لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-05-09, 02:47 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنيتي بنيه مشاهدة المشاركة
   زونار وينك انا انتظار الروايه بليز بسرعه اسفه علشان ممكن انت مشغول لكن انا اعجبتني :rdd10ut5:



لعيونك الحلوة باكملها

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 05-05-09, 02:51 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل الخامس
أخذت مينرفا تراقب انعكاسها على زجاج النافذة ، عيناها الواسعتان كانتا فى لون السماء الملبدة بالغيوم وقد التوى فمها الأحمر الصغير ليشبه ما يضعه المهرجون بأفواههم ، أبعدت الطعام بعيدا عنها فلم تكن لديها أية رغبة فى الأكل .
لم تستغرق جوليان طويلا حتى عادت ومعها حزمة من الرسائل وضعتها أمام مينرفا وقد بدا عليها الارتباك وقالت وهى تشير للرسائل :
" هناك رسالة لك "
فقالت مينرفا وهى تشعر بانقباض لم تدر له سببا :
" رسالة لى أنا "
وقفت وحملت الرسائل ووجدت نفسها تتجه بطريقة عفوية ناحة حجرة المكتب وتغلق بابه عليها ، وضعت الرسائل التى كانت مرسلة لنيك على المكتب ونظرت للخطاب المرسل إليها . كان مرسلا على عنوان اليخت بخط ستيلا .
يبدو أنه قد بعث منذ فترة طويلة فقد بهتت الأختام التى عليه لكنها استطاعت أن تعرف أنه قد بعث قبل الوفاة بيومين وقد طبع عليه بخاتم أحمر : " لم يستدل على العنوان . يعاد للمرسل " . شعرت مينرفا برغبة فى البكاء حتى قبل أن تفتح الرسالة .
إذن هذه آخر رسالة كتبتها ستيلا قبل وفاتها وربما يكون فيها سبب ما أقدمت عليه . وبالفعل أخذت دموعها تتساقط على الظرف وهى تفتحه بيدين مرتعشتين .كان الخط مهزوزا مما يدل على أن يد ستيلا كانت ترتعش وهى تكتب الخطاب لكنه كان واضحا فمسحت مينرفا دموعها وبدأت تقرأ وقد تهاوت على الكرسى الموضوع أمام المكتب :
" عزيزتى مينرفا ، أنا تعيسة للغاية .
كان يجب على أن أعرف أن النهايات السعيدة فى القصص الخيالية فحسب . لقد كنت أعتقد أن كل شئ سيكون على ما يرام ورائع لكن ما يحدث الآن ليس عدلا من الحياة .
أنا فى تعاسة تامة ولا مكان ألجأ إليه . لماذا على أنا أن أعاقب على جريمة لم ارتكبها يوما ؟ أو ربما كان محقا وهناك خطأ فى . لا يهم على أى حال .
كنت أتمنى لو كنت هنا . مينرفا أحبك وأفتقدك للغاية "
شعرت مينرفا بقواها كلها تنهار . رغم مرورعام على وفاة ستيلا إلا أن الخطاب قد أعاد كل الذكريات المؤلمة للحياة . إذن نيك له يد فى وفاتها . ما هى الجريمة التى يعاقبها عليها ؟ لقد كانت ترى دائما أن من الحمق الوقوع فى الحب مع الرجال غير المخلصين ونيك لم يكن مخلصا لها ، فقد تركها لتموت وحيدة بينما قضى العطلة مع جنيفيف .
ورغم حزنها الشديد وغضبها إلا أن مينرفا لم تكن تستطيع الهروب من حقيقة بدت واضحة أمام عينيها كالشمس . إنها تحب نيك حتى بعد أن قرأت هذه الرسالة ما زالت تحبه . لقد شعرت بتغيير فى شخصيتها فى الأيام القليلة الماضية لم يكن له سبب سوى نيك بيفريل .
إن مينرفا روبير ستون الآن تختلف عن مينرفا روبير ستون الفتاة الواقعية التى تخطط لمستقبلها تخطيطا عاقلا بعيدا عن نزوات العاطفة وشطحات الهوى . إنها الآن مستعدة أن تسامح وأن تغفر ، ولكن هل من حقها أن تسامحه على ما فعله بأختها ؟ إن هذا حق ستيلا وليس حقها كى تسامح فيه .
شعرت بنفسها ممزقة بين حب لنيك وولائها لستيلا تلك الفتاة التى عاشت معها أجمل سنين الطفولة وصباها ولم تكن بجانبها عندما ماتت وحيدة وتعيسة . هل يسلبها الحب الآن احترامها لنفسها وولاءها لعائلتها ؟ هل تتجاهل هذا الخطاب أم تسأل نيك عما يعرف عن وفاة أختها ؟
وضعت الخطاب فى جيب بنطلونها وأسرعت لحجرتها فى الطابق العلوى بعد ان تأكدت من ذهاب جوليان . لم تكن لديها رغبة فى أن ترى دموعها وتسألها عما فى الخطاب ، كانت تود لو تذهب لآخر مكان فى العالم . أخفت الخطاب والظرف فى أحد الأدراج وجلست لا تلوى على شئ . انبعث صوت ساخر من ضميرها يسألها عما ستفعل ؟ هل تفضل رجلا لا يعرف حتى إذا كان يحبها أم يعبث بها على ذكرى أختها العزيزة ؟
هل تذهب وتتركه ؟ أليس لهذا الحب الملعون من نهاية ؟ بالتأكيد لن تحب رجلا أذى أختها لدرجة أنه دفعها للانتحار .
مضى بعد الظهر ببطء شديد وكأنه حيوان جريح يزحف وكانت كل دقيقة تمر تزيد من توترها وخوفها حتى وصل نيك أخيرا فى السادسة والنصف مساءا . غم أنه لم يبتسم عندما أتى من الباب إلا أن عينيه أخذت –كالعادة – تتفحصان وجهها بعمق وكأنما يهدف للدخول لأعماقها دون أن يتحدث ، كانت الرغبة مستعرة فى عينيه ، رغبة تمنحها السعادة لكن كان عليها أن تتجاهل كلا من رغبته وسعادتها الآن
قالت بهدوء :
" العشاء تقريبا جاهز "
لم يقم بأية محاولة للمسها وخبت جذوة النار فى عينيه وقال بما يشبه خيبة أمل من لقائها الباهت :
" شكرا "
وعلى العشاء كان نفس الرجل الذى عرفته من البداية ، مختبئا وراء حواجز صنعها هو لتمنع أى إنسان من الوصول لعواطفه . كان يبدو مستحيلا أن يفقد مثل هذا الرجل أعصابه فقررت أن تفتح الحديث أى حديث ولتحاول أن تتطرق لموضوع ستيلا حسب مجرى الحديث ،فسألته كيف أمضى يومه لكنه أجاب إجابات سريعة لا تنم على شئ أكثر من عدم رغبته فى التحدث عن العمل . ورغم أنها تظاهرت بالاهتمام إلا أنهما أصبحا بعيدين من بعضهما مهما حاولا كل منهما التظاهر بعكس ذلك ، لكنه هو على الأقل لم يتظاهر بشئ حتى انتهيا من العشاء .
لكنه قال وهى جالسة على الأريكة أمام المدفأة بنفاد صبر :
" حسن ما الأمر ؟ "
لم تنظر إليه بل أخذت تنظر لنار المدفأة وتستمع لصوتها وهى تأكل ما يلقى إليها من خشب وشعرت بثقله على الأريكة عندما جلس بجانبها .فقال بصوته البارد :
" لم يكن على أن أتركك بمفردك اليوم ولكن ما الأمر يا مينرفا ؟ "
لم يكن هناك أسلوب لائق لطرح السؤال يتسم بالتهذيب فقالت بصوت حاد مهاجم :
" لماذا قتلت ستيلا نفسها ؟ "
أجبرها صمته على أن تشيح عنه بوجهها فقد بدا متجهما ثم نادما . هز رأسه ثم قال بصوته البارد :
" كنت اعلم أنك ستسألين عاجلا أم آجلا ، لكننى كنت أتصور أنك لن تسألى قبل أن نتقارب أكثر ، أنانية ربما ولكنى رجل أنانى أعترف بذلك "
فقالت بصوت يشبه الهمس وكأنما لتجعله يفهم وضعها :
" يجب أن أعرف "
فقال بصوت شعرت فيه بنوع من الغضب المكتوم :
" لماذا ؟ لأنك لا تثقين بى ؟ " ثم واصل بعد أن استعاد بروده :
" يمكننى أن أفهم ذلك رغم أننى لا أوافق عليه . حسن إذن لقد قتلت ستيلا نفسها لأسباب كانت كافية بالنسبة إليها ولكنى لا أعرف إذا كانت تود لو تعرفنى هذه الأسباب أم لا "
فقالت وقد استحال وجهها شاحبا تماما ولمعت عيناها الواسعتان وهى تشعر بخيبة أمل " لا أصدق ذلك "
فقال هو دون أن يرفع عينيه عن وجهها :
" إذن لماذا لم تخبرك هى ؟ "
ففقدت مينرفا أعصابها وجذبته من قميصه وهى تصرخ :
" اللعنة لماذا لا تخبرنى ؟ لماذا تعذبنى هكذا ؟ "
لم يدافع عن نفسه بل أخذ ينظر إليها بعينين باردتين ووجهه بلا تغير ثم أغلق عينيه برهة وقال بلهجة اعتراف :
" نعم أعرف . إن الأمر بسيط ، مهين ربما ومخجل لكنه بسيط . لقد .... لقد وجدت ستيك الأمر غاية فى الصعوبة أن نكون معا كزوجين أعنى كرجل وامرأة . وأعتقد أن هذا هو ما جعلها تعيسة . وقد جعلنى تعيسا أيضا خاصة أننى كنت أعرف أنه مهما طال صبرى لم يكن لدينا أى أمل فى تجاوز تلك .... العقدة ؟ "
فتحت مينرفا فمها ، لم تصدق ما سمعت . لقد كان لستيلا علاقات عديدة منذ أن كانت فى السادسة عشر ولم تعان يوما من مشكلة مهذه . لماذا نيك ؟ تساءلت بغباء أو هكذا بدت : " لماذا ؟ "
" لقد سمعتنى ، ما كانت تذهب معى للفراش لذلك كنا ننام فى غرفتين منفصلتين "
نظرت إليه مينرفا ثم أعادت النظر لنار المدفأة وهي تشعر أن النار تحترق فى رأسها هى وليست المدفأة . واصل نيك وقد بدا عليه أنه رجل آخر تماما فقد أصبح صوته أكثر ضعفا واسطقت كل الحواجز :
" هناك أشياء اخرى . أعرف ان ستيلا لم تكن عذراء هى اعترفت لى بذلك . طالما عرضت عليها أن تتلقى نوعا من المساعدة , علاجا أو شيئا من هذا القبيل ولكنها كانت ترفض . كانت أشعر أنها تتلذذ لذة مرضية بتعذيبى وتعذيب نفسها . والأغرب من ذلك كانت أحيانا تقوم بإغوائى عندما أكون غاضبا أو أفقد أعصابي ولكنها تتركنى بعد ذلك فى منتصف الطريق . لقد كنت أشعر أحيانا بأنها تقصد ما تفعل ولكنى لم أكن مستعدا لأن أستمر فى تلك المأساة أكثر من ذلك "
فقالت مينرفا وهى تضع يدها على يده التى سحبها بسرعة :
" أنا أسفة لأن ... "

