كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
ارتدت فيفيان ثوباً من الحرير الخالص . ذا لون وردي فاتح . يبدأ من فوق صدرها ثم يضيق عند خصرها ووركيها .
ليصل بعد ذلك حتى كاحليها ، كان قماش الثوب الحريري ناعماً ، يصدر حفيفاً كلما تحركت .
أما تفصيل الثوب فأبرز أنوثتها ورشاقة قوامها . تزينت بالحلية الوحيدة التي تملكها ، والتي نادراً ما تضعها ، وهي عقد اللؤلؤ
ورثته من أمها . كان العقد ملتفاً إذ علقت لآلئه الضخمة في سلسلة فضية ، بشكل متباعد .
كما انتعلت حذاء بسيطاً ، بكعب معتدل ، بقماش كقماش الثوب الحريري .
وربطت شعرها إلى الخلف بشريطة ، مما جعلها تبدو مختلفة وغامضة بعض الشيء .
منتديات ليلاس
وهذا ما كانت تريده حقاً . أن تبدو فتاة مختلفة الليلة .. وعندما دخلت الخادمة لتسألها إن كانت تحتاج
إلى مساعدة ، طلبت منها فيفيان بعض أدوات الزينه .
سارعت الخادمة إلى إحضار مستحضرات التجميل .
وساعدت فيفيان في إكمال زينتها . فوضعت ظلاً خفيفاً فوق عينيها . والقليل من حمرة الخدود ،
واستخدمت أحمر شفاه يميل إلى اللون البرونزي .
قالت الخادمة بليندا بحماسة : ( تبدين مختلفة للغاية ، لا بل رائعة )
- حسنا ، فهذه حفلة راقصة . والآن ، ماذا علي أن أفعل ؟
ونظرت إلى نفسها في المرآة مجدداً ، ثم وقعت بقامتها وتنفست بعمق .
- الكل في المستنبت الزجاجي . لتناول الكوكتيل قبل أن يصل بقية الضيوف .
وقد أعدّت طاولة العشاء هناك ، وستقام الحفلة الراقصة على الشرفة خارج المستنبت .
إن الليلة رائعة ، يبدو أن السيدة ديكستر قادرة حتى على تنظيم الطقس .
توترت أعصاب فيفيان للحظة . وخطر لها أنها تحب كل من إميليا وماغ ديكستر لكن لعلهما لا تحبانها .
ثم هزت كتفيها وهي تتذكر تعليقاتهما ، كما ذكرت نفسها بأن ما قد يحصل الليلة هو ما رغبتا به بالفعل .
أخذت فيفيان الخاتم عن طاولة الزينة وضعته في إصبعها للمرة الأخيرة
كان المستنبت الزجاجي يتألق بأضواء الشموع ، فبدأ كحديقة أوهار متعددة الألوان ، وعندما وصلت كان الجميع قد سبقها إليه .
تألقت إميليا بثوب انساب على جسمها برقة ، أما ماغ فاختارت ثوباً أخضر ، وابنة العم ماري ثوباً وردياً .
وارتدت إحدى وصيفتي العروس ثوباً توتي اللون والأخرى ثوباً حريري أزرق .
ووقع خيار اللايدي واين رايت على ثوب قرمزي الألوان الزاهية .
لكنها بدت مذهلة في اللون الأسود .
ارتدت جيني ديكون ثوباً أسود ضيقاً أبرز تفاصيل جسدها المثيرة .
وكشف قسمة الأعلى عن عنق عاجي ، وعلق بشرائط رفيعه اللون ، وكان للثوب ذيل صغير فضي الحواشي .
كما انتعلت حذاء أسود ، ورفعت شعرها فوق رأسها ، ولبست في أحد معصميها سواراً ماسياً .
بدا جمالها ملوكياً ، في هذا الثوب الذي يتناقض مع بشرتها الناصعة البياض ، وأحست فيفيان أنها تافهة.
صغيرة الحجم مقارنه معها . لكن هذا لم يزعجها بل أضرم روح القتال فيها .
وتوجهت نحو المجموعة مرفوعة الرأس .
جلس ليتون و إدي هناك ، وقد ارتديا بذلة سهرة تقليدية وقميصاًَ أبيض .
في حين اختار رالف بذلة بنية وقميصاً ملائماً . وفكرت فيفيان أن ما ينقصة يشعره الطويل والقرط في إذنه . هو قبعة إسبانية .
