كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
شبيهة القمر،
وأنا أيضا اشتقت لك حبيبتي،
والمنتدى اشتاق لجمال روحك،
الباشا: زوجك يعني؟
الله يبارك فيك قمورتي ولكن تم تغيير الاسم وسموها اسم لم يعجبني بالمطلق! : "رانية" لكن بالطبع لكل انسان حرية الاختيار وهما اختارا وانتهيا!وعلى أي الله يجعلها مولودة السعد ويجعلها من عباده المتقين!
ان شاء الله في انتظارك وانتظار تعليقاتك الرائعة..
جزء اليومأهديه للجوهرة الغالية النفيسة
والقلم ذي الخيال الخصب:
أهديه لــــ: jawhara49
الجزء الرابع والثلاثون
الثانية عشر ظهرا،
شقة كريم، حيث يحاول النوم فلا يجد له طريقا..
تبددت أحلامه..
واستيقظ على كابوس مفزع إسمه هدى!
كيف يتحول الحلم الجميل لآلية تنحر وسكين يخترق الصدر دون رحمة!
لكنها اختارت ما اختارته من أسلوب تعايش معه.. وهي لا تعي كل الوعي ما سيجعلها تذوقه من مرارة..
ما سيضطرها لاستيساغه من أنواع السموم..
فهو لا ينوي لها على خير أبدا..
لأن الخير آخر ما قد يفكر بإهدائه لها..
بل الشر..
كل الشر!
لأنها حركت شرور نفسه وقبحها!
سيجعلها تخضع ببروده ،
وتارة بتسلطه،
سيجعلها تندم أشد الندم وأسوءه،
وإذا كانت قد كرهت نفسها مئة مرة لأنه قََََََرُبَها..
فستكره نفسها آلاف المرات وهو يجفاها ويتلاعب بأعصابها..
ألقى نظرة على ساعة يده..
موعد الغداء،
وهو شديد الحرص على تناول الوجبات في مواعيدها..
ترك السرير حيث يتمدد،
واستعد لمغادرة الشقة إلى بيته الجديد،
ليلاقي آخر من يتمنى لقياها!
أما هدى،
فبعد إفطارها،
أنهت جولتها بالبيت وتعرفت على معظم أركانه..عدا منطقة خارجية من الحديقة لأن بها عددا من كلاب الحراسة كفيلة بإرعاب جيش من البشر.. فكيف بها هي التي تهاب الكلاب بكل أنواعها وأحجامها حتى الصغير منها..
أنهت الجولة.. وتوجهت لغرفتها ترتب ملابسها بالدولاب.. ولم تجد –بعد تفكير مطول- إلا أن تتصل بسهام تخبرها أن سفرهم أجل لأجل غير مسمى دون أن تذكر لذلك سببا.. فكان لزاما على هاته الأخيرة أن تعدها بالزيارة مساء نفس اليوم كما تقتضي عادة جلب "الفطور" للعروسين اليوم الموالي للعرس حتى وإن تأخر وقته!
……………………..
……………
محمد بعد اتصاله بالطبيبة،
جلس على أقرب أريكة وهموم الدنيا تحاصره،
يتذكر كلماتها المهنية وهو غير مصدق لما هو فيه:
من ناحية الإمكان.. فالأمر ممكن.. ولكن نسبة قليلة جدا من يمكن أن يحصل لهن حمل من بين النساء اللواتي يجرين هذا النوع من العمليات.. وأنا لا أستطيع الجزم إلا بعد إجراء الفحص!
كلماتها تطن وتطن،
ورأسه يتألم من صداع متعاظم!
وإن كانت لمياء كذلك، فما انكسر بقلبه أصعب من أن يرممه حملها.. لأن كسور الفؤاد لا ترمم.. بكل بساطة!
........................
.................
الخامسة والنصف مساء،
تغديا، كريم وهدى، بشكل ليس أقل جفاء وجفافا من إفطارهما.. لم تحاول أن تكلمه ولا هو حاول!
ومع وصول وقت الصلاة، واستعداد كريم للذهاب لأداء فريضة العصر، أخبرته بمجيء أفراد عائلتها ولكنه لم يجب بغير عبارة وحيدة:
- أهلا وسهلا بهم!
انصرف وهاهي الخامسة تدق إيذانا بدخول ساعة جديدة لعالمهما الجديد،
لم يحضر الزوج بعد، ولكن عائلتها على وصول، كما لم يفتها الاتصال بأسرته، وهي الأخرى ستكون هناك بعد دقائق، نظرا لقرب المسكنين..
