كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم والرحمة:
شكرا لكل الغاليات:
الترف المغنج،
وجه الصباح،
ام هنا،
dar3amya،
inay،
jawhara49،
waxengirl،
أهلا وسهلا وعودة حميدة لكل الغائبات الرائعات،
وأهلا وسهلا ومرحبا في كل حين للمتابعات اللواتي أعشق،
أود إخباركن آسفة..
أن لقائي بكن لن يكون بعد يومين بل بعد أربعة أيام،
وعليه فأنا سأشتاق لكن كثيرا إلا أنني مضطرة اضطرارا جميلا وأسعد الله أيامكن أيضا!
سأهدي جزء اليوم لحبيبة غالية:
inay
فتقبلي مني أختي هديتي على بساطتها!
الجزء الثاني والأربعون
بغرفتها اتخذت أكثر من وضع،
اتكاء وجلوسا ووقوفا..
الحيرة ترتسم على وجهها ممتزجة بخليط مشاعر أخرى أكثر قوة،
محاصرة بتفكيرها،
تنتابها غرابة إحساس ما لأول مرة:
أليست امرأة بما فيه الكفاية ليلتفت كريم لغيرها؟
على الرغم من كل ما عانته منه، إلا أنها لم تتوقعه من نوع الرجال الـ...
ولكنه أنكر خيانته لي!
إنما..
ماذا عن صفاء؟
كيف عرف أنها تغازله إن لم يكن من ذوي التجارب؟
كيف غفلت عن هذا السؤال؟
الآن لا أستطيع طرحه عليه أبدا!
سيظنني أغار!
يالك من مصيبة كبيرة يا كريم!
بكل يوم أكتشف المزيد فيما يخصك..
وكل ما أكتشفه يضاعف قلقي منك ومن تصرفاتك الغير سوية..
صحيح أن العتب عليه كان له قسط من سخطها..
ولكن القسط الأكبر كان لثوران الأنوثة بداخلها،
ليست الزوجة المثالية لتطلب منه أن يكون لها زوجا مثاليا،
هو قال ذلك بنفسه،
وسهام شرحت الموضوع ذاته،
وحتى صفاء نبشت في الأمر بغير قصد،
ثلاثة آراء مقابل رأي واحد..
يؤدي لنتيجة وحيدة:
أنها المخطئة وهم المصيبون!
وقفت بغتة أمام المرآة،
تراقب وجهها والتفاف البيجامة على جسدها!
ألم يهز جمالها في برج رجولته ذرة رمل؟
لا هذا الشعر المترسل ولا هاته العيون العسلية؟
لا هاته القامة الأخاذة.. ولا حتى جاذبيتها كامرأة؟
أم أن عينه لا ترى من الحسن جامده؟
لابد وأن سهام على صواب!
تسللت كلتا يديها بين أطراف شعرها تحمله لأعلى من كلا الجانبين وتمط شفتيها لتنتهي بالعض على سفلاهما، ونظرة مكر نسائية تتمثل بعيونها:
- سأريك من الجمال أفتنه.. ولكنك لن تطالني ولن تطاله!
إنما هو رد اعتبار لكرامتي التي تحاول النيل منها بمغامراتك.. حقيقة كانت أم افتراء!
هكذا وجدت لنفسها تبريرا كافيا.. لكن الدافع الحقيقي هو فوق كرامتها كزوجة جل ما يهمها الحفاظ على موقعها بحياته وبيته ولو بينها وبين نفسها!
وهو حقيقة غريزة أنثى تؤذيها فكرة أن رجلها قد ينجذب للغير دونها، مع أنها موجودة ببيته وحياته، فلابد أن تنضاف إذا لعقله ووجدانه وهذا بالضبط ما سيغذي ثقتها بنفسها وغرورها الفطري بذاتها وعذوبتها!
....................................
....................
الرباط،
مستشفى محمد بن عبد الله،
الثامنة من صباح الأربعاء حيث تكثر الحركة بالممرات،
بين زائرين للمرضى وأطر طبية،
بين المراقبة الصباحية وجلب الإفطار لنزلاء المشفى،
لمياء تستند بظهرها للسرير بمجرد دخول الخادمة،
تشعر ببعض التعب اليوم خاصة أنه أجريت لها فحوصات جديدة بوقت باكر، الفحوصات الاعتيادية للتأكد من إعدام كل الخلايا المصابة!
