ضحكات تملأ المكان..أصوات فرحه..وجوه يرتسم على شفاهها الفرح..
بعودة الغائبه..
أخذت تحتضنهم بحرارة..لقد اشتاقت إليهم كثيرا..اشتاقت لهم أكثر من أي يوم كانت هي بعيدة عنهم فيه..فهي لم ترهم منذ شهرين وربما أكثر..
بعد أن جلست معهم لمده..اتجهت إلى غرفتها ومعها حقيبتها..
أخذت تمشي وأشواقها تسبقها إلى تلك الغرفه..التي حنت إليها كثيرا..دخلت إليها..أحست أن شيئا بها تغير..أو ربما الغرفة لم تتغير..بل هي التي تغيرت..
وضعت الحقيبه على سريرها الذي اشتاقت النوم عليه من جديد..فتحت حقيبتها..أخرجت أول لباس لها..ولكنها لم تكمل..فقد سمعت صوتا..إنه صوت عمتها تناديها..تركت ما بيدها..وجرت إليها..
سلام حار..وبعده سألت سؤالا..
* عزيزتي..أتعلمين بم حصل لصديقتك ؟
ـ قالت بأسى: نعم..علمت أنها بحالة غير جيده..ولكنني سأذهب لزيارتها بعد قليل إن شاء الله..لقد اشتقت لها كثيرا..
* قالت: غاليتي..صديقتك رحلت عن الدنيا منذ أسبوعين..ولكننا لم نشأ أن نخبرك بسبب.....
لم تدعها تكمل..أتاها الخبر كالصاعقه..تغيرت ملامح وجهها..وخطف اللون منه..
ـ ماذا تقولين؟؟..أنت تكذبين..مستحيل!!...
اتجهت كالمجنونة..إلى ذلك الهاتف في آخر الغرفه..
لقد نسيت كل الأرقام..وكل الأسماء...
نظرت إلى أخاها بنظرة طفل يخنق عبرته..سألته:
ـ صديقتي رحلت؟!..
لم يجب...
جرت إلى غرفتها وارتمت على فراشها..وهمت في ذلك النحيب والبكاء..أخذت صورتها تمر من أمامها..أخذت تستعيد شريط ذكرياتها معها..
" مستحيل..إنها الإنسانة التي عشت معها أجمل سنوات عمري..من المستحيل أن تكون قد رحلت عني..لقد أتيت لأراها..لأقول لها أنني أحبها أكثر مما تتصور..لقد كنت أفكر وأنا هناك..بالهدية التي سوف أقدمها لها.."
ازداد بكاءها...لقد كان قلبها يخفق بتلك القوة..التي لم يخفق بها من قبل..
لقد كان جسدها يرتعش ..بقوة لم يرتعش بها من قبل..
دخلت عمتها عليها..وهي في هذه الحاله..حاولت أن تهدئها..
* قالت: عزيزتي..هذا قضاء وقدر..
صرخت في وجهها..
ـ أنتم خونه..لماذا لم تخبروني؟!..هل استخسرتم في رؤية وجهها..لقد كنتم تقولون لي أنها بخير..أنتم جميعكم كاذبون...لقد حرمتموني حتى من كلمة الوداع...
أقبل أخاها..
نظرت إليه..إنها تراه كالخيال..فقد ملأت الدموع عيناها..
لقد كانت كطفلة صغيره..افتقدت شيئا عظيما في حياتها..فوضعت أطراف أناملها بين شفتيها..تعض أصابع الندم..
ـ قالت: لقد رحلت....
اقترب منهاوأخذها بين ذراعيه..لم ينطق بحرف واحد..وهي كذلك..وما كان منها إلا أن ازداد بكاءها...
* قالت لها عمتها: كفي عن البكاء..البكاء لن يدعها تعود إليك..لقد كانت بحالة سيئه..لو رأيتها لتمنيت لها الموت..لترتاح روحها..ادعي لها بالرحمة والغفران...
وهي تنطق بهذه الكلمات..
أرادت أن تضع كفيها على أذنيها..إنها لا تريد أن تسمع حرفا من ذلك الكلام..لأنها لا تريد أن تصدق..أو أنها لا تصدق فعلا...
أخذت تنظر إلى تلك الغرفة..بعد خروجهم..
أحست أنه تبكي معها على تلك الإنسانه..التي لن تجد مثيلا لها في حياتهاأبدا..شعرت أنها تصرخ معها..تتحسر معهاعلى تلك الذكريات..
" آه من الذكريات..ياليتني بلا ذاكره..كي لا أتذكر كل ما كان بيني وبينها...كي لا أتذكر تلك الضحكه التي كانت تملأ الدنيا سعادة وبهجه..تلك الحكايا التي كانت تحكيها لي..كي لا أتذكر ذلك المرح..وذلك الحب الذي طالما غمرتني به..والذي لم أقدره وأفقده إلا الآن..والآن فقط...."
نظرت إلى حقيبتها..وأخرجت تلك الرساله..
" لقد كانت منها..لقد كتبتها لي..تقول بها أنها تحبني أكثر وأكثر..وأنني الصديقة العزيزة على قلبها..."
ضمت الرسالة لصدرها..تحسرت على كل لحظة لم تقل بها أنه تحبها أكثر وأكثر..أخذت تبكي بكاء مرا..فهي لم تفقد شخصا عظيما وعزيزا بهذا القدر في حياتها..
