كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله،
يارا199،
الله يسلمك أختي وشكرا على المرور العذب
أعبر عن أسفي لتأخري بوضع الجزء فالمنتدى كان تحت الصيانة أكثر من ساعتين،
استلموا البارت غالياتي،
وهو للاشارة أطول
أهديه للغالية المتابعة بشغف: أم هنا
الجزء الثلاثون
فرصة من ذهب تمثلت أمامها فلم تقدر إلا أن تستغلها لإرواء غليلها واستحضار حنقها، لكن كريم لم يكن ليمهلها لتستعرض أمامه غضبها دون رد حاد منه، فسألها ببرود مشتعل:
- كان هذا أولا.. فهل من قلة احترام تضيفينها بثانيا؟
هدى لا تهمها النتائج القادمة بقدر ما تهمها النتائج الحاصلة لحد الآن، ردت بتهجم وهي تسترق النظر للطريق العام المتأرجح بين ظلمة الطبيعة وضوء المصابيح على جنباته:
- لدي الكثير لأضيفه.. أوله أنك شخص غير طبيعي! غير سوي! فما فعلته لا يمت للطبيعية بصلة!
لم تلاحظ أن شرايين يده القابضة على المقود قد برزت بشكل واضح مريع، ولم يكن ليؤثر ذلك - إن هي لاحظته - في عدوانيتها الآن وعزمها على التصدي له.. فأكملت بنفس الغضب:
- لماذا آذيته؟ لماذا؟ لا تتخيل بأي وضع حساس وضعتنا مع أهل محمد! فلعلمك نحن عائلة لا تميل لصنع المشاكل حبا في المشاكل لا غير!
أجابها من بين أسنانه وعيناه على الطريق، يضغط على نفسه بشدة وهو يسمع هجومها هذا:
- ما يهمني أكثر من العلاقات..
والمشاكل التي قد تهدد العلاقات..
هو أن لا يمس لمحارمي طرف..
وقد حاول أحدهم ذلك..
وهذا، يا هدى، ليس تبريرا مني لك.. إنما هو تحذير من معاودة مناقشة أي شيء أقرره أو أفعله!
هدى، من جراء بروده وكأنه لم يفعل شيئا أو كأنه لم يشرع في القتل فعليا، صارت غاضبة أكثر وعلا صوتها أكثر:
- ما فعلته جريمة! كان يمكنك تهديد الرجل أو تحذيره دون اللجوء لضرب من هذا النوع.. هل أنت على دراية بما أصابه؟ لقد استأصلوا كليته بسببك! وكسرت عظامه بسببك! وجرح وجهه بسببك أيضا!
ما يزال يسوق، وما تزال عيناه على الطريق، ولكن أنفاسه تحترق مع كل كلمة.. وعقله يستنزف مع كل جملة..
لماذا لا تفهم أنه دافع على شرفه المتمثل في شرفها هي؟
لماذا عليها أن تكون ضده دوما؟
أوليس من حقه أن يغار على محارمه كأي إنسان طبيعي؟
فهل الغيرة على الأهل أصبحت الآن تخلفا ورجعية؟
والتصرف العادي لرجل شرقي صار أزمة نفسية؟
وهل كان على ذاك الوضيع أن يعيش سليما معافى بالرغم من تلميحه بأن زوجته بنت معه علاقة؟
كبرياؤه جرح فهل عليه أن يعفو؟
لم تكن أنفاس هدى أقل توترا ولا عقلها أقل اضطرابا وهي تكمل بنفس النبرة المتهمة:
- أتدري ما هي مشكلتك؟ مشكلتك الحقيقية هي أنك تستقوي على الناس الأضعف! وترى نفسك فوق القانون وفوق البشر!
