كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم
اليوم يوم الخطبة
أتمنى يروقكم الجزء
اعذروني لأني في شدة التوتر هاته الأيام
فسامحوني إن كان مني أي قصور
أهدي الجزء اليوم للقارئة الرائعة
القارئة المميزة
أهديه لـــــــ: أحلام الوادي
الجزء العشرون
استندت سهام للحائط الداخلي وأعصابها فالتة تماما..
لماذا أضعف هكذا ومن المفترض أن أظهر له القوة والرفض..
كنت أكيدة من أنها تمثيلية وهاهو قد استدل على ذلك بحركته تلك وقبلها دخولي لأغير ثيابي ونظارته المريبة لي..
هو لم يكن هكذا يوما!
حاولت الاسترخاء ونسيان أمره ولو قليلا ثم صعدت الدرج بعد لحظات...
......
...
عمر على الجانب الآخر بعد أن أنهى اتصاله مع صديق،
بقدر انزعاجه من تهرباتها الكثيرة منه ومن مناقشته..
بقدر انتعاشه من فكرة تأثرها بقربه..
كلاهما يعيشان شعورا جديدا..
مغايرا جدا..
يكتشفان أحاسيس لأول مرة..
أحاسيس كانت خامدة لمدة سنتين..
كان عمر فيها مكتفيا بنظراته وحنانه وبتحسيسها بمدى حبه عبر تصرفات عامة جدا.. متسعة الآفاق معقدة..
بدل أن تكون بسيطة محددة..
وعلى أهميتها.. (تلك التصرفات) إلا أنها لا تسد رمق شاعرية المرأة،
ولا تسقي تعطشها للغزل وجميل الكلام،
ولا حتى تغذي ذاك الافتقار البشري لحنان ملموس ومسموع في آن!!
لكل هذا..
دار بباله مسار انقلابي ..
فماذا ينوي وإلى ما يصبو مساره هذا؟؟
.......
...
بعد خمس دقائق وصل كل من محمد ثم سعد برفقة عمه على التوالي..
فشغر الرجال مكانا مقررا لهم من الصالة وبدأوا تجاذب أطراف الحديث في انتظار البقية..: الخاطب مع عائلته وعلاء الذي أوكلت له هدى الكثير من المهام.. آخرها اليوم هو إحضار طلبية العشاء ذات الطابع المغربي العريق (البسطيلة بأنواعها وكذا المشويات..)..
وشغرت النسوة الطابق العلوي..
هدى ووجهها للمرآة لا تقوى على الجلوس من شدة التوتر.. تضع كحلا أسود كان كافيا جدا لإبراز أنوثة صافية مغرية..
وجهت سؤالا لسهام الجالسة على السرير بشيء من السرحان:
- لماذا لم تحضري آدم؟.. لقد اشتقت له ولملاعبته!
سهام بدل الإجابة فزعت:
- امممم!!
ابتسمت هدى بذكاء فهي تفهم أي شيء استدعى من أختها هذا السهو:
- سألتك عن السبب الذي دعاك لإقصاء آدم من الحضور..
سهام تستدرك ببعض الأحراج:
- سيقضي الليلة مع حماتي.. لا يمكنني جلبه ولن أقدر على التوفيق بين مراقبته واستقبال ضيوفك..
هدى وهي تمرر القلم بإتقان بين جفونها:
- أهااااااا... أخبريني ما الذي جد بخلافك مع عمر؟
سهام تغير دفة الحديث وتسأل بخبث:
- أنا من يجب أن تخبري.. كيف يبدو هذا الذي جعلك تتنازلين عن أفكارك العنصرية الشاذة تجاه الرجال!
تفاجأت هدى من السؤال ومن النبرة الغريبة بصوت سهام، ارتعشت يدها فما أدى ذلك إلا لإخطاء قلم الكحل مساره وسط الجفن وسلوكه طريقا سدته عليه الحدقة ليرتطم بها فتتألم عينها..
