كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
جمعة مباركة،
تقبل الله منكم صالح الأعمال،
ووفقكم ووفقنا لرضاه،
تحية طيبة للرائعاتي اللواتي لا يضاهي روعتهن شيء،
للقارئات اللواتي يبدعن في حضورهن فيفقن إبداعي بأشواط وأميال!
ومع التحية هدية،
الجزء الذي أتمناه في مستوى انتظاركم وتطلعكم،
استلموه واستلموا معه قلبي الذي أحبكن،
أحبكن في الله أخواتي..!!
الجزء الرابع والعشرون
....
ما أن وصلت للشطر الأخير من التهديد..
حتى أمسك ذراعها الغض وهو يدفعها لأقرب حائط ويسندها عليه باقتراب مشتعل ونظرة نارية تحوم حولها:
- وإلا ماذا؟ هااا؟ أولست زوجتي؟ أوليس هذا من حقي كما كان من حقك قبل ساعة وضع شروطك لاتمام هذا الزواج؟
كانت هدى بهاته اللحظات مرتعبة، مختنقة، استولى عليها الهلع لأن المشهد ذكرها بأكره مشهد على قلبها، وأصعب مشهد واجهته في حياتها،
وهاهي قناعتها تتأكد،
بأن الرجال سواء..
فيما يتعلق برغباتهم الدونية نحو جنس النساء!!
كريم من جهته لم يرغب في إثارة خوفها ولكنها استفزته بأوامرها وتهديداتها..يده على ذراعها وعيناه تبعثان لها أقسى النظرات وأحدها...
بعد لحظات مشحونة بمختلف الأحاسيس وأضدادها،
حاولت تخليص ذراعها فلم تنجح،
وحاول هو نفسه الابتعاد فلم يعد يستطع،
أثارت عقله،
والأكثر من ذلك قلبه،
خفف من قبضتها ولكن نظرته لم تخف بعد،
مازالت ساكتة..
فهي تجد الموقف أصعب من الكلمات،
نظرتها الخائفة ملأت ثناياه حنانا،
هزت رجولته ودغدغت عواطفه،
ارتعاشة من جسدها انبعثت،
وارتعاشة أقوى في قلبه الخافق حصلت،
ما هذا الذي يحصل؟
ولماذا يحصل معي؟
لماذا لا أهينها كما تهينني؟
أكسر رأسها كما كسرت نخوتي؟
أطعن فؤادها كما طعنت فؤادي؟
عيناه على عيونها المنخفضة بخوف..
ورغبة مشتعلة بقتل خوفها بابتسامة منه..
ضمة من صدره..
مسحة وله من ظهر كفه على خدها البهي..
يراها تكاد تذوب خجلا وخوفا،
فهل يرحمها؟
ولكن من يرحمه هو من ناره المشتعلة؟
من زوابع حبه الحاصلة؟
مـــــــن...؟
رفعت أخيرا عينيها له بتهجم وتجهم..
بعد طوفان من التردد والخشية،
تدعي بذلك عدم الاكتراث،
أو هو اكتراث متحدي!
تعبر بعينيها حتى لا تضطر لقول "لا تلمسني" جديدة فيلمسها أكثر ويؤذيها أكثر!
يكفيها هذا القرب المتوحش،
وهاته النزعة الشريرة التي طفت فوق انفعاله!
وهاته العيون الجامدة الحاقدة عليها..
كلاهما يحدق بالآخر،
هو يمتنع عن الابتعاد،
وهي تتمناه بشدة،
أطلق سراح ذراعها أخيرا بعد جهد جهيد ضد النفس ومعها..
سار خطوتين للأمام لينفض مشاعره المجنونة ويأخذ نفسه بعيدا عن تأثيرها المرهق للأعصاب..
وهي بالمثل،
تأخذ نفسا عميقا جدا وصعبا جدا في آن،
لا تصدق أنه حررها من قبضته أخيرا،
وأن الخطر زال بعد أن أحست غاراته تخترق حصونها،
ولكنه تراجع..
تراجع ولله الحمد والشكر،
حرارة جسمها بدأت تعود لطبيعتها وكذا حرارة وجهها الملتهب..
وهي ما تزال تستند إلى الحائط نفسه،
ليس حبا في الوضعية منذ قليل،
ولكن حتى تستعيد توازنها وتقف بثبات..
وهي مغيبة الوعي،
سمعت صوت كريم – الذي سرعان ما بادرها بثقة لم يظهر عليها أي تأثر ولا حَمَّلها أي جزء من مشاعره القوية – وهو يقول بصلابة:
- تفضلي معي.. مايزال أمامنا الكثير لنراه معا!
