كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
سأؤجل اعتذاراتي على التأخير..
وتعبيري عن مدى اشتياقي لكن..
أسفي على ترككن تنتظرن طويلا..
وسأدخل بصلب الموضوع ألا وهو جزء اليوم
ان شاء الله أعود للتعليق على تعليقاتكن
وشكر اهتمامكن
سامحنني!
واستلمن!
الجزء السابع والأربعون
الثامنة صباحا،
أمام كبرى شركات الديكور المنزلي والهندسة البنائية،
ترك السيارة ووقف بكامل أناقته يشدد قبضته على الحقيبة التي تحتوي معظم مستنداته الخاصة، محملة بما طلب منه إحضاره وحتى ما لم يطلب،
ربما لو كان الظرف غير الظرف.. لكان الواقف لم يجلب شيئا من هذا، لم يهتم للوظيفة ويتحمس كل هذا الحماس..
بل ولم يكن ليحضر من الأساس!
إنما هذا الجد والاجتهاد المفاجئ..
هذا الإصرار على عمل عجز عن تفسيره تفسيرا صحيحا إلى أن صار بينه وبين نفسه يحاول تأويل الأمر بمنطقية الاعتماد على النفس وتأمين الحياة بدخل قار.. ولكن ماذا وراء البحث عن الاستقرار المادي؟
وماذا بعد ضمان الوظيفة؟
هل لهاته العناصر سبب خاص بها..
دافع تعمل على حجبه عن عيني وعقل صاحب الدوافع قبل عيون وعقول غيره من المحيطين به والمستغربين من شروعه ببناء الذات!
رتب شعره، المرتب أصلا، بيده الحرة.. وتقدم خطوات فقط ليبلغ مدخل المؤسسة.. حيث يفتح له المستقبل الأبواب وتشرع له الروح العملية ذراعين واسعين..
................................
.............
السابعة والنصف،
الرباط العاصمة،
يخرج محمد من الحمام المنفصل عن غرفة النوم بعد أن غير ثيابه استعدادا لترك المنزل والتوجه من فوره للبيضاء حيث مقر عمله.. دخل الغرفة على عجلة.. مستغلا انشغال لمياء بتناول الإفطار.. متسللا أكثر منه داخلا بشكل طبيعي.. فإذ بظنه يخيب.. وإذ بلمياء توليه ظهرها ويدها على أسفل بطنها تداري ألما ما بينما انحناؤها للأمام يؤكد ذلك..
فكثرة الحركة شيء غير مسموح به لها لحد الآن..
إلا أن مللها من التزام السرير دفعها لتركه لبعض الوقت في محاولة إفطار.. لاقت فشلا كبيرا في تناوله .. فالشهية خذلتها ما إن تراءى لها برود متقن مرتسم على عيني زوجها.. يغدقها بجفافه المتناهي.. ليس بقاس.. لكنه غير مهتم لما هي فيه من عناء ووحدة..
لذا تركت الأكل لحظات بعد انصرافه وهمت بأخذ جرعة دوائها الصباحية.. إلى أن فاجئها بعض المغص..
وقف كلاهما لحظات من ألم..
لا تلحظه ولكنه يراها..
أحزنه منظرها الضعيف.. يكاد لا يذكر لها انحناءة كهاته.. ولا عناء كهذا.. أين هي من شموخها القديم.. وتباهيها بكمال الصحة والجسد.. ألم يبتر من كمال جسدها ذاك قطعة حتى تسلم بقيته!
ألم يقتطع من شموخها ذاك أعظم عنصر وأهمه وهو قوتها الزائفة..
تثير شفقته بكل ما للشفقة من معاني.. ولكن ماذا غير الشفقة؟؟
صدرت عنها أنّة خفيضة.. واستندت للمنضدة تتقي انهيارا أو سقوطا قد يفاجئها من شدة التعب في غفلة تماما من اقترابه.. حيث.. ومع انكماشها.. اتجه ناحيتها بخطوات سريعة إنما لا تسمع نظرا لغوص حذائه بنعومة السجاد.. صار على بعد خطوة فقط وهي منكب نظرها على يدها الساندة.. تعض على شفتها مستدركة أي صرخة مجنونة لا إرادية.. تداري وجعها.. غير عالمة أنه وجع مفضوح لدى من تداريه عنه..