فقاطعها وهو يبتسم ابتسامة استهزاء :
" لست فى حاجة لتعاطف أو شفقة . لقد أخبرتك بما وددت أن تعرفيه عن أختك . لقد كانت مريضة نفسيا ورفضت تلقى أى علاج لذلك فقد أخبرتها بانها أصبحت لا تمثل شيئا بالنسبة لى , لم أعد أحبها أو أكرهها "
شعرت مينرفا بغضب من كلمته الاخيرة , لقد كانت ستيلا مريضة وفى حاجة لمساعدة , ولكنه لم يكن صبورا على أى حال فقالت :
" ربما انتحرت عندما علمت أنك استعدت علاقتك بتلك المرأة . جنيفيف وأنك استغنيت عنها للأبد "
فانقلب وجهه فجأة ونظر إليها بعينين حادتين , لأول مرة تراه كذلك , لقد ذهب الجمود الذى لازم عينيه وحل محله الآن غضب عارم .
قال بصوت ظهرت فيه بودار العاصفة :
" من اخبرك عنى انا وجنيفيف ؟ "
فقالت وقد بدأت تتخيل جوليان وزوجها وهما يحملان أمتعتهما ويغادران المزرعة فشعرت بالذنب لأنها لم تحكم لسانها وقد تعرض أبرياء لفقدان عملهم :
" لايهم من اخبرنى . ولكن هل حقيقة ما كان بينكما سبب انتحار ستيلا ؟ "
فابتسم نيك ابتسامة مليئة بالمرارة وقال :
" أتعرفين ماذا فعلت بى أختك ! لقد أصبحت لا أثق فى نفسى مع أية امراة أخرى . لقد كانت جنيفيف تطاردنى بمكالماتها طوال الوقت . كنت فى البداية أرفضها لأننى كنت احب ستيلا , أما بعد ذلك فقد أصبحت لا أثق اننى قادر على حب أية امراة . لقد جعلتنى ستيلا أفقد ثقتى فى نفسى كرجل .. !
وفجأة تنحنح وكأن الكلمات ترفض الخروج من فمه ..
" لعلك تتعجبين لماذا تركتك الليلة الماضية وذهبت لغرفتى رغم أن كل ذرة فى كانت ترغبك , ولعلك تتعجبين أيضا لما حدث منى يوم أن جرحت يدى . إن هذا ما فعلته بى ستيلا أختك ...
لم تصدق مينرفا أذنيها . هذا الرجل الذى بدا لها لأول مرة رأته فيها على حصانه تحت المطر كأحد آلهة الأغريق لا يمكن أن يكون هكذا .. عاجزا , هل يا ترى يحاول خداعها والإيقاع بها ؟ ولكنها تساءلت بصوت يكاد يكون آليا :
ولكنك كنت مع جنيفيف عندما انتحرت ستيلا ؟
نعم ولكنى لم أكن أعرف أنها فى منزل والديها . لقد دعانى والدها لقضاء نهاية الأسبوع معه وعندما ذهبت لم تكن هناك بل أتت فى منتصف السبت ولم يحدث بيننا أى شئ . أقسم لك ... ثم مستدركا :
" ولكن لماذا أقسم ؟ لابد أن تعتبريننى مسئولا عن وفاة ستيلا . لست مسئولا عن ذلك "
شعرت مينرفا برغبة فى الصراخ . من تصدق ؟ جوليان أم نيك ؟ هل تصدق انه برئ أم تصدق جوليان التى أبدت تعاطفا مع ستيلا ؟ ولكن جوليان لم تكن تعرف شيئا بالطبع عن مشكلة ستيلا الخاصة مع نيك .
نظرت إليه وقد وضع رأسه بين كفيه أخذ ينظر للأرض , شعرت نحوه بشعور جديد , شعور الحب ممزوجا بالشفقة وتمنت لو تأخذه بين ذراعيها كطفل صغير , ولكنه لم يكن كذلك . لم يكن طفلا بل رجلا قويا مر بتجربة أثرت على كبريائه وجعلته أكثر خطورة وحدة .منتديات ليلاس
قال وهو ينظر إليها بعينين مليئتين بالسخرية والرغبة فى آن واحد :
" ربما تكونين مثل أختك "
فأجاها قوله ولم تفهم ماذا يعنى فواصل وهو يبتسم بمرارة :
" ربما تستمتعين مثلها بتعذيب من تحبين . نعم أعتقد أنك كذلك . قولى لى كم رجلا عرفت ؟ "
فقالت وهى تحاول ألا تجعله ينقلب عليها ويحملها تبعة شئ ليست مسئولة عنه :
" ليس هذا من شأنك "
فقال وقد ملأ التحدى صوته وبدا عليه أنه بدأ يفقد هدوءه وصبره أيضا :
" ولم تكن علاقتى بجنيفيف من شأنك أيضا , لكنى أخبرتك بها . أنت مثل أختك تعطين لنفسك حقوقا تخفينها عن الأخرين "
فقالت مدافعة عن نفسها وعن أختها :
" لسنا كذلك . أنت لا تعرف شيئا عنى . وستيلا كانت تكره الصدام والشجار منذ صغرها , لذلك فضلت الانتحار على المواجهة "
" آه نعم "
قال ذلك بلهجة أقرب إلى الامتعاض ثم قام واتجه نحو المكتب وهو يقول لها بلهجة أقرب إلى الطرد :
" على أى حال لم يعد شئ من هذا الأمر يهمنى على الإطلاق "
تركها وحيدة لا تعرف ماذا تفعل . كانت تشعر بمشاعر متضاربة , حبها لها وعطفها عليه وغضبها منه , وحزنها على ستيلا ورغبتها فى الدفاع عن نفسها وعن أختها الميتة وهى فى قمة التعاسة جلست على الأريكة وحدها لا تعرف ماذا تفعل وبقيت كذلك حتى بزغ الفجر .
صعدت مينرفا لحجرتها مع الفجر وبدأت تجمع أشياءها فى هدوء , لقد قررت الرحيل أما نيك فلم يغادر مكتبه طوال الليل . حملت حقيبتها الصغيرة وتسللت من الباب الخلفى الى الجراج حيث سيارة روث الصغيرة التى استعارتها منها لرحلتها للشمال .
أدرات محرك السيارة وانطلقت بها فى طريق أوكلاند . كان الطريق موحشا ومخيفا ولكن أصوات الطيور المبكرة وتغير لون السماء من الأسود الكاحل إلى الفضى جعلها تشعر ببعض الامان . عندما وصلت لمنزل والدها كان الصباح قد ملأ الدنيا بنوره وكانت الساعة تجاوزت السادسة بقليل .
فتحت مينرفا الباب الأمامى بمفتاحها ودخلت الصالة لتجد روث واقفة تتحدث فى التليفون وما أن راتها حتى بدا عليها الاندهاش ووضعت يدها على المرسل وقالت :
" صباح الخير يا حبيبتى . إنه نيك يريد التحدث إليك "
فأجابت مينرفا بصوت متعب :
" لا أريد التحدث إليه "
فتساءلت روث في إشفاق :
" لماذا يا عزيزتى ؟ "
" فقط لا اريد "
أخذت عينا روث تتفحصان وجهها كانت مينرفا تعرف أنه ملئ بالدوائر السوداء وعلامات الأرق والإرهاق , علامات لم يكن فى وسعها إخفاؤها . قالت زوجة أبيها بسرعة :
" حسن , سأخبره أنك وصلت بسلامة "
وضعت مينرفا حقيبتها على الأرض وهى تشعر براحة شديدة بنيما يلاصق ظهرها الأرضية الصلبة واستمعت لروث وهى تقول لنيك فى التليفون فى صوتها الدافئ الملئ بالعاطفة :
" نعم لقد وصلت .. لا براين ذهب للعمل ... حسن "
قامت مينرفا وذهبت ببطء لغرفتها , عندما طرقت روث الباب كانت جالسة على المقعد المجاور لنافذة ممسكة بخطاب ستيلا . ناولته لروث عندما دخلت وقالت بصوت يائس :
" لقد وصل هذا بالامس "
بمجرد أن تعرفت روث على خط ابنتها تحول لون وجهها للشحوب وتهاوت على أقرب مقعد . نظرت لمينرفا بذعر وكأنها رأت شبحا أمامها وقالت بصوت يشبه الهمس :
" ماذا تقول فى الخطاب ؟ "
" من الأفضل أن تقرأيه بنفسك " .
أخذت تتنفس بهدوء وعمق بنيما أخذت روث تقرأ الخطاب بعينين متحجرتين . ولكنها أصيبت بصدمة عندما سمعت زوجة أبيها الطيبة تسب وتلعن وقد بدت الكلمة التى قالتها أكثر قبحا مع صوتها الرقيق الهادئ .
" روث ! "
" آه يارب . يا لتنى كنت قتلته "
قالت ذلك بصوت كأنه متحجر وقد نظرت فى اتجاه مستقيم كأنما تنظر لشئ حدث فى الماضى تراه الآن امام عينيها .
سألت مينرفا بقوة :
" ماذا فعل ؟ "
وعندما لم تجب روث سألت بإلحاح أكثر :
" ماذا فعل نيك يا روث ؟ ماذا فعل ؟ "
نظرت إليها روث وقد تبدل الغضب والحقد اللذان كانا فى عينيها إلى اندهاش تام .
" نيك ؟ عم تتحدثين ؟ نيك لم يفعل شيئا على الاطلاق إنه أبوها "
وفجأة بدا كل شئ واضحا أمام مينرفا , عقدة ستيلا , خوفها الدائم وانسحابها , عدم قدرتها على أن تكون زوجة لنيك , حتى لتلك المسحة الطفولية التى استمرت بها طوال عمرها , كل هذا بدا واضحا أمام مينرفا التى همست بصوت يملؤه التقزز :
" أبوها ؟ "
ملأت الدموع عينى زوجة أبيها التى قالت بصوت محطم :
" نعم . ولذلك طلقته . لقد أخذ ذلك يحدث لعام قبل أن أكتشفه أنا "
" آه يا ربى "
" نعم , ستيلا المسكينة , كانت لا تزال طفلة وهو ... وهو .. "
وتحول بكاء روث الى نحيب حاد أخذت أنفاسها تتلاحق معه وكأنها تشهق بعد أن خرجت من الماء . تكلمت مينرفا لتملأ الصمت الذى لا يطاق , شعرت أن عليها أن تقول شيئا أى شئ لتشغل ذهن روث , لكن كل ما استطاعته هو أنها أخذت تردد :
" والدها ؟ والدها ؟ أيصدق هذا ؟ والدها ؟ "
امتدت يد روث لمنديلها الصغير وهى تقول :
" نعم والدها "
تحركت مينرفا نحو روث وجلست على ركبتيها أمامها وأخذت يديها المرتعشتين بين يديها وهى تقول :
" روث , يا له من أمر فظيع بالنسبة لك , ولستيلا المسكينة , ستيلا المسكينة "
بدأت روث تبكى ثانية واحتضنتها مينرفا بشدة وقد أخذت تحملق بلا وعى فى الغرفة حولهما . قالت روث وقد تهدج صوتها من الحزن :
" لقد قالت إنها بخير , لقد بدت بخير ولكنها كانت تعسة طوال الوقت طفلتى المسكينة "
طالت لحظات الحزن بينهما وهما امرأتان جمعهما الحزن على فقيد غال يشعران نحوه بالذنب , لكن مينرفا قالت وهى تختار كلماتها بحذر:
" يجب ان تخبرى نيك , فمن حقه أن يعرف "
لكنها شعرت بتراجع روث حتى قبل أن تتكلم " لا , لا يمكننى , لا يمكننى , سيلقى على اللوم "
" ولماذا يلومك أنت ؟ "
فقالت وهى تمسح عينيها بمنديلها الوردى :
" كان يجب على ان ألاحظ , فقط لو كنت أما أفضل ... "
أخذت مينرفا تهز روث برقة وهى تنظر إليها بعمق :