وعندما التفت الجميع نحوها ، وهي تقترب منهم ، وقالت :
- مرحبا ، تبدون جميعاً غاية في الأناقة ، لا سيما أنت ، رالف .
ورفعت كأسها نحوه :
لمحت ليتون يقطب جبينه قليلاً ، لكنها سارت برزانة لتقف إلى جانبه .
وكلمة ( رزانة ) هي أفضل ما يصف سلوكها في الساعتين التاليتين عندما بدأ
الضيوف بالنوافذ .
جلست قربه أثناء تناولهما الطعام . ولكن أحاديثهما اقتصرت على العام منها .
كان رالف وجيني على المائدة نفسها ، فضلاً عن ثمانية أشخاص آخرين .
وهكذا تمكنت من تجاهله نسبياً ، كما لم تتخاصم معه . وراحت تتأمل زوجته السابقة وأخاه .
فشعرت بعزيمتها تقوى لأن جيني ديكون بدت متألقة ، جميلة جداً وخالية البال . كما بذل رالف جهده لإرضائها .
قال ليتون عندما رُفعت صحون الحلوى : ( هل هذا ما تسمينه الفوز بالأوسكار ، يافيفيان ؟ )
فأجابت وهي ترتشف قهوتها : ( لم أبدا بلعب دوري بعد )
- إذن ستنتقلين من تجاهلي إلى النقيض ؟
ورفع حاجبيه ، وراحت عيناه تجولان على مفاتنها في ثوبها الوردي الجميل .
- كل شيء في وقته . أنا بحاجه للاستعداد ، لهذا ....
فقاطعها قائلاً : ( تبدين مختلفة . لا أظنني رأيتك متبرجة من قبل ..)
- أنا لا أفعل هذا غالباًَ . ولكننا في حفلة راقصة . وظننت أنك لن تلحظ ذلك.
- إن أحد الأسباب الأولى التي جذبتني إليك ، هو شكلك الطبيعي .
- آه .
وحملقت فيه للحظة بدهشة ، ثم حولت نظراتها بعيداً منه بشيء من الإرتباك بينما أضاف مفكراً :
- إنني ، في الواقع ، أفضلك طبيعية الشكل .
- أنت لا تملكني ، ياليتو ن.
جاءت كلماتها هذه نتيجة لشعورها بالظلم . وكـأنها خلقت لتشعر بالذنب حيال أمور عديدة كتزيين وجهها مثلاً.
- حقاً ؟ بدأت أشعر أنه بإمكاني ذلك ، إن لم يكن جسدياً فروحياً .
كان في عينيه سخرية خالصة ، لكنه أضاف : ( لكني أفضلك طبيعية لأن هذا يضيف غموضاً إلى غموض فيفيان فلوري .
هل تودين أن ترقص ؟ لعلك لم تلاحظي ، لكن الفرقة بدأت العزف على الشرفة ) .
- بكل تأكيد .
في الخارج وبين ذراعية ، قالت :
- يبدو أنك نسيت الشيء الوحيد الذي لن أفعله للحصول على اتفاقية ( عصير كلوفر ) يا ليتون.
والآن إذا شعرت أن بإمكانك أن تمتلكني بالمفهوم التجاري ، لوافقتك على ذلك.
رقصا صامتين لدقيقة أو نحوها ، مما شكل محنة مؤلمة بالنسبة لفيفيان .
لكن غضبها الشديد منحها الشجاعة لتتجاهل تأثيره عليها .
لا سيما وهي بين ذراعيه . فقال ببطء :
- أرجو المعذرة على شكوكي ، يا فيفيان . لكني لا أستطيع منع نفسي من التساؤل عما إذا كان وضعنا هنا أشبه بالجزرة والحمار .
أنت الجزرة وأنا هو الحمار .
توقفت عن الرقص . لكنه شدها إلى الخلف . وهكذا عادت إلى الخطوات الراقصة من جديد.
وسمعته يقول ببساطة ساخرة : ( ألا توافقيني الرأي ؟)
- كلا .
جاءت كلمتها مقتضبة حازمة . لكنه اكتفى بالإبتسام.
- ما الأمر إذن بالضبط ؟
فابتلعت ريقها ، وأجابت :
- حسنا ، من المضحك أن الشكوك نفسها تساورني ، وهي أنك أردت امتلاكي مقابل اتفاقية كلوفر رغم طمأنتك لي بأن اتفاقنا سيكون
نزيهاً وعادلاً .
