كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أهلا وسهلا،
اليوم أتيت لكم بجزء آخر،
اقبلوه مني عزيزاتي،
وللعلم فأنا سأنشغل عنكم غصبا الأيام القليلة القادمة، لدينا مناسبة عائلية قريبة ولن أستطيع التفرغ للكتابة والحدث في نفس الوقت.. قد تمتد المدة لأسبوع أو أكثر لكنني أعدكم متى استطعت أن أكتب فلن أبخل عليكن حبيباتي،
سامحوني مسبقا
واليكم الجزء مع تحيتي:
الجزء الثاني والثلاثون،
استعدا للمغادرة،ومع وقوفهما جنبا لجنب تذكرت نسيمة شيئا آخر،
لذا هتفت بهما:
- آه! نسيت، إبقيا مكانكما..
كريم باستغراب:
- ماذا بعد؟
نسيمة تستعد لالتقاط صورة أخرى:
- وضع وقوف.. سآخذ لكما صورة بوضع الوقوف!
......................
.........
بعد أقل من دقيقتين خرج العروسان من القاعة الفخمة تحت نظرات الإعجاب والانبهار..
النساء الباقيات ارتدين جلابيبهن تمهيدا للمغادرة بعد توديع الزوجين.. من بينهن إكرام.. لكنها عكسهن.. لم تنخرط في التوديع والمباركات بل تراجعت للخلف،
سعد وعلاء يقفان بمكان غير بعيد حيث يستطيعان رؤيتها – أو بالأحرى يستطيع علاء رؤيتها – وهذا آخر ما تتمناه أو تصبو إليه! فإضافة لبقايا المساحيق ( رغم ما مسحته منها) على وجهها.. لازال الإحساس بغباء تصرفها يحضر بقوة مع كل قرب من علاء أو حتى مجرد الإحساس باقترابه..
.........
بردائها الأبيض، وغطاء ناعم متين يغطي وجهها ويمتد لبدايات صدرها ليحجب حسنها الطاغي الليلة.. وكل ليلة!
وسط الزغاريد والتصفيق،
محتضنا يدها بكفه كنوع من التملك..، كانا بأبهى صورة:
جمالها وأنوثتها الخالصة.. ونظرات الثقة التي تنبعث منها رغم الغليان الذي هي فيه!
في مقابل وسامته وقوامه الرائعين.. وكبريائه الصارخ!
استطاعا بذلك أن يرسما لوحة ساحرة..
متناسبان لأبعد الحدود رغم كل المتناقضات الداخلية والخارجية:
نعومتها وصلابته..
رقتها وحدته..
عصبيتها وبروده..
ضآلتها (مقارنة به) وضخامته!!
برسمية ولباقة سبقها لسيارته الفخمة.. فتح بابها ودعاها للدخول ببسمة ترتسم على وجهه الرجولي مشيرا بيده للداخل.. فاضطرت أن تسايره في تمثيليته وببسمة مماثلة شكرته ودخلت..
بعد أن أغلق الباب توجه لعجلة القيادة واستعد للانطلاق.. إلا أن أم هدى اقتربت منهما قبل أن يرحلا وبحنان الأم قالت وهي تستند لنافذة السيارة المفتوحة:
- حبيبتي اهتمي بنفسك وزوجك وليحفظكما الله..
إحساس هاجم العروس.. كله حزن ورغبة في البكاء.. فهذا هو اليوم الذي تبكي فيه كل زوجة جديدة..
تأسفت هدى بأعماقها:
ولكن الأخريات يبكينه فرحا..أما أنا..!
حبست دموعها وقوت من عزيمتها فمدت يدها عبر النافذة تلامس وجه أمها كما لو أنها ستلامسه لآخر مرة:
- سأفعل يا غالية.. اهتمي أنت بنفسك..
بلطف تدخل كريم في حوارهما القصير:
- أشكر وصيتك لها بي يا عمة.. وعلى العموم لن أحرمك رؤيتها متى أردت ذلك.
سلما عليها.. هو بثقة راسخة وهي بثقة مهزوزة في النفس والمستقبل.. فخطوات فقط تفصلها عن العهد الجديد!!
..................
..........
بقاعة الاحتفال،
انصرف الكثيرون..
نسيمة غادرت بصحبة أمها وزوجها..
لمياء مع محمد..
سعد مع زوجته..
صفاء وليلى كانتا من أول المغادرين..
علاء ينوي إيصال أمه وأخته سهام بعد أن تتأكد هاته الأخيرة من أغراض هدى وترتبها في حقيبتها الخاصة..
