كاتب الموضوع :
المحرومه من الحنان
المنتدى :
روايات عبير دار الكتاب العربي
《 ملخص القصة 》
《《 بعد حادث سيارة بشع خرجت منه معاقة الساقين ، مشوهة
الوجه، تحولت (ليزا مور) المدرسة الشابة إلى هيكل بشرى محطم
الأمانى، يضج بمأساتها ومعاناتها النفسية التى لا ترحم، خاصة بعد
هروب خطيبها منها.
الحت عليها خالتها لكى تذهب إلى الريف لتضميد جراحها، ولملمة
شملها، حيث أن لها صديقة تدعى إيريكا مات ابنها وزوجته فى حادث طائرة وتركا لها حفيدين، ترغب في إيجاد مربية لهما لفترة مؤقتة.
وافقت ليزا، بعد ضغوط. وسافرت إلى السيدة إيريكا، التى تعيش مع
ابنها الأكبر (آدم)، الذى كان حاد المزاج شرس الطباع، فنفرت منه
وكرهته، وانتظرت بفارغ الصبر انتهاء مدة عملها لكي تعود إلى منزلها
لكن الأحداث تواصلت .. وحدث مالم تتوقعه الفتاة البائسة المحطمة..!!
قطع عليها سكوتها صوت دبيب الأقدام فى الردهة من خلفها فالتفتت فى سرعة وعجل ناحية الباب.
كانت جثة ضخمة لرجل تملأ فراغ الباب كان ذلك آدم فائدلبيير بطول قارب المترين لكن رغم . حجمه الهائل فقد لاحظت حركاته رشيقة حينما خطا ناحية المكتب ليقف في الجهة المقابلة لها ...
☆ رحلة إلى المجهول ☆
كانت الريح تضرب بعنف نافذة غرفة المعيشة في تلك الشقة المنيرة التى كانت "ليزا مورو: تعيش فيها مع أمها، وكان الناس فى الشارع الضيق من تحتها يهرولون فى طريقهم وقد أخفوا رؤوسهم
بياقات معاطفهم في صراع مرير مع هذه الريح العاتية، وبدت السماء من فوقهم مكفهرة تعكس غضبا لا يقل عن غضب البحر المترامى من
وراء الجبل. كان ذلك العام عاما سيئا للسياح الذين أوقعهم حظهم العاثر فى زيارة «كيب تاون، فى ذلك الوقت من السنة، فقد كان الطقس أسوأ كثيرا من المعتاد ... وهطلت أمطار الشتاء مبكرا، وظل البحر
يصفع بأمواجه الغاضبة وجه ذلك الميناء الجنوب إفريقى فى عنف.
أشارت ليزا» ببصرها عن ذلك المنظر الكئيب في الخارج، وحولت عينيها فى نظرة خاطفة على هاتين السيدتين الجالستين على تلك
الأريكة القديمة المغطاة بقماش زهرى النقش... وتساءلت في قرارة نفسها عن السبب الذى جعل خالتها تزورهم أكثر من مرة عصر ذلك
اليوم الذى يقضي أى عاقل أن يبقى فيه حبيسا خلف جدران بيته. كانت الخالة مولى آنستى، ناظرة المدرسة التى ظلت ليزا» تعمل بالتدريس فيها طوال العاميين الماضين... لابد أن الخالة مولى، لم تأت
إلا لأجل شئ محدد. .. شئ توقمته ليزا مع أول خطوة خطتها الخالة إلى داخل شقتهم الصغيرة الأنيقة. .. شئ ارتجفت منه ليزا بغريزتها.
فمنذ أن وقعت تلك الحادثة التي غيرت وجه حياتها خلال الفصل الدراسي الثاني تلك السنة. كانت ليزا تدرك أنها لابد ستواجه المستقبل مرة أخرى إلا أنها الآن وبعد مرور ثلاثة أشهر، لم تك تملك
من الشجاعة والقوة ما يكفي لتفعل ذلك.
تنهدت ليـزا فى أعماقها واتجهت مستندة إلى عكازها لتجلس على احد الكراسى فى مواجهة المرأتين، لتراقب حديثهما الخافت في صمت... ولكنها لم تستطع ما تتبين كلمة واحدة من حديثهما، بدت
خالتها أكثر شبابا مما قد تكون عليه امرأة فى أواخر الأربعينيات من عمرها ولم تبد عليها أى بوادر الشيبه، بينما أسرع الشيب يتشب مخالبه فى شعر جبهة أمها الأكبر من مولى، بعامين والتى بدت ممتلئة
القوام أكثر من أختها.
رفعت مولى آنستي عينيها فالتقت نظراتها بنظرات ليزا...
ولوهلة خلا وجصه مولى من أى تعبير ثم زمت شفتيها بطريقة أدركت ليزا معناها جيدا وجعلت الرعشة تسرى فى جميع أوصالها. ..
وضعت الخالة قدح القهوة القارغ بحذر شديد على الصقية، كما لو كان مصنوعا من الصين الثمين لا من الخزف المقلد، ثم شبكت أصابع يديها القويتين ووضعتهما في حجرها ،.. أدركته ليز ، حينها... أن
اللحظة المرعبة قد حانت..
«أريد أن أتحدث معك في أمر مهم جدا يا ليزا، واتمنى الا تظني انني أحاول أن أكرهك على شئ لا تودين فعله ولكن...؟
قطعت الخالة حديثها بطريقة موحية ثم تبادلت نظرة خاطفة مع ام ليزاء قبل أن تتابع:
وعزيزتى... أنك تحتاجين فعلا إلى الابتعاد عن هنا لبضعة أشهر على الأقل... أعتقد أن قضاء بعض الوقت في الريف هو أفضل شئ لك.
وهل تطلبين منى بطريقة مهذبة جدا، أن أستقيل من عملي في المدرسة يا خالة؟.
ودت ليزا أن تعرف واكتسى صوتها العذب الناعم بنيرة من السخرية التى ولدت من رحم الألم والمعاناة وانجلاء الحقائق أمام عينيها طوال الأشهر الثلاثة الماضية.
مطلقا يا عزيزتى، اجابتها خالتها في سلاسة.. لست أطلب منك أن تستقيلي طالما لا تريدين ذلك، ولكننى وامك ندرك تماما مدى ممانعتك في العودة إلى المدرسة بعد. . وبعد الحادثة، أجابتها ليزا في هدوء.
«نعم، قالتها مولى وهى تلملم شتات نفسها واضافت لماذا لا تبتعدين لفترة يا ليزا سيمنحك ذلك فرصة للتغلب على ذلك الموقف العصيب،
أجابتها ليزا فى اقتضاب :
لا أستطيع توفير المال لإجازة طويلة ولست أستطيع مجرد التفكير فى الجلوس خالية دون عمل.
احتجت . عليها مولى قائلة بسرعة:
الم يقترح أحد أن تبقى دون عمل يا عزيزتى، طبعا لابد أن يكون لديك ما يشغلك.
وتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي ليزا ...
ولا يوجد وظائف كثيرة هذه الأيام حتى فى الريف وانا.. قاطعتها خالتها قائلة:
في الواقع أعرف شيئا قد يثير اهتمامك، ثم مالت للأمام لتشرح لها... لدى صديقة قديمة «إيريكا فاندليير، وقد فقدت من وقت قريب أصغر ابنائها وزوجته في حادث طائرة ، ووجدت نفسها الآن
مسؤولة عن طفلين صغيرين، ولد وينت فى الخامسة من عمرهما»،
وهل هما توأمان؟ء سألتها ليزا وقد بدا عليها الاهتمام الشديد. نعم، كان جواب مولى التى أضافت. ..
• إن اييريكا تعيش مع ابنها الأكبر آدم، فى مزرعة الأغنام الخاصة به فى منطقة يوفورت ويست، ورغم أنها تحب الأطفال كثيرا إلا أنها بدأت تدرك أنها لا تستطيع أن تتولى أمرهما بمفردها حاليا، وقرر
آدم، عم الطفلين وولى أمرهما.. أنهما يعتاجان للمساعدة .. وعندما جائني خطاب أيريكا بالأمس طالبة مني أن ارشرح لها شخصا ما،
قفزت أنت ساعتها فى ذلك
صرخت ليزا فى امتعاض؟
لا، لا، ، لا أستطيع. ،
ولكنك ماهرة فى التعامل مع الأطفال وستكون فرصة رائعة لقضاء إجازة فى الريف مع كسب بعض المال.." كانت حجة الخالة قوية"، "لكننى مدرسة يا خالة ولست جليست أطفال"
"ولن يستغرق الأمر سوى أسبوعين فقط" .
بأسبوعين"، سألتها ليزا وقد ملأ عينيها الشك، بينما
تململت مولي ، فى مقعدها وقد بدا عليها الارتباك ثم لم تجد مفرا من الاعتراف. ..
وفي الواقع.. ما يزيد على أربعة أشهر... حتى يذهب الطفلان إلى مدرسة داخلية.
وجاء رد ليزا حاسمآ
مستحيل ...وقاطعتها أمها لأول مرة قائلة فى , هدوء: عزيزتي ليزا ... أعتقد أنك يجب أن تمنحى نفسك مهلة. للتفكير فى الأمر.. على الأقل..، تعلمين انك كنت متخوفة من فكرة العودة إلى المدرسة.
أردفت مولي في محاولة لإقناعها:
"تخلى هواء هضاب الكارو المنعش "
ردت ليزا في حده وجفاء رافضة الفكرة بكل ذرة فى كيانها : الصيف تلك الهضاب حار وملئ بالغبار ، وفي الشتاء تكون باردة ومليئة بالصقيع. شكرا لك يا خالة مولى. أنا ابنة المدينة ولا يروق لي العيش في مزرعة بدائية في هضاب الكارو بالمرة...
ولن يستمر ذلك طويلا يا عزيزتى . لديك عطلة نهاية الأسبوع للتفكرى فى الأمر يا ليزا ، أشارت إليها خالتها بعد فترة من الصمت الطويل التوتر الذى خيم على الغر فة... "اعلمينى بما توصلت إليه يوم
الاثنين" .
عادت بها أفكارها إلى ذلك اليوم حين كانت سيارتها عند الميكانيكى ليجرى لها بعض أعمال الصيانة الدورية، وقبلت أن توصلها أقرب صديقاتها ساندى دونكان» إلى المدرسة.
كان الطريق شديد الازدحام بشكل غير مسبوق ذلك اليوم، وكانت ليزا وساندى تناقشان حول خطتهما لقضاء إجازة الشتاء . وقرب موعد زفاف ليزا إلى «توى فيليبس»، ولم تلحظ أى منهما تلك السيارة
النقل الصغيرة، من طرازا السيارات التي توصل الطلبات للمنازل وهى تكسر الاشارة فى مفترق طرق مزدحم، الا بعد أن أصبحت تلك السيارة فى مواجهتهما وتماما.. ولم يكن ثمة مفر من الاصطدام.
لم تدرك شيئا مما حدث!!... إلى أن فتحت عينيها في المستشفى ذلك بساعات عديدة، واخذت تسال الممرضه والأطباء فى إلحاح عن مصير صديقتها... الا انهم ظلوا يراوغونها... وفى النهاية أخبرتها
امها بأن ساندى قد توفيت فور وقوع الاصطدام.
تضاءلت آلام ليـزا من جراء الاصابات التى لحقت بها أمام هول صدمة موت ساندي .. إلا أن تلك الآلام سرعان ما ازدادت حدتها بعدما سمح لروى بزيارتها فى المستشفى... مع ذراعها الموضوعة فى
الجيبس وصعوبة تنفسها بسبب تكسر أضلاعها والشدة المعلقة إليها ساقاها ... أدركت ليزا أن شكلها لا يبدو جيدا بالمرة، ولكن حينما رأت
وجه روى» الواقف خلف سريرها وقد بدا عليه التصلب، أدركت أن إصابات وجهها كانت أسوأ مما صوروه لها، ربما بدا عليه الشفقة بها والتعاطف معها وربما حتى الأسى من أجلها ... ولكن مع هذه النظرات المرعبة والمشمئزة في عينيه، كانت الضربة القاضية. وبطريقة أو باخرى خلعت خاتمه، من إصبعها المتورم ومدت يدها به إليه فقبله دون أدنى بادرة احتجاج تم استدار خارجا من العنبر. ..
ومن حياتها كلها .
لم تستطيع ليزا أن تنم فى ليلتها تلك.. إذ ظل اقتراح خالتها يقفز الى ذهتها... أن تتولى مسئولية رعاية هذين الطفلين اليتيمين... ولم تستطع التفكير فى أى شئ آخر. يا له . من اقتراح مضحك... لم يرق لها مطلقا ان تعيش فى هضاب الكارو فى مزرعة أغنام نائية.. كما أن رعاية طفلين صغيرين لا يمت
بصلة لما تدربت عليه من التعامل مع الأطفال فى عمر الثانية عشرة في المدرسة.
لقد كانت دائما رشيقة القوام وصغيرة الحجم، ولكنها الآن أصبحت نحيفة بشكل مؤلم وبرزت عظم وجنتيها فى وجهها الشاحب،
وتكورت ظلال سوداء قاتمة تحت عينيها الزرقاوين الواسعتين ذات الرموش الذهبية الباهته . كان شعرها بلون الذرة الناضجة وينسدل بطبعه على كتفيها، ولكن منذ تلك الحادثة المشؤومة اعتادت أن تمشطه
بحيث ينسدل على وجهها ليخفى ذلك الأثر الموجود عليها.. ولكن لم يكن هناك من طريقة لإخفاء أثر ذلك الجرح البارز الطويل الممتد بطول فكها .. لقد كان بارزا فى مكانه كما لو كان نذير سوء يقف هناك لإغـاظتها دون شفقة وليذكرها بكل ما كانت توحي به نظرة روى، إليها فى قسوة ورعب.
عند ذلك ترقرقت الدموع في عينيها وهي تشيح بوجهها عن المرآة وتتحسس طريقها نحو المطبخ فى ظلام دامس حتى فوجئت بأمها تخطو داخلة المطبخ دون أن تصدر أى صوت.
هل يزعجك أن أصحبك قليلا سألتها سيليا مورو فى هدوء كانت أمها تتحرك في يسر وسهولة بدون تلك العرجة التي حاولت ليزا دون جدوى أن تتغلب عليها . «يجب أن تحاولى نسيان الماضى يا ليزا
قالتها أمها عرضا ولكن في دهاء... اليس من الجيد بالنسبة لك ان تتجرعى كل يوم مرارة ما حدث وكما تعلمين فلا يسبب لك ذلك سوى المزيد من الألم والاكتئاب»
ولا أستطيع ان أمنع نفسى من تذكره، وكلما نظرت فى المرأة تمنيت لو كنت قد مت ساعتها .
ليزا !! صرخت أمها فيها بوجه شاحب وهى تحدق فى ابنتها فى ذعر... اء إياك أن تقولى ذلك مرة أخرى
ولكن وجهى. ... ملئ بالندوب. .. أجل... قاطعتها أمها في حدة... إلا انها والحمد لله لم تشوه وجهك بالقدر الذى تتخيلين.، ويجب أن تحمدى ربك على ذلك .
«أوه. يا أماه.. قالتها ليزا بصوت متهدج ونظرت إلى أمها بعينين زائفتين يكاد الألم يقفز منها،.. لقد رأيت الطريقة التى ينظر بها الناس إلي و....
لا تقوليها يا حبيبتى.. أسكتتها أمها في عجال وبدأت ليزا تشعر بالندم وهى ترى ذلك الخيط من الدموع ينساب من عينى أمها...
وبمرور الوقت ومع قليل من العناية والاهتمام ستشفين بطريقة طبيعية مرة أخرى... لقد وعدنى الطبيب، ان هذه الندوب ستتلاشى شيئا فشيئا إلى أن تصبح غير ملحوظة.
" نعم أعتقد ذلك
اشربي يا عزيزتي. .. اشربى..: أخيرا اقترحت أمها.. " حان الوقت لتأوى إلى فراشك "
وفى صباح اليوم التالى، كانت أمها هى التى فتحت الموضوع عندما جلستا لتناول أقداح الشاى معا فى غرفة المعيشة ليزا، هل فكرت في العرض الذى اقترحته عليك مولى؟
ودون أن تشعر بها أخذت يد ليزا تتحسس أثر الجرح من أسفل أذنها حتي ذقنها.
«لم أتوصل بعد الى قرار نهائي. .قالته ليزا فى احتجاج يائس وهى تتفحص الفكرة نفسها.
لا تكونى ساذجة يا حبيبتى.
"اماه، أوه.
امسكي هذه...، ووضعت امها سماعة الهاتف فى يد ليزا المتعثرة..
والآن اطلبى رقم مولى... هيا.
ومرت الأيام بسرعة لا تصدق ووجدت ليزا نفسها تودع أمها وتمضى فى طريقها شرقا نحو "بوفورت ويست " ، تقود سيارتها بنفسها.
لاحت بوفورت ويست، امام عينيها بعد ساعتين، بشوارعها التى تصطف أشجار الكمثرى على جانبيها، وحدائقها الغناء وملاعبها المترامية، بدت المدينة وكأنها واحة خضراء فى تلك المنطقة شبه الصحراوية. دلفت ليزا إلى أحد مكاتب البريد الموجودة بالمنطقة واتصلت بأمها لتطمنها وتمدها بمراسلتها ما إن تستطيع ذلك، ثم عادت إلى
سيارتها لتكمل آخر شوط في رحلتها.
نفضت ليزا عن نغسها ما كان
تحس به من قلق وترقب ثم بعد اثنى عشر كيلو مترات رأت اللافتة التى تشير إلى مزرعة "فيرفيو".
وها هي المزرعة صاحت ليزا مخاطبة نفسها، وادارت مقدمة سيارتها الفيات نحو الاتجاه الذى تشير إليه اللافتة، واتخذت طريقها فى حذر شديد حيث كان الدرب ينتهي إلى المنزل الذى بدا شاجآ وعسيرا على الرؤية خلف أشجار اللبان والكافور.
بدا المنزل ذو الطابقين ابعد ما يكون عن صورة المنزل الريفي البدائي الذى تخيلته ليزا، كما لم تكن المرأة التي خرجت لاستقبالها بالشكل الذي توقعت ليزا أن تكون عليه إيريكا فاندليير، كانت المرأة
فارعة الطول هزيلة البنيان، وقدرت ليزا أنها فى الستين من عمرها،
لكن كان هناك شئ ما له سحر خاص في مظهرها ... شن لم تتوقع ليزا أن تراه فى امرأة عاشت كل حياتها تقريبا في مزرعة، هبطت إيريكا هاندليير السلم مسرعة في رشاقة.
• يا لله يا طفلتى المسكينة!! لابد انك قد انهكت ... ديزى!! صاحت السيدة وصفقت بيديها فظهرت على الفور امرأة ملونة، وكأنها كانت تنتظر نداء سيدتها.
خذى حقائب الآنسة مورو، إلى غرفتها وأخبريه بيتروس، لياخذ سيارتها إلى أحد الجيراجات الخالية.، ثم استدارت وأمسكت بذراع ليزا الخالية من العكاز ، لتتكئ عليها بطريقة بدت طبيعية تماما...
هيا بنا نبتعد عن تلك الشمس المحرقة.
ودون أن تنتظر ردا، ساقت ليزا إلى الردهة الأمامية الواسعة بأرضياتها ذات الخشب الأصفر اللامح، وصناديقها المصنوعة من الخشب العتيق الذى تفوح منه رائحة الأيام، وحامل القبعات ذى المرأة ...
أظن أنك بحاجة إلى الشاى؟
وسيكون ذلك شيئا عظيما، شكرا لك.
وعندما صعدت إلى غرفتها قالت ديزي:
وهل تود السيدة أن أفرغ لها أمتعتها"،
التفتت مبتسمة للمرأة التي وقفت عند حافة السرير وقد خفضت رأسها فى توقير واحترام بعد أن وضعت حقائب ليزا . لا حاجة لك بذلك..، شكرا... شكرا لك. أومأت ديزى برأسها والقت ابتسامة خاطفة إلى ليزا ...
وعندما تريد السيدة أى شئ في أي وقت... فما عليها سوى أن تناديني.
شكرتها ليزا، فى لهفة لأن تصبح بمفردها قليلا فى الغرفة التى ستظل بها طيلة الأشهر القليلة القادمة.. وما إن أغلقت ديزى الباب خلفها، حتى أخذت ليزا تتأمل المكان من حولها ...
تسريحة انيقة من الطراز الهولندى ودولاب ملابس من نفس الطراز... منضدة صغيرة وأنيقة للكتابة وقد وضع تحتها كرسى خشبى صغير،.. وكرسي كبير منجد وذو مساند وعليه زخارف جميلة الشكل..سجادة بلون زيتونى تغطى أرضية الحجرة كلها. وعلى النوافذ ستائر بلون أخضر ليمونى. إن السيدة فاند ليير تنتظرها بالطابق السفلى ليتناولا الشاى معا،، لن يكون هناك وقت أمامها
سوى للاغتسال بسرعة وتغيير ملابسها لتلحق بالسيدة ...
أحست ليزا بشئ من الانتعاش وهى تخطو نازلة الدرج ثم توقفت برهة والتفتت يمينا ويسارا لا تدرى فى أى اتجاه تذهب ثم لمحت عيناها بابا مفتوحا عبر الصالة فى مواجهتها تماما وكأنه يدعوها
للدخول فتوجهت ناحيته على الفور، .. ايريكا فاندليير جالسة على أريكة من الخشب العتيق وعليها وسائد بلون بنفسجى ضارب للحمرة وعلى الطاولة الصغيرة الموضوعة امامها صينية شاى فى انتظارها
أشارت إيريكا إلى ليزا لتجلس بجانبها وما إن فعلت حتى صبت لها قدحاً من الشاى ...
ولابد انك قد انهكت تماما بعد رحلتك الطويلة. .، قالتها ايريكا وهي تناول ليزا قطعة من الجاتو،،.
نعم.أشعر ببعض الخشونة فى جسدى كله ..قالتها ليزا وتناولت قطعة أخرى من الحلوى.. توقفت على الطريق مرات عديدة..
مرة لاتنأول الشاى أو لتناول الغداء ،،، وقد ساعدنى ذلك على إراحة ساقى لدقائق قبل استكمال الرحلة.
وسألتها السيدة فاندلير بصوتها الدافئ المهذب:
اخبرينى... كيف حال عزيزتى مولي؟
كما هي... تحاول دائما أن تسير حياة الآخرين بألطف الطرق وأطيبها.
وابتسمت ليزا ابتسامة خافتة.. وبالمناسبة... هى تبعث إليك بتحياتها .
ولا زلت أذكر عندما كانت في الجامعة مع ابنة أختي
بيجي، . وأخذت السيدة فاندليير تتذكر.. «كانت مولى وليجى تقضيان إجازتهما الصيفية أحيانا هنا في المزرعة.. معنا . .. وكانت مولي
انسانة مرحة ولطيفة للغاية. .. نعم كما أتذكر، وبعد أن تخرجت من الجامعة تزوجت "لوك آنستي" وكان طيارا... لقد مات بطريقة مأساوية
بعد الزواج بسنوات قليلة، وامتلأت عينا ايريكا بالدموع... ربما بما أثارته الذكرى في نفسها من أحزان... وربما بسبب مصيبتها
الخاصة.. ولا زلت أتعجب لماذا لم تتزوج مولي مرة أخرى."
تعتقد خالتي مولي أن تلك السنوات الخمس التي قضيتها مع زوجها قبل موته، هى أجمل خمس سنوات يمكن لامرأة أن تحلم بها
وتعتقد انه ما من رجل في العالم يستطيع أن يحل محل الرجل الذى جعل هذه السنوات كذلك."
يا خسارة. ، قالتها إيريكا وكانما تحدث نفسها .. «الموت يخطفا أعز أحبائنا ويتركنا من بعدهم في حال يرثى لها... أنا آسفة غمغمت ليزا وذكرياتها تعود بها إلى ذلك اليوم المشؤوم حينما كانت في السيارة مع صديقتها ساندى التى كانت تثرثر وتضحك .
وتتكلم بفرح وسرور عن الإجازة القادمة.. وفجأة اختطفها الموت بعدها بدقائق قليلة.
وامتلأت جبهة ليزا بالعرق مع هذه الذكرى الحزينة وحاولت جاهدة أن تخرج نفسها من هذه الذكريات.
أين الأطفال؟،
جوش وكيت،
الابد أنهما هنا او هناك... فى مكان من المنزل، لقد صارا عنيفين قليلا في الشهور القلية الماضية, أجد نفسي عاجزة عن التعامل معهما، كما أن آدم، . آدم ابنى... لا يجيد التعاما مع الأطفال. إنه في
الثامنة والثلاثين ولا يزال عازبأ .» وهو لا يطيق أن يفسد عليه حياته المنتظمة طفلان يمتلان حيوية ونشاطا... لكنه مغرم بهما بطريقته الخاصة.. أنا أومن بذلك .
