كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
الجزء الأول
الثلاثاء منتصف أبريل،
حي جنوب وسط مدينة الدار البيضاء
استيقظت ككل صباح مليئة بالحيوية..مارست طقوسها الدينية فجرا (صلاة وقراءة قرآن)، مارست بعض الحركات الرياضية، هيأت إفطارها ومن تم استحمت كالعادة وتناولت الفطور ثم خرجت بخطوات مسرعة بعد أن ارتدت أجمل الحلل (بذلة رسمية مكونة من جاكيت طويل أسود بياقة عالية، سروال من نفس اللون، حذاء بكعب عال حليبي وقميص حرير من نفس اللون يظهر منه أعلاه ثم حجاب حريري متدرج بين الأسود والحليبي)...سرعتها كانت عائدة لرغبتها في الوصول باكرا للعمل، فاليوم أول اجتماع سنوي تحضره ويجب أن تتهيأ نفسيا وتستعد، وفي خضم اسراعها نسيت تماما العداد المسموح به على الطريق، فقام الشرطي بايقاف سيارتها الى جانب الطريق: هنا فقط فهمت أنها تجاوزت السرعة وعليها تحمل العواقب، أولها أن الشرطي نسي أو تناسى أمرها فزاد هذا من تأخرها...
-سيدي، أيمكنك الاسراع فلدي عمل مهم؟
- تريثي انستي..ان بالطريق مئات المارة!
وزاد تأخره عن المعقول كما أحست لأنها توترت من الانتظار الشيء الذي تجلى بوجهها الجميل بوضوح..وبعد لحظات اضافية اتى متثاقلا متباطئا:
- مرحبا
- مرحبا
- اوراقك من فضلك
- ها هي ذي لكن ارجوك اريد تسريع الاجراءات فعلي الذهاب.
- لا تتعجلي يا آنسة فأنا أقوم بعملي وحسب.
- حسنا! (قالتها بامتعاظ دون الخروج عن الأدب).
- جيد، أوراقك سليمة لكنك قمت بمخالفة.
- (...)
- سرعتك تزيد عن 80 كلم/ساعة.
- بل ثمانون فقط! اجابته بحدة كنوع من الدفاع عن النفس.
- هذا لا يغير بالأمر شيئا.
- حسن أيمكنك ابلاغي بالغرامة الواجب دفعها.
- نعم طبعا. ولكن ليس قبل تدوين المعلومات الخاصة بك.
- يا الهي! الا يمكنك الاسراع أكثر...
هنا اضطرت للتوقف عن الكلام لأن شرطي المرور ركز نظره واهتمامه على احد ما غيرها ثم ترك مكانه متوجها لما خلف السيارة..راقبته عبر المرآة الجانبية رافعة حاجبيها في استنكار: - ماذا دهاه!
هنالك رجل ما قد استدعاه وبعد ان همس له بشيء غير مفهوم، نظرا لبعدهما عنها، حياه باحترام وسلم اوراقها التي كان ما يزال ممسكا بها وانصرف باحترام أكبر..
-ما الذي يحصل يا الله.. قد افقد اعصابي بأية لحظة!
لم تستوعب الوضع بعد الا والغريب يقترب ويحييها بأدب فردت التحية وهي تركز نظرها به لأول مرة: طويل القامة، رائع القوام، وسيم الوجه تدل ملامحه على شموخ وأنفة رجولية..كادت تتوه بنظراتها لولا تداركها للموقف...فقدم لها أوراقها من خلال النافذة:
- إنها لك الآن، كوني اكثر حذرا في المستقبل!
- طبعا! أشكرك كثيرا وأنا ممتنة يا سيدي.
- جيد، الى اللقاء اذن.
(الى اللقاء!) لا بد و أنه يقصد وداعا.. ما علي الا الاسراع الان..رددت هذا بأعماقها وهي تعيد الأوراق لمكانها.
-حسن سيدي، علي الانصراف فقد تأخرت عن الموعد. وشكرا مجددا!
-العفو
-وداعا! نطقتها وداست الفرامل بالسرعة المتاحة لا غير وهي تتمنى الوصول بالوقت المناسب...
بحدود السابعة وخمسين دقيقة كانت امام مبنى الشركة..ترجلت من سيارتها متوجهة لدرجات السلم القصيرة جريا ثم الى المصعد تسترجيه العجلة ( الوقت يمر ولم يعد بوسعي مراجعة الملاحظات..رباه ما هذا الحظ العاثر!.. على أي حال أنا واثقة من اقتراحاتي وسوف أعددها ولو ارتجالا)
وأخيرا فتح المصعد قاطعا عليها أفكارها...