مد ذراعه لكتفها.. يريد احتضان هذا الضعف.. يود امتصاص الحزن الذي بان على جانب طفيف من محياها..
صار أكثر قربا..
يجيل عينيه بها وقلبه يكاد يتمزق..
انحنى مثلها ليلفها بحنانه..
لكنها استقامت فجأة..
الألم العارض انقضى..
ومحمد المتحفز تراجع بسرعة للوراء..
وبحركة واحدة التقط هاتفه من على الجانب الآخر من المنضدة ذاتها.. متظاهرا بدخوله للتو..
ارتاعت لمياء للحظة من وجوده الغير منتظر..
وبان على وجهه ارتباك أخفاه وهو يشيح بوجهه للجانب الآخر..
نطق بعد جهد.. بعد أن نفض جزعه عليها..
وصار أكثر تحكما بنبرة صوته وبتفاصيل ملامحه..
متسائلا برتابة وبساطة.. أو مخبرا أكثر منه متسائلا:
- ظننتني وضعت محفظتي هنا أيضا!
لمياء تجلس على السرير مستردة أنفاسها التي تعالت خوفا من إمكانية مشاهدته لمكابدتها منذ برهة..
لتجيب دون أن ترفع عينها له متحاشية نظرته الباردة:
- احم.. لم يصادف أن رأيتها.. لا أمس.. ولا.. (منعتها وخزة جديدة من الكلام ثم استرسلت بصعوبة).. ولا اليوم..
لم يغفل عن تغير نبرتها.. وحالما صب اهتمامه على انفعالات وجهها.. أشاحته بقوة متظاهرة بتناول كيس الدواء من الرف القريب..
ومستعجلة بفرز حبة من العقار وابتلاعها.. ثم أخذ جرعة كافية من الماء.. كل هذا قبل أن تسترسل بشكل طبيعي:
- إبحث أكثر!
محمد يتذكر للتو أن محفظته بداخل جيبه.. ولكن ليس له أن يفضح أمر نفسه.. وقبل أن ينصرف للخارج (فقد شعر بتطفل غير مقصود من جانبه على خصوصية تحيط نفسها بها.. إنما قبل ذلك رن الهاتف ليخفف عن الأول حزنه وعن الثانية توترها..
على شاشته يتراقص اسم محبب للغاية على نفسه.. ابتسم محمد لسعادته بالمتصل، فسأل الجالسة بحذر:
- إنها أختي زينب.. لابد أنها تتصل من أجل أبنائنا.. فهل تودين مكالمتهم؟ (السؤال المطروح ورنة الحذر فيه راجعان أساسا لرفض لمياء –خلال الأيام الماضية- التحدث إلى أي كان.. حتى أبناءها لدى اتصالهم أو اتصال أبيهم بهم.. كان لها اختيار رافض بمرتين.. بينما المرات الخمس الأخرى كان يجريها أو يتلقاها محمد بمكتبه أو أثناء نوم لمياء على سرير المشفى..
انتظر جوابا طال إحجامها عنه..
وحدقت به طويلا بصمت..
كلمتان.. صغيرتان.. تجاذبتا روحها بعنف..
لتتغلب إحداهما على الأخرى..
تساءل محمد من جديد يطلب ردا.. فأتاه قاطعا الآن:
- لا!
هزته الخيبة هزا.. ولكنه لم يعترض بل استعد لمخاطبة المتصل.. فالتقط سترته وترك لها المكان بعد قوله:
- سنحصل على نتيجة تحليلات ما بعد العملية اليوم.. حدث بها تأخير لسبب ما.. وسأجلبها مساء لدى عودتي..
كان هذا كل ما قاله وكل ما لديه ليقول..
ثم انصرف محييا بصوت جاهر:
- ألو، السلام عليكم!
من المسيء للمشاعر حقا..
ومن القسوة على قلوبنا بما كان..
أن نستنتج استنتاجا حادا واحدا..