سألت في وهن حقيقي الجالسة على كرسي بجانبها:
- أين هو محمد؟ ولم أحضرك أنت؟
أجابتها بصوت خافت متخوفة من قسوتها التي لم تسلم منها يوما:
- السيد أوصاني بجلب وجباتك اليوم لأنه مشغول..
لمياء تغرز أظافرها بطرف الفراش وبوجهها جهد واضح لتمثيل عدم الاهتمام:
- ضعيها هنا وانصرفي!
الخادمة بتردد:
- تحتاجين شيئا قبل انصرافي سيدتي؟
أشاحت بوجهها للجهة المقابلة:
- لست أحتاج غير الهدوء، اذهبي..
ظلت تكابر مكابرة أقوى من عزيمتها حتى بعد انصراف الخادمة وحضور الممرضة، بابتسامة مشرقة سلمت:
- صباح الخير لمياء؟ أكيد أنك اليوم أحسن!
لمياء ترخي ساعدها لتسمح لها بقياس ضغطها:
- لا بأس!
بعد أن دونت الملاحظة بالدفتر الخاص وزادت عليه من قياس الحرارة.. اتخذت الممرضة نفس الكرسي بعد أن قربته أكثر وجلست، ثم بهمس مهتم سألتها:
- ضغطك يقول غير ذلك!
لمياء تنحني بجسمها ليتمدد على السرير الممل، ردت بسؤال بارد:
- يقول ماذا؟
الممرضة بتقرب وهي تمسح على كتف لمياء بود:
- يقول أنك مضطربة وغاضبة.. فهو مرتفع بالرغم من أنك لم تفطري بعد كما ألاحظ!
لمياء بعصبية:
- لقد أديت عملك ولا دخل لك بغضبي أو اضطرابي فاتركيني وشأني الآن!
رد فعل من هذا النوع لم يكن ليجعل الممرضة تتراجع،
حالة لمياء تتكرر معها على الدوام،
العصبية والامتناع حتى عن الأكل والشرب،
والأهم رفض الإحساس بشفقة الغير،
وما جعلها لا تتراجع أكثر.. هو أنها بدأت تعتاد على أسلوب لمياء الفظ في رفض المساعدة أو التودد..
سحبت يدها لحضنها وسألت باهتمام غير عادي:
- لن يؤذيك إخباري بقدر ما سيؤذيك تكتمك والضغط على نفسك!
لمياء بهجومية:
- أتراك لا تفهمين؟ دعيني وحدي وإلا اشتكيتك للإدارة.. اتصال واحد ويفصلونك عن عملك!
الممرضة بتأن بالغ سحبت الهاتف الداخلي ومدتها إياه:
- إليك الهاتف!
لمياء تغيرت نظرتها من الغضب إلى الشراسة، ولو أن مانعها الصحي يعيقها لكانت رمتها به ليرتطم بوجهها العنيد،
التفتت بوجهها للجانب الآخر، بل وبكل جسدها لتمثل النوم على يمينها كآخر محاولة لإبعاد المرأة المتطفلة..
نفخت الممرضة وعلى وجهها ابتسامة حنونة:
- سأتركك يا لمياء، وأكيد أنك ستتغلبين على مشاعرك السيئة وتفضفضين لي بيوم ما..
ثم أضافت برنة حزن لا تخفى على قلب حزين:
- أنا لست أشفق على حالك كما تعتقدين، لأن غيرك أولى بالشفقة منك، غيرك ممن لم يستطيعوا للعلاج سبيلا، أو ممن ماتوا على فراش انتظار فرصة عَمَلِية لم تأتي!
فرصة لم يجدها العديدون تماما كأختي.. والتي ما إن رأيتك حتى رأيت روحها تدب في أوصالك، نفس العمر ونفس الشبه..
اختنق صوتها واستعدت للخروج:
- سأريحك مني ومن هرجي.. وأمر بك فيما بعد..
كانت خطاها ثابتة متألمة ففاجأتها مناداة لمياء لها:
- انتظري!
....................................
.....................
قفزة إلى عشية نفس اليوم،
موعد دخول كريم بعد أن أنهى دوامه،
هدى مارست تمارينها أبكر من المعتاد وتجهزت لشيء جديد،
وجدت من بين ملابسها ما لم تفكر يوما بارتدائه،
أغلب ما اختارته لها نسيمة كان عاريا أو شبه عار بين ما يصلح للنوم وبين ما يناسب التجول في حدود الغرفة على الأغلب!