أما إكرام فتتوارى لحد الآن عن العيون،
تقف خلف الحائط المؤدي للحديقة وتسترق النظر للآخرين في انتظار أن ينصرف علاء الواقف هناك.. لكنه لم يفعل بعد..
سهام تسحب الحقيبة التي تتضمن ملابس أختها وتتوجه لباب الحديقة فتلاحظ أن إحداهن تقف وراء الحائط.. أو الأحرى: تختبئ وراءه!
تقدمت باتجاهها لتجد أنها منشغلة بمراقبة شيء ما..
- السلام عليكم!
انتفضت إكرام رعبا، فالصوت الذي حياها أتاها من الخلف فأفزعها..
شهقت ورددت بسرعة وخوف:
- تف.. تف.. بسم الله الرحمن الرحيم!
اندهشت سهام من رد فعلها والاندهاش صار ضحكا وهي تتعرف إلى إكرام التي استدارت ببطء.. والفزع لدى صديقة أختها صار إحراجا نظرا لضبطها بهذا الشكل المخزي..
سهام سألت بعفوية والضحكة لم تفارق ثغرها:
- آسفة إن كنت قد أخفتك ولكن ماذا تفعلين هنا ولوحدك؟
إكرام ويدها على قلبها تعد دقاته المتسارعة خوفا:
- لقد أفزعتني بحق!
ثم وهي تتنفس بصعوبة:
- أنا انتظر انصرافكم.. أقصد.. انصراف الكل.. أنظري لوجهي فالكحل وأحمر الشفاه مسحتهما عدة مرات ولكنهما لم يخفا!
سهام بابتسامة طمأنتها:
- لا.. هذا لأنك لم تعتادي على وضع المساحيق.. ولكنهما شبه منعدمين في الحقيقة.. يكادان لا يلاحظان!
إكرام مصرة على رأيها:
- وأنا أرى العكس تماما!
- حسنا!
نطقت سهام بمودة:
- فإلى متى تختبئين؟ لقد حان الوقت لتنصرف آخر سيارة وعليك مرافقتي!
إكرام بصدمة:
- إلى أين؟
سهام ببساطة:
- نوصلك للبيت في طريقنا بالطبع!
إكرام برفض بات:
- لا.. أشكرك ولكني في انتظار أبي.. اتصلت به وسيكون هنا بعد دقائق!
سهام بتصميم:
- مستحيل أن نجعله يتعب في مشوار لن يستغرق منا شيئا..
إكرام بإحراج:
- لا يا سهام لا.. أليس أخوك من سيوصلكم؟ لا أريد أن يراني أحد بهذا الشكل!
ثبتت سهام على موقفها:
- ضعي غطاء أو ما شابه على وجهك وهيا أسرعي فلم يبقى غيرنا هنا.. وسيقوم علاء بالاتصال بأبيك حتى يعفيه من الحضور! هيا يا إكرام وساعديني بحمل الحقيبة..!
.........................
...................
كريم وهدى،
طوال الطريق،
كان يلفهما الصمت، نظرا لأن كريم يتحاشى الزيادة من توترها وهو يرى منها عدم ارتياح واضح، إلى أن وصلا منطقة ليست غريبة عليها، بل هو نفس الحي الذي تسكنه صفية حماتها..
لم تستوعب بعد إلا والسيارة تأخذ مسارا مختلفا بعض الشيء، لتتوقف في نهاية المطاف على أمام باب ضخم لبيت ليس أقل رقيا من بيت العائلة الكبير مع لمسات معاصرة تعطيه تميزا وخصوصية..
لم تعطي هدى للأمر أهميته رغم توقفه بعد مسيرة بدت لها دهرا كاملا نظرا للاختناق الذي تشعر به قربه..
- ها قد وصلنا!
قالها وهي يعطي للحارس منبها ففتحت البوابة على مصراعيها فعاد يسوق إلى داخل البيت عبر مسار طويل تظهر على جانبيه حديقة بمساحة كبيرة وأضواء مثبتة على الإسفلت.. توقف ثانية، ترك مقعده وفتح لها الباب، وبلطف لم تعهده منه:
- تفضلي.. مرحبا بك في بيتك!
خرجت والخوف قد بدأ يستبد بها ودون أ تنطق تحركت معه إلى داخل البيت عبر الحديقة.. كانت مسافة سير لا بأس بها أحستها قصيرة هاته المرة لأن لحظة الحقيقة صارت بالغة القرب..