ولكن لعلي كنت مخطئة .
وهنا ، جاء دوره ليتوقف عن الرقص .
- هناك شيء واحد أنصحك بالأ تنسيه مهما جرى ، وهو أنك تميلين إلي ... والأنجراف أحياناً .
فسألته بلهجة خافته تموج غضباً : (ما معنى هذا ، يا ليتون؟)
- معناه أنني لو كنت مكانك لما حملّت كلمة جزره أبعاداً أخرى .
هذا كل ما في الأمر . لأني بدأت أغير رأيي بفكرة الفتاة المحطمة القلب .
بدأت أظن أن مؤسسة غودمان هي أهم عندك من أي شيء آخر .
أجفلت بشكل جلي ، مما جعله يبتسم ويرفع يدها التي تحمل الخاتم ، إلى فمه ليقبلها .
لكنها قالت بصوت لا يكاد يسمع : (من كان بيته من زجاج لا يرشق الناس بالحجارة ) .
- هذا ممكن ، ولكن ليس لدي ما أخسره ، والآن علي أن أراقص بعض الحاضرات.
وأنا واثق من أنه لن ينقصك مرافقون .
كان ما يزال ممسكاً بيدها ، فرفعها ليلمسها بشفتيه مرة أخرى وأضاف :
( ودعينا نقول إلى اللقاء مجدداً ، لننهي ما في ذهنك في الحلقة التالية من هذه القصة البطولية المثيرة ).
لمعت عيناها وهي تجذب يدها ، قائلة :
- لم لا ، يا سيد ( عصير كلوفر ) لم لا ؟
***رالف .
فالتفت رالف ، ورفع عينيه عن جيني ديكون التي كانت ترقص مع رجل طويل القامة ،
فضي الشعر ، ليجيبها بلطف : ( آه ، الخطيبة . كيف الحال ، يا فيفيان ؟ أراك لم تفقدي الخاتم بعد ) ؟
- لا ، إنها سهرة رائعه ، أليس كذلك ؟ لكنني عطشى حقاً.
وجلست فيفيان عند مائدة صغيرة مخصصة لشخصين . وبعد لحظة ، جلس رالف قبالتها ، وعندما مرّ النادل بهما ، ناداه ثم أخذ عن صينيته كأسي عصير .
كانت الحلبة تعج بالراقصين ، وقد ربط بعضهم بالونات في معاصمهم .
وبدت هارفست مون كأنها شبح في سماء منتصف الليل المضاءة.
رشفت فيفيان كأسها ثم تنهدت . فمال رالف برأسه نحوها ، وسألها :
- أين ليتون ؟ لا تقولي لي إنه هجرك؟
- لا ، إنه يراقص بعض الضيفات ، رالف ، ما أجمل هذا ..
وأشارت إلى باحة الرقص ، ثم أكملت : ( ألا يمكن للموسيقى أن تكون أكثر حيويه ؟)
قطب رالف جبينه ، حين أحس بإشارة غامضة ، ثم ظهر في عينيه الرماديتين وميض مفاجئ ، وسألها :
- أتريدين موسيقى أكثر حيويه ، يا فيفيان؟
نظرت إليه من فوق حافة كأسها ، وأجابت :
- رالف ، أنا مغرمة بالموسيقى ، لا سيما اللاتينيه منها .
أردت ، في صغري ن أن أكون راقصة ، وهذا ما كنت أطمح إليه .
ظننت أنك ربما ..لا أردي لماذا ..لكني اعتقدت أنك تشاطرني هذا الميل .
خرجت كلماتها الأخيرة بلطف بالغ .
أراد رالف أن يتكلم ، إلا أنه عاد وسكت مقطباً جبينه ، ليقول بعد حين :
- هل أختلفت أنت وليتون؟
ترددت فيفيان ، أسبلت أهدابها وهي تتذكر كل كلمة قالها ليتون على حلبة الرقص ،فردت منكره :
- لا ، أبداً .
ثم رفعت بصرها لتحدق في عيني رالف ، وهي تضيف :
- لا تقل لي إنك لم تكن تعلم أنني فتاة خطيبة مأجورة .
حملق رالف فيها دون أن ينطق ببنت شفة ، فقالت :
- حسنا ، لقد أنتهت اتفاقيتنا . لطالما كانت عملية تجارية .