استنتاجا حبكته أقدارنا بكل دقة..
استنتاج له من التأثير على نفوسنا ما يثقل كاهلها ويطيح بتوازنها حد الخلل..
وهو استنتاجنا أن الحياة الزوجية التي نحن بصدد عيشها.. صارت مبنية على كلمتين اثنتين تكاد لا تتعداهما.. أو ربما هي قطعا لا تتعداهما لغيرها من الكلمات والمعاني..
ألا وهما:
شــفــقــــــــــة.. ثم.. واجـــــــــــــب!!
.........................................
..................
البيضاء،
صباحا،
في طريقه للعمل،
علا صوت جواله ليصدح بمجال السيارة.. اتصال هام وعاجل من الحاجب الملكي شخصيا.. طالع الرقم بشيء من الاستغراب.. ودون توان أوصل الهاتف بسماعته وضغط زر الموافقة.. ثم وضعه جانبا ليرد برخامة.. برنته الواثقة التي لم تغادره يوما.. دون أن يغفل عن مراقبة الطريق أمامه:
- مرحبا!
- ...
- بخير حال، أشكرك.
- ...
- إجتماع طارئ؟ من أي نوع وبأي خصوص؟
- ...
- لست تدري؟ امممم (تساءل بتشكيك).. إنما كيف يكون طارئا وهو بعد يومين؟
ابتسم كريم مسندا وجهه بيد (فيما يسوق بالأخرى).. متحسسا شعيرات ذقنه.. فيما تغيرت لهجته إلى لهجة مازحة في لومها:
- كان الأصح أن تخبرني أن حضرتك على دراية بالتفاصيل!
- ...
جاءه الرد فابتسم مجددا:
- فإذا تم تقديم موعد اجتماع الشهر القادم؟ لا بأس في ذلك.. سأتوصل بخطاب على كل حال؟ جيد.. سأكون هناك بالموعد.. بلغ تحيتي لجلالته.. مع السلامة!
أبعد السماعة عن أذنه.. في حين انتزع الحنين قلبه بذكرى دافئة..
غــــــايــــة في الـــــــدفء!
...........................................
...........
"الجديدة"،
المدينة البرتغالية معمارا وتاريخا، المغربية أصلا وأصالة، ومن أبرز المدن الساحلية على الصعيد الجهوي..
وغير بعيد عن قلبها النابض.. حيث تقبع المساكن الفخمة التابعة لإقليمها.. يتربع بيت شاسع المسافة.. حديث التصميم.. بل وغير منتهيه،
تجلس إكرام على كرسي من بين الكراسي الموزعة على الحديقة في انتظار تثبيت كل منها بمكانه.. تهتز رجلاها بتوتر.. إنهاء التحديث يتطلب أيام إضافية.. ثلاثة على الأقل.. فيما يستعجلها رئيس فريق المهندسين بكل مرة.. تقضم مؤخرة القلم بعصبية.. لم يضغط علي أنا في حين أن تصميمي شارف على الانتهاء بينما يبقى لبقية فريق العمل أن يطبقوا ما رسمته على ورق؟
منذ لحظات فقط أنهت مكالمتها مع كاتبة الرئيس التي اتصلت بها.. ومنذ البارحة ما يصل في مجموعه لخمس مكالمات!
فاضطرت مع هذا الضغط الكبير للرد ببعض الحدة.. فالعجلة بغير محلها فيها ظلم للزبون.. ولكنها آسفة الآن على احتدادها هذا وتتمنى طلب الصفح منها بأقرب فرصة لأن زميلتها لم تقم إلا بما أمرت به..
وككل مرة يشتد بها اضطرابها.. أو يزداد ضغط الأشغال عليها.. تسللت برقتها المعهودة لخارج البيت.. ووقفت على بعد أمتار قليلة من ممتلكات الزبون.. ليسرح نظرها للقصر الشامخ هناك.. ذي التصميم المغالي في رونقه والدال على البذخ المتناهي.. جدرانه الطينية اللون.. ومزرعته الممتدة بشموخ على جانبيه.. والمحاطة بأسوار تمنع أياد متطفلة من الامتداد لحصونه.. لكنها لا تمنع عيونا معجبة برونقه الأسطوري من إشباع النظر.. فكلما ضاقت بها الوسيعة تسللت كما الآن لتتسع ابتسامتها انبهارا..
