كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
بلغنا الله وإياكم الشهر الفضيلبخير وإيمان وتقوى،
أردت الإشارة حبيباتي إلى أن جزء اليوم ليس آخر جزء قبل رمضان،
بل هو ما قبل الأخير،
يعني مازال واحد آخر.. ان شاء الله
أود شكر الغوالي اللي مروا وسجلوا حضورهم وبصموا أجمل بصمة على صفحاتي هاته..
إليكم الجزء:
الجزء الخامس والأربعون
ذات ليلة،
بعد صلاة العشاء،
مر يومان على إهانة الزوج لها، كانت بذلك تنوي عدم التسرع للتفرغ لدراسة أوسع للوضع.. والأهم من ذلك عدم إثارة شكوكه.. اليوم يوم أعدت واستعدت له بما يكفي..
انتظرت إلى حين تناول العشاء، عشاء أعاد معه زمن البرود الأول.. حاولت هدى أن تبدو طبيعية وأما كريم فلم يحتج تمثيل ذلك، انشغالاته لم تنتهي بعد وهذا باد على وجهه.. بعض ثغرات الأمن العام تشكل أمامه عقبة مزعجة وعليه تخطيها بأي وجه كان.. وهذا يتطلب منه مجهودا خارقا.. يستعين بالله، بتمرسه ودرايته، ثم بمساعدة بعض المسئولين ممن ينوي الاجتماع بهم صباح الغد كظرف استثنائي..
..........
ما أن انتهت حتى صعدت غرفتها.. انتظرت لبعض الوقت وعيناها على الصندوق الذي جلبته إكرام.. تشعر بقشعريرة لمجرد رؤيته لكنها تتمالك نفسها..
تأكدت على طريقتها العجيبة أن كريم صعد غرفته أيضا.. حيث وضعت المزهرية الصغيرة على الحائط بشكل أفقي وعلى الجانب الآخر وضعت أذنها..
صوت حركته بالغرفة الملاصقة جعلها تستعد، ارتدت بيجامة طويلة عبارة عن قطعة واحدة ضيقة.. تعتليها أزرار.. بالكاد استطاعت ارتداءها من فرط الضيق.. (كانت هي نفسها الغرض الثاني من بين الغرضين الذين طلبتهما عبر الهاتف)..
تزينت بزينة تكاد لا تلاحظ شملت كحلا وأحمر شفاه بلون طبيعي.. وتعطرت بكثافة بعطر نفاذ مناسب لنعومتها..
مشطت شعرها لتعود وتشعث بعض خصلاته بشكل خفيف..
بدت مرعوبة الآن وهي تفتح الصندوق مباشرة بالقرب من السرير ليزحف الكائن الصغير تحته مباشرة بحثا عن الرطوبة (وهو الغرض الثاني الذي جلبته إكرام).. وتتخلص هي من الصندوق والخوف يتجلى بمحياها حقيقة مختلطة بتمثيل تستحق لأجله كل تنويه..
وضعت الصندوق بالدولاب..واتجهت رأسا للسرير تنفش ما فيه.. تسقط مخدة.. وتبعثر البقية.. ليظهر كما لو أنها نامت فوقه لمدة.. ووقفت بمنتصف الغرفة بتهيؤ كامل واستعداد حقيقي وجريء، صاحت بأقصى ما لديها ونبرتها تمتلئ رعبا:
- كــــــــــريــــــــــــــــــــــــــــــــــــم!!
صرختها ضجت بالمكان، وكريم الذي كان منشغلا بمراجعة نقاط اجتماع الغد انتفض من على سريره بشدة،
قفز والحاسوب (الذي كان ممددا ويضعه أعلى صدره) نحاه بسرعة، مرتاعا من صراخها، والخوف قد دب بأوصاله عليها.. جرى دون وعي منه، لا يذكر كيف تخطى عرض الصالة الكبير.. ولا حتى كيف فتح بابها وعبر المسافة الفاصلة بين الغرفتين ليدفع الباب أمامه بقوة مجنونة.. لم تبحث عيناه طويلا ليجدها تقف بمنتصف الغرفة.. أشبه بحورية خائفة.. يتدلى ثوبها الأبيض إلى نهايات قامتها الفاتنة.. ويحيط شعرها القاتم بسحنة وجهها المرعوبة.. والتي حتى في ارتعابها تبدو آية في الجمال الذي يأسره ويعذبه.. ارتاح لجزء من الثانية.. بما أنها تقف أمامه قطعة واحدة لا نقص فيها.. حيث لا خدش ولا إصابات ولكن الخوف الظاهر في عينيها دفعه للسؤال بتوجس ونبرة متوسطة القوة في حين احتدت ملامحه:
- ماذا هناك؟
هدى ترتعش الآن خوفا ولون بشرتها الحقيقي يشحب بشكل مريب، عيناها تزيغان لما تحت السرير وصوتها المختنق المتقطع يستجديه برعب:
- ش ـيء مـ ــ ــا تـ ـحـ ــ ــت سـ ـ ــريـ ـ ـري...