وهزت كتفيها ، ثم أكملت : ( لا أردي لم لا أخرج من هنا بشكل مثير ثم ...)
وبانت على وجهها الرزانة فجأة ، حين قالت : ( سيمنحك هذا الفرصة لتحل ارتباطك بجيني هذه الليلة .
فهذا تصرف سيء ، لأنه أخوك ، وهي زوجته السابقة ) .
فقال بحذر :
- دعيني أفهم جيداً . نحن ، أي أنا وأنت ، سنصبح محطاً للأنظار هذه الليلة .
وبهذا تبقى جيني وحيدة . وكذلك ليتون . هل هذا ما تحاولين القيام به ؟
أن تعيديهما إلى بعضهما البعض ؟
ونظر إليها غير مصدق . فأجابت : ( بل هذا ما ترغب فيه أمك وأختك وجيني نفسها . رغم أنني لا أوافقها على أساليبها ) .
كلماتها الصريحة دفعت الأحمرار إلى وجه رالف . ثم عادت تقول بهدوء :
- أظن من الصعب عليك أن تعيش في ظل هذا الأخ الأكبر الناجح .
قال رالف بمرارة : ( أنت على حق )
ثم نظر إليها متفحصاً ، وأضاف : ( لا أدري لم يتملكني شعور بأنني أنتقل من سيء إلى أسوأ ؟)
- أنا لا أطلب منك أن تتعاون معي ، يا رالف ، أرقص معي هذه الليلة وحسب.
فأنا هنا لأداء مهمة معينه . وأنا آسفة لهذا . لكني تخليت عن دوري ، فلم لا تضع قلبك وروحك في موسيقاك حتى وإن لم تكن مناسبة لتقاليد أسرة ديكستر ؟
إن نقرك على الطبول في الأمس مسّ روحي ، وستنجح يوماً ما .
- هل تعنين ذلك حقاً؟
- نعم ، بكل تأكيد . ولكن لماذا لا ترتبط بفرقة موسيقية ؟
فقال رالف بأسى :
- حسنا . ولكن إذا اعتقلونا ، أنا وأنت ، عند الفجر ، وأعدمونا فتذكري أن هذه الفكرة فكرتك.
باشرا العمل بالخطة على الفور . ودب الحماس في الفرقة الموسيقية ، فبعثت البهجة في نفوس معظم المدعوين ، وهم في سن ماغ و إدي .
عندها ، أصبح جلياً أن نجمي السهرة هما فيفيان ورالف .
قال لها ، فيما كانا يرقصان : ( لديك حس موسيقي رائع ، صدقيني ، أنت خسارة في ليتون يا فيفيان !)
وضع ذراعه حول خصرها ، وكان رأسها يصل إلى كتفه ، وقادها إلى حلبة الرقص .
أفسح الراقصون لهما المجال ، وراحوا يصفقون لمهارتهما البالغة وأثار رقصهما إعجاب الموجودين كلهم .
الموجودون كلهم تقريباً !
إذ انتهز رالف وفيفيان غياب ليتون ، فرقصا معاً طوال الوقت كما تبادلا الأحاديث بشكل حميم ، وتعالت ضحكاتهما .
وبما أنهما راقصان بارعان ، وجدا في الموسيقلا والأنغام قاسماً مشتركاً .
وبعد حين اختفيا عن الأنظار لعشرين دقيقة تقريباً .
ابتعدا ليتمكنا من التقاط أنفاسهما وشرب بعض العصير المفضلة ( لابامبا) .
ودن أن يمسك أحدهما بالآخر . قدما عرضاً جعل المدعوين يحيطون بالحلبة مجدداً وهو يصفقون .
وفي الختام ، رفعها رالف عالياً بين ذراعيه وعانقها بحماس وهو يقول لها إن الرقص معها متعة.
وجعلتها الموسيقى ، والمرافق الرائع ، تتألق وتضحك وتبادله عناقة .
تلا عرضهما موسيقى ناعمة حالمة ، فحبس رالف و فيفيان أنفاسهما . وهما يرقصان معاً بهدوء .
وعند ذلك ، أكتشفت فيفيان أفراد أسرة ديكستر على حقيقتهم .
بدت إميليا غاضبة مذهولة . بينما ألقت اللايدي واين رايت ، التي جلست قرب صديقتها ، على فيفيان نظرة أحتقار صاعقة .
وكان إدي وماغ يرقصان ، لكن بدأ أنهما يتناقشان بجدية وشيء من الحدة .
