كاتب الموضوع :
حفيدة الألباني
المنتدى :
المنتدى الاسلامي
سمو في طلب العلم
سافر جابر بن عبد الله شهراً كاملاً على جمل إلى ( العريش) في مصر ، فلما وصل هناك طرق على عبد الله بن أنيس الباب، فخرج إليه عبد الله فسأله عن حديث الحوض فأخبره وطلب منه الدخول فأبي جابر وقال: رحلتي إلى الله ، والله لا أجلس أبداً، فمشي شهراً وعاد شهراً ، غدوة شهر ورواحة شهر!.. وللفت النظر فقط: فعبد الله بن أنيس هو الذي قتل خالد بن سفيان المشرك، فأعطاه صلي الله عليه وسلم عصاه وقال له : (( توكأ بها في الجنة))، والمتوكئون بالعصا في الجنة قليل ، فدخلت عصاه معه بره ، وسوف يبعث في العـرصــات وعصاه معه، وسوف يحضر الزحام عند الصحف والميزان والصراط وعصاه معه، وسيدخل الجنة وهو يتوكأ بها.
ونبي الله موسي عليه السلام ـ من قبل ـ ضرب أروع الأمثلة في طلب العلم ، وهو نبي معصوم يوحي إليه: ( لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)(الكهف: 60).
والزمخشري يقول في قصيدة ماتعة:
سهري لتنقيح العلوم ألذ لي
من ضرب غانية وطيب عناق
والمعني: سهري مع الكتب والدفاتر أحسن عندي من أن أعانق امرأة جميلة ، أو أخلو بجارية فاته، هكذا سمت نفسه.
ولأهل السنة سمة في هذا الباب، فخلوتهم مع صحيح البخاري ومسلم أحسن من ملك الدنيا جميعاً، واليك بعض النماذج السامية: طلب( شريك) العلم أربعين سنة، قال: طلبت العلم والله ما كان زادي في اليوم إلا كسرة خبز!.. وحضر في مجلس فيه وزير عباسي قد غاص في الركايا وفي الطنافس، فحدث بحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، فقال الوزير : ( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ)(المؤمنون: 24) ، فقال له شريك ـ وكان سريع البديهة ـ: من أين تسمع بهاذ وأنت تأكل الخبيص وتجلس على الطنافس ، وتغنيك الجواري؟!. وعرض به أحد خلفاء بني العباس حين قال له : أنت تحب عليا ، فأجابه : أحبه حتى الدماغ ، فقال له : أواه من يوم عليك أظنك زنديق !، فقال شريك : الزنديق له ثلاث علامات، قال : ما هي ؟ قال: يترك صلاة الجماعة، ويشرب النبيذ، ويسمع الجواري!، قال: كأنك تعرض بي وتلمح!، قال: ما ألمح لكن أقصدك!!.
وابن عبد البر مكث مع كتاب التمهيد ثلاثين سنة ليلاً ونهاراً ، ثلاثون سنة مع الكتاب يفليه، يكتبه، ينسخه ، يشرحه، ثم يقول :
سمير فؤادي من ثلاثين حجة
وصقيل ذهني والمفرج عن همي
وقد نظمت أربعة أبيات من باب التشبه بابن عبد البر فقط لا غير:
ثلاثون عاماً والدفاتر صحبتي
وقد صانني عن كل لهو وغفلتي
ثلاثون عاماً كلما قلت قد كفي
لأرتاح في داري وأحسوا معيشتي
أبت همتي إلا الصعود إلى العلا
إذا أنهد جسمي صارفي القلب قوتي
|