ولجا معا عبر الباب الداخلي.. كل ما في المنزل مدهش.. سعته.. ألوان جدرانه.. أثاثه المتدرج ما بين الأصالة والمعاصرة.. لكل جلسة طابعها الخاص وروحها الخاصة.. الأضواء تختلف من خافت إلى ساطع.. لحظت هذا بشكل سريع لكنها لم تحفل به.. فحدث القادم أهم من كل التفاصيل..
من باب يبدو أنه باب المطبخ أقبلت عليهما امرأة في بدايات الأربعين.. تبدو عليه اللطافة والهدوء.. قطع الصمت كريم بأن قدمها لهدى:
- هذه سمية.. المشرفة على البيت..
عادت لأرض الرعب على صوته وتكلمت بحذر متناهي:
- تشرفت بك يا سمية.. أنا هدى.
سمية بالابتسامة التي لا تفارق وجهها:
- وأنا أكثر يا سيدتي.
تكلم كريم بهدوء:
- إسأليها أن تحضر لك أكلا إن شئت!
نقلت نظرها إليه كما لو أنها تستغرب سؤاله وحال لسانها يقول:
- أية شهية لي وقد وطأت قدماي مملكتك!!
نطقت أخيرا وهي تزيل الغطاء عن شعرها بعد أن كانت قد أزاحته عن وجهها من قبل..:
- لا أشعر بالجوع.. أشكرك!
انصرفت سمية بأمر من رب عملها تاركة انطباعا طيبا لديها..
تكلم كريم من جديد وهو يرى منها بعضا من السهو وكثيرا من التوتر الذي لم يغادرها للآن:
- يمكنك الاعتماد على سمية في كل شؤونك.. وللعلم فليس لأحد من الخدم الحق بالتجول داخل البيت.. كل يلزم مكانه وهي الوحيدة التي تستطيع ذلك.. تحت طلبك وليس من تلقاء نفسها..
استرسل بثقة:
- هل يروقك أن نقوم بجولة أولا؟ فالأثاث كان من اختياري بما أنك أبيت اختيارها بنفسك!
أولا!!
تساءلت بعقلها..
وماذا عساه يكون ثانيا؟
ولماذا هذا التحسن المفاجئ في أخلاقه وتصرفاته؟
من إنسان يكرهني لآخر يتودد لي..
توجست بشدة مما يضمر لها.. وهي تضم الثوب بيد مرتعشة..
هذا هو جنس الرجال.. يتلطفون لغاية في أنفسهم..
تحركهم تلك الرغبة الحيوانية..
فهل يتوقع بعد كل ما ألحقه بي أن أقبل به كزوج وأعامله كزوج أيضا؟
الذعر والغضب يتحكمان بأعصابها والحنق يستثير نفسها.. أجابته بإيجاز شديد:
- لا!
- حسنا.. (أجابها كريم بعفوية وهو لا يجد لعدم تجاوبها شرحا جليا).. دعينا ننام لنستعد للسفر صباحا!
سفر؟؟
لم تكن على علم بأنه اختار إيطاليا محطة لأول أيام شهر العسل المفترض..
فأزعجها الخبر أشد الإزعاج وزاد من رهبتها..
لم تكن قد نطقت بعد.. وهي تراه يبتسم وبعينيه نظرة غريبة لم تعهدها من قبل.. شيء من الانحناء أكده بأن مد ذراعه لها في وضع يسمح له بحملها بين ذراعيه..
يحملني؟
هكذا بسهولة!
كمل لو كنا عريسين طبيعيين؟
حقا إنسان معدوم الإحساس!
ارتسمت أكبر علامات الاستفهام على محياها.. لكنها لم تدم طويلا إذ تراجعت للخلف خطوتين بنفور..
وهو شيء طاعن لوجدان كريم..
استقام في وقفته مجددا..
وقد مسحت الابتسامة واستبدلت بتقطيب طفيف..
لم تسامحه ربما!
أو أن خجل الأنثى يمنعها!
ولكن أيا كان السبب فقد ترك بقلبه جرحا غائرا..
رفعت رأسها بشموخ وتحد تبحث عن وجهه وهي تكلمه بغيظ وألم.. بعتاب واتهام.. بتجريح وإيلام:
- لا يا كريم.. لا تتخيل للحظة أنني سأنسى كيف أرغمتني على الزواج! لا تتصور أنني سأغفر أخطاءك المتتالية بحقي.. وإهاناتك المتكررة لي.. كل هذه التمثيلية لم تعد مجدية.. فنحن الآن بمفردنا والمسرح الكبير قد أسدل ستائره.. لا داعي للسفر ولا داعي للتظاهر أكثر بأننا أسعد الأزواج..
جمدت نظرته بها..