دخلت المطبخ منذ وقت وهيأت أصنافا من الحلويات والفطائر في حين أوكلت لسمية مهمة تحضير العصائر والقهوة بينما تعد هي الشاي.
تركت لها التقديم وصعدت غرفتها لتغير ملابسها وترتدي بدلها قفطانا ناعما من المليفة البيضاء الرقيقة و"بلغة" بيضاء، رفعت شعرها واكتفت وهي تسمع صوت طرق خفيف على الباب المجاور..
........................
...............
كريم وصل،
ومعه وصل أهلها بما أنه ذهب شخصيا لإحضارهم،
وكم أصر على علاء ليكون بينهم،
نجح بإقناعه في النهاية طبعا،
وأخيرا أجلسه بصالة متوسطة مطلة على المسبح واستأذن منه ليصعد غرفته، بينما دخلت كل من السيدة حبيبة وسهام الصالة الداخلية محملات ببعض الهدايا التي توصلت بها يوم زفافها.. وكذا حقيبة تتضمن ملابس هدى التي خلفتها وراءها بقصر الاحتفال..
صعد الدرج وإذ به يلحظ وجود أحدهم أمام باب غرفته..
لم تكن غير سمية تود إخبار هدى بوصول الضيوف.. ولكنها أخطأت الباب طبعا.. اقترب منها بهدوء في نفس الوقت الذي خرجت فيه هدى من غرفتها تستكشف مصدر الطرق..
موقف لا يحسدان عليه أبدا،
هدى شعرت بالحرج وهي تقف ناظرة للآخرين أمامها وكريم أشار لمكانه وهو يوجه لها كلامه:
- اقتربي يا سمية!
اقتربت وسألت بوجل:
- نعم سيدي!
سألها بهدوء:
- لم أنت هنا؟
سمية المسكينة توترت وهي لا تفهم الوضع لحد الآن، صحيح أنها – وهي تضع الوجبات على الطاولة- لاحظت أنهما لا يتكلمان مع بعض ولكنها لم تكن لتفسر الأمر تفسيرا حقيقيا.. وهي كمدبرة منزل لا يهمها من أهل البيت إلا أوامرهم.. تلعثمت قبل أن تجيب:
- أردت أن أخبر السيدة بوصول..
وقبل أن تكمل قاطعها بقسوة ونفس نبرة الهدوء لا تتغير:
- مستقبلا، لا تصعدي هذا الطابق إلا للضرورة القصوى أو للتنظيف صباحا بعد أن يؤذن لك بذلك!
سمية تبرر:
- سيدي لقد اتصلت بالهاتف الرابط ولكن.. (فهي فعلا اتصلت بالهاتف الرابط بين غرفة النوم الرئيسية والمطبخ حيث يمكنها الاتصال إن لزم الأمر كما سبق وأكد عليها كريم نفسه غير أنها لم تلقى جوابا فاضطرت للصعود والطرق)
كريم يقاطعها للمرة الثانية:
- لا تجادليني وانصرفي من أمامي.. حالا!
هدى كانت تتابع الحوار دون أن تنطق، انتابها الغيظ من طريقة محادثته لمخلوقة كل ذنبها أنها أساءت التقدير..
انتظرت نزولها المخزي لتتكلم وتفصح أخيرا.. خاصة أن غضبها بدأ يتراكم وإذلاله للخادمة ليس إلا القطرة التي أفاضت كأس صبرها طيلة ساعات من إهماله وعدم اهتمامه (وهدى بالطبع أغفل ما يكون عن الدوافع التي جعلتها تثور):
من بين أسنانها عاتبته:
- إن كنت قد نسيت أو ربما لم تلاحظ من الأصل.. فالمرأة من بني البشر.. وهي كغيرها معرضة للخطأ.. أم أن لعبة إذلال الناس تستهويك؟
كريم كان واقفا ولدى سماعه صوتها صوب عينيه لها.. رفع حاجبا وهو يسمع تعليقها ودس يديه في جيوب بنطاله وهو يرد ببرود سحيق:
- تكلمينني؟
هدى تحاول استفزازه بأية طريقة، تريده أن يثور ويغضب، فبروده هذا لا يخدم مصالحها المتمثلة أساسا في إتعابه وصهر تجلده شيئا فشيئا.. إلى أن يستسلم لفكرة أنها ليست له ولم تكن له منذ البداية.. وأن تشبثه بالزواج منها كان خسارة فادحة لحرية الطرفين وأن الضرر سيلحق نفسيته كما لحق دواخل روحها هي.. فيذعن أخيرا لما تريده وترغبه بعد أن يمر على زواجهما وقت معقول!
