كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
كيف حالكم؟
اتمناكم بأحسن ما يكون عزيزاتي،
أشكر متابعتكم الرائعة واطراءاتكم الكثيرة بحقي،
اليوم الجزء: الثامن والعشرون،
أهديه للجميلة العذبة،
ذات التعليقات الخطيرة هههههه
أهديه للغالية: روبي
الجزء الثامن والعشرون
الساعة الثالثة بعد الظهر:
مرت حوالي ثلاث ساعات على الأحداث الأخيرة،
هدى تداري خوفها الرهيب على أمها وتغلق على نفسها باب غرفتها مترقبة أي نبأ قد يخفف من وطأة وجلها المميت!
سهام وعمر تناولا غداءهما منذ ساعتين وهاهما يروحان عن نفسهما بجو البحر البديع، ومنظره الذي يبعث في النفس راحة عظيمة واسترخاء كفيلا بنسف أعباء الحياة،
صحيح أن سهام مستغربة لاتصال أختها ولكن عمر يؤكد لها أنها أوهام لا أساس لها من الصحة لتتناسى الأمر.. وهكذا استطاع إقناعها بوجهة نظره!
إكرام وليلى حطا الرحال بالمدينة منذ ساعتين ووصلت كل منهما لبيتها.. ومنذ ذلك الوقت وإكرام تحاول إجراء اتصال بهدى غير أنها بعد عدة محاولات لم تجبها على الجوال.. فاتصلت بها على رقم البيت لتخبرها السيدة حبيبة أن ابنتها نائمة منذ وقت ليس بقصير..
محمد وإخوته الذكور في وضع لا يحسدون عليه.. فلا هم أخبروا باقي أفراد عائلتهم ولا هم على دراية حتى الآن بمدى خطورة حال صلاح من عدمه..
أعصابهم مشدودة ورجاؤهم في الله كبير..
وصحيح أن الإخوة الثلاثة لم يقتنعوا أن ما تعرض له أخوهم لا يتعدى أن يكون سوء تفاهم مع صديق.. ولكن محمد أصر على كلمته حتى يتمكن من معرفة الدوافع الحقيقية وراء هذا الهجوم!
أخيرا خرج الطبيب والأرق باد على وجهه فاستفهم منه الأربعة دفعة واحدة.. ليخبرهم بتأن طبي محكم:
- ليست لديه غير كسور مختلفة بالجسم أسوءها كان على مستوى فقرات الركبة والعنق، كما أن هناك تمزقا بعضلة الكتف..
واستبعد محمد، بما أنه من نقله إلى المستشفى، ليُسَارّه على غير مسمع من الباقين، مما أفجعه وقلب كيانه الذي يعاني حقا مما آل له شقيقه..
الطبيب بصوته الأجش المتأني ثانية ولكن بخفوت هاته المرة:
- لديه أيضا ضرر كبير بجانبه الأيسر.. وكليته اليسرى متضررة أشد الضرر، لذا علينا استئصالها حالا!
...................
........
كريم مباشرة من المسجد توجه لنادي الرماية..
كل تصويباته كانت موفقة، لسببين اثنين:
الأول أنه رام ماهر بحكم مهنته وخبرته، والثاني لأنه يرى في الهدف وجه صلاح البغيض..
لاحظ أن بعض معارفه ولجوا النادي أيضا فتركه درءا لأي احتكاك، فبالرغم من أن الصلاة والتوجه إلى الله هدأ روحه وأثلج صدره بعد الزوابع التي تملكته والحنق الذي خنقه، إلا أنه ليس على استعداد بعد لمقابلة ومجاملة أي كان..
ولج سيارته ليجد أن هاتفه به العديد من الاتصالات..
حيث اتصل به علاء وأمه ثم نسيمة انتهاء ببعض الأصدقاء..
كم آلمه أن الإنسان الذي يرجو اتصاله الآن أكثر.. لم يفعل!
لو كانت هدى من بين السائلين فيه لرضي تمام الرضا وسكنت نفسه بعد جهد وتعب..
لكنه آخر اهتماماتها بالطبع.. وكم هو حاد على كبريائه هذا الاستنتاج!
أجرى اتصالات وطمأن أغلب من هاتفوه وقد بان عليه استقرار أكبر..