اندهش ولكن رسم وجهه لم يعبر عن أدنى اندهاش.. ماذا قد يكون تحت سريرها يا ترى؟
أجال بصره ليجد أن النافذة مفتوحة (فقد فتحتها ليحتمل الموقف طبيعية جديرة بالتصديق)
استفسر وهو يقترب منها وعيناه على السرير:
- ما الذي تحت سريرك بالضبط؟
نفس اللهجة المفتعلة واضعة كفها على خدها ومن تم على فمها تخنق الكلمات المتقطعة وتبدو على شفير انهيار مرتقب:
- لا أدري.. ربما.. لست أدري يا كريم.. من فضلك أنظر أنت!
ابتعد عنها ومن السرير اقترب.. قدماه الحافيتان أسرعتا بحذر.. نظرا لطبيعته الحذرة وجهله بما ينتظره ها هناك.. حال وصل السرير.. رفع غطاءه بتأن.. لم تتضح له الرؤية إلا وهو يسند ركبتيه للأرضية في وضع جلوس وينهي رفع الغطاء لينحني بجسمه المديد ويطل.. توقف للحظات دون حراك.. كما لو أنه يدرس وضعا ما.. قبل أن يمد يده ويجذب الجسم الصغير بلحظة.. صغير إذا قورن بيده الكبيرة ولكنه يبقى الأضخم بين بني جنسه.. وقف وهو ما يزال بين يديه.. عنكبوت ذئبية ضخمة.. مثيرة للقرف بما يحيط بها من شعيرات.. بطنها الكبير وأرجلها الثمانية التي تعتليها الأعين الست.. لطالما تعامل مع الحيوانات والحشرات باختلافها ( بحكم تدريباته بالصحراء كضابط ) ولكنه لم يصادف في يوم حجما هائلا كهذا لكائن مقزز بهذا الشكل.. حيث بدا على هذا الأخير أنه يحاول التملص من يده أو لدغه بأحد نابيها السامين (رغم أن سمهما لا يؤثر ببني البشر إلا أن اللدغة في حد ذاتها شديدة الإيلام)..
هدى وسط كل هذا كانت مرتاعة من المنظر.. أمكانية تأذيه بسببها لن تروقها كثيرا.. بل وستعلن فشل بقية مؤامرتها النفسية ضده.. هذا غير أن مظهر الكائن المركب والمعزز بلونه الأسود أثارا في أحشائها رغبة بالغثيان سرعان ما تغلبت عليها وهي ترى نظرة كريم المتغيرة لها..
أراد تهشيمه بين أصابعه لولا أنه راعى – في آخر لحظة – أنها لن تحتمل الشكل العام للجريمة التي هو مقدم عليها.. والذي سيضاعف تقززها الحالي عشرات المرات..
وقف الآن وتوجه به لنافذة الشرفة يرميه..
لتصيح هدى بذعر حقيقي هذه المرة:
- ماذا لو عاش بالحديقة!
سبب الذعر أنها كانت تتحكم تقريبا بزمام الأمور وهو بغرفتها.. تعرف مكانه وتعلم أن كريم سيتخلص منه.. ولكن ليس بهذا الشكل على أية حال.. فإن اختفى وسط شساعة الحديقة.. أو الأحرى إن اختفت (لأنها أنثى لا ذكر) فقد تبيض وتتكاثر بشكل مخيف..
قطع سيل أفكارها بنفي حاد ونظرة مبهمة:
- لا لن يعيش!
رغم استغرابها إلا أن الاستغراب تجمد بمجرد تحركه من مكانه واقترابه منها.. ليتخطاها – حيث وقفت- إلى الحمام.. حتى يتمكن من غسل يديه مما قد سببته العنكبوت من قذارة..
هدى بلحظة.. صارت بعالم آخر تماما.. عطره الذي فاح باقترابه منها اقترابا غير مقصود.. صدره العاري البارز والقوي.. لن تنكر أبدا – والآن على وجه الخصوص- أنه فتنة متجسدة..
صحيح أنه صعب المعشر، بعيد عن العقل والقلب، حاد الطباع.. إلا أن جماله يفوق الوصف وجاذبيته كرجل أخطر ما يكون على امرأة.. فهل هي على استعداد للاستمرار في مخططها دون تحقيق فشل ذريع كما السابق؟
نحت أفكارها وانفعالها.. وتأكدت من فتح زرين آخرين لثوبها لتنفرج من خلفه أنوثتها أكثر..
نفس العطر عاد يخترق خلاياه وصاحبه يعود من حيث أتى.. يتعداها للباب بعد أن غسل وجفف يديه.. ويتشبث بمقبضه إعلانا لخروجه.. غير أنها تنحنحت قبل أن تنطق بصوت شديد البراءة والأنوثة في آن:
- أشكرك!
لم يكلف كريم نفسه النظر إليها وهو يتأهب لتركها:
- العفو!
أحس الخطر يغزو موقفهما حين استوقفته من جديد بنداء أشبه باستغاثة طفلة ضائعة بغابة كثيفة أو صحراء قاحلة:
- إلى أين؟
ابتسم بفتور وهو يتجنب النظر إليها الآن:
- لأنام!
صعق..
تزلزل كيانه..
سحقت عظامه بعذوبة..
وذاب جلده الخشن..
من ملمس دفئها القوي..
وشعرها المتناثر..
وأنفاسها المترددة على صدره..
وهي ترتمي فجأة بحضنه..
يداها..
وخدها يستريحون جميعا على صدره بخوف
(خوفها من هذا التصرف التي هي بصدده ومن مخلفاته إن قدر له مخلفات أكبر أو أوسع نطاقا من مجرد اعتراف لفظي منه أنها تستهويه وتثير رغبته.. وهذا بالضبط ما تريده وترجوه وليس أكثر)
كل محاولاته لتجاهلها وتجاهل شكلها تبخرت وهي تزيد التأثير تأثيرا أكبر بصوتها الهامس الخفيض والمترجي:
- لا تتركني وحدي يا كريم.. أشعر بالخوف..
قالتها وهي تفتح عينا وتغمض أخرى بخبث وتظاهر وابتسامة شريرة تأبى أن تعلو وجهها لكيلا تفضح.. دقات قلبه - حيث تضع أذنها وترهف السمع- تتسارع بجنون.. ها قد اجتازت أول الحواجز ولابد لها لتخطيها من زيادة العيار ما أمكن..
ينظر لشعرها المسدل على منتصف صدره.. ونظرا لفارق الطول بينهما مد إصبعه لذقنها.. يرفع وجهها ناحيته بهدوء ليستفسر بنفس الهدوء الذي لا يظهر من واقع إحساسه شيئا..:
- مما أنت خائفة، فقد رميته؟
مع استفساره حان وقت العيار الثقيل.. إذ تركت يداها صدره وانتقلت لظهره بالكاد تستطيع ضمه.. بالتصاق تام..:
- ماذا لو تواجد غيره؟
تنحنح قبل أن يرد:
- لا بأس إذن.. تعالي إلى غرفتي ونامي قربي!
إحساس مٌرضي بنصر حالي ونصر آخر مرتقب.. يوترها أن تكون قربه لمدة أطول.. فكيف لها أن تمضي في قربه ليلة كاملة.. على ذات السرير.. شعور مربك ولكنها تجاوزته بنجاح لعلمها أن بلوغ النجوم هو أهون له من وصولها أو النيل من شيء لا ترغب هي منحه إياه..
- أنا.. أشكرك!
رددتها بصعوبة ووجنتاها تشتعلان حرجا من آخر فكرة دارت ببالها.. لتبتعد عنه قليلا وتقابله في حين أمسك كفها بهدوء ليسحبها للخارج ، بعد أن أطفأ نور الغرفة وأغلقها متوجها لغرفته الخاصة.. ليعبر الباب للصالة الداخلية.. كل هذا وهي تكاد تطير إعجابا بدهائها الخارق..
....................................
......................
أسدل الليل أجنحته على هدوء بيت من بيوت حي الأثرياء ذاك..
تجالس الشقيقة التي تبدو في مثل عمرها إن لم تكن أكبر بسنة على الأكثر..
وتحتسيان العصير دون النطق بكلمة..
قبل أن تقطع هي الصمت بثقتها المعهودة وناظرها يمتد لما وراء الكرسي حيث تجلس أختها مادة يدها لحزام بذلتها توضب شكله:
- ما رأيك إذا؟
- أزهار، إنس أمره!
كان هذا الرد الذي تلقته ولم يعجبها البتة.. إذ التقى حاجباها الرفيعان وفتح فاهها نوعا بعدم اقتناع:
- أنسى أمره كرجل..كمستشار مالي.. أم كأب لطفلتي؟
- على التجاهل والنسيان أن يكونا جملة وتفصيلا.. أولا لأنك لا يمكن أن تضعيه بإطار من هاته الإطارات الثلاث.. سواء الأب أو الزوج أو الموظف دون الاثنين الباقيين..
- وثانيا؟
سألت بشيء من العصبية دفعت جليستها أن تجيب بتردد:
- ثانيا أنت بالكاد أنهيت عدتك كأرملة منذ أقل من ثلاثة أشهر.. ولا يستحسن أن..
قاطعتها بثقة:
- ها قد قلتها: أنهيت العدة.. ومنذ مدة ليست بيسيرة.. لن يمنعني أصهاري من حق الإرث إن أنا ارتبطت.. مهما تحججوا ومهما طالت فترة التحجير تلك فهو يبقى حقي وسأستعيده عاجلا أم آجلا.. أما عن محمد فأنا على يقين أنه الاختيار الصائب.. للثلاث إطارات التي أتيت على ذكرها..
صوت صغير ضج بالمكان قبل أن تكمل:
- اختياراتي الصائبة هي قرارات..
وهي تمد ذراعيها تستقبل الصغيرة صاحبة الصوت الصاخب بحضنها، تربت على شعرها وتقبل وجنتها لتقف جنبا إلى جنب معها (ابنتها بالتبني) وتحثها على الخروج حيث ينتظرهما السائق للقيام بنزهتهما اليومية.. وهي تلقي آخر عبارة على مسامع شقيقتها دون تردد:
- وأنا لم أتراجع يوما عن قراراتي!
............................
............
بيت كريم،
بالتحديد..
غرفة نومه،
طلب منها الجلوس على الكنب الفخم المتراص على شكل جلسة فخمة .. استأذن وتوجه للحمام التابع لصالة الغرفة حيث يغير ثيابه بعد أن انتقى بيجامة قاتمة الزرقة مكونة من قطعتين بدل السروال الرياضي الذي يلبسه..
حال اختفائه من أمامها استغلت الوقت للتأكد من ترتيب شعرها وثوبها وفتح الزر المتبقي من الأزرار الخمسة لبيجامتها متوعدة بصوت لا يسمع:
- هكذا ستتأكد أنني أثيرك!
رتبت نفسها دون أن تغفل عن الاضطلاع على المكان.. سبق ودخلت هنا ذات مرة ولكن غضبها العارم كان قد منعها من الملاحظة.. ملاحظة ذوقه الراقي الذي تجسد ألوانا وأشكالا من الأثاث والتحف الفنية الضاربة في المعاصرة حيث تتراوح بين أحمر وأسود قاتمين.. ألوان اختيرت بعناية لتكون أروع مشهد من مشاهد الديكور التي رأته عيناها.. بابان مغلقان على يمين الصالة.. أحدهما – كما استنتجت- لغرفة تبديل الملابس.. والأخرى للحمام.. وباب واسع انفتح على يسارها عبارة عن فراغ تفصله ستارة كبيرة من الخرز الأحمر المتلألئ.. دفعها الفضول لإبعاد خصل من الستارة جانبا.. ليتضح لها شكل السرير المستدير الواسع المتراوح بين نفس اللونين برقي بالغ يتوسط الغرفة وقد وضع عليه حاسوبه.. ولا يشاركه اتساع المكان غير منضدة حائطية وتسريحة على يمينه.. بينما ثبت التلفاز السينمائي على الحائط المقابل للسرير.. اندفعت للداخل أكثر.. أكانت الغرفة هاته مفترضة لي؟
أشاركه إياها بكل تفاصيلها المبهرة؟
بكل..؟؟؟؟
توقفت يدها على التسريحة حيث تحاول التأكد من زينتها الخفيفة.. لأنها صدمت بصلابة ما.. أخفضت عينيها على السطح الخشبي الحالك السواد.. لتلحظ سلاحه الخاص.. ترددت كثيرا قبلا أن تلامسه أصابعها..
بحياتها لم ترى مسدسا عن قرب..
أليس من العادي والمعتاد أن يحمل زوجها واحدا؟
بدعوى الأمن؟
أوليس هو ذاته منبعا للأمن القومي..؟؟
- أعجبك المسدس؟
صوته الساخر بطريقة ما جعلها تستدير وهي تنفض أناملها من عليه ببعض الإحراج.. لم تسمع خطواته ولا حتى صوت انفتاح باب الحمام ولا انغلاقه:
- شكله لا يدعو للإعجاب!
أجابته بشيء من الثقة خاصة وهي تقترب بضع خطوات لتقف أمامه بشكل مباشر وتمد يدها لقميص نومه.. ( الذي ناسبه لأبعد حد).. في محاولة لإغلاق أحد الأزرار..
رمقها بنظرة متحرية تطالع توددها الفريد الليلة..
نجحت في إغلاق الزر وهي تشرح:
- نسيته مفتوحا!
قالتها هاته المرة بتوتر.. كان للمكان الغارق بأضواء خافتة، لقربها منه، وللجو المشحون حولهما بهالات مبهمة... تأثير عظيم متعاظم.. لكنها سرعان ما تغلبت على ارتباكها وعوضته بفعل بدا عفويا.. حيث، وقبل أن تسحب يديها من على أعلى القميص، تعمدت ملامسة أطراف أصابعها صدره بخفة.. وأخيرا انتهت وعادت للوراء خطوة.. تلقي نظرة على إنجازها.. والأهم على وجه كريم الذي لم تستوضح منه شيئا.. بدا أكثر ثباتا من السابق.. وعيناه تزدادان تهكما غريبا..
بلحظات فقط كان يجذبها إليه بعد أن ابتعدت.. ويمد –بدوره- يدا ناحية أزرار ثوبها يغلقها الواحدة تلو الأخرى وهو يهمس باهتمام:
- وأنت نسيت كل أزرارك مفتوحة..
رفعت رأسها في دهشة.. ومن موضع يديه المنشغلتين انتقلت عيناها لوجهه ذي النظرة الماكرة وحاجب ساخر يعلو وهو يضيف بتأن:
- ... على ما يبدو!
كان رد فعله صفعة حقيقية.. صعقة كهربت أحاسيسها وهزت عنفوانها.. إحراج عام وغليان بكل جسمها..
لابد إذن أنه أذكى مما توقعت لحد الآن..
لا يقهر ربما..
هزم مخططها الأنثوي..
أعلن نصره لثاني مرة..
ولكن لا..
بل هي نصف مهزومة..
وهو نصف منتصر..
وسوف تربح ولو على أوراق مكشوفة!!
...................................
...............
سفره بعد يومين اثنين،
ولكنه لم يخبرها ولم يخبر أحدا لحد الآن..
فقد كل رغبة..
بكل شيء..
وبأي شيء..
صحيح أنه رفض الفحص..
ولكن إحساسه ينبئه أن الأمر ساء جدا وسيسوء أكثر..
يتخبط..
يتوه..
يتورط..
سحيقة هي الأراضي التي سكنتها نفسه..
مريعة هي الظنون التي احتلت حيزا من فكره..
لا يدري..
أيبكي على حاله؟
أم ينتحب ما قد يفقده على إثر حاله ذاك؟
توجه لخالقه مرات ومرات ضارعا..
وتوسل فاطر السماء أن يهون مصابه إن تأكد أنه مصاب..
تقلب على فراشه بضيق شديد واختناق غير طبيعي..
قبل أن يقفز بغتة من فراشه ويتوجه للحمام المشترك بينه وبين باقي نزلاء الفندق ذي النجمتين اليتيمتين.. توضأ وعاد لحجرته حيث صلى قياما مبكرا وسحب المصحف يتلو منه ما تيسر.. ليعود ويتمدد بتعب.. وكل ما يشغل حيز تفكيره الضيق اسم واحد:
" سهـــام"
.....................................
......................
نفس الوقت،
غرفة كريم،
كريم مازال يبتسم وهدى مازالت مجردة من أدنى علامات الحياة..
من يراها يكاد يجزم أنها لا تتنفس.. إضافة إلى أنها لا ترمش ولا تتحرك على طريقة التماثيل التاريخية القديمة..
الصدمة اعتلت وجهها لحظات طويلة قبل أن تُنقل لكريم كعدوى داخلية لا تبصر بالعين المجردة وهو يراها تنطق بدلال وبنفس همسه هو منذ قليل:
- أنا أريدها هكذا.. ولم أنسها!
- هكذا إذن؟
تساءل باستغراب لم يحاول إخفاءه.. فابتسمت له بلطف مقصود:
أجل!-
بنفس نبرته:
- أخطأت بإغلاقها؟
هدى بذات الإستراتيجية:
- تماما.. وأرجو أن تعيد فتحها!
ناظر وجهها مطولا وهو يجيب بالموافقة:
- حسنا!
قربها منه من جديد وشرع بتنفيذ طلبها ومع انتهاء مهمته الممتعة نوعا.. والعاصفة برجولته في ذات الوقت.. كانت هدى قد أمسكت يديه الكبيرتين لتضعهما خلف ظهرها وترتقي الهواء.. إلى أن وصلت محياه.. ودست ذراعيها خلف عنقه مبتسمة بتودد
( إلى أي مدى قد تصل جرأتها.. وكيف يكون رد فعله على إصرارها هذا.. تعلم فقط أن استجابته لجنونها قد تؤدي لكارثة.. ولكن حتى هذا لا يهم مادامت قد جعلت من كبريائها المؤنث هدفا نصب عينيها)
نطقت أخيرا مستعينة بأحبالها الصوتية البالغة الرقة:
- لمساتك منذ قليل.. أربكتني!
قطعا لم يستجب ولم يرد.. إلا من نظرة المكر التي لم تفارقه..
الصمت المطبق شد أعصابها وأكسبها ارتباكا فعليا بدل الذي ادعته للتو..
وكريم اعتكف بصمته.. رغم ادعائه البرود إلا أنه يذوب من براكين ملمسها..
ويعلم أنها تعلم أنه يذوب لذلك.. سيما وقد تجسست على قلبه لما اضطربت دقاته خلال أول عناق..
لا يستبيح لأحد الاضطلاع على ما اضطلعت عليه..
وهو الآن على استعداد لجعلها تنسى خلجات فؤاده الفاضحة بتجاهل صريح لتعليقها:
- فماذا شد انتباهك له.. إن لم يكن شكله داعيا للإعجاب؟
- اممم؟
همهمت بمفاجأة.. غير الموضوع بما لا يتناسب مع توقعاتها:
- ما هو؟
- المسدس!
تبا!
ماذا تجيبه بحق السماء؟
أنه يبالغ بالمماطلة!
وأن مماطلته هاته ستدفعها حتما لتفريغ السلاح - المستفسر عنه- بصلابة جسمه.. وقبلها بعناد رأسه..
وكما غير هو الموضوع..
راق لها أن تغيره أيضا..
فاستفسرت ببساطة وهما على نفس الوضع
استفسارا له بنفسها شيء من الأهمية:
- أخبرتني أن العنكبوت لن يعيش فما أدراك أنت؟
قرر الآن أن يظهر بعض التشبث بظهرها اللين.. يداه تسرحان عليه صعودا ونزولا.. إلى أن استقرتا أسفله ليجذبها بقوة ويرفع حاجبا خشنا في حين تلتوي شفتاه بابتسامة تفقدها توازنها وهو ينطق بتمهل:
- لسبب بسيط.. وهو أنه تم رش الحديقة منذ شهر على مرأى مني..
أضاف وهو يقرأ في عينيها تعجبا:
- وهذا يمنع تلك الكائنات الصغيرة من التعايش مع المبيد الحشري القوي..
ثم وهو يهمس بأذنها:
- ويمنع تكونها من الأساس!
تصلب ظهرها بين يديه.. وتصلب وجهها الملفوح بدفء أنفاسه.. وتصلب عقلها لما توصل له من فكرة.. ولكنها أبت إلا أن تواصل بإفصاح واضح وبثغر مبتسم:
- تعلم إذن؟
ابتسم لها:
- أهه!
تساءلت بثبات:
- وماذا تعرف أيضا؟
كان جوابه سؤالا حائرا غاية في التسلية.. كمن يفك رموز لعبة ما.. ويستمتع بتفكيكها أيما استمتاع:
- أنك كلفت صديقتك بإحضاره؟
وافقته بابتسامة جديدة وهي تستفسر:
- الشك بحدود ذكائك ضرب من الجنون إذا!
ترك كفا تغفو هناك على صفحة ظهرها بينما سحب الأخرى باتجاه شعرها.. أمسك خصلة منه ليلفها بإصبعيه بمغزى معين:
- والشك باستسلامك ضرب آخر من الحمق!
صراحة كهاته..
ووضوح كهذا..
هو حتما حرب لفظية ونفسية باردة بالظاهر..
متفجرة بالعمق..
خطرة لأبعد الحدود..
كلاهما يكشف الأوراق لخصمه..
وكلاهما يفضح أسلحته للآخر..
ولكن..
هل الطرفان على ذات المستوى؟
أم أن هناك هوة بين الإثنين؟
وفراغا لا حدود له؟
سألها بعد أن جذب خصلة شعرها ناحية أنفه يستنشق عبيرها دون أن يبعد عينيه عن مقلتيها:
- فما جعلك تمثلين ما مثلته؟
أجابت بمكر:
- هو نفسه ما جعلك تتظاهر بالتصديق!
علق كريم:
- لم أتظاهر منذ البداية.. بل.. منذ اكتشافي وجود المخلوق الضئيل!
وعلقت بالمثل:
- وأنا لم أمثل بإتقان إلا لأنني ارتعت من منظره فعلا..
توجهت عيناه الآن لشفاهها..
تعذبه برقتها..
تغريه ضمتها الطفولية أحيانا..
واندفاعها المسترسل أو المهاجم أحيانا أخرى..
شاء أن يعذب فيها الأنثى مرة ثانية..
بما أنها عذبت فيه الرجل مرات ومرات..
فهمس بخفوت مدروس:
- تعلمين أن إفصاح كل منا للآخر الآن دفعني للتفكر..
صار تنفس هدى بطيئا لأن صدرها يردد زفراته الرجولية برئتيها مختلطة بعطرهما معا.. سألته بحشرجة واضحة:
- بم؟
كان هذا السؤال الصائب الذي انتظره طويلا:
- لما يا ترى لم تتوجهي إلي منذ البداية.. تطرقين الباب وتخبرينني أن لا رغبة لك بالنوم بعيدا عن أحضاني.. فأفهم أنا.. وأتأثر بصراحتك الصادمة.. لأفتح لك ذراعاي كما هو الحال توا.. وأقبل بك كامرأة.. بالرغم من.. أن.. ذوقـــــي الخاص لا يستسيغك حقا!
فتحت عينيها على اتساعهما فيما احتدت عيناه الثاقبتان.. تدل ذراعاها إلى جانبها مبتعدتين عن رقبته..
لم تستطع التغلب على غصة حارقة بجوفها فجذبت خصلة شعرها من بين أصابعه بغتة.. دفعته بقوة ليتركها وشأنها.. وحال سمح ليده الأخرى أن تفك وثاقها.. غالبت نفسها لألا تصفع وجهه البائس المغرور.. كانت أصعب مشاحنة نفسية داخلية قبل أن تطالعه بشرر منبعث من حدقيها الحاقدين.. دون أن يغير من سخرية وجهه شيئا..
كبتت شعورا آخر بشتمه.. ونجحت في ذلك لولا أن كلمة معلقة بطرف لسانها أبت أن لا تنطق:
- مخبول!
ثم اختفت في لحظة..
بينما ابتسم هو بنفس المكر..
تعادل نسبي حقق اليوم!
وستكون الأشواط الإضافية بينهما أهم حكم وأعدله!
أحلامي خيال!
|