فأي علاقة تجمع أصحاب الممتلكات هؤلاء بزوج أعز صديقاتها غير مجرد إسم؟؟
.................................................
................................
نصف ساعة قبل انتهاء دوامه الصباحي..
كان كريم يرخي جسمه على إحدى الكنبات التي تشغل صالة الاستقبال التابعة لمكتبه،
يشرب قهوته بتلذذ تام..
وبين كل رشفة وأخرى تستعرض ذاكرته تفاصيل ليلة مليئة بالسحر والجمال..
التفاصيل المفصلة لكل ثانية مرت بينه وبين مهجة قلبه..
أو الأحرى بين جنونه ونفسه..
منذ سؤالها المتسائل ببراءة حقيقية لا تتناسب مع حذرها المتقن..
- (لما.. أشعر.. برغبة.. في النوم؟)
ومرورا بجوابه الباسم الراضي:
- (لأنك تحت تأثير المخدر!)
قالها وهو يقف ليجلس على القرب منها.. لا يفصلها عنه لا أمتار.. ولا متر واحد.. ولا حتى سنتمترات أو مليمترات قليلة.. بل جنبا إلى جنب.. باستحواذه الطاغي.. إنما هو استحواذ يحمل في طياته رقة لا تطابق قسوته.. واهتمام طالما أخفاه عن العيون..
بإبهام وسبابة يسراها تحاول تثبيت رأسها المترنح من أثر التخدير.. وبكلتا يديه يبقي على استقامة ظهرها..ليست تعي أن عليها منع اقترابه كما يستوجب المنع بعد كل إساءاته.. أما عنه هو فيدرك تمام الإدراك أنها فرصته الفريدة لاستغلال وضعها في سبيل إرواء عطش مشاعره لها.. بعيدا عن فضحها (المشاعر).. وبعيدا جدا عن نظرات الانتصار بعينيها.. أو حتى الاضطرار للنزول درجة يسيرة من برج غروره العالي.. مادامت قد دخلت مرحلة التشويش هاته فقد صارت أبعد ما يمكن عن استيعاب ما يحصل.. وما سيحصل!
تقتله اللهفة والشوق.. خاصة بعد محاولاتها لجذب انتباهه.. محاولات لم تكن تجذب اهتمامه بقدر ما تؤجج مشاعره المشتعلة أصلا.. إنما تفاديا لأي تماد قد يحصل من جانبه.. أو الوصول لحد من التقرب يريده هو بشدة.. وتنفر منه هي حد الجنون.. فقد اختار الصالة (بدل غرف النوم) في محاولة لسيطرة أكثر على العاطفة التي أرهقت الروح والجسد..
بعد ثانيتين كان يتلقف جسدها اللين المتراخي بين ذراعيه.. يريح رأسها على كتفه.. ليشعر بللا يخترق قميصه ليصل جلده.. أحنى رأسه مقتربا من شعرها.. يستنشق شذاه المختلط ببعض البلل.. مد يدا تفك مشبكا أسر خصلات منه بين ثناياه.. يريده حرا دون قيود تقيد جماله.. ولا كائن ولا جماد يحتضن عبيره غيره.. مرر أصابعه عليه وصولا لفروته الناعمة.. ليعود ويسدله على محياها.. فيلتصق بعضه على جانبي وجهها ويرتاح جزء منه على جبهتها البيضاء.. لم يشأ تفويت المنظر الخيالي.. فإذ به يبعدها بحنان بالغ.. ويبتعد بدوره متراجعا.. يسندها بيد ويحتوي دفء وجهها بيده الأخرى.. صورة حية للفتنة البريئة.. لا يدري كيف تتحد الفكرتان برأسه.. ولكنهما اتحدتا منذ أن رآها أول مرة..
فاتنة وبريئة!!
