كاتب الموضوع :
زونار
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل الثامن
استيقظت مينرفا فى الصباح على صوت حبات المطر وهى تتساقط على زجاج النافذة , كانت السماء ما زالت تمطر بشدة مما جعلها تشعر بنوع من الكآبة . إلا أنها نهضت سريعا لتغتسل وتبدل ثيابها وتهبط لتنضم للمجموعة . كان براين ونيك يلعبان البلياردو بينما كانت روث تطالع كتابا .
قال براني وهو ممسك بعصا البلياردو بعد أن أنتهى الدور :
" فى يوم من الأيام سأهزمك "
فقال نيك وهو يضع عصاه على مائدة اللعب :
" ليس اليوم على أى حال , فلدى عمل هذا الصباح "
ثم غادر الحجرة بينما تناول براين الصحف وبدأ يقرأها . لذلك قررت أن تعد لنفسها الإفطار فخرجت للمطبخ ولكنها قابلته فى الردهة الموصلة للحديقة فبادرها :
" هل تودين نزهة على ظهر الخيل ؟ "
فقالت بدهشة :
" لقد اعتقدت أننى سمعتك تقول إن لديك عملا هذا الصباح "
" لقد قلت ذلك عندما رأيت أن المطر توقف , والغابة عادة ما تكون رائعة بعد المطر فرأيت ألا أضيع هذه الفرصة . هل ستأتين ؟"
لم يكن لديها أى سبب للرفض سوى الخوف من شئ مجهول لكنها هزت كتفيها وقالت :
" وهو كذلك "
فقال بصوت مشجع :
" حسن تعالى معى لكوخ الحديقة . هناك أدوات ركوب الخيل الخاصة بأمى "
سارت وراءه وهى تشعر بانه لم يكن من المفروض أن تقبل التنزه معه . يجب ان تمضى ما يتبقى لها من الوقت فى المزرعة دون أن تورط نفسها فى شئ معه , ولكن كلمات روث " أنه مهتم بك " . أخذت ترن فى أذنيها وهى ترتدى حذاء الركوب بينما ذهب هو ليحضر الحصانين , الجن الفضى حصانه ومهرة أخرى بدت وكأنها تناسب الجن الفضى تماما .
ساعدها نيك فى امتطاء صهوة الجواد وهى تضحك لانها كانت تخشى الوقوع فى كل مرة , ولكن أخيرا ثبتت على ظهر المهرة " بسكيت " وقد بدا لها العالم مختلفا تماما من فوق صهوة جواد .
سار بهما الجوادان فى طريق الجداول التى تشغل الجانب الغربى من غابة الكيوى ودون أن يتحدث نيك كانت تشعر مينرفا بأنه يريدها ويرغبها ولكنها لم تستطع أن تقاوم أن ما تريده منه لا يمكن أن تحصل عليها فقررت أن تستغرق تمام فيما حولهما ثم تساءلت :
" أين الصدئ ؟ ألا يأتى معك ؟ "
فقال بلهجة قاطعة :
" لا" ليس وأنا أتنزه , يأتى معى فى أثناء العمل فقط "
بدا لها وهو فوق صهوة جواده أنه فارس من العصور الوسطى , كان ممسكا بلجاد الجواد برفق بدا أنه متحكم فى كل خطوة تحكما تاما .
وبعد قليل لحق بهما الصدئ راكضا فضحكت مينرفا بينما ابتسم نيك وهو يهز رأسه .
كان كل شئ حولهما طبيعيا ومنعشا . وشعرت مينرفا برغبة شديدة فى أن ترقص بالحصان لكنها لم تفعل فلم تكن مدربة على ركوب الخيل كما أن الأرض كانت مبللة ومتعرجة فى مواطن كثيرة . قالت وهما يمضيان فى الغابة أكثر حتى وصلا للجداول :
" لقد فاتنى كل هذا العام الماضى ولم أر سوى الغابة من جانبها الآخر . إن هذه الجداول رائعة وكأنها فى الجنة "
فقال نيك بلهجة لم توضح ما يشعر به :
" لقد فاتك الكثير العام الماضى "
لم تحاول أن تفهم ما يعنيه لكنها ابتسمت دون تعليق فقال هو دون أن ينظر إليها :
" هل تصدقين أنك أصبتينى بالرعب أول مرة رأيتك فيها ؟! "
" الرعب ؟ " قالت ذلك فيما يشبه المصادفة ., أما هو فقد واصل بهدوء :
" نعم " ذلك اليوم الممطر عندما كنت تسألين عن الطريق "
على الأقل ما زال يتذكر اليوم كما تتذكره هى لكنها لم ولن تسأله عن سبب رعبه منها .