بما أنها نجحت في إثارة أعصابه أخيرا،
وقطع حبلي الصمت والصبر المتينين معا،
فقد صم صوت الفرامل القوي الصاخب أذنيها،
وأزعجها سماع ارتطام الفرامل - المحتكة بالإسفلت – بحجر الرصيف
أوقف سيارته على جانب الطريق وعلق بغضب جامح وعينين قاسيتين تطالعانها بشراسة:
- نـعـــــــــــــــــــــــــم؟
هدى توترت من نظرته القاسية ولكنها لم تتراجع مطلقا، وهي تواجهها (نظرته) بنظرة أخرى أشد:
- ما سمعته!
لا تعلم كم ضايقته كلمة "تستقوي"! فهو لم يظلم أحدا،
وحتى وان كان الشخص المعني أعلى منه مركزا وسلطة فهو ما كان ليتردد لحظة في معاملته على نفس النحو وبذات الكيفية، فالعِرْضُ لا يجزأ ولا يحتمل التنازلات!
رد عليها بعصبية ذات شرر:
- فلتكن هذه آخر مرة تكلمينني فيها بهذه الطريقة.. أنا لست مضطرا لاحتمال قلة أدبك..
هدى بصياح:
- ولا أنا مضطرة لاحتمالك!
- أصــ مــــ ـــــتـ ـــــــــي!
قالها بصوت أخفض ولكن أقسى:
- إن كنت تسألين عن القانون، فأنا فوق القانون! وفوق البشر! وفوق تفاهاتك وقلة عقلك!
أحذرك يا هدى.. وستكون آخر مرة أحذرك فيها.. من مخاطبتي بهذه الطريقة! أو لا داعي لتخاطبيني! اسمعي وطبقي ثم الزمي الصمت!!
تهديده كان كفيلا بإرغامها على السكوت طيلة المسافة الفاصلة بين وسط المدينة وحيها الجنوبي!
تخنقها الدمعة ولكنها ترفع رأسها بشموخ،
كم هو قادر على إهانتها لأقصى درجات الإهانة!
وكم يضطرها للتخلي عن حق الرد!
فهل تستمر إهاناته؟
وهل هي قادرة على السكوت مدى الحياة؟
وصلا أخيرا ووقفت سيارته، فاستعدت هدى للنزول والابتعاد عن مداه غير أن يدا انقضت على ذراعها توقفها، فاستجابت لعدم الخروج ولكنها لم تمنحه فرصة لمشاهدة وجهها الذي اجتمعت به أردأ صور البؤس الداخلي، ولا سماع صوتها الذي لن يسمع بأي حال..
سمعت صوت خشخشة بسيطة وهو يترك ذراعها، تلاها صوته القوي:
- هذا لك.. بدل الهاتف الذي أخذته منك!
وضع كيسا بلاستيكيا أمامها.. على رجليها.. فحملته وهمت بالرحيل، لكن صوته منعها من جديد:
- لعلمك!
كان صوته باردا هادئا تماما كقلبه:
- سألت علاء عن أشياء تخصك.. حتى تكوني على علم.. حسب اتفاقنا أنا وأنت.. وإن شئت أن تهدئي شكوكه حولنا.. فهذا راجع لك!
ثم أضاف بشكل أسرع:
- وضعت مبلغ الصداق برصيدك، وستكون نسيمة مرافقتك لكل التجهيزات، أما أنا.. فلن تتاح لي رؤيتك إلا.. يوم العرس!
تهيأ للانصراف فسمح لها بالمغادرة أيضا:
- هذا كل شيء!
.......................
............
الحادية عشر ليلا،
إكرام تنام على سريرها، مستندة لجانبها الأيمن، برجلين منثنيتين ويدين تتلمسان وجهها الذي يحمر من حين إلى آخر، كلما تذكرت ما حصل اليوم أو ما حصل منذ أسبوع!
هل أنا خرقاء ليحدث لي كل هذا؟
هل أنا غبية لأظن به شيئا مشابها؟
يا ربــــــــــــــي!
محرجــــة فعلا ومن المستحيل أن أعود لزيارة ذاك البيت!