‘
‘
‘
انتهى الاجتماع بعد أكثر من ساعة ونصف يحتد فيها النقاش تارة ويخف أخرى، يتوافق حينا ويختلف أحيانا بين الرئيس، المدراء، والأطر كما هو الحال بالنسبة لهدى..إطار جديد بالتسيير المالي..أمضت ستة أشهر ونصف (شهران منها تجريبيان قبل ان تستلم مركزها عن جدارة) وهي تدأب على اعطاء أفضل صورة عن نفسها وخبرتها..استطاعت هدى الحصول على تقدير رؤسائها وزملائها بهذا الاجتماع الذي تحضره لأول مرة..فشاركت بفعالية بتقديمها اولا الملخص السنوي لمعاملات وتحركات قسمها، وثانيا باقتراحاتها الهامة للتوجه للاشهار بكثافة حتى لدى القنوات الخارجية، لكل البلدان التي تعرض بها منتجاتهم، تخفيفا من المنافسة التي أثقلت كاهل الشركة خصوصا على المستوى الدولي، واقتراح اخر يصب في اختصاصها ألا وهو الرفع من نسبة الدفع المسبق من للعملاء من %40 الى 65% درءا لكثير من المشاكل المتوقعة قبل وبعد تسليم البضائع ولاضطرار العميل لاتمام الصفقة وبالتالي باقي المبلغ..أفكارها لاقت الكثير من الاستحسان مما زادها بهجة وثقة.
أحلامي خيال
الجزء الثاني
بالمساء...
بعد أن أطلقت لخصلات شعرها العنان..بدت رائعة: بشعرها الأسود الناعم بخصلات بنية..حاجباها الرقيقان، عيناها العسليتان الصافيتان يزيد صفاءهما اتساع الحدقين، لون بشرتها الأبيض الشفاف، بأنف صغير نسبيا شامخ وسط وجهها البيضاوي الجميل، تدعي أنه جل ما ورثت من ملامح أبيها، وفم صغير مكتنز...كل هذا لا يعطيها ذاك الجمال الخارق ولكن استثنائية بأساريرها تشد لها العيون..قد تكون نظرتها البريئة المشبعة بثقة ذكية..وقد تكون طيبوبتها الجلية..سر لا يعلمه سوى خالقها وتجهله العقول البشرية...أخذت فنجانا من الشاي الساخن مع بعض الحلوى واتجهت كعادتها لغرفتها تهاتف أختها:
جاءها الصوت الذي تحب، صوت أقرب الناس لقلبها وأحبهم على الإطلاق، إنه صوت سهام (فالمعلوم أن هدى أصغر فرد في العائلة..لها أربع إخوة..أكبرهم لمياء 32 عاما، شخص غير محبب مطلقا..متسلطة وعنيدة، كلماتها غالبا ما تكون شتما واستحقارا او استخفافا بالغير، أنانية لأبعد الحدود ومغرورة بجمالها وبقامتها الطويلة، متزوجة من مدير بنك ولها ثلاث أطفال صبيان، يليها في الترتيب سعد 30 سنة، متزوج حديثا، مهندس كمبيوتر، وسيم، ذكي ولكنه لا يهتم بأمه أو إخوانه خاصة بعد زواجه وانشغاله رغم حبه الكبير لهم، علاء الطفل الكبير28عاما، عازب، عاطل، انسان متهاون، فضولي، لطيف وسلبي، الماضي ليس له قيمة عنده والمستقبل آخر اهتماماته، كل همه اللحظة التي يعيشها برفقة اصدقائه..اصدقاء من نفس طينته لا يحملون او يتحملون اي نوع من المسؤوليات، يعشق المزاح وروحه مرحة، ثم سهام 27 سنة، عقد قرانها منذ سنتين من ابن رفيقة امها..عمر، النسيب المفضل لهدى،انسان هادئ وحنون تماما كزوجته، تعد سهام الأشبه قلبا وقالبا لآخر العنقود، عكس بقية أشقائها، من اختلافاتهما البسيطة فارق بسيط بالطول فهي أطول وأكثر امتلاء بشكل غير ملاحظ، وفارق اخر بخصوص العصبية المباغتة التي قد تصيب هدى في اي لحظة عكس اختها المائلة للبرود بجل الأحوال...
صوت هدى على خط الهاتف: -مساء الخير.