بجملته أبرز معنى بسيطا ومعنى أكثر عمقا،
البسيط أن المنزل الكبير تتعدد الأماكن التي سيطلعها عليها..
والعميق الأعمق هو أنه ما يزال الكثير ليعيشاه معا.. الكثير جدا!
.........
...
عمر انتهت العملية بين يديه أخيرا،
غير ثياب عمله وتوجه لسيارته،
اتصل بوالدته:
- السلام عليكم!
- ....
- أمي كيف حالك؟ وكيف حال الوالد؟
- ....
- الحمد لله جميعنا بخير أيضا..أمي سأزورك بعد قليل..
- ....
- لا أبدا.. ارتأيت أن أزورك إن لم يكن لديك مانع!
- ....
- سهام بالبيت وأنا قادم مباشرة من المستشفى!
- ....
- في حفظ الرحمن!
انتهت مكالمته فأرسل لسهام رسالة على جوالها:
- سأتأخر قليلا..
ثم شجع نفسه على إرسال أخرى:
- كوني على استعداد لسماع الحكم في حقك.. هاته الليلة!
صارت خطته الآن مدروسة من جميع الجهات ولا ينقصها غير التنفيذ.. الليلة فمتى يصل الليل.. مــتـــــى؟!
..........
....
إحدى غرف البيت الشاسع:
علاء وخالد وحوار خاص بعالمهما الجديد الذي بنياه توا ليحتضن تعارفهما الجميل:
علاء باهتمام:
- لماذا زرت البلد وأنت تعلم أنك لن تطيل المقام؟
خالد وهو يرتب كتبه المنتشرة بأرجاء الغرفة ويصفها فوق الطاولة أمامه:
- لأن أبي لم يستطع مرافقة أمي فنبت عنه في ذلك.. هذا أولا!
علاء يحفزه:
- وثانيا؟
خالد بشيء من الأسف:
- ثانيا أنا لا أستطيع تكرار الزيارة لبقية السنة.. ومباشرة بعد الامتحان سأتهيأ لدخول فصل صيفي جديد!
- أها! حظا موفقا إذن!
- أشكرك يا علاء! أقصد عم علاء!
علاء بابتسامة مازحة:
- لا..لا.. إياك أن تقول عمي يكفي ذكرك لاسمي حتى أفهم أنني المعني!
ابتسم له خالد بالمثل وهو يقول:
- جيد.. كلمني أنت عن نفسك!
استمر الحديث بينهما انتظارا من علاء لقدوم كريم وهو لا يدري أنه بالجناح المقابل لهما تماما..
............
....
هدى التي كانت شبه مستمتعة بالرحلة الطويلة بين أرجاء البيت الكبير باغتها الخوف حالما صعد بها كريم لغرف النوم ولكنها حافظت على هدوئها قدر الإمكان وهي تتمنع من الدخول لإحداها غير عالمة أنها غرفته الخاصة، فهي لا تستأمنه على نفسها خاصة ان جمعتهما غرفة مهما كان اتساعها إلا أنها ستضيق بهما معا!
كريم والغضب يتسابق لنفسه من جديد، يشير لباب غرفته المفتوح:
- أدخلي يا هدى فلا أريد أن أجبرك على الدخول!
هدى بكبرياء:
- لا!
بلهجة قاسية كلمها:
- يبدو أنك تحتاجين ترويضا حتى تتقني فنون الانصات والانصياع!
هدى بثبات وكأنها تتناسى موقفهما منذ قليل غير أنه صعب النسيان:
- لست عبدا لأنصاع ولا حيوانا لأروض.. وأرجو أن تختار ألفاظ أقل سوقية وأكثر أدبا بالمرة القادمة!
كريم يشدد من قبضته ويمنع نفسه من خنقها، بصوت هادئ مزمجر:
- أدخلي وإلا أقسم أن أجعلك تبتلعين كلماتك هاته!
أردف بعدها بغضب:
- مما أنت خائفة؟ أن ألتهمك مثلا؟
أرهبها هذا القسم لأنه أبداه مرعبا أكثر من أي وقت فحاولت الدفاع عن نفسها بشكل مغاير:
- يكفيني أن أشاهد الغرف من بعيد.. لماذا علي استكشافها من الداخل؟
كريم يمسح على شعره شاغلا بذلك يده عن الامتداد نحوها والتهور بضربها:
- لأن هاته بالذات غرفة عليك رؤيتها من الداخل!