لماذا وضعتني يا هدى بهذا الموقف؟
لماذا؟
لا..
بل أنا من وضعت نفسي فيه!
كلما حاولت التهرب من رؤيته رأيته أكثر..
وكلما احتطت لعدم مقابلته.. قابلته..
ولكنه لم يكن يراني أو يلحظ وجودي!
أما الآن فقد لاحظه بأسوء الأشكال،
حتى أنه حفظ اسمي.. ليس إعجابا بشخصي.. لكن لأنني صديقة أخته الغريبة الأطوار ذات الخدود المحمرة خجلا على الدوام!!
آآآآآآآآآآآآه
تنهدت بحالمية العاشقين..
وحب المتيمين..
وجنون المجانين..
كل ما فيك يا علاء يشدني..
وكل عيوبك تروقني..
فلا شرح لهيامي هذا إلا أنه هيام..
ولا لشوقي هذا إلا أنه غرام..
...........................
.............
الساعة الثانية عشر،
مشهدان يدوران بنفس الوقت،
كريم يقف أمام زجاج نافذة غرفته،
وهدى تطل من نافذة غرفتها،
سكون الليل قد يبعث في القلب دفئا،
ولكنه اليوم يهديهما: الوحشة،
قلقا على المستقبل ومن المستقبل في آن،
حزنا عميقا جدا،
بأقسى درجات العمق يتوجعان،
كل يظن أن قرينه مرتاح،
وكلاهما بالتأكيد مخطئان،
لماذا لا تفهمه؟
لماذا يكرهها؟
أي ذنب اقترفاه بحق بعض؟
وماذا ينويان لبعض؟
هدى تحاول إيلامه بكل الطرق!
وكريم يهمه أن يهينها كل الوقت!
ابتعد عن الزجاج وهو يضم يديه وليرخي جسمه على السرير!
واستنادا إلى الحائط نزلت بجسمها على الأرض وانكمشت.. تضم بيديها رجليها لتنخرط في بكاء مرير!
ماذا سيواجهان بعد انقضاء الشهر؟
وأي نوع من العذاب سيضطران لاستحماله؟؟
........................
...........
بعد يومين:
صلاح،
ترك المستشفى وقد تحسن حاله أكثر ولكنه بالطبع لا يستطيع الاعتماد على نفسه لهذا تتكفل أخته الصغرى والخادمة بتوفير احتياجاته.. بينما يزوره محمد كل يوم ويمضي معه بضع ساعات..
لمياء،
أجرت تجريب حمل منزلي وتأكد حملها، أخبرت زوجها إلا أنه صدها ككل مرة..
سهام وعمر،
عصفورا الحب لازالا يحلقان فوق شجرة الحياة بكل سعادة..
إكرام،
انشغل لبها أكثر من ذي قبل باسم واحد ووجه واحد وصوت واحد: علاء..
علاء،
أخبر أخته وشرح لها الموقف.. وطلب منها الاعتذار بدلا عنه لصديقتها.. تلك الصديقة التي وجد فيها شيئا ما ظنه بدأ ينقرض: وهو الحياء الكبير الدال على عفتها.. وكم يبتسم عند وصوله لهذه النقطة وهذا الاستنتاج..
نسيمة وهدى منذ يومين وهما تخرجان كل مساء لتسوق ما يلزم، كما قامتا بوضع أثواب لدى خياطة راقية لتنجز منها قفاطين وتكاشط وجلابيب وهي أشياء ضرورية في جهاز العروس، وهاهما مستمرتان في ذلك..
هدى بتعب وهي تغادر أحد المحلات التجارية:
- أظن هذا كافيا لليوم، أليس كذلك يا نسيمة؟
نسيمة بحب ونبرة مرح:
- لا! ليس كافيا أبدا!
علينا أن ننتهي من التسوق لأن أمامنا الكثير.. وبعد أسبوع لن تتمكني من الخروج معي فعليك حضور حصص التقشير والعناية بالبشرة!
