كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم جميعا
تحية عطرة صافية من قلبي لقلوبكم الرقيقة
جزء اليوم جزء مليء بالأحداث أتمنى يعجبكم
أهديه حصريا وأتمنى أن تقبل هديتي علا بساطتها لــــ:النصف الآخر
الجزء الثالث عشر
هدى مصعوقة، مصدومة، مخنوقة،
تحس أن حرارتها تعدت الأربعين،
أن كل من يقترب منها لابد وأن يصاب بعدوى توترها،
تحس بدوار،
فالأرض تلفها لفا،
وقدماها لا تسعفانها للوقوف،
ولا تعلم كيف صعدت الدرج وهي تستند للحائط بعد أن اعتذر سعد بأشغاله وانصرف،
لم يمهلها لتقول أنها تكرهه،
أنها لا يمكن أن توافق عليه أو تتفق معه في شيء،
أن الخبث إن تجسد روحا في جسد إنسان أخبث فلن يُكَون سوى كريم،
بالطابق الأول لمحت أمها جالسة بالصالة،
اقتربت منها ببطئ والزلازل تزلزل كيانها:
ابتسمت أمها ابتسامة سعادة واسعة:
- أهلا بعروستي الصغيرة، أخيرا!!
بلعت ريقها لأن أمر المصارحة صار أصعب من ذي قبل نظرا لابتهاج أمها إثر الخبر:
- مساء الخير أمي!
بود: - مساء النور والورد والرياحين، كم أنا سعيدة لقرارك الزواج أخيرا،
ألهذا كنت ترفضين كل من تقدموا لك آخرهم صلاح؟ لك حق طبعا فالسيد كريم لا يماثله أي كان، ثم لا أنسى هديته لك البارحة!!
بهذه الأثناء لاحظت هدى باقة الورد والشوكولا الكبيرتين على الطاولة فتنهدت:
- أمي أنت لا تفهمين...
- أنا أفهمك حبيبتي، لا يمكننا لومك فشباب اليوم يتعارفون قبل الزواج والأمر صار معتادا.
جحظت عينا هدى:
- لا يا أمي.. ما أقصده هو..
- لا تقلقي أنا واثقة من أخلاقك يا حبيبتي!
سألت هدى بعدائية:
- إذن أعجبك العريس؟؟
- جدا جدا!!
انتفضت هدى فما عاد بوسعها الصبر أكثر:
- سأصعد لغرفتي!
قالتها وانصرفت في حين ابتسمت أمها:
- يبدو أن صغيرتي خجلة!!
....
..
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه منك يا هذا الكريم لو أستطيع أن أقتلك لما تهاونت لحظة..
يا ربي ما هذا الإنسان منعدم الإحساس!!
يبدو أن الوالدة وسعد معجبان به أشد الإعجاب ..
كيف أقنعهم الآن برفضي.. كيـــــــــــف؟؟؟؟
....
..
لمياء بهاته اللحظات، ممددة على سريرها بعد أن تحسن حالها كثيرا،
صلاح في ضيافتها،
زارها لموضوع خاص إلى أن فوجئ بمرضها والذي مازلت تصر على أنه ألم اعتيادي لا يدعي أي قلق..
صلاح يتخذ مقعدا بعيدا بعض الشيء جنبا إلى جنب مع أخيه محمد، تكلم باحترام:
- أتمنى أن وضعك تحسن!
- أجل أحسن بكثير..
محمد تدخل في الحوار:
- إنها عنيدة وترفض زيارة الطبيب!
قاطعته بما معناه ليس الأمر من شأنك فهاته صحتي الخاصة.. وبنظرة لائمة:
- تعلم أنني أكره الأطباء!
محمد الذي لا يستحمل معاملتها الغير محترمة لكيانه كزوج تكلم بسرعة وهو يتحجج:
- سأطلب من الخادمة أن تهيأ لنا شايا!
وافقه صلاح ووجدها فرصة للكلام بعد عناء الصمت، تابع أخاه وهو يغادر الغرفة، تنحنح وسأل بأدب:
- لمياء..أنت تعلمين أننا بمثابة الإخوة..
لمياء أحست بفضول في نبرته فشجعته :
- ألديك شك بذلك؟
ابتسم لها (ابتسامة واثقة، لا يمكن أن يقال عن صاحبها إلا أنه شديد الجاذبية، لا يشبه أخاه كثيرا، ولأنه كان مستثمرا بإسبانيا فلم يستطع الأغراب يوما التفرقة بينه وبين أهل البلد نظرا لوسامته المائلة للعرق الأوروبي الأشقر):
- بالطبع لا!