تتكاسل أجفانها المغمضة.. وتزم شفتيها الشهيتين كما الأطفال.. لم يكن له - وكأقل تعبير عن انبهاره بحسنها وكأبسط إعراب عن تأثره بدنوها - إلا أن يقبل جبينها برفق وخفة رغم العمق المتجلي بقبلته تلك.. تراجع للوراء ثانية.. يشبع نظره منها.. نفس حال وحركة فنان عاشق للفن.. يتفقد لوحة بين يديه.. يقترب تارة ليلامس خطوطها.. ويبتعد أخرى عله يجد سرا لجاذبيتها.. ولكنه لا يجد.. وجاذبيتها لا تنضب..
هكذا هي هدى.. لوحة مجسدة.. لاهية بأحلام غير حقيقية.. عن حقيقة كانت لتريعها إن هي شهدتها.. ألا وهي نظراته المتوهجة وبريق عينيه الذي يزحف عبر تضاريس طلعتها..
"أيكون ما يفعله صوابا؟"
سؤال غير ذي معنى تبادر لذهنه..
والأجدى لو سأل:
"هل من الصواب ألا يفعل!!"
على صفحة خدها الناعم استقرت شفتاه هاته المرة.. منتقلا بهما ( شفتيه) ومتأنيا لما تحت أذنها وهامسا بما ليست تسمعه.. إنما قلبه يأبى إلا أن يردده على مسامعها الغافلة.. بتنفس مضطرب وقلب يدق طبولا:
- هدى.. مهلك على نابضي فإنه يكاد يمزق صدري لهفة..
ونزولا إلى رقبتها ثم عودة إلى وجهها الساكن بيديه وزع قبلا متفرقة.. متمهلة حينا ومتسارعة أحيانا.. على جفونها.. رموشها.. أنفها.. خديها.. ذقنها.. ثم..
تمالك نفسه مضطرا لا راغبا..
يخشى أن توصله شفاهها لنقطة اللاعودة..
أن يفقد بعد وصلها كل قدرة على التريث..
ليس من مكونات طبعه أن ينحي عقله.. والعقل يذكره بما مفاده أنه لا يجوز له تعدي حدود وضعها لنفسه.. اتقاء لشر نفسه.. يريدها أن تشاركه الرغبة.. وأن تبادله الإحساس.. ولكنها هادئة تماما.. مغيبة الشعور..
دفن رأسها بصدره بوله..
لا يذكر كم طال الأمر..
وهو يترنم بتنفسها المنتظم يتردد على صدره..
رائحتها الخفيفة العطرة عطلت حواسه إلا من قلب يتخبطه نبض إيقاعه الجنون..
يريدها أقرب..
أقرب من هذا بكثير..
أن تخترق حدود الجسد..
لتصل لما بين ضلوعه..
هناك يستطيع أن يحميها..
ويسجنها..
يحتبسها..
و..
وانتزع نفسه بقسوة..
تجلد بشدة فقربها يفجر براكينا من أحاسيس ملتهبة..
لن يتطاول أكثر..
على الأقل.. ليس بدون وعيها..
أراح جسدها الغض على جانب من الأريكة.. وحمل الصينية لداخل المطبخ.. آمرا سمية بالانصراف للنوم بملحق الخدم.. تحاشيا لإمكانية تواجدها معهما بداخل البيت..
صعد في خطوات سريعة ليجلب غطاء خفيفا ووسادة واحدة.. استعمل الأخيرة لصالحه.. فيما جعل ذراعه والغطاء مكونات نوم هانئ لهدى حالما أزال خفيها.. بعد أن عدل من وضعها وتشبث بها خوفا عليها من السقوط حال نومه.. لكنه لم يستطع للنوم سبيلا من شدة الضغط الذي كابده وهو يوزع قبلا متلهفة على أصابعها الرقيقة الدافئة حينا ويمرر أنفه على استرسال شعرها حينا آخر..
ليلة غاية في الغرابة..
لرجل اشتمل على صفتين..
الثراء والعشق..
لكنه اختار أضيق الأماكن للإغفاء فيما ترك أوسعها وأريحها خاليا..
