المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
أسلاك شائكة
أسلاك شائكة
منتدى ليلاس الثقافيجلست في المقهى وحيدا . كنت أحرج من الجلوس لوحدي في بادئ الأمر ولكني أقلمت نفسي على الوضع الجديد.
تغير كل شيئ .لم يتبق من الماضي سوى أشباح بعض الأصدقاء القدامى .
من الصعب أن تعيش خلال تلك الأوضاع الاجتماعية المزرية و من جهة أخرى لا تستطيع ان تبقى وحيدا
كنت أقوم بأفعال لم أكن مقتنعا بها بتاتا
فلو جربت أن أعيش كما في السابق بكل طيبة و انفتاح على الآخر فلن يتبق من لحمي شيء سيتسابق الجميع في نهش اللحم و أولهم الذين نسميهم أصحاب فالحكماء يسمونهم العدو المألوف . هم يعرفون أين يضربون زد على ذلك أنهم في موقع يمكنهم من تسديد طعنات نافذة من الخلف و في الصميم , و ذلك لأننا لم نحصن تلك المناطق و تركناها مكشوفة للمخلصين بقصد أو جهلا منا .
لقد تعلمت الدرس جيدا . و في مقتبل العمر , كنت كالبيت المبني على التل
الجميع سواء طيبون أم أشرار مكشوفون كنت أقرأ أفكارهم مسبقا و أفهم طريقة تفكيرهم فأتحاشى شر الأشرار و أنال حير الأخيار . بعض الأشرار يخادعون و يرأئون و يحسدون و يكذبون بشكل فاضح و المضحك أنهم يعتقدون أنهم يخفون و جوههم القبيحة ببراعة , وأسهل طريقة لمعرفة الكاذب أن تلاحظ طريقة الشخص الذي يكذب أمامك فإذا اكتشفت تلك الطريقة ستلاحظ أنه نادرا ما يغيرها و تراه يكذب مرارا و تكرارا بنفس الطريقة . فمثلا يرفع صوته و يدعم الكذبة الكبرى بكذبات صغيرة لأنه يشعر بأن كذبته قد يكون بها ضعف و هو كثير حركت العين و نادرا ما ينظر إليك مباشرة .
تزاحمت الأفكار في عقلي حتى كاد أن ينفجر . فتذكرت أنه لكي تشعر بالسعادة فمجرد ابتسامة تفي بالغرض , فابتسمت . كنت على موعد لمقابلة أحد المدراء للتقدم لوظيفة مميزة . تناولت القهوة على عجل .
المؤسسة فخمة البنيان و نظيفة بشكل يذكرك بتعقيم المستشفيات . كنت أول الواصلين لم يكن في قسم الادارة إلا رجل بسيط في الخمسين من العمر يجهز قهوة الصباح .
قلت : ألم يبدأ الدوام الرسمي إلى الآن ؟
قال : بلى , و لكن هناك ترتيبات جديدة كما تعلم للتو انتقلنا للمقر الجديد و الجميع مشغولين في نقل أعمالهم
قلت : سأنتظر .
قال : ما رأيك بفنجان من القهوة أنا أعدها بمهارة فائقة
قلت : شكرا جزيلا هذا كرم منك ياعم …
قال : قل لي يا أبا أحمد .و خذ فنجانك و اتبعني .
قلت : إلى أين ظ
قال : إلى غرفة الإدارة .
قلت : أفضل أن أدخل عندما يتواجد المدير فأنا أحرج بسهولة .
نظر إلي نظرة لم أفهم مغزاها,و قال : لا عليك سيكون المدير سعيدا بتواجدك .
جلس أبو أحمد على كرسي صغير بجانبي .
قال : لماذا تريد أن تدخل عندما يكون المدير موجودا .
قلت : أحب التوقيت الصحيح , فعندما تطلب ليس المهم ما تطلبه و لكن المهم هو متى تطلب ؟
قال : شاب ذكي .و لكن أعتقد أن هناك سبب آخر .
قلت : نعم فأنا لا أريد أن يراني المدير و أنا جالس فيتفاجأ أو يأخذ موقف دفاعي . أو يتصرف حسب ردت فعله و التي لا أعلمها .
قال : يبدو أنك جيد في فن التعامل مع الناس ؟
قلت : أحيانا تكون المعرفة نقمة .
قال ضاحكا : و كيف هذا ؟URL="http://www.liilas.com/vb3/"]منتدى ليلاس الثقافي[/URL]
قلت : سأعطيك مثال , عندما يكلمك شخص قريب منك عن شيء و يكتشف أن ذلك الشيء يضايقك أو يعتبر نقطة ضعف فإنه يستخدمها ضدك إن عاجلا أم آجلا, و إن أخفيت نقطة ضعفك و تأثرك سيتركك بسلام .