هدى باستسلام:
- لا بأس ولكن غدا أريد أن أرتاح من المشتريات..
نسيمة برفض:
- مستحيل! غدا سنحدد كل ما يتعلق بالقاعة والتجهيز والأكل والملابس مع الممول!
هدى تبتسم ابتسامة مصطنعة:
- الزفاف أكبر عقاب للعروس ونسيبة العروس كما أرى!
تضحك نسيمة بخفة:
- لا ليس عقابا، إنها ليلة العمر ولابد أن تكون مثالية على كل المستويات!
لم ترد هدى بل توجهت لمحل قريب بصمت حزين، تبعتها نسيمة بإسراع وأمسكت كتفها:
- هدى ما بك؟ لست سعيدة؟
هدى تبتسم من جديد وتخفي أسبابها:
- بالعكس، لكن.. سأفارق أهلي لأقدم على حياة جديدة وهذا ليس بالشيء السهل!
أمسكت نسيمة يدها بمساندة وحنان:
- هذا إحساس طبيعي.. لكن لا تتركيه يتغلب عليك..
إن أردت اتصلت بالسائق لنرحل من هنا!
هدى بجزم لطيف وابتسامة حقيقية ( كم تتمنى لو كان لكريم نسبة بسيطة من حنان وتفهم أخته أو حتى حبها الصافي هذا):
- لا داعي.. فلنكمل التسوق!
......................
............
عمر يلج بيته مساء،
بصوت عال يسلم:
- السلام على أهل البيت!
سهام قادمة من المطبخ وابتسامة رقيقة ترتسم على محياها:
- وعليكم السلام حبيبي!
فتح ذراعيه لاستقبالها.. لكنها عارضت:
- لا.. أنظر لثيابي، لقد اتسخت وأنا أقطع الطماطم، وأخاف أن يصيب قميصه منه شيء.
عمر يفتح ذراعيه أكثر:
- حتى وإن!
سهام تحاول تقبيله عن بعد.. لكنه يجذبها ناحيته ويعانقها عناقا طويلا..
سهام تسعل بتمثيل:
- خنقتني يا عمر!
عمر يضحك:
- تستحقين! ألم تتهربي من حضني؟
سهام تضحك أيضا وتبعد رأسها عن صدره لتقبل وجهه:
- اشتقت لك!
لثم جبهتها وهو يقول:
- أنا أيضا!
أبعدها بهدوء ناظرا لتفاصيل وجهها بحنان، ثم سحبها من يدها لأقرب كنبة:
- لدي موضوع أخبرك به!
نبرة الجدية لم يفت سهام أن تلاحظها، لذا سألته باهتمام:
- ما هو الموضوع؟
عمر يحاول أن يبدو صوته مقنعا وبسيطا، ومباشرة لعينيها وجه عينيه يرجو منها تفهما:
- تحدد يوم السفر!
سهام بتأن وخوف:
- أي سفر؟
عمر بثقة وهدوء:
- السفر التطوعي للأطباء، حددته الوزارة بعد عشرين يوما!
..........................
............
محمد يجلس على الكرسي المقابل للسرير حيث يتمدد صلاح،
يقرأ الجريدة بما أن أخاه نام منذ نصف ساعة، فهو يفضل أن يبقى قريبا منه في غياب أو انشغال المرأتين عنه.. حتى يكون لجانبه إن احتاج شيئا، سمع صوت حركة خفيفة فابعد الجريدة ليضعها على المنضدة الصغيرة الجانبية، عيناه تنفتحان على مهل، فبادره باهتمام:
- صلاح!
صلاح بوهن من أثر المسكن:
- اممممم!
محمد يقترب منه:
- هل أنت في حاجة شيء؟
أشار صلاح بسبابة الكتف السليمة أن لا..
