كاتب الموضوع :
أحلامي خيال
المنتدى :
الارشيف
السلام عليكم والرحمة،
حبيباتي،
صحيح أن سلسلة تأخير وقت وضع الأجزاء مستمرة ولكن سلسلة انشغالاتي مستمرة معها،
وأنا أرجوكم تفهما لذلك، كل ما أستطيع قوله أنك ستجدون البارت صباح كل يومين!
لم أرد بعد على تعليقاتكم الغالية وأعدكم بالرد عليها إن شاء الله،
إليكم اليوم جزءا يحمل بعض الاختلاف!
ولكن الاختلاف لم يتوقف هنا بل له من التطور الشيء الكثير،
تفضلوا:
الجزء الأربعون
صفاء تبتعد وتختفي ومعها حرجها وجرحها ثم غيظها وأذيال خيبة متعاظمة تثقل خطواتها فتسرع منها غصبا،
كريم وصل لهدفه وحققه كما ينبغي،
صحيح أنه لم يرد ولو لجزء من الثانية أن يعرض هدى لموقف مماثل، ولكنها تضطره دوما إلى ما لا يريد،
فثقتها الزائدة بصديقة من هذا النوع وتكذيبها له جعلاه يفعل ما فعله، لا يريدها غافلة عما حولها خاصة بعد أن لم تلاحظ نظرات صديقاتها له،
وقف ناظرا لها.. وهي وقفت بعينين ساهمتين وفم متذبذب اضطرابا وربما حسرة!
لا يعلم أنها حسرة.. حسرة خالصة وتحسر على ثقة هدرت أمامها وأعلنت بذلك أن زمن الثقة انقضى وولى دون رجعة..
كريم حاول التكلم وهو يمد يده لكتفها بمساندة صريحة:
- هدى!
لكن ردها عليه كان أبعد عن توقعاته كلها،
إذ نفضت يده بهدوء كبير وهي تبعدها – رغم كبرها- بيد وتشير بالأخرى أن يلزم حده في لمسها أو التحدث إليها، بهدوء وأدب مليئين بالحزن، فما أكثر ما يتبلور الغضب الهادر حزنا موحشا:
- من فضلك!
قالتها معلنة رفضها لأي كلام قد يتولد عن اللحظة ومعلنة معه انصرافها البارد الساكن، لتبتعد وتختفي هي الأخرى باتجاه غرفتها!
.............................
..................
مضى ما بعد العصر والمغرب وحتى الساعة التاسعة وهدى لم تترك غرفتها مطلقا،
شوق غريب من نوعه وجد مكانا كبيرا وخاصا بقلب كريم،
حاول أن يسلي نفسه بما اعتاد أن يسلي نفسه به،
زاول الكولف والفروسية بالنوادي القريبة من بيته، ومع انتهائه عاد برفقة صديقين له أحدهما فارس مغربي شهير والآخر عبد الغفور، الصديق الشبه دائم، رغم أن لصداقة كريم معاني محدودة ومحددة جدا، فهو لا يأمن لأحد مهما كان قربه منه عدا شخصين اثنين: والدته وأخته وتمنى أن يجعل للاثنتين ثالثة لولا أن هدى تأبى قربه الفكري والروحي بأي شكل كان..
أمضى معهما وقتا وانصرفا بحدود الثامنة والنصف، ومنذ ذاك الوقت وهو ينتظر ظهورها دون نتيجة ترجى، سأل عنها الخادمة أكثر من مرة لتجيبه بنفس الجواب:
- لم تنزل منذ العصر يا سيدي!
مشتاق لمن تكرهه كل الشوق،
يريدها تحت ناظريه حتى وان انعدم لحضورها صوت ناطق،
وجودها ببيته – خاصة بعد هدنتهما- يزيد من مشاعره تأججا ومن قلبه اشتعالا،
لم عليها أن تحتسب كل أفعاله وأقواله ضده لا في صالحه وصفه؟
يفهم أن طعم الخيانة مر ولكنه ليس المذنب فيما تعرضت له من خيانة!
بل هو كان، وحسب، الوسيلة والسبب!
صارت الساعة تشير لتمام التاسعة حين حضرت سمية الصالة الداخلية لتسأله:
- سيدي، هل أقدم العشاء فهو جاهز؟
كريم ببعض الضيق لم يظهره:
- استأذني هدى أولا!
ذهبت وعادت من حيث ذهبت لتجيب ببعض التوتر:
- ليس لديها رغبة في الأكل! هكذا تقول السيدة هدى!
