كاتب الموضوع :
اهلاوي
المنتدى :
الادباء والكتاب العرب
كان رحيل الكاتب السوري وليد مدفعي مؤلما، مثلما هو رحيل أي كاتب او شاعر بمستواه، روايته »غرباء في اوطاننا« التي نشرتها له دار النهار في بيروت في طبعتها الأولى، ثم توالت طبعاتها، كانت في ذلك الوقت (١٩٧٠) جريئة في المواضيع التي طرحتها، ومن بينها ان الانسان العربي كان غريبا ـ ولا يزال ـ في وطنه، لقد كانت رواية الرؤية لكل ما يحصل الآن في الأرض العربية من تخاذل وضعف واستسلام واحباط، حتى قال أدونيس ان الأمة العربية الآن في حالة موات وسقوط مريع.
لقد جسّد الصيدلي والمخرج المسرحي والممثل الراقي وليد مدفعي بكل نشاطاته الابداعية والمسرحية، وفي قصصه ورواياته هذا الوجع العربي الذي جعلنا في مؤخرة الأمم، وهذا السقوط المريع للفكر القومي، حتى بات الواحد منا يتحاشى، بل يخجل من ان يقول انه عربي. وربما بهذا الواقع المتفلّت من القيم والمثل والثوابت التي تربينا عليها أيام الفورة القومية في الخمسينيات والستينيات قد أثرت في قلب الرجل. فآثر راضيا الرحيل، تاركا وراءه هذا الهبوط لأمة كانت ذات يوم خير أمة على وجه الأرض.
كتب وليد مدفعي نحو عشر مسرحيات، معظمها مثلها بنفسه وأخرجها بنفسه، كما كتب العديد من المجموعات القصصية، وأول رواية كتبها عنوانها »مذكرات منحوس أفندي« ساخرة موجعة، يتحدث عن بطلها وهو لا يزال في بطن أمه، وخرج الى الحياة مليئا بالأمل ليفاجأ بأنه مواطن في هذه الأمة المتخاذلة، والمهزومة، والتي تتلقى الضربات ولا تستطيع الرد عليها. وفي قصصه ايضا ـ وهو احد أعضاء الحزب القومي السوري ـ تحدث عن معاناة فلسطين وأهلها بما يشبه الواقع العربي برمته.
سجن وليد مدفعي مرارا سجين رأي، وتعرض للتعذيب خصوصا بعد مقتل عدنان المالكي، عندما أُلصقت التهمة بالحزب كله، فسجن من سجن، وهرب من هرب، وقُتل من قتل.
عانى وليد مدفعي قبل نحو خمس سنوات من جلطة بالدماغ أصابته في الطائرة وهو عائد من زيارة ابنته المتزوجة في أميركا، وقال الأطباء ان سببها جلوسه الطويل على مقعد الطائرة لنحو خمس عشرة ساعة دون ان يتحرك او يتمشى قليلا.
وكان الشلل قد أصابه بجزء من جسمه ويديه وتعثر نطقه الى حد كان من الصعب ان تفهم منه ماذا يريد.. ومع ذلك صار يكتب بالكمبيوتر مستخدما اصبعا واحدة.
ثم تحسنت صحته الى حد صار يستطيع المشي ويقود سيارته ويلعب لعبة الطاولة في المقهى.. وكان يمتلك أملا في الحياة متفوقا فيه على مأساته.. لكن الموت كان له بالمرصاد رحمه الله.
المصدر : السفير
|