الأربعاء
الخميس
والجمعة
اليوم السبت، يوم إجازة، نهاية الأسبوع تحمل الراحة وكثيرا من
برامج الفسح، الرحلات وحتى الاحتفالات أحيانا..
وبمطبخ عائلة العراقي،
مطبخ واسع مكون من طاولة كبيرة لتناول معظم الوجبات، تستند للبار مواجهة أمها الجالسة على أحد الكراسي برأس الطاولة (الأم تتناول فطورها) فيما تحمل هدى عصير البرتقال الصباحي، ترتشف منه بهدوء:
- أمي أنا لن أرافقك مهما أصررت.
- يا ابنتي، إن لمياء هي من تصر على حضورك. (كان هذا الجواب الهادئ بصوت سيدة وقور جاوزت الخمسين، السيدة حبيبة، رمز العطاء، الأم المثالية بكل تقدير، تعشق أبناءها على اختلاف طباعهم وتحاول لملمتهم على قدر استطاعتها خاصة بعد وفاة زوجها منذ سبع سنوات)
- هي بالذات لن أذعن لأوامرها الملكية!
- الحفل على شرفك أنت و...
- أنا وصلاح...أعلم!
- أجل حبيبتي... سكتت قليلا وأكملت: هو لشرائه بيتا جديدا و أنت بمناسبة ميلادك.
- أمي! قالتها بحدة: عيد ميلادي مازال عليه وقت مهم، ثلاث أسابيع كاملة..
وبشيئ من اللؤم أضافت: الا إن كان هذا أحد مخططات أختي العظيمة للجمع بيني وبين نسيبها بكل الطرق.
- إنه شاب خلوق. وبابتسامة محبة أظهرت صفاء روحها: وبصراحة أتمنى أن يكون من نصيبك.
- أماه! قالتها وهي تضع كأسها على سطح البار الرخامي وتقترب بود كبير:
- وأنا لا أتمنى سواك.
- ولكن!
وضعت إصبعها المنحوت بعذوبة على فم أمها:
- ششش!
عانقتها وقبلت رأسها بحب بالغ:
- الشاب المسكين ليست لديه دراية بخطط أختي المبرمجة لجعلنا أصهار أهل الغازي من الألف إلى الياء، اعتذري لها بالنيابة عني يا أغلى الناس.. أولا لأني لا أطيق هذا النوع من الاحتفال وثانيا لأني سأواعد رفيقاتي!
- أعلم أنك عنيدة يا ابنة أبيك!
- وأنا إبن من يا حلوة؟
كان صوت علاء وهو يدخل بقامته الطويلة الرشيقة...
تعابير وجهه المسرحية الحزينة تضفي عليه منظرا مضحكا.
أمه تكتم ضحكتها في حين تبتسم هدى في وجهه:
- أنت إبن أصدقائك يا أخي العزيز.
(يعلم أنها تلمز له بالكلام ويفهم قصدها وبُعده والمفترض أن يبدي عصبيته لكنه احتفظ بنفس رسمة الوجه):
- صباح الخير يا أختي العزيزة، (وهو يهرش رأسه كأهبل):
- ألك أن تحضري لي كوبا من حنان أخوي فياض؟
وقبل أن تجيب يحملها بخفة ومرح:
- ما هذا الوزن الخفيف جدا..(ويمثل الألم والانحناء)
بابتسامتها الواسعة تضرب كتفه برقة:
- أنزلني يا سيد سلم!
بنفس المرح: - حاضر يا سيدة ملعقة.. قالها وهو يفلتها، ويضع يده على جانب خصره: - يبدو أنني أصبت بشد عضلي من فرط...
عيونها تمثل غضبا على نفس طريقته وكمن يستدرك كلامه:
- …من فرط نحافتك.
ويضحك الثلاثة يلفهم جو من الود رغم تصادم أفكارهم ومبادئهم في الحياة:
بين أم، الصبر والتعقل هو أسلوبها في الحياة وشابة، العناد والجدية هما ركيزتاها في حين يبقى الثالث ذا قناعات لا مسؤولة بحتة.
…..
