كاتب الموضوع :
جين استين333
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
6-لم تكن وهما ولا سرابا
شقا طريقهما نحو الشاطئ يدا بيد فرحين. و تذكرت جيمينا الثنائي الذي صادفته ليلة أمس يمسك الواحد منهما الواحد منهما بيد الآخر كما تذكرت إيزي و دوم ووالديها.
بيد أن نايل بلاكثورن رجل غريب, لا يكن لها أي مشاعر, ولا يرى فيها غير امرأة مسلية و جذابة. كانت بالفعل امرأة جميلة ساحرة تتمنى لو أن الله لم يمن عليها بهذه المزايا. كما تتمنى لو لم تعد طفلة بريئة, تؤمن بأن الشاب متى أمسك بيد فتاة, فهذا يعني أنه يحبها.
في الواقع, ما من جدوى من التفكير في كل هذه المسائل, فقد وصلت إلى شاطئ يخلب الألباب برفقة شاب وسيم ليخوضا سويا مغامرة مجهولة.
بادرته جيمينا فرحة:" البصمات الأولى! لا أستطيع لجم نفسي".
و استسلمت للحماسة التي اعترتها, فراحت ترقص والابتسامة لا تفارق ثغرها.
أحست جيمينا بالرمال ساخنة فأطلقت صرخة فرح عفوية وشرعت تركض على طول الشاطئ فيما راحت حبات الرمل الناعمة تتطاير خلفها, تابعت عدوها فرحة حتى هوت أخيرا تحت شجرة وارفة الظلال عند طرف الشاطئ. نظرت خلفها فوجدت نايل متسمرا مكانه يراقبها و ابتسامة مشرقة تنير محياه.
بادرها فيما كان يتقدم نحوها:" يا لهذا الصوت القوي! يسعك تدريب فريق كرة قدم".
أجابته بجدية:" سأعتبر كلامك إطراء".
أنزل عن كتفه كيسا ضخما, فسألته:" ماذا تحمل في هذا الكيس؟".
-عصير وثياب البحر لك وأدوات الغطس و ...
كان قد أحضر معه سيفا طويلا يبدو مؤذيا وهو لا يزال في غمده.
سألته جيمينا دهشة:" ما هذا بحق السماء؟".
-منجل.
صاحت به جيمينا بنبرة حادة:" تملك منجلا؟".
-كلا, لقد أعارني إياه آل. لا تقلقي فأنا أجيد استخدامه.
هوت إلى الخلف على الرمال المظللة قائلة:" يا إلهي, أنا بمفردي مع قاتل يحمل فأسا".
-هذا الشيء لا يهاجم سوى ثمر الخبز و المنغا.
غير أن جيمينا كانت من السعادة ما جعلها تتابع مضايقته و ممازحته فقالت:" ستأسرني و تحولني إلى قرصان مثلك".
-يبدو هذا ممتعا.
-سينتهي بي المطاف على قارب القراصنة حيث أذوق الأمرين ولن أرى عائلتي أبدا.
أجابها فيما انهمك في التفتيش في كيسه:" إنما فكري في التجارب المثيرة التي قد تعشينيها.لعلك تصبحين قرصانة حقيقية إن كنت كنت تتمتعين بالمؤهلات اللازمة ".
رمى إليها ثوب البحر الجديد فالتقطت جيمينا ببراعة قطعة القماش الزاهية.
-لن اصبح يوماً أهلاً لهذا المنصب , فلطالما كنت فتاة مطيعة.
رفع نايل إليها عينان تلمعان, وسمعته يقول :"ابقي معي يا صغيرتي, وسأدلك على الطريق".
لم يتسن لها التفوه بكلمة أو حتى أخذ نفس واحد إذا اتحنى وعاتقها عناقاً عنيفاً وسريعاً.
يمكن أن يكون هذا المزاج مزحة أو اجزءاً من تمثيلية القرصان تلك,لكنه لم يكن كذلك.
لكن نايل استدار بغتة و راح يفرغ ما في الكيس من دون أن ينبس ببنت شفة.
عادت جيمينا إلى رشدها و استوت في جلستها ثم راحت تساعده في إفراغ محتويات الكيس.
-انتعلي الحذاء فنحن بعيدون جدا عن أقرب طبيب في حال دست على قنفذ بحر.
أجابته بهدوء قبل أن تنتعل الحذاء من دون أي اعتراض:" شكرا لك".
لم تشأ أن يلمسها مجددا, خاصة و أنها تشعر بهذا الاضطراب ينهش أعماقها.
قال لها:" هيا نتفرج على جزيرتنا".
فانتصبت واقفة على قدميها وكأن عبء الدنيا كله أزيح عن صدرها.
-إذا, هذه ليست المرة الأولى التي تزور فيها هذا المكان!
-أنا آسف, إنما لست أول من وطأ هذه الجزيرة.
-لكنها غير مأهولة, أليس كذلك؟
-نعم. سنضطر لجمع طعامنا بأنفسنا, يستحسن أن نبدأ العمل.
تناول عبوة فارغة من الكيس, فشرح لها عندما قرأ الدهشة في عينيها:" مياه عذبة. لا أطلب من المرأة التي أواعدها أن تكتفي بشرب العصير الساخن".
المرأة التي يواعدها! وتذكرت جيمينا اتهمات آل. هذا الرجل لا يتورع عن مغازلة النزيلات! ومع هذا, يسامحنه ويتركنه من دون عقاب! حذار, راحت جيمينا تناجي قلبها الجبان, فقد تعتبرين نفسك محنكة, واسعة الحيلة, لكنك لن تتفوقي أبدا على هذا الرجل الماثل أمامك.