" لا تقولى ذلك . لقد كنت أما رائعة , لست مسئولة عما فعله إنسان حقير . هل استمر زواجكما بعد أن عرفت ؟"
عكس وجه روث رفضها القاطع فقالت بحزم :
" لا . لقد ذهبت للشرطة . لقد أمضى عدة سنوات فى السجن ومات هناك , ولكننى طلقته قبل ذلك بوقت طويل "
" إذن لماذا يلومك أى شخص ؟ "
فهزت المرأة رأسها وقالت وكأنما تؤنب نفسها :
" كان على أن اجعلها تتلقى علاجا ما لكن فى ذلك الوقت لم تكن تلك الأشياء منتشرة , وعلى أى حال لقد أخبرنى الطبيب الذى استشرته أنها ستتجاوز تلك المحنة . ولكن بعد ذلك علمنا بالأضرار النفسية لتلك الأمور اقترحت عليها ان ترى طبيبا لكنها ضحكت منى وقالت إنها ليست فى حاجة لمنوم مغناطيسى "
فقالت مينرفا مضحية بذكرى ستيلا فى سبيل مساعدة روث الآن :
" لقد كانت فى السادسة والعشرين , وناضجة بما فيه الكفاية لكي تتحكم فى حياتها كما شاءت . حتى لو لم يكن لديها القدرة على إخبار نيك . كان يمكنها أن تحاول مساعدة نفسها بتلقى مساعدة من متخصص او شئ ما قبل أن تتزوجه . أعرف اننى قاسية , ولكن لأنها لم تستطع أن تفعل ذلك فقد جعلت من نيك ضحية لأبيها قاتلها . إن من حقه أن يعرف . من واجبك إخباره
عضت روث شفتيها لكنها أومأت برأسها موافقة وقالت بتصميم :
" نعم إنك محقة . يجب أن أخبره "
نظرت مينرفا للتليفون نظرة ذات دلالة وكأنما تحث روث على الاتصال به , فى حين بدت روث مترددة وتمتمت فى صوت غير واضح :
" لكن .. " ثم قالت وكأنها غريق وجد حبل النجاة :
" هل يمكننى أن أصنع لنفسى كوبا من الشائ أولا ؟ "
" سأعده لك أنا " . قالت مينرفا ذلك واحتضنتها ثم قالت بتأكيد :
" لم تكن غلطتك يا روث , لم تكن تريدك أن تلومى نفسك لو كانت حية , تعرفين ذلك "
" لقد تخليت عنها "
قالت مينرفا وهى تبعد ذراعيها عنها :
" لا لم تفعلى "
ثم أخذت المرأتان تتجهان صوب المطبخ , وبعد أن شربت روث الشاى كان من الواضح انها ليست لديها القدرة على الاتصال بنيك أو إخباره أى شئ . فقد أصابتها إحدى نوبات الصداع وكل ما استطاعت مينرفا ان تفعله هو ان تصعد بها لغرفتها وتبقى معها حتى ذهبت فى سبات عميق .
سارت مينرفا للشرفة الأرضية المفتوحة على الحديقة . كان جو الربيع يملأ المكان حولها برائحته وألوانه الزاهية . أخذت تفكر كيف تساعد روث وتقنعها بالاتصال بنيك , وكيف سيكون رد فعله هو عندما يعرف الحقيقة . تذكرت مينرفا وهى تتجول فى الحديقة ستيلا والسنين التى قضياها سويا ولعبتا فيها فى هذه الحديقة الجميلة .
لأول مرة لم تكن مينرفا قادرة على الاستمتاع بالحديقة الجميلة التى شهدت أحلى لحظات طفولتها مع ستيلا المسكينة . لقد تلقت صدمات كثيرة فى الأيام الاخيرة . بعضها خاصة بها و الآخر بستيلا . ولكن عندما أخبرها نيك عن ستيلا كان واضحا أنه لم يتجاوز بعد محنته مع زوجته التى أحبها وكرهها فى آن واحد , لذلك فلا يهم شعورها نحوه على الإطلاق . وحتى يتجاوز ستيلا لم يكن لديه ما يعطيه لها أو لأية امرأة أخرى .
كان نيك كل ما تتمناه أية امراة , عطوف وجذاب وحنون ولكنه مسكين لقد أقفرت رجولته مع ستيلا وهى التى عليها أن تعانى من ذلك الآن .
كان عليه أن يتخلص من ذكرى زواجه المؤلمة قبل ان يدخل فى أية علاقة جديدة . لقد أصبح سجينا لذكرياته .
شعرت مينرفا برعشة خفيفة مع هبوب نسمات باردة فوضعت ذراعيها حول جسدها وقد ثبتت عينيها على الزهور التى بدأت تتفتح فى الحديقة حتى بدأت تشعر ببطء ولكن بيقين أنها لم تكن وحدها .

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 05-05-09, 02:53 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل السادس
لم تكن مفاجأة أن ترى نيك بجسده الضخم واقفا بجانبها دون حراك . سألت بجفاف :
" كيف جئت هنا ؟ "
فقال بصوت لا ينم عن شئ سوى الحياد والتهذيب :
" لقد جئت بالطائرة لماذا ذهبتى هكذا ؟ لم تكون فى حاجة للهروب "
لم تكن مينرفا مستعدة لتجيب أى تساؤلات , نظرت إلى ستائر حجرة روث فكانت لا تزال مغلقة فقالت دون تردد :
" أعرف لماذا لم تمارس ستيلا معك الحب "
" لماذا ؟ "
ارتجف فمها لكنها أخذت نفسا عميقا مشبعا برائحة الورود ثم أبعدت عينيها عنه وهى تحكى له . وبعد أن أنتهت وقف الصمت حائلا بنيهما لفترة ثم أخذ يسب ويلعن الرجل الذى كان سببا مباشرا فى تحطيم حياة ستيلا وتنغيص حياته .
كانت مينرفا تتمنى لو تساعده ليجتاز حزنه ولكن كان عليها أن تجتاز حزنها هى , أن تتجاوز موت ستيلا المفجع الذى سيبقى حائلا منيعا بينها وبين نيك إلى الأبد . حتى لو حدث ما هو مستبعد واحبها نيك فإنها لن تبنى سعادتها أبدا على ذكرى ستيلا المؤلمة .
فقالت ببطء :
" أنا آسفة لك ولستيلا أكثر من الجميع "
" كيف عرفتى ؟ "
وبطريقة آلية وهى تتجنب النظر لعينيه حكت له عن الخطاب وعما قالته لها روث.
" أين روث الآن ؟ كيف حالها ؟ "
" محطمة تماما "
فقال بصوت متهدج :
" لماذا لم تخبرنى ستيلا بحق الله ؟ لا يمكن أن تكون تصورت أننى سألقى عليها اللوم "
" لست أعرف ... " ترددت مينرفا ثم واصلت :
" أعتقد أننى أعرف لماذا تصرفت هكذا . لقد كانت ستيلا تريد كل شئ لدرجة الكمال , كانت تكره عدم النظام والفوضى . كل الرجال الذين مارست معهم الحب لم يكونوا مهمين لها بل مجرد علاقات عابرة ., أما أنت فقد كانت تحبك بحق لذلك لم تستطع أن .. كانت تريد أن تكون علاقتكما كاملة وسليمة ... "
ثم ابتلعت ريقها وقد تحجرت الكلمات إلا أنها واصلت :
" وقد كانت تحب والدها أيضا .. "
فقال والاستهزاء يملأ صوته :
" هل تريدين أن تقولى أنها كانت مشوشة الذهن بينى وبين والدها وأنها ... لا هذا سخف "
" لا , ما أعنيه هو ارتباط الحب بالألم فى ذهنها لدرجة أصبحت غير قادرة فيها على التفريق بينهما "
فقال بإختصار :
" لا , إنك مخطئة "
ولكن كلماتها كانت فى الصميم , لم يكن لديها ما تقوله غير ذلك لتقلل ذلك التعبير بالقرف الذى ارتسم على وجهه . فقال فجأة وكأن الكلمات قد ثقلت على لسانه :
" أنا آسف , ربما تكونين على صواب . ما تقولينه منطقى ويبدو واضحا للغاية الآن , ولكن وقتها لم يبد الامر كذلك على الاطلاق حتى فى الأوقات التى كدت أفقد فيها صوابى وانا أفكر ماذا هنالك . عندما قلت لها بأننى لم أعد مهتما لابد أن ذلك كان خيانة لها , طعنة اخيرة ولم تستطع أن تفكر فى شئ سوى ابتلاع تلك الحبوب اللعينة "
شعرت مينرفا بأن قلبها يتألم بالتعاطف معه والحزن على ستيلا ولكنها قالت بسرعة لأن التفكير فيما ستقول كان مؤلما :
" لقد كان هناك شئ آخر . لقد أخبرتنى جوليان أنها رأت ستيلا تبكى فى سيارتها قبل أن تموت بعدة أيام بعد أن عادت من عند الطبيب "
قال نيك بصوت ميت :
" لقد أخبرها بانها لا يمكن أن تنجب اطفالا "

