كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله،
رمضان مبارك سعيد،
أختي الديراوية آمين يا رب والله يبارك فيك وليك بهاد الشهر الفضيل!
أكيد أنني سأشتاق لكن،
ولكن عدم كتابتي لن يمنع مروري بين الفينة والأخرى،
كل عام وأنتم بخير،
وجزء اليوم إهداء للحبيبة همسة ود
تفضلوا:
الجزء السادس والأربعون
الاثنين:
تغييرات عدة على الطريق،
وأحداث كثيفة تعصف بقلب الأبطال.. وربما بحياتهم،
وكما قد تكون العواصف محملة برذاذ مطر يبشر بخير،
فالمحتمل أيضا أنها قد تتشبع برياح عاتية تُجْدب الأراضي المزهرة وتحيلها خرابا...
...............
مطار نيس الريفيرا،
الثامنة صباحا بالتوقيت الفرنسي،
في آخر محطة للسفر الطويل..
ورجوعا من الجزائر إلى إسبانيا عبر الخط البحري.. ثم من إسبانيا إلى الجمهورية الفرنسية.. تبقى المسافة الجوية الفاصلة بين مطاري فرنسا والمغرب..
ركن جثمان عبد الجليل بين باقي الموتى المنقولين لبلدهم..
فيما استعد المسافرون للالتزام بأمكنتهم..
عمر لم يكن قد توجه بعد لممر الطائرة..
فأمامه اتصال هام يجريه قبل ذلك..
...................................
...............
نفس الوقت،
السابعة صباحا بتوقيت المغرب،
بفارق ساعة واحدة،
ترك المسبح للتو،
حمل الفوطة يمسح بها قطرات منسلة من شعره وباليد الأخرى حمل جواله من فوق الكرسي،
رغم انشغاله بالعمل.. والذي امتد لحدود صباح السبت (يوم العطلة).. إلا أنه لم ينس أبدا وعده له منذ أيام، اعتذر لعبد الغفور بعدم عمله تحت إدارته، وباشر بحثا آخر بوظيفة أنسب له..
وهاهو يربط به اتصالا صباحيا عاجلا..
.............................
ذات اللحظة،
بيت العراقي،
سهام تعد الإفطار كما تعودت طيلة أيام سكنها ببيت الوالدة،
السيدة حبيبة تنفض عنها النوم وهي تجلس على طاولة الأكل تراقب ابنتها بحب،
وعلاء نائم للآن... صحيح أن سهره قل واستيقاظه صار مبكرا أكثر.. ولكن ليس معنى هذا أن يستفيق بالسابعة مثلا!
تلقى اتصالا أزعج أحلامه..
وحاول تجاهله كثيرا لولا أن المتصل كان شديد الإصرار..
مد يده على المنضدة يمينه يتحسس جواله فلم يجده لا بطولها ولا بعرضها.. انقلب بجسمه شمالا وهو يشتم بقرارة نفسه:
أي مزعج هذا الذي يتصل فجرا!
ليقطع علي نومي الهادئ!
انبسط على بطنه ومد يسراه هاته المرة للمنضدة اليسرى مع الاستمرار في تعليقاته الغاضبة..
وجده أخيرا فرد بامتعاض:
- ألو!
- ما تزال نائما؟
كان صوت كريم العاتب بقوة.. فرد علاء بلهجة يغلب عليها النوم:
- صهري العزيز.. هل لك اعتراض على نومي أيضا!
كريم يزيد من نبرة العتاب ويحتد صوته غير آبه بتعليقه:
- انفض عنك النوم واصح لأكلمك بموضوع هام..
جلس علاء وجسمه الطويل ينثني فوق السرير بضجر مضحك.. وهو يمسح على عينيه اللتان لم يفتحهما لحد الآن:
- أي موضوع هذا الذي يستحق قطع سباتي الحبيب؟
كريم ينهي مسح شعره وينتقل لعنقه.. مجربا نبرة أكثر لينا وأقل حدة:
- أكيد أنه يستحق.. حصلت لك على مقابلة عمل اليوم.. وتوظيفك مؤكد بغض النظر عن كل شيء.. فما عليك إلا تحضير سيرتك الذاتية وطلب انضمام للشركة.. أما بقية الوثائق فسيخبرونك بها فيما بعد!