لهذا الحد تبغضه؟
لا تذكر له سوى سيئاته! (إن كان قد أبرز من حسناته أمامها شيئا!)
ولكنه مازال ساكتا،
وهي مازالت لم تنهي كلامها الحاقد:
- ذاك التقرب اللعين.. والذي كرهت نفسي مئة مرة لأنني أرغمت على تقبله منك أمام أنظار الناس.. لا نفع له هنا.. ولمساتك تلك كانت أول وآخر وصل بيننا.. لا تحلم أن تتخطاها لشيء آخر.. فلن أكون لك أبدا.. وليكن قربي منك هو آخر توقعاتك..
تقطعت أنفاسها واستدركت بعد أن تشربت من هواء الصالة الخانق:
- لا داعي لأذكرك بحقيقة إحساسي نحوك.. فحقدي عليك لن تطويه السنين ولن تتجاوزه المسافات.. فكلما رأيت عينيك يكبر بقلبي ويزيد سواده..
كان واقفا دون حراك..
يستقبل طعناتها..
الواحدة تلو الأخرى..
رجولته تهان بقسوة..
أن يكون منفرا لها..
ومكروها من جانبها..
مرفوضا بحياتها..
بينما هو يذوب في هواها..
ويتمنى إسعادها..
ويتوه في نظراتها..
هو حتما أقسى شعور قد يخالج المرء!
وهو بالفعل أقساه على كريم!
تكلمت الآن بهدوء وهي تبتلع غصة استقرت بمنتصف حنجرتها:
- أريد غرفة منفصلة وسأنقل لها أغراضي..
شيء ما في تعابير وجهه لم تفهمه..
هل هي صدمته من كلامها..
أو ببثه بعضا من أحاسيسها المتأججة سلبا..
لكن هذا آخر ما قد تبالي له!
نظر لها بهدوء وجفاف.. وتكلم بعد كل هذا الصمت بما لا يعتمل في نفسه حقيقة:
- لك ذلك!
تحرك ليصعد الدرج وبنفس النبرة العديمة المغزى:
- سأريك غرفتك..
تبعته وهي تشعر بالنصر من جراء إنجازها المصيري.. لكن الاضطراب يلازمها حتى الساعة.. رقت الدرج إلى أن وجدت نفسها بطابق الغرف..
وتقدمت خلفه عبر الممر إلى أن أشار كريم لإحدى الغرف:
- نامي هنا إن شئت!
مدت يدها تفتح بابها وتوجهت للداخل.. لم يحتج لمراقبة دخولها وإيصادها الباب حتى ينزل بجمود ليحضر حقائبها من السيارة.. يضعها أمام بابها ويطرق لمرة واحدة ثم يلج الغرفة الملاصقة..
.......................
.............
ببيت إكرام،
وصلت منذ دقائق،
بعد أن قام علاء بإيصالها وقد كان يجهل حتى من تكون - لأن غطاء رأس جلبابها الذي يغطي عينيها إضافة لانحناء رأسها - منعاه من التعرف عليها، وهو يتتبع إرشادات سهام بالطريق المؤدي لبيت الجالسة قرب أمه بالمقعد الخلفي (كما قامت إكرام بتلقينها لها حرفيا)..
إلى أن نادتها السيدة حبيبة باسمها.. فشعر بغرابة شديدة لوقع الإسم عليه.. وحاول التأكد من أنها هي ليعتذر لها بشكل مباشر لكنه لم يحبذ الفكرة بالنهاية خاصة أمام قريبتيه اللتان ستستفهمان بقوة.. هذا غير ما قد يعرضه الموضوع للشابة من إحراج جديد!
ابتسم بينه وبين نفسه واستمر في طريقه..
لم يعلم أن إكرام تعاني من هبوط أو ارتفاع في الضغط لا تدري.. والأهم من هذا وذاك أنه ضغط غير سوي ينزل للحضيض تارة ويتصاعد بجنون أخرى!
وحال وصولها غادرت السيارة في رمشة عين لتدخل البيت وترتمي على سريرها.. تشهق وتزفر بسرعة كبيرة..
إنضاف اليوم، إلى جانب إحساس الخجل، والحب.. إحساس قاهر عصيب:
وهو الإحساس بأن علاء يكاد لا يلحظ حتى أنها موجودة..
بل ولا يحس بأية تغييرات - عادية حتى- إن هي دخلت أو خرجت.. اقتربت أو ابتعدت..
شعور يسحق الحب سحقا ويؤذي المحب إيذاء..
بأنه كائن غير محسوس لدى الطرف الآخر!