تبعته مقطبة الجبين, فوجدت أنه يعرف زوايا الجزيرة ككف يده.
ما إن ابتعدا عن الشاطئ حتى توغلا في غابة من الأشجار الكثيفة الوارفة الظلال حيث غاصت أرجلهما في الوحل.
سألته جيمينا:" هل تسمع خرير جدول؟".
-سمعك حاد حقا, إنه بالفعل جدول.
-هل نستطيع أن نشرب منه؟
أجابها فيما كان يتقدم بخطى ثابتة:" بل من أعلى الجبل فالجدول حين يمر فوق الصخور يمسي موحلا".
كانت تحاول مجاراته في المشي, كما كانت تسعى جهدها لئلا يسمع رنة التعب في صوتها. لم يشعر نايل بضيق في التنفس بل تابع سيره بسهولة وكأنه يمشي على الشاطئ.
-تغطي الأدغال هذه المنطقة كلها إلا أن مياه البحر تغمر من حين إلى آخر هذه الأشجارإلا رؤوسها.
-لكني خلتك مجرد زائر, تبدو لي مقيما مستديما فيها.
فأطلق ضحكة مدوية:" أنت ذكية فعلا".
غير أنها لم تقرأ علامات الرضى على وجهه.
-هل تنتقل حقا من كازينو إلى آخر؟ أليس لديك منزل ما؟ في بلد ما؟؟
-ليس فعلا.
-على أي عنوان يراسلك أصدقاؤك؟
-اخترع الإنسان البريد الالكتروني ليسهل على نفسه مهام كثيرة.
قادهما ممر مخضوضر إلى شلال صغير فراح يملأ الوعاء ماء من الجدول فيما تراجعت جيمينا بضع خطوات لتجيل النظر في الأدغال و تستمع إلى أصواتها.
كان المكان هادئا وغريبا في آن, اقتربت جيمينا من انيل بحركة تلقائية فرفع عينيه إليها.
حاولت أن تترجم له انزعاجها وخوفها:" هذا المكان يبعث الخوف في نفسي, أشعر بأنني ضعيفة جدا, و فانية".
-لن يصيبك مكروه ما دمت لا تبارحين هذا الممر.
وانتصب واقفا قبل أن يضيف بنبرة لطيفة:" سأعتني بك".
وفجأة أحست جيمينا بأنها لم تعد تنشد فيه الرجل العطوف الذي يحميها و يخاف عليها و... بل تناجي الرجل القرصان الهمجي. تمنت أن يحملها بين ذراعيه إلى سفينته.
بلعت بريقها...
-بالطبع, لقد غلبني الخوف. ساكون بخير.
عادا أدراجهما إلى الشاطئ سريعا. وما إن لاحت لهما الشجرة الصغيرة التي كانا يتنعمان بظلها, حتى أخذت في العدو.
-أريد أن أسبح.
هرعت إلى البحر وكأن جن الادغال يطاردونها. ظنت أن نايل سيلحق بها, لكنه لم يفعل. لم تستطع جيمينا تحديد مشاعرها: هل تشعر بالفرح أم بالإهانة؟ لكنها سرعان ما تناست مشاعرها الغامضة لتستمتع بالسباحة في بحر أشبه بخيوط حريرية دافئة.
لطالما كانت جيمينا سباحة ماهرة. فراحت تشق المياه النقية من دون أدنى مجهود, حتى تلاشى الاضطراب الذي أثقل قلبها.
كان نايل بلاكثورن رجلا غريبا لا تفهم طباعه. لكن لا داعي لأن تضطرب وكأن عالمها كله يتداعى من حولها. وراح نايل يلوح لها من بعيد كلما استدارت نحوه لكنه لم يلحق بها.
ظلت جيمينا تسبح حتى أعياها التعب فعادت إلى الشاطئ ومشت على الرمال الدافئة.
راحت تردد فيما ارتمت بتثاقل على الأرض:" هذا رائع".
وجدت أن نايل أضرم نارا في بعض الأغصان اليابسة و الأخشاب الطافية. وتمدد على الرمال وقد أسند رأسه إلى قميصه.
قالت جيمينا وقد حولت بصرها عن صدره العاري الجذاب:" لا بد أنك نلت وسام الكشافة لإضرام النار, أليس كذلك؟".
-كنت حطابا مثاليا.
-هنيئا لك. ولم عسانا نحتاج إلى النار؟
-لحفل شواء. عندما تشعرين بالجوع سأذهب لصيد بعض الأسماك.
-مستحيل. كنت اسبح للتو مع هذه الأسماك. إنها صديقتي.
لم يصدق نايل أذنيه ثم أرجع رأسه وراح يقهقه حتى اختنق.
نظرت إليه جيمينا شزرا وقد شعرت بالإهانة.
قالنايل عندما توقف عن الضحك:" لقد اشتريت بعض الأغراض من السوق".
أطرقت جيمينا مفكرة وقد ضاقت عيناها كمن وقف على اكتشاف عظيم:" كنت تتلاعب بي طوال هذه الفترة. أنت لا تنوي مغادرة الجزيرة الليلة".
-فلنقل إنني جلبت معي بعض الحاجات الاحتياطية.
التهمت جيمينا غداءها بشهية قبل أن تشرب المياه العذبة التي أحضراها من الجدول.
-هذا رائع بالفعل و إن تكبدت عناء إضرام النار بلا جدوى.!!http://www.liilas.com
|