وبتوتر مفضوح بعين مغمضة وأخرى مفتوحة:
- إن......إنه مختلف...مختلف تماما عمن تعاملت معهم من رجال.. بكل حياتي!
(وبقلبها رددت: أسوء منهم جميعا وأوقح بكثيــــــــــــــر يا أختي!)
سهام شابها الفضول فاستفسرت منها:
- إذن كيف هو؟ كيف يفكر؟ ماذا تعرفين عنه مثلا؟
ابتعدت هدى عن المرآة وجلست بجانب أختها.. أطالت النظر بوجهها قبل أن تجيب وهي تحاول تمسح على عينها:
- أعرف الكثير عنه.. وكل ما أعرفه يؤكد أنه الزوج المناسب والاختيار الصائب!!
.........
....
بالصالة،
الأحاديث مستمرة بين الرجال..
سعد يميل لأذن محمد بهمس:
- لم لم تأت لمياء معك؟ هل هي بخير؟
محمد بتمويه وهو يتوقع هذا النوع من الأسئلة:
- بخير بخير!
سعد ببعض الاستغراب:
- ولم لم ترافقك إذن؟
محمد يحاول سد باب النقاش أجاب باقتضاب شديد:
- لديها الكثير من الارتباطات فلم تستطع المجيء.. (قالها وهو يعلم أنه لم يكذب بشأن ما تضمنته جملته من معنى.. فالارتباطات التي قصدها تعد منزلية لا جمعوية كما تخيل أخوها أو كما قد يظن أي كان من أهلها أو معارفها...)
سعد بشيء من الأسف وكثير من الاستسلام للفكرة:
- لا بأس إذن!
........
....
كريم، نسيمة، وأمهما..
أمضوا رحلة طويلة نوعا من الفيلا الفخمة وسط الحي الراقي إلى بيت عادي جدا بحي من الأحياء الشعبية.. لا تظهر عليه أية علامة من علامات الغنى بكل درجاته..
بهتت نسيمة فعليا وهو يتوقف إعلانا لوصولهم..
استفهامات كثيرة شلت تفكيرها..
أخي أنا.. يرتبط بامرأة من حي مماثل؟
لا!
لا!
يبدو أن أمي كانت على حق!
كريم لم يقرر الزواج رغبة في الزواج وحسب إنما رغبة فيمن اختارها!
لم أتوقع يوما أن ينزل عن عرشه السرمدي وتساميه المغرور ليقرر التعرف على أماكن من هذا النوع والمستوى!
كم أنا متشووووقة للتعرف إلى من أرغمته على هذا التواضع العميق والغير مفهوم!
كريم يناظرهما من المرآة قطع آخر خيط نسجه خيالها بهدوء استفساره:
- ألن تنزلا؟
السيدة صفية بتساؤل وتعجب:
- ننزل؟
كريم بعين النبرة الهادئة:
- أجل.. وما به هنا؟
سأل بشيء من الهجومية حتى لا تحاول إحداهن التعليق بما لا يعجبه فيثور عليهما معا..
نسيمة تتدخل بلباقة للحد من شرارات كريم المنبعثة:
- هيا يا أمي دعينا ننزل.. لابد وأن الناس بانتظارنا!
ردت السيدة صفية بثبات:
- أكيد!
ترك كريم مقعده وفتح لهما الباب في الوقت الذي حمل الهدايا الموضوعة بصندوق السيارة الخلفي بعد أن أجرى اتصالا برقم البيت ليقوم أحد باستقبالهم..
..فاستغلت الاثنتان انشغاله وتكلمتا بخفوت:
- متحمسة يا أمي لأراها وأتعرف عليها! من التي دفعته للزواج بعد أربعة عقود من العزوبية!
السيدة صفية بعتاب ضاحك:
- أربعة عقود!! إياك أن تمزحي بهذا الشكل أمام عائلة العروس وإلا رفضوا منحنا ابنتهم خوفا عليها منك ومن جنونك!
نسيمة بنفس النبرة وابتسامة تملأ محياها:
- ألن يكون هذا أحسن للعائلتين؟ على الأقل هم لن يضطروا لنسب ابنك الـــ...