قد تكون تلك خدعة منه , ما كان يجب ان تأتى معه فى البداية . أخذ يقترب منها بجواده وقد أمسكت هى بلجامها بتوتر خائفة من أن تسقط من عليه حتى أشار بيده الى صخرة مرتفعة قائلا :
" هذا هو الشلال ولكن من ظهره , علينا أن نصعد حتى نراه "
قال ذلك وترجل ثم مد ذاعيه اليها فوجدت نفسها ترتمى فى أحضانه وهى تهبط من على الحصان . كان جسدها ملتصقا بجسده للحظة لكنها لم تستطع الابتعاد عنه فقد جذبها بشدة نحوه وقبلها قبلة طويلة انهارت مقاومتها لها حتى قبل أن تبدأ , وعندما ابتعدت شفاههما حاولت أن تدفعه بذراعيها لكنها صرخت فجأة :
" الصدئ سيسقط فى الجدول "
استدار نيك بسرعة ليجد كلبه العزيز قد سقط بالفعل فى المياه , أخذت مياه الجدول المندفعة المتدفقة بقوة من أعلى التل الصخرى تجرفه ناحية الشلال . وضعت مينرفا يدها على فمها لتكتم صرخات الرعب بينما خلع نيك سترته وألقى بها على الأرض وتناول حبلا كان يحتفظ به دائما فى سرج الحصان .
سألته مينرفا وهى لاتصدق ماسيفعل :
" لا يا نيك , لا لا تذهب "
لكنه لم يجبها بل أخذ يبحث عن غصن قوى يربط فيه الحبل , واخيرا وجده ثم ربط الحبل حول وسطه وقال لها بلهجة آمرة :
" عندما أصل له اجذبى الحبل ببطء "
كان الكلب قد استطاع أن يسبح حتى وصل لصخرة مغمورة ارتمى عليها وأخذ يهز ذيله فى انتظار أمر سيده , صاحت به مينرفا لكن نيك صرخ فيها :
" لا تناديه , هل تضمنين أنه لو هبط الماء ثانية سيمكنه الرجوع ؟ "
كان محقا , لو طلب منه سيده أن يعود فسيعود حتى لو كان ذلك يعنى ان يلقى حتفه . أخذ قلب مينرفا ينبض بشدة ونيك يهبط فى الماء ببطء وقد التف الحبل حول وسطه وقد أخذ يسير حتى وصلت المياه إلى منتصف صدره ثم بدا لها من حركته فى الماء أن الأرض لم تصبح تحت قدميه الآن , كان الجدول عميقا والتيار قويا , كتمت أنفاسها حتى وصل إلى الصخرة التى كان الكلب واقفا عليها فأمسك به نيك ورفعه بذراعيه القويتين ودفعه بحركة ما بدا لها أنها متعارف عليها بينهما على ظهره ثم بدأ طريق العودة .
أخذت هى تجذب الحبل المربوط فى الغصن القوى كأنها تجذب روحها التى كادت تسحب منها . وعندما وضع نيك قدمه على الأرض كادت ترتمى بين أحضانه لكنها تماسكت وأخذت تراقبه وهو يجلس بتعب على أقرب صخرة وقد ابتلت ثيابه تماما . وقف الصدئ على الأرض واخذ يهز جسده بشدة كأنما يطرد عنه الماء .