وقبل انطلاقه لسكنه، ناظرا لجوال هدى المرمي بإهمال على الكرسي بجانبه، التقطه فاتضح له أنه قد تم الاتصال بها أكثر من مرة من نفس الرقم، رقم مسجل باسم إكرام.. افترض أنها صديقة، ولكن قبل هذا الاسم كان هنالك رقم آخر، قامت هدى نفسها بإغلاق الخط بوجهه، هو نفسه حين كانا معا ورفضت الرد وهو نفسه رقم الوقح ذاك،
وممعنا في البحث أكثر.. وجد أنه لم يتصل بها في المجموع غير ثلاث مرات:
أولاها الأربعاء المنصرم: وهو نفسه يوم زارها بالعمل!
وثانيها وثالثها: اليوم!
وهذا يعني شيئا واحدا: وهو أن هدى لا تكلم صلاح بالعادة!
وبما أنه كان يراقبها طوال أسابيع قبل الزواج.. ولم يلاحظ على سلوكها إلا ما يثير الإعجاب ويؤكد على حسن أخلاقها - وهذا تحديدا ما جعله يتعلق بها أكثر-... فقد بعث هذا بنفسه راحة..
ولكن زيادة في الاحتياط ومحوا للظنون التي ليست في صالح الطرفين، أجرى مكالمة أخرى بكشف كل الأرقام المسجلة باسم صلاح وعدد المكالمات الصادرة والواردة من هاتفه لهاتف هدى..
وبتوصله لمبتغاه.. وهو براءة ذمة الاثنين من أية مكالمات إضافية بل وأن الرقم المتصل اليوم هو الرقم الوحيد والاتصالات الثلاث لا رابع لها..
انتشى من النتائج الحاصلة وسَعِد لأنه لم يتسرع في الحكم على زوجته..
ولكن لدغة سامة بعثرته..
فكرة باردة صلبته..
وخاطرا أهوج تسلل لعقله فسرق منه البسمة التي ما كادت تطفو على سطح وجهه حتى اختفت،
سلبت،
وانتهت!
.....................
...........
بيت عائلة أسد،
نسيمة التي ودعت ابنها فجر اليوم، ليتكلف سائق العائلة بإيصاله للمطار، بعد ساعات من التأهب للحدث.. والنصائح الطويلة العريضة -منها ومن أمها- الأشبه بخطبة حربية، بخصوص دراسته وامتحاناته واهتمامه بنفسه وأبيه وعدم ارتكاب أعمال مشاغبة في غياب والديه لأن من المقرر أن يزور والده البلد حال انتهاء أشغاله..
على السرير الذي يتسع للاثنتين.. تتوسد كتف أمها بتعب لأن الاثنتين لم يحظيا بنوم هادئ.. ما بين حزم حقائب خالد والسهر على ما قد يحتاجه في سفره وبعد سفره أيضا..
وتقول بصوت مختلط بالإرهاق:
- اتصل بي كريم للتو ليخبرني أنه مشغول ولن يحضر الليلة..
السيدة صفية بعينين مغلقتين:
- حبيبي.. أشغاله حتى أيام السبت والآحاد! لا يعرف للراحة سبيلا!
نسيمة بنبرة لؤم وهي تمسك يد أمها الممدة لجانبها لتربت عليها:
- لا تقلقي نفسك يا أمي.. بالنسبة للراحة.. فهي أكيدة مع جميلة الجميلات زوجته.. كما لا أخفيك أنني أراها شغله الشاغل الآن وما هذا إلا عذر لكي يستمتع بقربها بعيدا عن اتصالاتنا المزعجة!
صفية تبتسم وعيناها ما تزالان مغمضتين:
- فليحفظهما الله! لست يا ابنتي متفائلة.. مادمت ترنهما مرتاحين، فالأكيد أنهما لن يرتاحا!
نسيمة بعتاب تمثيلي:
- تقصدين أنني أحسدهما!
صفيت تتسع ابتسامتها أكثر وتنسل يدها لشعر ابنتها القصير نوعا:
- قولي تبارك الله وما شاء الله.. فعين المحبين قد تضر تماما كما تضر عين الحاسد!
نسيمة بغضب مصطنع وهي تترك يد أمها:
- لا.. من الواضح أنك تتهمينني بالحسد!
ولا داعي للنكران لأن كل الحجج ضدك والدلائل قائمة في حقك!