والتفتت عينا ليزا بعينى السيدة العجوز فتصلبت نظراتها وتحركت أصابعها نحو ذلك القطع الموجود على جانب فكها ... لكنها لم ترى اي نفور فى هاتين العينين الخضراوين.
" عندي علم بتلك الحادثة المشؤومة التي وقعت لك، قالتها يريكا فاتدليير يدفء وعذوبه لمستا اعماق أعماق ليزا وجعلتها تحس براحة كبيرة.
لم أخير أحدا بها، ولا حتى آدم، ولن يذكر الموضوع مطلقا .. إلا إذا رغبت أنت فى ذلك، نحن نريد ان نساعدك، يا ليزا. قالتها ونطقت اسم ليزا بطريقة بدت طبيعية وحميمة...
وأتمنى لو استطعنا مساعدتك على استادة حياتك كما كانت سابقا اغرورقت عينا ليزا بالدموع وأشاحت بعينيها بسرعة بعيدا عن السيدة العجوز.
وأنت طيبة للغاية يا سيدة قاندليير.
ورات عليهما صمت لم يقطعه سوى ثرثرة الأطفال وصياحهما العابث. .. وظهر امام ناظريها كائنان صغيرأن مهلهلا الملابس وقد لطخا بالطين يتقافزان حتى دخلا الغرفة وما إن رأيا ليزا حتي تسمرا
في مكانيهما.
صاحت فيهما ايريكا فاندليير فى ذعر، .. اياكم ان تقتربوا أكثر من ذلك... حذرتهما بسرعة... ستلطخان السجادة اصعدا فوق ونظفا نفسيكما قليلا قبل أن تنزلا لأقدمكما بالطريقة المناسبة للأنسة
غمم عفريت منهما:
أوه يا جدتي. .. لماذا لا تقد... لا تقد... لماذا لا نستطيع الآن؟
أجابتهما جدتهما بلهجة حازمة:
لأنكما قذرين جدا في هذه اللحظة ولا أستطيع أن أعرف أحدكما.من الآخر. .. هيا اصعدا الآن فورا ونفذا ما أقوله. واطاعها الطفلان على مضض وانصرفا،
وبعد دقائق عاد الطفلان إلى غرفة المعيشة وقد بدا وجهيهما نظيفين إلى حد ما.
أشارت اليهما الجدة بالدخول فدخلا بخطوات وئيدة يحملقان في ليزا ويفحصائها من أعلاها إلى أسفلها ... ليزا، أحب أن أعرفك بحفيدى..» قالت ايريكا مبتسمة...جوش وكيت، هذه هي الآنسة مورو التى أخبرتكما عنها .
واجه الطفلان ليزا ببشرتها البنية من أثر الشمس وبنياتهما القويه وزاد توتر ليزا مع النظرات الفاحصة التى اخذ الطفلان يقذفاتها بها متأملين تجاعيد وجهها وآثار الجروح به. كانت تنتظر الشق الذى كانت تخشاه كثيرا ... لكن لم يد على وجه الطفلين سوى
الفضول الطفولى وأحست عندها ليزا براحة كبيرة خففت عنها وطأة الموقف.
" هل أنت ستعنين بنا؟ سألها جوش بينما ضلت اخته تنظر إلى الأرض في خجل.
«نعم... لو سمحت لى.
وهل تستطيعين أن تلعبى لعية النطاط؟.
أدركت ليزا أن السؤال له أهميته فرفعت عينيها لتلتقى يعينى الطفل الصغير ونظراته الثابتة وأجاب ؛
نعم ... أعتقد ذلك ، ،
اذا، سيكون كل شئ على ما يرام. أجابها جوش وبدا وكأن المشكلة قد حلت بالنسبة له.
التفتت السيدة فاندليير إلى ليزا قائلة:
واذا كنت تريدين أن تصعدى إلى غرفتك لبعض شؤونك ... فتصرفى وكأنك في بيتك، وتابعت قائلة : غرفة الأطفال مجاورة لغرفتك وسأكون ممتنة لك لو ألقيت عليهما نظرة لتتأكدى أنهما سيأخذان حمامهما فى الخامسة ثم يرتديان البيجامات قبل أن ينزلا
إلى المطبخ لتناول العشاء، هما يتاولان بقية الوجبات معنا فى غرفة الطعام.. لكن آدم نادرآ ما يتناول عشاءه قبل السابعة مساءا وحينها يكون الأطفال قلقين ومتعبين.» وتوقفت برهة قبل أن تضيف .
طبعا ستتناولين كل وجباتك معنا في غرفة الطعام.
أسرعت ليزا تقول: لكنى لا أمانع أبدا فى تناول العشاء مع الأطفال.
لسبب لا تعرفة كان اللقاء المرتقب مع آدم فاندليير يزعجها كثيرا. وبرغم حرارة استقبال ايريكا فاندليير لها وحديثها معها، فإن صاحب العمل الذى ستعمل لديه لن يكون ايريكا بل آدم نفسه وكان لديها
إحساس بأنه شخص من الصعب إرضاءه.
وساد الصمت بينهم لبرهة وكان الطفلين قد أطلقا لخيالها المتان ليخيلا الحادثة التى حرمتهما كلاهما من والديها ثم جلست كيت إلى جوار ليزا ولمست خدها فى خجل واصابعها الصغيرة تستكشف
ذلك الأثر الزائر على وجنتها، وأحست ليزا بتوتر شديد وهى تحملق فى الطفلة الجالسة إلى جوارها... لكنها لم تبعدها عنها.
انت جميلة جدا، قالت كيت اخيرا، وازالت هذه المجاملة الرقيقة من طفلة لا تكاد ليزا تعرفها بعضا مما كان بنفسها من مرارة طلية الأشهر الماضية.
"شكرا لك يا كيت.، قالت ليزا بصوت مضطرب وهى تضم الطفلة "اليها فى حرارة.
هل آلمتك الحادثة كثيرا؟ أراد جوش أن يعرف وأشار إلى القطع على وجهك.
أجابته قائله
«آذتنى قليلا ... نعم.»
هل أنت مدرسة؟
سألها جوش مغيرا موضوع الحديث وكان مظهرها وشكلها لم يعد يعنيه،
أجل. ... قالت كيت وقد بدا عليها الاهتمام.
سنذهب إلى المدرسة السنة القادمة .
ابتسمت ليزا واجابتها ...... نعم أعتقد ذلك.
وهل المدرسون دائما غاضبون سألتها كيت وقد بدا التوتر فى وجهها .
«ليس دائما ..... عمو آدم دائما غاضب رغم أنه ليس مدرسا .. قالها جوش بنيرة احتجاج فتذكرت ليزا فجأة ما قالته لها ايريكا فاندليبير: لحسن
الحظ فالأطفال يهابون عمهم. . فقط يهابونه. .. ليس إلا ..
«ليس إلا . أكيد هناك صلة ما تربط بين الأطفال وعمهم فهو أخيه الراحل؛ من الجيد أن يحترم الأطفال عمهم وولى أمرهم.. لكن ليس ذلك كافيا. فالأطفال بحاجة لمن يحبهم ويحبونه.
ربما لأن عمكما مشغول ولديه أمور أخرى تشغل باله، قالتها ليزا وكأنما تقدم الأعذار نيابة من رجل لم تره فى حياتها، وبدأت تتكون له فى مخيلتها صورة الرجل الصارم المخيف.
هل تعتقدين ذلك؟ . سألها جوش بنبرة من الشك والتحدى تظهر فى ملامحه الصغيرة.
وأنا فقط اخمن، بادرته ليزا وأضافت: لم ألتق بعمك بعد. وسوف ترينه غدا ...
قالها جوش وقد بدا بصيص الأمل يخفت عينيه.
نعم... غدا غمغمت ليزا بصوت مضطرب.
كتمت ليزا تنهيدة كادت تخرج منها، وأطفأت النور وغادرت غرفة الطفلين.
☆الشرط المستحيل ☆
استيقظت ليزا صباح اليوم التالى على نباح كلب يقف تحت نافذتها ولبرهة ظلت تدير عينيها فى المكان من حولها غير مدركة أين هى الآن.
كان شيئا جديدا عليها أن يوقظها نباح كلب وثغاء الأغنام بدلا من هدير السيارات الذي اعتادته في المدينة وظلت مستلقية في مكانها لفترة لتذكر البيئة المحيطة بها إلى أن خطر ببالها اللقاء الذى يوشك
أن يتم مع "أدم فاندليير فهرولت" ، من رقدتها على عجل.
فتحت ليزا النافذة على مصراعيها أمام هواء الصباح وتوقفت هنيخة تعامل الحديقة التي غطاها الندى الذي تلألأت قطراته تحت أشعة الشمس التي أخذت في الشروق في تؤدة ودلال لكن... لا وقت للتكؤ أمام النافذة والاستمتاع بيهاذا المشهد كان جوش وكيت قد ارتديا ملابسهما واستعدا لمصاحبتها عندما
دلفت غرفتهما بعد ذلك ببضع دقائق.. ونزل الثلاثة معا باتجاه غرفة الطعام وليزا تحس بحواسها متوثبة لذلك اللقاء الذي طالما توجتست منه، لكن لم يكن في غرفة الطعام سوى ايريكا فائدليير..، وحدها.
الا إن آدم خرج مبكرا هذا الصباح بادرتها ايريكا عثدما رأت تلك النظرات القلقة التى تفحصت بها ليزا الغرفة بمنضدتها الخشبية الطويلة ودولاب الأواني الطويل الموجود بها... سيراك بمجرد أن
يعود بعد الفطور وصلت ليزا بالأطفال إلى غرفتها وابقتيهما مشغولين باللعب بقطع الصلطال، بينما انشغلت هى بقراءة إحدى الجرائد المحلية، ولكن ما إن قرأت صفحة أو اثنين حتى وجدت ديزى تطرق
الباب وتدخل الغرفة قائلة. ..
السيد آدم يريد أن يرى السيدة فى مكتبه.
تبادل الطفلان نظرة فيما بينهما زادت من توتر ليزا.
اشارت ليزا إلى الطفلين باستكمال لعبهما وتبعت ديزى إلى الصالة قادتها ديزى إلى ممر خارج الصالة ثم إلى غرفة اصطفت بها كتب كثيرة على أرفف معلقة على الحوائط.
قطع عليها سكوتها صوت دبيب الأقدام فى الردهة من خلفها فالتفتت فى سرعة وعجل ناحية الباب.
كانت جثة ضخمة لرجل تملأ فراغ الباب كان ذلك آدم فائدلبيير بطول قارب المترين لكن رغم . حجمه الهائل فقد لاحظت حركاته رشيقة حينما خطا ناحية المكتب ليقف في الجهة المقابلة لها ...
وأعتذر لجعلك تنتظرين؛ يا آنسة مورو ، قالها بصوت عميق تفضلى بالجلوس.
أطاعته ليزا فى خضوع وعلقت عكازها في مسند الكرسى الذى جلست عليه، وأدركت لأول مرة أن ساقها كانت ترتعش . وانتظرت في سكون وتوتر بينما جلس هو في مقعده الهزاز وراح يبحث عن علبة السجائر.
وهل تمانعين لو أشعلت سيجارة؟
أومأت ليزا برأسها نفيا وانتهزت الفرصة لتراقب وجهه وملامحه عن كثب وهو يخرج سيجارة ويشعلها ...
كان شعره قصيرا مجعد وقد وخط الشيب فوديه.. وصبغت الشمس بشرته بلون بنى غامق، لم يكن آدم مثل أخيه جاك... كان أشعث الهيئة وفير وسيم بالمرة، لاحظت ليزا ذلك بنظراتها القلقة التى
انزلقت من على شعره إلى جبهته العريضة وأنفه عريض الأرنبة والذى تبدو عليها آثار تعرضه للكسر من قبل، وذلك الفاك القوى البارز وذقنه ذات الأخدود الصغير، كانت تبدو على وجهه علامات قوة الشخصية إلا أن فمه الواسع كأن يوحى لطيبة توارت خلف هيئته الرثة ومظهره الصارم.
كان آدم رجلا مزارعا نمطيا، استخلصت ليزا ذلك واخفضت عينيها فى شعور بالذنب عندما لمحها آدم تحلق فى وجهه.
"أعتقد أنك مدرسة.." قالها آدم وعيناه تضيقان وهو يرقبها من خلف ستار كثيف من الدخان.
" نعم ، ، أنا مدرسة" .
ما الذي دفعك للاستقالة من وظيفتك؟، سألها ونظراته تكاد تخترقها مما جعلها ترتبك وتجيبه بصوت مضطرب...
«أنا لم... لم.. . ام... أستقيل من الوظيفة... في الواقع... أخذت إجازة،،، لبضعة أشهر .
" والسبب؟، ألقى السؤال فى وجهها وكانه يستجوبها.. «لقد ... تعرضت لحادثة .
وأحست ليزا أن عينيه تتحسسان ذلك القطع الفائر فوق جانب فكها فتصلبت عضلاتها تلقائيا... ولكن بعد تلك النظرة القصيرة الفاحصة التقت عيناها بعينيه الخاليتين من اى تعبير. .
وهل كانت حادثة سيارة؟. " نعم ".
واضح أنك قد استعدت الكثير من عافيتك بعد هذه ال... حادثة، تابع قائلا وقد أثارت وقفته أثناء الكلام كل حواسها. ..
ولا أستطيع أن أفهم لماذا لم تستطيعي العودة إلى عملك الذي تدربتي عليه.
كانت.. كانت هناك أسباب اخرى، اجابته ليزا بموت مضطرب وهى ترفع وجهها ناحيته في شئ من التحدى، ولكن عندما رأته يحدق فى وجهها كما لو كان ينتظر منها تفسيرا أضافت فجأة وعلى نحو
قاطع... «أسباب شخصية.،
ارتفع حاجبا آدم فاندليير قليلا كما لو كان قد ازعجه رفضها تفسير الأمر، ثم اطفأ سيجارته ونهض واقفا على قدميه معلقا يديه فى حزام سرواله وهو يقول:
«اعتقد أن أمي أعطتك فكرة عما تتوقه مناك، ولكن هناك عدة أشياء أود أن أضيفها، قالها بلهجة جافة وهو يتجه نحو النافذة ويحدق منها إلى الحديقة مما أتاح الفرصة لليزا لتتأمل قامته الضخمة وبنيانه القوى و...
أبقى الطفلين بعيدين عن منطقة الرعي ولا تسمحى لهما مطلقا باللعب بالآلات الزراعية، الحظيرة والاسطبلات محرمة عليهم وفوق كل هذا وذاك..» وتوقف ليواجهها ويقذفها بنظرات نارية من عينيه
السوداوين... «ابعديهما عن طريقى... مفهوم؟ .
«مفهوم يا سيد قاندليير، ، اجابته ليزا بلهجة متوترة «والآن بخصوص رتبك، ذكر لها لمبلغا يعادل ضعف ما ذكرته والدته ، فأفلتت منها أهة دهشة ظنها استنكارا فسألها فى جمودة
وماذا؟ هل المبلغ غير كاف،
ابدا ... أبدا.. انه اكبر كثيرا مما كنت أتوقع . بادرت ليزا لتصحيح ظنه وهى تنكمش تحت تأثير هاتين العينين النفانتين اللتين لا يكاد يفوتهما شئ.
وأنا على استعداد تام لدفع هذا المبلغ، بل أكثر منه، بشرط أن استعيد شيئا من النظام الذى كان عليه بيتى يوما ما، يا آنسة مورو، كان صوته عميقا وخشنا وارتسمت على وجهه ابتسامة ساحرة عندما
لاحظ نظرات الدهشة في عينيها...
هل يدهشك ذلك؟.
«إنهما ابني أخيك الراحل!! .
بالضبط .... وأقبل يقف أمامها مباشرة فاضطرت لرفع رأسها بطريقة مؤلمة لتستطيع النظر اليه فتابع قائلا... لقد القى القدر فى طريقي وجعلنى مسؤلا عنهما ، وما على سوى أن أستفيد من الموقف بأفضل ما يمكن.
" يهمك أن يكونا سعداء... أليس كذلك؟» واجهته بالسؤال فى نبرة متحدية . لكن يديها قبضت على ذراعى الكرسى الذى كانت تجلس عليه
بعنف جعل أصابعها تؤلمها،
" شيئ طبيعي " وأفلتت من شفتيه ابتسامة لم تفلح فى الوصول إلى عينيه الجامدتين، ، سأوفر لهما أى شئ يحتاجأنه، فقط طالما لا يقعدان على كياني حياتى المرتبة التى صنعتها لنفسي .
"هكذا إذا ... قالتها ليزا بصوت واهن وامتلات اعماقها بحنق هائل على أنانية ذلك الرجل وجموده. لم تكن هناك ذرة من العطف أو الشفقة فى هذا الجسد الضخم الذى يمتلكه آدم تجاه هذين الطفلين
اللذين شاءت لهما أقدارهما أن يكونا فى رعايته.. وقفز إلى ذهنها فجأة ذلك التعبير الحزين الذى اكتست به ملامح جوش وكيت وهما
يتحدثان عن عمهما... الآن تستطيع أن تفهم لماذا ارتسم ذلك الحزن علي وجهيهما.
لا أعتقد أن لدينا ما نناقشه بعد يا آنسة ، قالها آدم وكأنه يأمرها بالانصراف فنهضت ليزا من مقعدها في عجلة للابتعاد عن هذا الرجل المزعج. لحظة من فضلك يا آنسة، هل أصيب كاحلك؟ .
لا.. إنها ... إنها إصابة فى الفخذ من جراء الحادثة.
وجدت ليزا هاتين العينين القاسيتين تتفحصانها من رأسها إلى قدميها.
- آه... ذلك يغير الموقف تماما .
وهل تقصد فيما يتعلق وظيفتي؟
" نعم أعنى ذلك.
لا تذكر ليزا أن احدا قد أثار غضبها من قبل لهذه الدرجة كما فعل آدم الآن، ولمعت عيناها في برود وهى تلتقى بعينيه...
اليس معنى أننى مصابة بإعاقة بدنية طفيفة، انني غير مؤهلة ذهنيا ... يا سيد. فاندليير.
زم آدم شفتيه على نحو ملحوظ. .. لست اناقش قدراتك العقلية يا آنسة مورو، لكنني أشك في قدرتك البدنية على التعامل مع الطفلين. فهما أشقياء للغاية.
ساتدبر ذلك.. أجابته باقتضاب. أشك كثيرا في ذلك.
على الأقل يجب أن تعطينى الفرصة لأثبت نفسى، قالتها ليزا بمرارة والم انعكسا فى نظرائها التى واجهت بها نظرات آدم فى تحد وعناد.
"انوي منحك تلك الفرصة أخيرا نطلقها آدم فاندليير.
وأمامك شهريا آنسة مورو ، قالها بلهجة محذرة وهو ينحنى تجاه قامتها الضئيلة فبداً لعينيها مثل عمالقة الأساطير فانكمشت من نظرته. ...
" لو ...في نهاية ذلك الشهر، وجدت أن الضغط البدنى قد زاد عليك أو.. لم أقتنع بالطريقة التى تعاملين بها الأطفال... قلن أتردد فى إستبدلك.
شكرا لك .. تمتمت ليزا وقد سرت في أوصالها رعشة من الخوف.
لا تشكرينى يا آنسة مورو، قالها بنبرة ساخرة. «فبعد شهر ربما ستندمين لو لم تتلهفي هكذا على إثبات ذاتك.
ثم أشار لها فجأة .. يمكنك الذهاب الآن.
امتلأت عينا ليزا بدموع الألم والمرارة وامتدت يدها تتحسن مقبض الباب وكانها لا تراء وأدارته وأسرعت بالخروج من المكتب.
لاحظت ليزا أن جوش وكيت يراقبانها وقد علت الدهشة ملامحها.
يبدو شكلك حزينا .. كما انك تبكين. قالتها كيت وقد بدا على وجهها الفضول فأسرعت يدى ليزا تحسس وجنتيها لتجدهما مبتلتان وساخنتان .
"أحيانا أتصرف بغباء، قالتها ليزا وأفتعلت ضحكة وفى تمسح بأناملها آثار دموعها وتحاول أن تتماسك قليلا أمام الأطفال.
ونحن لم تعد نبكي لأن جدتنا أخبرتنا ان ماما وبابا الأن فى الجنة مع الملائكة وأننا سنراهم فى يوم من الأيام. "
"صحيح.. صحيح جدا، قالتها ليزا ردا على ما قاله جوش وبصدق مماثل، ثم انتشلت نفسها من تلك الذكريات الحزينة وابتسمت إليهما وامسكت بيديها قائلة : هيا بنا... لتخرج معا من هنا لترياني
الحديقة . فرح الطفلان كثيرا لأنهما سيكونان دليلها، لكن بالنسبة لطفلين صغيرين مثلهما وها يتقافزان في الحديقة وليـزا لا تستطيع مجاراتهما.
لم تكن ليزا تتخيل مطلقا أن توجد مثل هذه الجنة اليانعة الخضرة وسط ذلك المكان المجدب القفر، ولكنها وهى تلمس بتلات زهور الكاموميل القرمزية بأطراف اناملها، ابتسمت في سخرية من مدى
جهلها بما قد يوجد في هذه الدنيا الواسعة.
كان ذلك عالما لم تراه من قبل طيلة حياتها، عالم بعيد بل أبعد ما يكون عن حياة المدينة بصخبها وضجيجها وأدخنة السيارات التى تشق قلبها كل لحظة.
اعدت ايريكا فاندليير الشاى فى الفيرانده ذلك الصباح، وشرع الطفلان يلتهمان الكثير من الشطائر الذيدة قبل أن ينصرفا فى مرح ليستأنفا لهوهما في الحديقة، وهبت ليزا لتلحق بهما إلا أن ايريكا
أومأت إليها بالجلوس فى مقعدها..
ولن يذهبا بعيدا ... خصوصا طالما لا تزال هناك شطائر للذيذة.
طمأنتها ايريكا مبتسمت فاسترخت ليزا فى مقعدها لتجد هاتين العينين الرماديتين ترقبائها فى تساؤل.
وهل قابلك آدم هذا الصباح؟
بدا التوتر على ليزا وهى تتذكر لقاها ذلك الصباح مع
السيدة.
«السيد فاندليبيرتكلم معي . هذا الصباح... نعم.
أصبح مشغولا للغاية منذ أن توفى ولدى جاك لدرجة أنه لا يجد الوقت للاسترخاء والراحة، ليس من الغريب "لا أراه طوال اليوم إلا على العشاء هذه الأيام . تنهدت ايريكا وهزت رأسها في اسى...
ويعلم الله ان هذه المزرعة لا يقدر عليها رجلان، ولكن مع عب ومسؤولية جاك التي أضيفت إلى عاتقه أصبحت مهمته شبه مستحيله.
تساءلت ليزا في تردد:
أليس من الأفضل تعيين مدير للمزرعة الأخرى؟.
أجابتها السيدة العجوز.
وليس من السهل العثور على مدير كفؤ هذه الأيام... لكن آدم كان قد تحدث عن امكانية تعيين شخص ما نهاية هذا الشهر، ولا أستطيع أن أصف لك مدى الارتياح الذى سيحمله ذلك إلى نفسى.
«هل المزرعتان متجاورتان
هزت ايريكا رأسها نفيا.
لسوء الحظ، لا. تقع مزرعة آل جاكسون بين فيرنيو » وبويفرلى".وقد ساعد السيد جاكسون ابنته ويللا آدم كثيرا، لكن لا يمكن ان تستمر الأمور على هذا النحو للأب , صحيح أن آدم قوى وصحيح البنية، لكن لكل طاقته، اوسع مساعدة ويللا له على هذا النحو فإننى أخشى... توقفت ايريكا وقطبت حاجبيها ثم، عندما لاحظت أن ليزا تتطلع اليها في فضول أشاحت بيدها قائلة...
على كل حال.. لا يهم. لقد بدأت الكلم بحماقة.
ساد بينهما صمت غريب لوهلة، وتساءلت ليزا ما الذى يمكن أن تخشاه ايريكا فاندلبيير بالضيط. هل كانت تخشى أنه مع مساعدة ويللا جاكسون لآدم فى المزرعة ووقوفها إلى جواره أن يقع فى هواها
ويتزوجان في نهاية المطاف أكيد فإن فتاة لها مثل تلك الخبرة باعمال الزراعة ستكون زوجة مثالية لمزاريع مثل آدم هل هناك شئ آخر.
غير ذلك هو التى يخيف ايريكا ؛شن ربما لا تدركه ليزا؟
انقطع حبل الصمت بينهما مع وقع أقدام جوش وكيت وهما يتقـافـزان صعود إلى حيث تجلس المرأتان ليأتيا على ما تبقى من الشطائر ، ووجدتها ليزا فرصة سانعة لتستأذن من السيدة العجوز
لترافق الطفلين, ابتعدت مع الأطفال قليلا عن المنزل، عند لمحت وميضا فالتفقت ناحية مصدره لتفاجأ بوجود حمام جديد للسباحة يقع وسط سور من الأشجار الطويلة الوافرة الظلال، كانت مياه الحمام
تتلألأ تحت أشعة الشمس، ثم خالجتها مشاعر الفرح فسألت الأطفال من فورها:
وهل يستطيع كلا كما السياحة؟.