فقالت بمرارة :



" كان ذلك سيوفر كثيرا من القيل والقال لو أنك أعلنت ذلك فى التحقيق , كانت روث ستفهم ذلك وتتأقلم معه بدلا من تأنيب نفسها هكذا "




فقطب ثم قال :



" لقد كان ذلك من شأن ستيلا وحدها ولم يكن من حق اى شخص أن يعرف . بجانب أن روث كانت تعرف ذلك "




أخذت مينرفا نفسا عميقا بعد أن فهمت أخيرا كل شئ . كل هذه المدة كانت تعتقد أن روث تعيش فى عذاب لأنها لم تكن تعرف لماذا انتحرت ابنتها , وكل هذه المدة كانت روث تلوم نفسها لأنها لم تلحظ أن ابنتها فى حاجة لمساعدتها , وربما أيضا لأنها لم تمنع الاعتداء عليها منذ عدة سنوات .




استرقت مينرفا نظرة سريعة لنيك , كان وجهه حادا وكأنه قد من صخر , ملامحه متصلبة وبدا فجأة وكأن عمره قد زاد فقد بدت الخطوط واضحة حول فمه وعينيه . بهدوء شديد قالت :



" نيك , لقد أحبتك ستيلا , لا تعتقد أبدا أنها لم تفعل "




" ولكنها للأسف لم تحبنى بالقدر الكافى الذى يجعلها تحصل على المساعدة اللازمة لإنقاذ زواجنا "




لم يكن هناك رد فعل على ما قاله , وقد بدأ تعاطفها يتحول ليأس إلا أنه كان عليها أن تبقى هادئة , فهذه هى الطريقة الوحيدة التى يمكنها أن تساعده بها .




" لقد كنا مختلفين أنا وهى , ومع ذلك فقد تحابينا كثيرا واعتدت أنا أن ارعاها . لا أستطيع أن أصفها بشئ سوى أنها كانت هشة , نعم هشة . أعتقد أنها كانت تشعر بالقهر . ليس عليك لوم ولا على روث , وكذلك ستيلا لا يمكن لومها , آه كم كنت أتمنى لو قتلت أباها ذلك "




فقال دون أن ينظر إليها :



" للأسف , لا يمكنك ذلك الآن "




شعرت مينرفا وكأن دمها قد برد فى عروقها , فقد رأت فى نيك للحظة ما رجلا يمكنه أن يقتل . لو كان والد ستيلا حيا لقتله نيك بسرعة وبلادة كما لو كان يقتل كلبا مجنونا . قال بصوت مرن :



" فى الوقت الحالى لدينا مشكلة أخرى أكثر إلحاحا . إن ما حدث بالأمس يجب أن نتحدث عنه "




عندما غادرت القلعة الأسبانية ووصلت للمنزل لم يكن لديها الذهن أو الوقت لكي تفكر فى موضوعها هى معه فقالت :



" لا أدرى "




وضع يديه على كتفيها فارتعدت قليلا لكنها بقيت ساكنة ووقفت فى تحفز , لكي تظهر له أنها ليست مستثارة أو منجذبة له . أما هو فقد بدا كتمثال منحوت من الصلب بملامحه المنحوتة والحادة وقد حولت أشعة الشمس شعره إلى اللون الذهبي , لكن عينيه كانتا كالزجاج اللامع , قويتين وخاليتين من أى دفء . قال بصوت آلى :



" كنت أتمنى لو كان لى طفل , لكنى لا أعتقد أننى سأتزوج ثانية أبدا , ليس لى القدرة على إيلام أية امرأة أخرى أو تحمل الألم من أية امرأة أخرى "

منتديات ليلاس


لقد آذتها كلماته أكثر مما تصورت , إنها ألم بالنسبة له ويرى فى نفسه ألما لأية امرأة أخرى . نظر إليها وابتسم ابتسامة مجاملة ثم أنزل يديه من على كتفها ومشى ... مشى خارج حياتها للأبد .

رحلت مينرفا إلى عالمها الجديد فى بريطانيا متأخرة عن موعدها أسبوعا فقد اضطرت أن تلازم روث فى موقفها الذى استمر أسبوعا , فقد كانت قد انهارت تماما بعد أن أخبرت براين زوجها أمر ستيلا , لقد بدا عليها فى ذلك الأسبوع أنها ستصاب بذلك الانهيار العصبى الذى كانت بوادره تبدو عليها لفترة طويلة , على أى حال لقد أقنعت نفسها أنها بخير , وقد استلزم ذلك جهدا من جانب مينرفا ووالدها ليقنعاها برؤية طبيب يساعدها فى محنتها .
لقد كان أبوها من أقنعها بأن ترحل وتبحث عن مستقبلها , لقد قال لها أنها أمضت وقتا طويلا من عمرها لتساعد الأخرين لتجاوز آلامهم وإحباطاتهم وأن عليها أن تبحث عن مستقبلها الآن ,. قال لها فى إحدى الليالى :
" إن روث حقيقة تحتاج للعون , وكذلك ستيلا . أما أنت فمستقلة وشخصيتك قوية ولكن عليك أن تعيشي حياتك وحدك من الآن فصاعدا "
" إذن كنت تعتقد أن روث لم تعد بحاجة إلى ... "
لكن والدها ربت يدها وقال مقاطعا :
" بل تحتاج إليك وأنا كذلك , لكن عليك أن تذهبى و تشعرى بشبابك "
فقالت مندهشة :
" وكيف عرفت أننى أشعر بأننى عجوز لدرجة أننى ربما لن أتمكن من الضحك ثانية ".

فقال بهدوء :
" أنا أعرفك , ما مدة تعاقدك ؟ "
" فقط لعام واحد "
" فلتعودى إذن "
فأومأت برأسها وقالت :
" حسن , سأعود "
وقد عادت بالفعل فى نهاية نوفمبر , كل من كتب لها – أبوها وروث وزميلاتها القدامى الذين أبقت على علاقتها معهم – حكوا لها عن الربيع الرائع الذى تتمتع به نيوزيلندا وقد رأت بعينيها بالفعل من نافذة الطائرة الغطاء الأخضر العظيم الذى بدا لها من ذلك العلو الشاهق وكأنه مفرش جميل على إحدى موائد الطعام الفاخرة , وهى تنظر من نافذة الطائرة تخيلت كما لو كانت ترى القلعة الأسبانية .
كان ذلك سخيفا فقد امتلأت نيوزيلندا بالأبنية الحجرية , كما أنها لم تعرف شيئا من أخباره سوى ما ذكرته عنه روث فى خطاباتها وكان ذلك قليلا وعابرا . لقد كتبت له خطابا رسميا وانتظرت الرد عليه فى حرقة مخجلة وقد جاءها الرد مختصرا ورسميا أيضا متمنيا لها السعادة ووقعه بالمخلص نيك .
لقد آلمها ذلك كما آلمها رفضه الأول لها . أخرجتها المرأة التى كانت فى المقعد المجاور لها من أفكارها وقد تبادلت الكلمات والأحاديث العابرة طوال الرحلة :
" هل هناك من ينتظرك فى المطار ؟ "
"آه نعم . أبى وزوجته التى تعتقد أن كل من يأتى من السفر يجب استقباله فى المطار وإلا يشعر بحرج عميق .... "
فابتسمت المرأة بينما عاودت هى النظر من النافذة . بعد شهرين من رحلتها بدأت خطابات روث تصبح أكثر بهجة لدرجة أن مينرفا لم تعد بحاجة لتأكيدات والدها على تحسن روث ، حتى عندما اختير كين ابن روث ليمضى عاما فى أمريكا فى منحة تبادل طلابى لم تتأثر معنويات روث لذلك بل على العكس سعدت به .
بعد عشرين دقيقة هبطت الطائرة فى مطار مانجر ولأول مرة منذ سنوات شعرت مينرفا بأنها هائمة بالأهل والأصدقاء . كانت عيناها تلمع بالفرحة وهى تضحك وتعانق روث ووالدها وذرفت روث دموع الفرح ثم انطلقوا جميعا للمنزل .
لم تكن قد حددت ماذا ستفهل بعد فى الأسبوع التالى ، كان الجو فى أحسن حالاته وقد نشط البيت فى محاولة من الجميع لابداء الترحيب بها .
نامت مينرفا قليلا ثم ذهبت للعشاء الذى أعدته صديقاتها وزميلاتها القدامى . لقد جعلها الاحتفال الذى شارك فيه أصدقاؤها ووالداها تشعر بسعادة غامرة أنستها عناء الغربة والعمل ، واستمعت لثرثرة عن أناس تعرفهم وآخرين لا تعرفهم ، ولكنها لم تسمع شيئا من نيك .
لم يذكره أحد على الاطلاق . وعندما مرت الأيام دون أن يتفوه أحد باسمه بدات تتساءل إذا كان ذلك متعمدا . وفى النهاية سألت وكأنها تتذكره تذكرا عابرا :
" كيف نيك ؟ أم أنكم لا ترونه الآن نهائيا ؟ "
فقالت روث :
" نيك , آه نعم . إنه بخير " ثم غيرت الموضوع قائلة :
" عزيزتى كم تنوين البقاء هذه المرة ؟ ألا ترين أن الوقت حان لتستقرى مع رجل لطيف وتعطينى أحفادا "
فقالت مينرفا وهى تغلق عينيها وتتخيل أشياء خاصة :
" أعتقد أننى سأمنح نفسى أجازة .. " ثم ربما أذهب أنثار كتك فى الشتاء فأنا لم أره أبدا "
وعندما ذهبت زوجة أبيها لتعد الغداء جلست مينرفا تحت شجرة الجاكا راندا وهى تتساءل عن سبب عزوفها عن الزواج . لقد كانت لا تزال تحب نيك ولكنها تعرف ان هناك الكثير يقف حائلا بينها وبينه .
ربما كان عليها أن تبقى وحيدة , قدرها كذلك على أى حال فإن وضعها هذا له مميزات كثيرة , فحياتها فى منتصفها تماما تتحكم فيها كما تشاء , أينما تشاء . تستطيع أن تفتح مطعمها الخاص وتكون سمعة رائعة وتحقق دخلا كبيرا أما فكرة الزواج فليس لها البريق نفسه الذى لدى معظم الفتيات فى عمرها . ولكنها شعرت بالدموع تبلل رموشها , إنها ترواغ نفسها فهى تحب نيك ..
عدة ليال بعد ذلك كانت مينرفا مدعوة مع أبيها وروث لحضور استقبال مهم فى أحد الفنادق الضخمة .