استمر بتحفيز منها:
- ألاحظ أن أختك هدى تتهرب من مقابلتي.. والحقيقة أن تهربها يزيدني شوقا للتعرف عليها.. أنا لا أود إحراجك إنما ما رأيك أن أجرب التقرب منها دون تدخلك المباشر- مع احترامي وامتناني لك طبعا- ولكني أود اكتشاف انجذابها لي أو عدمه منها شخصيا ومباشرة..
لمياء بلؤمها لم تحتج أن يشرح لها أكثر:
- ناولني جوالك لأحفظ به رقمها!
كانت قد قفزت لعقله فكرة أخرى:
- وماذا عن عملها؟؟
ابتسمت له: - سأمليك عنوانه!!
.....
بغرفتها،
هدى تشبك يديها وتكاد تبتر أصابعها من كثرة الشد عليها،
تصرف صبياني محض،
يضعني أمام الأمر الواقع،
هل سيغصبني على الزواج؟
كما غصبني على الخطبة؟
هل يعتقد بهذا أنه أخرسني للأبد؟
دخل علاء ليقطع عليها تفكيرها الساخط:
- أهلا بالعروس
قالها وقد أضاف لنار جوفها بنزينا محفزا لزيادة الاحتراق،
مازالت صامتة وهي تتابع دخوله، إغلاقه الباب وجلوسه جنبها على السرير والبسمة تملؤ محياه..
وبمزح:
-والي الأمن شخصيا؟ لن أنكر أنه وسيم، حتى أنه ليكاد يشبهني...
ابتسمت غصبا من بين غضبها:
- ألهذا وافقتم عليه؟
- لا ليس لهذا فقط بل لأنه إنسان مميز، واثق، راق في أقواله وأفعاله..
استغربت من طريقة كلامه:
- أها!!... يكفيك تغزلا به.. لا تقل أنك اكتشفت كل هذا بجلسة واحدة؟
- ومن قال أنها واحدة
فتحت عينيها اندهاشا وأكمل:
- لا لقد سبق وقابلته..
- قابلته؟؟؟
- أجل.. يمكن أن تصفينا بالأصدقاء!
بسخرية تخبئ استغرابها:
- أصدقاء؟
ضحك علاء مطولا:
تذكرين حين ألحيت عليك في السؤال عمن أخبرك عن تورطي.. (تابعت باهتمام).. لقد رفضتي إخباري.. لكن منقذي يوم السهرة المشبوهة، وهو السيد أسد، أعاد الاتصال بي منذ أسبوع وطلب مني أن ألاقيه فوافقت طبعا..
إنه شخص ناضج وواع لأبعد الحدود .. وقد صارحني برغبته الزواج بك..
...
واعتراف من طرف أخ آخر!!
إنه كمن يستعمل أضوائي الخاصة لإنارة طريقه هو، يسرق اهتمام عائلتي ويقلبه ضدي!!
استمر علاء يحكي لها عن كيف عرفه على أشخاص مهمين وكيف ينصحه ويرشده كما لو كان أخاه تماما.. وأنه اليوم اتصل به وبسعد يستأذن زيارة البيت في وجودهما.. هدى تندهش أكثر وأكثر.. وتفتح ثغرها وعينيها انفعالا مع معلومات شقيقها الطاعنة،
كم هو قريب من علاء؟؟
والآن دمر كل الحصون وغزى عائلتي بكل أفرادها..
خططه جدا مدروسة، يتصرف بدقة متناهية..حتى أنه استغل غيابي لصالحه.. لن أنكر أبدا أنه شديد الذكاء..
حال خروج علاء بعد محاضرة طويلة تضمنت إعجابه واستلطافه لشخص لا تجد فيه هي أدنى شروط اللطافة والأدب ("لا زين لا مجي بكري": مثل مغربي يوصف به من تنعدم عندهم الإيجابية شكلا ومضمونا!!)
وكمن فاجأته فكرة خيالية:
رقمـــــــــــــــــــه..
أجل.. علي الاتصال به لأسمعه ما يسعى لسماعه..
.....
..
كريم توجه لبيت العائلة مباشرة لأنه لم يزر أمه منذ صباح البارحة الباكر.. وثانيا لأن أمه أصرت على مرافقته لاستقبال ابنتها وحفيدها مع بزوغ الفجر.. فهو مضطر للمبيت عندها.. اطمأن على أحوالها وتحدث لها مطولا.. بعد أذان العشاء توضأ وصلى فرضه بالمسجد القريب ثم قرر الاستحمام بغرفته القديمة والتي مازالت تحظى بعناية كبيرة بأمر من السيدة صفية حتى وإن ندر استعماله لها..