«نعم، أجابتها الطفلان بحماس بالغ.. لكن عمو أدم يقول أن الماء لا يزال باردا جدا علينا فلا نستطيع ان نسبح فيه. .
أومأت ليزا برأسها في تفكير عميق...
اتوقع ذلك... ثم أضافت صحيح أن الجو يزيد دفئا هذه الأيام بالنهار، لكن لن تستطيعا السباحة فى الحمام لمدة شهر أو شهرين آخرين.
أوه انظري .. صاح بها جوش وكيت فى صوت واحد وقد بدا عليهما الانفعال الشديد... واشار إلى معسكر للرعي فيما وراء الحمام .
" ها هي الخراف الصغيرة هناك "
ابقى الأطفال بعيدين عن معسكرات الرعى، جلجلت عبارة آدم فاندليرفى أذنيها حينما اندفع الأطفال نحو سور المعسكرات ليشاهدوا حملان المارينو ذات الصوف الكثيف وقد استلقت في دعة تحت أشعة الشمس الدافئة، بينما أخذت الإناث ترعي فيما تبقى من حشائش وخضرة في المكان،
ترددت ليزا للحظة قبل أن تلحق بالأطفال، بالتأكيد لن يعترض عمهما اذا ما بقيا في هذا الجانب من السور... قررت ليزا ذلك بثبات ورأت، بينما هى تقف إلى جوارهما حملاً رضيعاً يتجه إليهما. مد جوش وكيت أذرعهما من خلال السور، اخذا يشيران إليه ويشجعانه على الاقتراب منهما أكثر وأكثر..
أمسكت كيت برداء ليزا . وغمزتها قائلة:
اليس جميلا يا آنسة.. يا آنسة...
نادتى ليزا فقط .
أليس ذلك الحمل جميلا يا.. ليزا، أعادت كيت عليها السؤال في استحياء أن تنطق اسمها مجردا هكذا دون القاب. بادرتها ليزا قائلة: «جميل... صوفه ناعم وملمسه حريرى!
"هيه.، ها هو عمى آدم قادم هناك كان يصرخ جوش وقد بدا القلق فى صوته، فالتفتت ليزا بحركة حادة ورات آدم فاندليير على حصانه. يقطع المرج،
تقلصت عضلات جسمها رغما عنها حينما أقرب ممسكا بلجام، فرسه من جانب السور . حيث كانت تقف القى على ليزا نظرة سطحية من عينيه السوداوين المخفيتان تحت حافة قبعته... لكنها كانت على يقين بأنه قد قلب عينيه فى هذه النظرة السريعة فى كل ذرة فى كيانها، .. من أم راسها حتى اخمص قدميها.
توقف آدم أمامها تماما وسادت بوهة من الصمت الرهيب بينهم وهم في انتظاره ليبدا بالحديث.. وعندما تكلم خاطب ليزا بصوته العميق الجلجل قائلا: معسكرات الرعي خارج حدودكم... كما تعلمين يا آنسة مورو.
لذا أعتقد أنكما هنا لأن الأطفال أحبوا أن يأخذوا في جولة حول المكان.
«نعم. عمو آدم. وبادر جوش بها قبل أن تفكر ليزا فى الرد، ثم أضافت بعد برهة من التفكير:
"عمو آدم.. هل تستطيع أن نحمل هذا الحمل الرضيع فى أيدينا؟... لبضع دقائق.
تجمدت الدماء في عروق ليزا حينما سمعت ذلك واسرعت تختلس النظر إلى وجه آدم فاندليير لترى التعبيرات التى ترتسم عليه. وللحظة بدا انه سيسبهم جميعا ولكن يا الله.. لقد انفرجت أساريره وأسرع
يختطف الحمل ثم يضعه بلطف وهدوء فى ذراعى جوش الصغيرتين.
وتبادل الصغيران حمل الحيوان الرضيع وملاطفته ومداعبته. ولمس الرجل قبعته ليعدل وضعها فوق رأسه ثم انطلق بجواده يرجان الأرض رجا.
☆المأزق ☆
عادتنا هنا، فى المزرعة أن ناوي إلى الفراش لساعة على الأقل بعد تناول الغداء.
قالت إيريكا فانتدليير مخاطبة ليزا وهما تنهضان من على منضدة الغداء...
فى الصيف، عندما تطول الأيام وتشتد حرارتها ستفهمين تلك العادة.
لم تجادل ليزا وصعدت بالصغيرين إلى غرفتيهما... وعندما أغلقت خلفها باب غرفتها بعد دقائق من ذلك، استلقت على السرير وهي تحس بالامتنان أن أتيحت لها فرصة تخفيف الحمل من على قدمها قليلا.
طوال فترة العصر لم يرحم الطفلان ليزا وظلا يشركانها معهما في ألعابهما العنيفة والعابثة التي أنهكتها، ولكنها أحست بانها تستمتع بكل لحظة معهما. ولأول مرة منذ شهور وجدت ليزا نفسها تضحك من كل قلبها ساخرة من قلة حيلتها أمامهم وهم يلعبون الاستغماية» إذ كانا يعدوان كالأرانب كلما اقتربت من الأماكن التي كانوا يختبئون فيها ومن ثم... ظلت معظم الوقت تجرى وراءهم وتبحث عنهم وهم يختبؤن فى المنطقة التى حدودها للعب ربما كان ادم فاندليبر محقا تماما عندما
شكك في قدرتها البدنية على التعامل معهما ... ولكن وإن يكن... لقد استمتعت بكل لحظة مع جوش وكيت حتى إنها لا تكاد تطيق صبرا حتى ينبلج فجر اليوم التالى وتواصل اللهو والمرح معهما. ربما، مع
مرور الوقت، تخف عرجتها وتزول ولكن.. هل تستطيع الأيام أن تمحو تلك الجروح العميقة التي لا تزال تعلق نفسها؟
أحدثت نظرات الرعب في عيني روى» في نفسها شروخا لن تلتهام... لقد مزق روحها وطعنها في مشاعرها بقسوة ووحشية... وكان في قبوله الصامت لخاتم الخطوبة التى نزعته من إصبعها وناولته إياه،
قتل لديها كل امل بان ذلك ما هو الا ردة فعل لصدمة الحادث ووقعة عليه. لقد أسرع حينها يغادر ذلك التبرير وائحه التى تزكم الأنوف. .. وراقبته وهو يجرى، دون أن تنحدر من عينيها دمعة أو يهتز
لها جفن وكأنما تحجرت مشاعرها جراء هذه الوحشية التى لم تلك تعتقد أن مثلها قد يوجد على هذه الأرض.
لم يكن آدم فاندليير على العشاء هذا المساء أيضا. استخلصت ليزا من كلام أمه أن غيابه يتعلق بتطعيم الخراف الذى سيبدأ صباح الغد.
كما استخلصت أن غيابه له صلة أيضا بما قيل عن هروب ثلاثة من المسجونين الخطرين، إلا أن ليزا قد أحست . بالرضا بنفسها لأنها لن تضطر لمواجهة الرجل تلك الليلة على مائدة العشاء ، حتى انها لم
تلقى بالا لما قد يكون سبب غيابه.
مع أقل حركة سيعتبرك رولف من جديد تهديدا له، به حذرها آدم وهو يقترب منها وقد علقت دون حول ولا قوة في الشجرة وعضلاتها منقبضة وقلبها يكاد يتوقف ولا تكاد تستطيع التنفس ، لكنه لم يبد
أية محاولة لصرف الكلب بعيدا عنها ...
ما الذى كنت تفعلينه هنا في هذا الظلام؟
قذف السؤال في وجهها بشكل مفاجئ جعلها تنكمش في مكانها ووجدت نفسها تتمتم فى سذاجة. ..
يكن... كنت.. أتمشى.
ألم تحذرك أمى هذه الليلة بالا تبتعدى عن المنزل لأن هناك إشاعة بهروب بعض المجرمين الخطرين وانهم على مقربة من هنا؟
تجمدت ليزا من الخوف .
ننعم، نعم. .. حذرنى أمك ، اعترفت بأمانة. .
لكنني... أعتقد ...أننى... . كنت أفكر فى شئ آخر... ولم أسمع ما قالته عن. .. البقام فى المنزل... وعدم الابتعاد عنه..
ولقد عرضت نفسك لخطر بالغ بعدم إصخائك لتحذير أمى. .
صفعها بصوته فى ذلك الظلام. .«لقد تلقيت تقريراً، منذ اقل من عشر دقائق، بأنه من المحتمل جدا أن هؤلاء المجرمين موجودون هنا..
في أرضى.
أنا ...أ... أسفة , أجابته بصوت محتبس وأنفاس متقطعة. وقد اتسعت حدقتا عينيها عندما جال بخاطرها ما كان يمكن أن يحدث لها لو لم يكن آدم فاندليير وكلبه على مقربة منها ، وساد بينهما صمت
متوتر، لم يقطعه سوى لهاث الكلب ثم..ثم أجبرها الألم الذى يشبه أظفاره فى ساقها على الكلام...
فهل ... هل ستبعد الكلب عنى يا سيد فاندليير، أم أنني سأبقى " طوال الليلة حبيسه هنا... بجانب هذه الشجرة؟
" وقد يعلمك ذلك درسا لن تنسيه بسهولة.أجابها بلهجة حازمة ونبرة من السخرية في صوته.
كما سيكون من الممتع أن نرى إلى مدى تستطيعين تحمل هذا الوضع
ولا شك أنك تجده موقفا مسليا، لكنني لا أجده كذلك. أنا،،. شهقدت ليزا وأشاحت بعينيها عن ذلك الضوء الساطع للمصباح الذى سلطه على عينيها ...
هل يجب أن تسلط هذا الشئ على عيني بهذه الطريقة؟ ولوهلة لم يتحرك الضوء بعيدا عن وجهها الشاب وعينيها التى امتلأت بالنظرات الزائفة، ثم تحرك الضوء ليسقط عند قدميهها، ثم نادى الكلب ليقف إلى جواره.
"الآنسة مورو هي صديقة يارولف، قالها وهو يطفئ المصباح الكشافه واللحظة لم تر ليزا شيئا ثم، عندما اعتادت عينيها الظلام بصرت الكلب وقد زالت عنه وقّفته المتحفزة وأخذ ينظر اليها في فضول قلق.
لا يبدو انه يصدقك كثيرا ، قالتها بصوت مرتجف من موقف الكلب تجاهها.
مدى يدك إليه... لكن ببطءقالها آدم فى هدوء ففعلت ما أمرها به وظل هو يقول: «صديقة يارولف .. صديقة، .
زفر الكلب في اصابعها. مرة أو اثنين وقد بدا عليه شن من الانزعاج ثم ما لبث أن دفن انفه الرطب فى راحة يدها.
هل أستطيع أن أربت عليه الآن؟
إنه يتمنى ذلك، أجابها الرجل فجأة وقد بدا فى ذلك الظلام مجرد شبح أسود،
«إنك كلب جميل يا رولف قالتها ليزا وهى تلاطفه ولكنها قالتها بأمانة وهى تربت على راسه الناعمة بلطف ورقة.
جميل لكن... خطير، ، حذرها آدم فاندليير... اياك ان تخيفيه مرة أخرى.
أخذ رولف يضرب كفها بأنفه بهدوء وكأنما يؤكد كلام سيدها..
لكن ليزا لم تكن تحس به تقريبا وهى تشعر بمعنى كلام آدم فاندليبير وقد سلطت عليها وجعلتها تحس بانزعاج أكيد مع طول الصمت بينهما
وبحثت فى عقلها فى جنون عن شئ لتقوله..، لكنها لم تجد... ثم عندما شق سكون الليل عواء ثعلب تحرك آدم قاندليير على نحو مفاجئ قائلا:
سأوصلك إلى المنزل.
تقبلت ليزا عرضه فى صمت وسارت إلى جواره وخلفهما رولف. لم يلمسها آدم فاندليير، ولا حتى عرضت عليها أى مساعدة، لكنه مشى
ببطئ مقصرا خطواته الواسعة، واحسست . بالامتنان لهذه اللفتة المعبرة.
عندما اقتربا من السلم استدارت ليزا لتشكره لكن نظراتها تجمعدت عندما سقطت عيناها على تلك الملامح القاسية التى تشبه ملامح تماثيل الفراعنة التى كانوا ينحتوتها من الجرانيت. .. ما الذى
فى هذا الرجل ليسلبها ما تبقى لديها من ثقة بنفسها ويحولها إلى كائن ابله لا يكاد يبين! .. تساءلت ليزا والأسى يعتصرها وهى تتأمل تلك الملامح صعودا من ذقنه المدببة ذات الندغة الصغيرة إلى عينيه.
ذات النظرات الأخاذة والوميض الشاق الذى اخذ يتلالا في ضوء القمر ، كان هناك جو من الرجولة الطاغية يجعلها تهم بالصغار والضمة إلى جواره. نعم لقد أحسست بهذا الإحساس فى المرتين اللتين
قابلته فيهما هذا الصباح .. وها هي الآن تعاني منه.
أقترح عليك أن تدخلي إلى البيت يا آنسة مورو، جلجل صوته الأجش ليقطع عليها حبل افكارها ويخرجها من شرودها الكاحل...
ليالى الكارو هنا قد تصبح باردة في ذلك الوقت من السنة.
وعندما استدار عائدا لمحت ذلك السلاح القاتل المعلق على كتفه واتسعت عيناها فى خيبة أمل...
وتحمل بندقية، قالتها بنيرة اتهام وشئ ما القلق أطلق لسانها المقيد .
لن تحاول أن تقبض على هؤلاء المجرمين بمفردك، أليس كذلك .
بمفردي؟ .. لا، ليس بمفردي. ، قالها آدم ونبرات السخرية تكاد تتقافز من وجهه عندما استدار ليواجهها مرة أخرى، .. . لكن كان بصوته تلميحا لشئ لم تستطع أن تتبينه...
وهذا الثعلب الذى سمعت عواءه من دقائق ما هو إلا أحد عمالي يرسل لى اشارة بانهم قد رأوا شيئا ما.
"وهل... هل تعتقد أنهم مسلحون؟ المجرمون. . أقصد؟ .
بل أعلم أنهم مسلحون، . قالها بهدوء وحسم ثم أشار لها بالمصباح وقد نفذ صبره قائلا،. .
ولا تخافي مطلقا يا آنسة مورو، ستكون هناك دوريات . حراسة حول المنزل طيلة الليل، أو إلى أن يزول الخطر.
إننى لست خائفة على نفسي لكننى أخاف عليك... أنت ، كادت تلك الكلمات أن تقفز من أعماقها وتتخطى شفتيها ولكنها امسكت بها فى اللحظة الأخيرة وعضت شفتيها وبدرت منها شهقة فزعة. ..
طاب مساؤك يا سيد فاندليير، اخيرا استطاعت أن تقول شيئا.. واستدارت دون أن تلتفت وراءها ودخلت المنزل وأغلقت الباب من وراءها بالمفتاح كما أمرها.
كانت ليزا تهتز بعنف لدرجة لم تستطع معها أن تصعد السلم، لكنها أبت بعناد بالغ أن تستبين السبب وراء تلك الأفكار والخواطر المزعجة التي راحت تعصف بعقلها. واوت الى فراشها ولكنها ظلت
الليل مستيقظة حتى سمعت، بعد منتصف بوقت طويل.
- اصوات تحت نافذتها مباشرة فاختطفت نفسها من الفراش وهبت واقفة تنظر.
ورغم أن سطع الشرفة كان يحول بينهما وبين الواقفين بأسفل، إلا أنها لم تملك نفسها أن تشعر بارتياح تام عندما تبينت موت آدم بين أصوات عماله , واستنتجت من الفرح اليبادى فى أصواتهم
وهمساتهم أن جهودهم قد تكللت بالنجاح، وحينها فقط استطاعت ليزا أن تخلد إلى النوم.. وفي الصباح اكدت لها اريكا فاندليهير وهما يتناولان طعام الفطور، أن آدم ورجاله قد استطاعوا الإمساك بالمجرمين دون أن يصاب أحد مرت الأيام وصارت أسابيع واقتربت من شهر.، وليزا حريصة على الابتعاد عن طريق آدم ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. لقد كان شخصا مزعجا للغاية، وبه رجولة طاغية لدرجة لم تتح لها الفرصة
لتشعر بالارتياح فى وجوده ,, ظنه بعدم قدرتها على رعاية التوأمين.
رغم كل ما كانت تشعر به من توجس في البداية، سرعان ما تعودت ليزا على هذه المعيشة الجديدة. وقد قوى ساقها الهواء المتمش الذى يتميز به المكان والمشاوير اليومية الطويلة التى كانت تمشيها مع
التوأمين، حتى إنها لم تعد في حاجة إلى عكازها.. وذات ظهيرة وهى مستلقية على فراشها قرب نهاية الشهر الأول، تحولت بخواطرها نحو جوش وكليت الراقدين في هدوء في الغرفة المجاورة لغرفتها. لقد تقيل الصغيران النمط الجديد لحياتهما دون أدنى بادرة احتجاج من جانبهما، كما أن سلوكهما لم تنبه شائية من الخطأ تقريبا، وارتباطا بليزا في شغف شديد والي درجة كانت تخفها أحيانا، ربما وجدا في
ليزا ما يعوضهما عن الأم التى فقداها... وكان ذلك ما يزعجها كثيرا ... كثيرا جدا .
كانت ايريكا فاندلير كثيرا ما تستقبل ضيوفا من المزارع المجاورة، ولكن أكثر من كان يريد عليها هو ويللا جاكسون» والتى كانت تتردد عليهم مرارا وتكرارا وكأنها كانت تحلم انها يوما ما سيكون هذا المكان كله ملكا لها .
كانت ويللا طويلة القوام، ذات شعر كثيف بلون أسود ضارب للحمرة ينساب فى استقامة على كتفيها ... لقد استولت على اعجاب اليزا الشديد لمعرفتها الواضحة بتربية الأغنام، دون شك إن ويللا ذات
قدرات بدرجة عالية... عالية جدا، لكن دون ان ينتقم تلك من أنوثتها كانت جميلة ولكنها مثالية بالنسبة لفلاح قح مثل آدم فاندليير.. لو اختار هو ان يتزوجها.
ذات مرة استيقظت ليزا فجأة ينتابها شعور غريب بأن هنالك شيئا ما..ليس على ما يرام إن جوش وكيت ليسا فى غرفتيهما أخذت ليزا تبحث عنها فى المنزل دون جدوى. .. وبحثت كذلك في الحديقة... واخيرا لجات ليزا إلى ديزى خادمة ايريكا الأمينة. ..
هل رأيت الأطفال في أي مكان؟
لا ... يا آنسة ليزا
- اعتدلت واقفة وقد ارتسمت عبوسة على جبينها وهي تستدير لتواجه ليزا اليسا في غرفتهما".
قالتها ليزا وأحست بعضلات معدتها تتقلص من شدة التوتر. لم يتبق سوى أيام معدودة وتنتهى فترة الاختبار التى منحها آدم فاندليير اياها .
-آه حدث شئ لن يرحمها آدم بتعلقاته الجارحة ونظراته الحادة الساخرة ..
لو !! .. لم تستطع أن تقاوم أكثر من ذلك تلك الشكوك التى أخذت تخترق قشرة عقلها ... لقد سمعت الأطفال يتحدثون عن بئر ما في المزرعة ولطالما حذرتهما من الاقتراب منها ولكن...
«هناك يئر مهملة في مكان ما في المزرعة.. أين هي إه نعم... نعم يا آنسة ليزا . إنها وراء هذا التل الذى هناك.. اشكرا... شكرا .
ولكن... آنسة ليزا بدأ القلق ينتاب ديزى بدورها ... هل تظنين أن الأطفال قد ذهبوا إلى هناك
نعم اظن، وأشارت ليزا لها بالصمت وعدم ذكر اى شئ لأحد أيا كان، وانطلقت ليزا تعدو وهى تدعو الله ألا يكون قد حدث للصغيرين أى مكروه.
وكـأنها استغرقت دهورا حتى تصل إلى التل... وإن كانت لم تستغرق سوى عشر دقائق فقط . وصلت إليه وقد جف حلقها واخذ قلبها يدق في عنق وقد توقفت برهة لتلتقط انفاسها على قمة التل
ولكن... شن ما أحمر اللون لفت انتباهها... إنها كيت وقد جلست على ركبتيها تنظر إلى الأرض!! انطلقت إليهما ليزا كالصاروخ وقد تناست الآلام التى أخذت تمزق عظام ساقيها. .
ليزا ليزأ تعالى بسرعة!
ركعت ليزا على ركبتيها بجوار كيت وأمسكت بها يقوة. أين جوش لم تكن فى حاجة للسؤال فقد كان هناك حبل متدلى إلى قاع البئر وتبعته بنظرات زائفة إلى الأسفل ليصل إلى سمعها صوت نحيب ً أكد
اسوأ مخاوفها...
"يد... يده انزلقت من على الحبل و سقط.. » شرحت لها كيت والدموع تقاطر من عينيهاء، وكانت ليزا قد استلقت على بطنها تحدق فى ظلام البئر...
جوش... هل تستطيع أن تسمعنى؟ء كانت عيناها تمشطان ظلام البئر في محاولة لتبين جسد الصغير.
اه.. نعم... أسمعك يا ليزا ..
هل جرحت؟
«هناك كدمة بسيطة فى راسى، .. وقد خدشت يدى... لكن لا،،، لا أستطيع أن أقف على قدمى.
وهل تستطيع أن تمسك بالحبل؟
لا .. . إنه عالي جدا عني.
كاد اليأس يصيبها ولكن... رغم بغضها للفكرة فلم يكن هناك حل ... فأمسكت بكتفى كيت فى حزم ودعت الله أو تفهم الصغيرة كلامها وتنفذه بالحرف،
أريدك أن تعي جيدا ما أقوله يا كيت. عودى بسرعة البرق للمنزل وأخبرى ديزى بكل ما حدث ... بالتفصيل، اطلبي منها أن ترسل أحدا
ليبلغ عمك وأن تخبره أن يحضرحبلا أطول معه, بعد ذلك ابقى بالبيت .. مفهوم.
أومأت كيت برأسها وقد بللت الدموع وجنتيها الفضيتين. مفهوم يا ليزا .
«هيا، اذهبي ، قالتها ليزا بابتسامة مشجمة أفلحت أخيرا فى رسمها على شفتيها ودفعتها دفعة خفيفة فى اتجاه المنزل ،
ليزا... أين أنت؟
«أنا هنا يا جوش، طمأنته ليزا وربطت الحبل فى الشجرة وأخذت تختبر قدرته على تحمل وزنها ...
أنا نازلة إليك...
ستقعين.
لا ، لن اقع، لحسن حظها فقد كانت ترتدي حذاءها مطاطا خفيفا كما كان من حسن حظها أيضا أنها كثيرا ما ذهبت إلي الجبال في رحلات أيام كانت طالبة. وأخذت تنزل الى البئر وهى تركن بقدميها
على النتوءات الخشنة على جانبيه. . بعد لحظات كان جوش فى حضنها وهو يرتعد من الخوف وانتظرت قليلا حتى جفف دموعه ...
والأن.. دعنى انظر... كيف أصبت.
كانت شمس الظهيرة تلقى بشعاع خافت على فتحة البئر... ولكنه كان يكفي لأن ترى بوضوح ذلك التورم فى جبهته وبقع الطين التى
تلطخت بها ملابسه ووجهه. لحسن الحظ كانت يده مصابة برضوض خفيفة ولكن كاحله كان قد التوى بعنف سبب له الما كثيرا حتى إنه تأوه من الألم عندما أخذت تتحسس التورمات التى كانت به.
رغم ضيق المكان وصعوبة الحركة به فقد نزعت وشاحها الذى كان يغطى رأسها وصنعت منه ضمادة ربطت بها كاحل الصغير..
«أنا آسف يا ليزا، قالها جوش بعينين دامعتين.
أعلم ذلك.»
هل انت.. غاضبة منى لأننى لم أسمع كلامك؟
«يجب.. أن أكون غاضبة جدا منك.. لكن سيكون هناك وقت كاف لنناقش ذلك فيما بعد .
سنخرج من هنا؟ء
لا أستطيع أن أخرجك بمفردي ولذا سنظل هنا هادئين حتى ياتي عمك آدم ويساعدنا، .
عمى آدم سيكون غاضب جدا.
نعم... أتوقع ذلك..، قالتها في هدوء ظاهر، لكن القلق كان يعصب بها من الداخل. . كانت قد انتهت من ربط كاحله وألبسته حذاءه حتى يعمل كدعامة اضافية للكاحل الملتوى...