كانت قد أمضت يومين مع إحدى صديقاتها فى إحدى جزر أوكلاند وقد عادت بعد ذهاب والديها . لكنها قررت أن تذهب لأن الموعد كان مهما جدا لوالدها . كان بخصوص تصدير فاكهة الكيوى التى كان والدها من كبار مصدريها , لذلك فقد استمتعت وارتدت فستانا أنيقا واستقلت سيارة أجرة للفندق . ولدهشتها فقد استمتعت مينرفا بوقتها , قابلت نوعيات مختلفة من البشر , واخذت تهمس لروث عن رأيها فى الطعام المقدم كما أخذت روث تهمس لها عن رأيها فى أثواب النساء اللاتى حضرن الاستقبال . وعندما ذهبت لتعدل من مكياجها فوجئت بالرجل الطويل الواقف فى بهو الفندق بشعره العسلى يتحدث لامرأة .
شعرت مينرفا بمقدمتها تسقط لقد كان نيك , ومعه جنيفيف . ولكن بعد النظرة الأولى نسيت وجودها تماما وأخذت تحملق فيه بشغف . لم يكن واقفا فى مواجهتها , كل ما استطاعت رؤيته هو جانب وجهه فحسب , ومع ذلك فقد لاحظت أن تحكمه الكامل فى نفسه وثقته التامة لم تتغير بعد مرور أكثر من عام .
تجمدت عندما استدار ونظر إليها فى خط مستقيم , وقد صنعت الأضواء الخافتة للبهو ظلا خفيفا على وجهه جعله يبدو وكأنه حلم وليس حقيقة , لم ترفع هى عينيها من على وجهه بل بقيت ساكنة كما هى .
ثم قالت له جنيفيف شيئا ما فنظر بعيدا عنها وابتسم لها . وعندما غمغم شخص ما وراءها " عن اذنك " , بدأت تشعر بما حولها ثانية بعد أن استغرقت تماما فى نيك بيفريل لدقيقتين نسيت فيهما العالم .
ثم عادت إلى حيث تركت أباها وزوجته . كان هناك أكثر من خمسمائة مدعو فى الحفل ولكنها أبقت عينيها مسلطة على باب القاعة حتى وصل نيك ومعه جنيفيف . كانت تعلم أن هناك كثيرات أجمل منها واكثر أناقة فى هذا المكان الفاخر ولكن قوة المصادفة جعلتها تنسى ما حولها تماما وتتخيل أنه لو رآها سينسى هو الآخر كل ما حوله . كانت تشعر بشخصيته داخلها وكأنه وهى شخص واحد رغم وجودها وسط هذا الزحام الذى لايعرف فيه الناس بعضهم , لكنه رآها وتظاهرت بانها لم تلاحظ حتى اتى من خلفها وقال بصوته الهادئ :
" مينرفا "
شعرت وكأنها حيوان أطلق سراحه وتمنت لو ركضت بأقصى سرعتها .استدارت بكبرياء ونظرت إليه . عيناه الرماديتان الهادئتان , صافيتان كالزجاج . لم يكن مبتسما ولم تكن مبتسمة ولم تكن هناك لمحة من عاطفة فى وجهه , أو حتى أى تعبير . لم يكن من السهل تذكر هذا الرجل وقد احتواها فى ليلة ما بين ذراعيه وطبع شفتيه على شفتيها .
قالت بهدوء : " نيك " كاد صوتها يتحشرج لو لم تبذل مجهودا لتبقيه هادئا : " كيف حالك ؟ "
" أنا بخير وأنت ؟ "
لقد ملأ بجسده الفارع نظرها ببدلته السوداء وقميصه الناصع البياض , كانت تعرف انها مهما طال بها الزمن حتى تصبح امرأة عجوز ستظل تشعر بجاذبيته الطاغية تخترقها كلما نظرت إليه . ولكنها لن تدعه يرى ذلك فأجابت :
" أنا بخير , لم أكن أعرف أنك مهتم بفاكهة الكيوي "
فقال بجفاف :
" إننى أعمل فى التصدير أحيانا لحساب آخرين أشترى منتجات مزارعهم وأقوم انا بتسويقها "
أومأت برأسها متظاهرة بان ما قاله كان له معنى , أى كلمات لا تهم ولن يكون لها معنى .
وفاجأها صوت جنيفيف الساخر آتيا من وراء نيك :
" نيك , آه ميراندا , أليس كذلك ؟"
نظرت جنيفيف لمينرفا نظرة لا تحتاج لعناء لكى تفسر , إبق بعيدا عنه كانت النظرة واضحة وصريحة لقد شط ذهنها , فردت نظرتها بنظرة مماثلة وقالت :
" اسمى مينرفا مرحبا , كيف حالك ؟"
بدت جنيفيف مأخوذة قليلا ولكنها أجابت بسرعة . ثم قالت مينرفا :
" يجب أن أذهب فلابد أن روث تبحث عنى الآن "
فقال نيك ببساطة ولم يلاحظ توترها :
" سنأتى معك فانا لم أر روث أو براين منذ فترة طويلة "

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 05-05-09, 02:55 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