لم يكن قد أنهى حمامه الدافئ الذي طال على غير العادة فإذ به يسمع رنين هاتفه بوسط الغرفة..
أحاط بخصره فوطة فتوجه للغرفة.. حمل جواله وأجاب بهدوء:
- نعم!
جاءه صوت نسائي رائع وساخر:
- أنعم الله عليك يا خاطب الغفلات!
ابتسم كريم وتوجه للشرفة المفتوحة والمطلة على الحديقة..
- آمــيــــــــــــــن!
هدى التي ينهشها الغضب:
- كريم.. هل تدرك معنى لعبتك هاته؟ أنا لن أوافق لأنك فقط تضعني أمام الأمر الواقع!
سألها ببرود:
- لا؟
بتحدي:
- أبدا!
كان مستمتعا بإغاظتها وهي تحوم وتحوم بأركان الغرفة، تركل الكرسي برجلها تارة.. وتكاد تقع لتعثرها بحافة السجاد تارة أخرى..
- وإذا استعدي للأسوء لأن هذا ليس ردي النهائي.. هاته كانت مقدمة بسيطة..
- يعنـــــي؟
سألته وقد صارت على حافة الانهيار، لكن الجواب أتاها مغايرا، مخالفا، صادما،
كريم الذي لمح أمه على الطرف الآخر من الشرفة.. لأنه لا يفصل غرفتيهما غير حائط والتي من المؤكد تسمع كلامه بوضوح، أجاب هدى بنبرة رجولية دافئة:
- يعني أنني أترقــــب لقياك.. وأنني جـــــدا مشتـــــــاق!
جمدت ملامحها بل وجمد الدم في عروقها.. بلعت ريقها بصعوبة.. تغير نبرته المفاجئ بقدر ما أعطاها دليلا على أن هناك طرفا ثالثا بالمكالمة بقدر ما أخل توازنها.. لكن صوتها أتى حازما:
- مشتاق لماذا؟
بذات النبرة القاتلة المذيبة لأعتى النساء:
- لك طبعا!
هدى بغضب:
- كريم توقف عن طريقتك الغريبة.. هل هناك من يسمع كلامك؟
اعترف كريم بذكائها بينه وبين نفسه فابتسم:
- أكيد!
قالت مستنتجة:
- وهو بالطبع يسمعك وحدك؟
- أجل!
- إذن أعطني فرصة لرد بعض الاعتبار مما فعلته بي..
يجب أن تفهم أن لا تقربك من عائلتي ولا ادعاءاتك ستصد رفضي!
يبدو أن صوت صياحها علا أكثر من اللازم ولابد وأن أمه المستمتعة بالتصنت دون تكلف حيث تقف بثقة وهي تستمع لحواره.. قد تكتشف أن ابنها يهان من امرأة..
قال بود:
- أشعر بالبرد.. انتظري حتى أدخل!
- ومالي أنا وما للبرد؟
سألته بهجومية وهو يدخل فعلا ويغلق نافذة الشرفة..
- لأنك قاطعتي استحمامي يا آنسة!! (من نبرة صوته الجافة اللائمة فهمت أنه لم يعد مراقبا)
- استحم إذا من يمنعك من ذلك؟
بشبه صياح:
- حضرتك!
تنهدت قبل أن تقول:
- كريم، أنا اتصلت بك لسبب واضح ومحدد.
- وهو؟
- وهو أنك يجب فعليا أن تختار لك زوجة غيري.. فطباعنا أصعب من أن تتوافق..
-وأنا اخترتك وانتهيت ولا أنت ولا غيرك سيحيدني عن قراري هذا..
- أنا لا أسمح لك بالتقرير عني..
- تصبحين على خير!
- كريــــ...
قطع الاتصال ردا على إغلاقها الخط بوجهه أول مرة وما سببه له من مخلفات من بينها مثلا مفاصل يده اليمنى التي انغرس بها زجاج المرآة والتي لولا العناية الإلهية لكانت قطعت شرايينه من قوة إصابتها..
....
هدى من ناحيتها تود لو تنقض عليه،
لو تغرس أظافرها بجسده،
هذا المتوحش بدأت تعديني وحشيته..
حسنا يا كريم احتفظ بقرارك،
وأنا احتفظ بقراري،
سأسافر لأنسى وجهك البائس،
وحال عودتي أعلن تغيير رأيي بك،
وليكن ما يكون!!