طال الانتظار واخذت عواصف القلق تثور في عقل ليزا وتزلزل كيانها .. أكيد لن يضيع آدم مثل هذه الفرصة.، لن يتردد في طردها من العمل... يا الله! لقد تعلقت بالصغيرين... سيؤلمها تركهما أكثر مما كانت تتخيل... ولكن... أخذت ليزا تستعد للمحتوم عندما أحست بالأرض تهتز مع دبيب حوافر الخيل التى أخذت تقترب منهما...
رفع جوش بصره إلى ليزا فى قلق بالغ عندما توقف وقع حوافر الخيل.. فاستجمعت نشسها وابتسمت له ابتسامة تطمئنه!!
سمعا صوت صهيل حصان في مكان ما فوقهم ثم.. جلجل صوت آدم فاندليير المدوى يصفع آذانها وارتجفت له حوائط البئر:
«آنسة مورو: هل انت تحت .
تدلى الحبل إلى البئر وأخذت ليزا تحيط وسط جوش به في احكام وبأنفاس لاهثة اخذت ليزا تراقب الصغير وهو يرتفع ببطء لأعلى البئر حتى اقترب من السطع كاد قلبها يقفز من مكانها
«اعتن بجوش يا بيتروس.
الآن حان دورها شعرت ليزا بتوتر شديد.
الآن سأنزل إليك الحبل يا آنسة مورو . ثبتيه بإحكام حول وسطك.
وانتظر هنية قبل أن يسألها:
هي.. هل فعلت ذلك؟ء
انا جاهزة... نادته من تحت.
كاد الحبل يشق جسدها من فرط قوته وعندما حاولت تخفيف الضغط قليلا انزلقت قدمها واصطدمت ففذها بحجر بارز في جدار البئر فاطلق قديفة حادة من الألم سرت فى جسدها كله وكاد يطير لها عقلها . لم تتمالك نفسها فافلتت منها صرخة مدوية.
ماذا حدث ...... سال آدم.
لا شئ!ء أجابته بشهقة وعضت على شفتيها فقط اسحبنى لأعلى.
بعد ذلك بثوان، وجدت نفسها متكثة على صدر قوي ذى عضلات مفتولة. فتحت عينيها فكاد قلبها يقفز من مغبئه عندما وجدت نفسها أمام آدم ونظراته الحجرية تنهال عليها.
هل أصبتي. .. دوى صوته يرج أعصابها الحساسة رجا .
انزلقت قدمى. .. واصطدم ساقي بالحائط.. لكننى.،. لكنني على ما يرام. "
هل كانت هذه نكرتك يا آنسة مورو ،
انا ..... انااا
"ولم تكن غلطة ليزا يا عمو.. . أسرع جوش يجيب على عمه بطريقة أدهشت ليزا وأسكتها.
ومن سمح لك بأن تنادى الآنسة مورو باسمها؟
انا الذى سمحت له بذلك. اجابته ليزا بصوت واهن فحول انتباهه إليها مرة أخرى.
ليست غلطتها يا عمو، تابع جوش يدافع عن ليزا
في عناد طفولى.
لقد ... لقد ... أمرتنا الا نقترب من البئر.. ولكن.. لكننا ... ولكنكم عصيتم أوامرها بكل سهولة أسرع آدم يكمل كلام الصبى بنبرة قاسية جعلت جوش ينكمش في مكانه.
نعم . أقر جوش بكل شجاعة وشفتاه ترتعشان امام نظرات عمه القاسية.
اهل... هل سقضربني يا عمو ..
ساد الصمته للحظات ثم نهض آدم واقفا على قدميه... وأعتقد أنك قد نلت ما تستحق ا
من. عقابا.. انك محظوظ جدا انك لم تصب باى كسور.
نهضت ليزا تقف على قدميها فى وهن واخذت تربت على رأس الكلب الذى أخذ يتودد إليها وقد راح ذهنها بعيدا. لقد نفذ جوش بجلده ولكن... أكيد لن يبدى آدم نحوها نفس الدرجة من الشغقة لأنها سمحت لذلك أن يحدث.
عندما وصلا إلى المنزل انطلقت ايريكا فاندليير وديزى وجوش خارجين من المنزل مما كانت الجدة هى أول من تحدث. ..
ماذا حدث؟!
تولت ديزى أمر الصغيرين وخلت ليزا بنفسها تتناولت قرصا لتسكين الألم الذى كان ينشب مخالبه فى ساقها. القت نظرة على ساعتها.. لن تؤجل المحتوم أكثر من ذلك!
أسرعت تنزل إلى غرفة المعيشة فوجدت ايريكا بمفردها جالسة إلى الطاولة فحيتها بابتسامة دافئة أزالت بعضا مما كان فى نفسها من قلق شديد... لكنها ما لبثت ان سمعت وقع أقدام ثقيلة انخلع لها قلبها،
كالعادة كان حضور آدم على مقربة منها يشكل حملا ثقيلا علىاعصابها لكن ... هذه المرة ازداد الحمل أضعافا مضاعفة ، ومع ذلك لم يلق لها آدم بالا وجلس في كرسيه ومضى ! يتناول عشاءه دون أن يحس
حتى بوجودها على نفس الطاولة!
لم تستطع ليزا أن تستمتع بطعامها إذ كانت أعصابها تنهار و يتغير لونها مع كل حركة يقوم بها آدم..صحيح أنه كان هادئا ولا ينبئ مظهره بشى ولكن.. . مثله لا يؤمن جانبه بعد برهة انصرف آدم إلي مكتبه واستاذنت ليزا وهرولت إلى غرفتها تنتظر فى ترقب وخوف لحظة ان يستدعيها آدم وتحين ساعة الحساب مرت ساعات، . وساعات. .. ولم يحدث شئ أوت إلى فراشها ولا يزال القلق يعتصرها
لكن لم يطاوعها النوم... وبدئت تحس يثقل فى صدرها يزداد مع مرور الوقت.. اخذ العرق يغمر جسدها كله وهى تتذكر شيئا فشيئا تلك التجرية المريرة التى مرت بها تلك الظهيرة..
لم تستطع أن تتحمل أكثر من ذلك فنهضت من فراشها... وارتدت عباءتها ونزلت السلم بخطوات خفيفة ودون أن تحدث صوتا واخذت تحسس طريقها في الظلام والساعة العتيقة المعلقة على الحائط تراقبها بدقاتها الرتيبة. .. فتحت الباب الأمامي وولجت إلى الشرفة
واخذت تعب من هواء الليل المنعش عبا.
أخذت تتأمل النجوم وتعدها... لطالما أخذت هذه النجوم الجميلة بلبها !! انطلقت حشرات الليل تقطع السكون بصريرها الذي استحال فى سمع ليزا المنهكة إلى موسيقى هادئة حالمة... وبدائية. أغمضت
عينيها وسبحت في هذا الجو الخيالى المحيط بها من كل جانب وشرعت الأبواب توصد أمام تلك الخواطر المزعجة التي أخذت تتراكم
فى عقلها ... ظلت هكذا لدقائق حتى أحست بأنها ليست وحدها !!
ما الذى تفعلينه هنا في هذه الساعة... بحق الله؟!
جلجل صوته الآتى من الأعماق فجعلها تنكمش اكثر وأكثر... أ.. أنا... لم أستطع أن أنام.. فجئت هنا.. أستنشق الهواء.
هل ما زالت ساقك تؤلمك؟!»
لا....تحرك آدم فجأة ووجدت يده على خدها ... اذهلتها سرعة حركته فبدت عاجزة عن النطق مستسلمة تحدق فيه في ذهول! اخذت
أصابعه تتحسس وجنتها وتتلمس ذلك الندي البارز بطول فكها ,,, سرى تيار كهربائي قوى فى كيانها إثر لمستها ارتعش قلبها وتزلزل كيانها ... لماذا؟. لا تدري.
حبست انفاسها من الخوف ثم... أدركت فجأة أن هناك رجل واحد على الأقل على ظهر هذه الأرض.. . لم ينفره منظر ذلك الجرح البارز فى وجهها .
«الهذا لم تستطيعى النوم؟ لأنك ظننت أننى سأطردك من العمل؟ ،
أنزل يده إلى جانبه لكنها كانت لا تزال تحت تأثير سحره. حدقت فيه ذاهلة لدقائق قبل أن تدرك ما يرمي إليه. لقد أصبحت أعشق الأطفال.
ولن تقامر أى امرأة إلى قاع بئر سحيقة لتهدئ من روع طفل سقط به حتي تأتيها النجدة، لذا انسي كل ما قلته عن فترة الاختبار .
لم يكن فى صوته إلا لمحة لا تكاد تذكر من الثناء على موقفها ولكن... جعلها قولها هذا تحس بالدماء تسري في عروقها من جديد .
وتبعث الدفه فى أوصالها اضاف آدم فى حزم:
شكرا .لا همست وهى تحاول ان تتمالك نفسها..
بخصوص البثر... الن. ستغلق البئر بإحكام هذه المرة. قالها بشكل مفاجئ كعادته واستدار مبتعدا وكانه يأمرها بالانصراف. .. تصبحين على خير يا ليزا
وتصبح على خير يا سيد فاندليير
هرولت تصعد السلم وصوت آدم وهو يناديها باسمها يتردد فى عقلها ... لقد ناداها قائلاه ليزا ربما دون أن يدرى لما هذه الفرحة التي تشعر بها؟! ما سببها؟ ربما لأنها لن تطرد من العمل... إنها لا تزال بدفئ يده الخشنة على وجنتها ,,, هدأت نفسها وراحت في
سبات عميق. .. عميق.
شفى جوش من إصابته سريعا وبعد أسبوع كان يتقافز في المنزل بكل حيوية ونشاط ومن جديد عادت ليزا، الآن بلا ضغوط، مطلقة اليد فى تهذيب الصغيرين ورعايتهما
«لا تدعيهما يرهقانك.. نصحتها ايريكا وهما يتناولان الشاى ذات ظهيرة .
اومات ليزا ظهرها للعلن واسترخت فى مقعدها وأغمضت عينيها.
لا يهم. إننى أستمتع بذلك كثيرا ولقد صنع ذلك بى العجب العجاب، رغم أن هذه الألعاب قد تؤلمني أحيانا.
الا حظ أنك بدأت تمشين بشكل افضل..ء قالتها العجوز واحتضت اليزا بنظراتها الدافئة«هل أنت سعيدة معا هنا... يا اليزا»،
نعم.. نعم أعتقد أنني يجب ان ألقى نظرة على الصغار. اومات ايريكا لها بالاهجاب دون ان تنبس بنبت شفة... لكن ليزا كانت تشعر بنظرات ايريكا التى رمقتها بها والقلق يكاد ينطلق فى عينى العجوز.
استغرقت ليزا وقتا طويلا حتى تنفض عن نفسها تلك الخواطر الغربية التي انتابتها هذا الصباح.. وقبيل موعد العشاء تلقت لفافة أحضرت إلى غرفتها.. كانت اللفافة مغلفة بورق فضى لامع ذي ألوان زاهية، فضت الغلاف فوجدت صندوقا وعليه مظروف ،،، خفق قلبها بشدة عندما رات المكتوب عليه، فقد كانت تعرف ذلك الخط، .
" تكرمي على بقبول هذه الهدية المتواضعة عوضا عن الذي اضطررت لفقده...
" أ. ف "
قفز قلبها ... فقد عرفت ما في الصندوق ففتحته لتجد ما توقعته بالضبط: وشاح كبير ذو الوان زاهية ومطرز من حوافه باشغال حريرة... من النوع الغالى، بل الغالى جدا .. يا لها من هدية رقيقة !!
إن آدم يستطيع ان يكون في غاية الرقة. وفي غاية العنف والفظاظة.
أسرعت ليزا تلف الوشاح على رأسها وتقف أمام المرآة لترى نفسها.. يا الله... في غاية الروعة والجمالي لكن.. لا يمكن أن تقبله... اسرعت تطويه وتضعه في الصندوق وهي تربت على الوشاح
وكأنما تواسيه ... أو تواسي نفسها !! حملته فى حزن جارف، وأسرعت تلحق بآدم ...
☆زيارة مفاجئة ☆
قررت ليزا أن تغامر وتتوجه إلى مكتب آدم الذى كان من المناطق المحرمة عليها... طرقت الباب وقد تقلصت عضلات بطنها من شدة التوتر. .. أتاها صوت آدم من الداخل يدعوها للدخول بلهجة حازمة
متقضبة... توقفت قلمه عن الكتابة ورماها بنظرات نارية جعلها تنكمش على نفسها .. ولم يدعها للجلوس فسالته بتردد وهى تجلس:
ممكن أ ... أتكلم.. مع حضرتك... دقيقة؟!
«هل هو أمر مهم؟، قالها بوجه عابس.
وبالنسبة... لى.
«هيا ... قولى ما عندك، تلاشى الكلام من ذهنها لوهلة ملامحه الصخرية ونظراته الصارمة...
«أشكرك... على الوشاح الذى ارسلته لى .. لكن..
ولكن ماذا!
لا أستطيع ان اقبله كتعويض... إنه غالى جدا .
"ران على المكتب صمت طويل ثم انكمشت ليزا فى مقعدها أكثر وهو يلقي بقلمه وينهض واقفا.. أخذ يدور بخطوات ثقيلة حول المكتب وبدت إلى جواره كما لو كانت قزما لا يكاد يرى... لو كانت أطول من
ذلك قليلا " لم أعتد أن ترمى هداياي فى وجهي بمثل هذه الطريقة، يكاد كل حرف ينطق بغضبه..
أبدا ... أبدا .. أنا ،،، أنا لم... لست... ماذا؟ هل اللون غير مناسب،
«ابدا... أبدا... بالعكس.،
ماذا؟ هل ذوقي لا يعجبك ...ابدا ... أبدا.. هو جميل لكن.... وهل تتوقعين أن أطلب ثمنا مقابل كرمي معك؟ سرت ارتعاشة عنيفة فى جسدها واتسعت عيناها ذهولا:
لا ... لا.. أبدا لا لم أفكر بهذه الطريقة مطلقا، بالإضافة إلى أنت ... أنك ،
«انى ماذا؟.
لست من ذلك النوع من الرجال اللذين يمنحون الهدايا لكي. تحصل على أغراضك.
قالتها وهى تتحاشى نظراته...
لقد تحول حديثهما تماما الآن بدأت تنظر اليه على إنه رجل لا مجرد صاحب عمل
«انت على حق تماما... قالها بصوت أخذ يرج سمعها رجا. كانت ليزا ترتعش بكل ذرة في كيانها فمضت نحو الباب وجاهدت حتى فتحته. لا تذكر ان كانت أغلقته خلفها أم لا... كل ما تذكره انها يجب أن تبتعد عن آدم فاندليير بأسرع ما يمكنها ...
فيما بعد، عندما زال أثر الصدمة التى أحدثها تصرف آدم، حاولت جاهدة أن تدرك السبب فى تصرفه ذلك... لكنها لم تجد ( لم يؤثر فيها أى رجل من قبل بمثل تأثير آدم... ولا حتى روى !! الآن تحس بخوف رهيب يكاد يفقدها رشدها منه.. نعم ذلك الجانب المتوحش فى آدم، هو ما كان يخيفها منه.. ويقترب بعقلها إلى حافة الجنون!
من المستحيل أن يتفادى المرء شخصا يعيش معه تحت سقف واحد. أدركت ليزا ذلك فى الأيام القليلة التالية مع وصول المدير الجديد الذى عينه آدم لمزرعة ويفرلى، مزرعة أخيه الراحل... إنها حتى لم تعد تستطيع أن تتجنبه كما تخيلت، لقد أصبح يقضى وقتا أطول في مزرعته وسط ممتلكاته.. ولخيبة أملها لقد أصبحت تقابله وتلتقى به
كلما خرجت بصحبة التوأمين- ونادرا ما كانت تصادفه بمفرده.
كانت ويللا جاكسون، بصحبته دائما.. وازداد إحساس ليزا بأن هذه الفتاة بدات تظهر لليزا، أنها ستكون السيدة القادمة لمملكة آدم. كانت ويللا» لا تبذل أي جهد للكلام مع ليزا، ... يبدو انها كانت تحم أنها أقل مكانة منها... إنها مجرد عاملة.. دائما ماكانت
نظراتها تحذر اليزا من الاقتراب من آدم كاندليير تلذذ كثيرا بما تراه فى عيون ويللا من توجس وخشية تجاهه. بالقطع ليس آدم فاندليير بالرجل الذى يروق لها... لكن لو... لن تسمح لها ويللا
بالاقتراب من آدم. . تحت أى ظرف من الظروف.
التقت ليزا ( بكينيث رودمان )، المدير الجلد، ذات مرة عندما دعته ايريكا فاندليير لتناول العشاء معهم.. كان طويلا ونحيفا وذا عينين شرهتين وكان ذا شعر بنى أشعث، .. لكن كان لا يضارع خبرة بالزراعة
وتربية الأغنام، وجدت ليزا فيه شخصية جذابة... لولا مزاحه واستظرافه الصبياني ودهشت كثيرا لمحاولاته الجريئة للتقرب منها والتودد إليها.. لكن عندما أدركت أن آدم كان يراقبهما بنظرات ساخرة تفجر غيظا، عندها بدأت تشجع كينيث أكثر وأكثر. لماذا تفعل ذلك... لا تستطيع أن تدرك السبب. لكنها ندمت كثيرا على تشجيعها له عندما قابلته ذات مساء وهى تتمشى كالمعتاد في الحديقة.
«كلما رأيتك... اشعر بالدوار. انت أجمل فتاة قابلتها في حياتي.، .
لا تقل شيئا، إنها غلطتى أنا. أنا أقدرك يا كين واحمل لك المودة، .. لكننى أدرك الآن أننى قد ضللتك من البداية ،
وهل تقصدين أنك لا تكنين لى نفس المشاعر التي أكنها لك؟! نحن لم نتعارف ، إلا من أيام قلية، قالتها وهى تحاول أن تتفادى قول الحقيقة.
تابعته ليزا بعينيه وهو يهرول ناحية سيارته وينطلق بها فى صرير مزعج. أفلتت تنهيدة من أعماقها ،.. كان غباءا منها أن تدع الأمور تصل إلي هذا الحد،
وكان ذلك مشهدا مؤثرا ولا شك.. لكن غير مرضى.
"ماذا .. استدارت ليزا بحركة حادة وكان قلبها ينخلع من مكانه عندما , ابصرت آدم يستند بقامته الفارعة على شجرة خلفها. ومنذ متى وانت واقض هكذا؟
يااا . من زمان. وهل تقصد انك. .. سمعت ، .....سمعت كل شئ..،، كم كان ذلك خسيسا منك.. ربما .... قالها وهو يبرز خارجا من تحت ظلال الشجرة حيث كان يقف
ومن حسن على أننى كانت هنا لأشاهد نهاية تلك المسرحية. أداء جيدة وصفق بيديه في سخرية وجلجلت ضحكاته تهز كيانها هزاً.
وأعتقد أنك وجدت الأمر مسليا ... أليس كذلك؟
أكيد ..... «أنا.. أنا ذاهبة للبيت، .
لا. لن تذهبى. كانت عيناه تقذفان بحمم من النظرات التى كادت تخترق وجهها وتحيل أعصابها إلى رماد ... يجب أن ينتهى المشهد نهاية ... مرضية لك،
دق قلبها فى عنف... ما ... ماذا تقصد؟
«لقد استأجرت كينيث رودمان لكي يرعى لى مزرعة أخي... وليس ليحقق لك مآربك الخاصة..
تلون وجه ليزا وأحست كأن الأرض تدور بها. ..
وهل هذا ما تظنه بى؟ اننى رخيصة إلى حد اننى سارتمي فى أحضان أول رجل أقابله؟
«أليست تلك هى الحقيقة، لا مطلقا بكل تأكيد، لا !! وهل تنكرين انك كنت أنت التي شجعت كينيث؟!
لست انكر ولكن... ولكن... توقفت فجأة... كيف ستخبره أنها نفسها لا تفهم ولا تدرى ما الذى
دفعها لتشجع؟!
لكن لم يكن هو المقصود ... له حدقت فيه بذهول وبلاهة. .. لا... بل المقصود هو انا، ..
لقد جننت ... «قولي ما يحلو لك، ..
أعتقد أنك أبغض رجل قابلته فى حياتى كلها ...و لو لا الأطفال. . «لولا الأطفال لكنت طردتك من المزرعة فورا.. قاطعها بحدة.. لا تنسى ذلك .
تجمدت ليزا فى مكانها... لا أحد يستطيع ان يجمدها فى مكانها مثل ذلك الصوت المدوى الحازم الذى يقذفها به آدم فاندليير...
راقبته ينصرف بعينين تدفق منهما شلال من الدموع وقلب كسير،،، يا لهذه الاهانه التى تشعر بها الآن.. لم يهنها أحد قبل كما فعل ذلك الوحش البغيض لا، لكن عليها ألا تلوم الا نفسها ...
ومع اقتراب شهر نوفمبر تغير الطقس تماما وأصبحت الحرارة لا تطاق وترامت المروج على مد البصر وهي تتلوى من الالم تحت تلك الحرارة القائظة وأحست ليزا بأنها فى نفس حال هذه المروج
التسكينة... "حرانة ومغبرة "!! ... لكن كان هنالك شي آخر في هذه المروج. . فقد أخبرتها ايريكا فاندليير بان هذه المروج وهضاب الكار كذلك لها سحر خاص فى مثل هذا الصيف القابظ .. . كانا فى رحلة إلى المدينة ليشتريا الزي المدرسي للصغيرين...
وبعد هطول الأمطار المبكرة ... تبعث الروح من جديد في هذه الصحراء وتتلألأ فيها ورود وأزهار برية من كل شكل ولون.. واذا لم تأخذى الحذر الحذر اللازم.... توقفت برهة وصمت فاثارت كل حواس ليزا ... واذا لم تأخذى حذرك فستقعين تحت سحر هذه المنطقة ولن تغادريها ... تماما كما فعلت أنا منذ سنين عديدة. إن السيدة فاندليير على حق بكل تأكيد ... يجب أن تأخذ كامل حذرها وإلا سيصبح فراق هضاب الكاروء مؤلما للغاية... كما انها لا
تجرؤ على التفكير باليوم الذري ستفارق فيه الصغيرين...
اشتريا اغراضهما بسرعة من المدينة واسرعا في طريق العودة قبل أن ينهب المال الصغيرين. .. وامتلأت حقيبت سيارة آدم باللفافات والحقائب البلاستيكية.
«يا الله متى تأتي المدرس... لا أطيق الانتظار حتى يأتي وقت المدرسة!إ
قال جوش عندما وصلا أخيرا إلى المنزل
استفتقدك كثيرا يا ليزا ! قالها الصغيران فى صوت واحد وفي الم ظاهر فاسرعت ليزا تحتضتهما وقد امتلأ قلبها بل فاض حبا لهما وهى تحاول أن تمسح ذلك الخيط . من الدموع الذى انساب على
وجنتيها .... وانا كذلك... سأفتقدكما كثيرا ... يا حبيبى! قيلتهما ليزا فى حنان بالغ.
سمعوا طرقات على الباب ورأت ديزي تدلف الى الغرفة . ... السيد آدم ارسلنى لأخبرك أن هناك رجلا يريد أن يراك، يا آنسة ليزا
قطبت ليزا جبينها:
رجل يريد أن يراني، يا ديزى؟!
نعم، يا آنسة ليزا .
سأتبعك خلال دقيقة. صرفتها ليزا بعد برفة من التفكير. ثم التفتت الى الصغيرين وحذرتهما قائلة:
اياكما أن تفعلا أى شئ غير لطيف اثناء غيابي... سأتى إليكما بسرعة.
"اسرعت ليزا تعدل من هندامها وتهبط الدرج في خفة ورشاقة. ترى من هذا الذي يريدها؟ ولماذا؟ توترت عضلات معدتها وهي تخطو ناحية غرفة المعيشة ولكن ما إن وقع بصرها على ذلك الشاب الأشقر الثاني الذي وقفا يحادث آدم وظهره اليها حتى صدرت منها شهقة لم تستلع منعها
"روى !!
ليزا حبيبتي ليزا !!
قفز روى ناحيتها واختطفها بين ذراعيه وأخذ يؤرجحها حتى دون أن تدرى ماذا يفعل؟
من أخبرك أننى أعمل هنا.
" قابلت أمك فى المدينة منذ بضعة أيام وأغطتنى عنوانك، بدا عليه الندم وطأطأ رأسه وهو يضيف:
ليزا ... لقد كنت نذلا للغاية معك.
تقلصت عظلات وجهها وهى تجيبه:
مما فات مات يا روى... لست في حاجة لأن تشعر بالأسى على ما فات . .
هل سامحتني إذا؟» سألها فى شفها ولهفة.
طبعا ..