قاطعهما خروج سعد من البيت وتوجهه نحوهم:
- مرحبا.. مرحبا.. تشرفنا زيارتكم!
تقدم لكريم وسلم عليه ثم ألقى السلام على المرأتين بأدب..
كريم سحبه لجهته وسأل بصوت واثق:
- هل يمكن لإحدى أخواتك مثلا أن تصحب الوالدة وأختي لمجلس النساء؟
سعد فهم مغزى السؤال وأنه طلب أكثر منه سؤال:
- أكيد! تفضلوا لداخل البيت أولا!
اتصل بسهام لتنزل على وجه السرعة وتستقبلهما ولكنها استغربت:
- عن أي مجلس تتحدث وليس هناك غير الصالة تجمعنا؟
- هو لا يريد لأهله أن يختلطوا بأغراب!
فهمته سهام ولكن هدى المتابعة للحديث لم تفهم بعد.. أنهت الاتصال فسألتها وهي تلف حجابها كآخر مرحلة من التهيؤ:
- ماذا هناك؟
- يبدو أن خطيبك رجل محافظ!
غمزت لها وانصرفت دون أن توضح لها شيئا فاستغلت الوقت لإخبار أمها بوصولهم بينما ترافق أختها الضيفتين..
........
...
سهام تنزل الدرج بترحيب كبير وقد اعجبت بالسيدتين من أول نظرة، وجهاهما ييبدوان مألوفين وقريبين للقلب:
- أهلا أهلا ومرحبا.. زارتنا البركة!
- بارك الله بك يا ابنتي!
أجابتها السيدة صفية بود فأشارت سهام لبقية للدرج المؤدي للطابق الثاني:
- تفضلا تفضلا من هنا!
تبادلن السلام وبقية الترحيب والسؤال عن الصحة في حين كان كريم يتقدم سعد وبين يديه عدد من العلب فتمكنت من لمحه بطرف عينها وهي بطريقها للأعلى..
كانت السيدة حبيبة باستقبالهم هي الأخرى بينما هدى ما يزال التوتر سيد موقفها لهذا صلت استخارة جديدة تهدئ من روعها وتحسسها بارتياح نسبي!
السيدة حبيبة بعد السلام الطويل والاستقبال الودود واحساس بتقبل كل من الأطراف للآخر:
- تفضلا! ألف مرحب! صحيح أن البيت متواضع ولكن نوركم أعطاه جمالا!
نسيمة بأدب:
- يا خالة.. جوهر البيت أهله وأنتم أحسن أهل!
- من ذوقك يا ابنتي!
كان لابد للسيدة صفية استخدام العبارة المغربية المأثورة بكل خطبة على مر الزمن:
- جينا طالبين ضيف الله! ( أي نتمنى لو نحل ضيفا من ضيوف الله عليكم ...وهو امتحان غير مباشر لكرم أهل العروس وحبهم للضيافة!)
فما كان من أم هدى إلا الابتسام بشفافية:
- مرحبا بضيف الله.. تفضلا بالجلوس!
بعد بعض الوقت دخلت هدى بطبق من التمر وكؤوس الحليب، ألقت السلام ثم اقتربت فوضعت ما بين يديها على الطاولة،
السيدة صفية بحب:
- العروس؟
هدى تحاول الابتسام، فلما سقط بصرها على المرأتين ومدى نعومتهما وشفافية واضحة بملامحهما، تشابه كبير بين صفية وابنتها وروح من الجمال تسري بعروقهما لتعطي لكل سماحة وجه وبشاشة غير طبيعية،
انحنى رأسها دلالة على القبول في حين حضنتها صفية بعمق كما لو كانت ابنتها تماما دون أي تكلف أو تصنع:
- تشرفت بك عزيزتي!
نسيمة بدورها احتضنتها وهي مبهورة بجمالها وحسنها فهمست بأذنها بمزاح:
- كنت أكيدة من ذوق أخي!