.......
..
ليلا..
سهام وعمر:
عمر بعد عودته من المسجد زار الصغير بغرفته، وجده نائما فقرأ على رأسه بعض الأذكار وما تيسر من القرآن الكريم ككل ليلة إن هو تواجد بالمنزل في غير أوقات الحراسة الليلية بالمستشفى..
كان قد لاحظ رسائلا جديدة بجواله من رقم غريب ولم تتح له الفرصة لإخبار سهام بالأمر بعد ما استجد من أمر سفره..
توجه لغرفتهما، فتحها بمهل فوجد أن سهام ماتزال مستيقظة، ألقى التحية، غير ثيابه وتمدد بجانبها..
ناداها بصوت منخفض:
- سهام؟
- اممم...
أجابته بنفس طريقته
- صليت؟ سألها تهييئا لموضوع آخر.
- أجل فور خروجك!
- أتعلمين شيئا؟
- ماذا؟
سألته بهدوء وقد نسيت أمر الرسائل تماما:
- وصلتني رسائل من مجهول!
تجمدت أطرافها وصعبت عملية تنفسها:
رسائل من أي نوع؟
- يعني...
- اهه!
(تحفزه على الكلام وهي أكيدة من جوابه)
- رسائل على جوالي.. رسائل إعجاب يبدو أنها من امرأة.
اعتدلت جالسة باهتمام واضح بما يحتمه عليها الموقف..
-إعجاب؟؟
- أجل..
من بينها مثلا..قال بتردد وهو يشيح بنظره عنها ومفكرا:
نظرة منك بعيني التقت،
لتبدل التاريخ علي تبديلا..
همسة منك في أذني دوت،
لتجعل جسدي بعدها عليلا..
بسمة منك على الفاه بدت،
لترسم للحزن إلى قلبي سبيلا..
رائحة عطرة منك فاحت،
لتزيد الطير تغريدا والحمام هديلا..
قبلة منك على شفتاي حلت،
لتسقطني في ساحة العشق قتيلا!
كانت هاته من بين الرسائل الثلاثة التي أرسلتها له سهام خلسة ودفعة واحدة..
الغرض منها أنه سيخبرها بأمرها كما يفعل الآن تماما فتثور في وجهه وتشكك في وفائه حتى يؤكد لها أنها الوحيدة في حياته ويعلن لها عما يجب إعلانه،
ومن جهة أخرى تحاول أن تعطيه أمثلة عما قد يدور من كلام أو شعر أو غزل بين رجل وامرأة فيتعلم منه ولو ما تيسر،
فنفذت التالي كما كتب له أن يكون بمخططها منذ البداية:
مثلت نصف الغضب أما النصف الآخر فكان نابعا طبيعيا من حفظه لذاك الغزل حفظا لا نقص فيه:
- ومن هي هاته التي تتغزل بك يا عمر؟؟
أجابها بما لا يتوافق مع خطتها، بما كان خارجا عن استعداداتها، بما هو فوق تصوراتها.. بما زعزع الأرض تحتها.. أو زعزعها هي فوق الأرض، لا تدري..
عمر بصوت هاادئ لأبعد الحدود:
- أظنها زميلة لي!
- ماذاااااااااااااا؟؟؟؟؟
كانت فعلا مصدومة وخرج السؤال من بين الشحوب الذي لامس وجهها:
- هل أنت بخير؟
سألها باهتمام مبالغ
عيناها جاحظتان وريقها جاف فيستعصى عليها النطق مهما حاولت، والحروف وقفت بحلقها فخنقته،
ناولها كأسا من الماء، أفرغه بجوفها وهي ماتزال وسط لجة من الحيرة وعدم الفهم، وبعد عناء سألته بصوت مبحوح:
- بخير.. قلت زميلة؟
أجابها باطمئنان:
- أجل.. أبانت عن إعجابها بي أكثر من مرة.. هي متدربة جديدة ويبدو أنها أخيرا حصلت على رقمي!
هكذا إذن.. لديه معجبة،
يتوقع أن ترسل له رسائل من هاته العينة،
ويحفظ سطور غزلها وهو حافل بانجازه...!!!
هل انقلب سحر سهام عليها؟
هل حان الوقت لتدفع ثمن استبدالها حياة الرتابة بحياة مليئة بالأحداث والضجة؟؟
هي فعلا ضجة هاته التي تقرع رأسها قرعا..
فتحيله لرماد أسود لا دلالة له ولا معنى!!!
أحلامي خيال
|