انتظر بعدها محمد تيقظا كاملا من أخيه ليفاتحه بموضوع يشغل باله منذ أن كلمته هدى، أغلق الباب وعاد لمكانه وهو ينحني لجهة أخيه أكثر:
- أفهم أنك لست في وضع يسمح ولكن الأمر ذو أهمية!
صلاح برجل معلقة وكتف ملفوفة بالجبس إضافة لبدايات الألم بجانب بطنه لانتهاء مفعول المسكن، والعنق المثبت بأداة تمنعه من الحراك، تكلم ببعض الصعوبة:
- أمر ماذا؟
محمد بثقة:
- لن أتحدث عن الخطأ الفادح الذي ارتكبته، ولا عن الجزاء الذي تستحقه في مقابل تصرفك، ولا عما كنت سأفعله بك أنا نيابة عن زوج هدى إن كان لي علم قبله بما فعلت.. لكنني سأطلب منك شيئا ولا تناقشني فيه..
صلاح لأول مرة يكلمه أحد عن الموضوع بعد يوم الحادث، فهم مقصد أخيه ولكنه لم ينبس..
أكمل محمد بحرقة وخشونة:
- تخيل أن زينب أختنا الصغرى قد تزوجت، فيتصل بها أحد أمامك ليلومها على زواج ليس له فيه دخل! ولا هي مدينة له بالشرح.. لأنها لا تعرفه بكل بساطة.. أما كنت شعرت بالعار! أما كنت تصديت لهذا المتطفل الذي يسعى للمساس بسمعة أختك!
يستغرب من أخيه هذا الهجوم ولكنه باق على صمته،
محمد بأمر حتمي:
- لا أحد يعلم الأسباب غيري أنا وأنت وهدى وزوجها.. ولا أريد لشخص آخر أن يعرف.. ولا أتمنى منك طبعا أن تقدم على شيء يجعل عائلتك تشعر بالوصم!
صلاح قرر أخيرا أن يدافع عن نفسه بذات الصوت البطيء المتثاقل:
- تهجم علي في بيتي وانظر إلى ما حل بي من تعسف.. فهل تريدني أن أسامحه فعلا؟
لا بل سوف أرفع عليه دعوة.. واليوم قبل الغد!
محمد ينهره:
- عيب عليك يا صلاح قول هذا!
فمن جهة: أنتما الآن متعادلان ولا حق لأحدكما يدفعه للآخر! خاصة أن جراحك ستطيب ولابد أنك تستطيع احتمالها إلى ذاك الحين.. إنما الفضائح تبقى خالدة على مر الزمان لا تختفي ولا تستكين: فأيهما تختار؟
تنهد قبل أن يعود لنبرته الطبيعية:
- من جهة أخرى: أنت لن تكسب شيئا حتى إن أقمت عليه دعوى: أولا لأنه من اليسير بما كان أن يوجد ضدك مئات الدوافع لرد فعله.. وثانيا: لأن مركزه بالأمن كبير.. كبير جدا.. وستضرك الدعوى بدل أن تنفعك!
صحيح أن محمد لم يشأ أن يقسو على أخيه لهذا الحد ولكنه يوضح له الصورة ويعلن رفضه لأي نوع جديد من المشاكل:
- فكر بكلامي أكثر من مرة وأنا في انتظار ردك حالما تحزم رأيك!
قالها ونادى الخادمة للاعتناء به ليتمكن هو من الانصراف، وقبل هذا وذاك قبل رأسه وربت على كتفه بدفء أخوي:
- ليلة سعيدة!
.............................
............
مرت أيام إضافية ولم يعد يفصل الأبطال عن حفل الزفاف سوى خمسة أيام..
وعن سفر عمر سوى يوم واحد،
وصل زوج نسيمة منذ أسبوع، لكن استعداداتها لم تخف أبدا..
حيث أكملت كل الحجوزات وابتاعت جل اللوازم وصارت ملابس العروس بآخر المراحل!