كانت جيني ديكون تقف وحيدة قرب حلبة الرقص ، بدت طويلة القامة ، مهيبة الطلة .
وباردة كالثلج ، لكن ما أن تشابكت تظراتهما للحظة ، حتى قرأت فيفيان فيهما غضباً عارماً ساخراً .
أنت تستحقين ذلك ، يا جيني . ولا أدري لم تغضبين ، فقد فتحت لك ولليتون المجال .
إلا إذا كنت تكرهين أن يسرق غيرك الأضواء . وتحبين أن تكوني نجمة كل حفلة .
أما ليتون ، الذب تجاهلته وتجنبته في الساعات الثلاث الماضية .
فجعلها تتوقف وقد تملكها الرعب . كان يستند إلى عمود الشرفة ، وقد عقد ذراعية بينما نطقت ملامحه وعيناه الزرقاوان العميقتان باحتقار واضح .
قالت ، وقد راعها أن تكتشف أن صوتها يرتجف : ( رالف ، خل يمكنني الإعتماد عليك لتحسن التصرف حتى نهاية السهرة ؟)
فنظر إليها رالف مازحاً ، وسألها : ( ماذا تعنين ؟)
- حسنا ، أظني فعلت ما فيه الكفاية . سأخلد إلى النوم . لكن أريدك أن تعدني بأنك ستبتعد عن جيني .
أخذ رالف يحتج بأن السهرة لا تزال في أولها . لكنها تجاهلت كل اعتراضاته ، وذكرته بأن الليلة هي ليلة أخته ماغ .
وعليه أن يعيد تسليط الأضواء عليها . وأصرت عليه بقولها : ( عدني بهذين الأمرين ؟ )
وأخيراً وعدها بذلك . فابتعدت عنه . ووقفت لبرهة بعيداً عن أنظار أفراد الأسرة لترى ما سيحدث .
لم يخلف رالف بوعده . بل توجه مباشرة نحو ماغ ، وأخذها من بين ذراعي إدي .
بدت ماغ سعيدة عندما شاركهما الجميع الرقص . وتعالت ضحكتها .
تنهدت فيفيان بارتياح وهي تبتعد ، لكن حين عبرت المستنبت الزجاجي سمعت أحدهم يقول :
- من هي الفتاة ذات الثوب الوردي ؟
فجاء الجواب : - ظننتها صديقة ليتون ، ولكن ثمة غموض في الموضوع . أظنها صديقة رالف ) .
عضت فيفيان على شفتها وركضت نحو المنزل ، وتوجهت إلى غرفتها .
كانت الغرفة
غارقة في الظلام فلم تشغل النور ، وهي تبحث عن المفتاح لتقفل الباب .
استندت إليه وهي تتنفس بعمق تحاول ألا تلفت الأنتباه إليها .
حثتها غريزتها ، في الواقع ، على حزم أمتعتها والتسلل بعيداً عن المنزل .
ولكن كيف ؟
هزت رأسها ، ثم توجهت نحو الشرفة . وإذا بها تتسمر هلعاً حين أضيئ المصباح فجأة .
التفتت نحو المصباح الموضوع على الطاولة فرأت على ضوئه ليتون يجلس على كرسي .
كان قد حل ربطة عنقه وخلع سترته ومدّ ساقيه أمامه وحمل في يده فنجاناً من الشاي .
وضعت يدها في قلبها الذي أخذ يخفق بعنف وأغمضت عينيها :
- لقد أخفتني جداً ! ما الذي تفعله هنا ؟ كيف علمت أني سآوي إلى الفراش ؟
- لم أكن أعلم .
فابتلعت ريقها : ( إذن ، إلى متى كنت تنوي البقاء هنا ؟ )
- بقدر ما أريد .
فقالت متلعثمة : ( ولكن .. ولكن هذه غرفتي ، لا يحق لك أن تكون هنا ) .
- إنه بيتي . أين رالف ؟ أرجو ألا تكوني قد اتفقت معه على أن يتسلق أنابيب المياة إلى غرفتك . سيؤذي نفسه .
وحملقت فيه : ( يتسلق ؟ ما الذي تتحدث عنه ؟ لا أظنك تتصور ..لا أظنك تصورت لحظة ..)
