كاتب الموضوع :
حفيدة الألباني
المنتدى :
المنتدى الاسلامي
على من نسلم؟
ورد عند البخاري و مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟
قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف). وهذا أيضاً هدي إسلامي نبوي شريف، أن تسلم على من عرفت من المسلمين ومن لم تعرف!!
قال بعض السلف: أصبح السلام عند المتأخرين على المعرفة، وهذه من علامات الساعة، فالواجب على المسلم أن يفشي السلام بين الناس، من عرف ومن لم يعرف خلا أهل الكتاب، خلا المشركين، خلا الوثنيين، فالمسلم هو المقصود بهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تبين حقوق الناس بعضهم على بعض.
فإذا كان الإنسان يعيش في المجتمعات الإسلامية، فإنه يطلب منه إفشاء السلام على من لقيه، سواء عرفه وكان صديقاً أو قريباً، أم لم يعرفه.
ومن الملاحظات الاجتماعية أننا نسلم الآن على المعرفة فقط! وترى الناس في الطرقات لا يسلمون إلا على من عرفوه! أما من لم يعرفوه فلا يسلمون عليه! وهذا من عمل الجاهلية، وهو مخالف لسنته عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين أن آدم عليه السلام لما خلقه الله قال: (اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله). هذه هي تحية آدم ، وتحية ذريته، وتحية أهل الجنة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟
أفشوا السلام بينكم). فبين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الجنة لا تدخل إلا بالإيمان، وأن الإيمان لا يحصل إلا بالحب، وأن الحب لا يحصل إلا بإفشاء السلام.
وإفشاء السلام يزيل الضغينة من القلوب خاصة بين الأقارب والجيران.
ومعناه في الإسلام أنك ترفع رايتك البيضاء المسالمة، كأنك تقول: أتيت أرفع رايتي البيضاء، فأمنوني ولا تتهيبوا مني.
وهذا هو شعار المحبة والود الذي أقامه رسولنا صلى الله عليه وسلم وحث على إرسائه وتثبيته في قلوب أصحابه وأمته من بعده.
وعند البخاري موقوفاً على عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار) . وبذل السلام للعالم هنا يتضمن تواضع العبد، وأنه لا يتكبر على أحد، بل يبذل السلام للصغير والكبير، والشريف والوضيع، ومن يعرفه ومن لا يعرفه، والمتكبر ضد هذا، فإنه لا يرد السلام على كل من سلم عليه كبراً منه وتيهاً، فكيف يبذل السلام لكل أحد؟
.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر على غلمان فسلم عليهم) (1) وهذا من شدة تواضعه ولينه ورحمته صلى الله عليه وسلم، وهو بذلك يدخل أعظم البهجة على نفوس هؤلاء الصغار، لأنهم سوف يتشرفون بسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، وسوف يحكون ذلك في المجالس.
فعلى المسلم أن يتواضع لمثل هؤلاء، ولا يتجاهلهم لأنهم صغار، بل يتفقدهم، وسلامه عليهم يعلمهم بذلك الحب، ويدفعهم إلى مكارم الأخلاق.
وقد رأينا في السيرة أن عمر رضي الله عنه على هيبته وقوته في الحق كان إذا مر بالصبيان وقف وسلم عليهم، ومازحهم، وهو خليفة المسلمين!!.
وقد مر على صبيان المدينة وهم يلعبون، فعندما رأوه وسمعوا جلجلته وهيلمانه وسلطانه فروا إلى بيوتهم!
الشياطين تفر من عمر فكيف بالصبيان؟
كيف بالصبيان الذين قلوبهم كقلوب الطير، أما يفرون من إنسان أصاب قياصرة الدنيا باليأس، وأكاسرة المعمورة بالذهول؟
ففروا جميعاً إلا عبد الله بن الزبير ، فإنه لم يفر، كان شاباً صغيراً.
فقال له عمر يمازحه: [فر أصحابك ولم تفر أنت، أما خفت؟
] قال عبد الله : [ما فعلت جرماً فأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك!] فاستدل على ذكائه وشجاعته من تلك اللحظة، وكيف لا يكون ذكياً وأبوه الزبير بن العوام ، وأمه أسماء رضي الله عنهم جميعاً؟
((ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)).
|