كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل الثانى
عندما عادا للقلعة وضع نيك السيارة فى الجراج الكبير وقد لاحظت مينرفا عندما وضعت سيارتها الصغيرة التى استعارتها من روث فى المكان الخالى من الجراج سيارة من طراز مرسيدس للمناسبات الخاصة . وبجانب الجراج كان هناك باب آخر مؤدى للقصر مفتوح على قاعة واسعة قادها نيك خلالها ثم أشار إلى أحد الأبواب قائلا :
" هذا هو المطبخ "
كان مطبخا رائعا . فقد تأكدت منيرفا من ذلك بعين خبيرة بعد أن أمضت أعواما طويلة فى مطابخ الأسر الراقية . كان مجهزا بكل الامكانات الحديثة ومع ذلك فقد احتفظ بالطابع الكلاسيكى للبيت كله .
سألها نيك :
" هل تعتقدين أنه بإمكانك إعداد العشاء بمفردك ؟ "
فأجابت بثقة وطريقة عملية :
" نعم . لا تقلق "
انحلت عقدة شعرها فانسابت الخصلات حتى وسطها ، فأخذت مينرفا تلملمها بسرعة وخجل من نظراته الثابتة والتى شعرت فيها بسخرية من نوع ما .
"إنك لا تبدين مثل الطهاة ، أو على الأقل ليس كفكرتى عنهم "
" لأننى لا أرتدى تلك القبعة الطويلة البيضاء ؟ أنا أرتديها فى مطابخ الفنادق فحسب "
ثم تساءلت هى لتمنعه من مواصلة أسئلته :
" ما هى الأطعمة التى لا تحبها ؟ "
" لا شئ . سأكل كل ما يوضع أمامى طالما أنه شديد الحلاوة " . ثم قال بعد أن نظر فى ساعته :
" سنتحدث عن الأطعمة فيما بعد ، بعد أن أريك بقية المنزل "
وقبل أن يخرجا من المطبخ تسللت قطة كبيرة للمطبخ وكأنها تبحث عن شئ ما وما أن رأت نيك حتى اندفعت نحوه فحملها من على الأرض قائلا :
" هذه بيونلبى . مهمتها القضاء على أى فئران "
وتركها من يديه لكى تهبد وتجلس عند قدميه فى هدوء تام . كانت مينرفا تحب القطط ، وهذه القطة التى تدل على الثراء ستعطى المطبخ مسحة لطيفة من الصداقة . سألته مينرفا :
" ما اسم الكلب ؟ "
" الصدئ "
عقدت مينرفا حاجبيها من الدهشة " الصدئ ؟ " وقالت بتعجب :
" اسم عجيب . إننى مستعدة أن أراهن أنه خال من أية بقعة بنية اللون . مجرد أبيض وأسود "
فقال بنصف ابتسامة بسطت ملامحه الحادة :
" أنت محقة . لم أكن من أطلق عليه هذا الاسم "
" من إذن ؟ "
" الرجل الذى رباه فى البداية سماه الصدئ . لقد اعتبرته دائما مصابا بعمى الألوان "
فسألته :
" هل تدعه داخل المنزل ؟ "
فقال رافعا حاجبيه وكأنه اندهش من سؤالها :
" لا . إنه كلب المزرعة . كلاب المزرعة لا تدخل البيوت " . إذن كلاب المزرعة ليست حيوانات مدللة ، المرء يتعلم الجديد كل يوم ، هكذا أخبرت مفسها بينما واصل هو :
" لقد كان لدى كلب مدلل . لكن ستيلا لم تحبه . عندما مات لم استبدله بكلب آخر "
لم تكن هناك علامة حزن فى صوته عندما ذكر اسم زوجته الراحلة . كما لو لم تكن تعنى شيئا بالنسبة إليه ، أو ربما كان الحل الوحيد فى نظره التأقلم مع حزنه وفقده إياها هو أخفاء مشاعره بداخله .