التمعت عيناه بابتسامة لا تزال تذكرها.. لكنها لم تعد تحرك مشاعرها..
حبيبتى.. لا أستطيع أن أصف لك مدى الراحة التى أشعر بها الآن وأنا أسمعك تقولين انك سامحتني ..
انتبهت حواس ليزا عندما رأته يدس يده فى جيبه ويخرج منه علبة قطيفة صغيرة ..
(روى) خاتم الخطوبة لا يزال معي هنا يا ليزا . لم يكن لك أن تخلعيه من يدك. أعطنى يدك يا ليزا.
ارتدت ليزا للخلف بحركة حادة وغمر وجهها شعور بالتقزز،. لا ... يا روى!!
ليزا؟، بدا الارتباك على وجه (روى) وكسا وجهه مسحة من القلق الطفولى وهو يرى ليزا تحدق فيه بهذه الطريقة.. كيف أمكن ان تقع في حب مثل ذلك الشئ؟لا صحيح انه وسيم لدرجة جعلته يفتر بنفسه ويظن أن يستطيع أن يحصل على ما يريد بمظهره الوسيم ذلك ولكن... ها هو الآن يبدو زائغ النظرات وهى ترفضه بهذا الشكل...
«لو سمحت يا روى... لا أريد أن أجرحك لكننى لم أعد أحبك، وأدرك الآن أني لم أحبك يوما ما .
كيف تستطيعين قول ذلك .... اشارت له بيديها :
«إنها الحقيقة يا روى. زواجنا كان سيصبح غلطة، غلطة شنيعة. ... وما الذى يجعلك متأكدة إلى هذا الحد؟، ... من فضلك عليك أن تتقبل حقيقة اننى لا أحبك، لم أعد أحبك،
آسفة على أنك قد قطعت كل هذه الرحلة دون فائدة، لكن لو كنت اتصلت بى بالهاتف كنت وفرت على نفسك المشاكل.
ضغط على شفتيه وهو يجيبها قائلا:
لن أقبل انك لم تعودى تحبينى بعد الآن... انك لا زلت متوترة بعض الشئ ليس الا. كما ان والدتك اخبرتنى أنلك لا تزالين تعانين ألما فى ساقك، وعندما تشفين تماما سيتغير مشاعرك. »
"أجابته فى غضب وحزم وهى تضغط على حروف كلماتها: لن تتغير مشاعري، ولست بحاجة لوقت لأعيد التفكير في الأمر. كان أمامي الكثير من الوقت لأتبين حقيقة مشاعري تجاهك خلال تلك الأسابيع الطويلة فى المستشفى، وفى فترة النقاهة التى قضيتها فى المنزل، كذلك.
مد يده متوسلا:
لماذا ... لماذا يا ليزا؟
نظرت له بنظرة شاردة لوهلة، ثم، لم تكن تود أن تخوض فى الماضى مرة أخرى ولكن . حيث أن روى لن يقتنع إذا لا بأس من مواجهته بالحقيقة ومجابهة الماضي ..
ذلك التعبير الذى ارتسم على وجهك عندما جئت ترانى فى المستشفى... كشف لي انك لم تحبنى يوما من قلبك، يا روى. لو كنت أحببتنى بالقدر الذى تقول، ما كان همك شكلي ومظهري. صحيح أنني لم أكن جذابة يومها، لكن تحت ذلك القناع الذى كنت تراني فيه، كنت أنا كما أنا ... نفس الشخص ولم أتغير، لكن ذلك الشخص الذى كنته حينها لم يكن يهمك بادني درجة! لقد أعدت لك خاتمك وخرجت ساعتها من حياتي كلها. نعم من حياتي كلها ..
كاد يقاطها لولا ابتسامة السخرية والمرارة التي ارتسمت على شفتيها.... كنت علي استعداد لأن اعتبرها مجرد صدمة وستزول، لو كنت جئت وعدت إلي قبل اليوم، نعم قبل اليوم بوقت طويل. ..
لمعت عيناها الزرقاوان بسخرية واضحة وهي تتابع...
ليزا.... عد الى كيب تاون يا روى. ..
قاطعته فى حدة واستدارت ورنت بعينيها بعيدا إلي الخارج حيث الحديقة وما وراءها ... إلى حيث الاغنام ترعى فى دعة وبهدوء وتسير
متفادية تلك الشمس المحرقة إلي حيث ظلال الأشجار الوارفة.... عد من حيث أتيت. .. ابحث عن شخص آخر ليرتدي خاتمك. .. طلبك ليس هنا يا روى....... هل تقصدين ذلك حقا؟،
«بكل تأكيد ... أقصد كل حرف فيما قلت، قالتها في هدوء وسكينة ولمع في عينيها شئ جعله يقنع اخيرا أنها جادة فيما تقول...إذا ... فلم يتبق شئ . بيننا يا ليزا سوى أن أتمنى لك التوفيق والسعادة. .. وداعا يا ليزا ...،
وابتعد عنها بخطوات ثقيلة وكأنه لا يزال يأمل أن تتراجع لكنه ما لبث ان أسرع الخطى مبتعدا ... من حياتها كلها.
خرجت إلى الحديقة واخذت تتمشى جيئة وذهابا فى محاولة ان تنفض عن نفسها تلك الأحزان...
فجاة احسمت ليزا بحاستها السادسة انها ليست بمفردها... فتحت عينيها والتفتت حولها لتجد آدم فاندليير بقامته الفارعة واقفا كالطود أمامها،
"ماذا .... هل قطعت عليك خلوتك "
كنت على وشك الذهاب. .. دعنى أرجوك. ...
ولم العجلة؟بضعة دقائق لن تضر.."
والأطفال. .. «نائمون فى غرفتهم. . كما كان يفترض بك أن تكوني الآن.
" لقد كنت متخوفة من هذا القيظ. . ولم أستطع النوم من شدة الأرق. ثم خفت صوتها وهى تهمس فى توسل: «دعنى أرجوك يا سيد آدم.
إصرارك على الانصراف يدل على أنك خائفة.
«لست خائفة . .... وهل تقصدين أن قلبك يدق بهذا العنف في المعتاد؟!.
دعني أذهب.".... لن أدعك الا اذا وعدتني بأنك لن تهربى وانا.. سنتكلم. "
وليس لدينا ما نتكلم بشأنه.
لكن أنا... لدى الكثير... الكثير... ) كانت نيرات السخرية واضحة فى صوته.
"حسنا اعدك...قالته فى استسلام، فكيف تستطيع أن تهرية من هذه القبضة القوية, ... انصرف صديقك، بسرعة على ما أعتقد؟،.. ليس صديقي». . • تصلبت عروقها من لهجته، ، روى ليس صديقا لي بأي حال!!.
حقا ... الآن كانت سخريته واضحة للأعمى.. حسب ما قاله لى، والاستقبال الذي رأيته يتحفك به، أعتقد أنه أكثرمن. .. صديق ؟؟ .
استدارت ناحيته يغضب تلاشى عندما اصطدمت عيناها بعينيه... لا يهمنى ما قاله لك ولا ما رأيت انت... انت مخطئ إذ تظن أنه صديقى.
حقا ! أشاحت بعينيها عنه قليلا وهى تعترف له:
حسنا ... اذا كنت مصرا على أن تعرف. .. انا ورى كنا مخطوبين . . هكذا ! فهمت.
انت لا تفهم شيئا . صرخت فيه بيأس من أن يوقف سخريته تلك ... أو يفهم شيئا مما قصيدته..
- اذا ... اشرحي لي . ..ليس من شانك.
ها أنذا أجعله شأني، قالها بحدة وضغط بيده على معصمها في قوة وتابع. ..
هل هذه الخطبة التي تتكلمين عنها ... هل كان فسخها له علاقة بتلك ال... الحادثة.
فاجاتها كلماته، لكنها أجابته فى خفوت...
" نعم " ... بسبب الحادثة..
" هل تعنى أنه تخلى عنك وقت أن كنت فى أمس الحاجة لوجوده بجوارك»،
نعم تخلى عنى. .. ، ورفعت رأسها وقد بدا التحدي في عينيها... بعد أن فسخت الخطوبة. .
رمقها بنظرة مكتبة وأجابها:
أنت فسخت الخطوبةلماذا؟ هل مللت منه ام قال
لك شيئا جعلك تعتقدين أنه لم يعد يرغب في الزواج منك؟
لم يكن،، مضطرا لقول شئ.. قالتها بصويت محتبس واستدارت مبتعدة عنه واتكأت بيديها علي المقعد ودفنت رأسها بين يديها.... كان... كان كل شئ واضحا فى عينيه.. ذلك الفزع.. والنفور والاشمئزاز. لذا اعدت له خاتمه وأخبرته أن كل شئ بيننا قد انتهي،
هكذا . الآن فهمت.
تغيرت نبرت صوته ولم تلحظ ليزا أى أثر للسخرية في صوته الذى يخرج وكأنه صخرة تهوى من أعلى الجبل... لماذا اذا قطع كل تلك المسافة خصيصا ليراك هذا الصباح؟
من أعطى آدم فاندليير الحق ليتدخل في أخص خصوصياتها بهذا الشكل؟!
وجدت نفسها تجييه قائلة:
ومن الواضح أنه قابل والدتى منذ أيام وأعتقد أنه اكتشف فجأة اننى لست بذلك القبح الذى كان يتخيله بعد تلك الحادثة... وطرأت لديه فكرة ان يعيد خطبتنا كما كانت .... ثم؟.
تنهدت فى عمق ورفعت رأسها تنظر في عينيه .
"ثم لا شئ" .... ماذا هل طردته؟
أخبرته بكل بساطة أن عليه أن يعود أدراجه إلى كيب تاون ولينسى تماما .
زم شفتيه فى أسى وهو يسالها :
وهل كان صعبا عليك إلى هذه الدرجة أن تسامحيه.
" ليست المسألة أن أسامحه أم لا،.، لقد سامحته منذ وقت طويل ولكن.
أعتقد أن زواجنا كان سيفشل وما كان له أن ينجح أبدا .. "..... وكيف تأكدت إلى هذا الحد؟!.
فليس هناك شيء مؤكد في هذه الدنيا... لكنني أعلم عن يقين الا مستقبل لى مع دوى؟
مع من إذا؟.
تسارعت دقاتها وهى تجيبه:
«مع... مع.. ليس مع أحد ..... تابع فى قسوة:
هي... أنت فتاة جذابة ولديك الكثير لتقدمينه إلى أى رجل وبالتأكيد لن تدعي العرجة الخفيفة وتلك الندوب التافهة تعترض طريقك .
وكانه قد وضع طنا من الملح على جراحها. ..
معظم الرجال يبحثون عن الكمال... ولم.. لم أعد كاملة كما كنت "
"اذا فتختبئين داخل قوقعتك تلك، وتطردي كل الرجال من حياتك؟!
لو كانت تفضل أن تقولها بهذه الطريقة. .. نعم سأفعل. .... ولكن احذرى الا تحولك أحزانك إلى امرأة عانس بائسة .
التميت عيناها الزرقاوان بالغضب وصاحت فيه قائلة:
« كيف تجرؤ على قول ذلك؟ لست ارثي لحالي.
صحيح، ضاقت حدقتا عينيه على نحو خطير وهو يتابع: .. اذا فما كل هذه النكبة والآسي التي تكاد تتجمد على ملامحاك.
أحسست ان يدها تكاد تقفز لتصفعه على وجهه... ذلك الوغد الحقير... لكنها أدركت انها لن تسلم منه فيما بعد ...
«أرجوك اتركني وشأني لا يهمنى رأيك. أين تذهبين؟» سألها وهو يخطو وراءها ...
سأعود إلى المنزل.. «إلى قوقعتك لتلعقي جراحك على انفراد؟.. استدارت بحدة تكاد الدماء تنفير من عروقيا غيظا وغضبا وصاحت فيه بغضب : أنت لا تطاق غير معقول... أنت..أنت ... أهدئي يا ليزا ..
- اذا دعني أذهب وسأريحك من صحبتي المتعبة يا سيد فاندليير.
قد تثورين أحيانا يا ليزا نعم. . لأول مرة ينطفئ ذلك البريق فى عينيه وتحسن بالأسى والشجن فى نبراته ..لكننى أعلم كم أنت هادئة ورزينة.
بدا وكأن نظرات الدهشة في عينيها تروق له لكن... ليس ذلك الذى يقف أمامها حالا هو آدم الذى كانه من ثوان... جلسا ولم يجر بينهما الكلام. . فقطع هو يحتاجها الآن. . الآن أصبح بينها نوع من الألفة... لا تدري سببها ...
أغمضت ليزا عينها وأطلقت لخيالها العناء ....
وعندما فتحتهما وجدت آدم يحدق فيها بدفء ومودة.. «لم تكونى بحاجة إلى مغازلات كينيث رودمان الصبيانية لكى تدركي أنك لا زلت جميلة، قالها فجأة وعلى نحو غير متوقع...
فابتسمت له وقلبها يخفق فى عنف. . فأردف بابتسامته حانية تراها لأول مرة:
ألهذا السبب كنت تشجعينه؟!
نعم.. أعتقد ذلك.
كنت اعلم هذا.، غمفم وقد ارتسمت على وجهه امارات الرضا .... فارتجفت جسدها وانكمشت عندما قفز إلى خاطرها تلك الاهانات التي وجهها لها ...
" طالما كانت تعلم "... فلماذاة حبست الكلمات في حلقها..... هل ظننت فعلا انني. .. اننى كنت أجرى وراءه علاقة ما.
مطلقا،، قالها فجأة ،،، فأحسست بانها تود لو احتضنت يديه القويتين في يديها ... أعلم أنى قد قلت كلاما كثيرا جارحا ولكنني كنت غاضبا
منك لانعدام ثقتك بنفسك .
سألته وهي لا تكاد تصدق:
لماذا تزعجك عدم ثقتى بنفسى الى هذا الحد؟ .
«... ربما لأنك مخلوقة ضعيفة وبحاجة لأن أحميك... حتى من نفسك ..
أستطيع أن أحمى نفسى بنفسى.
قطع صوت ويللا جاكسون، حبل الكلام بينهما فانتفضت في عنف وأحست ليزا أن الأرض تدور بها بينما ظل آدم رابط الجاش وهو يحييها.
مساء الخير ويللا ما الذى أتى بك هنا فى هذه الساعة... خطت ويللا المسافة الفاصلة بينهما واحمت اليزا بسهام الغيرة تخترق قلبها... كانت ويللا جميلة وأنيقة . رغم ملابسها الرثة المقبرة...
رمقت "ويللا آدم بنظرات جامدة وإصطنعت ابتسامة باهة على طرف شفتيها وهى تجيبه:
تعطل مولد الكهرباء لدينا فأرسلني أبى لأرى أن كان لديك ، وقت لتلقى عليه نظرة هذا المساء .
☆ الملاك الصغير ☆
أنصرف آدم لتغيير ملابسه بينما قالت ويللا: « أبقي معي قليلا يا آنسة مووو... أريد صحبتك لبعض الوقت. نظرت ليزا إليها فادركت على الفور انها لا تريد محبتها وإنما شيئا آخر...
ابتسمت ويللا ابتسامة باهتة وإن ظلت عيناها باردتين كالثلج: «أريد أن انصحك يا حبيبتى... لا تتغابى مع آدم - فهو مرتبط فعلا.
أحست ليزا بصفير يكاد يخترق أذنيها وبالعرق يتدفق بغزارة من جبهتها.. آه .. لو كانت ويللا، ضربتها بهذا السوط التى تحمله فى يديها لكان أهون من ذلك. ..
أحست اليزا بنفور بالغ تجاه ذلك المخلوق الذي يقف أمامها: هل تلمحين إلى أننى أطارده.
ابتسمت ويللا في عذوبة: لست ألمح إلى شئ . يا حبيبتى ولكن... مع العيش تحت سقف واحد
لابد أن تتولد بينكما الألفة ويصعب ان تبقى علاقتك به محصورة فى نطاق العمل.. طبيعى فعلا أن تصبح حميمة ولكن عليك فقط. .. صمتت برهة موحيا.«الا تاخذى الأمر على محمل الجد. الأمر بالنسبة لآدم لا يعدو أن يكون مجرد تسلية، ولن يجرح فى النهاية أحد سواك.
لن تنخدع ليزا بكلام هذه الفتاة، ما يهم هذه الفتاة هو مصلحتها الشخصية .. فقط لا غير. إنها حتى ستأسف من أجلها لو كان كلامها صحيحا
« إن كان آدم مرتبط بك كما تقولين الا يزعجك أن تعرفى بامر هذه ... الهفوات؟،
ابتسمت ويللا، واعتدلت فى وقفتها وهي تنظر إلى ليزا نظرة انتصار. ..
«أنا وآدم من نفس النوع يا عزيزتى... واضافت في إلفة ظاهرة " أنا وآدم يفهم أحدنا الآخر... تماما ".
حدقت فيها ليزا غير مدركة اتهنئها أم تواسيها... لكنها قررت الا تفعل أيهما.
«يجب ان أستأذن يا آنسة جاكسون، قالت ليزا فى هدوء لا بد أن الأطفال يتساءلون ماذا حدث لي . ،
- ستتذكرين ما قلته لك .
وكيف تستطيع أن تنسى أومأت ليزا والألم يكاد يمزقها إربا ومضت ناحية المنزل!
«آدم وويللا، آدم ويللا، آدم ويللا!ء ظل عقلها يردد ويصرخ طوال الطريق... انهما متكافئان تماما. .. هى تعلم ذلك منذ البداية فلماذا تحس بهذا الألم الآن؟
لا تفكرى يا ليزا ... لا تفكرى يا ليزا...
فقط سيرى... سيرى.
ظلت تصيح بنفسها وما إن خلت بنفسها في غرفتها حتى انهمر شلال من الدموع واعصار من الألم أخذ يكشح فى طريقه كل كيانها لقد استسلمت مشاعرها لآدم بكل سهولة... استسلمت له بحب وكانت
مجرد تسلية.
دفنت رأسها في الوسادة وأخذت ترتجف فى عنف... لابد أنه يضحك منها ملء شدقيه الآن ... اه. .. لقد كانت صيدا في منتهى السهولة بالنسبة له... لقد خدعها بصوته الحنون ونظراته الدافئة وتفهمه الزائف لمحنتها، وبرجولته المحصنة، لكنه، كان يتلاعب بها فقط يتلاعب بها، يتلاعب بها!
لقد قادها ومشت وراءه كالعمياء إلى هذا الوضع المهين! يا إلهى لماذا تحس بكل هذا الألم؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا فجأة..
تدفقت الإجابة إلى عقلها كشلال هادر غمرها وكاد يغرق الحجرة بما فيها ... إنها تحب آدم، يا لغبائها وسخافتها، ولكنها الحقيقة. كان يجب أن تكرهه لأنه تلاعب بها بهذه الطريقة لكنها بدلا من ذلك أحبته. يا
الله لماذا يفعل بنا الحب ذلك؟ تحب من يتجاهلنا ويعذبنا ويتلاعب بنا وتتوسل لقلوبنا أن تنساه وعقولنا أن تطرده ولكنه يظل ساكنا بها ومهيمنا عليها ويتوغل فيها يوما بعد يوما!!
لم تشعر بأى فرحة وراء ذلك الاكتشاف... فقط تبقى ذلك الألم الذي عاش في قلبها كأسراب الخفافيش التى تمتص دماءها وتكاد تذهب بصوابها، آدم سيكون لويللا، ومن رحمة الله بها أنها ستغادر
هذا المكان الكئيب، قبل أن يتزوجا.
انهمكت ليزا بعد الغداء فى اللعب مع الصغيرين وتناست مؤقتا أحزامها ولكن ... ما إن انتهى اللعب حتى اليومين فى نوية من الاكتئاب لم يكن بيد أن شيئا ما سيقدر على انتشالها منه انشغل الصغيران
باللعب فلم يلحظا شيئا من كآبة ليزا، لكن ايريكا فاندليير- نظراتها الفاحصة وعينيها الخبيرتين- لم يكن ليفتها شيئا مثل ذلك فدعتها لتناول عصير بارد في الشرفة.
" تبدين شاحبة يا صغيرتي... قالت ايريكا عندما لاحظت أن الصمت طال بينهما ... ل"هل تشعرين بشئ" ؟
«إنها حرارة الجو فقط، لم تكن كذبة كاملة اذ كانت تحس بالعرق يغرقها وبالرطوبة اللزجة تلتصق ببدنها وتكاد تخنقها..... نعم، أحيانا ما يفك هذا الجو طاقة كهربائية المرء ، قالتها العجوز وهى تتفحص ليزا بعينيها الغضراوين. .. انت سعيدة ؛ معنا هنا ا
ليزا ... أليس كذلك؟ ،
حدقت ليزا بنظرات فائقة في الحديقة واستقرت عينيها على الصغيرين وهما يلهوان معا في المرج بالخارج... أنا غير سعيدة هنا... يا سيدة فاندليير.
«هل تفتقدين حياة المدينة؟ ،
لا ... لا أبدا.. أسرعت ليزا تجيبها والتفتت إليها لتجد تلك الابتسامة العذبة مكون وجنتي السيدة العجوز.
وهل أنا محقة عندما أعتقد انك ستأسفين لفراقنا.
نعم .... أشاحت ليزا بنظراتها بعيدا. الآن ينتابها ألم جارف... ألم من أحب بجنون وهو يدرك أنه لابد مفارق من يحبه فى نهاية المطاف.
لقد سحرتك هضاب الكارو... ، قالتها ايريكا فى هدوء انتشل ليزا من شرودها...
نعم... أخشى أن ذلك ما حدث ضحكت ليزا ضحكة قصيرة .... لكنها سرعان ما أشاحت بوجهها عندما احتبس صوتها وترقرت عيناها بالدموع.
دق جرس الهاتف لينقذ الموقف... وانتهزت ليزا فرصة نهوض ايريكا لترد عليه، فاستجمعت رباطة جأشها من جديد ومسحت الدموع التي تجمعت في عينيها من الغباء أن تبكى من أجل شئ لن يكون لها
أبدا ومن الأفضل لها أن تتعايش مع هذه الحقيقة الآن... وكلما كان أسرع كلما كان أفضل.
إنه آدم.. شرحت لها ايريكا عندما عادت ...
يقول إن آل جاكسون دعوه لتناول العشاء معهم وان اصلاح المولد سيستغرق وقتا. شيؤ مقرف . حقا، لكن كما تعلمين فقد ساعدوه كثيرا منذ ان توفى...» قطعت كلامها وتنهدت فى عمق. ..
ويستحسن أن أذهب لأرى ماذا يفعلون في المطبخ.. أما انت فمن الأفضل أن تلقي نظرة على هذين الشيطاني الصغيرين، قالتها ضاحكة عندما وصل إلى مسامعها صياح من الخارج.
أسرعت ليزا للخارج ووصلت فى اللحظة المناسبة لتنقذ حرباء. كانت على وشك أن تغرق فى حوض سمك الزينة...
أوه.. ليزا ...، انطلقت من جوش وكيت معا وهى ترفع المخلوق الضعيف من الماء وتطلقه بعيدا.. "لم نكن سنتركها تغرق!!
وافقتهما ليزا : «ربما انتم على حق.. لكن وضعها فى الماء شئ شديد القسوة .
هل نستطيع ان نذهب فنسبح في الحمام؟» سالها جوش ملقياً وراءه حادثة الحرباء،.. يا للسرعة التى يغير بها الأطفال موضوع.
أومأت ليزا برأسها موافقة جوش فأسرع يختطف يد كيت... هيا يا كيت.. هيا لنرتدى ثوب السباحة، بسرعة هيا!
في المسام عندما أدخلت ليزا الصغيرين فراشهما سألها جوش: هل يمكن ان نبقى مستيقظين قليلا؟.
أجابته ليزا بحزم وهي تغطيهما:
«لا... لا يمكن . لكن عمو آدم ليس هنا. أنت قلت ذلك.
اوه... النظام نظام. وستنامان الآن حالا , أو ... لا
.... بل... نعم... لن يعرف عمو آدم اننا بقينا ساهرين قليلا.. احتج جوش واضاف فى محاولة لاقناعها ، كما ان ستو، لن تمانع.
هبت ليزا واقفة بين السريرين ورسمت . على وجهها ما استطاعت من صرامة.
أعطانى عمك تعلميات صارمة يا جوش ولا اجرؤ على مخالفتها. .
«لكن يا ليزا، .. «قلت لا... يا جوش!!
ران الصمت لوهلة وبدا وجهى الصغيرين بعد أن اغتسل ملائكيا، وقد اتسعت أعينهما وبدت فيهم خيبة الأمل. ..لا تناديني جوثوا ، إلا اذا كنت غاضبة مني! قالها جوش بعينين دامعتين كادتا تذيبان عزمها وتصميمها ..، لكن ما إن ورد غضب آدم
على خاطرها حتى استردت شجاعتها .