انزعج كريم، وكان سيهب واقفا ليصعد غرفتها ويجلبها من شعرها لولا أنه تمالك أعصابه كما هي عادته، لا يحب أن يعصى له أمر، ومع هذا عليه تفهم وضعها الحساس، تحكم في غضبه وأمر الواقفة في انتظار إذنه:
- قدميه إذن!
..................................
.....................
في هذه الأثناء،
غرفة هدى،
توقعت أن يوبخها كريم بعد كل ما أقدمت عليه من قلة ذوق،
حين رفضت مساندته،
وحتى بعد أن رفضت الأكل معه وهي تدرك مدى تشبث كريم بذلك كعادة (والحقيقة أنها تتعدى العادة إلى ما هو احتياج نفسي قوي)
وحال اطمأنت إلى أنه قد تقبل الأمر، ربطت اتصالا ملحفا، واندمجت بحديث ذي شجون:
- صدقيني يا سهام، لست عاتبة عليها، بقدر ما أنا عاتبة على نفسي وكيف وضعت الثقة بغير محلها، صحيح أنني لا أثق إلا بالمقربين، ولكنني لم أتوقع لجزء من الثانية.. بل ولم يخالجني شك من أي نوع أنها قد تغازل زوجي! لماذا؟ هل لندرة الرجال؟ أم لأن للخيانة وطعن الناس طعما غير الطعم ولذة مختلفة؟؟
سهام بتأثر كبير:
- تعلمين أنني لم أرتح لها يوما، وحذرتك مرارا من رفقتها، كانت ستكفيك إكرام كصديقة (ثم بصوت ممازح) وأنا طبعا، أم أننا لم نسد احتياجك للصداقة؟
هدى باندفاع حزين متألم:
- بل أنتما تكفيان جدا، وليلى أيضا، لم أرى منها إلا كل خير، وعلى الرغم من عدم استحبابي لكثير من أفكارها وتحررها، لكن أن يصل الأمر لـ..
صمتت قبل أن تأخذ نفسا عميقا مليئا بالحسرة:
- وعلى العموم هي لا تستحق مني حرق الأعصاب هذا، فهي صارت ذكرى سيئة حالما ستنمحي للأبد.. ولو أن شكلها وهي تتقرب منه كان شيئا منفرا، (أخذت هدى تستعيد شريط الحدث بنفور كبير وامتعاض واضح على وجهها) لو أنك رأيت وسمعت! كادت تأكله بعينيها وبوقاحتها النادرة حين عانقت بيدها يده.. شيء مقزز فعلا! كيف استباحت لنفسها لمسه؟ بل وكيف استغلت غيابي للإيقاع به متناسية أنني مهما غبت فهناك رب رقيب على أفعالها؟
سهام تحاول إشاعة جو آخر مغاير:
- احم.. هل أعتبر هذا اعترافا صريحا بغيرتك على الزوج المصون؟
هدى بصدمة:
- كريم؟ لا..لا.. ليس كريم من أغار عليه؟
سهام شهقت برعب:
- لم؟ ما به كريم؟
هدى عضت شفتها لأن زلة لسانها فضحت بعضا من مشاعرها فاستدركت:
- ما أردت قوله، أنني أثق به جدا، ولا داعي لأن أغار عليه!
..................................
.......................
انتهى عشاء كريم أسرع من المعتاد،
لأنه كان عشاء منفردا خاليا من وجودها البهي وسكونها البارد والرائع في آن،
صعد الجناح العلوي..
وصل حجرته،
وقبل أن يغلق الباب على نفسه عاد ليسحبه ويخرج من خلاله للغرفة القريبة،
لابد وأن يطفئ بعضا من حزنها،
لابد أن يمسح على شعرها ليقتص خيبتها من الجذور،
والأكثر بدا أن يضم كتفيها.. (بدل أن يطبطب على أحدهما فقط)..
يضمهما ليلامسهما بصدره حيث يخفق من يهواها حتى النخاع،
لتسكن إليه وبين ضلوعه،
اعتذارا منه على ما كان فيه هو سببا لألمها وضيم فؤادها..
مد يده المضمومة ليطرق الباب،
ولكن يده خذلته وهي تتراجع بحزم،
ليعيد مدها هو بحزم أكبر،
فينتهي بتراجع كل جسمه رفضا!