لكل هاته الأسباب ردت وهي تمط شفتيها:
- إن لم يكن غيرك في هذا البيت ممن يعانون عقدة الطبقية، فأكيد أن من أوجه له سؤالي هو أنت!
كريم لن يتخلى عن بروده مهما حاولت، ولكنه في نفس الوقت لن يسكت عما قالته، ابتسم ابتسامة جانبية مستخفة واقترب منها ليتقابلا تماما ويجذبها من تحت مرفقها وهو يهمس:
- إن نسيت أنت.. فلا عقدة لي تذكر مع من هم أقل مستوى مني.. حتى من هم أحقر بكثير قلبا وقالبا..
صمت للحظة وهو يحس بضيقها من حركته تلك وهمسه، ثم عاد ليكمل بهدوء سام جدا:
- ... والدليل أنك زوجتي الآن!
تجمدت،
تجمدت بالفعل،
إهانة قاسية،
قاسية لأبعد حد،
وخزت أعماق روحها،
وغزت مشاعرها،
فتجلدت لتجيبه بأي شيء،
بكل شيء،
بما أنه يراها أحقر من أن تصل لمستواه فلماذا يرتبط بها من الأصل؟
أ ليرميها بكلام من هاته النوعية؟
كانت ستفتح فمها بهجوم ما لولا أن يده تركت مرفقها لتشبك ذراعها بذراعه وهو يقول بنفس اللهجة ويجرها ناحية السلم:
- الأهل بالانتظار!
...............
......
نفس الوقت،
وفرق ساعة إضافية حسب توقيت الجزائر،
ولاية غرداية،
وبالضبط مدينة بريان الصحراوية،
الحرارة شديدة بالنزل حيث يتواجد الأطباء المتطوعون المغاربة، حتى بعد العصر تبقى الحرارة على مستوى من السخونة لن يتحملها غير ساكني المنطقة الأصليين..
بإحدى الغرف التي يتقاسمها مع زميل جديد، تمدد عمر بارتياح على سريره الذي تركه فجرا ولم يعد له إلا الآن، مرهق زيادة إلى أنه جائع ويرغب في النوم، فاليوم كان مضنيا.. خاطب صديقه وهو يستند إلى كفه متكئا على يمينه:
- تظننا لن نغادر بريان؟
عبد الجليل بإرهاق هو الآخر:
- ظني أننا نقوم بعملنا.. سواء بهاته المدينة أو بغيرها.. لا فرق عندي شخصيا.. مادمنا ننجز أكثر مما كنا سننجزه بتندوف!
تنهد عمر بأسف:
- الحريق كان مأساويا.. عشرون شخصا اختلفت حرائقهم ما بين الدرجتين الثانية والثالثة.. ألهذا الحد يطغى الكره على قلوب أبناء نفس المنطقة؟ ليحرقوا بعضهم البعض!
عبد الجليل يفتح الباب للطارق ويأخذ منه صحنا وضعت به وجبتان لكليهما، يغلق الباب ويعود ليجيب صاحبه:
- توقع أكثر.. ففتنة الطوائف كفيلة بتدمير الشعوب وليس المناطق وحسب.. والصراع هنا بين الإباضيين والمالكيين ما هو إلا مجسم صغير، صغير جدا لبناء ضخم يشيده أعداء الدين يوما عن يوم ليستعملوه حاجزا بين أبنائه بمسمى اختلاف المذاهب!
وصدقني.. المشكل والاختلاف لا ينحصران هنا.. بل يمتدان لأغلب الأمم المسلمة إن لم أقل كلها!
عمر يتحسر لذلك:
- لك حق في كل ما قلته.. فلطالما تركنا للغير مدخل شقاق ليتسنى لهم التسلل منه وإعطائه حجما أكبر وعمقا أكثر ليبرزوا بهفواتنا نقاط الضعف ويوسعوا هوة الخصام والفتنة!
وأنا أؤمن بالمثل القائل: أن وراء كل مصيبة يهودي!
ابتسم عبد الجليل:
- صدقت!
قالها وهو يحشر بين سريريهما طاولة صغيرة ويضع عليها الوجبتين:
- بسمل ودعنا نسد رمقنا، فلا تعلم متى قد يتم إعلامنا بحالات مستعجلة جديدة!
