المنتدى :
المنتدى الاسلامي
أئمة المساجد مواطنون شيوعيون صالحون في الصين
يزاوج "معهد نينغشيا للعلوم الإسلامية"، شمال الصين، بشكل فريد بين تلقين علوم الدين، والنظريةالاشتراكية، واقتصاد السوق.
وخريجو هذا المعهد ليسوا أئمة مساجد فحسب، بل لديهم، أيضا، مؤهلات للأعمال التجارية، وقبل ذلك، هم "مواطنون شيوعيون صالحون".
تأسس هذا المعهد التخصصي الجامعي قبل 24 عاما، وسط مدينة إينتشوان، عاصمة محافظة نينغشيا ذات الغالبية المسلمة، بمنحة من البنك الإسلامي للتنمية قدرها 13ر1 مليون دولار، على مساحة تفوق أربعة هكتارات. ويتوفر المعهد على إقامة للطلبة ومسجد، ويدرس به، خلال الموسم الجامعي الحالي نحو 380 طالبا، بينهم 70 طالبة، غالبيتهم من قومية "هوي"، واحدة من عشر قوميات صينية تعتنق الإسلام.
ويرى دين لين، مدير المعهد، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا المعهد "يعكس سياسة الصين في الحريات الدينية، وهو أداة فعالة لتأطير وتأهيل أئمة المساجد، فإلى غاية الآن، أنجز تكوين وإعادة تكوين مئات من الأئمة، بعضهم قدم من منطقة منغوليا، ذاتية الحكم، أو سيتشوان، حيث توجد أقليات مسلمة".
وأضاف لين أن معهد "نينغشيا للعلوم الإسلامية" هو الوحيد من نوعه في محافظة نينغشيا، يحصل على غالبية ميزانيته من المحافظة، ومن بعض المحسنين من الدول العربية، الذين يقدمون الزكاة، وساهم، طيلة 24 عاما، في تلبية حاجيات أزيد من 4 آلاف مسجد بمحافظة نينغشيا من الأئمة والمدرسين والمرشدين الدينيين.
تبلغ رسوم الدراسة في المعهد ألفي يوان (2600 درهم) في السنة، ويقول دين لين إنها أقل بكثير مما هو مطبق في النظام الجامعي الصيني العادي، حيث تبلغ الرسوم 400 يوان في الشهر.
وأضاف أن المعهد هو الذي يعد برامج التدريس الأكاديمية بمختلف تفاصيلها، ويسلمها لمكتب الدولة لإدارة شؤون الأديان، الذي يبدي ملاحظاته ويصادق عليها.
وفي الصين، حيث لا شيء يترك للصدفة، يسعى"معهد نينغشيا للعلوم الإسلامية" إلى تقديم صورة دولة "تحترم" أقلياتها الدينية، وتلبي حاجياتها الروحية، لكن وفقا لمبادئ النظام الاشتراكي المؤطر للحياة السياسية للدولة، ولليبرالية التي تحرك اقتصادها.
ولا يرى القائمون على مثل هذه المناهج أي تعارض بين مكوناته الثلاث، فنظام تعليم مماثل، يقولون، لن يترك أي مجال لتولد التطرف، ولا للتمرد على سلطة الحزب الشيوعي الحاكم.
وفي الوقت ذاته، تتيح دراسة مواد التجارة أمام الخريجين فرصا رحبة للعمل في الشركات، التي تتعامل مع العالمين العربي والإسلامي، وهي بالآلاف حاليا.
فعلى المستوى التخصصي، تلقن بالمعهد مواد كالتفسير، والحديث، وأصول الفقه، وتاريخ الإسلام، وغيرها، باللغتين الصينية والعربية معا، وغالبا ما يلجأ الأستاذ الى قراءة النصوص من أصلها العربي، فيما يكون الشرح بالصينية.
وتمنح للخريج شهادة "الإجازة في العلوم الإسلامية"، بعد أربع سنوات من الدراسة.
ويشتغل بالمعهد أستاذان مساعدان من اليمن ومصر، هما الوحيدان اللذان يقدمان دروسا كاملة باللغة العربية.
من جهته، يقول آدم حسن ناخنغ تشي، أستاذ الحديث والتفسير بالمعهد، لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن معظم الأساتذة الصينيين الذين يدرسون بالمعهد يتقنون اللغتين، وغالبيتهم تخرج من جامعات عربية.
