كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
بنات كيف الحال والأحوال؟
أما عني أنا فبخير والحمد للعلي القدير،
شكرا للرائعتين:
شبيهة القمر،
و dar3amya،
تعليقاتكما سرتني سرورا شديدا،
الله يسلمكم من كل شر،
استلموا الجزء التالي،
جزء اليوم،
مع تحيتي وسلامي:
الجزء الخامس والثلاثون
الساعة تشير للواحدة،
هدى تحاول بجهد التجلد والتحكم بأعصابها،
صعدت غرفتها لتختار ما سترتديه،
ومع سماعها صوت خطوات بالممر فتحت الباب، وجدت كريم متوجها لحجرته هو الآخر دون أن يلقي لها بنظرة، نفس حالة التجاهل المستعصية، ونفس البرود القاتل، لذا قررت مجاراته في بروده:
- كريم!
نادته بهدوء، فتوقف ليجيبها:
- نعم!
سألته بثقة:
- هل ستصحبني أنت للشركة أم أطلب ذلك من أخي؟
كريم بهدوء وهو يترك مكانه ويتوجه لبابه:
- ارتدي ثيابك، سأوصلك هناك بنفسي!
............................
...............
لمياء كلها لهفة لنتيجة تحليل الدم الذي أجرته والذي تتطلب نتيجته أربعا وعشرين ساعة،
رغم عدم رغبتها في الحمل ولا في طفل رابع ولكنها أكيدة من تأثير الحدث على قلب محمد وأنه سيلين حتما وقطعا!
لا تعلم حقيقة إحساسه وفكره،
وأنه قد يلين للطفل لأنه طفله.. لا لها هي باسم الزوجة لأنها لم تحترم قداسة الرابط بينهما لسنين وختمت تلك السنين بأسوء إنجاز وهي حرمانه من أغلى أمنية على قلب المرء ألا وهي البنون!
.......................
.............
محمد بمكتبه يفكر:
من أين يشرع الموضوع مع كريم؟ وبأي البدايات يبتدئ..
خاطر يأخذه وخاطر يعيده وهو يقلب القلم على سطح مكتبه، بعد أن فرغ من اجتماع مدراء الفروع وعاد لمقر عمله..
يستنكر من أخيه طلبه،
ويجد صعوبة في نقله شفهيا للمعني بالأمر،
أنقذه من الأفكار التي تكاد تغرقه رنين الثابت:
- نعم أمل! (أمل كاتبته الخاصة)
أمل باحترام:
- سيد الغازي.. هناك عميلة تصر على محادثتك شخصيا!
محمد باستفسار:
- من أجل ماذا تريد محادثتي؟
أمل بنفس لهجة الاحترام:
- بخصوص قرض سيدي!
فكر مليا قبل أن يطلب منها:
- إجعليها تدخل ولكن أخبريها قبل ذلك أن لدي عملا مكثفا بعد الساعة الرابعة!
- حاضر!
أغلق منها ليسمع طرقا وبعد الطرق دخول أمل لتليها الزبونة، سيدة شابة، ما بين بدايات الثلاثين ومنتصفها.. شديدة الأناقة، واسعة الابتسامة، لها من الجمال حظ كبير، فتراجعت أمل وهي تدعوها للدخول بينما وقف محمد بلباقة:
- أدخلي من فضلك!
تقدمت منه ومدت له يدا مصافحة:
- أنا السيدة العلوي!
محمد بابتسامة لم يشأ إحراجها، سلم عليها بشكل خاطف:
- وأنا الغازي، مدير الفرع، تفضلي بالجلوس!
رغم أن المصافحة كانت عابرة إلا أن ملمس يدها الناعم جدا كان شيئا لا يوصف، أنثى بكل ما للأنوثة من معاني،
حتى وقوفها،
ابتسامتها،
وجلستها،
لكن محمد تعوذ من هاته الأفكار التي داعب الشيطان بها خياله، لذا أردف موضحا:
- إسمحيلي إن قلت أنني لا أحبذ المصافحة، لكنني لم أود إحراجك وحسب!
المرأة بتفهم:
- أوه.. آسفة حقا.. لقد أسأت التصرف ربما!
محمد بابتسامة ولكن بجدية:
- لا عليك سيدتي! كلنا معرضون للخطأ..!
عدلت بيد شعرها الكستنائي اللون المتموج والذي لا يلزمه تعديل من الأصل لشدة ترتيبه، وتأهبت للحديث:
- سيد الغازي، أنا لم ألجأ إليك إلا لأنني لم أجد تعاونا من بقية الموظفين! وأتمنى أنك تستطيع مساعدتي!