جلس عمر بدل تمدده وهو ينوي الشروع في الأكل:
- بسم الله!
..........................
.............
كريم مازال يجالس علاء ويجمعهما حوار مختلف عن ما يدور بين النسوة من حوارات، كريم يسأله مستغلا انصراف نبيل زوج أخته للحمام (وأنتم بكرامة) باهتمام أخوي:
- علاء، أخبرني عن فكرتك عن المستقبل؟
علاء كمن صدم:
- مستقبل ماذا؟
كريم بنبرة معاتبة:
- مستقبلك المهني! أم أنك لا تريد أن تعمل؟
علاء يتحجج:
- لست لا أريد.. الأصح أنني لا أستطيع.
كريم وعيناه تحتدان:
- سبق ولمحت لك ولم أجد منك استعدادا! إلى متى تتهرب؟ أم أنك تعاني من إعاقة ما.. لذا لا تستطيع! حتى المعاقون يحاولون قصارى جهدهم لكسب قوتهم.. أما أنت فلا تحاول!
علاء لأول مرة يشعر بالغضب من نسيبه، ويعلم أن هناك سببا لما قاله كريم بينما لا سبب لأجله يغضب هو:
- أنا لا أتهرب يا كريم!
- بلا!
تنهد علاء باستسلام:
- حسنا.. لا مؤهل علمي لدي لأباشر أي عمل كان!
كريم مضطر لأن يقسو عليه بالكلام ليصلح شيئا من حالة التهاون والكسل التي يعيشها:
- لكل درجات العلم مهما اختلفت مهن تليق بها.. وأنت لست أميا! لديك شهادة ثانوية وشهادة أخرى للدراسات الجامعية العامة بالأدب! وهذا كاف.. على الأقل بالنسبة لإحدى شركات صديق لي.. كلمته عنك وهو مستعد لتوظيفك بعد أن يتم تدريسك لمدة شهر تدريسا عمليا ومن تم تختبر قدراتك لشهر لتباشر عملك بعدها كأي موظف!
لا تقل أن هذا لا يناسبك أيضا!
علاء بعد صمت دام لثواني وهو يلاحظ عودة نبيل:
- أعطني فرصة لأفكر مليا ومن تم أجيبك!
........................
............
بالصالة الداخلية،
هدى بين صفية وسهام،
تقابلهن جميعا نسيمة
وعلى يمينهن حبيبة،
سهام تهمس لهدى.. (التي استضافتهن خير ضيافة ورحبت بتواجدهن كما لو أنها زوجة حقيقية وصاحبة بيت وهي تضغط على نفسها ضغطا شنيعا حتى لا يفضح تألمها من كلمات كريم منذ أكثر من ساعة).. وهي الأخرى تداري خوفها على زوجها، خوف غير مبرر لأنه غير متواجد بالمكان الذي من المفترض أن تهابه (حسب ظنها) غير عالمة أنه بمكان أخطر..:
- هدى، هل أنت وكريم متفاهمان؟ أقصد..
هدى توجه لها نظرها وهي لا تفهم مكنون السؤال وتهمس بنفس الطريقة:
- متفاهمان؟
سهام تقترب من أذنها أكثر حتى لا يسمعهما أحد من المشغولات بموضوع آخر:
- أقصد الجليد المتراكم بين كل عروسين جديدين.. فكلاكما لابد أن يفصح للآخر عما يحب وما لا يحب وألا تتركي للخجل الكلمة الأخيرة في إبداء رأيك عما حولك.. وكذا بعض خصوصياتك.. تفهمين قصدي..
آخر ما تمنته هدى هو التطرق لموضوع مماثل، فشعرت بغصة ولكنها أجابت بثقة:
- كل شيء طبيعي بيننا!
سهام بروح الأخت الأكبر:
- تعلمين سبب سؤالي.. الليلة الأولى بين العديد من الأزواج قد تتخللها مشاكل وسوء فهم.. وأنا لم أخبرك عما يجب وما لا يجب أن تعاملي به زوجك لأنني كنت يا حبيبتي مشغولة بموضوع سفر عمر حتى بعد مغادرته! وأما أمي ولمياء فهما لم تريدا إحراجك ولابد!
هدى تنظر لها بامتنان:
- أعلم يا سهام، ولا تخشي شيئا فقد أخبرته وأبديت رأيي كاملا دون نقص.. كما وضح لي هو أمورا كثيرة عما يجول بعقله!
............................
.............