"لست غاضبة منك يا جوش، لكن يجب أن تنام الآن.، قالتها بنبرة بدت أكثر ودا ونهضت تلتقط بعض الدمى المتنأثرة على الأرض وتضعها في مكانها.
وهي تفعل ذلك سمعت الصغيرين يتهامسان فيما بينهما وتظاهرت بأنها لا تلحظ ذلك وعندما استدارت تواجههما مرة أخرى وجدت وجهان فى غاية الجدية يحدقان فيها...
ليزاء، الم تعودى تحبينا، قالت كيت فى تردد ...
ركعت ليزا بجوار السريرين وقد غاص قلبها داخلها وأخذت تحتضنهما وتمطرهما بالقبلات...
وأجابتها وفي حلقها غصة:
ياه، أحبكما كليكما، بل أموت فيكما حبا، لكننى لا أستطيع أن أسمح لكما بالسهر أطول من المعتاد، سيغضب عمكما مني للغاية، وأعتقد أنكما لا تودان حدوث ذلك، أليس كذلك؟
أجابا فى صوت واحد: «لا... لا..
«اذا فلننم هيا ، قالتها ليزا بابتسامة عذبة وهى تداعب راسيهما بيدين حانيتين.
لماذا لا يحبنا عمو آدم؟ .
أسرعت ليزا تجيب على سؤال جوش المفاجئ،
أبدا ... أبدا بل هو يحبكما جدا
لم يقنع جوش:
«إنه لا يلعب منا ابدا .. وأضافت كيت: فقط يوبخنا وينهرنا... عمكم رجل مشغو جدا يا أولاده. وجدت ليزا نفسها مضطرة للدفاع عن آدم، حتى وإن كانت غير مقتنعة بما تقول...
«... هناك دائما عمل في المزرعة يستلزم منه أن..»
قاطمها جوش مقطبا.. لكنه دائما نراه يركب جواده ويتمشى مع تلك السيدة من المزرعة المجاورة.
لكن... أنا...» أسقط في يد ليزا ولم تجد جوابا ... فما الذى يمكنها أن تقوله في هذا الشان؟
سألتها كيت: «هل ستصبح زوجة عمنا.
تردد صدى السؤال في قلب ليزا التي أجابتها فى الحال : لا... لا أعرف. .. ربما لإ...أعتقد أنني أكره ذلك انفجر بها جوش ورات ليزا في صوته شبها كبيرا بعمه ! تمتمت ليزا في قلق:
«لا ... لا.. . لا يصح أن تقول ذلك.
لكن جوش أصر على موقفه:
لكن هذه هى الحقيقة وأنت قلت لنا أننا يجب أن نقول الحقيقة دائما .
ترددت ليزا برهة لا تجد ما تقول... نعم- لكن...
ثم قرر أن تضع حدا لهذه المناقشة..
هيا .. حان الوقت الآن لنطفئ الأنوار..
"إنها- لا تحبنا كذلك ".
جعلتها عبارة كيت تتجمد اصبعها على زر الكهرباء بين السريرين..لم تكن بحاجة لأن تسأل عمن تتحدث كيت... وبختها فى لطف قائلة:
ليس هناك ما يربط بينكما وبين الآنسة جاكسون ولم تتعاملا معها إذا فكيف تقولين ذلك؟،
أجابها جوش فى نبرة من التحدى:
نحن نعلم ذلك.... فلماذا لا تتزوجين عمو آدم .... القت به كيت.. سكونين أنت إذا زوجة عمنا.
تصلبت يد ليزا وهى تسوى الملاءات في شرود ...
لا يمكن أن أفعل ذلك....لماذا لا تستطيعين؟
سحبت ليزا نفسا عميقا وأجابت فى تردد:
لأن. .. لأن عمكما وأنا ، .. نحن... لا نشعر بهذه الطريقة احدنا تجاه الآخر.
قطب جوش جبينه :
اي طريقة؟،.... إم مم... نحن لا ... لا نحب بعضنا..
لكن الا تستطيعين. ..».
بلا ، لا استطيع. وبالتأكيد لا يستطيع عمكما، قاطعتها ليزا فى حدة ونهضت على قدميها فى اشارة أن المحادثة قد انتهت...
«... الآن أغمضا عينيكما وناما حتى أطفئ النور
سألتها كيت فى أسى: الن تقبلينا قبل أن ننام؟.
ذاب قلبي ليزا بين أضلعها ...
بلى بكل تأكيد. .. » وابتسمت فى دفئ وانحنت عليهما تقبل كلا منهما على جبينه. ..
... تصبحان على خير....وتصبحين على خير يا ليزا ..
كانت ليلة مظلمة... أدركت ليزا ذلك وهي تدلف الى الشرفة بعد العشاء لتغسل رئتيها ببعض الهواء المنعش... كانت السيدة فاندليير تجلس في استرخاء.. و كانت السحب قد تجمعت من مكان ما لتتآمر على النجوم وتحجبها خلفها ... لكن ظل الجو . خانقا والحرارة شديدة.
وقالت السيدة فاندليير على حين فجاة:
هكذا هي الأحوال هنا ... يبدو الجو صيفا وجميلا ولكن فجأة.. لا يعلم المرء ماذا يمكن أن يحدث.
لم تجيبها ليزا فرمقتها بنظرة حادة وتابعت...
«... أنت صامتة كثيرا هذا المساء يا ليزا ... هل أتعبك الأولاد كثيرا اليوم؟،
ابتسمت ليزا فى وهن تحدق في الظلام المترامى أمامها ، .. لا.. . لا... فقط أرادا أن يبقيا ساهرين لبعض الوقت، لكننى لم استطع أن أسمح لهما بذلك.
طبعا لا يمكنهما ذلك.. وسقطتا فى الصمت مرة أخرى... السيدة فاندليير...» قالت ليزا فى تردد وهى تتأرجح بكرسيها الخيزران في توتر واضح... "ما مشاعر آدم تجاه الصغيرين؟ ،
ماذا تقصدين يا عزيزتى؟ أقصد ... هل هو مغرم بهما؟
«طبعا... طبعا، كما أنه مهتم بتربيتهما بالطريقة التى كان «جاك. يتمنى ان يربيهما بها ... ، توقفت برهة وأحست ليزا بعينيها تتفحصانها فى اهتمام
لماذا تسألين» أجابتها ليزا وهى تزيل خصلة . من شعرها انسدلت على عينيها:
شئ قاله الصغيران وانا أضعهما فى فراشهما ... آدم لا يأبه لهما كثيرا ويبدو انهما يظنان أنه... أنه لا يحبهما كثيرا .
انفجرت السيدة فاندليير قائلة:
هراء!! أتمنى أن تكوني قد أخبرتهما أنهما مخطئان؟
لعقت ليزا شفتها وقالت: حاولت ولكن.. أعتقد انى لم افلح تماماً في اقناعهما.
تولى أمر الصغيرين مسؤولية هائلة... كما أن آدم..
توقفت ايريكا ، كان واضحا أنها كانت تدرك أن السغيرين معهما شئ من الحق. ثم حاولت أن تدافع عن سلوك آدم كما فعلت ليزا .. لقد زادت مشاغله مؤخرا ولم يعد لديه الوقت الكافى لمراعاة
شئونه الخاصة ولا حتى شؤون أسرته... كان الله في عونه!! .... أعلم ذلك."
تنهدت ايريكا من أعماقها وأضافت:
ربما يجب على أن التحدث معه لكن.. . يا الله!! لقد صار فظا هذه الأيام وعندما يصبح كذلك من الأفضل تفاديه.، أعتقد ذلك.وافقتها ليزا، لكن لم تحل المشكلة بعد، فالصغيران يشعران أنه لا يحبهما وآدم يتجاهل أن تصرفاته معهما هى السبب فى
هذا الشعور سحبت ايريكا نفسا عميقا وقالت:
أعتقد أنه بحاجة إلى زوجة.. آن الأوان لكى يستقر وتكون له أسرته الخاصة.
«آن الأوان لمن يا أماه؟
انطلق السؤال بصوت كالرعد وسقط قلب ليزا فى قدميها وهى ترى ذلك الشبح ييرز من الظلام أمامها.. كان آدم قد اقترب من المنزل فى هدوء بالغ فلم تلحظه اى منهما, . ولاحظلت ليزا مدى الغضب الذى يتأجج في صدره وقد اتكأ على إفريز الشرفة وعقد
ساعديه أمام صدره.
«يا الله آدم... لقد أفزعتنى يا ولدي ..
لم يكن لدى آدم استعداد لتغيير الموضوع، ..
بحياة من التى تحاولين التحكم فيها هذه المرة يا أماه... أجابته ايريكا في رباطة جأشر : حياتك أنت يا آدم ، .
لم تملك ليزا منع نفسها من الاعجاب يشجاعة ايريكا التى أضافت .
حان الوقت لتجد لنفسك زوجة... لطيفة وحنونة ومحبة تستطيع أن تهذب طباعك الخشنة، وتغير من فظاظتك هذه قليلا !!
أجابها آدم فى سخرية:
«كلام جمبيل.. وهل تقترحين شخصا ما؟ ،
لا، لكن .. توقفت لحظة ثم أبعدت وهى تضغط على كلماتها... امراة مثل ليزا ... على ما أعتقد. .
أحست ليزا بجبل من الثلج يسقط فوق راسها والدماء تتجمد فى عروقها.. ثم تجرى فيها من جديد محدثة مخدرا مؤلما وهى تمنى فى نفسها لو انشقت الأرض وابتلعتها.
لماذا «مثل ليزا، سألها آدم بصوته الساخر...
لماذا لا تكن ليزا نفسها؟!،
يا ليت !! أطلقتها السيدة ونهضت بعد أن وضعت النار بجوار البانزين ... الآن، بعد إذنكما، سأنصرف لأنام مبكرا... لم تكن لدى ليزا أية نية للبقاء وحدها مع آدم ولذا أسرعت تصرف في اعقاب ايريكا بعد أذنك.. لدى خطابات يجب ان أكتبها .
لحظة من فضلك .... تجمدت فى مكانها عندما وصلها ذلك الصوت المجلجل الأمر،
فاستدارت بيطم لتواجه أكثر رجل تخشاه على ظهرهذه الأرض...واكثر رجل تحبه مع ذلك
سألته وهى تتصنع الهدوء؛
هل هناك شيئ تود مناقشته معي؟
تحرك آدم من مكانه نحوها فسقط الضوء المتسلل من نافذة غرفة المعيشة على وجهه وتمتت ليزا، عندما رات السخرية تنفجر من قسمات وجهه، لو ظل في مكانه... سألها فجأة.... ما رأيك في اقتراح امي؟
أحست بالتوتر ينهش كيانها كله وهى تجيبه:
أفضل الا نناقشه بالمرة. «إذا فأنا لا أروق لك كزوج.
لم آت ..فيرفو، لأبحث عن زوج. .. كما أن والدتك كانت تتكلم على نحو عام.
وتجاوزت السؤال وهي تضيف:
«إنها فقط تريد أن تراك مستقرا ولك أسرتك.. لكن ليس بالضرورة معي .. ماذا فمن تقترحينها زوجة مناسبة لي؟،
اتاحت ليزا بعينيها تفادى تلك النظرات التي كانت تعلم أكثر مما تستطيع أن تخفيه، ..
"ليس من شانى أن أقترح عليك من تتزوج" .
تمتم فى سخرية:
«يا خسارة كنا سنستمتع يدبسماع آرائك في الموضوع. . ثم وضع يده في جيبه وهو يقول:
بشان ما حدث اليوم عصرا...انكمشت ليزا على نفسها.
لو لم يكن لديك مانع ، يا سيد فاندليير، لا أود مناقشة ذلك ..... زفر آدم يديه وقال فى سخرية:
أعتقد اننا قد تخطينا مرحلة سيد فاندليير،
احتقن وجه ليزا وضاعت فيه :
قلت لا أود الحديث عن ذلك الموضوع .
صاح فيها آدم بدوره:
حسنا.. حسنا لن نتكلم عن ذلك. لننسى الأمر كله، لو كان ذلك سيسعدك، لكن.. هل تتكرمين وتشرحين لى لماذا هرولت كالأرنب المذعور لحظة أن انصراف والدتي؟
انا لم أهرب. . انا ،
قاطعها في تبرة توكيدية:
بل هربت. . . وكنت متأهبة للفرار منذ أن أصبحنا وحدنا. أحسست بالوحشة فى عينيه فصاحت فيه:
اياك ان تلمسني.
رفع آدم يده عنها ولكنه وضعها على الافريز مانعا اياها من الهروب ...
«هناك شئ من البراءة فيك يا ليزا تجعلنى أظن انك ملاك صغير .
☆أبنه المدينة المدللة ☆
عندما لجأت ليزا إلى غرفها وأصبحت فى مأمن من غارته. .. اكتشفت أن آدم على حق، إنها ترتجف احست بأن قللها يكاد يقفز من بين جنبيها!!
وعندما نامت عاد ذلك الكابوس الذى هاجمها بعد الحادثة يفترسها الآن... ها هو آدم يقفز بخفة الفهود إلى منامها ويطاردها ويكاد ينشب مخالبه الفتاكة فى جسلها الواهن... ولت هاربة وكانما ترى الشيطان نفسه ،،، تود لو صرخت بكل قوتها تستغيث وتستنجد لكن.. هيهات.. ها هو صوتها قد احتبس فى حلقها وتجمدت أحبالها الصوتية... ولا تكاد تنطق..، تسارعت دقات قلبها واخذ صدرها ينتفض الى عنف وقسوة وهى تحاول الهروب من هاتين القبيضتين
القويتين اللتين أطبقتا على عنقها فى قسوة وعنف.. أما من مغيث؟؟
لكن وكأنما قد تسمرت أما من منقذ إنها تحاول الهروبي قدماها في الأرض وتوقف قلبها عن النبض و.. ليزا صوته يبعثر كيانها ويحلله أشلاءا وها هو حلمها ينقلب حقيقة .
كان آدم بجوارها وقد خفض رأسه يرمقها بعينه النافذتين وملامحه الصخرية وجثته الهائلة بالنسة لها فى ضوء المصباح الباهت وهو يهزها ويناديها ...
" ليزا استيقضي يا ليزا... انتفضت السماء تصفع وجه الأرض بسياط من برق بث الرعب في أوصالها وآدم. يضع يده فوق فمها ليكتم صرخة اوشكت أن تفلت منها . تجمدت في مكانها واتسعت حدقتاها فى ذهول، كانت العاصفة تضرب المكان فى الخارج فى هدير مدوي ... ها هي تدرك أخيرا لكن لا زال رعب كابوسها يطاردها وآدم يزيح يده شيئا فشيئا ويومئ لها بالصمت، ..
ماذا تفعل فى غرفتى؟ تدحرجت الكلمات من شفتيها وأصابعها تحتضن حلقها المجروح والخوف لا يزال ايضا في عينيها.. وأدركت أن الوقت قد تجاوز
منتصف الليل ولا يزال آدم بكامل هندامه. .
«كنت ألقى نظرة على النوافذ في ظل العاصفة عندما سمعتك تصرخين .
قالها فى هدوء وهو يصب لها كوبا من الماء ويناوله لها، لكنها كانت ترتجف فى عنف حتى إنها لم تقوى على رفع الكوب وحدها فرفعه إلى شفتيها وهى ترتشف قطرات منه فى نهم شديد، ...
بسبب العاصفة أم هو كابوس ... سالها حينما انتهت من الشراب.... لا.. لا... أعرف.
ربما خليط من الاثنين؟
أدركت فجأة أنها لا تزال في الفراش وهو إلى جوارها فأسرعت تخطف الغطاء وقد انكمشت في جانب السرير تحدق فيه في رعب...
صفع المطر وجه النافذة فى عنف وانطلقت سياط البرق تلهب ظهر السماء.. فانكمشت اكثر فى مكانها وهى تحس أن العاصفة ليست في الخارج فقط وانما هنا في الغرفة تحيط بها من كل جانب.
أنا على ما يرام الآن؟، قالتها بصوت مرتجف في يأس أن يتركها وحدها.
«هل انت متأكدة.
نعم... نعم. شكرا لك.، قالتها تجاهد لتسيطر على فمها الذى بدأ يرتعد في عنف ..
«يا ربي ! لست على ما يرام بالمرة.
قالها وهو يرتب على ظهرها ويهدئ روعها وكانها طفل مذعود بحاجة لمن يطمئنه ويهدئ من روعه...
وقد كانت ساعتها كذلك استكانت وهدأت وأخذت دقات قلبها تهدأ شيئا فشيئا.. لم يدر بخلدها حينها أن تقاومه. . ولا حتى تذكرت تحذير ويللا، لها.. فقط.،، هى تحس بالأمن الآن... كم كانت في حاجة إلى هذه السكينة!!
أعتقد أنك .، أنك يجب أن تنصرف..
همست بها ليزا وقد فاض الألم فى عينيه .
نهض آدم واقفا على قدميه قائلا:
أعتقد ذلك أيضا ...طابت ليلتك يا ليزا .
أفلتت منها آهة وهى تعود بظهرها للوسادة وتطفئ النور. كانت حدة العاصمة قد خفت قليلا لكن ظل المطر ينهمر ويسيل غزيرا فوق النافذة وأخذت تحدق في خيوط المياه التي أخذت تسيل فوق زجاج النافذة، شاردة الذهن... كسيرة القلب ومن بعيد تاهت إلى مسامعها كلمات أغنية قديمة تطفو من قاع عقلها المرتبك دون أن تشعر... تشعر في بحر الحب. ... لم تذكر ليزا بقية الأغنية..، لكن أحسست بانها قد كتبت خصيصا من أجلها... لقد تنهدت كثيرا واحبت كثيرا ... ولن تعود حياتها كما
كانت أبدا من قبل!!
«الحب الحقيقي لا يحدث سوى مرة واحدة فقط، وما عداه زيف وخداع.
أخبرتها خالتها مولي، يوما ما..لا ولهذا لا يمكن ان يرد في خاطرها فكرة الزواج من احد. لن يستطيع أحد أن يكون لى مثل ما كان لوك .. مهما حاول وإن رضخت وتزوجت شخصا آخر... سينتهى
بنا الأمر وقد تحولت حياتنا إلى جحيم،
كانت الخالة مولي، على حق. إن حبها لآدم هو ذلك الشئ الذي لا يتكرر سوى مرة واحدة فى العمر كله ... ولن يستطيع أحد أن يحل محله !!
استمرت العاصفة تضرب طيلة تلك الليلة واكتسحت فى طريقها الأسوار واقتلعت الأشجار من جذورها، وضرب البرق كوخ أحد العمال فحرقه لكن لم يصيب أحد بأذى وظل آدم ورجاله يكافحون ويسابقون
الزمن طوال يومين قتالين لإزالة آثار تلك العاصفة العاتية.. واضطر آدم إلى تقسيم رجاله إلى فرق لينقذ ما يمكن انقاذه من قطعانه وليضع حدا للخسائر، وشاركت ليزا فى اعداد الطعام للرجال وتلبية
حاجاتهم وأحسست بسعادة لم تعهدها من قبل رغم أنها كانت تضطر فى بعض الأوقات للوقوف على ساقيها. كان الحال في مزرعة جاك التي يديرها كينيث رودمان لا يختلف فى قليل أو كثير عن حال مزرعة آدم... وشغل كينيث بها شغل به آدم.
وأتى كين ذات يوم ليقدم تقريرا لآدم عن الأحوال في مزرعة أخيه وبدا مجتهدا منهمكا رث الملابس أشعث الشعر كغيره من الرجال.
ركن كين سيارته واقترب من ليزا التى كانت على وشك الدخول إلى المنزل. صباح الخير يا ليزا ... هل آدم بالداخل؟ .. لا ادرى، لقد خرج مبكرا هذا الصباح ليتفقد الأحوال ولم أراه يعود.... ما عدت غاضبة منى... اليس كذلك؟
لم أغضب منك قبل ياكين. بادرته ليزا تطمئنه.
اذا فقد سامحتني؟ ...الم تفعل ما يستدعي ان اسامحك؟
وجلس معها على أحد المقاعد الخشبية تحت أحد الأشجار الكثيفة الأغصان الناضرة الأوراق.
- انت جميلة جدا يا ليزا ... ولست أغازلك مجرد مغازلة جوفاء.... أشاحت ليزا بنظراتها بعيدا فى قلق وقطفت وريقة من الشهر وفركتها فى يدها لتشم رائحتها الذكية ...
لم ألتق من قبل بأى فتاة إلى هذا الحد، ولن يكون سهلا على اعتباراك بمجرد صديقة كما تعلمين. ..،
بدت الجدية الشديدة على وجهه مما جعلها تدرك أن عليها أن تقنعه بشكل أو بآخر...
كين... أنا آسفة يا كين لكن. .
قاطعها وهو يخفض يده مطلقا سراحها:
أعلم ذلك على الاكتفاء بالنظر من بعيد والتحسر على الحب الذى لن يكون !, لكن أريد أن أعرف صاحب الحظ السعيد .. أقصد أريد أن أعرف ذلك الذى هزمني وفاز بحبك،
أنت مخطئ... ليس هناك من أحد.
كان والدى العجوز يقولى لي حينما ترى الفتاة تحمر خجلا، فكن متأكدا أنها تكذب.
قالها ومسحة من المزاح تبدو فى نظراته اليها أجابته ضاحكة وهى تحاول أن تزيل توترها:
لابد أن والدك العجوز يعرف الكثير من النساء ، وعن طباعهم .
لم تكمل عبارتها عندما سمعت خشخشة اقدام مألوفة ، على الحصى الذى يغطي الأرضية على مقربة منها،، كان آدم.. مرهق ومنهك أشعث الرأس ثائر الشعر متغير الوجه وقد ذهب به الاعياء كل مذهب...
«هل أرسلت تريد رؤيتى يا رودمان؟
هب كين واقفا ،،.... نعم يا سيدى.
سأكون فى مكتبي..، وحاول أن تختصر مفهوم؟ .
مغهوم يا سيدى.... راقبا آدم وهو ينصرف فى خطوات ثقيلة متعبة متجها إلى المنزل
التقت كينيث ناحية ليزا وتأملها فى عناية وهو يقول: إنه هو.. أليس كذلك؟،
انتفضت ليزا من مكانتها : من الأفضل لك ألا تبقيه منتظرا . إن مزاجه لم يكن. جيدا طوال
اليومين الماضين.
كان الصغيران يختلسان النظر بين الحين والأخرى إلى عمهما وقد اكتسى نظراتهما باسى عميق وبدا خانعين على نحو غريب. ..
كانت ايريكا تراقب الصغيرين بدورها.. إنها تفعل ذلك منذ لفتت ليزا انتباهها إلى هذا الموضوع ولكن عندما التقت عيناها بعيني ليزا هزت لها رأسها تشير اليها بوضوح أن الأوان لم يحن بعد...
يجب الا نسمح لفتاة بأن تحلم بمفردها فى ضوء القمر. ، لم أكن أحلم،
لقد قطعت عليك حديثا هاما للغاية هذا الصباح مع كينيث رودمان. ربما كنت تفكرين فيه الآن؟
- لم نكن نناقش أى شئ مهم أنا وكين. وما كنت أفكر الآن سوى فى جوش وكيت.
ههه.... اشتعلت نفسها غضبا من سخريته لكنها كانت تعلم أن عليها أن تقترب من الموضوع فى حذر لو كانت تريد أن تنجح فيما تصبوا إليه.
هل يجب أن تخبره الآن؟ أم يجب عليها الانتظار قليلا؟ اخرج غليونه ووضعه في فمه وأخذ يسحب انفاسا عميقة من الدخان وقد وضع يديه في جيب سرواله... كان بيدوفى هيئته تلك جامدا صخريا صعب المنال فهل تجرؤ على مفاتحته فى شئ ليس
من شأنها بالمرة؟
لاحظ انها صامتة فبادر فى تفكير يقول:
«لقد صدمت فجأة يا ليزا ... ترى ما السبب؟
استجمت ليزا ما لديها من شجاعة...
«آدم، أعلم... أعلم أنك.. أنك كنت مشغولا للغاية فى الأيام الماضية ولكن. ..
ولكن ماذا؟،.... ابتلعت ريقها وهي تكمل:
اعتقد أنك يجب أن تعلم أن الصغيرين يشعران انك لا تحبهما...دوى صوته مرعدا وهو يجيبها فى غضب:
كلام فارغ !! وصمت برهة واستند إلى جذع شجرة ثم أردف وهو ينفث دخان غليونه فى غضب:
لا..، أعترف أننى لم أكن مرتاحا فى البداية للانقلاب الذى حدث في نظام حياتي لكنهما طفلى أخي... وانا ولى أمرهما،... أجالته فى هدوء:
وهما يتقبلان فكرة ان تكون عمهما وولى أمرهما لكنهما يحتاجان إلى ما هو أكثر من ذلك. . . صمتت برهة ثم أردفت حينما لاحظت تساؤلات عينيه..... يحتاجان لأن يشعرا بأنك تحبهما .
سألها فى سخرية وتهكم:
«هه ... ما الذي يجب. علي أن افعل فى هذا الخصوصةً أن أعلق على صدري لافتة تقول أننى أحبهما؟ أم انشر اعلانا فى إحدى الجرائدً :
لست اقترح ايا من ذلك ...، وترددت ليزا برهة وهي تظن انه من الأفضل ألا تابع فى مثل هذه الظروف... لكن ما لمحته في عينيه من إلحاح ونقاذ صبر جعلها تكمل. .. حاول أن تقضي معهما وقت أطول من ذلك قليلا... ومن ثم سيتعرفان عليك وسيتعودان على طباعك... ويدركان أنك لست مجرد عم متسلط وولي أمر وحسب وانما أيضا شخص يهتم بهما ويحبهما.
وعندما تفعل ذلك ستسير الأمور بشكل طبيعي .
"هل هذا رأيك "..بل أنا على يقين من ذلك.
أخذت السماء تمطر دون توقف طيلة الأيام القليلة التالية وكان ذلك غريبا على هضاب الكارو التى دبت فيها الروح من جديد وتلألأت فيها خضرة يانعة أخذت بلب ليزا كل مأخذ... تماما كما حذرتها ايريكا
فاندليير من قبل. مع ذلك لم يكن ذلك ليمثل أى فارق فى عيني ليزا التى ستضطر في النهاية إلى مغادرة
"فيرفو" عائدة إلى المدينة. .. لكن ما كان يؤلها
أكثر من ذلك هو أنها صارت خانعة ذليلة كلما واجهت آدم بعد تلك الليلة التى صفعته فيها بكل غباء... وعلى كل.. فقد تغير موقفه تجاه الصغيرين قليلا وبعث فيها ذلك شيئا من الفرح وجدت فيه شيئا من
التعويض عن المهانة التى وصلت إليها..
فى البداية تعامل معه الأطفال فى حذر وترقب. .. ولكن مع اقتراب عيد الميلاد اخذوا يناقشون موضوع الهدايا التي يود كل منهما أن يحصل عليها في تلك المناسبة، كانوا حينها يتناولون شاى الظهيرة فى الحديقة . يوم أحد. .. لم يستطع جوش وكيت أن يتفقا على رأى عندما سألتهما جدتهما عن الهدايا التى يرغبان فيها ووصل الأمر بينهما إلى حافة الشجار، عندما قرر آدم التدخل في الحديث:
ما رأيكما بفرس صغير؟!
حدق فيه زوجان من العيون البنية في ريبة وتشكك.
«فرس صغير؟ء سأله جوش فى تردد ... فرس صغير حقيقى؟
«نعم. فرس صغير حقيقى. مد آدم ساقيه أمامه واسترخى فى مقعده وسحب نفسا عميقا من غليونه وتابع قائلا: فرس لك،، وآخر للأمورة كيتا.. لتتعلما كلاكما ركوب الخيل.
حبست ليزا انفاسها فى ترقب وقلق، .. ها هو يتخذ خطوة هائلة فى الاتجاه الصحيح... لكن الباقي يتوقف على رد فعل الصغيريين تجاهها قطعت كيت الصمت الذى رن على الجميع قائلة: هل تعنى ذلك حقا يا عمو؟!
هل تعوت أن أقول شيئا لا أعنيه يا حبيبتي
لا ... لا اعتقد ...
ثم سأله جوش: وهل ستعلمنا كيف نركب على الحصان يا عمو.... ساد الصمت لوهلة ثم انزلقت ابتسامة على ملامح آدم الصخرية اذابت بعضا من وجودها...
"لو تصرفتم بشكل جيد . .. نعم."
صاح الصغيران فى آن واحد : "هية
أخيرا تنفست ليزا الصعداء ها هو الجليد يذوب أخيرا وها هما يقفزان إلي حجر عمهما ويتقافزان حوله يحتضنانه ويقبلانه. ..
وتبادلت ليزا ابتسامة ارتياح مع ايريكا فاندليير بدا وكأن المستحيل يوشك أن يحقق وكأن الشمس قد ازدادت بهاء و اشراقا فى ذلك النهار وهم يجلسون تحت شجرة البلوط العتيقة !
جلست ليزا برهة وهي لا تستطيع أن تستوعب ما تراه أمامها.. معقول هل هذا هو آدم الذى يطوي الصغيرين تحت جناحيه باسم
الثغر مشرق الوجه وقد انفرجت أساريره ويبدا عليه الاستمتاع باللهو ومداعبتها... بدا كل ذلك عجييا في عين ليزا» كان... كان ذلك في غاية المراد!!! لم يكن فى تصرفات آدم أى افتعال او تكلف ورنت ليزا
إليه بعينين شـاردتين فرائته وهو يجلس القرفصاء وقد احتضن ولديه ويللا» إلى جواره باسمة لاهية. .. مع أطفالهما... ذوى الشعر الأسود مثل شعر آدم والعيون الخضراء كنينه ويللا.. عند ذلك حجبت غمامة من الألم ناظري ليزا واخذت الغيرة تفترس كليانها... الغيرة التى لم تكن تعرف ما هى من قبل وحاولت انتزاع نفسها من هذه التأملات الحزينة بالتركيز على الحوار الدائر.
«عمو آدم.. أنت أجمل عم فى الدنيا كلها، .
قالتها كيت فى خجل وطبعت قبلة على وجنته فارتفع حاجباه الكثيفان دهشة وأجابها:
لا أعرف كيف أكون أجمل عم في الدنيا كلها ... لأننى كنت بحاجة لمن يخبرني ويلفت انتباهي اننى لم أكن بالعم الصالح فى الماضي القريب.
ووجه نظراته نحو عيني ليزا التي أدركت بغريزتها أنه يشكرها بهذه الطريقة... لكنها رأت كذلك فى هاتين العينين شيئا آخر حاولت الامساك به دون جدوى حتى بعد أن خفض ناظريه عنها محدقا في
الصغيرين مرة اخرى قائلا:
«هي... ما رأيكم في اللهو قليلا فى حمام السباحة؟!،
قفز الصغيران فى فرح إلى حجره وهما يصيحان في نفس واحد: هيا ... هيا ... لنذهب ونبدل ملابسنا.
سألته ايريكا وهو ينهض بالصعيرين:
أعتقد أن ويللا جاكسون تنتظرك هذا المساء ...
هز كتفيه دون مبالاة وهو يجيبها:
سأتصل بها وأخبرها اننى لن أستطيع. وخلا مسرعا نحو المنزل.
لمحت ايريكا فى خبث قائلة :
أعتقد أن ذلك سيضايق ويللا كثيرا .. كان آدم قد ابتعد عن مدى صوتها ، ونحن نعرفها منذ كانت طفلة.. لكنها بدأت تتصرف مؤخرا وكأنها ترى فى آدم أحد ممتلكاتها، لذا لن تغفر له بسهولة اهماله لها
بسبب اهتمامه بالصغيرين.
قبل عيد الميلاد بأسبوعين استدعى آدم ليزا إلى مكتبه... اسرعت ليزا إليه ذات مساء وهى تتساءل ما الذى يمكن ان يريدها من أجله؟!
لقد دعيت امك وخالتك ليقضيا عدة أسابيع فى أعياد الميلاد وأعياد رأس السنة... معنا هنا في المزرعة. قالها فى هدوء وهو يستند إلى كرسيه وينفث دخان غليونه فى بطء عجيب..
هبت ليزا واقفة في مقعدها:
دعوت من ؟!! ،... لقد سمعتنى بوضوج.
«لماذا؟ سألته دون أن تحاول أن تخفى انزعاجها.. لماذا دعوتهما".
كان فى نيتنا أن نقضى عيد ميلاد هادئ للغاية ولكن... تقول أمى أنها تشتاق لرؤية خالتك، ولذا اقترحت عليها أن تدعوها لقضاء الموسم معنا . كما قررت أنك قد تودين فى قضائه مع املك هنا ،
حدقت فيه في بلاهة غير قادرة على استيعاب الموقف: لا.. هل.. هل قبلتا الدعوة؟
"وصلني خطاب هذا الصباح من امك ومن خالتك، سيسرهما أن ياتيا وسيصلان الأسبوع القادم على ما استنتجت من الخطاب.
غير معقول!... يبدو انك لست سعيدة بما يكفى لسماع ذلك، قالها فى هدوء... وقد ضاقت حدقتا عينيه موجها نظراته النارية نحوها من خلف قناع
الدخان. ..
لا... لا أعرف شعورى الآن،،، أنا،...
عضت شفتيها وقبضت على يديها في عنف وهما في حجرها...
وفجاة عرفت شعورها الحقيقى إنها لا تريد حضور امها وخالتها هنا لأنهما أقرب شخصين في هذه الدنيا إليها ولن يفوتهما ملاحظة حالتها النفسية المزرية واكتشاف سرها الدفين.
لم تكن تريد أن يحدث ذلك لكن... فات الأوان لعمل أى شئ... كان شيئا.. لطيفا منك دعوتهما ... » أخيرا استطاعت أن تقول شيئا وقد خفضت رأسها على الأرض...عندما أفعل شيئا فأنا أفعله لغرض ما، وليس ارتجالا!!. قالها في هدوء وهب واقفا وركل الكرسي بقدمه فى عنف جعلها تقفز من مكانها في ذعر...
فما غرضك اذن من هذه الدعوة.
كان آدم يقف موليا ظهره لها وقد سرح بنظراته بعيدا عبر النافذة. .. صمت برهة دون أن يبدو انه قد سمع سؤالها ... ولكنه استدار اخيرا وأجابها وهو يهز كتفيه دون اكتراث قائلا : يحب معظم الناس قضاء أعياد الميلاد مع أسرهم، وليس لدى سببا يدعوني لافتراض أنك تختلفين عن الآخرين.
ماذا فقد دعوتهما من اجلي؟
لاحت ابتسامة على شفتيه لكنها تلاشت سريعا ...
ليس تماما ...انك تحيرني.. حاولت أن تكتشف ما يدور في عقله دون جدوى.
كل ما عليك فعله هو أن تقبلى حقيقة قدوم امك وخالتك هنا في عيد الميلاد ودعي الأمور تجرى كما هو مقدر لها ... قالها بنفاذ صبر اعتادت عليه.
حدقت فيه برهة وأحست أن اللحظة قد حانت لتبوح له بشئ حاولت كتماته طويلا.
هل... هل أنت فى عجلة لتستانف ما كنت تفعل؟
قالتها وهي تنظر نحو الأوراق الملقاة فوق المكتب،
استدار إلى الناحية التى تجلس عندها وجلس على طرف المكتب وهو يقول:
ليس اذا كان هناك ما تودين مناقشته معي."
ظل صامتا برهة في انتظار ان تقول شيئا لكن عندما وجدت ذهنها خاليا صاح بها فى نفاذ صبر:
ماذا؟ هل هو أمر صعب لدرجة انك لا تجدين شيئا تقولينه : أنا ... انا ... لست اج .. . أجده صعب .. صعبا... أن أقر ... اقول ما فى عقلى. ..
قالت فى تردد وتلعثم وأحست بألم شديد في معدتها وهي تتابع قائلة:
ليس ما أحاول أن أقوله هو الصعب... لكن لم تتح لى..، لى الفرصة للكلام معك مثله ... منذ تلك الليلة على انفراد. عندما تتأخر عما يجب عليك أن تفعله.. تصبح الأمور أصعب ولا تجد كلاما مناسبا ... لكن،
شددت قبضة يديها المتشابكين فى حجرها ثم رفعت نظراتها المرتبكة إليه:
«أنا مدينة لك بالاعتذار يا آدم. أنا، ليست عادتي ، صفع الناس على وجوههم.
أصبحت الآن على شفا حفرة هنا البكاء فطأطات رأسها وهى تضيف فى صعوبة:
أنا .. أنا آسفة....ساد الصمت بينهما برهة ثم . سمعت آدم يقول فى هدوء .
من المعتاد أن تصفع فتاة أى رجل يحاول اهانتها، كما أنى لم أكن أقصد أن أفعل ذلك في البداية.
همست ليزا قائلة:.. أعلم ذلك. .
"ان عينيك تسحراني".... قالها بصوته الاتي من الاعماق والذى اهتزت له كل جوارحها، هل تعلمين أن لونهما يتحول إلى اللون البنفسجى الغامق عندما تغضبين»..... «أرجوك يا آدم... كفى !
ألم يخبرك أحد من قبل بذلك؟
«لا.. قالتها وهى تتنهد وقد تهدج صوتها... انه روى، هذا عديم النظر فعلا!
حدقت فيه برهة فى صمت...
- «يا إلهي عندما تنظرين لى بهذه الطريقة..!!
فى الأسبوع التالى وصلت إلى «فيـرفيو سيليا مورو، ومولي آنستى، فى عصر أحد الأيام. وخرجت ليزا والتوأمين وايريكا لمقابلتها. حتى آدم كان فى استقبالهما وأدهش ليزا مدى الألفة والود الذى
استقبل بها أمها وخالتها. أتى الخدم وحملوا حقائبهما وسار بهما آدم وايريكا إلى داخل المنزل وتبعتهم ليزا والتوأمين. لاحظت ليزا أن آدم كان يتحدث مع أمها على منضدة الشاي بحميمية غربية، حتى إنها أخذا يتهامسان وبدا آدم مستمتعا بالحديث .. حتى إنه لم يستطع إخفاء سروره في بعض اللحظات. وبدا أن هناك جوا من الألفة بين الاثنين وكأنما يعرفان أحدهما الآخر من وقت طويل. وحسدت ليزا امها على ثقتها البالغة بنفسها. .. شئ رائع ان تكون هنا مرة اخرى يا ايريكا، قالت مولي فانصرف
انتباه ليزا قليلا على آدم وأمها إلى حالتها التي أضافت... ... أوه... مضى وقت طويل منذ آخر زيارة لنا هنا لإنني أشعر وكاننى كنت هنا بالأمس.
«لقد كنا وابنة اخيك نتشاجر على من منا يأكل قشرة الخبز الطازجة أولا، ثم كنا ندهتها بالسمن الفلاحي... لكن ما زلت اذكر جيدا كيف كنا نخرج لصيد الأرانب على ظهر الخيل معا ا!
وضحكت مولي، وهى تستعيد ذكرياتها في المزرعة وتابعت: لا أعرف كيف لم نجرح أنفسنا أو نقع اثناء الصيد ... ابتسمت ايريكا وأجابتها:
لقد كنتما أنت وبيجى شقيقتان فى تلك الأيام.
وأخبريني من بيجى، لم أسمع منها شيئا منذ أن تزوجمت ذلك الرجل النمساوى وسافرا للخارج.
واندمجت السيدتان فى حديث الذكريات بينما التقت التؤمان الى ليزا ولاحظت قلقهما البالغ فأخذتها للخارج... هل أمك مدرسة هى الأخرى؟ سالها جوش وهى تخرج بهما إلى أقرب معسكر ليشاهدا الأغنام وهى تدخل الحظيرة المخصصة لها لقضاء الليل بها ..
امى؟ا لا ليست مدرسة، بل خالتى هى المدرسة . اجابتها ليزا وهي تحيطهما بذراعيها وهما يجلسان على سور البوابة لئلا يقعا.
- أنا أحب أمك يا ليزا .. انها جميلة جدا ورائحتها جميلة أيضا مثلك تماما يا ليزا .... أضاف جوش وهو يضع قبلة على وجنتها على نحو مفاجيء.
أوه... شكرا .. شكرا لكما ستفرح أمي كثيرا عندما تعرف انكما تحبانها .
ضحكت ليزا واحتضنت الصغيرين بحنان بالغ.
ها هو عمو آدم.. صرخ جوش وأشار إلى عمه محييا فى فرح بالغ.
رفع آدم يده محييا وانطلق مبتعدا بجواده وقد أسدل قبعته فوق عينيه بطريقته المميزة، ومضى تجاه تل صغير، لكن مزرعة جاكسون تقع فى ذلك الاتجاه.. ترى الى أين يمضى بهذه السرعة نحو التل
أم إلى المزرعة؟!!
أوه متى سيأتى عيد الميلاد حتى تستطيع ان تركب الفرس ونمضي مع عمو آدم عندما يذهب إلى المراعي؟ قالها جوش وهو يتنهد فى
صبر نافذ .
لا تحزن يا حبيبى وأصبرفان عيد الميلاد على الأبواب لكن. .. عليك أن تتعلم الركوب أولا انت وكيت.... سنتعلم بسرعة... بسرعة جدا .
ضحكت ليزا على حماسهما البالغ... لكن ضحكتها كانت ضحكة جوفاء وأقرب إلى البكاء ... عيد الميلاد على الأبواب ... ها هي توشك أن ترحل وتغادر هذا المكان الذى عشقته من قلبها ستعود إلى حياتها
الفارغة الكلية التى كانت تعيشها قبل أن تأتي الى هذه الجنة... إيه! كم ستفقد التوأمين. .. ونزهاتها بعد الظهر وسط المروج الجميلة. . ولحظات غروب الشمس بسحرها الذى يأخذ بالألباب. . وتلك الليالي
الدافئة التى تتلألأ فيها النجوم كماسات جميلة في فستان زفاق ناصع البياض ... لكن فوق كل هذا وذلك سوف تفتقدة... سوف تفتقد آدم...
وسيقتلها الحنين إليه... سيقتلها الحنين إلى ذلك الحب المستحيل. .. سوف تدفن نفسها في العمل، تماما كما فعلت خالتها من قبل لكن.
لتدع الله أن تكبر وتشيخ إلى أن تنسيها الأيام ..
نزل الصغيران من على السور وانطلقا يتقافزان أمامها وتبعتهما ليزا ... إن عرجتها قد خفت كثيرا حتى أنها أصبحت غير ملحوظة. ..
حتى إن ندوبها هى الأخرى قد تضاءلت ولم تعد بذلك الوضوح التى كانت عليه من قبل... لكن ليس مظهرها وصحتها ما يشغل بالها الآن.
انما هو... بسخريته وتهكمه وتقطب جبيته. .. وابتسامته الملتوية ورجولته الآسرة...
لا...لا يجب أن أفكر فيه بهذه الطريقة!اه زجرت نفسها وهي تسرع فى مشيتها لتلحق بالصغيرين إنه صاحب عملها ليس الا ، إنه الرجل الذى وجد فيها تسلية ممتعة تعوض عنه غياب ويللا، نعم ما
هو الا محتال ومخادع. . محتالة رلما مخادع؟ ربماا لكن... يا لله! فلتسمه ما شاءت من الأسماء، لا يهم.. هى فقط تحبه ليكن ما يكون... فهى تحبه ولا تستطيع أن تمنع نفسها من حبه. .. حتى لو كان
هو الشيطان فى صورة الإنسان!!
عندما نزلت ليزا إلى غرفة المعيشة وجدت الجميع بانتظارها فدخلت وحيتهم وأشار لها آدم بالجلوس في المقعد المجاور له وصب لها كوبا من العصير اخذت ترتشفه وهي تحاول السيطرة على دقات
قلبها التي اخذت تتسارع. التفتت سيليا مورو إلى ابنتها وقالت: ليزا يا حبييتي.. الا أصدق انت تبدين فى حال رائعة.. صحيح انك لا زلت نحيفة لكن يطبشرتك أصبحت جميلة للغاية،
غمزت خالتها بطرف عينيها وهى تضيف قائلة:
ألم أقل لكم إن هواء الكاراروء سيصنع بها الأعاجيب؟.
احمرت وجنتا ليزا خجلا وهى تجيبها قائلة:
«نعم قلت يا خالة مولي...التفتت مولى إلى آدم قائلة:
«تخيلا عندما اقترحت عليها المجئ هنا لأول مرة، لم تحتمل أن تستمع إلى كلامى.
ازدادت وجنتا ليزا احمرار وهى ترى عمتها تتابع موجهة حديثها لآدم الذى بدا منصتا في اهتمام :
لقد قالت حينها إن هذه المنطقة حارة جدا ومليئة بالغبار وأنها منطقة بدائية تليق بالفلاحين لا بفتاة من المدينة مثلها !!
لاحظت ليزا أن الجميع ينظرون إليها فحاولت التخلص من الموقف قائلة:
«إيه يا خالة... لا تذكريني بمدى جهلي من فضلك.
ضحكت النسوة الثلاث من قولها لكنها احسست أن عينى آدم متسلطتان عليها كحمم من اللهب...
☆سوف ارحل 💏☆
لأول مرة منذ قدومها إلى المزرعة تتاح لها الفرصة أمام ليزا للجلوس مع أمها فى الشرفة. بمفردهما كانتا تتناولان الشاي ذات صباح وكانت السيدة فاندليير ومولي قد استاذنا للبحث عن بعض الصور القديمة التي تخصهما
• إن آدم هذا شخص لطيف للغاية... ألست معي فى ذلك؟. فوجئت ليزا بالسؤال ارتجلت تجيبها:
أعتقد ذلك، نعم، نعم....كان لطيفا منه أن يكتب الي ويدعونى هنا.
«نعم. .. هذا صحيح»، القتها ليزا في ابتسامة ساخرة وهي ترجع فى ذهنها كلام آدم«لا أفعل شيئا قط لله إنما أفعل ما أفعله لغرض ما ، نعم غرض لا تعرفه بعد ...هل الأمور بينكما على ما يرام؟
أجابتها ليزا وقد أدركت أنها لا بد أن تأخذ حذرها :
انهم على ما يرام.
يبدو انه شخص يعتمد عليه.. وليس أبدا من ذلك النوع الذى يتخلى عنك وقت الشدة ،
إنها تعرف طباع أمها جيدا.. إن هذه الملاحظة التى تبدو عابرة تخفي وراءها فضولا كبيرا ،. وقررت أن تتكلم معها بصراحة كما اعتادت أن تفعل قبل أن يدخل «روى فيليبس» الى عالمها ويخرج منه.
غير معقول يا أماه. إنك شفافة مثل السيلوفان!
سالتها سيليا مورو، وهى تحاول أن تخفى ما بداخلها. .... حقا؟
«إنك تحاولين أن تستدرجيني لتعلمي حقيقة مشاعري تجاه آدم فاندليير، لكنك تضيعين وقتك سدى.... احمرت وجنتا أمها قليلا وأسرعت تجيبها:
لقد كنت فقط أتساءل ..
لا يا أماه لا تتساءلي..قاطعتها ليزا وهى تضغط على الألم الذى بدأ يتجمع بداخلها كى لا يفيض ويفضحها أمام أمها .. آدم فاندليير هو صاحب المكان الذى اعمل به وليس بيننا شيئا مشترك، لذا فلا تحاولي أن تتخيلي أننى أحمل له عاطفة من أي نوع.
احتجت أمها قائلة:
لم أتخيل أيا كان... لكن لانني أمك فمن الطبيعي ان يهمني مستقبلك، واتمنى أن أرك مستقرة مع شخص لطيف وقادر على تحمل المسؤولية.
ابتسمت ليزا واهنة.
أنا متأكدة من ذلك يا أماه ولكن. .. ذلك الشخص اللطيف الذي يتحمل المسؤولية، لن يكون هو آدم فاندليير، اذا فهو لا يعجبك.
أجابتها ليزا وهي تواجه نظراتها في ثبات؛
الاسواء أعجبتى أم لا لن يغير الأمر شيئا. فهو صاحب العمل وأنا أحترمه لأنه صاحب العمل.
حدقت سيليا مورو فيها برهة وقد بدت خيبة الأمل . على وجهها، لكن اندفع الصغيران من زاوية المنزل ليهجوما على ما تبقى من الكعك.
أشارت سيليا إلى ابنتها قائلة:
أعتقد أنني في حاجة لفنجان آخر من الشاي.. ، لو لم يكن عندك مانع،... لم تفاتحها أمها في ذلك الموضوع مرة أخرى طوال اليومين السابقين على الكريسماس لكن ليزا كانت تحس بانها مراقبة فى كل
حركاتها وسكناتها، كانت قد عملت تفادى آدم ما استطاعت واشغلت نفسها بالصغيرين في لهوهما ولعبهما واعدادهما لشجرة عيد الميلاد في غرفة المعيشة تبادل الجميع الهدايا عشية عيد الميلاد وأحست ليزا بمسحة من الحزن تعترى آل فاندليير رغم المرح والسرور البادى على وجوههم ..
إنه أول عيد يمر عليهم منذ وفاة جاك، وزوجته. .. فى مثل هذا الوقت من العام الماضي كانوا جميعا هنا يحتفلون معا .. نظرت ليزا إلى الصغيرين بعينين دامعتين وهما يلهوان على السجادة بجوارها... لكنها
سرعان ما مسحت دموعها دون أن يلحظها أي منهما ... وكانا في غاية الفرح لأن عمهما أذن لهما في البقاء مستيقظين لفترة أطول من المعتاد وعندما دقت الساعة التاسعة.. نظر آدم إليهما نظرة تذكير بأن أوان النوم ، قد حان...