ثم بآخر هدوء تبقى لديه قال من بين أسنانه:
- أ..د..خـــــ..لــــــ..ــــي!
ناظرته نظرة أخيرة فلم تشجعها ملامحه على الاسترسال في عنادها.. وبهذا تقدمت خطوة وخطوتين ثم ثلاث لتجد نفسها بغرفة رجالية محضة.. ابتداءا من الألوان الغامقة وامتدادا للأفرشة الممعنة في الخشونة الذكورية وانتهاء بصوره المعلقة بكل مكان حتى فوق المنضدة حيث تتوزع عطوره..
تصلبت بشدة واحتواها الخوف من جديد وهي تستنتج:
غرفته؟
يا إلهي ارحمني!
لماذا أتى بي هنا؟
لــمــــــــاذا؟؟
ومن فورها استدارت لتعود بسرعة من حيث أتت ،
في الوقت نفسه الذي كان يغلق كريم باب غرفته ويتقدم نحوها،
فاهتز كلاهما من أثر اصطدام عنيف بينهما!!
............
....
بعد ثلاث ساعات:
سهام استغنت عن النوم والراحة في انتظار عمر،
الشعور بالذنب يحاصرها،
والشعور بالخوف من مصيرها مع زوجها يطوق عنقها فيخنق الهواء من حولها..
برودة تحتل أطرافها،
ماذا يخبئ لي عمر؟
ولم كل هذا الغموض تجاه قراره نحوي،
أمن المعقول أن يطلب استبعادي؟
أو حتى هجري للأبد؟
أم أنه ينوي...؟
مستحيل!
مستحيل أن يستغني عني!
فهو الروح التي تحيي جسدي والدم الذي يجري بعروقي!
ألم يكن من الأفضل لكلينا تلك الرتابة الهادئة المستقرة؟
بدل هذا التشنج الذي أصاب حياتنا؟
كله بسببي!
بسببي وحدي!
وعلي تحمل العواقب مهما كانت قاسية!
قفزت من فوق الكرسي،
فهي انتظرته منذ أن أخبرها بمجيئه ليلا على نفس الكرسي أمام سرير ابنها..
كانت لها النية بانتظاره بغرفتهما ولكنها وجدتها مغلقة بالمفتاح، وهكذا بقيت مغلقة دون أن يكون لها الحق بدخولها طيلة اليوم من جهة لأن هذا ما يشير له تصرف عمر.. ومن جهة أخرى لأن ليس لها مفتاح مشابه فهما نادرا ما يستعملاه لذا لا تحمل عنه أية نسخة!
قفزت وهي تسمع صوت الباب الخارجي ينفتح وبعدها بلحظات ينغلق..
بلعت ريقها بصعوبة بالغة واقتربت من باب الغرفة واضعة أذنها عليه ومرهفة السمع لتستوضح تحركات عمر..
وفي خضم هذا التصنت التقليدي الذي يفتقر لأدنى معايير الخبرة الجاسوسية.. انفتح عليها الباب فجأة.. وبدل أن تكون كلتا يداها وأذنهى اليمنى على خشب الباب البارد، وجدتهما تغوصان في دفء قميص رمادي،
ارتبكت وابتعدت.. بينما ابتسم عمر لأن توقعه كان في محله وهاهو يكشف جرمها المضحك.. منع نفسه من القهقهة وهو يرى منها طأطأة رأس وإحراجا..
تنحنح بقوة قاطعا صمتهما:
- احم!.. هل أنت مستعدة؟
سهام وعيناها على خطوط الطول والعرض بأرضية الممر نطقت بصوت غير واضح:
- مستعدة لماذا؟
عمر الذي أعجبه الوضع كثيرا ابتسامته تجمل وجهه ويرجو ألا تتجرأ سهام وترفع عينيها له فتنفضح أساريره المبتهجة أمامها:
- ماذا قلت؟ لا يمكنني سماعك!
سهام تتشبث بتوب بيجامتها والكلام مستعص عليها:
- لأي شيء أستعد؟
عمر بثبات:
- لتبرير تصرفك!
سهام بالكاد استطاعت رفع عينيها قليلا ليصطدما بنهايات لحيته الخفيفة، التي تخفي وراءها سمارا مذهلا، وتعودا للأرض من جديد:
- أبرره؟؟
تساءلت باستغراب..