مضى يومان،
حان يوم الاثنين،
محمد رافق لمياء للمصحة حيث سيجري لها الفحص منذ السابعة والنصف ليستطيع إعادتها للبيت ثم التوجه لعمله بتمام الثامنة والنصف، وهو في خضم هذا لم يتناسى ضرورة محادثة كريم بخصوص شرط أخيه الذي أجله مرارا وتكرارا إلى أن صار يثقل كاهله ويزيد همومه هما إضافيا،
كريم تنازل عن إجازة الزواج وباشر عمله،
اليومان الماضيان لم يختلفا كثيرا،
هدى تتحاشى المشاحنات معه فلابد أنها تشعر بالمهانة مما قاله ولا تريد تكرار التجربة،
وهو لم يقل ما قاله إلا ردا لاعتبار نفسه، وإيقافا لسيل اتهامها له بالتكبر على الناس وهو أبعد ما يكون عن الحكم على الأفراد انطلاقا من حالاتهم المادية،
إنما ينتظره الكثير من رد الاعتبار وينتظرها هي الكثير من التحقير والذلة!
بمنتصف النهار لليوم،
جالسين بطاولة الأكل، تخدمهما سمية، بنفس الصمت والملل اليومي الذي سارا يستحضرانه بكل الوجبات ويتناولان غداءهما.. بشوكتها حملت قطعة لحم الضأن الطازجة ووضعتها بصحنها.. ودون أن ينظر لها سألها بهدوء كبير:
- هل قدمت استقالتك؟
كانت هدى ستبلع لقمتها لكنها استقرت ببلعومها فآلمتها، سعلت بشدة وشربت نصف كأس العصير على يمينها، لتسأله بعينين دامعتين:
- استقالة!! من ماذا؟؟
نطقت جملتها وارتشفت من الكأس مجددا.. كل هذا وهو يتناول غداءه بارتياح تام، بنظرة جانبية منه بما أنها تجلس على يساره حيث يتصدر هو الطاولة، أكل من طبقه ببساطة:
- من عملك!
وضعت الكأس على الطاولة برجفة لم تفته ملاحظتها لأن صوت ارتطام الكأس بالطاولة كان ذا صوت، واستدارت تجيبه باستنكار:
- ومن قال أنني سأستقيل! أنا بإجازة وحسب!
بنفس الهدوء الخارق نظر لها بكلتا عينيه أخيرا:
- أنا من يقول!
يظهر أن هدى نسيت شيئا اسمه تحكم بالأعصاب، أو شيئا آخر يدعى كبت الغضب.. فدفعت كرسيها للوراء ووقفت وكل ذرة في كيانها تعلن عدم الرضى والغضب فنطقت بصعوبة وبصوت أعلى:
- هذا لم يكن اتفاقنا منذ البداية! وأنا وضحت لك من قبل أنني متشبثة بعملي!
- أنا لا أستشيرك إنما آمرك!
هكذا اعتقد أنه أنهى الحوار الدائر بغطرسته المدروسة! ولكن هدى مازالت واقفة تنتفض غضبا.. يداها ترتعشان من الانفعال ولسان حالها يقول: (لا يمكن أن أهدم كل ما بنيته بكد في عملي، مركزي ومكانتي.. أن يصير هذا سرابا في لمح البصر فذاك هو المستحيل.. لن يأمرني كأمة فأنا امرأة حرة أسير حياتي كيف أشاء وأستقيل برغبة مني وليس بأمر منه.. نيران تشتعل بعقلها فتكاد تحرق خلاياه وكلامه صار على قلبها أبغض كلام فهو لا يحمل لها من المسرات شيئا:
- لست تابعة أو جارية لتأمر فأنفذ أو لترغمني على ما لا طاقة لي به!
حتى وإن كانت لي به طاقة.. فأنت آخر من تهمني تدخلاته بحياتي وخصوصياتي المهنية قبل الخاصة!
الظاهر أن كريم أنهى طعامه، ليس لذهاب شهيته فضجيج رفضها وإيبائها لا يعنيه ولا يؤثر به شرط أن لا يكون فيه مس بشخصه، فوقف بدوره مقابلا لها وكاشفا عن فارق الطول بينهما وفارق الجبروت أيضا:
- إسمعيني.. (قالها بصوت أعلى بقليل.. مستبد وبارد).. إن لم تستقيلي فسأفعل ذلك نيابة عنك.. أنا زوجك.. وأنا من يصرف على احتياجاتك.. والموضوع انتهى هنا كما بدأ هنا.. فلا تمارني فيه أبدا!
