كاتب الموضوع :
حفيدة الألباني
المنتدى :
المنتدى الاسلامي
نفوس سمت شوقاً إلى الله
تعال بنا نسافر مع أدب لكن صادق ، ومع شعر لكن مؤمن، ومع قافية لكن مسلمة:
وقف مجاهد مؤمن في عصر الصحابة على جبال الأفغان على مشارف كابل فقال:
أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت
على شرجع يعلو بحسن المطارف
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة
يصابون في فج من الأرض خائف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى
وسروا إلى موعود في الصحائف
يقول: يا رب ، لا تعدني إلى غرفتي الضيقة ، إلى سريري المشرجع بالمطارف ، إلى زوجتي الجميلة، لكن قطعني في يبلك إرباً .. إرباً ! وهذه الجمل النادرة تجدها في أبجديات الموحدين، وفي دواوين المخلصين فقط، يقولها أحدهم مستلهماً جلال الله وعظمته ، ثم تفيض دموعه، ثم يقول: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى!!.
والبراء بن مالك سميت روحه إلى الواحد القيوم فاضطجع على ظهره ووضع رجله اليمنى على اليسرى، ورفع عقيرته بالنشيد، فقال له أنس: أتنشد وتغني أنت من أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام؟ فقال له أسكت، فو الله الذي لا إله إلا هو ، لقد قالت من الكفار مائة مبارزة، ووالله الذي لا إله إلا هو لأموتن شهيداً!..
لماذا يقسم؟!..
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فيه وقد رآه بذ الهيئة، رث الثياب : (( رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك)).. فأقسم على الله يوم (تستر) أن يقتل شهيداً فقتل شهيداً!.
وعمر بن عبد العزيز سمت روحه يوم تولي الخلافة ، جلس على المنبر الدمشقي ليحكم ثنتين وعشرين دولة إسلامية ، ففاضت دموعه وبكي وأجهش الناس بالبكاء ، قال المحدث الرواية الثقة رجاء بن حيوه: والله لقد كنت أنظر إلى جدران المسجد هل تبكي معنا!.
وفي حلية الأولياء عن سفيان قال : قال عمر بن عبد العزيز : كانت لي نفس تواقة، فكنت لا أنال منها شيئاً إلا تاقت إلى ما هو أعظم ، فلما بلغت نفسي الغاية ، تاقت إلى الآخرة !. هذا هو السمو..!
ومن أبجديات السالكين قولهم على لسان عبد اله بن رواحه وقد تمني الصحابة عودته سالماً، قال:
لكنني أسال الرحمن مغفرة
وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة
بحرية تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي
أرشده الله من غاز وقد رشدا
فقتل في مؤتة، وقبره هناك ، ولكن سريره دخل إلى جنات النعيم، ورآه رسول الهدي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بعينه.
والعباد أيضاً يشاركون مع المجاهدين في سمو الهمة ، فأما أحدهم وهو عباد بن عبد الله بن الزبير ، فيقول : اللهم إني أسالك الميتة الحسنة، قالوا : ما هي؟ قال : أن يتوفاني ربي وأنا ساجد ، فقبض الله روحه وهو ساجد في آخر سجدة من صلاة المغرب , وقس على ذلك قوله صلي الله عليه وسلم في حديث حسن لعمر وقد رآه لبس ثوباً أبيض ، فقال له: (( ألبس جديداً وعش حميداً ، ومت شهيداً))، فرزقه الله سمواً في الدنيا : عدلاً في الرعية، رحمة بالأمة، زهداً في نفسه ، ثم توفاه شهيداً في المحراب، وعلى ذلك سار السلف، حتى إنه في ليلة من ليالي أهل السمو العلمي كان إسحاق بن منصور (تلميذ أحمد بن حنبل ) في خراسان، فرجع بعد ما روى الحديث سبع سنوات وكتبه في قراطيس ، فأمطرت السماء في الليل ، فوضع الكتب والدفاتر تحت بطنه واحتضنها والبرد يصب على ظهره ، والمطر البارد يغطي جسده، والريح تسف على وجهه، وهو يحتضن دفاتره لئلا تمسح بالماء بعد رحلة سبع سنوات ، عاش طويلاً ومات ، فرآه أحد الصالحين في الجنة ، قال : ما فعل الله بك ؟ قال: غفر لي بليلة المطر يوم انحنيت على الدفاتر وحضنت أوراقي .
وأنظر إلى بعض الصالحين يرسل نشيده إلى الواحد الأحد لكن ينظمه بحبات قلبه ، يبدأ بالنثر فيقول كلاماً معناه:
يا ربي ، إن أحب كثير عزة، وأحب غيلان مية، فاجعل حبي فيك يا ربي، وإن أحب عنترة عبلة، وأحب فلان ليلي، وأحب الآخر سلمى ، فاجعل حبي لك وحدك، ثم نظمها شعراً فقال:
إذا كان حب الهائمين من الورى
بليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا
فماذا عسي أن يصنع الهائم الذي
سري قلبه شوقاً إلى العالم الأعلى ؟
أف على الوتر!.. أف على الغناء !. أف على الضياع ! أف على حياة اللهو والغرام والهيام إن لم تكن المحبة للواحد العلام ، الذي بني دار السلام ، فلماذا انتهي من بنائها قال : ( تكلمي وعزتي وجلالي) قالت: (قدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون:1،2) قال : (( وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل )) !
هذه مسيرة الصالحين ، ولكن ينحرف بعض الناس إلى هواه، إلى العيون السود ، إلى الخدود ؛ يقول ابن زريق في بغداد وهو هائم بامرأة:
لا تعذليه فإن العذل يوجعه
قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه
ثم يقول: آه ، ثم يموت !!.. ولكن (مسلماً) صاحب الصحيح ، الذي قدم لنا ميراث محمد عليه الصلاة والسلام، العالم الرباني، بات ليلة كاملة يبحث عن حديث للرسول عليه الصلاة والسلام ، ولم ينم، فلما صلي الفجر: آه..آه..آه، ثم مات، فقيل : شهيد الحديث!، والنابلسي المحدث العالم الزاهد الذي أفتي بفتوى شجاعة في الفاطميين المنحرفين الكفرة ـ عند كثير من أهل العلم ـ قال: من عنده عشرة سهام فليرم الفاطميين بتسعة والنصارى بسهم، فطعنه يهودي بالخنجر ، قال الذهبي : كان دمه يتصبب في الأرض وهو يقول : الله .. الله .. الله..!.
سؤال نقدمه لأهل السمو ، وأهل العزائم والهمم:
قالوا : الهوى والحب هل تحنو له
أم أنت في أرض الهوى متجلد
قلت: المحبة للذي صنع الهدى
فحبيب قلبي في الحياة محمد
اللهم اجعله حبيبنا بعد حبنا لك ، يقول عمر بن عبد العزيز وروحه تسافر في مجمع من الناس وقد حدثته بالخلافة وهو زاهد عابد ، قال : قام فينا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في المدينة على المنبر ونحن جلوس أمامه ، وقد تولي الخلافة ، فقال: من أولى مني بالخلافة ، قال : فحللت حبوتي لأرد عليه وأقول : أولى منك المهاجرون والأنصار!، فتذكرت قوله سبحانه وتعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً ) (القصص: الآية83)، فجلست مكاني!!.
|