- مساء النور
- كيف حالك اليوم حبيبتي؟
- بخير وأنت؟
- قبل ان أخبرك..كيف هو حال طفلك وزوجك وبيتك وما الجديد بخصوصك؟
- جيد.. وباختصار روتيــــــن!
- (أطلقت ضحكة فاتنة)..هذا لأن اهتمامك منصب على صاحب الجلالة وسمو ابنه لا أكثر ولا أقل.
- من حقك أن تسخري يا انسة فما أدراك أنت بمسؤوليات البيت! حسنا ماذا عنك أنت؟
- كل شيء اعتيادي..الا انني قمت بمخالفة (تضحك)
- حقا؟ وتبدين سعيدة!
- لا لكنها صادفت أول اجتماع سنوي أحضره.
- اذن أخبريني ماذا حدث.
وسردت لها القصة كعادة كل يوم...تعلمها بما جد في يومها وما لم يجد..مهما كانت بساطته أو حتى تعقيده.
-حسن هدى! سأعد العشاء..سأنتظر اتصالك لاحقا.
- لا بأس..وأنا لدي واجب علي أن أحله..فلنؤجل الاتصال لغد بإذن الله.
- بإذن الله..قبلاتي وبلغي تحيتي للوالدة ولعلاء.
- أكيد..الى اللقاء!
أنهت مكالمتها وقامت من الكرسي فبدت قامتها المتوسطة ومشيتها الناعمة تدل على كثير من أنوثة وفتنة عززتهما بتمارين رياضية وأنظمة غذائية...أشرفت على الخامسة والعشرين وهي تعد أبعد ما يكون عن العصبية اقرب إلى الهدوء ظاهريا بأساريرها المستكينة تبعث الراحة في النفس ..لكن ما لا يعرفه إلا المقربون منها أن غضبها كاسح إن استفز هدوءها احد ما..أيا كان ومهما كان..
كتومة لأسرارها ولأسرار غيرها فهي قلما تناقش أو تحدث أشخاصا غرباء بعكس مرحها وكثرة المواضيع التي تتحدث بها مع صديقاتها..وأختها المقربة –سهام- طبعا..
الآخر عندها يبقى لغزا إلى إن يتم حله لكن قلائل هم من تهتم لمعرفة ألغازهم..الحياة لديها عمل وعمل ثم عمل
ولا شيء يستحق الاهتمام أكثر منه..
لهذا هي فخورة بكونها عازبة لان الزواج مضيعة للجهد وإتعاب للذهن دون طائل في حين يبقى العمل ابرز واهم رسالة للجنس البشري
لا شيء محدد ينفرها من الرجل..بل هذا الكائن الخشن هو النفور بحد ذاته ..قد تتقبله كأخ رغم إن أخويها يعطيان أسوء صورة..وقد تعتبره زميلا بغض النظر إن ذكاءها وحرصها على مركزها جعلاها تتجاوز بعض مناصبه..تحترمه كأب على أساس إن أباها كان الاستثناء..لكن كشريك حياة فذاك هو الأبعد حتى عن الخيال..
ولن ننكر إن حاجة المرأة للرجل والرجل للمرأة على كل المستويات وفي جل الحياة..أخا وأختا..أما وأبا..ابنا وابنة..وحتى زوجا وزوجة هو شيء مفروغ منه..الا إن ما يسبب الانفعال ورفض الطرف الآخر هو ناتج حتما عن مواقف وخبرات ذاتية أو غير ذاتية تبني حاجزا وتمد حبالا من التوتر وربما الكره..
هدى كأي مخلوق رفضها بعقلها الظاهر..تتمنى رجلا من العصور الوسطى..رجولته طاغية..حنانه فياض..احترامه للأنثى أكبر مبادئه..والأنثى في حد ذاتها اهم اهتماماته..
جماله أسطوري..وكلامه أسطوري..شخصيته قوية..وصلابته لها رقة..
عشرات..بل مئات الصفات الممكنة والغير ممكنة تستشفها فيمن قد تشاركه حياتها ..أجمل أيامها..وسنوات شبابها وحتى كهولتها..واد غير منقطع العطاء ومحب هائم يسعى لإرضائها وإجلالها...
لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه ..ولصدمتها واصطدامها بالرجل المستهتر المادي غريب الأطوار –على حد قولها- فقد تغيرت المفاهيم والرؤية وتناست إلى إن نسيت حلم أي فتاة ..بل كرهته وصار ابغض موضوع على قلبها!!
أحلامي خيال
|