…
[COLOR="rgb(0, 191, 255)"]
نفس الوقت
بيت الغازي:[/COLOR]
تدور وتدور بتوتر بالغ في غرفتها وحالما يفتح الباب تنقض على الداخل كلبؤة:
- أيمكنك أن تشرح لي ما هذا الذي تتفوه به أمام أبنـــائي؟
- يتأفف بشكل واضح من أسلوبها المنفر: عزيزتي لمياء أنا لم أقل الا اني اتمنى منك طفلة تملأ بيتنا.
- طفلة! صرخت في وجهه وأردفت: ألا يملأ هذا البيت ضجيج أطفالك، تريد طفلة إضافية؟
- الآن صاروا أطفالي أنا! وقبل قليل..
- قاطعته دون أدنى احترام: أنت تعلم جيدا أنه لا نية لي بالانجاب مجددا..يكفينا تجارب.. ثلاث تجارب للحصول على طفلة كلها كانت فاشلة.. أنا لن أضرب حميتي ورشاقتي عرض الحائط من أجل شيء أنت العاجز عن الإتيان به وليس أنا!
كم هي جاحدة،
كم هي جارحة،
حتى الرغبة الأبوية في الحصول على اطفال من الجنسين تنتزعها مني انتزاعا، مجرد رغبة دفينة ما فتأت تمتد أول بذورها.. تقتلعها دون رحمة!
عيناه تمتلئان حزنا عميقا منها وعليها فيبحث عن الباب الذي ولجه توا قبل أن تهدر ما تبقى له من عزة نفس.
- محمد!
وقف وهو يوليها ظهره
- لا تنسى أن تحضر قبل المدعوين للحفل!
- طبعا!
........
....
..
.
الساعة 10:30
انتهى افطار الثلاثة وسط مرح علاء المنقطع النظير.. وها هو يتسلل لغرفة أخته بحذر بالغ، يستغل مساعدتها للأم بأشغال البيت فهي تنظف وترتب الصالون الكبير الذي يشغل الطابق الأول بالإضافة لحمام الضيوف (وللعلم فإن الصالون المغربي يتوفر على جلسة تقليدية تدعى "سْدَادْر"
مكونة من كنبات خشبية منقوشة الواجهة ومعززة بمخدات، الطاولات الخشبية بنفس نقوش السدادر توضع فوقها صواني الشاي الفضية، الزرابي لها طابعها المغربي الخاص، الأقواس المبنية تزين مدخل الصالون أو مداخله حسب اتساعه.. ترافقها قطع فضية على الأرضيات تختلف أشكالها وأحجامها ، بينما تزين الحيطان الفسيفساء (الزليج) العريق الضارب في القدم بالاضافة لـ(الخوامي) الستائر والأسقف تزين بالثريا وبجبس ذي نحوتات مميزة…
وهكذا كان بيت هدى بتناسقه التقليدي الجميل لأبعد الحدود الجامع بين البني القاني والأصفر الفاتح في حين تفوح رائحة الخزامى والورد من أثاثه)، لم يتطلب الأمر منها وقتا طويلا إلا أنه كان كافيا لعلاء حتى يسحب مفاتيح سيارتها من على المنضدة (مكانها الدائم) والانسحاب بنفس الطريقة.
بهذه الأثناء تتناول هدى هاتف البيت وقبل أن تطلب الرقم الذي تريد، يصدم أذنها صوت مألوف، تتجه بسرعة للنافذة المطلة على الزقاق الصغير فتلحظ سيارتها وهي تختفي بين البنيان..وبصوت مسموع:
- آه منك يا مراهقنا الكبير، متى تتعقل! لكن لا بأس.. سأنتظر عودتك الميمونة وحينها يكون لنا حديث آخر!
ابتعدت عن النافذة الكبيرة التي كانت تتوارى خلف ستارتها المخملية واتخذت السجاد مقعدا لها..
وهي تنوي ربط الاتصال بصديقتها من جديد الى أن رن الهاتف بيدها، ناظرة لشاشته: - أمعقول!! سعد يتصل!
أجابت بلهجة جافة: ألو.
