كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،
إليكم الجزء،
ليس طويلا كفاية ولكن ذو أحداث ويعدكم بأحداث قادمة أيضا:
الجزء السادس والثلاثون:
مازال الكلام مستمرا بين الرجلين والموضوع الهام أخذ حيزه في الحوار بجدية كبيرة ووصل للذروة حين وقف كريم بقوة وعصبية وعيناه تضيقان بغضب.. ونفس الصوت المرعب إن هو وصل لأوج حنقه وغيظه:
- هل أفهم من هذا أن أخاك يبتزني؟ هل يظن نفسه قد شدد قبضته علي؟ تأكد أنه الآن فقط سيرى مني ما لم يره من قبل ولن يرى مثيله من بعد!
محمد وقف بالمثل يحاول تهدئته:
- أنا لم أخبرك لتغضب!
كريم بنفس النبرة:
- محمد أنا لست ضدك أبدا وأنت تدرك هذا.. ولكن أخاك شخص يحتاج لرادع ورادع قوي أيضا.. وأنا علي أن وفر له ما يحتاج لاحترام نفسه قبل احترام الغير!
محمد برجاء رجولي صامد:
- على الأقل اسمعني للآخر فأنا لم أنهي كلامي..
كريم بحدة:
- أمازال هناك ما هو أكثر مما قلته؟
محمد يجذبه من يده بهدوء ليعودا للجلوس معا، وكريم يحاول السيطرة على أعصابه، يجلس ولكن بوضع غير مريح فيكمل محمد:
- ما أردت قوله أنني ضد الفكرة.. وصدقني أنا لم أقم بإخبارك إلا لأنه استأمنني على ذلك.. ولو لم أفعل كان سيعلمك بنفسه وإلا فأنا لا أرضى أن يشترط عليك شرطا كهذا.. وأسألك ألا تآخذه لأن حالته النفسية بعد الجسمانية تعد في غاية السوء.. والسبب الأهم في رغبتي بعدم مآخذته: أنه أخي..
بصوت حازم أجابه كريم:
- ولو أنه أخوك يا محمد، صدقا لا يوجد وجه تشابه بينكما، وهو أحقر من أن يكون لك أخا.. ولم يستحق مني تساهلا أو.. (بتر جملته التي كان يقصد بها اهتمامه بحاله وسؤاله عنه وأخذ بدل ذلك نفسا ليكمل)
.. كيف يريدني أن أعفي بضائعه من المراقبة؟ لابد أنه متورط بسلع ممنوعة يخاف أن تكشف عنها الجمارك،
سأبلغه رفضي شخصيا ولكن بأسوء الطرق، أولا لأني لا أقبل أن يساومني أحد، وثانيا لأنني لا أمنح تسهيلات من هذا النوع لأشخاص أشك في الأصل أنهم غير سويين!
محمد بتعقل ورجاء:
- فماذا إن طلبت منك الأخذ بعين الاعتبار أنني شقيقه.. هل سترد طلبي هذا؟
.................................
...................
بعد دقائق عدة،
هدى ارتدت حجابها، اتصلت بسهام وجلست بالصالة تقرأ أجزاء من القرآن في انتظار ظهور كريم ليسمح لها برؤية زوج أختها وقد حل المغرب دون أن يظهر للآن، لذا عادت للصعود لغرفتها حتى تصلي وتكرر الانتظار..
......................................
..........................
محمد وكريم يخرجان من المسجد وكريم يقدم دعوة صافية بعد أن استطاعت الصلاة التخفيف من عصبيته وبعدها كلام محمد المطول له:
- لنعد للبيت، فأنا أدعوك للعشاء.. وهدى ستسعد برؤيتك!
محمد يرفض بلطف وهو ينهي لبس حذائه:
- بلغ لها سلامي وحسب، أما أنا فعلى عجلة من أمري.
كريم بإصرار وهما يغادران باب المسجد الرئيسي:
- لا، أبدا غير معقول، ثم هناك حديث لم ننهه!
محمد بإصرار أكبر:
- الدعوة أجلها إلى وقت آخر، وأما الحديث فهو جواب واحد صريح منك!
كريم بقدر حنقه على صلاح، إلا أن رجولته تمنعه من أن يرد محمد في طلبه ورجاءه، أجاب بهدوء:
- من أجلك فقط أنا لن أعاتبه على ما قال! ولكنني في المقابل لدي شرط: وهو أن يهاجر لأي بلد آخر، أو إلى حيث عاش منذ البداية، لأنني لن أغض الطرف عما أشك به، ويبدو صلاح صاحب مخالفات بالبناء والتعمير أو أنه ينوي المخالفة، وسأضطر بعد يومين اثنين لا غير.. أن أرسل مفتشي شغل للتأكد من ظنوني، وهي – كما ترى – مهلة جيدة ليغادر أرض الوطن ويمحي اسمه من قاموس المقاولين بالبلاد..
استرسل بعد برهة:
- أما عن رفع دعوى بحقي فأنا أقبل منه هذا الدفاع عن النفس وله أن يوجهه لكل محاكم العالم!
محمد يصغي باكتراث كبير، شعور بالحرج من الوضع الذي جعله به شقيقه، ومشاعر أخرى متضاربة بين نبرة كريم القاسية – وله حق في ذلك- وبين شهامته وتسامحه.. لذا لم يفعل شيئا إلا رفع رأسه علامة للإيجاب والقبول على مضض.. فكل يجب أن يتحمل نتائج أخطائه!
..............................
................
انتهى اليوم وأذن الفجر،
هدى لم ترتح لالتزام كريم بصمته، حتى وهي تحاول الدخول معه في حوار حول سبب مجيء محمد، بدا تعبا من التفكير وحاجباه يستنكران – في تقطيبهما- شيئا لم تفهمه، ولم يمنحها هو الفرصة لتفهمه رغم كل مبادرتها لجعله يتكلم، فاضطرت بذلك لتأجيل حديث آخر لطالما تحرقت الليلة الماضية للأخذ فيه..
بعد أن صلت نزلت المطبخ علها تعثر على شيء يلهي الوحشة التي بدأت تشعرها، فكونها امرأة موظفة هو حتما أمر صعب أن تمضي اليوم كاملا بين جلوس وأكل ونوم ومهاتفات - مع أمها، سهام أوإكرام - غير صريحة كما تستوجب الصراحة أن تطلعهما على حقيقة محنتها، ولا مرحة لأن المرح تبدد بمجرد تواجدها ببيته...
دخلت المطبخ وأعفت سمية من دورها الصباحي.. فتفننت بتحضير الإفطار بكل مكوناته وحتى نوع من الحلوى التي تحبها.. لم تكن قد انتهت من طهيها إلا وصوت نحنحة واثقة على بابه، استدرات لتجد كريم وهو يتخذ مقعدا وراء البار الواسع، مازال ببيجامة نومه لذا ألقت نظرة على ساعة يدها لتجد أنها السابعة إلا عشرون دقيقة.. في حين ألقى هو السلام:
- السلام عليكم!
- وعليكم السلام!
كان هذا أول سلام هادئ بينهما، بحيث لا يهدد بأي نوع من أنواع شد الأعصاب أو الحروب الكلامية المعتادة
هدى سألته - لغاية في نفسها- بأدب:
- تحب أن تفطر الآن؟
كريم والنوم يغالبه، لم يمانع بأسلوب اللطافة:
- سأسبح أولا!
هدى تمثل الاهتمام وهي تخرج الحلويات من الفرن:
- ألن يسبب لك ذلك جوعا؟
كريم ابتسم، صار يفهمها ويعلم ما يحمله له صدرها من كره فلن يغفل إذا عن اهتمامها وما وراءه، طلب منها بهدوء:
- إجلسي يا هدى!
جلست بالجهة المقابلة من البار ولكن بمحاذاته وليس أمامه وهي تتهرب من النظر لوجهه لسبب غير مفهوم:
- ها أنا ذي قد جلست!
يحس أنها تستوطن قلبه وعقله وروحه وكل خلاياه، يعذبه قربها الجافي وكرهها الذي ينتزع منه الحياة شيئا فشيئا.. لهذا امتنع عن الكلام البارحة حتى لا يجرحها بكلامه من جديد.. فقد جرحها بما يكفي لحد الآن.. وسيعطيها ويعطي نفسه مهلة للشفاء والتئام خدوش قسوته.. ولكنها ليست نهاية القسوة ولا آخر الجراح!
هدى تحس بأن وقت صمته طال وسارت متوترة خاصة أن هدنتها معه لم تكن ضمن خططها الانتقامية.. ولكن بعض التأجيل لن يضر في شيء!
سأل أخيرا بنبرة شك:
- صارحيني.. فأنا أحب الصراحة..ماذا تريدين؟
ألجمتها المفاجأة وأنه يقرأ أفكارها بسرعة الصاروخ، ولكنها سرعان ما عادت تلملم حروف جملتها:
- ستزورني صديقاتي، صديقات مقربات ولكن..
كريم يرد ببساطة:
- هذا بيتك.. ادع له من تشائين!
هدى قررت أن تصارحه - بما أنه طلب صراحتها – دون تراجع:
- المشكل أنهن يردن التعرف عليك.. وأنت تعلم أن علاقتنا معا سيئة.. وأخافك أن تضعني بموقف محرج معهن!
كريم بعد أن توصل لسبب ترددها طمأنها على طريقته:
- أنا لن أحرجك.. ليس لأنني أحفظ ماء وجهك، إنما لأنه يهمني أن نبدو لائقين أمام الغير!
هدى بشيء من الرضى:
- أعتبره وعدا!
كريم:
- أجل.. اعتبريه كذلك!
ثم وهو مشيرا لسطح المطبخ خلفها:
- هلا قدمت لي كأسا من القهوة؟
هدى بوجه راض تمام الرضى:
- أكيد!
...................................
.......................
الثامنة صباحا ودقائق يسيرة:
بأحد مكاتب المصحات الطبية،
محمد يجلس مقابلا للطبيبة التي من المفترض أن تبشره أو تنفي الحمل عن زوجته (التي رفض طلبها بأن ترافقه شخصيا):
- أخبريني عن نتيجة التحليلات يا دكتورة!
الطبيبة بثقة طبية تظهر على محياها الذي أخذت منه السنين كل مأخذ وزرعت بدله خبرة متناهية في الدقة:
- يؤسفني أنها ليست بحبلى!
أو الأوضح أنه لا يؤسفني ولا يجب أن يحبطك أيضا، فالحمل في وضعها كان سيعرضها لخطر كبير.. بما أنه لم يكن ليحدث إلا خارج منطقة الرحم نظرا لانسداد القناتين!
محمد وأمل فيه ينطفئ.. لتطفو حسرة على وجهه آتية من أعماق روحه:
- ولكنها أجرت اختبار حمل منزلي وتأكد ذلك.. كما أن الأعراض..!
الدكتورة بشرح أكثر:
- الاختبار المنزلي لم يكن يوما قاطعا ونهائيا فله نسبة بسيطة من الإخفاق.. والحاصل أن زوجتك.. (قالتها بأسف وأردفت).. تعاني من مشاكل هرمونية، خلل هرموني جعلها تحس ما تحسه الحامل تماما!
محمد تمنى الطفل بشدة ولكن الخير فيما اختاره الرزاق وليس بيده حيلة:
- فهمت!
الدكتورة بنبرة مغايرة:
- لا، حضرتك لم تفهم بعد.. لأنني لم أخبرك بالجزء الأهم!
............................
.................
الحي الراقي حيث مسكنا عائلة الأسد،
كريم غادر لعمله،
قبل نصف ساعة،
غريب هدوءه مع هدى اليوم،
وبالرغم من غرابته إلا أن الاثنين كانا بحاجته بشده،
شرب قهوته ومارس الغوص ليعود ويفطر معها دون في صمت جلل، لم تقاطعه إلا بعض الطلبات منها أو منه، بإعطائه الصحن الفلاني، أو بتزويدها من المربى البعيد عن متناولها والقريب من متناوله هو..
توجه لعمله وهو يشعر بارتياح جزئي،
ومنذ النصف ساعة الفارطة وشخص ما – بعد تأكده من خروجه – يطوف بسور البيت من الخارج، إلى أن أخذ وقتا كافيا جدا ليقترب من الحارس،
وما المقتربة إلا نفس الشابة - مريم- التي كانت في الماضي إحدى نزوات كريم العديدة، لكنها أكثرهن إصرارا بتتبعه والسؤال عنه،
تلف شعرها من وراء الغرة بمنديل من الشيفون وتغطي نصف وجهها نظارة كبيرة سوداء، اقتربت بدلال لتسأل الجالس منذ ساعات:
- هل لي بسؤال من فضلك؟
الحارس باستفسار:
- ماذا؟
مريم باهتمام:
- أليس هذا بيت الإدريسي أسد؟
- أجل سيدتي، هل أستطيع أن أخدمك؟
- أنا صديقة قديمة للعائلة، وعدت منذ أسبوع من سفر دام لسنوات، سمعت أن كريم غير مسكنه، لكنني لم أعرف إلى أين إلا أمس، هل يمكنني مقابلته؟ (سألته وهي بنفسها من راقبت خروجه وانتظرت اختفائه للتقدم من بيته، عالمة أن حضورها لن يسره، ولكن خبرا سمعته وأرادت التأكد من صحته)
الحارس يرد:
صحيح أن السيد أسد غير مسكنه وهذا بيته الجديد.. منذ أن تزوج! ولكنه غير موجود الآن فقد غادر لعمله!
انفرج فمها اندهاشا، وأما دهشة عينيها البغيضة الفاضحة فلم تتراءى للحارس – من تحت النظارة- لحسن حظها.. وإلا لكان شك في حسن نيتها، استعادت ثقتها بعد برهة لتستفسر:
- تزوج؟ رائع إذا! ولكن متى؟
- منذ أقل من أسبوع يا سيدتي! يمكنك مقابلة زوجته إن تعرفت إليك وسمحت بدخولك!
مريم وخاطر أسود يدور بمخيلتها:
- لا، لن تتعرف إلي وأنا لا أجد من المناسب إزعاجها، سأزوره فيما بعد!
همت بالرحيل، ولكنها تذكرت شيئا – أو هكذا بدا – فاستدارت ناحيته:
- أريد أن تكون زيارتي له بالمرة القادمة مفاجأة، فهل لي أن أطلب منك الحفاظ على مجيئي هذا سرا بيننا؟
أجابها بظرف:
- أجل، اعتمدي علي في ذلك!
............................
....................
المصحة،
نفس الوقت،
محمد لم يرقه أن لحديث الطبيبة بقية، وأنه لم يفهم لحد الآن ما تصبو إليه من شرح وتفصيل، سألها بريبة:
- أخبريني إذن، فضلا لا أمرا!
تكلمت وهي تأخذ نفسا عميقا يسمح لها باستعمال لهجة بسيطة واضحة غير مستعصية على الفهم ولا صعبة الاستيعاب:
- في خضم اعتقادكم أن الأعراض التي انتابت السيدة زوجتك هي أعراض حمل، وهذا كان لمدة شهرين على الأقل، فقد سمحتم لشيء آخر، هو أكثر خطرا من حملها الخارجي، أن يستفحل وينمو بداخلها..
محمد فقد صبره من إمعانها في الإطالة الغير مفيدة – حسب ظنه- ، لذا قاطعها بشكل حاسم:
- أوجزي من فضلك!
الدكتورة بنبرة هادئة:
- زوجتك تحمل ورما!
محمد بصدمة:
- ورم!
أجابته بهدوء مماثل:
- الفحص لم يكن كافيا لتحديد الورم ولا مكنه بشكل مضبوط وكلي، وستلزمها فحوصات أكثر دقة، قد تصل لأخذ عينة بسيطة تساعدنا على معرفة إذا ما كان الورم حميدا أو خبيثا.
محمد شعر بجفاف حلقه وأن الحروف تذوب على طرف لسانه، تتمنع الخروج، ضربة قاسية مدمرة نفضت قلبه وهشمت نفسه، مهما كان استفحال مرضها.. فهو – ولابد- أقل استفحالا من ألمه هو.. ومصابها أرحم من مصاب صدمته بتلقيه خبر دائها..
بقي صامتا تنهشه مخاوفه عليها وعيناه تزيغان دون أن تستقرا على شيء محدد وقلبه يردد ( لا حول ولا قوة إلا بالله)
الدكتورة تحاول التخفيف عنه، فعديدة هي الحالات التي عايشتها وتعايشت معها من هذا القبيل وحتى أصعب منها:
- سيد محمد، لا يجب أن تخيفك تسمية الورم، ولا حتى السرطان، إن تأكد لنا ذلك، كل ما أستطيع قوله: هو أن مكانه في منطقة ما من حدود الرحم، (وهو قطعا بسبب العملية التي أجرتها).. وهذا الأخير غالبا ما يستأصل، والتخلي عنه لن يسبب لكما مشكلة لأن لديكما أبناء، بالطبع إن لم يكن قد امتد لأماكن أخرى من الجسم.. وأما غير ذلك فيمكن مداواته.. والعلم يتطور يوما عن يوم ولن تنقصنا الطريقة ولا الأداة للتغلب على المرض..
محمد يقف وقد تغلب عليه التعب الذهني:
- والمطلوب؟
الطبيبة تقف باحترام لتوديعه:
- المطلوب أن تحضرها غدا، أو مساء اليوم إن أمكن، لأبدأ بفحصها، ولا تقلق بخصوص إقناعها.. فأنا سأتصل بها لأشرح لها بشكل سريع ومقنع!
محمد بحذر:
- أنا لا أريدها أن تعلم ( تنهد بأعماقه).. لنتأكد أولا وقبل كل شيء ومن تم أخبرها بنفسي!
الطبيبة بحذر مشابه:
- لا عليك.. سأقول أنه فحص روتيني للاطمئنان على العملية.. وأن الحمل كان كاذبا.
محمد بشبح ابتسامة:
- سأكون ممتنا لك، مع السلامة.
ردت عليه وهي تسبقه للباب فتفتحه بأدب:
- مع السلامة، وموعدنا مساء!
أحلامي خيال
|