نظرت إليه مينرفا وابتسمت ثم قالت لنيك :
" لن أتركك تفعل ذلك بنفسك مرة ثانية أبدا "
فقال بصوت أجش بعد أن سعل سعلة قصيرة :
" حقا , بأى حق ؟ "
فلم تجب فواصل هو وقد لمعت عيناه فجأة وكأن نارا اشتعلت فى رمادها البارد :
" هل تعلمين لماذا أصبت بالرعب فور أن رأيتك لأول مرة ؟ لأننى عرفت أنك ستغيرين حياتى تماما ولم أكن أريد ذلك . كنت ما زلت معقدا بما حدث مع ستيلا ولم أشأ أن أدخل فى علاقة جديدة "
فلم تجب مينرفا بل وقفت تنظر إليه فيما بدا الذهول وهى تمنع نفسها بأن تشعر بالسعادة , لم تكن واثقة بعد من معنى حديثه . لو كان يحبها حقا لماذا لم يتصل بها لمدة عام ؟ لكنها لن تسأله , لا تريد شيئا منه شعرت بدوار وهى مذبذبة بين ما يريده قلبها وبين ما يفكر فيه عقلها . لكن نيك قال وهو يسعل ثانية :
" لقد كنت أخشى أن تكونى مثل ستيلا . لذلك عندما ذهبت قررت أنك مثلها "
وقفت ساكنة تنظر اليه عاجزة عن أى كلام . هل تدافع عن نفسها أم تنتظر لترى ماذا يريد فى النهاية . لكنه بدا متضايقا من صمتها فقام واتجه لحصانه قائلا :
" من الواضح أننى أصيبك بالملل , من غبائى كنت أعتقد أنك ستقبلين أن ... "
ولم يكمل بعدها أخذ يرتدى سترته الجافة على قميصه المبلل أما هى فقالت فى مفاجأة له ولنفسها أيضا :
" نعم يا نيك . إننى أقبل أن أتزوجك "
لم ينظر اليها بل لبث واقفا برهة فى سكون ثم استدار وقال بصوت بدت فيه بوادر الغضب :
" أنا لست فى حاجة لشفقة منك "
فقالت بسرعة وقد أخذت الكلمات تنساب من بين شفتيها وكأن عقلها فقد سيطرته عليها نهائيا :
" ليست شفقة ؟ لقد حلمت دائما بزوج يحترمنى ويهتم بى و ... "
" وماذا ؟ "
" ويحبنى . هل تحبنى يا نيك ؟" . طرحت هذا السؤال وقد امتلأت نبرتها بعدم الثقة . كانت لا تزال تشعر بأنه غير جاد فيما يقول , لكنه ضحك ضحكة عالية وقال وهو يقترب منها :
" نعم . أحبك . لقد أحببتك منذ العام الماضى ولكننى كنت أخشى عليك من نفسى "
فقالت والدهشة تملؤها :
" تخشى على , لم ؟ "
فقال وصوته يتأرجح بين الفرح واليأس :
" كنت ما زلت أعتقد أن العيب كان فى لذلك ستيلا لم تمارس معى الحب "
أمسكت وجهه بيدها وقالت بحنان :
" لقد انتظرت أن تكتب لى طويلا , لكنك لم تفعل "
" أكتب لك . لقد قررت أن أسافر لك فور أن ذهبتى , ولكنى عندما وصلتنى رسالتك القصيرة الأشبه بالبرقيات الرسميه تأكدت أننى كنت أعيش فى أوهام . لقد كنت سآتى إليك وأختطفك كما فعل جدى الأكبر "
فقالت بدهشة :
" نيكولاس ؟"
" نعم . أتذكرين يوم سألتينى عن السبب الذى سمى قلعته له القلعة الأسبانية ..."