تأملتها عيناه بتمعن . ثم ارتشف جرعة من شرابه ليضع الفنجان بعد ذلك على المنضدة :
- أنت من أخبرني عن العشاق اللاتينيين ، يا فيفيان . وفهمت الآن ما كنت تعنينه .
ولكن يمكنه أن يصل إلى هنا عبر أحدى الغرف الآخرى التي تطل على الشرفة . هل هذه هي الخطة ؟
سارت فيفيان مترنحه عدة خطوات ثم ارتمت على حافة السرير :
- لا ...آه ..لا ... ما من خطة بيننا ..ليست الخطة من هذا النوع على أي حال .
فابتسم ابتسامة صفراء ، وقال : ( كنت واثقاً من وجود خطة ما بينكما لكن أخبريني ) .
بللت شفتيها ، وأكملت : (ما بدا صداً لك الليلة . كان في الواقع شيئاً مختلفاً تماماً .. وأظن هذا ما جعلك قاسياً معي ) .
نظرت إليه بلهفة ، وقلبها يخفق بسرعة .
- أما كنت لتتصرفين مثلي لو كنت مكاني ؟
فما زلت تضعين خاتمي ، ومع ذلك تظهرين للعالم أجمع أن أخي وحده من يهمك ..
- هذا غير صحيح ، والسبب الوحيد الذي جعلني أضع خاتمك هو .. جسناً ، أنت تعلم السبب.
- نعم . هذا جزء من الأتفاقية بيننا . تمثلين دور خطيبتي ، وتحصلين بالمقابل على إتفاقية ( عصير كلوفر ) .
ولكنك لم تمثلي الليلة ، يافيفيان ، سوى دوراً فاجراً ..
هبت من السرير ، وواجهته ويداها على وركيها : ( إياك أن تجرؤ ..)
لكنه قاطعها بقولة :
- وربما أخطأت حين استعملت كلمة ( تمثيل ) فما فعلته نابع من القلب .
لهذا جاء طبيعياً منك يا فيفان .
فقالت وهي تصر على الأسنان :
- هكذا إذن ؟ حسناً ، دعني أخبرك أني قضيت الليلة وقتاً رائعاً .
وإن كنت تظن أن حالي أسوأ من حال زوجتك السابقة فأنت مخطئ .
فالنظرة التي رمقتني بها جيني ، منذ فترة قصيرة ، كادت تقتلني .
لو أن النظر يقتل . ولا أعلم لماذا ؟
هل هذا لأن صحبة رالف أفضل من رفقتك أنت ؟
واستدارت نحوه بعنف وحرارة المعركة بادية جلياً في عينيها ، فقال وهو يضع يديه على كتفيها :
- فلنختبر ذلك ، إذن .
فقالت بصوت خافت وهي تحملق فيه متشككة : ( ليتون ..إياك )
- بل علّي أن أفعل ذلك ، يا فيفيان . ألم تتحديني ؟
أخذت أصابعه تلامس وجنتيها .
- لا ، آه ..لا .
وبدأت تستوعب الدمار الذي خلفته الليلة ، فظهر الذعر في عينيها .
لكنه تجاهل كلماتها ، وتلك النظرة في عينيها ، وما أعتراها .
أغمضت عينيها . ووقفت جامدة بين ذراعية ، وهو ينزع الدبابيس من شعرها .
تركه ينسدل على كتفيها وراح يمرر أصابعه فيه .
قال : ( هذا أفضل )
وأمسك بذقنها في يده ، ليرفع وجهها نحو الأعلى ، فرفت بأهدابها .
وأكمل قائلاً :
- تعجبيني الآن أكثر بعد أن أزيل التبرج عن وجهك . كما أن ثوبك جميل .
فتحت فمها غير مصدقة ، ثم همست : ( هل أنت جاد ؟ )
فرفع حاجبيه ، وقال : ( آه ، نعم ، يا فيفيان )
وترك ذقنها ليمسك بوجهها بين يديه ، ويتفرس في ملامحه . أحست بقلبها يرتجف ، وخافت
أن تعترف له بحبها ، فتفسد الخطة التي رسمتها مع رالف .
دفعت ده عنها : ( سأبدا في الصراخ إن لم تخرج من غرفتي )
- لن يسمعك أحد فالموسيقى صاخبة ، ولكن يمكنك أن تفعلي ذلك لتشعري بالتحسن.
صرخت وهي ترتجف : ( ماذا ؟ )
- أظن أن كل هذا تمثيل ، أليس كذلك يا فيفيان ؟ أعني تريدين طردي من الغرفة لتستقبليه هو .