" وما إسم الحصان ؟ "
فقال وقد بدا عليه الاعجاب بالاسم :
" الجن الفضى "
لابد أن كان فى رد فعلها ما جعله يبتسم فى سخرية ويقول :
" لم أكن أنا من سماه أيضا . اسم سخيف أليس كذلك ؟ "
فقالت وهى تخفى استياءها من الاسم :
" لا . لآ . إنه يناسبه فهو فضى وأعتقد أنه سريع كالجن "
فهز رأسه قائلا :
" لا إن الاسم لا يناسبه . إنه حصان مزرعة فلسنا فى حلبة السباق هنا " . ثم انتظر برهة قبل أن يضف : " أنا لا أدعه داخل المنزل أيضا " .
عندما ضحكت مينرا أخذ ينظر إليها بتفحص وكأن منظر امرأة ضاحكة غير مألوف بالنسبة إليه . وبالطبع فقد توقفت عن الضحك شاعرة بحرج لكنه خرج من المطبخ قائلا :
" سأريك الطابق الأسفل أولا حتى تعرفى طريقك ، ثم سأريك حجرتك "
وتبعته مينرفا خارج المطبخ وهى لا تدرى لم تضايق أو بدا عليه أنه تضايق من ضحكها .
كان البيت كله رائعا مؤثثا تأثيثا من الطراز الكلاسيكى مما جعل القلعة أشبه بقلاع الأمراء لدرجة أن مينرفا تساءلت برغبة صادقة فى المعرفة :
" إن المنزل رائع . من الذى أثثه ؟ "
" أمى "
هل ما زالت أمه على قيد الحياة ؟ نعم لقد ذكرت ستيلا فى رسائلها عن امرأة طويلة جذابة تزوجت للمرة الثانية . قالت مينرفا :
" إن موهبتها رائعة "
فقال :
" نعم . رغم أن معظم الأثاث كان موجودا قبلها ، إلا أنها أعادت ترتيب المكان واختارت الألوان والأقمشة الجديدة للستائر والمقاعد . ففى وقتها لم يكن من العادى أن تعمل النساء فكان البيت هو شغلها الشاغل . إنها تعيش فى سنغافورة الآن مع زوجها الثانى وهى سعيدة للغاية فهى تزين المنزل والحديقة هناك "
قادت السلالم إلى ممر غمره الضوء الآتى من نافذة كبيرة فى نهايته . وامتلأ بلوحات بعضها لفنانين كانت تعرفهم مينرفا وبعضهم تجهله ، لكن كل اللوحات كان بها نوع من الاصالة بل والعراقة . تساءلت مينرفا وهى تنظر للوحة زيتية لامرأة على الشاطئ :
" هل قامت والدتك بتجميع كل اللوحات ؟ "
" بعضها فقط . لقد قام أجدادى بشراء البعض الآخر كما أضفت إليها أنا بعض اللوحات "
فقالت وهى تحاول أن توصل المعنى الذى أردته :
" إنها .... إنها متناسقة كما لو كانت مجموعة واحدة "
" ربما لأننا لم نشتر إلا ما أعجبنا "
كانت غرفتها فى نهاية الممر كبيرة بشكل يثير الدهشة . وقد وضع فى مقابل الباب سرير كبر ذو أربع قوائم قال نيك وهو يحاول ترتيب ملاءاته :
" إنه مرتب تقريبا ، سأساعدك "
لكنها قالت بسرعة لأنها شعرت بالسخف أن يساعدها فى ترتيب فراشها :
" سأفعل أنا ذلك . أين خزانة الملاءات ؟ "
فأشار بيده إلى خزانة كبيرة بجانب دولاب ضخم فى طرف الغرفة :
" هذه ، وهذا الباب بجانب الدولاب يؤدى للحمام ، لو احتجتى لشئ دعينى أعرف "
" حسن . متى يكون العشاء ؟ "
" فى السابعة والنصف . أعتقد أن هيلين تركت قائمة ما "
" نعم "
فقال ولكن بدون عاطفة :
" شكرا لتطوعك لمساعدتى . لقد كانت هيلين مشتاقة لرؤية ابنتها . ولكن لم تكن مستعدة للذهاب وتركى بمفردى خصوصا وذلك العشاء يوم السبت "
فقالت مينرفا بهدوء :
" هذه هى الأمانة والإخلاص "
هل كانت ربة المنزل مخلصة لدرجة أنها كذبت عندما سألها المحقق عن علاقة سيدها بزوجته المنتحره ، لو لم تكذب فعلى الأقل قامت بسرد الحقائق قليلا لصالح من تعمل لديه . ربما كانت مينرفا متميزة ، قليلا فى احتياجاتها بسبب شعورها الطاغى بأن أختها كانت ضحية لظروف ما شديدة الصعوبة عليها .