علاء يفتح عينيه أخيرا ويبتسم باهتمام:
- مهلا مهلا.. تقول أنك أوجدت لي عملا؟ كيف ومتى؟ أية شركة وأي عمل؟
أي منصب ينتظرني و..
أوقف سيل أسئلته وهو يغادر مكانه باتجاه الداخل.. ومع ولوجه الباب لمح طيفا يعبر الصالة للمطبخ.. علم أنها هدى تتجنب رؤيته ككل مرة منذ آخر موقف لهما.. ابتسم لذلك وصعد الدرج وهو يكلمه:
- مهلا أنت.. سأخبرك بالتفصيل ولكن الأهم أن تكون هناك بتمام الواحدة لتجري مقابلتك..
(ثم بحنان الأب ونبرة خاصة جدا):
- أتمنى لك التوفيق وسداد الخُطى يا علاء وأن تأخذ الأمر على محمل الجد هاته المرة.. سيما.. وأن هناك ما سيسعدك وجوده بهاته الشركة.. شيء من المحال أن تجده بأية مؤسسة أخرى!
..............................
سهام تضع صينية الشاي على الطاولة وتستعد لوضع بقية الأطباق في حين تسكب أمها الشاي بكوبيهما وهي تستفسر:
- لمياء لم تعد من سفرها للآن!
- لا ليس قبل أيام إضافية.. أظن هذا أفضل لنفسيتها حبيبتي.. فقد ساءت مؤخرا بشكل واضح..
السيدة حبيبة بتأكيد حزين:
- تظنينني لم ألحظ ذلك يا ابنتي.. ولكنها لا تحب أن تفصح عما يشغلها أبدا.. شديدة الكتمان.. (تعود لها الذكرى المؤلمة لتغرز أشواكا شائكة بقلبها وهي تتنهد من أعماقها).. منذ سن باكرة فكيف وهي الآن ربة بيت ناضجة!
أريدها أيضا أن تهنأ بالقرب من زوجها لأيام.. ولكن هناك ما لا أتقبله بمجمل السفر.. لا أعلم ما يكون إنما..
سهام تقبل رأسها بمودة وتضع كفيها على كتفي والدتها الحبيبين:
- أما أنا فبلا.. أعرف أن ما لا يعجبك هو اشتياقك لها ولدلالها..
ابتسمت لابنتها لولا أن علاء قاطع لحظات الهدنة النفسية بين الاثنتين بفضوله المعهود.. صوته الشبه ناعس صاح:
- ... بل غيرتها من أصهار ابنتها الذين تولوا مراقبة أحفادها – بعد سفر أبويهم- بدلها هي..
اقترب ووضع يده على خد سهام كتحية.. وانحنى على رأس أمه يقبله بود ثم يعلق بخبث:
- أليس الوضع أفضل يا سيدتي العزيزة.. أن يعتنوا بهم هم.. هو حتما أجمل ما قد يحصل لخال مثلي لا يستحمل شقاوة الأشرار الثلاثة ولا شغبهم..
قرصت خده بخفة وهي تؤاخذه بلطف:
- ليس هناك من يفوقك شرا بادعاءاتك هاته.. ثم ما الذي حدث لتستيقظ بهذا الوقت على غير العادة..
يمسح على خده بلوم:
- كم هي مؤذية أصابع النساء حين تلف خدا حساسا كخدي.. يالسوء حظي يا أختاه (قالها موجها كلامه لسهام الضاحكة ابتهاجا بحوارهما).. فحين ظننت أنني قد ارتحت من قبصات هدى الموجعة.. اتضح أن هناك من نقلت له العدوى والعادة السيئة!