وحضن زوجته الكاملة البهاء طيلة الليل بتمنع.. بينما يكاد يصرعه الوجد لها!!
مرت ساعات قلائل على حاله هذا قبل أن يشعر استيقاظها..
كان مغمض العينين..
ما يزال يحتضن رقتها..
ليحس بعد حين رغبتها في الفرار.. يجذبها إليه.. ويهمس بأذنها بما لم يحدث قطعا..
فكيف له أن يشرح الوضع بغير عتابها هي..
واتهامها هي..
والافتراء عليها بما لم تقترفه..
لتستشيط غضبا وسبا..
ثم ترميه بمخدتها العنيفة..
الشيء الذي استهواه وأثار منتهى غبطته..
.......................................
...............
الرباط،
بعد أقل من ساعة على خروج محمد،
طرقات جزعة على باب الشقة.. مرفوقة برنين الجرس..
فتحت لها الخادمة لتدخل بضياع وعيناها تفتشان كل ركن علها تجد بين الأركان الكيان الغالي..
ينثني ذراعها حول حقيبة يدها.. وتتشبث أنامل الآخر بمغلف أبيض كبير.. وضعتهما معا على طاولة قريبة.. وهي تسمع خطوات تقترب..
متحفزة بكل حواسها..
للتي ظهرت بعد لحظة..
مقلتاها تتعلقان بصديقتها..
أسى ضخم يتوارى خلفهما..
يخنق قلبها ألم ما..
ألم مختلف عن الألم المادي الجسدي صباحا..
هو الآن معنوي روحي..
خطواتها المرهقة البطيئة تكشف مدى تعبها..
لتقطع الصديقة المسافة الفاصلة بين الاثنتين.. تتساءل باكتراث كبير..
وانشغال بالها تفضحه عيناها:
- ما بك يا لمياء؟ هل أنت بخير؟ حصلت لك مضاعفات من أي نوع؟ لم اتصلت تطلبينني على عجل؟ صدقيني لم أتوصل لعنوانك إلا الآن.. قد أكون تأخرت لبعض الوقت.. ولكن.. أخبريني فضلا.. لم أنت بهذا الذبول؟
الأسئلة المتتالية لــ أمينة الممرضة (القادمة مباشرة من المستشفى.. بحالة من الهلع منذ اتصال لمياء بها.. انتهاء دوامها الليلي صادف وقت خروج محمد للعمل.. فكانت تنوي زيارتها لتغيير ضماداتها والاعتناء بها كما وعدتها ليلة خروجها.. على نفس العنوان الذي أعطته إياها..ولكن لمياء كانت السباقة للاتصال وطلب مجيئها بشكل باعث للشك.. مريب في طريقة طرحه.. فقدمت على عجل تسأل وتستفسر حتى وصلت الشقة المطلوبة) كانت أسئلة غير مترابطة ولكن نبرة الاهتمام الواضحة بها جعلت العيون الحزينة تترقرق بدمع كئيب.. جاهدت لمياء لألا ينزل..
لكنه غلبها وتسابق على جفونها نهرا جاريا..
بل وحتى منظرها العام يفيد بأن أمرا عظيما قد حصل..
تأوهت وهي تعتصر كف أمينة بيدها المرتعشة:
- أبنائي يا أمينة.. اشتقت لأبنائي.. سأموت من شوقي لهم!!!
...............................
..............
البيضاء،
منتصف النهار،
وقت غذاء الموظفين حيث يحصلون على ساعة واحدة بين راحة وغذاء،
ثلاث ساعات من التدريب المتواصل لم تستطع إلا أن تزيده حيوية ورغبة في اكتشاف الجديد.. وتعلم المزيد..
علاء يتخذ كرسيا وحيدا على طاولة خلت إلا منه..
في انتظار تقديم وجبته يهاتف أمه..
يعلم أنها تناول غذاءها اليوم بمفردها.. بعد أن كان هو وسهام.. وقبل ذلك.. هو وهدى يؤنسان وحدتها.. وفهم جيدا أنه لا يطيب لها الأكل إلا بوجود بعض أبنائها أو كلهم..
جاءه صوتها الحبيب اللائم:
- السلام عليكم..