انتهى بها المطاف، وهي تسير بالممر في انتظار صعوده وتمثيل مصادفته، بتنورة حمراء جد ضيقة تصل لبدايات فخذيها، يعتليها قميص شديد البياض بتصميم كلاسيكي بأزرار تتوسطه وأكمام طويلة ثم ياقة رسمية، حيث تنسدل لما تحت خصرها بقليل، حذاء أحمر بكعب مناسب تماما وربطة خفيفة بمنديل رقيق من الحرير الأحمر على جيدها الناعم،
ذهابا وإيابا ولكنه لم يكن قد صعد بعد، ترتب بيدها انسياب شعرها بتوتر،
لست مضطرة لهذا ولا للظهور بمظهر الجميلة بعينه،
فليذهب هو وعينه للجحيم!
ما خفي من أسبابها يبدو مبهما..
يزيد عليه الإحراج من شكلها المغري..
لكنه سيراني دون أن يلاحظ أنني أفعل هذا من أجله!
فهل هو فعلا من أجله؟
المخطط يقول أنه حال رؤيته لها، ستمثل توجهها لغرفة أشغالها دون الالتفات له حتى،
وهكذا.. رويدا رويدا ويوما عن يوم تصير هوسه ويصبح حسنها أمنيته البعيدة المنال،
لكن المخطط فشل فشلا ذريعا وهي تسمع صوت حذائه على الدرج،
اضطربت خاصة أن الخطوات تتسارع وتدنو،
وبدل تمثيل الدخول للغرفة وجدت نفسها تتوجه للسلم في استقباله،
وحال وضحت لها قامته التي تزداد قربا،
وعت على تسرعها،
ولكنها ضخت هواء كافيا برئتيها ومعه ضخت أكبر كمية من الثقة واستعدت للنزول مع كثير من الميلان والدليل..
كان كريم قد صعد ووصل مستواها،
رمقته بنظرة سريعة بينما فتح هو عينيه باندهاش وتحاشت هي حتى إلقاء التحية...
حينها أوقفها بسؤاله الغاضب الحازم:
- إلى أين؟
هدى بتعال:
- وإلى أين تظن؟ (قالتها ساخرة من سؤاله)
هنا أمسك ذراعها بقوة، وهو يصيح في وجهها:
- أتنوين النزول؟
نفس السخرية إنما ببعض العتب الحانق مخفية بذلك تأثرها بقوة يده التي تعتصر ذراعها:
- هل هناك حظر تجول بالأسفل؟
كريم يكاد يفقد صوابه من تصرفها وما تنويه، لم يتوقع أن جرأة من هذا النوع قد تصدر منها، ليس العيب فيما ترتديه، ولكن العيب فيمن قد يراه، فهي ولابد تعلم أن الخادمات يملأن الصالة الآن، بأمر منها هي (كما أخبرته سمية توا لما شاء طردهن) ليقمن بتنظيف البيت ونفضه..
رد عليها بنفس أسلوبها هذه المرة:
- أكيد أن هناك حظرا مادمت ترتدين ما ترتدينه!
هدى تتألم فعليا من قبضته وتشعر باضطراب جديد من حدة خطابه، بينما تبدي بكبرياء عكس ذلك:
- وما بها ثيابي؟
زاد غضبا وزاد ضغطا على بشرتها الناعمة التي لم تسلم من سخطه:
- أليس بكل دولابك ما تلبسينه دون أن يفضح مفاتنك؟ فنحن لسنا الوحيدَيْن بهذا البيت!
هدى تعلم أنه على صواب وهي لم تنسى وجود الخدم ولا حتى أهملته، ومن المستحيل نزولها بهذا الشكل، إنما ظنت أنه لن يعلق على أمر نزولها لتعود وتصعد حال دخوله غرفته... كل هذا لم يحصل ولكنها لن تتنازل مهما وصل له الحوار من تطورات:
- ترى من هناك غيري وغيرك؟
يحاول أن يكون هادئا:
- لا أسمح أن يراك غيري هكذا!
بتعجب سألته:
- ولم؟
- أتظنين أنه من الجائز عرض المفاتن بين النساء؟!