محمد باهتمام:
- بخصوص قرض أليس كذلك؟
أجابته بثقة:
- أجل.. لقد قدمت على طلبه أكثر من خمس مرات.. في كل مرة يتم رفضه.. وقد تتساءل لماذا أصر على مؤسستكم وهناك غيرها من البنوك! ببساطة لأن التسهيلات والنسبة لديكم مناسبان لي عكس لدى البقية!
محمد بأسلوبه العملي:
- وما هو سبب الرفض!
المرأة باستياء مسح ابتسامتها تماما:
- لا ضمانات مادية تذكر من جانبي!
محمد بأسف:
- قانون القرض واضح جدا ولا قدرة لي أو لغيري على تغييره.. كان سيسرنا أن نكسب زبونا جديدة ولكن..
قاطعته بأدب وهي تنحني على حقيبة يدها وشعرها ينحني معها ليكون لوحة لأنثى ناضجة واثقة إضافة لأنها ذات حسن، ومحمد ينفض عن عقله تفكيرا اعتبره في شدة السوء
(أعوذ بالله من شر الوسواس الخناس، ما هاته المراهقة المتأخرة التي أصابتني فجأة؟ لكن الذنب ذنبها هي! لماذا فرض الحجاب أليس درءا للمعاصي؟ ألم يكن الأوجب أن تخفي من مفاتنها الشيء الكثير؟ لا يا محمد! ألم يكن الأوجب عليك أنت أن تغض بصرك وتكف عن التحديق!)
.............................
.............
قبل ذلك بساعتين:
هدى وكريم يصلان لباب المؤسسة حيث تعمل بتمام الثانية إلا ربع،
قام بإيصالها بهذا الوقت ليتسنى له أخذ الطريق لعمله،
طيلة المسافة وهما يلتزمان صمتا خانقا،
هو صقيعي وهي تمثل البرود أيضا رغم أن غضبا ساخنا ثائر في نفسها وفائر!
استمرا ساكتين إلى أن وصلا،
توقف كريم ليأمرها قبل أن تنزل دون أن يغير من وضع جلوسه ولا من اتجاه نظرته حيث يناظر زجاج السيارة أمامه:
- سأعود لك في تمام السادسة، حينها تكونين قد أنهيت إجراءك هذا وودعت من تريدين من زميلاتك، مفهوم؟
هدى بنفس وضعها أيضا لم تغيره ولم تحاول لمح وجهه أجابت بهدوء واثق:
- مفهوم!
..........................................
........................
البنك المغربي للتجارة الخارجية،
بمكتبه،
ضيفة محمد مازالت في حضرته،
من حقيبتها أخرجت ملفا متوسط الحجم ومدته له:
- الحقيقة أن هناك ممتلكات باسم زوجي، ولكن عليها حجرا، كما تؤكد النسخ بين يديك!
محمد لم يعد لرفع بصره لها وهو يتابع كلامها ويتحقق من الأوراق أمامه، لتكمل هي شرحها:
- ليس لدي عمل لاستعماله كضمانة ولكن لدي إسم وسمعة بما أني كنت المديرة التنفيذية لمجموعة شركات العلوي، منعت من وظيفتي ومن أموالي بسبب الحجز والمبلغ الذي أطلبه ليس ضخما ولكنه كاف لي لأبدأ به مشروعا صغيرا أو متوسطا..
لاحظت أن صمته طال وهو يركز بالأوراق وأنها هي أطالت في الشرح، لذا ودون إحساس منها ركزت في شكله.. لأن شكله الرجولي بالغ الجاذبية، على عتبات الأربعين بوسامة رصينة ووقار هادئ، يميل وجهه للامتلاء وتميل عضلاته صدره المختفية وراء قميصه الأبيض للعرض، لحية كثيفة نوعا وبشرة أقرب للبياض منها للسمار، عيناه البنيتان كفيلتان بالتأثير واستقطاب العيون..
أبعدت عينيها عنه لتكمل بشيء من التوتر زرعته طلته الوسيمة بها:
- تفهمني سيد الغازي... مشروع أساير به الوضع إلى أن تحل مشكلتي!
محمد تأكد من صحة كلامها، تنحنح ليرد:
- أفهمك طبعا.. وكل كلامك في محله.. ولكن الإسم غير كاف لما تطلبينه من مال.. لأننا نعاني من تهرب الكثيرين من الدفع.. الضمانة يجب أن تتعدى المعنوي إلى ما هو مادي.. وسأتأسف من جديد لرفض طلبك!
بدت محاورة في غاية البراعة وهي لا تستسلم لرفضه بسهولة وتأخذ من بين يده ملفها الخاص الذي أعاده عليها:
- كثرٌ هُمْ من حصلوا على قروض قبلي.. وأنا لست أقل شأنا منهم جميعا.. المشروع سيخدم البلاد - بتوفير أياد عاملة وعملة صعبة بما أنني أنوي التعامل مع الخارج - ، قبل أن يخدمني شخصيا!
محمد بتفكير جدي:
- حسنا سيدتي.. سيكون أمامك حلان: أولهما أن يكون الضامن واحدا من رؤسائي الكبار في العمل، وهذا شرط غير متوافر كما أرى وإلا لما لجأت إلي!
والثاني أن يستعمل المشروع كضمانة في حد ذاته وهذا لا يخلو من خطر خسارة أنت وحدك مضطرة لتحملها إن لم يحقق الربح المطلوب!
فهل أنت مستعدة لذلك؟
السيدة العلوي بفرحة واضحة:
- أكيد أنني مستعدة.. أنا امرأة ناجحة ولا يمكن أن أخفق بشيء كهذا!
محمد برضى لما توصلا له من اتفاق وهو يطالع ساعة يده:
- اتفقنا إذن، راجعي مع الآنسة أمل الأوراق اللازمة.. أما أنا فعلي توديعك سيدتي.. وتشرفت بمعرفتك!
المرأة تقف بثقة استعدادا للذهاب:
- وأنا تشرفت أكثر.. كما لا أنسى أن أشكرك شكرا جزيلا!
......................................
...................
علاء وسهام،
جالسان جنبا إلى جنب على الكنبة يتابعان برنامجا علميا،
علاء يشعر بالضجر لأن كريم - رفيقه الدائم- انشغل عنه كثيرا بعد زواجه، ولو أن هذا الزواج لم يتعدى من الأيام أربعة،
من جهة أخرى.. فكر وانتهى بعرضه، فهو لا يجد في نفسه قدرة على الصبر لشهرين كاملين قبل أن يتم استقراره بوظيفة معينة، والدافع كسل طويل متشعب منذ سنين، والاتكالية التي تجري في عروقه هي مرض صعب الشفاء حقا..
لهذا سيخبر صاحبه برفض الفكرة متى سنحت له الفرصة ذلك!
تستند سهام على ذراعه فأحس بأنها (ذراعه) تتلقى بللا ما.. والبلل ليس، بالتأكيد، غير دميعات صعب على سهام حبسها، دموع شوق قاس تجتر مرارته لحظة بلحظة وساعة بساعة ويوما عن يوم..
تمزق قلبه من خاطر أن أخته تبكي:
- سهام!
ناداها بحنان، فلم يسمع منها جوابا،
فأعاد الكرة بصوت أعلى قليلا وأكثر حنوا:
- سهام..
ثم أردف:
- تبكين؟
سهام ترفع وجهها الشاحب وتتشبث بذراعه، لترد بصوت حزين منفعل:
- لا!
تريد بذلك أن تخفي حقيقة مشاعرها، حقيقة وجعها وتوجعها، حقيقة خوفها وتألمها على زوج غائب، رغم أن كل المؤشرات تدل على أن لا سبب لأجله تخاف، ولكنه قلب المحب.. لا يرتاح إلا بقرب الحبيب،
علاء يزيح ذراعه من تحت رأسها ويضم بها كتفيها:
- لا تكذبي علي كذبة مكشوفة.. اشتقت لعمر.. أليس كذلك؟
بما أنه وضع أصبعه على الجرح العميق فقد رفعت رأسها علامة للإيجاب والمزيد من الدموع المختنقة تتسلل لخديها:
- ليس الشوق وحده يا علاء.. أنا خائفة.. أكاد أموت خوفا عليه من سوء قد يصيبه!
علاء يمرر يده على أسفل كتفها حيث تمتد يده ليبعث فيها إحساسا بالأمان والطمأنينة:
- ما الذي قد يصيبه وهو لا يمارس غير عمله؟ أنت تبالغين فقط، ما عليك إلا أن تقرئي من القرآن ما يهدأ نفسك وتدعي الله لأن لا شيء يصيب الإنسان إلا بإذنه سواء أكان خيرا أو شرا!
سهام بإيمان عميق:
- ونعم بالله!
علاء بروح المرح:
- إذن قومي لتغسلي وجهك.. فقد كدت تخلعين ذراعي بثقل رأسك!
سهام بابتسامة عذبة من بين حزنها:
- رغم مغالاتك في كل شيء إلا أنك تبقى أجمل وأحن أخ!
علاء بأسف يخفيه بضحكة عابرة:
- مع من تقارنين إياي بأجمل وأحن؟ أظنني رجل العائلة والأخ الوحيد!
سهام باستياء:
- صحيح أن سعد لا يسأل عنا إلا قليلا ولكنه يبقى شقيقنا وعلينا احترامه حتى بغيابه.
علاء بتنهيدة صادرة من أعمق أعماقه:
- أكيد!
.............................
.............
الخامسة والنصف عصرا،
هدى أنهت الإجراء منذ وقت،
ورغم أن رئيسها المباشر رفض إجازتها الطويلة التي حددتها هي بستة أشهر دون راتب – لأن القسم في حاجتها وحاجة مثابرتها وكدها- إلا أنها أصرت أكثر منه لينتهي بالموافقة ويوقع على طلبها،
الكثيرات من زميلاتها وحتى زملائها من الرجال باركوا لها الزواج وتأسفوا لأنها ستغادرهم ولو أن المغادرة ليست نهائية لكن غيابها يحز في النفس خاصة أنها تحترم كل العاملين وتعاملهم خير المعاملة وأحسنها..
أكثر من تأسفت (أو ظهر عليها التأسف) لذلك.. هي صفاء:
- لست مقتنعة أن هذا القرار صادر عنك أنت!
هدى بهدوء:
- يمكنك أن تصدقي.. والدليل أنني مرتاحة لقراري.. وإلا عمن تظنينه صادرا؟
صفاء بتساؤل:
- لا علم لي.. ولكن هناك أزواجا كثرا يرفضون أن تعمل نسائهم.. وبالتالي يمكن أن..
هدى تقاطع فرضيتها:
- كريم ليس من النوعية التي تظنينها.. وهو لم يرغمني على الإجازة.. (تكل العبارة بدواخلها: بل أرغمني على ما هو أسوء)
صفاء بابتسامة:
- على ذكر زوجك.. أنت لم تعرفينا – نحن صديقاتك – عليه بعد!
هدى بابتسامة مماثلة:
- لابد أن أجد فرصة لذلك!
صفاء بعجلة:
- ما رأيك أن نزورك ثلاثتنا وهاته ستكون أجمل فرصة.. أم ما رأيك؟
هدى صدمت من الدعوة الذاتية من رفيقتها:
- مرحبا بكن.. فلا مانع لدي!
قالتها وهي تحس بعمق الورطة التي وضعت بها، كيف تعرفه على صديقاتها وهما لا يتكلمان إلا قليلا.. وقليلا جدا!
.................................
....................
السابعة والنصف مساء،
كريم عاد ليصحب هدى بعد انتهاء دوامه في تمام السادسة،
وهدى بدت ودودة للغاية منذ ذاك الوقت،
دون أن يتوصل لسبب حقيقي وراء ذلك،
كريم يحس بأنه قسى عليها مؤخرا،
ولكن هذا أقل من اللازم،
اللازم لتحسين سلوكها وإجبارها على الطاعة والامتثال،
برر تركها لأربع ساعات بعملها على أنه الوقت اللازم إلى حين ينتهي عمله.. بينما الحقيقة غير ذلك،
أحس بألمها وهو يأمرها بالاستقالة والتنازل عن أحلامها،
وأراد تعويضها ببضع ساعات تقضيها وسط رفيقات العمل وبين أركان الشركة ليخفف ذلك قليلا من ولهها على الوظيفة ومحيطها..
اتصل به محمد منذ العصر يستأذن زيارته مساء وهو ينتظره الآن مترقبا لما قد يدفعه للقدوم، وبينما هو كذلك وصل ضيفه..
استقبله بسرور:
- أهلا وسهلا بنسيبنا العزيز!
محمد بسرور مماثل ولكن بارتباك:
- كيف حالك يا كريم!
كريم أحس بارتباكه ولكنه حافظ على ابتسامة واثقة:
- بخير، ماذا عنك وعن أهل بيتك؟
- الحمد لله والشكر!
...
كانا يتبادلان التحيات والسؤال عن الحال والأحوال في الوقت الذي كانت هدى ترصدهما من ردهة البيت حيث يجلسان معا بالحديقة.. تتساءل باستغراب عما قد يجعل محمد يزور زوجها.. والأهم أنها تتساءل عما يدور حوله حديثهما!
ابتعدت من النافذة وصعدت غرفتها ترتدي حجابها لتتمكن من السلام على زوج أختها إن سمحت لها قوى الشر – كريم، كما بدأت تطلق عليه – بالسلام!
...
مازال الكلام مستمرا بين الرجلين والموضوع الهام أخذ حيزه في الحوار بجدية كبيرة ووصل للذروة حين وقف كريم بقوة وعصبية وعيناه تضيقان بغضب.. ونفس الصوت المرعب إن هو وصل لأوج حنقه وغيظه:
- هل أفهم من هذا أن أخاك يبتزني؟ هل يظن نفسه قد شدد قبضته علي؟ تأكد أنه الآن فقط سيرى مني ما لم يره من قبل ولن يرى مثيله من بعد!
أحلامي خيال!
|