- أهلا بحبيبة قلب علاء.. وعليكم السلام!
- لم تأخرت حتى الآن يا بني؟ أنت بالطريق أليس كذلك؟
ضحك بممازحة:
- بل هو من بالطريق!
السيدة حبيبة باستغراب:
- من؟
- ههههه.. لا تخافي هكذا.. ليس ضيفا مفاجئا لم يستأذنك القدوم.. إنه غذائي من بالطريق..
- لست أفهم.. عن أي غذاء تتحدث؟
- سيدتي العزيزة.. سأتناول وجبتي هنا.. بمطعم الشركة.. فليس لدي غير ساعة واحدة لن تكفيني ذهابا وإيابا!
صمتت ولم ترد.. فقرأ الانزعاج في سكوتها..
- آسف يا أمي.. أقسم أنني أفتقد وجودك الغالي ولكن ما باليد حيلة.. لو كان لي الاختيار لأمضيت فترة الظهيرة معك فليس هناك من يشاركني وجباتي أفضل منك.. إنما..
لكنها سرعان ما بادرت تقاطعه بحنان:
- لا بأس يا بني.. وفقك الله في أول يوم من عملك هذا..
- أوله فقط؟
- وعلى الدوام بإذنه.. حظا طيبا.. مع السلامة..
- مع السلامة يا غالية..
نحى الهاتف قليلا (وهو يرى النادل يضع الطلبية على الطاولة وينصرف) إلا أن صوتها المستمر استوقفه.. أعاده لأذنه..:
- أمي مازلت على الخط؟
- أجل حبيبي!
- أأمريني!
- البدل الجديدة التي بعثتها.. هل أرتبها بخزانتك.. أم أتركها كما هي لحين عودتك؟
علاء باستفسار وحاجباه يلتقيان:
- بدل؟
- التي بعثتها بعد مغادرتك!
- مهلا يا أمي.. أنا لم أرسل شيئا ولم أبتع أية بدلة عدا التي أرتديها الآن!
- حقا.. ولكن العامل الذي أوصلها قال أنها لك..
- لي؟؟ (هز رأسه بغتة وهو يتعرف على مرسلها) آآآآآه.. أجل هي لي.. لا ترتبيها أمي بل اتركيها كما هي لأنني سأعيدها..
- حاضر..
- اهتمي بنفسك حبيبتي ومع السلامة!
- في وداعة الرحمن!
..................................
................
منزل عمر وسهام،
سهام تعتني بابنها بعد الغداء،
حممته وبدلت ملابسه.. لاعبته إلى أن نام.. ثم رتبت غرفته وأغلقت بابها بهدوء..
ملأت صدرها من الهواء المحيط بانفعال..
لقد تفرغت الآن تماما لعمر..
عليها فهم قصة بروده الجديدة هاته..
هل يعاني شيئا بشكل شخصي؟
أم أنه يعاني لأجل أحد ما؟
ثم ما دخل نفوره منها بالأمر؟
بعد وصوله البارحة.. ومنذ منتصف النهار حتى المغرب وهو يغط في نومه..
حينها صلى ما فاته واستبدل ثيابه في زيارة لأهله (كما أخبرها باقتضاب شديد).. وانطلاقا من الثامنة.. وحتى منتصف الليل وهي تنتظر عودته لكنه لم يعد إلا بعد الثانية ليلا ليجدها قد غفت بدورها..
أقام الليل كله..
وقرأ من القرآن الكريم.. سورا أراحت روحه المنهكة من التفكير..
ليعود وينام مباشرة بعد الفجر،
ولكن الأكثر غرابة في الأمر جميعه،
أنه صلى..
ونام..
دون أن يوقظها لا قبل مغادرته للمسجد..
ولا بعد عودته منه..
وهو شيء مخالف لعاداته..
جديد على طبعه..
صحيح أن سهام كانت تعتمد طوال أيام غيابه على جرس المنبه للاستيقاظ فجرا..
ولكن عذرها الشرعي جعلها تستغني عنه..
إنما حضور زوجها (وحتى بغير عذر) أكبر دافع للاستغناء عن كل منبهات العالم..