كان تذكيرا حادا أكثر منه سؤالا عاديا.. وزاد من حدته جوابها الغير مبال:
- ليس رأيك ما أنتظر سماعه يا كريم!
ما أن سمع عبارتها حتى جرها من ذراعها،
أبت وصرخت بأعلى صوتها معترضة على تصرفه القاسي:
- أتركني!
ولكن كريم لم يكن ليأبه لصراخها ولا لعنادها، إنما أخذها لأقرب غرفة – غرفتها هي- مقفلا الباب وراءهما ومتحدثا بالتحدي والقوة اللازمين لردعها:
- لا يهمني إن وافقت على رأيي أم لا .. المهم أن تنفذي!!
- لا، لن أفعل!
قالتها ردا على تحديه.. فلوا ذراعها خلف ظهرها بقسوة.. مقتربا منها ومتمهلا في كل حرف ينطقه:
- بـل ســتــفــعــلــيــن!
زاد تأوهها وذراعها تكاد تنخلع من كتفها:
- أتركني يا كريم، أنت تؤلمني!
ومتكلما بالتهديد المناسب والمرعب:
- إن وجدتك بهذا الشكل ثانية وأنت تصولين وتجولين المنزل.. فسأحبسك بالغرفة إلى أجل غير مسمى!
- دعنـــــي!
- صاحت في وجهه فترك ذراعها لتبدي ألما كبيرا.. ولكنها سرعان ما وجدت فكرة تصب في صالحها وتتماشى مع المخطط الذي لم يكن بالغ الإتقان منذ بدايته، استندت للحائط القريب تكبت مشاعر الألم وتحولها تحويلا صائبا شديد الخطورة إلى نظرة بالغة الجرأة لعينيه مباشرة، وبثقة مالت قليلا برأسها:
- أتعلم ما يدعوك لكل هذه الوحشية؟
كريم واستفهام يطرأ على وجهه:
- أخبريني أنت!
هدى بابتسامة خبث وقد وضعت الخجل جانبا ونحت معه كل ما قد ينقص من عزم ما ستقول:
- أظن أن ما لا يعجبك في مجمل الأمر.. أنني أثيرك بلباسي!
توقف تعداد الثواني لمدة،
ابتسامة نصر تعتلي محياها،
واستغراب حقيقي لم يظهر على وجهه،
تشنين الحرب ضدي يا هدى!
تريدين بهذا إغرائي وضمان اعترافي؟
بأنني أجن بك وفيك أذوب؟
أم تودين مني إظهار ضعفي أمام أنوثتك؟
وانصهاري بنظرة من عينيك!
لكن اللعب معي هو ذاته ما يسمى اللعب بالنار!
رائع أن غيرتك علي تدفعك للاضطراب،
ولكن ما ليس رائعا هو أن تكتشفي كم أغار أنا؟
وكم أهواك؟
وكم أذوب!
اقترب بغتة منها،
نظرة خاصة منه لها،
متفحصة،
من أخمص حذائها إلى قمة رأسها،
وضع كفيه على الحائط حاجزا لأي حركة قد تصدر منها،
واقترب منها بشدة،
ومن وجهها بشكل أشد،
ليرد الابتسامة بأخبث منها وهو يهمس عن قرب وقد تعلقت عيناها به، وامتزجت أنفاسها بأنفاسه:
- أنـــــت.. لســــــــت مـــــــن ذوقـــــــي!
صعقت من رده فيما علت حلقها غصة منعتها من النطق..
فأعطاها كريم نظرة ساخرة وابتعد.. ثم خرج!
.......................................
........................
عودة للصباح،
وتوقف الممرضة المتأهبة للانصراف على صوت لمياء:
- انتظري!
من فضلك يا ممرضة!
المرأة بارتياح عادت إلى مجلسها القبلي واتخذته مقعدا:
- نادني باسمي.. أمينة!
لمياء تستدير لتقابلها:
- أمينة.. (رغبت في التأسف ولكن طبعها لم يسمح).. لا علم لي بموت أختك..
أمينة في محاولة لتناسي الموضوع:
- رحمها الله.. لقد كانت محبة للحياة.. لكن الحياة نفسها لم تمهلها.. وانقضى عمرها فلا اعتراض.. لكن ما يؤلمني هو رؤية مثلك ممن يستطيعون التداوي ولكنهم يرفضون..