شعرت هدى بإحراج بالغ وأفلتت نفسها برفق لتجلس بين سهام ونسيمة وتتكلم بهدوء وصوت يكاد يسمع:
- تشرفت بكما أكثر!
.........
....
علاء وصل وجلب معه العشاء بعد ساعة...
تناول كل من الرجال والنساء العشاء..
تعرف كريم على طرفين جديدين وهما محمد وعم هدى..
استطاع كسب مناصرين جدد بلباقته..
ناقشهم وتحدث إليهم واستمع لهم بدوره وحان وقت تحديد الخطوط العريضة،
وجه كلامه للعم بثقة:
- نحن لن نختلف على أي من الشروط المادية يا عمي.. فنسبكم أغلى وأعلى عندي من كل التفاصيل!
العم ابراهيم برزانة:
- ونحن لا يهمنا إلا نسب الرجال وما دون ذلك فهو زائل!
ابتسم كريم وهو يوجه نظره للبقية:
- هل لكم أي اقتراح أو شروط؟
علاء الأصغر سنا بينهم والجالس جنبا إلى جنب مع كريم:
- بالطبع لا.. فمن يستطيع الاشتراط على حضرة الوالي..؟
كريم بنظرة أسكته:
- هذا من أبسط حقوقكم!
عمر بالنيابة عن محمد وسعد وهو يلمس في سكوتهما الموافقة:
- للعروس فقط الحق بذلك!
كريم بثقة وهو يحتضن يديه:
- إذن اسألوها شروطها.. فغدا إن شاء الله.. وبعد موافقتكم بالطبع، أنوي العقد عليها!
الكل اندهش،
لا أحد استساغ الخبر،
العيون تركزت عليه وحوله،
والأفواه كانت لديها الرغبة بالرد،
فسارع سعد بالسؤال:
- لم هاته العجلة؟ نحن في طور تعرف لحد الآن!
كريم بطريقته القوية التي لا تناقش ولكن بلباقة رائعة:
- ولم نؤجل وخير البر عاجله؟
كل شيء متوفر وكل طلباتكم مجابة.. وأنا أريد أختك على سنة الله ورسوله بأقرب وقت.. حتى يتسنى لنا بعد شهر من اليوم إقامة حفل الزفاف..
أرى أن لا داعي للإطالة وجر الأيام إلا إن كانت لديكم شكوك حولي وتودون السؤال أكثر عني!
أنهى خطابه وقد ضمن تأثير هذا الأخير عليهم فلم يجدوا بدا من سؤال هدى عن رأيها..
............
.....
هدى التي بالكاد تشارك النسوة الحديث، الذي صار حميما بأسرع مما تخيلت.. سهام ونسيمة من جهة والوالدتان من جهة أخرى، كانت بعالم آخر..
هي الآن تخطو أولى الخطوات لتدمير كريم،
أو بمسمى آخر لتدمير الذات!
والقضاء على أغلى الأمنيات..
لكن لا مجال للتراجع..
لا مكان إلا للصمود والثبات في الرأي والموقف..
فاجأها علاء الذي لا تسمع غير صوته:
- هدى أيمكنك المجيء لبعض الوقت!
اكتشفت أنه يتوارى خلف الجدار منعا لإحراج الضيفتين:
توجهت له في ارتباك أخفته بأعجوبة وبصوت خفيض سألته:
- ها أنا قد جئت.. ماذا لديك؟
علاء ابتسم وهو يقرص خدها:
- أهناك من عروس تكلم أخاها بهاته الطريقة؟
هدى وأعصابها على نار هادئة انزوا حاجباها وسألت من بين أسنانها:
- حسنا يا علاء .. يا أخي الحبيب والغالي.. ماذا لديك لتقوله؟
علاء بشيء من الجدية وبنظرة حنونة:
- كريم يسأل..
سمعت اسمه فأحست بهبوط بالضغط لكنها حافظت على برودها ليكمل علاء ببساطة:
- يسأل عن مدى موافقتك لعقد قرانكما غدا!
مع تحيات أحلامي خيال!!
|