ضحكت الأم من فكاهة ابنتها فضمتها بكلتا يديها والنوم بدأ يغالبها..
لكن نسيمة أبدت تمنعا مضحكا وهي تمط شفتيها بامتعاض:
- لا يا صفية لا تحاولي مصالحتي.. ولعلمك، فزوجي يعاملني أحسن مما يعامل ابنك زوجته.. وستؤكد لك الأيام القادمة صحة كلامي..
رفعت وجهها لوجه أمها تقبل خدها المتورد رغم التجاعيد الطفيفة بين ثناياه، وما إن فتحت عينيها حتى تلاعبت نسيمة بحاجبيها لأعلى ولأسفل بسرعة عجيبة:
- سترين يا حبيبتي .. سترين!
السيدة صفية تعود لضمها وتقبيل رأسها وهي تضحك:
- حسنا.. نامي الآن ودعيني أنام.. ثم نرى فيما بعد!
نسيمة رغم التعب والإرهاق أجابت هذه المرة بجدية:
- أريد الاطمئنان على وصول ابني قبل أي شيء يا عزيزتي.. نامي أنت إن شئت!
.........................
.........
بشقته،
يحاول الاسترخاء بحمام دافئ وسط مغطسه، وهو يقذف كرة صغيرة لترتطم بالحائط وتعود له من جديد، مع كل قذفة ينزرع بباطنه خاطر مختلف، أفكاره تتعثر في طريقها إلى الحقيقة وقلبه تتقاذفه أمواج عاتية كلما برزت فكرة أو اندثرت أخرى..
مجرد تحليل الموقف تحليلا، ليس عمليا ولكنه يبقى جائزا، يفقده صوابه..
حتى وإن انعدمت الاتصالات بينهما فمن الممكن أن اللقاءات، ولو في حضور العائلة، واقعة..
وأن الإعجاب حاصل..
والاستلطاف وارد..
وهذا في حد ذاته شيء لا يسكت عنه..
شيء يهين رجولته..
ويكتسح عزته بنفسه..
وضع الكرة جانبا الآن وانحنى جسمه الفارع بالمغطس أكثر فأكثر حتى اختفى رأسه تحت الماء.. وهو كما يقال، شيء يساعد على التركيز واستعادة الهدوء!
.........................
................
بالصالة،
وسط لعب وكلام أبنائها الذي ارتفع شيئا ما،
تشاهد التلفاز وهي سارحة بعوالم أخرى،
كيف أن أبناءها لم يعد يهمهم وجودها من عدمه،
كما لو أنها كائن غير مرئي،
لم يعودوا يحترمونها (أو بالأحرى يهابونها)،
ومحمد أيضا لم يعد يصدق كلامها كما كان دوما وأبدا!
ولكن الأهم من هذا وذاك، بالطبع، هي الأعمال الشاقة والمنع التعسفي من الخروج والزيارات،
حريتها سلبت،
بل جميع حرياتها سلبت،
تعامل كأحقر مخلوق على وجه الأرض،
فأين ولى عصر التحرر والدلال؟
أين اختفت أيام كان كل همها فيها الزينة والأزياء والحفلات الراقية؟
أين ذهب عهد التحكم في الزوج والأبناء وإدارة البيت كصاحبة له لا كعاملة فيه؟
وهل لهاته الأيام عودة؟
هل لذاك العصور رجعة؟
هل ترى العهد البعيد القريب يتكرر؟
ونفضا لكل هاته الكآبة،
صاحت بغير وعي منها في وجه الأصوات المزعجة،
المزعجة جدا كطنين أسراب النحل وأزيز جيش من ذباب المزابل:
- اصمتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوا
..................
..........
بيت العراقي،
بعد العصر،
تركت هدى غرفتها بعد أن أمضت فيها ساعات متواصلة،
جالست أمها محاولة استعادة هدوء قسماتها:
- وعلاء لم يعد بعد؟
السيدة حبيبة بحب وهي تصب لها شايا وتمدها بالكأس:
- إتصل بي قبل ساعة وأخبرني أنه مع زوجك!
هدى ارتاحت نسبيا للخبر، بما أن علاء معه فهذا يعني أنه بخير.. وزيادة في الاطمئنان سألت بنبرة اهتمام واضحة:
- حقا؟ وأين هما الآن؟
أمها مجيبة ومستفسرة في نفس الوقت بود:
- إنهما في بيته.. ولكن لماذا انصرف زوجك حتى دون السلام علي؟ أردت أن يتناول غداءه معنا لولا أنه ذهب فجأة!