ابتعد عن متناول يدها بسرعة وهو ينفجر ضاحكا.. يعلم أنها ستعيد الكرة بغضب هاته المرة.. ويلحظ نظرة حنقها المؤقت الذي سينقلب حالا لانفراجة ثغر حنونة
لأن غضبها على أبنائها لا يطول.. فأجاب على سؤالها الأول وهو يتمطى بمرح:
- وأبشري يا أمي فقد اتصل بي صهرك الجديد الأكثر إزعاجا بين أصهارك (قالها بود) ليخبرني أنني توظفت اليوم!
قالها ومع تفاجئ المرأتين بسعادة وقبل أن تعلق أي منهما.. رن الثابت، التقطته سهام (الأقرب له).. ردت وعيناها ضاحكتان لأخيها بفرح:
- السلام عليكم!
عمر بصوت مثقل لآخر حد:
- سهام، كيف حالك يا قلبي؟
سهام انشد كل اهتمامها لسماعة الهاتف وفمها يتسع أكثر بابتسامة محبة، وضعت إصبعيها على فتحة أذنها تمنع صوت الحاضرين من التسرب لعالم مكالمتها الخاص.. خرجت الكلمات من شفاهها مشتاقة منسابة:
- بخير يا حبيبي بخير، وأنت كيف حالك؟
- الحمد لله على تمام الصحة
(هل الصحة بتمامها حقا يا عمر؟ تساءل بأعماقه بأسى ولكنه عاد يحمد الله على نعمه)..
تلفتت ذات اليمين وذات الشمال بإحراج لتجد أن أمها وأخاها انخرطا في حوار ما.. فخفضت صوتها ما استطاعت قبل أن تنطق بنعومة ولهفة:
- اشتقت لك!
تعودت أن لا يقل رده لهفة ولا اشتياقا.. تعودت أن يغدق عليها ( بالأيام القليلة الماضية) أجمل العبارات وأرقاها.. ولكنه الآن لم يفعل.. بل لم يرد من الأساس على تعبيرها المرهف ذاك..
بل دخل صلب الموضوع دون توان:
- سهام أنا قادم.. سأصل الدار البيضاء بعد ثلاث ساعات على الأكثر!
شهقت بابتهاج والغبطة تكتنفها.. ما أدى إلى انتباه كل من علاء ووالدته:
- حقا!
- أجل!
أكد على سؤالها ثم ودعها بعجلة لأن جل ركاب الطائرة كانوا قد التحقوا بها والنداء للتوجه لها تكرر..
سهام من جهتها أنهت الاتصال وهي تخبر المحترقين فضولا والجالسين بانتظار شرح منها بمضمون المكالمة..
أخبرتهما وعقلها ينسج ألف سيناريو لطريقة استقباله وشكله..
متحمسة..
جدا..
كثيرا..
لمقابلته..
للاستمتاع بقربه..
ولتجديد عهد الحب معه..
تجديدا مغايرا.. عذبا.. ومعذبا بلذته وصفائه!!
..........................
...........
ببيته،
كريم ينزل من غرفته بطقم البذلة الكامل، توجه للحديقة حيث طاولة الإفطار،
لم يستطع استرعاء انتباهها حتى وهو يقترب ويتخذ مقعده على رأس المائدة.. فألقى التحية بثقة مستفزة:
- صباح الخير!
رفعت هدى حاجبا مستنكرا وهي تدهن المربى ببعض الاستعلاء.. ونصف نظرة من جانب عينها رمقته صعودا ونزولا:
- وعليكم السلام!
يفهم أنها تتمنى خنقه بعد كل إساءاته لها.. إساءات لفظية أحد من نصل السيف وأقسى من القسوة ذاتها..
ولكنه لا يتنازل أيضا عن غروره.. ولن يتنازل!
بدأ إفطاره مدعيا عدم انشغاله بها.. بينما هو يرقبها بين الفينة والأخرى..
