كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لكن جميعا أهدي هذا الجزء..
دون أن أطيل:
استلموه:
الجزء التاسع والعشرون
تصنم كريم من الصدمة وهو صامت..
ليضيف علاء ببساطة:
- نسيب كبرى شقيقاتي..
همهم بغير وضوح:
- لا أذكر اسمه بالضبط..
ثم بصوت أعلى:
- المهم أن هناك كلاما دار بشأن أنه.. ربما أراد التعرف عليها.. وربما كانت لديه النية بالزواج منها!
كريم بهاته اللحظات يصارع نفسه لألا ينفجر..
الغيرة تقتله الآن ببطء مقيت..
هذا دليل على أن ما قاله السافل صحيح!
ولكن لماذا لم تتم الخطبة!
ولم يتوج الإعجاب!
أضاف سؤالا آخر ليثبت أنه متفهم للأمر وهو في الحقيقة يستشيط غضبا، سأل وهو على نفس الوضع:
- وهدى كانت على علم؟
علاء بحسن نيته ابتسم قبل أن يجيب:
- بالطبع! أليست هي المعنية؟
بدأ الآن يداري عصبيته بصعوبة ولكن من المستحيل أن يمنح علاء الفرصة للتعرف على ما يدور بعقله..، رد بصوت لا ينم عن شيء:
- هكــــــــــذا إذن!!!
.........................
........
نفس الوقت،
بيت العراقي،
ركبت هدى رقم بيت أختها،
حشرت الهاتف الثابت بين كتفها وأذنها، في حين تضع مكونات الصينية بالمغسل وتفتح عليها الصنبور،
سمعت صوت أختها على الطرف الآخر فأغلقته (الصنبور) وهي تمسح قطرات ماء لامست يدها بالمنشفة:
- ألو!
هدى بلطف وشوق حقيقي:
- أهلا وسهلا بالغائبة، كيف حالك عزيزتي؟
لمياء ببساطة مستفزة:
- أخيرا تذكرتموني!
هدى بالطبع لا تعرف شيئا عما حل بحياة أختها.. وجدت أن تصرفها شيء نابع من طبيعتها التي لا تتغير، بينما، في الحقيقة، تمنت لمياء من إخوتها زيارة أو سؤالا عن صحتها خاصة بوضعها الراهن..
أجابت هدى بهدوء:
- وهل يعقل أن ننساك؟ نحن أهلك يا لمياء فكيف تسألين سؤالا كهذا؟
لمياء بحزن واضح وفراغ كبير اجتاحها على غفلة منها:
- لا.. لقد نسيتموني فعلا!
هدى تجلس على كرسي من كراسي المطبخ وبنفس النبرة تجيب:
لا، والدليل أن أمي قلقة بشأنك وطلبت مني أن أتصل بك.. لكن لمَ لمْ تحضري لخطبتي؟ ولم تباركي لي العقد حتى!
لمياء فاجأها الخبر، فزوجها لم يخبرها شيئا، ولم يكن لها أن تتوقع من نفسها أن العقد تم بهاته السرعة الصاروخية، سألت بانفعال:
- عقد الزواج؟؟
استغربت هدى من السؤال:
- أجل العقد! ألست على علم؟
ولمفاجأتها فقد كان صوت رجالي الآن من رد عليها:
- لقد أخبرتها بالطبع ولكنها لم تجد وقتا لتبارك لك!
كان صوت محمد، فهو بعد ساعات من الوقوف بالمستشفى، وبعد أن اطمأن إلى عملية الاستئصال التي تمت دون علم الباقين، وبعد أن وضعت له جبيرة جبس على كسوره، والأهم من كل هذا: بعد أن أكد له الأطباء أنه سيكون بحال أحسن إذا ما خلد للراحة، قرر زيارة بيته ليستحم ويغير ملابسه ثم يمر لشقة أخيه يحضر منها بعض المستلزمات والثياب التي سيحتاجها بالمستشفى!
وحال ولوجه الصالة سمع لمياء تتحدث عبر الهاتف، وهو يقترب أكثر.. سمعها تستغرب من نبأ زواج أختها وهذا يعني أنه شخصيا لم يقم بإعلامها.. لهذا سحب منها الهاتف وأجاب نيابة عنها، ليتضح له أن المتكلمة هي هدى، قال جملته وهو ينظر لزوجته بطريقة تهديدية، ما جعلها تتراجع ثم تنصرف للمطبخ..
هدى توترت مع سماع صوته:
- أهلا محمد!
- أهلا هدى!