دخل غرفته وهو يستغرب من نفسه ترددا من هذا النوع،
فليس هو من يتردد،
وليس هو من يقف بين رغبة في الشيء ورهبة منه،
كم صارت قادرة على خلط الأمور عليه وكم صار تأثيرها على قلبه مهيئا أن يتمدد ويتشعب لما هو دون الوجدان وأكثر!
..........
هدى الغافلة عما يصطرع في عقل كريم، كانت مستمرة في حديثها مع أختها...
سهام بتخوف:
- لا يا أختي، من الجيد أن تثقي به، ولكن من السيء أن لا تغاري خاصة بمواقف مشابهة، إذن كيف تراك تصرفت معه بعد انصراف تلك التافهة؟
هدى بصدق:
- أخرستني الصدمة ولم تكن لي رغبة بالخوض بأي حوار كان!
سهام شككت في الأمر:
- لا تقولي أنك ستمضين الليلة مولية له ظهرك! اسمعيني عزيزتي.. لقد تعلمت الشيء الكثير على إثر خلافي مع عمر (نطقت اسمه بشاعرية وحنان) وأنت كنت أول معاتبة لي.. فلماذا لا تعملين بالنصيحة وتسدين لنفسك خدمة بذلك!
وصول هدى لنقط معينة في علاقتها بكريم شيء لا يدعوها للاسترسال في الكلام مهما كان من يكلمها، لذا حاولت المقاطعة:
- سوف يتحسن الوضع بيننا..
ولكن سهام باغتتها:
- لا تدعيه (الوضع) يتحسن من تلقاء نفسه، بل صارحي زوجك وفرغي شحناتك السالبة في حضوره، ومن بعد ذلك تقربي منه واطلبي صفحه لأنه جزء من الحادث لا صانعه، وبعد أن يزول سوء الفهم تفنني في إرضائه!
هدى بعدم فهم:
- أتفنن بماذا؟
سهام بتحفز:
- ألم أخبرك فيما قبل أن للعلاقة قواعد وأنت امتنعت وتعذرت عن معرفتها بحجج واهية،
لكنني الآن سأشرحها لك كما يجب:
- لا تتركي الخلافات، ولا حتى البسيط منها، يمر مرور الكرام وأن يتم بعده الصلح لأنه واجب لا لأنه اقتناع بالرأي والرأي المخالف، كوني واضحة معه واطلبي منه تبريرا لبقا لما لا يعجبك منه..
هدى تقاطع للمرة الثانية:
- أكيد.. هذه ميزة امتاز بها مع الكل!
سهام بنفي:
- لا، للزوج دوما تعامل خاص ومغاير، وإرضاؤه هو أولى أولوياتك!
هدى تتأفف بدواخلها دون أن تبدر عنها كلمة، لتكمل أختها:
- وزوجك حالة خاصة جدا، وموقف اليوم قد يتكرر أمامك وفي غيابك، فوسامته غير طبيعية بالإضافة لكل مقومات الرجل فيه وستجلب لك المشاكل مع كم المعجبات به، إلا أن المفرح في الأمر أن لك من الجمال والحسن ما يستطيع أن يصون عينه عن الامتداد لمن يحاولن استمالته وجلب انتباهه، ولكن الجمال الجامد غير كاف، بل حاولي أن تجعليه يرى فيك نساء العالم جميعا، برقتك وجاذبيتك، وسحرك ودلالك، فجري أنوثتك على مسمع منه وعلى مرأى من بصره!
هدى تتابع الكلام ومع المتابعة يزيد إحراجها مع كل عبارة، لا تتخيل مجرد تخيل أن تحاول جلب انتباهه أو محاولة استمالته، إنه المستحيل بعينه.
- حاضر حبيبتي!
هكذا ادعت الموافقة ورشحت موضوعا أحسن بكثير:
- ماذا عن عمر؟ ألم يعد ليتصل بك من جديد؟
..........................................
.........................
صبيحة الأحد،
الرباط،
حي الرياض،
الشقة حيث يسكن،
محمد منذ أن صلى الفجر لم يعد يستطيع النوم،
ولكن هذا لم يمنعه من الاسترخاء على سريره وإغماض عينيه،
ليقوم بعد قليل بتحضير شيء يتناوله على الإفطار صحبة لمياء، وهو يتمنى أن تصل الخادمة – من الدار البيضاء – بعد ساعة أو ساعتين لتحضر الغداء وتعفيه بذلك من مهمة لا يجيد فعلها!