......................
...........
قصر كريم،
الثانية ليلا،
بعد الطرقة الخفيفة فتحت الباب وسحبت حقائبها للداخل وأعادت إغلاقه بحذر،
دخلت الحمام تبحث عن مهرب من أفكارها السلبية بهاته الليلة المجيدة..فتحت بابه بحذر أيضا ككل خطوة تخطوها في البيت الجديد وفي حياتها الجديدة ككل ..حمام متكامل.. يبدو أنها غرفة لضيوف من نوع خاص ..واسعة جدا وراقية..سيراميك الحمام ملكي ذهبي يعطيه لمسة ساحرة ..اقتربت من صنبور المغطس فتحته فغرق هذا الأخير في ماء ساخن..
حدقت بالبخار الصاعد.. كمستقبلها تمثل بين عينيها.. يصعد ويصعد دون أن يكون شكلا معينا..
أ فهل هناك أكثر ضياعا من حبات الماء الدقيقة.. على خفتها تتعلق بالفراغ وتكون غيمة صغيرة.. فتختفي في النهاية على سطح أي شيء يسد طريقها؟
أحست بمعاناة ذرات الماء تلك.. فهل يكون مصيرها مشابها؟؟
ابتعدت بضع خطوات تمسح أثار الزينة وكل الصبائغ بفوطة بللتها ببعض الكريم وجدتها على المغسل..
أنزلت ثوبها الفاخر التصميم من على جسمها الناعم وأخذت حماما دافئا لعله يدفئ مشاعرها..
مدت شعرها الطويل نوعا على سطح المغطس.. في استرخاء تام حاولت معه تناسي كل الأحداث..
تنهدت بصعوبة:
- ... ولكن إلى أين المفر؟؟
....................
...........
في نفس الوقت،
ونفس البيت،
ولكن بالغرفة المجاورة .. كان كريم يغير ملابسه بهدوء تام..
وسامة يكتسيها الغرور..
نظراته نارية حتى وهو يختلي بنفسه..
الغضب الداخلي والمرارة يظهران على وجهه الحاد..
ينام وحيدا ليلة زفافه فبما عساه يفكر؟
أكيد أن أفكاره سوداوية بحتة!
إحساسه وهو يلقى الرفض من عروسه بكل تمرد إحساس غير قابل للترجمة أو الشرح..
فهو فوق كل التعابير!
وأبلغ من كل المعاني!
أي تفسير تحتمله جملته اليتيمة: لك ما تريدين!!
فهل لهدى كل ما تريد فعلا؟
أم الجزء الخاص بعزل الغرف فقط ؟
وهل يتنازل عن حقوقه المشروعة؟
أم موافقته هذه هي الهدوء الذي يسبق العاصفة...؟؟
.....................
............
في هذه الأثناء أنهت هدى حمامها وتوجهت لداخل غرفة النوم تستطلع المكان.. ذوق راق وعصري غني عن الوصف،
الجدران ما بين الأخضر والزيتي والأثاث بلون زيتي متدرج.. سرير واسع بالوسط وتسريحة مقابلة له من جهة اليمين ..كرسيان بجانب السرير يكسوهما الأخضر الذي تعشقه يتكئان على النافذة الواسعة التي تغطيها ستائر ناعمة تصل للأرضية.. وبالمقابل من جهة اليسار، فيما يبدو صالونا متوسطا.. أريكتان الأولى لشخصين والثانية لأربعة أشخاص وأمامهما طاولة من الزجاج..ثم خزانة ملابس مترامية الأطراف..
كل شيء يحاكي ذوقها ..عصري لكن بلمسات كلاسيكية أنيقة ..
صلت لتطمئن روحها بعد أن ارتدت ثوب نوم وفوقه رداء للصلاة هيأته قبل ولوجها الحمام،
بعد انتهائها،
فتحت النافذة المؤدية لشرفة بديعة.. ورغم الليل الحالك كحلكة أفكارها المتراكمة إلا إن صورة جميلة لخيال الحديقة الشاسعة ارتسم أمامها وهواء باردا لطف من احتقان أنفاسها..
كلمت نفسها دون أن تنطق:
كفاني سلبية ..أنا وافقت مرغمة ولكنني لن انحني ولن أرغم بعد الآن.. فأنا دخلت عرين الأسد ولن أتوقع منه الرحمة بأي حال.. وعلي أن أستعد لأسوء المواقف.. فقد أعلنت اليوم تاريخ حرب ثالثة تسعنا.. أنـــــــــا.. و..هـــــــــو.. فحسب!!
أحلامي خيال
|