وقرأت في عينيه سخرية بالغة .
سألته وقد جف حلقها : ( هل هذا سبب تعاوني مع رالف برأيك ؟ )
- ليس لدي أدنى فكرة ولا يهمني أن أعلم .
ولكن لدينا عمل لم ينته بعد .
وضمها بين ذراعيه . فقالت متوسلة :
- أيمكن ..أيمكن أن نتحدث بالمنطق بدلاً من ذلك ؟
بدت الأمور بغير شكلها الصحيح ، ترى أن ...
فتمتم يقول : ( يدهشني أن يحدث ذلك معك )
مالت نحوه فجأة . إذ أدركت أنها فعلاً كارثة متنقله . بحسب قوله .
فقد خرجت الأمور عن مسارها الطبيعي ، ولم تنته لعبتها كما أرادت .
ضمها إليه ، فلم تقاوم، لأنها فقدت ما تبقى لها من إرادة أو مقاومة ،
لكنها لم تتجاوب معه أيضاً . ومالبثت أن تملكها الرعب فأخذت تبكي .
رفع رأسه وقال ساخراً :
- آه ، ما هذا ؟ مهما كان رأيي بك يا فيفيان ، فأنت أشجع من أن تنهاري هكذا .
لكنها دفنت رأسها في كتفه وأخذت تشهق بمرارة .
ثم ابتعدت عنه وجلست على طرف السرير وهي تحاول أن تغالب دموعها . فقال محذراً :
- ستصابين بدوار .
لم تهتم بكلامه ، فجلس إلى جانبها ، ووضع فنجاناً بين يديها .
ثم رفع الشراب إلى شفتيها ، ففعل فعله .
جفت عيناها خلال دقائق ، وقالت : ( شكراً ، أظن أن ما جرى أنهكني قليلاً) .
قال ببطء ، وهو مقطب الجبين : ( هل تودين أن نتكلم بالمنطق الآن ؟)
ارتشفت مزيداً من الشاي ، وأضافت : ( حسناً ، لا تلق اللوم على رالف ،
فقد كانت الفكرة فكرتي ، آه ، كيف يمكن للمرء أن يهرب من هنا ؟
لأنني بحاجة إلى ذلك ) . ثم نظرت إليه .
كان العبوس ما يزال في عينيه عندما استقرتا على وجهها الذي غسلته الدموع .
راح يتأملها بتمعن ، ويتأمل تصرفاتها ، كيف تشبثت يداها بالفنجان الذي أراحته على حجرها وعلى ثوبها الحريري الوردي .
ثم خطر له أنها لا تتراجع أبداً ، حتى وعيناها تعكسان رعبها ، ومهما كانت الخطة التي وضعتها الليلة
للحصول على اتفاقية عصير كلوفر ، ومهما كانت الكوارث التي تلاحقها ، فشخصيتها تتميز بشهامة وشجاعة غير عاديتين .
أخذ الفنجان من بين يديها ووضعه على الأرض.
ثم أتكأ إلى الخلف وهي بين ذراعية .
ولم يفلتها حتى هدأت ولم تعد ترتجف ، وتوقفت نهائياً عن البكاء .
أحس بشعورها بالدفء والحنان بين ذراعيه .
وبالأمان ، بعيداً عن ذلك الشعور حيال فتاة ، يبدو أنها تكرس جهودها لهدف واحد وهو الحصول على إتفاق تجاري .
لفد خدعته مع أخيه ، كما عانقته مرتين باندفاع . وها هي تهدده بالصراخ إن لم يغادر غرفتها .
لكنه كان واثقاً من أمر واحد ، وهو أنه لن يتمكن من أخراجها من حياته إلا إذا محا رالف من ذهنها ؟
قطب جبينه ، حين خطرت له هذه الفكرة .
لكنها لم تبعده عنها ، فما من شيء يستطيع أن يدفعه إلى ذلك الآن.
مرر يده على شعرها فتململت فيفيان ونظرت أليه بمزيج من الدهشة والحذر .
لكنه قضى على حذرها حين عانقها وهو يمسكها برفق .
دفعتها مشاعرها الجياشة إلى التفكير . فهي منهكة ، وسريعة الأنفعال .
تلفها الكآبة . ويعتصرها الآلم من نبذه لها في السابق .
وستحمل هذه الأحاسيس معها بقية حياتها .
|