ويضيف أنه، خلال سنة 2007، تخرج من المعهد 69 طالبا، 7 منهم أصبحوا أئمة مساجد، و4 خريجات مرشدات دينيات يشتغلن حاليا في مدارس ومساجد بالمحافظة.
وأضاف أنه، لحد الآن، تابع نحو 60 من خريجي المعهد دراساتهم العليا في مصر، والسعودية، والكويت، وسوريا، وغيرها من الدول العربية.
وتلقن داخل المعهد المبادئ الاشتراكية، على غرار مختلف الجامعات والمؤسسات التعليمية الصينية، كما تمارس يوميا كسلوكيات داخل الحرم الجامعي، بضوابط وقواعد يفرض على الجميع احترامها. فما إن تفرغ الدراسة داخل المعهد، حتى يتوزع الطلبة على مجموعات، كل واحدة تتكلف بأعمال، كالتنظيف، أو تحضير الطعام، أو البستنة، مع احترام التراتبية، والنظام والانضباط التام، والطاعة.
هذا الانضباط التام، تلخصه مبادئ سلوك عامة تنتصب عند مدخل فصول المعهد بخط عربي أحمر بارز، عنوانها "وجهة النظر الاشتراكية في المجد والخزي". وتستفز هذه المبادئ الطلبة وتحفزهم في آن، خصوصا على التمسك بمبادئ وقيم النظام السياسي القائم. إنها تحفزهم على "التشرف بخدمة الشعب والخزي من خيانة الشعب، التشرف بالاجتهاد في العمل، والخزي من حب الرفاهية وكراهية العمل، التشرف بتحمل المشقة والنضال، والخزي من الكبر والإسراف والفجور والرفاهية، التشرف بتمجيد العلم، والخزي من الجهالة والغباوة ".
من جهة أخرى، يدرس المعهد مواد ذات صلة بالتجارة والأعمال، الهدف منها إتاحة آفاق شغل أرحب بالنسبة لأولئك الذين قد لا يجدون فرصة للعمل كأئمة أو مرشدين دينيين.
ولعل الواقع الراهن للعلاقات التجارية السريعة التطور بين الصين والعالم العربي فرضت على القائمين على المعهد هذا التوجه، إذ سنويا، تستقبل الصين عشرات الآلاف من التجار العرب، القادمين لشراء البضائع، وإبرام الصفقات التجارية، غالبيتهم يكونون في حاجة لمستعربين صينيين، ومترجمين، وذوي دراية بالثقافة العربية الإسلامية.
يقول دين لين، مدير المعهد، إن خمس المتخرجين من المعهد يصبحون أئمة مساجد، أو مرشدين دينيين، وأساتذة للغة العربية والدراسات الإسلامية بالمدارس الدينية في نينغشيا، وجزء قليل يختار متابعة دراساته العليا في جامعات عربية، فيما يتوجه الغالبية للأعمال الحرة والتجارة، حيث يشتغلون غالبا في الترجمة، أو عمليات الوساطة في مدن الجنوب، حيث يقدم التجار العرب.
وتوجد بالصين عشرة معاهد إسلامية تخصصية من مستوى جامعي، على غرار معهد نينغشيا للدراسات الإسلامية ، يدرس فيها أزيد من 5 آلاف طالب للعلوم الإسلامية واللغة العربية.
ومن بين القوميات الـ 56 التي يتشكل منها نسيج المجتمع الصيني، توجد عشر قوميات يدين أفرادها بالإسلام (هي هوي، والويغور، والقازاق، ودونغشيانغ، والقرغيز، وسالار، والطاجيك، والأوزبك، وباوآن، والتتار). وحسب الإحصائيات الصينية الرسمية، يبلغ إجمالي عدد مسلمي الصين نحو 28 مليون نسمة (يشكلون نحو 4.1 في المائة من مسلمى قارة آسيا، ونحو 2.9 في المائة من مسلمي العالم)، وتشكل قومية هوي وحدها أزيد من 10 ملايين من هؤلاء المسلمين.
ويتمركز أبناء قومية هوي في محافظات نينسيا، وقانسو، وشاشنتسي، وسينجيانع، أي على طول الخط القديم لطريق الحرير، الذي كان يربط العالمين العربي والإسلامي بالصين.(و م ع)
|