صحيح أنه قرر إحضارها بعد أن ينقل زوجته للبيت ولكن نقلها لن يتم إلا بعد عشرة أيام تمضيها بالمشفى حسب قرار رئيس الخلية الطبية!
رن هاتفه منبها بحلول السابعة والنصف كما برمجه فاستعد لإعداد الفطور ومعه لبدء يوم آخر لن يختلف كثيرا عن اليوم الذي قبله!
...............................
................
قبل ذلك بنصف ساعة،
كريم على الطاولة،
يرى أن مقاطعة هدى للأكل ستمتد لوجبة أخرى ما يجعله قلقا على صحتها وغاضبا من استمرارها في تجريمه ومعاقبته بذنب لم يقترفه،
تهيأ لأن يفطر فإذ به يسمع صوت خطوات ناعمة خفيفة تقترب،
استدار ليجد أن هدى تقف خلفه، وبابتسامة ناعمة ألقت التحية:
- صباح الخير!
استعاد جانبا من نشاطه، بل وكل نشاطه وابتسامة مماثلة ترد على سابقتها:
- صباح النور!
هدى تتخذ مقعدا وتشرع في الأكل ليفعل هو الشيء ذاته.. اختفى غضبه بلحظة وارتاح ارتياحا عظيما برؤيتها، لم يطل صمتها هاته المرة قبل أن تنطق:
- كريم.. قد أكون أسأت لك البارحة، الأصح، أنني أسأت فعلا.. وأنا مدينة لك بالاعتذار، يمكنك أن تتخيل اضطراب مشاعري حينها..
كريم بصفح وهدوء:
- لا عليك، أفهمك يا هدى!
هدى برضى على جوابه وعفوية تخون كل الحدود التي وضعت بينهما:
- تعلم أنني شعرت بجوع شديد الليلة الماضية؟
ضحكت ضحكة قصير فاتنة قبل أن تكمل:
- لا أفهم لم يفقد الناس الرغبة في الأكل والإحساس بالجوع معا، بينما يحصل معي الأول دون الثاني!
كريم كان قد ترك ما بين يديه من أكل ليتابع كلامها ويسرح في عوالمها، من حسن حظه أنها قلما تضحك لأن ضحكتها تفتنه وتصهر قلبه، وهاهو مفتون الآن وذوبان قلبه ليس له من بين حلول الدنيا أي حل..
رد عليها بلطف:
- غريب ولكنه ممكن!
ثم مستغلا فرصة الانسجام أردف:
- ماذا عن أعمالك الفنية؟
لم تكن لهجته ساخرة هاته المرة فتشجعت هدى لتجيب:
- أنا في تطور ملحوظ، لكن هذا لا يعني أنني لا أحتاج دروسا، ورغم هذا أستطيع تطوير نفسي بنفسي!
باهتمام سألها:
- دروس بمعهد معين؟
- ليس بالضرورة، قد يحصل المهتمون على دروس وتطبيقات من مواقع مختصة بنفس الأسعار!
لم يكن لهدى هدف معين وراء كلامها ولكن لكريم هدفا، بنفس الاهتمام استفسر:
- وهل توفر المواقع ما يوفره المدرس العادي؟
هدى تنهي إفطارها وتسحب المنشفة من حضنها لتمسح بها أطراف فمها:
- إن توافرت سرعة الفهم لدى الدارس فأكيد أنه سيستوعب!
كريم بابتسامة صافية:
- إذن، ما رأيك أن ترافقيني غدا لأختار لك حاسبا؟
هدى باندهاش غلبته الفرحة:
- حقا؟
- أكيد!
هدى بامتنان:
- سأكون سعيدة بذلك!
.........................................
..................
بعد الظهر من الغد:
محمد عاد لممارسة عمله بعد انتهاء الثلاثة أيام،
حين انقضت فترته الصباحية أمضى ما بين الفترتين بمطعم المصرف،
لا يفصله عن أبنائه ببيت أبيه ولا يفصله عن بيته الخاص إلا دقائق ومع ذلك فهو مضطر للتصرف كغريب بالمدينة، وكله حذر أن يلمحه أحد المعارف بأرجائها.. فيفتضح أمره وزوجته!
وزيادة في الحذر وطلبا لراحة أكثر، قرر أن يجد لنفسه شقة للإيجار ثانية حيث يمضي منتصف النهار!