لقد كان اسم عائلة بيفريل معروفا فى طول نيوزيلندا وعرضها ، ونيك هذا كانت لديه أعمال خاصة أخرى فى القطاع الزراعى بجانب أرضه وتسويق محاصيلها . كان ماهرا وذكيا بجانب انتمائه لأصول عريقة ، ومن الواضح أن لديه قدرا لا بأس به من النفوذ أيضا . ولكنه طيب أيضا فاهتمامه بهيلين لم تضعه مينرفا فى حسبانها ولكنها بدأت تتخلص من انطباعها الأول عنه . فربما لم يهتم أحد بموت زوجته لأنه كان غائبا من المنزل فى ذلك الوقت فالولاء له لا يعنى الولاء لزوجته التى اعتبرت غريبة تماما عن المنطقة .
تحرك كتفاه العريضان وهو يقول بهدوء ويقصد ستيلا :
" لقد كانت تحب أمى وأمى كانت تحبها " . ثم عادت إليه طريقته العملية :
" بخصوص الأجر ، سواء كنت من العائلة أم لا أنا بالطبع لا أتوقع منك التخلى عن اجازتك دون مقابل "
فرفعت مينرفا عينيها وقالت بخفة :
" الأسرة سلاح ذو حدين . أنت لا تعطى أجرا لعائلتك عندما تساعدك فى مأزق ما "
فقال وقد بدا عليه الاقتناع رغم أنها تضايقت من عرضه الذى جعلها تشعر بغياب روح القرابة :
" حسن للغاية كما تشائين "
وللغرابة فقد تضايقت من موافقته السريعة . كانت تتمنى لو امر ليحدث بينهما نوع من النزاع لتثبت لنفسها فيه أنها قادرة على فرض إرادتها حتى مع هذا الرجل . لكنه أضاع عليها الفرصة بموافقته على كرمها العائلى !! كان سيكون خصما جيدا ، عنيفا لكن عادل وستكون ثقة خالصه فى تحديه . كانت مينرفا تختلف فى ذلك عن ستيلا تماما ، فستيلا تكره النزاعات وتنسحب منها قبل أن تبدأ لعدم قدرتها على الوقوف والتحدى . ولكنها شعرت فجأة بعدم الاخلاص لتبادلها الحديث الردى ولتفكيرها فى رجل قد تكون له يد فى وفاة أختها ، فعضت شفتيها بينما قال هو فى صوت عال دون مبرر :
" حسن ، سأتركك لترتبى أشياءك "
عندما غادر الغرفة أخذت مينرفا تفكر فى شخصيته القوية التى تبدو وكأنها تفرض إرادتها على كل من وما حولها .