السيدة صفية والسيدة حبيبة في تقارب مستمر وزيارات متبادلة حصل فيها تعارف أكبر وتوطيد للعلاقات أكثر،
علاء قام بدور شاهد، منذ أكثر من أسبوعين، بقضية رفاقه القدامى واستمع للحكم منذ أسبوع فقط بإدانتهم وحبسهم لمدة خمس سنوات كاملة تم فيها الاستئناف..
هدى وكريم لم يلتقيا طيلة هذه الفترة ولو حتى صدفة،
يتعمدان ذلك ويدعي كل منهما أمام عائلته أنهما على لقاء مستمر،
لم يتصل بها أبدا..
والجوال الجديد (الذي نقل له قائمة الأرقام القديمة) هو أسوء ذكرى لليلة تعنته،
المهر المبالغ فيه يحسسها بأنها – إضافة إلى عدم جدوى إبداء رأيها أمامه – كائن قابل للشراء،
لكن هذا لم يمنعها من استعمال المال لابتياع كل التجهيزات المظهرية حتى تكون في اليوم الموعود عروسا حقيقية أمام المتواجدين برغم الغصة التي صارت رفيقتها الدائمة،
ما تفتأ تتظاهر بالسعادة أمام من حولها وهي في غاية التوتر والقلق والتشاؤم أيضا!
.........................
...............
كريم يعاني في صمت،
وكلما زارت هدى بيت العائلة أو قامت أسرتها بدعوته تحجج بعذر من أعذاره الكثيرة،
اشتاق لها حد الهوس،
واحد وعشرون يوما من الغياب،
كل يوم يطول عن سابقه،
وكل يوم يزداد فيه عذاب النفس وحنين الفؤاد،
وكل يوم يزداد انشغالا بعمله لينزوي فكره بعيدا عنها...
ولكن إلى متى يتهرب؟
ألن تكون في بيته بعد أيام قلائل؟
ألن يضطرا للعيش معا بقية العمر؟
فليكن!
ولكنه الآن يعطي نفسه وقتا لمراجعة الذات ومحاسبة النفس!
مالا يعلمه أحد.. أن إحساسا بالذنب خالجه بعد تفكير متأن،
من حقه أن فعل ما فعل،
ولكنه بالغ في ذلك حتى أفقد الرجل عضوا حيويا!
لو أنه لم يستفزه لما كان اضطر لكل ذلك الضرب المبرح ولاكتفى بتلقينه درسا شفهيا ويدويا قابلا للشفاء السريع!
منذ وخزه هذا الشعور.. وهو يسأل عن حاله وتطورات إصاباته بشكل يومي من خلال الممرضة التي عينها محمد لمراقبته.. وما يعرفه حاليا هو أنه في تحسن دائم وأن أغلب كسوره بدأت بالالتئام..
ورغم كل هذا لازال على كرهه.. مستعدا لأذية كل من يقترب من حدود أهله من النساء!
التناقض هذا.. بين الكره والشفقة على نفس الشخص.. لا ينبع إلا من أسباب خاصة.. وكريم له أسبابه القوية!
....................
...........
سهام عاجزة عن التعبير عما يعتمل في روحها من أنين..
منذ أخبرها عمر بموعد سفره وهي في منتهى الأسى..
خائفة عليه خوفا غير طبيعي..
ماذا لو أصابه مكروه؟
ماذا ان اعتقلوه؟
ومئات من ماذا لو وماذا إن تردد صداهما بعقلها..
من المقرر أن يغيب لأسبوعين..
فكيف تحتمل غيابه؟
وكيف تصارع الحنين بعيدا عنه،
عن عطفه وحنانه،
ورقته وهدوئه،
عن لطفه وتسامحه،
وحبه وغزله؟؟
ليست المرة الأولى التي يسافر فيها..
ولكن إحساسها ينبؤها بأنها رحلة مختلفة..
مختلفة أشد الاختلاف!!
أحلامي خيال!!
|