتهما سوية . ولكنها ظنت أن كريستينا فتاة فقيرة غريبة وتعرف أن هذه الأمور ذات أهمية بالنسبة إلى عائلة مثل براندون . إذن لا يوجد سوى سبب واحد . هل يحبها ثيو حقاً؟ حاولت النظر إلى المسألة بتجرد وموضوعية .
ولكن الحب قصة أخرى! لم يبدر منه ما يدل على حبه لها . ان تصرفه معها يتصف بالطيش وغياب الأدب والاحترام .
ظنت أن دوافع ديفلين سيئة النية ، وتهدف إلى استغلال براءتها كما حدثتها السيدة براندون أما دوافع ثيو فهي اكثر تعقيداً .
راحت تضرب أخماساً بأسداس إلى أن قر رأيها على الرحيل من ذلك المكان وبأقصى سرعة . ستقابل السيدة براندون وتقدم لها اعتذارها واستقالتها ومن ثم تكتب رسالة إلى السيد فريث تشرح له الوضع ، وتتوسل إليه لقرضها بعض الدراهم لتتمكن من العودة إلى إنجلترا . ما أن تستقر في بلدها حتى تبحث عن أي عمل وتدفع له القرض بشكل أو بآخر . وضعت يدها على رأسها . إنها تعاني الآن من صداع حقيقي . صعدت إلى فراشها ودفنت وجهها في وسادتها واستسلمت لملاك النوم مرهقة قلقة البال .
|