قال : لقد ذكرتني بصديق انقطعت عنه مدة طويلة لا لسبب و لكن الحياة و مشاغلها , و عندما قابلته أظهرت له البشاشة و السعادة , ولكن ذلك الشخص فهمها بأنه سواء أقابلني أو انقطع عني فلا يشكل ذلك أي فرق عندي لذلك استشاط غيظا .
قلت : حياتي أصبحت بلا مشاكل مع الناس حولي فقد أصبحت أفهم كيف أتعامل معهم جيدا , و لكن إحساسي بالحياة تغير .
قال : كيف ذلك ؟
قلت : أحس أن حياتي مثل الرياضي في السباق يتخطى الحواجز بمهارة و يرد الضربات بعيدا عن جسمه .
قال : ولكن لا تنسى النتيجة و فحياة كهذه أفضل من الحياة في خضم منازعات و مناوشات , أصبح من النادر مشاهدة الصداقات التي يضرب بها المثل .
قلت : يبدو أنك يا عم أبو أحمد لك تفكير مميز في هذه المواضيع .
قال : و كيف تتقي شر مديرك لو قدر لك أن توظف هنا ؟
قلت : ولما أستبق الأحداث ربما يكون بطيبتك و حسن تفكيرك ياعم , و لو قدر أنه من أهل الشر فالتعامل مع الأشرار أسهل من التعامل من الأخيار بالنسبة لي .
قال : كلام جديد لم أسمع به قبل ذلك .
قلت : أتعلم يا عم أنك لا تستطيع أن تجازي رجل الخير مهما فعلت و ستشعر بأنك مقصر في حقه و أنه متفظل عليك . أما الشرير فقد ترد عليه بالحلم أو بالحكمة أو بالتجاهل أو بما يستحقه و تكون أنت يا صاحب الحق في موقف قوي و مشرف مهما حدث .
قال : برغم صغر سنك و لكنك تمتلك بعض الحكمة .
قلت : بعضا مما عندكم .
قال : الآن أخرج و أغلق الباب خلفك ثم اطرق الباب .
قلت : و لماذا , هل سيأتي المدير الآن أما قلت أنه من الممكن الجلوس و انتظاره في الغرفة ؟
قال : افعل كما قلت لك
خرجت و لكن لم أفهم , لذلك عندما دققت الباب
هيئة نفسي لكل شيء فالمفاجئة قد تربك و تشل التفكير
حالما دخلت و جدت أبو أحمد جالس على كرسي المدير , هل هو المدير , هل أخطئت هل ..
قال : تفضل يا أستاذ سامي .
قلت : أنا آسف فقد اعتقدتك أحد الموظفين
فقاطعني و قال : الجميع ينخدع بمظهري .
قلت : أتمنى أن لا تأخذ فكرة سيئة عني فقد تكلمت كلاما كثيرا أتمنى أن لا تعتبر كلامي السابق ضمن المقابلة الرسمية .
قال : بل بالعكس , لقد أظهرت لي حقيقتك بدون رتوش أو أقنعة , و قد أعجبني كلامك كثيرا , و أتمنى أن تحصل على هذه الوظيفة فأنت تستحقها لأنك شاب ذو خبرة في التعامل مع الشخصيات المختلفة و المتناقضة , و لكن لم أرى شهاداتك و لم أعرف إذ تنطبق عليك الشروط أم لا , لهذا قدم ملفك لي رسميا و سأعتبر حديثنا السابق هو المقابلة الشخصية لك و قد نجحت فيها بتفوق , و انتظر النتيجة النهائية بعد أسبوعين .
تنفست الصعداء بعد خروجي من المكان , و لكن شعرت بسعادة خفية في داخلي , و ذلك لأني أول مرة في حياتي أقول كل ما عندي بدون زيادة أو نقصان بدون أن أغير أو أجامل , و كان كلامي يحدد مصير وظيفة مرموقة و مستقبل بانتظاري .
لقد كان إحساسا ممتعا أن تتكلم بصراحة و تعرض الحقائق كما هي , أنا أعلم أن تلك المواقف نادرا ما تتكرر , و أنها تحدث عندما نقابل أناس لا نعرفهم و بشرط أن نرتاح لهم , هل السر في المسافة الروحية و الاجتماعية . أم السر في أهدافنا و مصالحنا و خوفنا على علاقاتنا الاجتماعية . رجعت إلى البيت و أنا أتفكر في الحكمة التي تقول : جاءت الحقيقة للناس عارية فسخطوا منها , فعادت مرة أخرى و هي تختفي بين ألف كذبة .منتدى ليلاس الثقافي
|