كانت هناك نظرة غريبة فى عينيه تتوقع من الجميع الطاعة التامة ، ولكن مع ذلك فقد كانت هناك علامات لعاطفة غير محددة وصدق شعور يحاول إخفاءهما تحت درع صلب من البرود . ومع ذلك فقد كانت مينرفا متأكدة أن حالة أختها الذهنية لم تكن طبيعية عندما أقدمت على الانتحار وسواء كان لذلك الرجل دخل أم لا فى وفاتها فإن عليها أن تعرف ، هى لم تأت هنا عمدا لكى تتجسس وتبحث ولكن بما أنها هنا فإن عليها أن تحاول . وموت أختها ستيلا يزعجها ويطالبها بأن تفعل شيئا ، أن تجعل شخصا ما يعانى كما كانت أختها .منتديات ليلاس
كانت تلوم نيك مبدئيا ، ولكن من الواضح الآن أن وفاة زوجته جعلته مثل روث يعيش فى ظلام ووحشية وحزن يحاول إخفاءه بطريقته كما تحاول روث إخفاء حزنها تحت ستار من المرح . يا ترى ماذا كانت أفكار ستيلا فى ليلتها الأخيرة فى هذا العالم ؟ لن يعرف أحد هذا للأسف . لقد أرادت ستيلا ذلك على ما يبدو فهى لم تطلب مساعدة من أحد ، لم تصارح أحدا بعذابها ومعاناتها . أحيانا تعتقد مينرفا أنه لم يكن هناك أى فرق لو عرف أحد أم لم يعرف . فالحزن لا يمكن القضاء عليه بمجرد الإفضاء به لشخص آخر ، لكن ربما كانت ستيلا تجد فيها عونا لو كانت موجودة معها فى ذلك الوقت ، رغم أن مينرفا كانت أصغر بعام إلا أنها كانت أكثر تفهما للحياة من أختها التى سبب لها جمالها كثيرا من المشكلات فى مراهقتها ومطلع شبابها . لم تكن مينرفا فى جمال أختها فلم يكن لديها سوى عينين داكنتين واسعتين ووجه منحوت بدقة أما ملامحها فكانت عادية مقارنة بكثير من الفتيات .
لقد ضايقها ذلك كثيرا فى الماضى ولكنها تعلمت من علاقتها الأولى أن الجمال ليس ما يجعل الفتاة مرغوبة ، بل قدرتها على المقاومة والاحتفاظ بكرامتها هو ما يجعل لها قيمة ، لقد أحبت بول كثيرا وسلمته نفسها تماما لكنه تخلى عنها لفتاة أخرى وأصابها بصدمة ما زالت تعانى منها للآن رغم أنها تعلمت منها الكثير . وعندما تتذكر تلك العلاقة الآن تشعر برغبة عارمة فى استغلال كل موقف لتأكيد سيطرتها على عواطفها وحمايتها لنفسها من أى رجل يريد استغلالها واللهو بها . لم يكن بول يحبها بل يستغلها ليثير غيرة فتاة أخرى أما هى فقد كانت من السذاجة لكى تقع فى حبه وتظن أنه يحبها . هل حدث نفس الشئ لستيلا يا ترى ؟ !
عندما دخل نيك للمطبخ فى حوالى الرابعة والنصف كانت مينرفا تخرج صينية فطائر خفيفة من الفرن ، لاحظت نظراته الفاحصة لها فابتسمت وواصلت ما تفعل دون أن تتحدث . لكنه قال بابتسامة كالوميض :
" هل هذه لشاى المساء . إن رائحتها جيدة "
فقالت باقتضاب وهى تشعر بانقباض فى صوتها :
" نعم "
لكن رنين التليفون قاطعها فتناول السماعة المعلقة فى المطبخ وتحدث قليلا ثم وضع السماعة سريعا .
" هل الشاى معد ؟ "
" لا ليس بعد "
" فى هذه الحالة هل يمكنك أن تأتينى به فى المكتب عندما تنتهى منه ؟ "
" بالطبع "
ان مكتبه واسعا وكان هناك كمبيوتر بدا أنه حديث للغاية موضوع على منضدة بجانب المكتب .
وضعت مينرفا – التى كان لديها شئ ما ضد التكنولوجيا – صينية الشاى على المكتب واستدارت لتذهب .
كان نيك يقرأ شيئا عندما دخلت ويضع بعض الملاحظات على الورق وقد أشار لها بالدخول عندما نقرت الباب ولم ينظر لها . ولكنها عندما تحركت لتغادر الحجرة سألها بتعجب :
" لماذا هناك كوب واحد ؟ "
" حسن إن .... "
رفع عينيه من الورق ونظر إليها وقد ضاقت عيناه قليلا :
" اذهبى وائتى بكوب آخر لك "
أمر مباشر آخر وبدا عليه أنه لا يتوقع العضيان ، لماذا لا يعتقد أنها ربما تفضل بعض الخصوصية ؟ !