حيت روث الجميع بطريقتها الودودة المعروفة ووقفوا يتحدثون لعدة دقائق . كانت جنيفيف تعرف والدها وروث جيدا وشعرت مينرفا بالسخرية لانها هى التى كانت الغريبة بينهم . سألتها جنيفيف فى معبر الحديث :
" وماذا تفعلين الآن بعد العودة يا مينرفا ؟ " , طرحت سؤالها بطريقة أغاظت مينرفا لكنها أجابت :
" إننى فى عطلة الآن "
ابتسم والدها قائلا :
" مينرفا لا تستطيع البقاء فى مكان واحد طويلا , سرعان ما تسافر ثانية "
لكنها نظرت اليه وقالت :
" إنها مؤامرة من والدى ليزيد من صادرات نيوزيلندا , فأنا استخدم الكثير من منتجاتنا عندما أطهو "
وقالت روث بفخر :
" لقد عملت مينرفا مع أناس من طبقات عالية للغاية "
فقالت جنيفيف بلهجة ناعمة بدت لمينرفا كالثعبان :
" لابد أن لديك حكايات كثيرة عمن تعملين لديهم "
فقالت مينرفا وهى تبتسم ابتسامة مقصودة :
" أنا أعمل فقط لدى أناس يهتمون بتناول طعام جيدا , لكننى لا أختلط بهم فأنا أعرف حدودى جيدا "
فقالت جنيفيف وقد شعرت بالإحراج لانها لم تتوقع إجابة كهذه :
" آه , أنا لا أقصد ..."
فنظرت مينرفا نظرة باردة لتضيق الخناق عليها أكثر فقالت :
" لم أقصد أن أوجه لك إهانة "
فقالت مينرفا مبتسمة :
" أعرف , ليس من عادتى أن أغضب بسهولة فقد تعودت أن أقابل كل الشخصيات "
صفعة جديدة لكن روث أسرعت بمعالجة الموقف بتغيير الموضوع . أما مينرفا فقد شعرت براحة لأنها وضعت تلك المرأة فى حدودها قبل أن تتمادى فى سخافتها . كان نيك يستمع باهتمام لروث , ثم نظر لمينرفا بعينين نصف مغلقتين بينما زم شفتيه تماما . كان عليه ان يعلم " لعبته " الصغيرة بعض السلوك حتى لا تتعرض للكسر !!
لقد قال لها أنه يود طفلا ربما هذا سبب علاقته بجنيفيف , وهى أيضا تود طفلا ولكن منه هو وليس من أى رجل أخر . لحسن حظها ذهب هو وجنيفيف سريعا وقد ابتسمت روث بعد أن ذهب قائلة :
" سيكون من الرائع لو تزوجا "
فتساءلت مينرفا دون ان تحاول أن تكتم امتعاضها :
" هل تعتقدين أنها الزوجة المناسبة له "
فبدا على روث التردد قليلا ثم قالت :
" مثلها مثل غيرها . أعتقد أننى لن أحقد على أى امرأة سيتزوجها نيك . أصارحك يا حبيبتى بأنه قد أتى على وقت حقدت عليك شخصيا لأنك حية وستيلا ماتت , هذا شر وجنون منى أعلم ذلك ولكن الان من حقه أن يعيش فليس أول رجل تموت زوجته وهو لا يزال شابا أنه بحاجة لشابة تقف بجانبه ولا تمانع حبه للبقاء فى القلعة الأسبانية . لقد كانت ستيلا تكره غيابه الطويل فى المزرعة ولم تكن على حق فى ذلك "
فقالت مينرفا رغم انها رأت أن تغيير الموضوع سيكون أفضل :
" إنهما متناسبان " . قالت ذلك وهى تأمل أن روث ستنكر ذلك لكن المرأة قالت :
" نعم هما كذلك كما ان خط حياتهما واحد "
آه بالتأكيد إن نيك تجاوز عقدته واًصبح طبيعيا الان وعلى اى حال فجنيفيف تستحقه بعد كل هذا الانتظار , قالت ذلك لنفسها دون ان تواصل الحديث فى هذا الموضوع وكأنما لتقنع نفسها ان لقاءها به ليس سوى هدنة عابرة . انتهى الاستقبال عند منتصف الليل ولكن مينرفا قابلت مجموعة من أصدقائها فى طريقهم لملهى ليلى فقررت الذهاب معهم حتى تنسى نيك وأنه مع جنيفيف فى مكان ما الآن . لكنها لم تستغرق وقتا طويلا حتى عرفت أنها لن تستمتع بوقتها معهم .
كانت الموسيقى صاخبة للغاية والمكان مزدحم وبه بعض السكارى لذلك استقلت سيارة اجرة وعادت للمنزل . لم تكن لديها رغبة فى النوم فقد كانت صورة جنيفيف وهى تتأبط ذراع نيك تلح عليها , لذلك قررت أن تسبح قليلا فى حمام السباحة الذى فى حديقتهم , فقد كان الجو جميلا وبه لمسة دفء .
ارتدت روب الحمام واخذت منشفة طويلة على كتفها وهبطت للحمام , وهى تضع المنشفة وتخلع الروب الذى ارتدته فوق المايوه كادت تسقط فجأة عندما رأت نيك واقفا على بعد خطوات منها , لكنه أسرع إليها وأمسك بها كما أمسك بها ذلك اليوم على سلالم قلعته منذ عام مضى . قال بصوته العميق البطئ :
" مهلا , مهلا "
كاد قلبها يقفز من قلبها لكنها استعادت توازنها وقالت وهى تضع يدها على صدرها :
" لماذا لم تخبرنى بأنك هناك بدلا من أن تفزعنى هكذا ؟ "
" آسف " لم يبد عليه أى أسف حقا كما أنه لم يتركها من ذراعيه أيضا . كان قد خلع سترته للعشاء ورابطة العنق وشمر قميصه حتى ساعديه فبدا وكأنه احد العمال الزراعين الأقوياء بجسده الفارع .
" لقد وصلت لتوي "
تذكرت أنها لا ترتدى شيئا سوى المايوه فأسرعت للروب وارتدته وأحكمت حزامه حول وسطها , قال وهو يتركها من يديه :
" هل أنت بخير ؟"
فقالت وهى تبتعد عنه :
" نعم . ماذا تفعل هنا ؟"
فقال باستغراب :
" سأقضى الليلة هنا , ألم تخبرك روث ؟"
" لا , ربما لم تجد فرصة . لقد كنت فى رحلة اليومين الماضيين ولم أعرف "
فقال وقد لمعت أسنانه البيضاء :
" عادة ما أمضى الليلة هنا عندما أكون فى أوكلاند , كيف كانت وظيفتك الاخيرة ؟ "
" رائعة " قالت باقتضاب
" لابد أن تشعرين بالنفير فى درجة الحرارة "
كان يضحك منها فقد كانت تتصرف بغرابة وهى تبتعد عنه قليلا بقليل وكأنها خائفة أو مذعورة . لكنها قالت :
" نعم , بريطانيا أكثر برودة , هل جنفيف معك ؟ "
" لا , إنها مع والديها "
إذن ربما كانت جوليان قد بالغت قليلا فى أمر علاقة نيك بجنفيف منذ عام مضى , فهو لا يبقى معها فى بيتها فى وجود والديها ولكن ماذا يهمها على أى حال ؟ فواصل هو وكأنه يقرأ أفكارها:
" إننى أفضل البقاء مع عائلتى "

بدأت مينرفا تكره هذه الكلمة , كانت تكره فكرة أنها مجرد عضو فى عائلة , لكنه قال بصوت مؤدب وكأنه يجري محادثة مع شخص يتعرف عليه لأول مرة :
" كم ستبقين هنا هذه المرة ؟ "
فحاولت أن تتذكر خططها وقالت بترتيب :
" سأبقى حتى نهاية فبراير فى نيوزيلندا , ثم سأبقى لمدة مع بعض الأصدقاء فى سنترال أوتاجو بعد الكريسماس , لقد قررت تقريبا أن أبحث عن وظيفة فى أحد فنادق أنثار كيكا التى تعقد فيها المؤتمرات العلمية "
فقال وقد رفع حاجبيه :
" أنثار كيكا ؟ "
فقالت وهى تنظر إليه وقد آثارها شئ ما فى صوته :
" إننى طاهية , أتذكر ؟! "
فقال : "ولكن هل سيقبلونك ؟ أعنى فى الشتاء ستكون المرأة الجميلة عنصر تشويش للعلماء "
فقالت دون أن يبدو عليها التأثر بما قال بل بلهجة أقرب للغضب :
" لكننى لست جميلة ولن أؤثر على العلماء إذا كان هذا ما ترمى إليه "
فقال بتفهم بصوته الهادئ :
" لا , ليس هذا ما عنيته "
" على أى حال لا أحب المجاملات الرخيصة "
فقال وقد بدا عليه أنه يتسلى معها :
" ولماذا تصرين على أنك لست جذابة ؟ "
فقالت بعنف :
" لست جذابة , كما أن المجاملات الرخيصة إحدى خدع الرجال لكى يستدرجوا الفتاة للفراش "
كانا قد سارا نحو المنزل وبعد عبارتها الأخيرة شعرت بغباء ما قالته إلا أنه لم يكن هناك سبيل لتجنبه . لم يكن لديها القدرة على الركض حتى لو أرادت ذلك فسوف يلحق بها بساقيه الطويلتين قبل أن تبعد خطوتين .
فواصل هو :
" إن الجمال أنواع . كثير من الرجال سيروق لهم قوتك وتحكمك فى نفسك . كما أننى بحاجة لان أقول أن عينيك جميلتان وفمك المزموم يشكل تحديا جذابا "
فقالت بصوت هادئ :
" إنك مجامل للغاية "
فقال ضاحكا :
" ولكنك لا تصدقين كلمة مما أقول . لابد أن رجلا ما قد قام بخدعة عليك أليس كذلك ؟ فمن هو ؟ "
دهمتها ذكرى بول وخداعه لها وغبائها , لو فقط تسقط تلك الأيام من ذاكرتها . قالت بإصرار :
" نظرة واحدة فى المرآة تؤكد أننى لست جميلة "
" إن هناك جمال الشخصية "
كان صوته باردا وغير شخصى لذلك فقد استغرقت برهة حتى عرفت أنه كان يعنيها بما قال , ووقتها أحست أن عليها أن تبتعد عنه بمنتهى السرعة لكنه أمسك بيديها ومر بأصبعه على وجهها ثم على رقبتها وقال :
" حتى أصابعك لها جاذبيتها الخاصة وأثر العمل الشاق واضح عليهم "
اختلطت رائحة الورود فى الحديقة برائحة عطره الذى أضفى عليه لمسة وحشية طاردت أحلامها لمدة عام كامل .
لكنها قالت :
" لقد بدأت أشعر بالبرد , من الأفضل أن أذهب . طابت ليلتك "
كان انسحابها بسيطا وخالصا , لكنها صعدت درج الحديقة إلى المنزل دون اهتمام . أما هو فلم يصعد للمنزل إلا بعد ساعة , أخذت تستعيد ما حدث بينهما عن سبب ما قاله لها . هل كان يسلى وقته أم أنه عنى ما قاله فعلا . هرب منها النوم وهى تسأل نفسها وتعيد السؤال مرات ومرات . لو كان يهتم بها حقا لماذا لم يتصل بها العام الماضى ؟ هل يعاقبها لانها تركت منزله وذهبت بدون وداع ؟ لقد عوقبت بالفعل على غبائها , مجرد بعدها عنه لعام كان أقسى عقاب ممكن .
ولكنها قررت ألا تعبأ لما حدث وبتلك التمثيلية التى قام بها فى ضوء القمر , إنه مع جنفيف ولم يسأل عنها لمدة عام كامل فلا داعى لإضاعة وقتها وإفساد إجازتها الصيفية فى أوهام . كانت تتناول إفطارها فى الشرفة مع " روث " عندما أتى هو مقبلا عليها بابتسامة هادئة . انحنى على " روث " فقبلته وقالت :
" كم هو جميل أن نراك , هل استمتعت بليلتك الماضية يا عزيزي ؟ "
فقال وهو ينظر عبر المائدة مباشرة تجاه مينرفا :
" لقد كانت ليلة مسلية , صباح الخير يا مينرفا . إنك تبدين أكثر رسمية مما رأيتك أخر مرة "
تبادل هو وروث نظرات التعجب لكن مينرفا شرحت مسرعة :


" عندما أتى الليلة الماضية كنت آخذ حماما وقد رأنى ملفوفة فى المنشفة الطويلة "




فقالت روث وهى تصب له كوبا من القهوة :


" فى وقتنا كنا نرتدى أغطية للرأس , لقد كان ذلك أفضل للشعر , متى تنوى العودة يا نيك ؟ "




" اليوم للأسف . سأذهب بعد الإفطار مباشرة "




فقالت روث بخيبة أمل :


" زيارة قصيرة , ولكنك سترانا فى خلال أسبوع "




" هل ستأتون بالطائرة أم بالسيارة ؟ "




نظرت مينرفا لروث بدهشة بعد أن عرفت أنه يقصدها هى أيضا فسألت :


" هل أنت ذاهبة للقلعة الأسبانية ؟"




" سنذهب كلنا يا عزيزتى ألم أخبرك ؟ سنمضى بعض الوقت هناك "




وابتسمت روث لنيك دون أن تدرك أثر المفاجأة على مينرفا وقالت :


" إننى أتطلع لتلك الرحلة يا نيك أليس الإفطار رائعا ؟ لقد صنعته مينرفا "




" إنه رائع " , قال ذلك وتناول قضمة كبيرة من السجق ثم تناول رشفة من العصير .