غير من السكون الغريب بينهما اقتراب سمية محملة بسماعة الهاتف.. دنت منهما أكثر وهي تمدها لهدى:
- آسفة على المقاطعة.. اتصال لك..
أخذته منها باستفسار على وجهها، ففسرت الواقفة بصوت غير مسموع:
- حماتك!
أذنت لها هدى بالانصراف بإيماءة من رأسها.. وتناولت الهاتف تجيب بود كبير مغلف بكل الاحترام:
- مرحبا يا خالة.. كيف حالك؟
السيدة صفية تجيب بنفس الود:
- بخير يا قرة عيني.. ما أخبارك أنت؟
استرسلتا بالسؤال عن الحال وكريم، صائد الفرص المشابهة، استغل الفرصة الماثلة لإشباع عطش عينيه لها.. يزداد جمالها سحرا.. ويزيدها أنفها الشامخ بزهو رونقا بديعا.. ربما استطاع تمثيل البرود أحيانا كثيرة.. ولكن التمثيل استنزف منه كل طاقة ووصل به لحد الوجع من قربها الذي تمنع عنه بصرامة.. وهاهو الآن ينوي لها نوعا جديدا من التسلية يفرغ من خلاله كم وجده وولهه..
سمعها الآن تودع أمه بلباقة راقية:
- اهتمي بنفسك يا خالة وبلغي تحيتي لنسيمة.. إلى الملتقى بإذن الله.. وشاكرة لاتصالك الغالي!
انتهى حوارها هنا وبقيت حائرة لدقائق كيف تشرح له طلب أمه.. كان قد أنهى إفطاره واستعد للمغادرة.. فتسلحت بالثقة والهدوء وهي تطرح الموضوع ببساطة:
- طلبت منا الحضور!
- من؟
- والدتك..
- وإذن؟
تأففت بتملل دون أن تصدر صوتا لذلك.. وناظرت الطبق أمامها لكيلا تضطر للنظر بوجهه هو:
- أظن أن عليك الموافقة أولا لنتمكن من زيارتها!
كان استئذانا غير مباشر منها فرد كريم متأهبا للمغادرة:
- وهل تظنينها طلبت منك الحضور دون علمي؟
اتصالها يا هدى (نطق اسمها بتمهل) كان بعد أن استأذنتني الوالدة شخصيا وسمحت لها بمكالمتك لتوجيه الدعوة المباشرة التي استلمتها للتو! وعليه كوني جاهزة بعد المغرب لنزورها ونتناول العشاء لديها!
................................
............
منتصف النهار،
بيت عمر،
تركت منزل أبيها منذ وقت،
لم تحمل من الأغراض إلا كثير الاستعمال.. أو ما يخص ابنها.. في حين كلفت علاء (الذي أوصلها لبيتها) بإحضار ما تبقى من ملابسها فيما بعد.. بعد أن ترتبها لها أمها بحقيبتها.. ومنذ حوالي الأربع ساعات وهي تنفض البيت شبرا شبرا..هيأت بعض الحلويات التي يحبها عمر.. والآن هي بصدد الاهتمام بغرفة نومهما.. حضرت له الحمام والفوط وكل ما قد يحتاجه للاسترخاء أثناء استحمامه.. وعطرت الغرفة.. كل هذا وهي تضع قناعا لبشرة وجهها.. أزالته واستحمت ثم تزينت بعد أن ارتدت فستانا أخضر طويل وبدون أكمام أو حمالات.. وحذاء ناعما ذي لون ذهبي.. كما ثبتت على شعرها المرفوع بلفات طويلة مشبكا جانبيا ذهبيا كذلك..
زارت غرفة ابنها لتجده نائما.. نفخت بارتياح.. صحيح أنه أزعجها طوال الصباح ولم يترك لها الحرية المطلقة بأداء أشغالها.. إلا أنه يخدمها الآن بغفوته الهادئة.. وسكونه المريح..
رن الجرس فارتدت عباءة الصلاة على عجل..