سعد: هدى، مرحبا، هل هناك من خطب؟
هدى وقد انشغل قلبها: خطب من أي نوع؟
- سمعت أن أمي تعبة جدا.
- أنا أيضا استغربت اتصالك.. فلا بد أن تحصل مصيبة ما حتى تتنازل وتسأل عن أحوالنا.
- هدى أجيبيني واحتفظي بتعليقاتك لنفسك.
هدى تستجمع قوة خارقة من البرود:
- لا ليست كذلك ..لكن من أخبرك؟
- العمة!
(يا لوقاحتك يا أخي ..تستطلع أحوالنا من حماتك!)
استغرابها من حاله لا ينكر سعادتها لسماع صوته بعد هذا الغياب..
تنهدت وردت:
- كان هذا منذ وقت.. عانت رُعافا حادا وتعافت بالكامل من أسبوعين.
- آااااااه.. نطقها بارتياح.. إذن بلغي لها سلامي.
- سأفعل.
أنهت مكالمتها وبدأت أخرى
تعقد موعد ما بعد العصر للقاء صفاء، إكرام وليلى..
لامضاء وقت ممتع أولا
ولتناسي برود أخيها الأكبر وقسوة قلبه ثانيا.
...........
لقاء حميم بين أدفئ مدن العالم وأبرد عواصمه
الدار البيضاء و أوتاوا
اتصال عبر الحواسيب، تلك التكنولوجيا التي تتحمد السيدة صفية اللهَ عليها،
تتيح لها رؤية وسماع صوت ابنتها متى أسعفها الوقت..
...
- أنت لا تتخيلين مدى اشتياقي لكم..
- ونحن أيضا..أنا وأخوك!
- أووووووه ..لا.. لا.. لا تخبريني أن كريم عبر عن عواطفه الجياشة ككل مرة!
تضحك الأم وبحب كبير ينبعث من عينيها:
- حبيبي لا يفترض به أن يعبر لنا حتى نفهم أننا أغلى ما لديه..
- لا تأخذي كلامي على محمل الجد يا
سيدتي الموقرة.. أمزح أمزح!
- كلميني عن خالد..
- خالد يستعد لامتحاناته.. لكن تصرفاته المراهقة أتعبتني.
- ماذا حصل للغالي ابن الغالية؟
- لا شيء بالتحديد ..إنما كل شيء يفعله يزيد من جنوني..
- لا بأس يا ابنتي استحمليه فتلك فترة انتقالية وكما تعرفين من الصعب الحفاظ على الأصالة وسط مجتمع سريع التحولات .. المهم أن لا يتعدى حدود الدين أو الأخلاق.
- أكيد وإلا كان أبوه لقنه درسا..
تبعد خصلات من شعرها: - دعكِ من كل هذا، ألم تلحظي شيئا مميزا؟ (وتصر على كلمة مميز)
تبتسم أمها بحنان: - تسريحتك جميلة يا حبيبتي..
- التسريحة فقط؟
- و وجهك كإشراقة شمس في قلبي.
تضحك نسيمة ضحكات متواصلة
- ما بك تضحكين يا بنيتي؟
- لأنني أشبه إشراقة شمس ....في حين...
هههههههههههههه
... يبدو إبنك المبجل كخسوفها!
.......
...
ما أحلى التسوق
حين يجمع بين أربع شابات..
مليئات بالحيوية
يتنقلن من محل لآخر
تماما كالفراشات
هكذا هي هدى ورفيقاتها الثلاث
منذ العصر وحتى الآن
صلين المغرب بأقرب مسجد وهاهن يجلسن بمقهى يطل على الشاطئ
حواراتهن ممتعة
وابتساماتهن غير منقطعة
ولكن المنغصات تحضر أينما حلت وارتحلت البهجة
ذاك الإحساس الخفي
ذاك الشعور الطبيعي
تلك الحاسة الإضافية
بعدم الراحة
بعدم الاطمئنان
بالتوتر في الجو
باحتقان المدار
هدى تحركت حاستها السادسة
بأن عيونــــــا ترصــــــــدهــــــــا!
أحلامي خيال