لم يكن هناك دفء فى عينيه وهو يتحدث وقد ترددت هى قبل أن تجيب أو تتحرك فبادرها بحزم :
" مينرفا ، إنك عضو فى العائلة يجب أن يكون ذلك واضحا . إنك ستساعديننى فشكرا لك ولكنك لست مأجورة لتعلمى هنا . أنت عضو فى عائلتى "
فقالت وكأنها تدافع عن نفسها :
" لقد عملت لخمس سنوات كأجيرة . سوف أستغرق وقتا لأعتاد على الوضع الجديد "
" إذن أعتادى عليه سريعا " . قال ذلك وهى تستدير لتغادر الحجرة لتأتى بكوب لنفسها .
عندما عادت كان لا يزال يقرأ ويكتب ملاحظاته لكنه وقف عندما رآها قد جلست ثم قال بلطف :
" هل رتبت كل شئ ؟ "
" نعم ". قالت ذلك وهى تصب الشاى وقد بدأ يتسرب إليها إحساس غامض بأن لطفه هذا ليس طبيعيا بل مصطنعا . ثم قالت :
" ستحتاج لبعض العون مع ذلك . فسأقوم بالطهو ولكننى لن أتمكن من إعداد المائدة لعشرين شخصا بمفردى "
" لقد تم ترتيب ذلك . ستأتى جوليان هوارد لتساعدك طوال الجمعه والسبت . وإبنا كبير الرعاة سيأتيان ليقدما الطعام للضيوف : إنهما فى المدرسة الثانوية "
أخذت مينرفا بذلك فقالت وهى تحاول إخفاء انطباعها :
" هل يعلمون أنهم سيفعلون ذلك "
" نعم لقد فعلوا ذلك مرارا . إننى أفضل استخدام أناس من المزرعة لمساعدتى "
بدا الأمر طبيعى غير أن مينرفا تساءلت لو أنهم يقبلون ذلك تحت تهديد من الرجل .
فقال بوضوح لدرجة أنها شعرت أنه يقرأ أفكارها :
" أنت بالطبع ستأكلين معنا "
فقالت بجزع محذرة :
" سيكون ذلك صعبا للغاية "
" صعبا للغاية ؟ "
" أعنى .... لا ..... "
فقال بثبات :
" إننى أود لو قمت بدور المضيفة من أجلى "
" نعم ... لكن ..... " . توقفت الكلمات عندما قابلت عيناها عينيه الحادتين وقبل أن يسقط اسم جنيفيف من فمها .
فسأل بأدب :
" حسن اتفقنا . هل هناك شئ آخر تودين السؤال عنه ؟ "
فهزت رأسها قائلة :
" لا ، ليس الآن "
فقال وهوينحنى للأمام :
" إننى أعلم أنك قبلتى ذلك متورطة . فما كانت هيلين لتتركنى لو لم تقبلى وأنا ممتن للغاية . وفى الحقيقة لم تكن حالة ابنتها مطمئنة كما أخبرها زوجها فى التليفون " . ثم أضاف :
" هل أعجبك ما رأيتى فى الشمال حتى الآن ؟ "
فقالت بمرارة :
" كل ما رأيته حتى الآن هو المطر . لقد تركت أوكلاند فى يوم رائع ولكن بمجرد أن وصلت لتلال برين ديروين بدأ المطر وما زال مستمرا من آن لآخر "
" حسن إذا أتيت فى الربيع ستجدين الأمور أفضل "
وقبل أن تتحدث رن التليفون فالتقط السماعة وأصغى قليللا ثم قال :
" فرانك ؟ أين هو ؟ ماذا حدث ؟ " ثم قال بعد أن قطب :
" أنا أتناول الشاى الآن . سآتى بعد أن أنتهى منه . لا يهمنى إذا كان مقبلا " . ثم وضع السماعة بعنف .