هدى تضع الكأس الذي لم تشرب منه بعد على الطاولة وسبابتها تلوي خصلة من خصل شعرها في توتر وابتسامة باهتة ترتسم على وجهها:
- أعذريه أمي.. لقد جد أمر طارئ فاضطر للانصراف!
الأم بتفهم:
- لا بأس في ذلك.. أعذره يا ابنتي..
ثم أردفت بعد برهة:
- اتصلت بك صديقتك وأخبرتها أنك غافية..
هدى بموافقة:
- أها.. سأعيد الاتصال بها لاحقا!
السيدة حبيبة بتفكر:
- بالمناسبة، اتصلي بلمياء، لم أسمع صوتها منذ أن أعلمتها بخطبتك فلم تحضر.. بالي منشغل عليها..
ذكر لمياء لابد وأنه ذكرها بمحمد وتذكر محمد من العادي أنه ذكرها بأخيه، لهذا وقفت هدى بثبات وهي تحمل الصينية للمطبخ وفي نيتها جس نبض أختها عن موضوع نسيبها:
- لعل المانع خير.. سأسأل عنها كوني مطمئنة!
............................
............
علاء وكريم منذ ساعة وهما جالسان بالشرفة، هرين السيارات يثير الإزعاج، ولكن ليس إزعاج علاء طبعا، فهو يحب الصخب والضجيج ومرحه يتعدى الوصف،
حديثهما في استرسال،
وحان الوقت حسب تصور كريم، لطرح السؤال الملح الذي من أجله استدعى علاء بعد تفكير وتفكير:
مد ظهره باسترخاء على كرسيه الخشبي وكلتا يديه موضوعتان على بطنه بارتياح.. (وما الراحة والاسترخاء إلا فصل من فصول مسرحيته التي أتقن عرض مشاهدها حتى الآن).. وبصوته الواثق ذي النبرة الفضولية:
- أخبرني يا علاء عن هدى!
علاء وشك بدأ يتغلغل من جديد:
- عن أي شيء أخبرك؟
كريم بابتسامة مغتصبة لا يظهر أنها مغتصبة قطعا:
- تعلم أن أختك قليلة الكلم، كثيرة الخجل.. وهذا يمنعها من الإفصاح لي بمكنوناتها وحتى من التحدث عن نفسها بسلاسة.. ولأنك مقرب منها فيمكنك فهمها أكثر وإطلاعي على ما لا أعلم!
علاء بارتياب وهو يستوي في جلسته ويقترب من كريم بانحناءة على كرسيه الخاص:
- ما بكما يا كريم؟ تبدوان زوجين غريبين فعلا!
كريم استاء من أن مخططه يحذو حذوا آخر، ولكنه حافظ على الابتسامة كما حافظ على الثقة:
- بل أنت أغرب نسيب رأيته في حياتي! كيف تريدنا أن نكون وفترة تعارفنا لم تكن كافية؟
علاء بنفس الشك ولكنه خفف من الاستغراب الظاهر على ملامحه:
- وبفرض أنني اقتنعت.. فماذا تريد أن تعرف عن أختي على وجه التحديد؟
أحزن كريم هذا القلق الذي بثه بقلب إنسان مقرب له بخصوص أخته، ولكن لا مفر الآن من الاستفهام:
- هل سبق وخطبها غيري؟ أو حتى كان لأحدهم السبق بطرح مشروع الزواج بها؟
علاء باندهاش وهو يعقد حاجبيه ويزم فمه، إلى أن انفرج أخيرا برد:
- لا.. أبدا!
تنفس كريم الصعداء ولكن هذا الارتياح لم يتجلى بوجهه.. ولكن بعد برهة نطق علاء وهو يتذكر:
- بلا!
تصنم كريم من الصدمة وهو صامت..
ليضيف علاء ببساطة:
- نسيب كبرى شقيقاتي..
همهم بغير وضوح:
- لا أذكر اسمه بالضبط..
ثم بصوت أعلى:
- المهم أن هناك كلاما دار بشأن أنه.. ربما أراد التعرف عليها.. وربما كانت لديه النية بالزواج منها!
أحلامي خيال!!
|