اتخذ المصعد ليرتقي به إلى الطابق الأخير الذي يتواجد به مكتبه،
وحال انفتاح المصعد وقبل أن يدخله اخترق حاسة شمه عطر نسائي مألوف، لم يعط الأمر اهتماما وهو يدخله ويضغط آخر رقم!
...
كان قد اقترب من مكتبه وعبق العطر يزداد فوحانا ويشتد عبيره، إلى أن وصل السكرتارية، وقبل أيسلم على أمل ويطلبها لمكتبه لتعطيه تقريرا مفصلا، كانت صاحبة العطر قد وقفت لتحيته، بنفس الابتسامة وذات الأناقة وأكثر:
- سيد الغازي، من حسن حظي أنك قدِمت!
محمد ربط بين العطر والواقفة أمامه ليتذكر أنها صاحبته، لم يستطع أن يرسم من الابتسامات أبسطها وهو يرحب:
- سيدة العلوي، أهلا بك!
ثم موجها كلامه للكاتبة:
- ألم أعطك تعليمات بمنح السيدة قائمة بالأوراق اللازمة؟
أمل استعدت للدفاع عن نفسها، إلا أن المرأة قاطعتها بأدب:
- والآنسة، مشكورة، فعلت كما طلبت حضرتك، لهذا حالما استوفيت الأوراق والشواهد أتيت لأقدمها! وقد حضرت يوم الجمعة ولكنه صادف إجازتك!
محمد لم يفهم بعد سبب قدومها:
- هكذا أكون قد أتممت واجبي ناحيتك سيدتي!
المرأة برجاء دون أن تتنازل عن كبرياء مؤنث:
- وأنا أطلب خدمة بدل واجب! لست مستعدة للتعرض لكل تلك الأسئلة القبلية والتعقيدات الأولى قبل أن أقابلك، وأرجو أن تتابع حضرتك تعاملاتي لا غيرك!
محمد لم يستطع مقاومة لباقتها وظرفها، فتح باب المكتب ودعاها للدخول:
- لا بأس، سألتزم بذلك!
.......................................
..................
تم الوعد مساء،
بعد وصوله من العمل، وجد كريم هدى على أهبة الاستعداد لمرافقته،
بنفس الانسجام والتناغم استمر يومهما الماضي ويستمر يمهما الآني،
إختار لها من بين الحواسيب ما هو أنسب وأحدث فكانت بذلك سعيدة لولا أن بائعة لم تزحزح عينيها شبرا عن وجهه وهي تشرح له خصائص حاسب لم يطلبها إليها من الأصل،
شعور بالضيق لازمها لدقائق لتعود وتنفرج أساريرها،
ليس يضيقها غير تجرد البعض من حيائهن ومبادرتهن لإظهار الإعجاب برجل مهما كان وضعه الاجتماعي.. سيما إن كان مرتبطا!
تركا المتجر وبعد أن انطلق كريم بالسيارة تكلم:
- سيكون خروجنا اليوم فرصة لانتقاء سيارة لك، بما أنك لم تتخلصي من الأخرى كما أمرت!
هدى صارت تستلطفه كثيرا، ابتسمت له:
- أنا لم أشكرك بعد على الحاسب، فكيف بالسيارة؟
لا داعي لها!
كريم بتصميم وقد وصل لمعرض السيارات القريب جدا والخاص جدا بنخبة معينة:
- ما لا داعي له هو اعتراضك، فها قد وصلنا!
...
رغم حيرتها، إلا أنها توصلت لاختيار نهائي: سيارة متوسطة الحجم ذات تصميم رياضي ولون أبيض،
وكانت بالهبة الثانية أسعد، لولا (لثاني مرة) أن زبونة، (لا بائعة هاته المرة) أبرزت له من فنون الإعجاب أصنافا، فيما كان هو يتجاهلها بشكل تام!
وبما أنها –هدى- كانت قد حررت يدهها من كفه المتملكة لدى دخولهما، إلا أنها، وبعد إغفالها من طرف الوقحة الثانية، فقد اضطرت لإعادة يدها لتستقر بين دفء أصابعه، لتقطع على الغافلات غفلتهن.. وعلى المغفلات غباءهن!
وكريم لم يفته شيء من كل ما تقدم، أساريره تحتفظ بالهدوء والوقار وداخله يبتسم،
تركها لتسحب يدها وهو يعلم أنها ستطالب بإعادتها،
فهي الأنثى: تريد الشريك لها وحدها.. حتى وإن لم تكن تحبه، أو حتى وهي تبغضه...
أحلامي خيال!
|