فهو لا يحب أن تفوتها صلاة..
حتى أثناء أيام عمله الليلية كان ليتصل بها!
والآن هاهو قد استيقظ أخيرا..
وحان وقت طرح الاستفهامات الكبرى والعاجلة..
ما خطبه؟
وماذا دهاه؟
لماذا يبدو كلامه محددا وقليلا؟
حواراته قصيرة شديدة الحرص؟
كمن يهاب زلة لسان فاضحة؟
أو يخفي سرا مهولا؟
وهاهي الآن صممت على مواجهته بملاحظاتها هاته..
حين تناولت غداءها كان بالكاد قد أفاق.. توضأ وصلى.. ولابد الآن أنه متفرغ لسماعها.. كما هي متفرغة لنقاشه..
تمتمت بآية الكرسي وختمت بدعاء لله أن ألهمني السداد قولا وفعلا.. واهدي زوجي يا رب!!
مسحت على وجهها بيديها الضارعتين.. ثم دخلت!
.............................................
.......................
بيت كريم،
غرفة هدى،
تناولت غداءها معه وكل توجه لغرفته.. لكنها هربت أكثر منها توجهت توجها عاديا..
تشعر بإحراج كبير من موقف فجر اليوم..
فمهما كانت جرأتها بالأيام القليلة الماضية إلا أنها كانت مدروسة من قبل.. مهيأ لها نفسيا.. غير مباغتة.. بل ولم تصل ولم تكن لتصل طبعا لهذا القرب المخيف.. بل هو مرعب لأقصى ما يمكن..
قال أنه لم يستغلها.. ولكن ما حدود عدم استغلاله؟ وهل صارت تهلوس حقا معلنة رغبتها به!!
يا الله!!
من المقيت أن يفقد المرء جزءا هاما من ذاكرته.. لحظات غاية في الأهمية كانت لتحدد ما قلته وما فعلته..
إنما أليس من الغريب هذا المسح لذاكرتي؟
لابد أنها إحدى ألاعيبه..
فكل ما أستحضره الآن.. أنه طلبني البارحة لأجل موضوع ما!
ترى ماذا كان؟
تنهدت بقوة بعد أن استعصى عليها التوصل لباقي الحدث الغريب..
تنازعها القلق من كريم..
فهو رجل له احتياجات محددة..
وقد تشملها الاحتياجات تلك يوما ما..
فكيف تردعه وتمنع رغبته..
وهو قادر على الوصول إليها قدرة ودهاء..
صار الأمر مقلقا حقا..
مقلقا بالفعل!!
................................................
.....................
غرفة سهام،
دخلت فجأة حتى دون أن تصدر صوتا لذلك..
فجلس عمر الواقف بسرعة مربكة..
لذا التزمت مكانها ويدها ما تزال على المقبض..
مآقيها جمدت للحظة..
تشعر أن هذا الرجل غريب عليها..
شكلا ومضمونا..
بدءا بشحوبه وانتهاء بتصرفاته..
ما الذي يجعله مرتبكا من دخولها..
إلى أي شيء يهدف من إبعاد ناظريه عنها..
ألا يحمله الحنين إليها كما يحملها إليه؟؟
حررت قبضتها من الباب وانطلقت نحوه بحزم..
وقفت أمامه تماما.. هو على السرير يجيل بصره بحضنه ويجذب قميصا كان يود ارتداءه (استعدادا للهروب منها كما فهمت) ليضعه - القميص- بين فخذيه وساقيه..
وصلت هنا لقمة التعجب..
يستحي من ارتدائه سروالا قصيرا أمامي!!
ولكن بياض القميص المستعمل كغطاء لرجليه..
لم يمنع اللون الداكن الجلي من تحته أن يظهر..
اصطدمت نظرتهما لبعض..
عيونها المستغربة وعيونه الحادة..
وفي حركة واحدة عنيفة.. اقتلعت القميص من فوقه..
لتتراجع بذهول وهي تكبت شهقتها المرتاعة وتسأل بصدمة:
- مـــا هـــــــــــــذا؟؟؟
مع تحياتي
|