ثم قبلها قبلة سريعة ووضعت هى ذراعيها حوله بينما واصل هو :
" كان انجليزيا وأحب امرأة أسبانية فى أثناء عمله فى اسبانيا . وقد اختطفها وأتى بها لهنا . وبعد عام وصل زوجها وأعادها معه بعد أن تركت ابنهما الوحيد "
فقالت مينرفا :
" بالتأكيد لم تكن تحبه حقا , أو كانت شخصيتها ضعيفة "
" ربما ولكن العجيب كما كتب نيكولاس فى مذكراته أنها كانت تحب زوجها أيضا لحد ما "
فتمتمت مينرفا بدهشة :
" تحبه أيضا ؟ ! ماذا تعنى ؟ ! "
"لا أدرى . لقد كان رجلا رائعا كما شهد بذلك له نيكولاس نفسه . فقد كان معجبا به ويعتبره رجلا عظيما اذا نحينا جوانب الغيرة والخصومة عليها بينهما "
فقالت مينرفا :
" لذلك أطلق على مزرعته وقلعته الأسبانية "
شعرت مينرفا وهو يقبلها ثانية بأنها لا تصدق ما يحدث . لقد تم ما انتظرته فى عام فى أقل من ساعة .
هل حقا ستتزوج نيك ؟! ولكن هل لروث دخل فى هذا ؟ قالت وهى تبتسم وقد تقارب وجهاهما :
" هل كنت تنوى الزواج من جنفيف ؟ "
فضحك ضحكة ماكرة وقال وهو يطبع قبلة على خدها :
" لا , إننا منذ تزوجت ستيلا مجرد أصدقاء "
ربما من ناحيتك أما هى فلا تعتقد أنها مازالت وراءه ؟ ألن تستريح مينرفا من ذكرى ستيلا وجنفيف ! قالت وهى تبعد عينيها عن وجهه الذى اختفت منه الحدة وحل محلها عطف أكيد :
" لماذا ذهبت معها لحفل الاستقبال ؟ "
فقال وهو يرفع وجهها لينظر اليه :
" لقد أخذتها معى خصيصا لكى أثير غيرتك . عرفت من روث أنك ستكونين هناك لذلك أخذتها معى وقد نجحت خطتى .. "
فلما ابتسمت واصل هو اعترافه :
" وقد دعوتكم لقضاء عطلة الصيف هنا لأتأكد من مشاعرك نحوى . مينرفا إننى أحبك وأريد أن أتزوجك ! "
الزواج أخيرا . لكن لقد قال لها قبل ذلك أنه يريد أن ينجب أطفالا فهل هذا هو السبب الوحيد . ابتعدت عنه مينرفا عندما تذكرت ذلك .
ثم سألته وهى تدير له ظهرها :
" نيك لماذا تريد أن تتزوجنى ؟"
فقال ببساطة ولكن بصدق :
" لأننى أحبك "
" فقط ؟ "
" وهل يمكن أن يكون هناك سبب آخر ؟"
فقالت وهى تحاول أن تزن كلماتها حتى لا تقول ما تندم عليه :
" أليست رغبتك فى طفل هى السبب الأساسى ؟"
لم تسمع رده لكنها شعرت بيديه القويتين تمسكان بكتفيها ثم أدارها ونظر فى عينيها وقال :
" نعم أريد طفلا ولكن منك أنت , منك أنت وحدك "
فلم تجب فواصل هو :
" لقد أرادت ستيلا أن تنجب أطفال أنابيب لكننى لم أوافق . إننى عندما أريد طفلا أريده من المرأة التى أحبها فحسب . عندما قلت لك ذلك كنت غاضبا ويائسا ولم أكن واثقا بعد من حبك لى "
فاحتضنه واحتوته بذراعيها , كان جسده العريض يملأ العالم أمام عينيها , لم تكن تريد شيئا سوى أن تبقى معه للأبد . همس فى أذنيها وهو يحتضنها :
" لنتزوج بأسرع ما يمكن "
فقالت :
" كم يستغرق ذلك من الوقت ؟ "
" ثلاثة أيام لإتمام كل الاجراءات اللازمة "
فقالت بدهشة :
" ثلاثة أيام ! ستصاب روث بخيبة أمل "
" لم ؟ "
فقالت مينرفا موضحة :
" إنها ستريد بالطبع زفاف وفستانا أبيض وثلاثمائة مدعو "
فقال بثقة :
" كل ذلك يمكن إتمامه بسهولة "منتديات ليلاس
|