لم تكن على علم بما اتفقت عليه روث معه فأخذت تجول ببصرها بينهما بنيما انهمكا هما فى تناول الطعام والحديث .

منتديات ليلاس


وبعد ساعة استقل نيك سيارة أجرة للمطار وسألت مينرفا روث :


" كم تنوين البقاء فى القلعة ؟"


" ثلاثة أسابيع على ما أعتقد " . ثم أخذت الأطباق من مينرفا قبل أن تغسلها وقالت وعلى وجهها ابتسامة خبيثة :


" لا ياعزيزتى لن تعملى وانت هنا مطلقا . لقد تركتك تعدين الافطار اليوم ربما لسبب ما خاص بك "

منتديات ليلاس


فقالت بوضوح لتنفى ما لمحت اليه روث بطريق غير مباشر :


" ليس ذلك صحيحا , فقد استيقظت مبكرا فحسب , هذا كل ما فى الأمر ".


ثم قالت بعد تردد :


" ربما أقوم بالطهى فى القلعة الأسبانية وقد تحتاج مديرة منزله لإجازة , أما زالت هيلين باروز ؟"




" نعم , ولكنى لا أعتقد أن نيك سيوافق على ذلك فقد سبق لك مساعدته من قبل . عزيزتى ماذا تنوين أن تفعلى اليوم ؟"




فقالت بملل وهى تنظر لأشعة الشمس وقد ملأت الحديقة ولمعت الحشائش الخضراء الندية :


" لا أدرى , أعتقد أننى سأبقى فى المنزل "




قالت ذلك وهى تعلم أنها ستمضى طوال اليوم فى تذكر وتحيل كل لحظة مرت منذ أن وقع بصرها على نيك الليلة الماضية فى حفل الاستقبال ..."

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 05-05-09, 02:57 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

الفصل السابع
استغرق الرحيل للشمال صباحا طويلا حارا عبر الطرق المحفوفة بالأشجار والمزارع على الجانبين .وعند جنوب كيرى كيرى تركوا الطريق الرئيسى للطريق الغربى الموصل للساحل ، وبعد ثلاثين كيلو مترا تفرعوا ثانية ليبدأوا الطريق المؤدى إلى غابة الكيورى والقلعة الاسبانية .قال براين وهو يقود السيارة بسرعة :
" إنه لمكان رائع "
أخذ براين يتلفت حوله ليشاهد الأشجار الباسقة وهو يقود السيارة مما جعل روث تبدو كأنها تقف على أصابع قدميها ولم تجد بدا من أن تطلب منه برفق أن يركز بصره على الطريق أمامه
فقال براين :
" اسف . إن القيادة فى هذه الطرق ليست سهلة . عندما أتى كين هنا العام الماضى فشهد لنيك بأنه خبير بهذه الطرق ويعرف متى يسرع ومتى يبطئ متبعا لحالة الجو ودرجة رطوبة الأسفلت "
فقالت مينرفا ببعض السخرية :
" كين يتخذ نيك مثله الاعلى "
وأخذوا يتبادلون الكلمات حتى وصلوا إلى اللافتة التى أصلحها نيك العام الماضى والتى تشير للقلعة . ازداد توتر مينرفا وهى تقترب من القلعة وعندما ظهرت كالسفينة فى الأفق من بعيد تخيلت مينرفا أنه لابد أن هناك من كان قرصانا فى عائلة بيفريل .
فلا يسكن هذه القلعة بلونها الداكن وسورها العالى سوى القراصنة . حتى نيك فانه يبدو كقرصان من طراز حديث بنظرته المعدنية وتمكنه من نسه وانحرافة فمه الساحرة عندما يبتسم . إن الثلاثة أسابيع التالية يمكنها أن تصبح بالنسبة لها غاية فى التوتر .
لقد مر عام على ما حدث ولو جاءت جنيفيف لتبقى معهم فسيتطلب ذلك منها مجهودا ضخما كى تحافظ على أعصابها .
أوقف والدها السيارة قليلا ليتمعن فى القلعة عن قرب ثم تحرك ثانية حتى دخل من البوابة بسيارته ثم عبر الممر المرصوف وسط الحشائش حتى توقف أمام المنزل الضخم .
وهم يخرجون حقائبهم من السيارة ظهرت هيلين باروز وقالت مرحبة :
" مرحبا بكم ، نيك يعتذر لأنه لن يمكنه الحضور قبل السادسة فهناك أعمال مهمة يجب انجازها فى المزرعة وقد ذهب منذ الفجر "
ثم قالت وهى تفتح لهم الباب وتساعدهم فى إدخال حقائبهم :
" بعد أن تستقروا فى غرفكم سنتناول جميعا قدحا من الشاى "
لم يتغير المنزل ، إلا أن الأثاث قد فاحت منه رائحة الشمع الذى يستخدم للتلميع ، لكن رائحة الورود كانت لا تزال تملأ الحديقة ومدخل البيت ، ونفس اللوحات الأنيقة والمدفأة الكبيرة إلا أنها لم تكن تعمل الآن ، شعرت مينرفا وكأنها عائدة لبيتها .
لكن كان عليها أن تبتلع اعتراضها عندما وضعتها هيلين فى نفس الغرفة التى بقيت فيها العام الماضى ، غرفة ستيلا الشديدة القرب بل والملاصقة لغرفة نيك ، غرفة لا تحتفظ بعلاقة أو ذكرى واحدة على وجودها .
جلست مينرفا أمام المرآة تراقب حبة عرق تهبط من جبهتها على خديها ثم على ذقنها ثم ابتسمت وهى تمضى داخل قميصها القطنى . قامت للحمام لتغتسل من تراب السفر وهى تشعر بإحساس رائع بأنها فى مكان تنتمى إليه وينتمى إليها .
عاد نيك والشمس تكاد تغرب ، كانت راقدة على سرير مطاطى مشدود بين شجرتين فى الحديقة عندما دخل وقد أغلقت عينيها تقريبا وأخذت تعبث بشعر القطة بنيولوبى التى كانت راقدة فى حجرها . لكنها شعرت به قبل أن تراه وقبل أن تتحرك القطة النائمة ، ترددت قليلا قبل أن تفتح عينيها وتنظر لوجهه الذى كان داكنا من العرق وقد انفتح قميصه حتى صدره الذى بدا وقد لفحته الشمس أيضا .
كان ينضح بالرجولة والقوة وهو واقف أمامها أزاح قبعته حتى منتصف رأسه وشمر ساعديه وارتسمت على شفتيه ابتسامة آلية .
سألته مينرفا :
" هل أنتهيت ؟ "
" تقريبا ، ولكن مازال هناك عمل بالجرارات لإزالة النباتات التى حرقها الصيف "
فقالت وهى تقوم من رقدتها :
" لابد أنك متعب للغاية ، سآتيك ببعض عصير البرتقال "
كان العصير والأكواب موضوعة على المائدة الصغيرة بجانبها فصنعت له كوبا وهى تؤنب نفسها على اهتمامها به واظهاره هكذا بدون تحفظ . أخذت تشاهد عضلات رقبته وهو يبتلع العصير وقد بدأت تشعر ثانية بتلك الرغبة التى تجتاح جسدها كله عندما تراه ، تلك الرغبة التى كانت تجتاحها منذ أكثر من عام مضى .
فقال وهو يضع كوبه الفارغ وقد ضاقت نظرة عينيه :
" إنك تبدين منتعشة كالربيع نفسه "
لم تجب مينرفا بل اكتفت بالابتسام فقال وهو يذهب :
" سأذهب لأستحم ، أراك بعد قليل "
أومأت مينرفا برأسها وأخذت تراقبه وهو يختفى بجسده الفارع داخل المنزل ثم أخذت نفسا عميقا وكأنها مرت باختبار رهيب . لقد أعدت نفسها للقائه ما ستقول وكيف ستقوله ، ولكن بمجرد ظهوره نسيت كل شئ سوى الشعور به والرغبة المحمومة فى القرب منه .
لقد غلبت عواطفها كبرياءها وكرامتها وانتهى كل تخطيطها ، وانهارت دفاعاتها عندما ظهر لها فجأة كما يظهر دائما . ولكنه لحسن الحظ لم يعد وحده بل كانت روث معه . لذلك بالأمور ستصبح أكثر سهولة وقالت لنفسها وهم يتوجهون لتناول العشاء : " كيف سيمكننى أن أستمر فى ذلك ثلاثة أسابيع ؟ "
وعلى مائدة العشاء اقترحت مينرفا أن تذهب هيلين فى اجازة لرؤية عائلتها وأنها ستقوم بالطهى للجميع . وقد وافق نيك بينما اشترطت روث أنهم جميعا سيساعدونها فى إعداد الطعام . وعندما وافقوا جميعا شعرت بان وقوفها فى مطبخ القلعة الاسبانية بمفردها سيجعل منها بالفعل ولو لمجرد ثلاثة أسابيع ملكة متوجه فى منزل نيك بيفريل .
وعندما ذهبت للفراش أخذت تخطط لما ستشتريه من السوق لكى تجعل من وجبات هذه الأجازة وجبات لا ينساها الجميع . ولكن من هم الجميع ؟ إنها لا تهتم سوى بنيك ، هو وحده من يهمها أما روث وبراين فهما سيحباها بغض النظر عن أى شئ آخر .
ربما كانت تتصرف بحماقة فرغم كل شئ كانت هناك منطقة بداخلها يضيئها بصيص ضعيف من الأمل فى نيك ، لكن لو كانت كل هذه أوهام فسوف تندم طويلا .
لكنها شعرت بالأمل يزداد داخلها عندما تذكرت أن نيك قد أعلن على العشاء ردا على سؤال روث أن جنيفيف ستمضى الصيف فى منزل عائلتها .... ولكن ! إلى متى ستستمر تلك الحمى تجتاح لياليها كلما تذكرت جنيفيف أو نيك . شعرت برغبة فى أن تنهض لتأخذ دشا أو تستحم فى بحيرة باردة لكنها كانت متعبة للغاية فلم تستغرق وقتا طويلا حتى نامت .
فى الصباح التالى استيقظت على صوت الجرارات وهى تسير نحو المزرعة مارة بالممر الذى يشق الحديقة . قامت واغتسلت وهى تشعر بانتعاش ثم ارتدت ثيابا قطنية خفيفة لأن الجو كانت به لمسة من الحرارة .
وهى تغسل وجهها وتذكرت أفكارها الليلة الماضية وهى بين اليقظة والنوم فابتسمت لنفسها فى مرآة الحمام وتخيلت نفسها بعد عدة أعوام عندما يصبح نيك مجرد ذكرى عابرة ، ستتذكر القلعة ونيك وتبتسم لأنها حمقاء فى تضييع وقتها فى أوهام .
لكن على أى حال سيمضى نيك أغلب وقته فى المزرعة ويمنحها ذلك الفرصة لكى تستمتع بالمنزل والحديقة والجو الرائع والهدوء مع روث أو وحدها . سينتهى كل شئ كما تخبو النار المتوهجة ، سينتهى حبها لنيك كما انتهى حبها لبول من قبله .
وعلى الإفطار سألها نيك إذا كانت تود الذهاب لكيرى كيرى معه .وقد قالت روث قبل أن تتمكن هى من الإجابة :
" يا لها من فكرة جيدة "
فسألتها مينرفا بأمل :
" هل ستأتين ؟ "
فقالت المرأة العجوز :
" لا ، فما زلت متعبة من رحلة الأمس . اذهبا أنتما واحضرا لى دواء الضغط من الصيدلية فقد نسيته فى البيت "
حتى والدها قال إنه سيبقى ليرقد فى الظل أو يتمشى قليلا أو يقرأ كتابا خفيفا مع كوب من العصير المثلج
لم يكن لديها أى عذر لعدم الذهاب فقالت وهى تصب لنفسها فنجانا آخر من القهوة :
" حسن ،يمكننى أن أشترى بعض الأشياء من السوق "
كانت قد أعدت قائمة بالمشهيات والأصناف التى ستصنعها لهم بعد أن رحلت هيلين وهى فى منتهى الامتنان لها . كانت هذه هى المرة الثانية التى يمنح وجودها هيلين وقتا لتزور أسرتها وتمضى معهم إجازة ، لذلك فقد شكرتها المرأة بصدق رغم أنها لم تبد ودودة عندما رأتها أول مرة منذ عام مضى .
جلست بجانبه فى السيارة وقد استرسل شعرها على كتفيها ولم تجمعه فى عقدة كما تفعل دائما . توقعت أن يقول شيئا لكنه بعد نظرة طويلة لها ابتسم ثم بدأ يتحدث عن آخر فضيحة سياسية تشغل الرأى العام . فكرت وهما فى الطريق كيف يبدو ذكيا وغير متميز وهو يناقش الأمور .
فقالت وهى تبتسم :
" إن المرء يتوقع دائما مناقشات عقيمة من أصحاب الأملاك ،لكن هذا لا يحدث معك ؟ "
" ولماذا ؟ "
" إن المزارعين لديهم تلك السمعة بأنهم عادة محافظون "