لمياء بحزن:
- وما أدراك أنني لا أريد؟
- الأمل المنطفئ في عينيك ربما.. وعدم تحمسك للفحص اليومي ولا للتزود بقوت يساعدك على استعادة العافية.. صدقيني.. الكثيرون والكثيرات جدا يتمنون فرصة شبيهة.. فرصة إمكانية الشفاء لأن المرض في بدايته وليس في مراحله الأخيرة، فرصة معنوية باهتمام زوج كزوجك يزورك ويهتم برعايتك، مع العلم أنكما من مدينة أخرى وهذا قد يعطل أعماله إن كانت له أعمال..
لمياء تقاطعها وجرح عميق بدأ يطفو على ملامحها بوضوح:
- ولكنه لم يزرني اليوم!
- قد يكون مشغولا!
لمياء بتأكيد قاطع:
- انه يدعي الانشغال.. فيما هو عاتب علي.. عاتب على كرهي للمشفى وللمرض..
لو كان بيدي لما كرهته.. لما كرهت كل من يرتدون البياض مثلك، ولا من يحملون السماعات الطبية كرؤسائك..
تعلمين أنني كنت في يوم مضطرة لدخول المشفى لأجل عملية شبيهة ولكنني لم أستطع الصمود طويلا.. وعرضت نفسي للخطر.. ليس فقط لإخفاء الأمر وعدم كشفه، بل أيضا لأنني أبغض إطالة الإقامة به.. وأبنائي الثلاثة كنت حين وضعهم أرفض المبيت بالمصحة..
إنه يظن أن لهذا دافعا من دوافع تكبري وغروري..
لكنه لا يفهم ما يعتمل بصدري..
غالبتها الدموع فغلبتها وجعلت تملأ عينيها حد الفيضان، مغرورقة ولكن صامدة، لتكمل ببوح لم يسبق له مثيل:
- رائحة المرض والمرضى تخنقني.. تخنق روحي بلا هوادة.. أشعر أنها تنتزع مني تنفسي شيئا فشيئا وتصدم عقلي بأسوء الذكريات على الإطلاق..
صمتت وقد انجذبت أمينة لسماعها أكثر من قبل:
- أية ذكريات؟
لمياء تنتزع تنهيدة من أعمق نقطة بقلبها:
- ذكرى مرض والدي ومعاناته.. المعاناة التي جعلتني أدعو له بالموت رأفة به وتخفيفا لعذابه..
تدرين أنني أمضيت طفولتي بين..
اهتمامين اثنين..
ومكانين اثنين..
أقسام الإعدادية وغرف المستشفيات..
عشر سنوات من الصراع مع المرض..
عشر سنوات أمضيتها بين طفولة ومراهقة وشباب..
بين براءة ونضج وزواج..
أزوره تارة وأمتنع أخرى..
أشتاق لضمه..
وأعلم أن الطبيب سيمنعني..
وقبله..
الباب الموصد بعناية..
الممرضة باهتمام:
- ماذا كان مرضه؟
لمياء والدموع قد اناسبت وما من مجال لمنعها:
- مرض رئوي في منتهى الخطورة..
حتى أننا نمنع من الاقتراب منه
أو التواصل معه بغير الزجاج العازل..
لم أكن لأحس بأدنى تطور بحياتي..
حتى بعد زواجي وإنجابي..
كان هو كل همي..
وإخوتي لم يحبوه كما أحببته أنا..لأني أكبرهم.. ولأني كنت أكثرهم تألما ومقاساة!
سكتت مجددا ومع سكوتها قلت دموعها ولكن ما نبش ليس من السهل غمره بتراب النسيان ودفنه..
مدتها أمينة بمنديل ورقي وهي تحفزها للترويح عما بنفسها.. فأكملت:
- لا أريده أن يلومني على ما لا يد لي فيه..
ألا يكفي أنني وحيدة..
منعزلة عن العالم..
عن أهلي جميعا..
أمن الضروري أن يحرمني من حضوره هو الآخر؟؟
وعنايته الوحيدة لي بهذا الظرف؟
قد أكون سيئة..
ولكن مع سوئي هذا ضعفا ووهنا..
لم يستطع أحد مراعاته ولا احتواءه..
لحد الآن..
وربما للأبد!
أحلامي خيال
|