قالها وهو يحمل الهاتف بين يديه ويختار ركنا بعيدا، هدى تود الاستفسار لكنها تخاف من الجواب، وقبل أن تسأل كان محمد يجيب عن سؤالها الذهني بلوم بشع متألم:
- هل لديك فكرة عما فعله زوجك بأخي؟
....................
...........
بدأ الآن يداري عصبيته بصعوبة ولكن من المستحيل أن يمنح علاء الفرصة للتعرف على ما يدور بعقله..، رد بصوت لا ينم عن شيء:
- هكــــــــــذا إذن!!!
لكن علاء لم يكن قد أتمم عبارته:
- بالنسبة لتلميحات الزواج من هذا النوع كانت كثيرة وأبرزها لهذا النسيب.. وأنا لا أذكر غيره الآن..
أما عن مشاريع حقيقية فلم تكتمل ولم يكن لها لتكتمل... لأن هدى كانت ترفض بشدة.. ترفض الفكرة من أساسها.. لأنها تتحجج بضرورة النجاح في العمل الذي سيعطله زواجها..
ولن أخفيك أن هذا الكلام لم يقنعني يوما.. إنما يكفي أنها هي شخصيا مقتنعة به..
ضحك ضحكة قصيرة وهو يكمل:
- ... حتى أنني كلما أردت استفزازها.. كلمتها عن الزواج.. لتثور في وجهي.. وغالبا ما تعضني..
أقصد غالبا ما تقبلني هههههههههه
فلا لا تظن أنت أن أختي مصابة بسعار!
إذا كان التعبير يخون أحيانا، فهو أكبر خائن لكريم بهذه اللحظة، و كريم لم يمنع نفسه من الابتسام براحة حقيقية غير مزيفة وهو راض تمام الرضا من جواب علاء.. مشاعره متداخلة.. وتغلب عليها الغبطة الكاملة لتطفو فوق كل التداخل وتبرز من بين كل الأحاسيس!
........................
...........
بين بيت الغازي والعراقي،
هدى سمعت استفهامه فلم تجب بغير كلمة واحدة مرتعشة:
- لا!
محمد يخفف عن اضطراباته بتوجيه العتاب لشخص لم يذنب شيئا:
- تهجم عليه في بيته وكسر عظامه وآذاه لحد لا يتصوره عقل بشر!
لماذا يا هدى؟ ما السبب؟ لا أستطيع لحد الآن استيعاب تبريرات مناسبة لكل ما حصل! أكيد أنك تعرفين الشيء الكثير عن هذا الجدال بما أنك نبهتني! فماذا تعرفين؟ برري لي حتى أقتنع!
دوامة من الحيرة الغير منتهية غمرتها،
ما عساها تقول؟
وما الذي ستبرره؟
حتى أنها لا تتخيل أن العدوانية قد تصل لهذه الحدود!
محمد طال انتظاره لرد يسقي جفاف فضوله:
- ألازلت على الخط؟
هدى تعود مع صوته لأرض الواقع:
- الموضوع خاص بين الإثنين!
محمد بغضب مرير:
- حتى وإن كان زوجك واليا للأمن فهناك دوما من هم أعلى منه شأنا ولابد أن يستمعوا للشكوى التي أنوي تقديمها في حقه..
تجد نفسها على أبواب الفضيحة من جراء ردود أفعال زوجها المتهورة، لذا قررت التبرير بطريقتها:
- محمد اسمعني..
أعلم أن كريم بالغ في تعسفه ولكن السبب كان أقوى من الصبر والتعقل!
محمد ينصت دون أن ينبس، لهذا أكملت:
- أخوك اتصل بي وبدأ يطرح علي أسئلة غريبة: لماذا تزوجت؟ وهل صحيح أنك فعلت؟
أخذت نفسا عميقا قبل أن تتم حديثها وتشرح له ملابسات الواقعة.. ثم تختتم قولها:
- ... نحن أهل يا محمد وشوشرة من هذا النوع ليست في صالح أي كان!
محمد يعتبر هدى بمثابة أخته الصغيرة، فبالطبع لم يرقه اتصال أخيه الغير أخلاقي، ولكن نقطة ما تبقى غامضة بالرغم عنه:
- له الحق ولكن ليس لهاته الدرجة!
هدى برجاء:
- محمد من فضلك أن تبقي هذا الموضوع طي الكتمان، وأنا أعتذر بالنيابة عنه، وأرجو ألا ترد اعتذاري!
.........................
............
اليوم الموالي،
الاثنين،
الساعة الثالثة مساء:
بمكتبها،
تدور وتدور بالكرسي بعد أن أنجزت كافة أعمالها،
تفكر فيما حصل البارحة، وكيف أن زوج أختها كان متفهما، فهل يكون صلاح كذلك بعد شفائه؟
تتمنى أن تزوره وتعبر عن أسفها له ولعائلته..
ولكن أين المفر من عنف كريم إن هي فعلت؟
إنسان متسلط،
غير طبيعي مطلقا!
ربما يعاني من مرض نفسي عضال!
كيف خانتني نفسي البارحة وهو على قرب مني؟
أي سحر نثره من حولي؟
ألست أدري أكثر من غيري أنه أخرق وقح!
إضافة إلى أنه مجنون ومجرم!!
دخلت إحدى الموظفات لتقطع عليها أفكارها، وضعت ملفا على مكتبها:
- الأوراق تحتاج المراجعة والإمضاء يا آنسة!
هدى بثقة:
- أشكرك.. سأفعل!
وقبل أن تستأنف عملها رن هاتف المكتب:
- السلام عليكم!
إكرام بعتاب:
- شغلك عنا مولاي السلطان لهذه الدرجة! (ومولاي السلطان لقب يطلق على العريس)
هدى بابتسامة صافية:
- أبدا عزيزتي.. ولكنني لم أجد الوقت لمكالمتك! وعلى العموم حمدا لله على سلامتكما!
إكرام التي لا تستطيع الغضب طويلا على صديقة العمر:
- كفي عن ادعاءاتك! هلا زرتني مساء اليوم؟ لدي الكثير جدا لأخبرك عنه.. ههههههههه.. رحلتنا كانت مليئة بالمغامرات والمواقف المضحكة! كما لا أنسى بالطبع.. عليك أن تعطيني تقريرا مفصلا منذ يوم سفري وإلى الآن وعن هذا الزواج المفاجئ!
هدى تحتاج أيضا للترفيه عن نفسها والاستمتاع برؤية رفيقتها، أجابت بنبرة آسفة:
- أود ذلك.. إنما..
سهام بشهقة:
ولكن ماذا؟ لم تشتاقي لي؟
- هدى بجزم:
- بلا! ولكن عندي امتحان لغة هذا المساء! تذكرين أنني أجلت الاختبار لليوم! وليس باستطاعتي تأجيله أكثر..
لمعت فكرة لدى سهام:
- لا بأس في ذلك! أزورك أنا على الساعة الثامنة أو الثامنة والنصف.. تكونين قد وصلت للبيت؟
هدى بفرح:
- أكيد! سأكون في انتظارك!
.....................
...........
عمر يزاول عمله بالمستشفى بانشراح وصفاء بال،
كم هي مهمة تلك الخلافات البسيطة بين الزوجين والتي تعطي للحياة نكهة جديدة وطعما آخر ومعنى آخر أكثر جمالا وأكثر توطدا!
وصلته رسالة قصيرة.. فتحها وقرأ:
- إشتقت لك.. فمتى ينتهي هذا الدوام لأكحل عيناي برؤية محياك حبيبي!
عمر ابتسم ورد برسالة هو الآخر:
- بعد ساعات قليلة أكون لك وبين يديك يا أغلى أمنياتي!
مع انتهائه من ذلك رفع صوته موجها أمرا للمرض بباب استقبال المرضى:
- التـــــالـــــــــي!
.......................
............
الساعة الثامنة وعشر دقائق مساء،
هدى أبلت حسنا بامتحانها وخرجت على عجل من مدخل المعهد الليلي للغات، توجهت لسيارتها بسرعة وهي تمسك المفتاح بين يديها، وقبل أن تحشره بقفل الباب وجدت يدا تمنعها، وجسما طويلا يقف حاجزا بينها وبين السيارة:
- مساء الخير!
صوته القوي البغيض جعلها ترفع عينيها له بحدة وتسأله بكره:
- ما الذي أتى بك إلى هنا؟
كريم يمسك يدها ويحفزها للتقدم أمامه:
- تفضلي لسيارتي وبعدها نتكلم! سأطلب من السائق إحضار سيارتك للبيت فيما بعد!
أذعنت وتقدمته وهي على حضيض الصبر، استقرا معا بالداخل فأجابها أخيرا:
- أتيت لأن بيننا كلاما.. ولأنك لم تستأذني مني للحضور هنا..
ثم انطلق وسط استغرابها لتتمكن من الكلام أخيرا:
- أولا يا كريم أنا لا أحتاج لاستئذانك بموضوع دراستي.. أنا لن أفوت الاختبار في سبيل إرضائك أو أخذ رأيك!
فرصة من ذهب تمثلت أمامها فلم تقدر إلا أن تستغلها لإرواء غليلها واستحضار حنقها، لكن كريم لم يكن ليمهلها لتستعرض أمامها غضبه دون رد حاد منه، فسألها ببرود مشتعل:
- كان هذا أولا.. فهل من قلة احترام تضيفينها بثانيا؟
هدى لا تهمها النتائج القادمة بقدر ما تهمها النتائج الحاصلة لحد الآن، ردت بتهجم وهي تسترق النظر للطريق العام المتأرجح بين ظلمة الطبيعة وضوء المصابيح على جنباته:
- لدي الكثير لأضيفه.. أوله أنك شخص غير طبيعي! غير سوي! فما فعلته لا يمت للطبيعية بصلة!
.......................
............
سهام بعد انتهاء يوم العمل، غادرت لمنزلها، استحمت وبدلت ثيابها، وتناولت وجبة خفيفة ثم توجهت لبيت هدى مباشرة،
وهاهي بعد وصولها تدفع مالا لسائق الأجرة وتقترب من البيت،
ضربت الجرس أكثر من مرة.. تعلم أن علاء غالبا ما يكون بالخارج لهذا اطمأنت نوعا.. وتتوقع أن هدى من ستفتح الباب لأنها ببساطة في انتظارها..
لكن..
من كان بالباب..
يفتحه بابتسامة كسولة جذابة..
صدمها بحق!
وأرجف قلبها بهاته الوقفة التي تملأ أرجاء الباب،
وتسد أغلب الثغرات بطوله الصارخ،
مازالت الذكرى لم تغادر عقلها،
ولا الموقف المحرج غاب عنها للحظة من اللحظات!
لهذا اعتلت الحمرة وجهها وهي تراه لا يتحرك ولا ينوي الحراك..
مال برأسه قليلا وحياها بمرح:
- مرحبا!
سهام بحشرجة وصعوبة استطاعت النطق، وهي أول مرة تكلمه فيها بشكل مباشر ومن هذا القرب:
- مرحبا!
لم يكن علاء قد تعرف عليها بعد، خاصة أن وجهها للأرض لا تقوى على رفعه:
- نعم أختي؟
شعرت بما يشبه نارا تندلع بوجهها والموقف يزداد غرابة وإحراجا! تمتمت كثيرا قبل أن تجيب:
- هدى..
استوعب علاء أخيرا:
- تريدين هدى! لا لم تصل بعد!
ثم وهو يحس بسوء تصرفه، تراجع قليلا ليتيح لها الدخول:
- آسف على قلة ذوقي.. يمكنك انتظارها.. أدخلي!
إكرام لم تتصور أنه وقح بهذا الشكل!
يدعوها للدخول في غياب أخته!
ماذا يظنها!
فتاة مستهترة!
أو مراهقة بلهاء؟
عند هذه النقطة استجمعت كامل قوتها.. غير مهتمة لقلبها الذي يرقع ولا وجهها الذي يحمر ولا حتى يديها ورجليها المرتعشتين.. رفعت رأسها في وجوم وتحد، وصوتها يتوزع بين الغضب والخجل:
- لا تسمح لي أخلاقي أن أدخل في غياب أهل البيت يا أخ!
علاء صعق من كلامها وحتى من احمرار وجهها الذي ذكره بموقف قريب،
فهو قطعا لم يقصد بكلامه شيئا يضايقها، تأهبت للانصراف فاستوقفها:
- يا آنسة!
آنسة إكرام!
لأول مرة تسمع اسمها على لسانه.. فما أجمله من إسم يخترق جوارحها على غير العادة وهي تسمعه من باقي الناس..
اضطرت لأن تجمد بمكانها، فأكمل باعتذار:
- لم تكن لدي النية بمضايقتك! ما قصدته هو أن أمي بالبيت إن شئت مجالستها إلى حين عودة هدى!
ياااااااا للإحراج وسوء الفهم!
ويا لسيئات التسرع والحكم دون تفكير!
صارت عاجزة عن التعليق أو حتى المواجهة!
وشل تفكيرها لبرهة!
بدت بمنتهى السخف!
وبمنتهى السطحية!
ومع من؟
مع علاء!
حبيب القلب منذ سنين!
وفارس الأحلام الأزلي!
حبست دموع انفعالها الغزيرة وتكلمت دون أن تستدير، حيث كانت توليه ظهرها، بنبرة مخنوقة بالعبرة:
- لا شكرا... أخبر هدى أنني أتيت وحسب!
ثم سرعت خطاها وحالما وجدت سيارة أجرة أخرى تقلها لمسكنها!
مع تحياتي: أحلامي..!!
|