بلعت ريقها بامتعاض واضح ثم أردف هو:
- أطلبي مني ما تريدين إن لم يكفك ما وضعته رهن إشارتك بحسابك البنكي الجديد..
أخرج من جيبه الخلفي بطاقة ورماها أمامها على الطاولة:
هذه بطاقة اعتمادك!
نظرت لها وقبلها ليده الممتدة بضغناء، وقررت الآن أن تكلمه بأسلوب عقلاني:
- الأمر ليس كما تراه أنت.. ماديا بحتا.. هذا احتياج لي ولشخصي، شيء يثبت ذاتي ووجودي!
تحرك من مكانه ليقف بقرب شديد منها، هذا القرب الذي صار يرعبها لما يحمل وراءه من آلام قادمة، فهو من المؤكد يعني أن كريم يني الخوض في كلام تحقيري لها، نظرته القوية وحضوره الطاغي دفعاها للتراجع مسافة يسيرة وبنبرة قهرت آمالها وقتلت أحلامها قال:
- أنا لا أكرر الكلام أكثر من مرة.. مرة واحدة تستوعبين فيها وتنفذين وقد سبق وحذرتك ولن يكون لتحذيري هذا مرة ثالثة.. ثم هنالك شيء آخر.. لن أكرره هو الآخر.. ولا داعي أن تعلقي عليه.. سيارتك تنازلي عنها أو امنحيها لأحد ما.. وسأوفر لك غيرها.. بالطبع لن تسوقيها إلا بإذني وتحت نوع من أنواع الاضطرار.. لأنك لن تخرجي إلا تحت أمري ومشورتي!
كانت هذه القشة التي قصمت ظهرها وأعيت صبرها.. حياتها صارت أسوء مما تصورت..زوج حاقد.. لا عمل.. لا سيارة.. إذن لا استقلالية وانعدام الاستقلالية ينفي الشخصية.. تسارعت الاستياءات في عقلها ودون تفكير قالت:
- أليس لدي وجود حتى تحدد أنت ما يجب أن أفعل وما لا يجـــــ..
قاطعها بثبات:
- لا، ليس لديك وجود.
وانصرف من أمامها.. أو كان مستعدا لذلك لولا أنها (دون تفكير أيضا) أمسكته من ذراعه محاولة استيقافه فانكمشت يدها مبتعدة وهي تعي مدى تسرعها وبعده تعي حرارة نظرته الغاضبة لاقترابها منه في الغالب (فهذا ما توصلت له من تفسير).. نطقت بالجملة التي ودت نطقها بالعصبية اللازمة:
- لا تتوقع مني تقبل إهاناتك هذه بصدر رحب..
لم يكن منه إلا أن رمقها بسخرية:
- عليك أن تتعودي على الإهانات!
اختفى من أمامها إلى متوجها لداخل البيت وقفت هي بصدمة من الوضع الجديد ومن لغة الشتم والسخرية اللاذعتين.. إنه كمن يمحو كل ما هو جميل بحياتها ويرسم بدله أبغض صورة مليئة بالسواد والعجز..
فهل يريدها عاجزة أمامه؟
غير قادرة على تحدي غروره؟
مستسلمة لجنونه؟
هل ترضخ لأوامره بهذه السهولة؟
لهجته التهديدية لا تساعد على التحدي..
سرت رجفة في كامل جسمها وانتقل الضيق والصراخ الداخلي الذي تعانيه كاملا إلى يدها.. نفس اليد التي امتدت لذراعه البغيض.. وكمن ينتقم من يده لأنها لامست شيئا من عدوه رفعتها بأقصى ما لديها وضربت على الطاولة بشيء من الشدة.. وبما أنه من المفترض أن تؤلمها ولو قليلا.. إلا أن الآلام النفسية طغت على كل شيء وطفى على محياها قهر لم تحسه من قبل وعقلها ينطق:
- لن أدحر مهما حاولت دحري.. سألزم المنزل.. لأن لا خيار لي الآن.. لكن هذا لن يكون في صالحك.. وأنا لن أستقيل.. بل سأقدم على إجازة بدون مرتب إلى أن تنتهي محنة زواجي منك بسلام.. وبينما أنا كذلك.. سأصير عقدتك المعقدة وأسوء رفقة لك بهذا المنزل العتيد!
مع تحيتي وسامحوني مرة ثانية على تأجيل الجزء لهذا الوقت!
|