عمر بنبرة ذات معنى:
- أجل.. أنا أمنحك فرصة للتبرير.. فرصة لم تمنحيني إياها بعد سوء تفاهم بسيط جعلت منه عقدة لا حل لها!
شعرت سهام بالخجل من نفسها وبالذنب أكثرمن ذي قبل..
- أنا..!
استجمعت شجاعتها لتشرح له:
- أنا لم أقصد سوءا.. كل ما أردته هو التقريب بيننا!
لا تعلم كيف يكون جوابها مقنعا ولكنه خرج كما اتفق.. لا دلالة له يستدلها ولا معنى واضح يفتهم منه..
سألها بجدية أكبر:
- وكيف يكون هذا التقريب الذي أرفقته بمحاولة اتهامي؟
- كان أسوء مما توقعت...
قالتها بصوت مختنق ففهم أنها تحبس دموعها.. وكان الأمر قاسيا على قلبه.. فكيف يرد الاعتبار لنفسه بمعاقبتها معاقبة لا تصل لذرفها دموعا غالية عنده..
لكنه أكمل مخططه بنجاح مدوي:
- تفضلي لغرفتي (وكم كانت الكلمة صعبة عليها!) وخذي ما تحتاجينه من ثياب لتنامي قرب ابنك.. الى حين تأتينني بتبرير معقول! معقول ومنطقي!
انصاعت وتحركت أمامه ونفسها تتألم.. هاهو يطردني من غرفتنا،
فلابد أنه طردني من قلبه،
ليبعدني عما قريب عن حياته كلها!
مازالت تحبس دموعها خوفا من أن تفيض بغزارة فما تعود تحتمل التوقف..
عمر الذي أغلق باب غرفة آدم دون أن تلاحظ سهام ذلك رآها تقف أمام غرفتهما في انتظار أن يفتحه فتقدمها وسحب المفتاح من جيبه يفتحه بهدوء مستثيرا انفعالاتها من جديد..
- تفضلي!
أشار بيده للداخل فسبقته..
لتصـــــــدم بما رأته!!
...........
....
قبل ذلك بثلاث ساعات كاملة،
اهتز كريم وهدى من أثر اصطدام عنيف بينهما!!
وجدت نفسها في حضنه..
ووجد نفسه يحتضنها كما تمنى منذ وقت..
برودة احتلت أطرافها..
ونيران لسعت قلبه من جديد..
صلابة صدره آلمتها..
وعذوبة ملمسها حرضت رجولته..
عطره الفواح خنقها للمرة الثانية أو ربما الثالثة لا تدري..
وشذى جسدها الطبيعي اخترق أنفه ليبلغ كيانه كاملا..
ابتعدت وابتعد..
ابتعدا معا..
بعد أن صدما شعور بعضهما معا..
وبعد أن اختل توازنهما معا..
كان كريم أول من تكلم مخفيا انطباعه الحقيقي وراء نبرته الهادئة:
- هل أنت بخير؟
هدى بعد صمت وجهت بصرها للشرفة مخفية أيضا إحراجها ومقنعة نفسها بضرورة الظهور بمظهر الصلبة القوية التي تتأثر من قرب رجل وهو في الأصل عقدتها المعقدة ورهبتها المتقدة:
- بخير!
توجه كريم للباب يفتحه كما أغلقه منذ لحظات:
- هاهو ذي مفتوح.. لا داعي للخوف!
قالها وربما هو من يخاف على نفسه من أعاصير حضورها أن تغلب على طاقة تحمله،
وأردف بعد ثانية:
- هذه غرفتي..
هدى وراحة نسبية تتسلل لعقلها، لا تجد لتعريفه هذا من فائدة، فهي صارت تعلم أنها غرفته..
أكمل جملته بهدوء:
- لا أستعملها الآن إلا نادرا..
قفز سؤال مزعج، بل ومزعج جدا لرأسها، لتسأله بحدة مقرونة بالحذر:
- ولم نادرا؟
كريم بتشفي لم يمنعه من بعث نظرة هادئة واثقة وشبه بريئة لها، نظرة تتعارض مع مكره وحيله:
- لأن لدي شقة خاصة..
بلعت هدى ريقها وهي تسمعه يضيف:
-... ومنزلا سيكون جاهز البناء والفرش بعد ثلاثة أسابيع على الأكثر!
الإضافة الأخيرة لم تكن منطقية بالمرة نظرا لسير الحديث ولكنها كانت ذابحة لهدى التي فتحت عينيها في اندهاش قوي وتصلب حقيقي:
- مــــــــــــــــاذا؟؟
أحلامي خيال!
|