حاولت أن تبدو مينرفا غير مهتمة على الاطلاق بما سمعت لكنه بادرها :
" فرانك أحد عمال المزرعة ، اليوم عطلته وقد ذهب للبار حتى ثمل تماما وخرج على قدميه للطريق فهو لا يستطيع القيادة فى تلك الحالة . لقد أخذ يفرط فى الشراب بعد أن هجرته زوجته . يجب أن أذهب لآخذه لبيته قبل أن تصدم سيارة هذا الغبى "
بدا على مينرفا التعجب لذلك فقال هو :
" من الصعب الحصول على مساعدة هنا . إنها العزلة فى هذا المكان "
من الواضح أن لديه اهتماما بالعاملين لديه، فموقفه من هيلين ومساعدته لفرانك هذا تؤكد ذلك ، لا شك أنهم يحبونه لذلك . لقد تضايقت روث زوجة أبيها عندماقررت أن تتعلم الطهو رافضة فكرة أن يكون أحد أعضاء العائلة " خادما " . لكن مينرفا تقبلت رأيها النابع من الحب والحرص على مستقبلها بسعة صدر ، كانت تتمنى لو حصلت على وظيفة سهلة حتى تتزوج كستيلا . لكنها سألته بتعجب :
" عزلة ؟ أى عزلة ؟ "
رجع نيك بظهره للوراء وقال :
" ألا تمانعين فى العزلة هنا ؟ "
" نحن على بعد عشرين كيلومتر من كيرى كيرى لا أسمى ذلك عزلة "
" إن العزلة إحساس أكثر منها عزلة مكانية "
شئ ما فى صوته جذب انتباهها . فتحت هذا الستار من البرود كان هناك شعور بحزن عميق وافتقاد للعاطفة والحب . قالت بهدوء وهى تنظر لوجهه الثابت :
" نعم أعتقد أنك على حق " . ثم قالت لتقطع الصمت :
" أعتقد أن المكان المنعزل هو الذى لا يصله البريد "
" نحن نتلقى البريد ست مرات فى الأسبوع "
" وماذا عن استقبال التليفزيون والراديو ؟ "
" ممتاز "
" ولديك الماء والكهرباء . بالإضافة لمكتبتين على الأقل فى كيرى كيرى وسينما أيضا .لا أعتقد أنك منعزل على الاطلاق . فلقد ذهبت لأماكن أقل ما يقال عنها أن الحضارة لم تصلها بعد "
كانت ابتسامته ساخرة فقال :
" يبدو أنك خبيرة بالعالم . أين ذهبت . مجاهل أفريقيا ؟ "
فقالت باختصار " حول العالم " . كانت تعتقد أن هؤلاء الذن يتحدثون عن رحلاتهم مملون للغاية .
" أعتقد أن على العودة للمطبخ "
قالت ذلك وقامت وقد أخذ هو ينظر إليها كما لوكان يعرف أنها تتراجع . وقال وهو يقوم :
" أشكرك مرة أخرى "
وانتظر حتى اقتربت من الباب وقال مرة أخرى برقة :
" مينرفا "
" نعم ؟ "
" مرحبا بك فى القلعة الاسبانية "
بدا لها وكأنه تحذير ، ولم تدر سبب هذا الاحساس وما لبثت أن استشعرت سخافته فسألت :
" لماذا الاسبانية ؟ فيمكننى رؤية القلعة ولكن لا يبدو عليها أنها أسبانية أكثر منها إنجليزية "
" من مائة وخمسين عاما حلم نيكولاس الكبير بأن تكون له قلعة فى أسبانيا لكنه لم يتمكن من ذلك فسماها القلعلة الاسبانية "
ثم عاد لعمله مرة أخرى الذى كان قد قطعه عندما دخلت هى وقبل أن تخرج قال دون أن يرفع عينيه من على الورق :
" من الأفضل أن تتصلى بوالديك وتخبريهما أين أنت . فأنا أعرف روث قلقة للغاية "
" حسن "
عندما صعدت لغرفتها لتبدل ثيابها سمعته وهو يخرج فى مهمته الانسانية لإنقاذ فرانك ، أصبح بإمكانها أن تسترخى الآن قليلا قبل أن تواصل العمل وقد قررت الاتصال بروث فى المساء .