..واستلمت الغداء الذي طلبته من أحد المطاعم
وضعت الكيس بالمطبخ وشاءت الذهاب لغرفتها حيث تزيل العباءة وتلقي نظرة تقييمية على شكلها فإذ بالباب يطرق طرقات تعرفها وتحفظها عن ظهر قلب..
نفس الطرقات إن هو نسي مفتاح منزله..
وهي نفسها الآن تتكرر لأنه ليس يملكه..
جف حلقها بغتة..
وسرت بجسمها رعشة قوية..
اشتياقا وغراما..
واضطرابا مستطابا..
هل تتقدم أم تتأخر؟
أتفتح الباب أولا أم تتأكد من شكلها بداية؟
تستقبله بابتسامة أم بحضن؟
تسأله كل الأسئلة المشتاقة دفعة واحدة.. أو تصمت لكي لا تخل بروعة اللقاء وبهائه؟
عاد الباب يطرق بصوت أقوى وأوضح..
لا وقت لاضطرابها اللحظة..
أنزلت الثوب وغطاء الرأس بسرعة وتوجهت للطارق جريا..
.......................................
....................
بعد هذا بأكثر من ساعتين:
على التوقيت الصيفي المستمر،
تم لقاء عمل علاء بسلام،
كان له استقبال خاص واحترام مميز،
بتوصية مشددة من مالك الشركة (أحد معارف كريم)،
عين مراقبا على الوكلاء التجاريين للمجموعة..وتعيينه الفعلي سيكون بعد تدريب مكثف لمدة أسبوع.. تدريب على المستويين العيني والتطبيقي.. يبتدئ من الغد.. بينما يستطيع هو إحضار بعض الأوراق الرسمية..
العمل ككل ليس من تخصصه.. والإيجابي في الأمر شيئان اثنان:
- إتقانه للغات التواصل الثلاث: العربية والفرنسية والانجليزية.. وتلقائيته بالحوار.. إضافة لمظهره المقبول جدا بين الناس..
وهما عنصران هامان بالنسبة لمهنة كمهنته ولكنهما أبدا ليسا كافيين لمنحه ارتياحا حقيقيا لما ينتظره من صعاب..
تم تعريفه على بعض الموظفين الأساسيين ثم استأذن معلنا انصرافه.. وحال تحركه من مكانه... انصرف من جهة.. ليخرج مسؤول شاب من جهة أخرى ليلقي سؤالا على كاتبته الخاصة.. وهو يثبت يده على لفافات الورق المعروف للتصميم.. ويضعها على مكتبها:
- أرجو أن تسلمي هاته التصاميم للمهندسين المعنيين.. فقد اضطلعت عليها ووضعت موافقتي..
هم بالانصراف فيما سمع قبولها ثم.. عاد خطوة للوراء وهو يتذكر:
- ولا تنسي الاتصال بمجموعة "الجديدة" واستعجالهم لأننا توصلنا بطلبات تصميم تفوق طاقة استيعابنا.. مفهوم؟
الكاتبة بقبول ثان:
مفهوم!-
ثم أردف بتأكيد:
- اتصلي بالآنسة إكرام على محمولها فهي مترئسة المجموعة.. والآن قبل أن تقومي بأي شيء يشغلك!
- حاضر!
............
وصل علاء أسفل المبنى وخرجه وهو يلقي نظرة راضية على اللافتة الضخمة التي علقت عليه دون أن يفهم للآن مغزى ما قاله كريم صباحا..
ما هذا الذي سيجده هنا لا بمكان آخر؟
لا يدري على وجه التحديد،
ولكن اللافتة جذبت انتباهه بقوة وقد رسخت بمكان ما من عقله لا تسعفه الذاكرة على البحث به:
" الشركة الدولية للتأثيث والديكور"
........................................
.....................
بيت عمر وسهام،
قبل هذا بدقائق،
تركها ودخل،
بكل برود،
وحتى دون بسمة حانية،
أو لمسة راضية،
أو نظرة عطوف!
اندثر شوق اللقاء أشلاء،
وتمزقت ورود الفرحة بعودته تمزقا مؤلما،
تغير؟
أم تكدر؟
أم طاله التعب والسهاد؟
ولكن التعب لم يرتسم في يوم برودا وجفاء!
ولا اهانة وإقصاء!
اتخذت الكرسي مجلسا لها بالصالة.. وتخبطت بين دمع واستغراب..
قبل أن تقرر مواجهته ومعرفة الحقيقة..
دخلت بخطى متثاقلة مليئة بالتوجس،
اقتربت من السرير حيث يتمدد..
وهزت كتفه بلطف..
ولكن ما من مجيب..
تدرك أنه ليس بنائم..
ولكن الأحرى أنه يتظاهر بالنوم هروبا من شيء مجهول!
....................................
....................
الحادية عشر مساء،
هدى صعدت غرفتها بعد أن عادا من بيت حماتها، استحمت على عجل، ارتدت بيجامة واسعة هاته المرة.. لم تعد تريده أن يراها بأي شكل من أشكال الإغراء..
بيجامتها من قطعتين.. قميص وردي بدون أكمام عليه تفاصيل بنفسجية.. وسروال لمنتصف الساق بنفسجي بتفاصيل وردية.. انتعلت خفا تقليديا مريحا ومطرزا باللونين..
رفعت شعرها الغير مجفف بالكامل دون تكلف.. وخصلات منه ارتدت على وجهها..
ثم نزلت.. (تحت طلبه) تنتظر نزوله بدوره. للصالة حيث تجلس.. فلأي شيء يستدعيها ويريد محادثتها؟
تعجبت ولكنها لزمت مكانها إلى أن سمعت صوته قريبا منها.. جلس بعد أن حياها.. استغرق تفكيرها بالسبب كل تركيزها حتى أنها لم تلاحظ أنه دخل قدوما من الحديقة لا نزولا من الدرج
(وهذا.. حتى إن علمته.. فهو لا يجعلها تدرك أنه بدل ملابسه بوقت قياسي وتوجه فورا للمطبخ.. أرسل الخادمة بمهمة قصيرة.. ومن الثلاجة أخرج عصير زوجته المفضل ليسكب منه بكأس ويضع عليه من مسحوق عديم المذاق واللون.. يخلطه ويمثل انشغاله بتحضير قهوة سوداء وحال رجوع الخادمة يطلب منها إنهاء ما بدأه وحمل الصينية بالمشروبين للصالة حيث يجلسان.. ثم يغادر المطبخ من بابه الخلفي باتجاه الداخل.. متظاهرا أنه كان بالحديقة أساسا!)
سألته بعجل:
- بأي شيء تريدنا أن نتحدث؟
جلس بالجهة المقابلة:
- بشيء يهمنا معا!
هدى بقلة صبر:
- وهل هناك من الأهمية ما يجمعنا.. ويستحق فوق هذا نقاشا وحديثا؟
- أجل يوجد، (نطقها حين سمع خطوات سمية) إنما دعينا نشرب كأسينا أولا..
تناولت الكأس بين يديها وتناول هو القهوة ليرتشف منها.. مراقبا كيف شربت هي رويدا رويدا.. ومع انتهائه.. وانتصاف كأسها بين خال ومليء.. كانت تسأله وعيناها لا تميزان شيئا عدا خيالات مبهمة.. وتشويش كبير يشغل عقلها:
- لم.. أشعر.. برغبة.. في النوم؟
أجابها بابتسامة وهو يقف ليجلس بقربها:
- لأنك تحت تأثير المخدر!
......................................
..................
شقة بحي الرياض،
الرباط،
نام على السرير جنبا إلى جنب معها،
لأول مرة بعد أسابيع طويلة يشتركان فراشا واحدا،
ولكن الإحساس غير الإحساس،
والتجربة غير التجربة،
رغم قربهما إلا أن البعد قطع أميالا معنوية بينهما..
والحال ما عاد نفس الحال،
لأنه كان يموت شوقا لحضنها.. فها قد صار حضنها آخر همه وآخر أمنياته...
ولأنها كانت تستعلي أن تحس به وبشوقه،
فها هي تضع رأسها على مقدمة السرير وترقبه.. وترقب شغفه الذي انطفأ باستغراق في نوم ثقيل.. لا تعلم إن كان سيصحو منه يوما..
انسلت تحت الغطاء الخفيف..
تحتاج راحة جسدية أكثر منه لأنها تركت المستشفى صباح اليوم لا غير بعد عشرة أيام لم يكن لها بها رفيق غير أمينة (الصديقة الوفية والرفيقة المخلصة)..
وترقب دفين لغد أكثر إشراقا..
فهل يأتي الغد بالجديد أم أنه ليس أقل جحودا من اليوم!
..................................
...............
بعد عدة ساعات،
فجرا،
دفء غريب يلفها.. ولابد أن سريرها قد نحف حتى أنها تخاف أن تسقط.. لكن ما يشبه الحائط يسند ظهرها ويحميها من السقوط أيضا،
غطاء متوهج ينطلق منه عطر خاص بدا لها مألوفا..
هكذا وعت هدى شيئا فشيئا ومخدة غريبة الأطوار والشكل مندسة أسفل رأسها.. فتحت عينيها بمهل تستكشف مكانا جديدا.. غير مجهول البتة.. إنها الصالة!
إنزوا حاجباها استنكارا..
أمضت الليلة بالصالة إذا؟
وعلى الكنبة كما يبدو!
هذا كان استنتاجا أوليا..
ولكي تتذكر أسباب وتداعيات هذا الحادث الغريب.. رفعت رأسها المنهك عن المخدة -المفترضة- وحاولت تعديلها.. فإذ بها تصطدم بصلابة لم تعهدها بكل المخدات التي أمضت حياتها نوما عليها...
بدأ القلق يساورها فنظرت لها لأول مرة..
لتجد..
ويا للمفاجأة!
أنه ذراع بشري برونزي وقاس..
ولدهشتها استدارت للجهة التي يستند لها ظهرها..
وإذ بشكوكها اللعينة تتأكد..
إنــــــــه كــــــــــــــــريـــــم!
حدث كل هذا بثواني معدودة.. لكنه زلزلها كليا..
ما يزال مغمضا عينيه..
فلأتجنب الحرج من هذا الوضع الذي لا أستوعب منه شيئا!
ومُحاوِلَة الابتعاد بأقصى سرعة.. وجدت نفسها تعود لمكانها بأقصى سرعة أيضا.. وتستند للحائط مجددا..
الحائط الذي ليس غير جسم زوجها..
قلبها تصاعدت وتيرته..
وارتاع إحساسه بعدم تصديق..
فتح الآن عينيه وذراعه الأخرى مازالت تجذبها بعد أن حاولت الهرب.. وبصوت به رنة نوم كانت جلية أن تهز كيانها استفسر:
- إلى أين؟
لم تجب.. ولم تكن لها القدرة على الإجابة..
فقد وعت تماما على المنظر العام الذي يكونانه..
كنبة لا تكاد تسعه وحده..
متكئ على جانبه الأيمن..
عضده تحت رأسها..
والآخر على خصرها..
إحدى ساقيها بين رجليه..
والتصاق كامل بين ظهرها وصدره..
وكنتيجة لكل هذا..
احمرار واضح - حتى لمن يعاني قصر النظر- يكسو خديها..
والموقف فوق كل الاحتمالات..
سألها مجددا وهو لا يغفل عن دواخلها والصدمة التي سببها لها.. يدرك أنها مهما تجرأت لم تكن لتفعل شيئا مشابها.. هذا عدا التباس الموقف الذي لا تذكر منه أي تفصيل مهما كان صغيرا:
- ألا يعجبك الوضع؟
بالكاد استطاعت التغلب على إحراجها وتجميع طاقتها المنهدة والنطق بحروف قليلة:
- أ.. أي .. و.. وضع؟
اقترب من عنقها متحديا خجلها:
- اقترابك مني..
- بل هو اقترابك أنت!
أجابت في حدة تحاول إخفاء الانفعال الذي صار يهزها..
بنفس اللهجة التي أفحمتها.. وهو يدنو لأذنها هذه المرة:
- لقد كان اقتراحك وليس اقتراحي..
- أنا!
فتحت عينيها بدهشة وهي على نفس الوضع لا تستطيع الحراك..
- نعم أنت!
رد عليها كريم بثقة..
شرارات غضب انبعثت من جسدها وهي تردد بعصبية عمياء والكلمات تخرج من بين أسنانها:
- أيها الكاذب.. أنا لست قليلة حياء حتى أطلب منك هذا..
- لا تنعتيني بالكاذب!
قالها بصوت هادئ راض، قبل أن يضيف ببساطة:
- ثم لا داعي لإنكار شيء سعيت لها طوال الأيام الفارطة..
أصبحت تغلي الآن وهو على نفس البرود المتقن:
- بل كاذب.. وأنت من يدعي أشياء لم تحدث.. وإلا فلم تدعيها؟
- لأنك طلبت مني أن..
وقبل أن يكمل دفعته بأقصى جهدها وانطلقت من حضنه بعد أن ترك لها مجالا لفعل ذلك.. ونظر لها بابتسامة ممعنة بينما تقف هي على باشتعال وبأصبع الاتهام تحدت عينيه:
- أنــــــــا؟! (قالتها باستعلاء وأنفة).. أطلب من أنــــت (قالتها بازدراء).. أن تنام قربي بهذا الشكل المقرف!!
استمرت رحلة هدوئه وابتسامه حين رد بصوته المعذِب:
- لم تريه مقرفا.. وأنت..
(صمت ونظر لها مطولا يستفزها أكثر)
- ... وأنت تحتضنينني تارة، وتتفوهين بكلام.. من غير اللائق أن أعيد ذكره أمامك.. تارة أخرى..
تساءلت مجددا بضياع:
- أنا؟!
- أكيد!
ابتسم من جديد وأردف:
- ... كلام مخجل.. ولكنني لم أستغل تعلقك بي.. حتى تتأكدي أنني رجل ذو ذوق..
أعصابها كانت قد أفلتت بالكامل..
لا تصدقه.. ولا تصدق أنها قد تقدم على ما هو مماثل.. ولكنها بالوقت نفسه لا تذكر شيئا من ليلة أمس.. لا كيف نامت هنا.. ولا سبب تواجدها بالصالة من الأصل..
أكيدة أنها لن تنطق بكلام غير لائق..
ولكنه يتهمها بشكل واضح ويوجد ضدها أدلة منطقية..
أوووووف.. أي تعقيد هذا!
وكريم يراقب تغيرات وجهها وحيرتها..
يضحك بأعماقه من منظرها المتحير..
من الصحة.. بل كل الصحة.. أنه يلفق ما لم يحدث فعلا..
ولكنه استمتع بقربها ساعات من ليل قصير سريع..
تمنى أن لا تنقضي الساعات وأن تطول..
ولكنها انتهت وهاهي حوريته تقف حانقة على خداعه..
والمنوم المؤقت الشبيه بمهدئ للأعصاب يمنعها من استرجاع الأحداث أو تذكرها..
كان رد فعلها على آخر جملة له.. أن حملت أقرب وأكبر مخدة من على الكنبة المجاورة..
رمتها بوجهه بكل ما استطاعت لياقتها..
بكامل قوتها..
وبغضبها الكاسح:
- بل.. قل: رجل ذو وقاحة وقلة أدب!
انصرفت بثورة متوجهة للدرج..
فيما كان كريم محلقا بإثارتها على هذا النحو وشد أعصابها!!
أحلامي خيال
|