لقد شعرت بذلك الشعور..شعور الفقدان والحرمان..هي حرمت من أغلى صديقه..لقد كانت تعني لها الكثير..وإن لم تفصح لها بذلك..
أحست أن الدنيا بسعتها..أصبحت صغيره..صغيرة جدا..أخذت تدعي لها مرات ومرات من صميم قلبها..أخذت تدعي..وذلك النحيب يلازمها..
كان قد أتى أحد ما..ووقف هناك قليلا ثم ذهب..لم تعلم من هو ولم تره..
هنا..تذكرت والدتها..وتذكرت نظرات الخوف في عينيها حين استقبلتها..فغسلت وجهها..وجرت خطاها الحزينه..
دخلت عليهم..فأخذوا ينظرون إليها بنظرات الرحمة والشفقه...
نظرت إلى والدتها..فوجدتها مديرة بوجهها عنها...ربما كانت لا تريد أن ترى أن ترى ذلك الوجه وهو في قمة الحزن..وفي قمة الضعف أيضا...
جلست وآلامها معها..
أخذت الدموع تنسكب من عينيها رغما عنها..
بعد لحظه..وضعت رأسها بين ركبتيها...
هي خائفه..خائفة من كل شئ..من الدنيا.. من الناس..من المستقبل..من الحزن...من الألم..خائفة حتى من نفسها..لا تعلم لماذا؟!..
لقد كان النور يملأ المكان..ولكنها كانت تراه عتمة وظلام..
كان الهدوء يعم المكان...ولكنها كانت تسمعه صخبا وضوضاء...
لكن...صوتا ما..بين تلك الضوضاء..كان مألوفا..كان مريحا..به نشوة حنان..وحب ..وأشياء أخرى كثيره تحن إليها...
هي تسمعه...تعرفه..إنه صوت صديقتها..
صوتها في آخر مكالمة لها...يمر في خيالها ذلك الصوت..تلك الضحكه..تلك الآه التي أطلقتها حين شكت لها الألم..
نعم..هي تسمعه..تحس بها وكأنها بجانبها..
هنا..بدأ خيال الحقيقة....
هي الآن تكاد تؤمن أنها لم ترحل..
إنهاتسمع دقات قلبها..تستشعر أنفاسها..تسمع ضحكاتها...تحس بها معها..فكيف رحلت؟!!...
رفعت رأسها..نظرت حولها..في تلك الوجوه..لم تجد وجهها..كاد الجنون يصيبها..
" كيف أسمع صوتها..ولا أراها؟!!..."
نظرت إليهم مرة أخرى..اغرورقت عيناها بالدموع..كانت كمن يبحث عن ذرة في كون واسع...
لم تستطع الإحتمال أكثر..لم تستطع إجبار ذلك القلب أن يكون قويا..ولم تستطع إجبار تلك العينين..أن لا تذرف الدموع....
خرجت مسرعة من تلك الغرفه..متجهة إلى غرفتها وهي تبكي..
ارتمت على فراشها..تبكي الصديقه..والحبيبه..
لقد كان تقول وهي بعيده..
" أول أمر سأفعله حين وصولي..هو زيارتي لها"...
نعم..عادت..ولكنها لم تجدها...
لقد علمت مسبقا..أنها تعاني من شئ ما..ولكن كان في قلبها أمل..أمل عظيم...أمل وتفاؤل..لم يكن بقلبها من قبل..حتى في الأمور التي تخصها..فهي كانت دائما أقرب للتشاؤم منه للتفاؤل...
ظلت تبكي طيلة تلك الليله..بكاء أسى..ندم..وألم..
ذرفت تلك الدموع..مع أنها متيقنة أنها لم ترحل عنها...أنها لم تذهب بعيدا...
مرت الساعات..والأيام..والأسابيع...وهي تحمل معها ذلك الجرح وذلك الألم...
واقترب موعد العوده..
فلم يبق سوى أيام قلائل..وتعود لغربتها..
هي لم ترد ذلك..لقد أرادت أن تبقى في أحضان أبيها وأمها..وبين إخوتها..لا تريد أن تفقد إنسانا غاليا.. وهي هناك...
ولكن الأيام.. لم تستجب لها..وأجبرتهاأن ترحل..
عادت ..لتلك الغربة الخانقه...
عادت لآلامها التي أتت وهي تحمل الضعف منها...
مضى شهران..منذ أن علمت الخبر..
لقد اعتادت في كل يوم..أن تخط أحرفاهي كيوميات لها..ولكن..منذ ذلك اليوم..لم تكتب حرفا واحدا....
وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة..أخذت ذلك الدفتر الصغير..واحتضنت قلمها..وكتبت...
" أعلم أنك بعيدة عني..أعلم أنني لا أستطيع لقياك..أو سماع صوتك..ولكنني لن أصدق أنك رحلت عن دنياي..أنت باقيه...باقية في قلبي وذاكرتي للأبد..
ستبقين سحابة بيضاء جميله في سمائي..ستبقين مطرا يروي أحلامي وخيالي..وعشبا أخضر يزين دنياي...ستبقين شمسا مشرقة تطل علي كل صباح بأشعتها الذهبيه..وقمرا منيرا يبزغ في كل أمسية ليلية.. لي أنا وحدي..فقط..
هذه أنت صديقتي..ذكرى رائعه..وحاضرا أروع..
فلن أنساك..مادام قلبي الصغير...ينبض بالحياه...
منتدى ليلاس الثقافي
أحبك "....