إن من الغريب أن يتركها هكذا وحدها فى المنزل دون ان يكون لديه أى دليل أنها أخت ستيلا فعلا ، ربما كانت أى فتاة أخرى جاءت لتخدعه ولكن لم يبد عليه أنه من ذلك الطراز الذى يسقط فى الشراك بسهولة .
لقد كان باردا ولكنه جذاب أيضا , شعرت مينرفا بإعجاب نحوه رغم أنه لم يبد معها سوى أقل قدر من الترحيب .
رغم كل عبارات المجاملة ، إلا أنه بدا عليه التكلف أكثر من الحميمة ومع ذلك فقد شعرت نحوه بنوع من العطف .
وقبل العشاء تلك الليلة أعطاها نيك كأسا من النبيذ ، أخذا يتحدثان عن والديها وعن أخيها كين الذى كان يذهب لنفس المدرسة الداخلية التى كان نيك يذهب إليها . تناولا العشاء فى الحجرة الصغيرة الملحقة بالمطبخ ،كانت مضاءة جيدا وقد أمضيا الوقت فى الأحاديث العامة . وقد وضح من حديثه أنه واسع الخبرة والاطلاع . على الأقل فيما يخص عمله ومصالحه .بعد العشاء عاد لمكتبه وطلب منها أن تشعر بحرية تامة وتتصرف كما تشاء فى المنزل . لكنها ذهبت لتتصل بروث التى ما أن سمعت صوتها حتى سألتها صائحة :
" مينرفا أين أنت ؟ "
" القلعة الاسبانية . لقد مررت لأقابل السيد بيفريل وحدث أن مدبرة المنزل كان عليها الذهاب لظرف طارء فبقيت لأساعده فى حفل العشاء الذى سيقيمه يوم السبت "
" إن ذلك رقيق منك يا حبيبتى " . قالت روث ذلك وبدا فى صوتها أنها ****ة . ثم سألت :
" هل نيك معك ؟ "
" لا . إنه فى مكتبه يعمل "
" حسن . لا أود إزعاجه "
قالت مينرفا وهى تعلم حب روث للحديث فى التليفون :
" روث . إن هذه المكالمة تكلفنى الكثير "
" نعم ولكن لا بد أن نيك سيـ..."
فقاطعتها مينرفا : " لا أنا سأدفع ثمنها "
" حسنا حبيبتى . لا تسرعى بالعودة إذا كنت مستمتعة بالبقاء هناك "
مستمتعة !؟ آه لو عرفتى يا روث . وفى طريقها لحجرتها ترددت مينرفا إذا كان يجب عليها أن تذهب للأسد فى عرينه وتلقى عليه تحية المساء . لقد بدا مؤدبا ولكنه ربما يزأر لمقاطعتها إياه . لكنه لم يزأر ولم يظهر أى مخالب ، كان واقفا يقرأ أحد الملفات عندما دخلت عليه واستغرق دقيقة قبل أن يلحظ وجودها . فقالت مسرعة :
" أنا ذاهبة للنوم . متى تود الإفطار ؟ "
" فى السابعة . ولكن لا تستيقظى مبكرا فأنا أعد إفطارى . ليلة سعيدة وأشكرك ثانية لمساعدتى "
" العائلات مؤسسات رائعة " . قالت ذلك ضاحكة وهى تغادر الحجرة بينما حياها بإيماءة من رأسه .
كان المطر قد توقف فى أثناء العشاء . وفى حجرتها أخذت مينرفا تفكر فى نيك وهى تبدل ثيابها . بالطبع هو رجلجذاب أو على الأقل مثير للاهتمام . كانت متعبة للغاية ولم تستغرق طويلا فنامت ولكنها استيقظت فى وسط الليل بعد أن رأت حلما غريبا لم تتذكر منه شيئا ، ولكن خاطرا ما برق لذهنها وهى نصف نائمة ونصف مستيقظة ، لم يكن هناك أدنى علامة تدل على أن امرأة عاشت فى هذا المنزل وكان اسمها ستيلا . لم تجد لها صورة أو أثر وكأنها لم توجد على الاطلاق .
|