سأله جوش وهو يغالب النعاس قائلا:
هل يمكن أن نبقى معكم قليلا يا عمو....لو لم تذهبا إلى فراشكما الآن فستصبحو غدا مرهقين ولن
تستطيها ركوب الخيل معي ، وقد نؤجله إلى ما بعد؟! وفي الحال طار الصغيران إلى غرفتهما وتبعتهيا ليزا وأدخلتهما كلا منهما فراشه وظلت بجوارهما حتى راحا فى سبات عميق. لم تكن
تود النزول مرة أخرى.. صحيح أنه شئ جميل أن تكون امها وخالتها معها فى مثل هذه المناسبة، لكنهما يعرفانها جيدا ومن السهل عليهما اكتشاف الأزمة التى تمر بها. صحيح أنها طالما ناقشت معهما
خصوصياتها لكن آدم شئ مختلف، مختلف تماما، مختلف لدرجة انها لا تبوح بحبها له لأي شخص، حتى ولو كان أمها ليس هناك بد من النزول أطفأت النور الغرفة وغادرت وفي طريقها اصطدمت بشخص ما . كاد قلبها ينخلع من مكانه عندما ميزت
قامة آدم الفارعة وبيانه القوى فى هذا الظلام الدامس.
- جئت لأرى ما الذى أخرك هكذا... ابتلعت ريقها في صعوبة وهى تجيبه: لقد جلست حتى استغرقا في النوم... كانت رائحة التبغ من سيجارته ورائحة المروج الملتصقة بثيابه مع أريج معجون الحلاقة التى تفوح جميعا منه قد اثارت حواسها جميعاً
وجعلتها تصاب بما يشبه الدوار...
لم... أعتقد أن غيابي سيهم أحدا .
أجابها فى هدوء:
لكنه يهمنى أنا ... لم تتح لي الفرصة بعد حتى اشكرك على الهدية التي أحضرتها لي .
قال هذا فى سرعة ثم تركها وانصرف وهو يقول:
جئت فقط للتعبير عن شكري لك... والآن لننزل وإلا سيلحق بنا الجميع الى هنا .
تبعته فى استسلام وعندما وصلا إلى غرفة المعيشة كان النسوة الثلاث منهمكات في الحديث، فلم ينظر إليهما لا نظرة عابرة...
«المزيد من العصائر سيداتي؟، قالها آدم وأسرع يملأ لهم الأكواب أخذت اليزا ترتشف كوبها وتتأمل أمها فى هدوء. . كانت تبدو على أمها امارات السعادة رغم أن الخمس سنوات الماضية لم تكن سهلة
على هذه الأم الحنونه منذ أن توفى والدها لم يكن لديها ما يؤمن حياتها وكان لا يزال أما ليزا سنتان حتى تنهى دراستها الجامعية لذا اضطرت والدتها للبحث عن عمل. كانت الأم قد أوشكت تنسى كل شئ عن الكتابة على الآلة الكاتبة بعد تلك السنين التى قضتها كأم وربة منزل، لكنها رغم ذلك استطاعت أن تجد عملا ككاتبة وموظفة في
أحد متاجر الملابس . باعا المنزل وأصبح لديهما ما يعينهما وقت الشدة على الأقل. الآن لم تعد الأم فى حاجة للعمل لكنها ظلت رغم ذلك تعمل في المتجر.
«الجو حار هنا.. قالها آدم قاطعا عليها حيل أفكارها...
" .. ما رأيك ان نخرج إلى الشرفة، ترددت ليزا فمال آدم عليها وهمس قائلا: هيا لا تخافي إلى هذه الدرجة.....لست خائفة.
ماذا .. أثبتى ذلك. قالها فى تحد ومد يده إليها ، حدقت برهة فى هذه اليد القوية ثم وضعت يدها فى يده وقد تقلصت عضلات معدتها، وتركته يجذبها لتقف، ..فقط استنشقي هذا الهواء .
قالها وهو يستنشق فى عمق وقد خرجا معا إلى الشرفة ... هل ستفقدين هذا الجو عندما تعودين إلى المدينة؟.... بكل تأكيد سأفتقده كثيرا ...
لم تملك أن تمنع نفسها من تأمل النجوم وهى تتلألأ فى بهاء تلك السماء المخملية الناعمة.
"تستطيعين البقاء هنا كما تعلمين".
سالته في تهكم: بأي صفة, كعاملة في المزرعة»،
ضحك ضحكة قصيرة وهو يجيبها:
ربما ..، لكن عندى وظيفة أخرى لك. .. وظيفة مجزية وممتعة اكثر ....من ذلك كثيرا ... .
ارتدت نظراتها في سرعة من السماء لتقع عليه وهو يجلس في هدوء واسترخاء فى مقعده.. لكنها كانت تعلم أن كل عضلة فى هذا البدن الضخم قادرة على الايذاء والبطش...
أجابته فجاة : لا أريد أن أعلم ما هى... شكرا لك.
«ألست متشوقة قليلا حتى لمعرفة ما هي؟
«لا. لست متشوقة ذلك . أجابها وهويستدير ناحيتها بكرسيه لكي يستطيع رؤية وجهها على
نحو أفضل. ....خسارة!! لقد كانت متأكدا جدا من أن الأمر يهمك.
شددت قبضتها في حجرها ونظرت إليه قائلة:
لدي شعور بانك تهزأ بي يا آدم..
فقط أغيظك يا صغيرتي، لا أهزا بك. .
ولماذا تريد أن تغيضني ...لكي أخرجك من هذه القوقعة التى دفنت نفسك فيها. لقد تقوقعت على نفسك مؤخرا لدرجة أنتى أصبحت أشعر باليأس من
أجلك. ....لست فى حاجة لأن تشغل بالك ببالب. انا مرتاحة فى هذه القوقعة وانا سعيدة جدا، شكرا لك.
«هل أنت سعيدة حقا يا ليزا؟ ،
سألها فى هدوء وصوت خافت جعلها تحس بانها تريد أن تصرخ قائلة: "لا.. لا لست سعيدة بالمرة...
لكنها بدلا من ذلك أجابته: أنا سعيدة كما يود اي شخص أن يكون. «تتكلمين مثل العوانس.
جلجلت ضحكتها على نحو مفاجئ وهى تقول:
أعتقد ذلك....مال بكرسيه ناحيتها وقال لها بصوت دافئ...لن تصبحي عانسا أبدا يا ليزا، ولا تبدو تلك المرارة مناسبة لهذا الثغر الجميل الذى لم يخلق سوى للابتسام ...انكمشت منه وأجابته:
اتمنى الا تقول مثل هذه الأشياء ...انفجر فيها قائلا:"ياربي.. إنني أتمنى أن أفعل أشياء مثل هذه معك أكثر مما أقولها ا! أود لو أختطفك لأنقذك من هذه القوقعة التى دفنت نفسك فيها وأعيدك ثانية متفجرة بالحيوية والأمل كما كنت.
هبت واقفة على قدميها وصرخت فيه: «آدم
أجابها فى هدوء: اجلسي.. لكنها أرادت أن تلجا إلى غرفة المعيشة حيث ستشعر هناك بالأمن
اكثر منها معه... قلت اجلسي ا! أمرها في لهجة خشنة فأطاعته على مضض...أتمنى أن أعرف لماذا تغضبين بهذه السرعة. .. قالها بلطف بالغ.
"اليس لك الحق في أن تخاطبني بهذه اللهجة وبهذا الكلاء ...قلت لى ذلك من قبيل وأريد أن أعرف لماذا تشعرين بأننى ليس لى الحق في مخاطبتك بهذه الطريقة . ،
لأنك خطيب ويللا. كادت الكلمات تقفز من بين شفيها لكنها هزت ديزى راسها واستأنفت عملها وأخذت تغمغم عن هؤلاء الناس الذين لا يعلمون قيمة ما يمتلكون إلا عندما يفقدنهم تجرئت
ليزا على سؤالها عن قصدها.
فى عصر ذلك اليوم وبينما ليزا فى غرفتها لا تدرى ماذا ترتدى فى هذه المناسبة سمعت طرقات على الباب...لم ترتدى ثيابك بعد؟! سألتها أمها تستحثها على النزول...السيد جاكسون والسيدة حرمه قد وصلا فعلا، وكذلك ذلك الشاب اللطيف السيد رودمان، ذلك الذي تناول معنا العشاء يوم عيد الميلاد.
«لا أعرف ماذا ارتدي ظهرت الحيرة على ملامح ليزا. ما رأيك في هذا الفستان الحريرى الجميل و، ما هذا؟ سالتها وهي تخرج صندوقا مخفيا وسط الملابس.
ظهر القلق على وجه ليزا:
أماه لا.. كانت أمها قد فتحت الصندوق فلا !
الله! ياله من وشاح جميلا لابد أن ترتديه مع الفستان....لا، لا أستطيع.
ماذا بحق الله؟!، وأخذت أمها تقلب الوشاح وهي تتأمله وتتأمل الزخارف الجميلة المزركشة على أطرافه ... ماذا هل به خطأ ما؟!
بلعت ليزا لعابها في صعوبة وهي تجيبها:
ليس به شئ خطا لكن، لا أستطيع أن أرتديه،
خفضت سيليا بالوشاح جانيا: ماذا ، لماذا اشتريته وأنت لن تلبسيه, بادرتها ليزا دون أن تستطيع منع نفسها: " لم أشتريه "
اه، إنه هدية ، تنهدت ليزا فى أسى:
وبعد يا أماه....هل هو هدية من رودمان؟
لمعت عينا ليزا على نحو غريب جعل أمها تعرف الإجابة... بل هو هدية من آدم، أليس كذلك؟
وجدت ليزا نفسها تشرح لها الأمر قائلة:
«اضطررت لقطع وشاحي ذات يوم ورأى آدم أن يهدينى هذا الوشاح كتعويض.. أخبرته أنه غالى جدا ولا أستطيع أن البسه ولم نصل الى اتفاق حوله.
نعم... شيء من هذا القبيل.
وبختها أمها فى رقة:أ لن تتوقفي عن هذ السخافة؟ اذا كان آدم اظهر لطفا كبيرا تجاهك فإن اشترى لك هذا الوشاح فإن أقل ما تفعليته ردا على جميله
أن تلبسيه، من المحتمل جدا ألا يلحظ ماذا ترتدين... كغيره من الرجال.
أجابتها في حنق....سيلاحظ اننى ارتديه وساعتها سينظر إلى بعينين ملؤها الزهو بالانتصار علي.
الانتصار عليك؟ لست أدري لماذا يزهو بالانتصار عليك... لكن هل تعتقدين حقا أن الأمر يستحق منه هذا العناء. حدقت ليزا لوهلة وهى تفكر في أن تبوح لها بالحقيقة لكلها. قررت اخيرا.
معك حقك لا يستحق. ناوليني هذا الوشاح.
انضمت ليزا إلى الجميع بعد ذلك بدقائق وجلست فى المقعد المجاور لأمها التى رافقتها فى حنان بالغ والسرور يكاد ينطق فى عينيها، كانت ليزا تتفادى الاختلاط بالناس ولكن كان من يقابلونها يصافحونها ويحيونها بتلك الحرارو المعروفة عن أهل الكارو بينما انشغل جوش وكيت باللهو مع بقية الأطفال.. وأحست ليزا بالتحرر قليلا من واجباتها،
أبصرت ليزا ويللا، وأومها كل منهما للأخرى في برد لكن ليزا أحست بالصدمة الهائلة من جمال تلك الفتاة على غير عادتها كانت ويللا ترتدى فستانا حريريا زمردى اللون ناسب كثيرا لون عينيها وبدت كما لو كانت حورية من حوريات الأساطير الاسكندنافية!! كانت قد عقصت شعرها على رأسها وبدا مشرقا متلألئا لكن... كانت تلك الثقة البالغة بالنفس التى كانت ويللا تتعامل بها مع الجميع هى ما جعل
ليزا تحس بسكاكين مغروسة في قلبها للهذا المكان يخص ويللا... هنا في فيرفيو.. زوجة لآدم.
أوقدت النيران والتف حولها الرجال يتناولون العصائر والمرطبات بينما انهمكت النساء فى الثرثرة ومناقشة آخر الاشاعات... كعادة معظم النساء!! كان المساء قد أقبل واحست ليزا بعدم الراحة فذهبت إلى ديزى فى المطبخ لتساعدها في اعداد الطعام... ووجدها آدم.
هناك... منهمكة في اعداد طبق من المشويات...
تحسس طرف وشاحها الحريري فى عذوبة لم تعهدها فيه من قبل.
«كنت أظن انك لن تلبسيه ابدا .
«لقد غيرت رأيي...أنا سعيد لذلك، قالها وغمزلها بطرف عينه وأسرع يخطو خارجا على غير عادته.
وقفت ليزا برهة مشدوهة من تصرفه ثم قررت تناسي الأمر في النهاية. ..
هل يمكننى مساعدتك في اى شئ؟، سالها كاين رودمان وهو يدلف إلى المطبخ.
هل اللحم جاهز؟
ياسلام... على افضل مايكون ... وأخذ يتحسس أطباق السلطات بنظراته النهمة...
حملت ليزا صينية كبيرة ووضعتها فى يديه قائلة:
خذ هذه إلى الخارج... اتفقنا؟...تحت أمرك يا صغيرتي. " وتبعته ليزا وديزى بيقية الصواني وعندما تم اعداد المائدة دعا آدم ضيوفه لتناول العشاء.
حرصت ويللا على أن تجلس الى جوار آدم وأخذت6 اليزا ترقبها والغيرة تكاد تمزق نياط قلبها... لكنها تعلمت أن تتعايش مع الأمرار هي تعلم أن هذه هي طريقة ويللا فى إظهار ملكيتها لآدم وللمكان!!
لكزت مولي ليزا بكوعها وهى تقول فى تهكم واضح:
يا لهذه الفتاة. إنها لا تكاد ترفع نظرها عنه.. لكننى لا ألومها هي .....
ربتت سيليا على ذراع ابنتها قائلة:
لا تبالى بهذه الفتاة وتصرفاتها يا حبيبتي.
همست ليزا لها فى حدة: ليس ذلك من شأننا يا أماه كما أن ذلك لا يهمني مطلقا. لجابتها سيليا في هدوء : مطيعا ... طبعا يا عزيزتي.
ووضعت ويللا يدها فى يد آدم فاستدار لها وأحست ليزا ساعتها بمعدتها تتقلص فى عنف. كانت الغيرة تأكل قلبها ... الغيرة التى بدأت الآن تعرف ما هى وتعانى من آلامها. خفضت اليزا عينيها وهى تحاول
أن تسيطر على تلك الرجفات التى أخذت تسري . فى جسدها.
«إنك لا تأكلين يا عزيزتي..» قالت أمها وقد بدا عليها الاهتمام.. أزاحت ليزا الطبق الذى أمامها جانبا وقالت في امتعاض ظاهر: لست جائعة..
بدا الاندهاش الشديد على وجه سيليا مورو، لكن ليزا أحست بطريقة او بأخرى بأن هذه الدهشة الظاهرة على وجه أمها ما هى إلا قناع يخفي وراءه ابتسامة غريبة ..! أحست ليزا بأن هذه الحفلة لن تنتهي... واقبل التوأمان نحو ليزا في كسل وخمول وقد بدا عليهما النعاس فنهضت من مكانها وصعدت بهما وأدخلتهما فراشهما.. عندما عادت ليزا كانت الضحكات تمرح فى أرجاء المكان وبد الجميع فى سعادة سواها..
مشت ليزا عندما وجدت ويللا، تبحث عنها وتنضم إليها. أخذت ويللا بذراع ليزا وسحبتها جانبا وهي تقول: .... ستغادرينا قريبا يا ليزا ..
«نعم... سوف أغادر بعد أسبوعين بالضبط. لو شئت الدقة ... «هل تتشوقين للعودة إلى المدينة؟
أجابتها ليزا فى برود: نعم. .. أنا متشوقة للعودة إلى التدريس.... ابتسمت ويللا فى عذوبة مصطنعة:
نعم. .. طبعا. طبعا
، نسيت إنك مدرسة وذلك يفكرني بأن الأطفال
سيدخلون مدرسة داخلية، آدم !! ما إن يبتعدا عن يدى آدم حتى.....توقفت ونظرت إلى ليزا نظرة ذات مغزى ثم اضافت،،، اتعلمين ما أقصد ،
نعم.. أعرف.قالت ليزا وشفتاها ترتجفان ارتجافة طفيفة لم تقلقها ويللا.
أوه يا عزيزتى ا!! لقد حذرتك الا تتمادى معه ،
ضربة موفقة من ويللا إلى قلب ليزا مباشرة مما جعلها تغمض عينها في ألم، لكنها استجعت نفسها فى سرعة وواجهت نظرة السخرية فى عينيه ويللا،
«نعم... حذرتني يا ويللا وصدقيني اذا قلت لك اننى... أتمنى لكما التوفيق من كل قلبي.،
ظهر التكذيب في عيني الفتاة وهى تقول:
أصدق أنك تقصدين ذلك فعلا.
أومات ليزا برأسها ايجابا وفي حلقها غصة.
تحبينه وتهتمين بأمره لدرجة انك تتمنى التوفيق له مع شخص غيرك؟، ألحت ويللا وقد انعقد حاجباها الجميلان دهشة وتكذيبا.... أعترف لك انني لم أكن أحمل لك تقديرا كبيرا من قبل، لكنى بالتأكيد معجبة بموقفك غير الانانى هذا .
ولا تشغلى بالك.. قالتها ليزا وضغطت على يديها واستدارت على عقبيها وخطت نحو المنزل لا تكاد تبصر طريقها . ... فلتعلم ويللا، بمشاعرها تجاه آدم او لا تعلم، فكل ما يشغل بالها الآن هو الهروب من امامها. ولتختلى بنفسها قليلا لتحاول التغلب على
تلك البرودة التي استحوذت عليها تماما.
ولحظة من فضلك! لمح سمعها صوت جوهريا وقبضت على ذراعها أصابع قوية فتوقفت من فورها. .. «أين تذهبين؟ . "كنت صاعدة إلى غرفتى لبضع دقائق.»
حاولت التخلص من قبضته القوية مشط وجهها بنظراته الفاحصة وشدد من قبضته على
ذراعها ..... ماذا؟ هل حدث شيء هل ضايقك أحده
أبدا! ابدا كل شئ على ما يرام و..،
قاطعها وهو يمسك بكتفها فى شئ من الحدة:
«إنك ترتجفين؛ هل انته مريضة، لا. .. لا, لكنها لم تستطع منع أسنانها من الاصتكاك.
"تعالى معى"...، ولم ينتظر أن تتبعه وسحبها منه إلى مكتبه واضاء المصباح الموضوع بجواره واغلق الباب خلفهما.
أخذ يتأملها ثم وضع يديها المرتجفتين فى يديه ووضعهما على صدره قائلا :
اه .....يا الله!! إن يديك باردتين كالثلج
يجب أن أذهب.... لاحظت ان وجهه شاحب بشكل لم تعتده من قبل. .
ليزا ، ليزا. .. غمغم فى حرارة ودفء وهو يضيف...
يا إلهي: لا يمكن أن أتركك تذهبين يا ليزا ... حياتى لن تعود أبدأ كما كانت... لقد اضيفت عليها مذاقا جميلا لم أعتده من قبل.
أحست ليزا بالدماء تسرى فى عروقها من جديد وكان روحها ردت إليها لكن... لابد أن تأخذ حذرها،
«آدم، إنك لا تعي ما تقول.
تألقت عيناه فى حرارة:
بل اعي تماما ما أقول، أيتها الساحرة الصغيرة، لا أعلم كيف استطعت أن تفعلى ذلك بي، لكنه شعور عجيب ذلك الذي يمكن أن ينتاب رجلا مثلي عندما تتسلل فتاة رائعة مثلك تحت جلدة وتسرى في
عروقه ..... قاطعته فى وهن:
ادم...... لكنه لم يكن هناك
أعلم أنك لا تبالي بي كثيرا لكن... يا إلهى سأجعلك تهتمين بشكل أو بآخر."
«ال، ... قاطعتها نظرة حنان صافية مليئة بالحب، تمالكت نفسها رغم ذلك:
آدم، لست آدم الذى اعرفه ، أنت..،
معك كل حق، لست أنا آدم الذى أعرفه.. قاطعها فى غضب.. ... ولم أعد كما كنت منذ أن تسللت إلى حياتى وزلزلت أساساتها التى شيدتها بكل عناية .
يا إلهى ذلك جميل... جميل ولكن. . يجب أن تفكر فى ويللا! دفعته بيديها بكل ما أوتيت من قوة...
«إنك لا تعني حقا ما تقول. ربما تكون قد نسيت أن أخبرتنى يوما انك لم تتحمل وجودى فى بيتك إلا من أجل الطفلين.
وهل نسيت ما الذي دفعني لقول ذلك؟».
«كنت غاضبة ساعتها ولم أدرك ما أقول.
قلت إنني أبغض إنسان على ظهر هذه الأرض بالنسبة لك..... لم أكن أعنى ذلك فعلا..
تزوجينى يا ليزا .
انتقصت مبتعدة عنه وهى تصرخ:
لا.. لا... لا أستطيع .
«ولم....لست الزوجة التي تناسبك كما أنك.. انك لست تعنى ما تقول. ... «إن صبرى يكاد ينفذ ولن أقبل أن تكون الاجابة لا. ... احست . بدوار شديد وسألته:
ولكن،.، ماذا عن ويللا
قطب جبينه في ذهول: ويللا؟! وما شأنها
ولكنها.. لكنها ...تلعثمت ولم تستطع أن تكمل عبارتها وأحست من نظراته أن فى الأمر. خطأ ما ... لست أفهم ما يجرى !
ولا ..انا. أتكرمين بالتوضيح . وقفت تتأرجح وتكاد تسقط إلى إن اصطدمت يدها بالمكتب فامتدت عليه، ماذا؟ هل تكون أخطات في فهم آدم بلعت لعابها في صعوبة وتمتمت...
قالت لي ويللا، انكما تنويان الزواج بمجرد ان يدخل التوأمـان المدرسية.
ضاقت حدقتا عينيه فى قضب:
هل ذكرت كلمة الزواج، فعلا؟
عصرت ذهنها وهى تحاول التذكر: أنا؟ آه الآن أتذكر... لا لم تذكرها، قالت- من أول ما قالت- أنك
انك مرتبط. . وفهمت أن «مرتبطء هذه تعنى الزواج؟ تغير لونها وهى تجيبه:
دوما الذى يمكن أن تعنيه غير ذلك؟ ثم هذا المساء قالت، قاطعها فى حدة جعلتها تنكمش في مكانها:
ماذا قالت لك مساء اليوم؟
قالت انك تنتظر حتى يذهب الطفلان إلى مدرسة داخلية فيبتعدا عن يديك. ولم تقل شيئا بعد ذلك، وأظن أنها لم تكن بحاجة
القول المزيد . ... أجابها فى هدوء:
وأنت احتالت عليك تلميحاتها المحبوكة هذه بكل بساطة! ... الم يكن من سبب لئلا اصدقها يا آدم، لطالما كنت أعتبرها الزوجة المثالية لك فهي تعرف كل شئ عن تربية الأغنام، وهو شئ يفضله جدا،
أى رجل مثلك، كما أنها قوية وسليمة البدن، وليست مثل، قطعت حديثها فجأة ودون شعور أخذت يدها تتحسس الندب التى على وجهها ...
زجرها آدم فى حدة وهو يزيح يدها عن وجهها ثم
ينظر في عينيها قائلا: أحبك يا ليزا لم أقل هذه الكلمة لامرأة من قبل سواك..
أخذ قلبها يدق فى عنف حتى إنها لم تستطيع الكلام..
تزوجينى يا ليزا! أعلم أننى أتحامل عليك كثيرا عندما أتوقع منك عمل الكثير مع هذين الشيطانين الصغيرين اللذين وضعتهما الأقدار فى طريقي، ولكنك لا تستطيعين رفضي.
سـرت فى عروقها نسائم سعادة لا توصف.. لكنها بعد تلك الأسابيع الطويلة التى قضتها فى حزن وكآبة لا تكاد تصدق ..
«أنا أحب جوش وكيت ولكن ماذا ... ماذا ستقول لويللا،
صاح فيها مقضيا: «فلتذهب ويللا ثم همس بحنان بالغ فى أذنيها:
انتشليني من بؤسي يا ليزا..، وقولي أنك ستزوجيننى.
أووه يا آدم... وجرت الدموع على وجنتها انهارا ،
«هل تبكين يا حياتي؟، واخذ يقبل رأسها فى حنان وأضاف: ... هل يعنى ذلك أن الاجابة نعم.
تنهدت فى ارتياح وهى تقول:
نعم .. نعم.. يا آدم... نعم يا حبيبي .
........ النهاية .....
|