اتسعت ابتسامته وقال :


" ربما نكون فى حاجة للمحافظين حتى لا يفقد هؤلاء المتمردون صوابهم ويجذبون المجتمع وراءهم "


وعندما لم تجب واصل هو بلهجة أكثر جدية :


" قد يبدى المزارعون بعض المحافظة لأنهم يرتبط رزقهم بالجو والطبيعة ومن الصعب عليهم أن يقتنعوا بالنظريات "


وفجأة برز أمامهما فى الطريق خروف صغير شارد من قطيعه فأوقف نيك السيارة على مقربة منه ثم ظهرت أم الخروف وكأنها تبحث عنه . قال نيك بحزم :


" علينا أن نعيدهما إلى مرعاهما "


فقالت مينرفا :


" حسن ، ولكن كيف ؟ "


فقال بلهجة من يعرف عمله جيدا :


" سأدفعهما أنا إلى أعلى التل من حيث هبطا وأنت أمامهما حتى نجبرهما على السير فى الطريق الذى نريد "


لم يكن الأمر سهلا كما اعتقدت مينرفا . فقد استغرق منهما ذلك وقتا وجهدا أكثر من عشرين دقيقة . ولحسن الحظ لم تمر أى سيارة أخرى مسرعة فى الطريق وإلا كان سيحدث ما لا يحمد عقباه . وعندما تأكد نيك من أن الحيوانين قد عادا لقطيعهما قال وقد بدا عليه الرضا :


" حسن ، فلنذهب "


ها هو ذا شئ جديد تعرفه عنه . إنه صبور . لم تكن هذه خرافه ولكنه لم يشعر بالملل وهو يحاول إنقاذها من الموت على الطريق السريع . قالت لنفسها إن هدوءه وحزمه لا يعنى أن مشاعره ميتة ، لكنه ربما يتعمد إخفاءهاأو ربما تكون هذه طريقته .


قالت وهى ما زالت تلهث :


" تصور ، لقد تذكرنى الصدئ ! "


" نعم . طبيعى لقد كنت تعطيه الذى كان يتبقى "


فقالت مينرفا بشئ من الخجل :


" هل كنت تعرف "


" نعم . ولكن لا تعجبى فالكلاب يمكنها أن تتذكر أبعد من عام "


ثم أضاف :


" إننى ألاحظ كل شئ "


قال ذلك ومنحها نظرة طويلة من نظراته الطويلة الباردة .


كانت كيرى كيرى مزدحمة بالسياح ومن يمضون إجازتهم . حتى التلاميذ ملأوا الشوارع فقد أخذوا الاجازة الصيفية فشعرت مينرفا أنها سائحة وسط السياح .


اتفقا على أن يتقابلا بعد نصف ساعة حيث سيذهب هو ليقابل شخصا ما وستذهب هى للسوبر ماركت لكى تشترى ما تحتاجه وقد أعطاها نيك مفتاح السيارة حتى إذا عادت قبله تجلس فيها .


عادت بعد عشرين دقيقة ووضعت مشترياتها فى حقيبة السيارة ، لكن فكرة انتظار نيك فى السيارة فى هذا الجو الحار لم ترق لها بل وجدتها – بغرابة – فكرة مهينة !!


لكنه لم يتأخر على أى حال فقبل أن تفتح السيارة ظهر بجسده الطويل ولاحظت مينرفا أن الناس من أصحاب المحلات والعاملين فى السوق يعرفونه ويحيونه بتقدير ، كان يرد تحيتهم بيده ويصافح البعض ويقف لتبادل الكلمات قليلة مع بعض . وقد وصل عندها :


" أتمنى ألا تكونى قد انتظرتى طويلا"


كان شعرها دافئا وقد شعرت بأن يلتصق برقبتها فهزته بقوة قائلة :


" لا ، لقد جئت لتوى "




"حسن " ، قال ذلك وهو يبتسم ويفتح لها باب السيارة .


جعلتها ابتسامته تفكر فى الكثير لدرجة أنها لم تلاحظ أنهما غير متجهين للمنزل إلا بعد فترة فقالت وهى تحاول ألا تبدو معترضة :


" هذا ليس طريق البيت ! "


" أود رؤية أصدقاء فى اجازة هنا ، هل تمانعين ؟ "


" لا " ، لكنها فى الحقيقة كانت تمانع ، أما هو فقال واعدا :


" سوف يعجبونك "


كان أصدقاؤه يعيشون أسفل التل فى منزل خشبى فخم صنع خصيصا لعطلات الصيف . كان المنزل على الساحل أى له شاطئه الخاص به مما جعل المنزل يبدو وكأنه قطعة فنية مرسومة او مكان ما فى الجزر الاستوائية . تيجان وزوجها كيران سينكلير مع ابنتيهما أتوا جميعا من أوكلاند لقضاء العطلة فى هذا المكان الرائع . بدا على المرأة وزوجها انهما يتساءلان عن مينرفا لكنهما أجادا إخفاء ذلك . بالطبع أصدقاء قدامى لنيك كما ظهر أنه يهمهم أن يعرفوا من هى .


ها هو ذاك جانب جديد من شخصيته يتفتح أمامها . عندما يكون مع اناس يعرفهم ويثق بهم عندما يكون مع أصدقائه بدا مسترخيا وقد أزاح الستار الحديدي عن عواطفه , لابد ان لديه طاقة خارقة لكي يبدو هكذا صلبا طوال الوقت .


قالت مينرفا ذلك لنفسها وهى تراه يداعب البنتين الصغيرتين فى رقة وعطف لم تعتقد أنه من الممكن أن يبعدوا عنه .


لقد كان نيك مثل غيره لديه نقاط ضعف لكنه كان يعرف كيف يدافع عنها ويحميها جيدا .


كانت الابنة الكبيرة ملتصقة به طوال الوقت وقالت لمينرفا وهى تحتضنه :


" عمى نيك هو ابى الروحي "


فقالت مينرفا :


" إنه رجل سعيد الحظ جدا "


فقالت البنت الصغيرة بسعادة :


" إنه يجلب لى هدايا كثيرة "


فقالت الأم موجهة حديثها لمينرفا :


" إنه لا يعطينا فرصة حتى نمنحها عنه تلك الهدايا . ففى كل المناسبات يكون هو الأسرع . إن نيك إنسان رائع "


ماذا تعنى المرأة بتوجيه كلامها لمينرفا ؟! أما نيك فقال وهو نصف مغلق العينين :


" إننى أحب الأطفال يا تيجان ولوسى حبيبتى القديمة "


فقال كيران ضاحكا :


" ونحن أيضا . ولكن أرجوك لا داعى للآلات الموسيقية التى تجلبها لهن فأنا لا أستطيع أن أعمل فى البيت مطلقا "


ثم أخذوا يتكلمون عن الاطفال ويضحكون


كان كل ما تريده مينرفا مرتبط بهذا الرجل . لقد بدأت شخصيته تتضح أكثر أمامها , لم يكن مجرد رجل جذاب للنساء , بل كان عطوفا وحنونا على الاطفال والحيوانات , على من يعملون عنده , على كل من حوله , فقط كان حظه غير قليل . وفى طريق عودتهما قال لها :


" اعتقد انك لم تحبيهم "


فقالت بسرعة :


" على العكس إنهم لطاف للغاية "


فقال وقد رفع حاجبيه :


" أنا سعيد . كيران أحد أصدقائى , من أقدمهم وزوجته رائعة وطيبة للغاية "

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لون منتصف ليل, مكتبة مدبولي الصغير, روايات, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, روبين دونالد, robyn donald, the colour of midnight, عبير
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 03:45 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية