كاتب الموضوع :
#أنفاس_قطر#
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل عام وأنتم بألف ألف خير
تقبل الله طاعتكم وعبادتكم وجعلكم من عتقاء الشهر الكريم الذي مضى بحلو أيامه وطهارة لياليه
.
.
ساكنات شغاف القلب ونبضاته الغالية
اشتقت لكن جميعا
اشتقت لكن كثيرا.. كثيرا
بل اشتياقي لكن تجاوز مفردات الشوق
وهأنا أعود لكن غير ماكنت معكن في أخر مرة
أعود لكن أما..
"أم.. أم !!"
يالا روعة هذه الكلمة وعظمها
لا نعرف قيمة أمهاتنا كما يجب إلا حينما نمر بالتجربة العظيمة ذاتها
حفظ الله لنا أمهاتنا وأطال في أعمارهن على الطاعة
ولا حرم كل زوجة من نعمة الأمومة ومن نعمة احتضان طفل في أحضانها
.
.
خالص خالص شكري لمشاعركن النبيلة التي أغرقتموني فيها
عاجزة عن التعبير فعلا ومشاعري تخونني أمام فيض مشاعركن الذي كان أكثر مما استحق
.
.
.
أعود لتشريع أبواب "أسى الهجران" مرة أخرى وللمرة الأخيرة
لأني هذه المرة لن أتوقف حتى تنتهي الرواية إن شاء الله
لأنها انتهت فعليا
فأنا أنتهيت من كتابة أخر جزء منها قبل ولادتي بيوم واحد
وشعرت حينها بالفراغ وبافتقاد موجع لكل شخصيات أسى الهجران
ليأتي ابني ويشغلني عن كل شيء
والحمدلله أنني أنهيت الكتابة قبل أن ألد.. أو ربما كنت توقفت عن الكتابة.. فهذا الصغير الباكي حفظه الله يستنزف وقتي وتفكيري
.
.
الرواية انتهت.. ولكن متى ستنتهي تحديدا لن أخبركن
سترون الجزء الأخير ماثلا أمامكن
قد تتوقعنه أنتن ولكن أنا لن أنبه له.. سيمر عليكن كغيره من الأجزاء
وما أريده الآن وأتمناه.. ألا تستعجلنني.. فأنتن أصبحتن تعلمن أنها انتهت وانتظاركن سيكون له آخر إن شاء الله
لذا دعونا نتمتع معا بما تبقى
تمتعت كثيرا في كتابة هذه الأجزاء التي كتبتها دون ضغط وبراحة نفسية عميقة
لأنهي "اسى الهجران" كما تمنيت تماما دون زيادة أو نقصان
وأتمنى أن تشعرن بمتعة مماثلة وأنتن تقرأن
والأجزاء هذه المرة جعلتها طويلة طويلة
الجزء الواحد مابين جزئين إلى أربع أجزاء من الأجزاء التي كنت أنزلها بشكل يومي
لذا وحتى لا تصبن بالتخمة اسمحن لي أرجوكن أن أنزل يوم وراء يومين أو يوم وراء يوم على حسب ظروفي الجديدة
ولكن ما أعدكن به أن أكون دقيقة في مواعيدي كما اعتدن مني إن شاء الله
وعلى كل الأحوال ما سيرضيكن أنتن هو ما سيحدث.. تدللن نبضات قلبي
.
.
قبل جزء اليوم اسمحن لي أن أعيد تذكيركن بأحداث الجزء الأخير قبل رمضان
فأحداث جزء اليوم تكملة لها:
كنا في الليلة الثانية من غضب لطيفة والعنود وباكينام على مشعل وفارس ويوسف
لطيفة أجهضت وتتعامل مع مشعل ببرود
العنود عادت لبيت والدها ولا أحد يعلم بغضبها وسببه سوى مريم
يوسف هو من ترك البيت لباكينام
ناصر طلب من مشاعل أن تختار مكانا ليسافرا له في شهر عسل متأخر
حمد أخبر أهله أنه سيعود قريبا
راكان غاضب من موضي بسبب قلة ثقتها بنفسها على خلفية ماحدث حين رآها تنظف ورأى إصابة كتفها فهربت من أمامه
لتعود بعدها ويتناقشان في الموضوع
فيشعر راكان أنه قد يثور عليها لذا يقرر أن يذهب ليستحم"
الجزء الجديد سيكمل من هذه النقطة
وموعدنا القادم سيكون يوم الإثنين الساعة التاسعة والنصف صباحا إن شاء الله
فجزء اليوم طويل وأريد أن أتيح لكن القراءة وإعادة التواصل مع القصة
.
استلموا
.
الجزء الخامس والتسعين
.
قراءة ممتعة مقدما
.
.
لا حول ولا قوة إلا بالله
.
.
أسى الهجران/ الجزء الخامس والتسعون
ذات الليلة الطويلة
بيت راكان
موضي بقيت في الصالة جالسة يلفها حزنها وأساها ويحيط بروحها إحاطة السوار بالمعصم..
وأكثر ما يضايقها أنها ضايقت راكان.. بل ضيقها كله تحول ليكون من أجله.. ومن أجله فقط!!
توقعت أنه سيعود بعد أن يستحم.. لذا بقيت جالسة لتطيب خاطره.. لتنتزع ضيقه وغضبه
ولكنه لم يعد.. وانتظارها طال
حينما طال انتظارها كثيرا.. توجهت للغرفة بخطوات مترددة
وجدته فرش فراشه وتمدد
آلمها أنه فرش فراشه بنفسه.. فهي من اعتادت على فعل ذلك
وآلمها أكثر أنه نام وهو عاتب عليها.. أو ربما غاضب!!
تنهدت وهي تتوجه للحمام لتغتسل
وتنهد هو تنهيدة أعمق وهو يسمع صوت باب الحمام يُغلَق
فهو تحاشى فتح حوار معها لأنه يخشى أن يثور..وهو يعلم أن ثورته ستكون مرعبة
وهو لا يريد أن يثور عليها.. بل يريد أن يحتويها
ولكن مبالغتها في الضعف والانكسار أصبحت تثير غضبه فعلا لأنه لا يرى مبررا لها
حين عرضت عليه أن يتزوجها قبل أكثر من شهرين وهي تصف نفسها أنها ماعادت تصلح لرجل لا جسديا ولا نفسيا
توقع أنها لابد أصبحت في شبابها امرأة دميمة أو معدومة الجمال أو تعاني من تشويهات حادة.. ومع ذلك وافق أن يتزوجها
ولكنه وجد أمامه وفي عينيه هـو آية من الجمال..رآها معجزة لا تتكرر.. وفتنة خالصة ماحسب أنه قد خُلق على الأرض مثلها
فتنة هزته بكل العنف والحدة.. علمته معنى الاشتياق والرغبة والالتياع بأقصى معانيها
فتنة لا تشبع عيناه من النظر لها بضراعة وإعجاب تجاوز كل مفاهيم الإعجاب!!
ومع كل ذلك بقيت تظن أنها تعاني نقصا ما
فأين هو هذا النقص سوى في عقلها الذي لا يريد التزحزح عن أفكاره؟!!
موضي خرجت من الحمام
توجهت لسريرها وتمددت في الناحية القريبة منه كما اعتادت
دقائق مرت
ثم همست موضي بخفوت: راكان.. (لم تستطع أن تنام.. ولديها أمل أن يكون لم ينم مثلها حتى ترضيه)
راكان رد عليها بخفوت مشابه وهو ينام على جنبه وظهره لها: أنا نايم.. ولا تكلميني
موضي اعتدلت جالسة وهمست برجاء عميق: تكفى راكان ما تزعل علي.. والله العظيم ضايقة علي الوسيعة مع زعلك
راكان بهدوء حازم: دامش مخلية ذا الأثر السخيف التافه بيننا.. بأزعل
صمت عميق استحكم للحظات
وراكان مازال يعتصم بوضعيته وهو يعطيها ظهره.. حتى صدمته نقرات ناعمة على كتفه
التفت ناحيتها
كانت تجلس جواره على الارض بكامل عذوبتها التي تعذبه
جلس احتراما لها.. وهما يتبادلان النظرات العميقة
موضي همست بانكسار موجع وهي تمد يدها لأزرار قميص بيجامتها لتفتحها:
دام شوفته بتريحه.. أنا ما أبي إلا الشيء اللي يريحك
كانت لم تفتح إلا الزر الأول حين امتدت يد راكان لتمسك يدها بقوة ويهتف لها بحزم: لا .. موضي.. لا
ثم تناول كفيها واحتضنهما وهي أنزلت عينيها للاسفل
همس راكان بحنان رجولي: أنا ما أبي أشوفه لمجرد الشوفة
أنا أبي يوم أشوفه ما أشوف نظرة الانكسار ذي
أبي يوم أشوفه.. أشوفه برضاش ولأنش أنتي تشوفينه شيء عادي ما يستلزم تدسينه عني
أنا ماطالبتش بشي يا موضي ولا أبي أضايقش.. بس على الأقل أبي أحس إنه إحنا أصحاب جد وما بيننا حواجز
قال "أصحاب".. ولا يعلم لماذا بدت هذه المرة ثقيلة جدا على لسانه!!
تمنى لو يقول كلمة أخرى..
أخرى تماما!!
نفض رأسه وكأنه ينفض أفكاره..
بينما الأفكار تبقى ملتصقة بجزيئات الرأس مهما اهتز!!
*************************
اليوم التالي
يوم جمعة
صباح الدوحة
بيت محمد بن مشعل
الساعة التاسعة والنصف صباحا
الصالة السفلية
مريم تجلس مع والدتها أمامهما فطور الصباح
العنود نزلت بعد لحظات
سلّمت.. ثم قبلت رأس والدتها ورأس مريم وجلست
أم مشعل بنبرة مقصودة: أشوفش ممسية عندنا اليوم بعد؟؟
العنود بابتسامة مُغتصبة: وبأمسي عندكم الليلة بعد..
أم مشعل بحزم: إذا أنتي حامل وتوحمين ومقروفة من بيتش.. حياش الله بدال الشهر سنة
أي شيء ثاني.. بيتنا يتعذرش.. وقومي لبيت رجّالش
العنود شهقت بصدمة: كذا يمه؟!!
أم مشعل بذات الحزم: إيه كذا..
المرة العاقلة تحل مشاكلها في بيتها.. ولو رجّالها هو الغلطان تعاتبه أو حتى تأدبه وهي عنده..
ما تطلع من بيتها وتشمت الناس فيها وتفضح روحها
العنود وقفت.. وعيناها تتغرغران بالدموع
وهمست بصوت باكٍ: رجعة لبيت فارس ماني براجعة
وإذا بيتش يمه ضايق فيني.. رحت لبيت اخي مشعل
قالت جملتها وركضت للأعلى وهي تنشج وتسف دموعها
مريم تنهدت وهي تهمس لأمها: يمه قسيتي عليها واجد
أم مشعل بألم: لو علي يامريم أنتي أكثر وحدة عارفة إنه العنود غلاها غير..
هي حشاشتي (الحشاشة=آخر العنقود) ..
ويوم جبتها ناصر عمره 8 سنين وأنا متشفقة عليها (متشفقة=تتمناها)
وأنتي عارفة إنه حتى المرض مرضت يوم تزوجت وراحت.. وأفرح ماعلي تقعد عندي وماتفارقني..
لكني ما أبي أكبّر رأسها على رجّالها
فارس رجّال مهيب معينه مثله.. أدري إنه فيه ثقل شوي.. لكن حلات الرجّال بثقله.. وهي لازم تعوّد على طبايع رجّالها
مريم تقف لتذهب للعنود وتهمس برقة: بس بعد يمه مهوب كذا.. لأنش ما بعد تعرفين وش بينها وبين رجّالها
هي إن شاء الله بترجع بس عطيها وقت
مريم تصعد للطابق العلوي بخطوات ثابتة هادئة حتى وصلت لغرفة العنود
طرقت الباب بخفة
ثم دخلت
كما توقعت: كانت العنود تبكي
مشت حتى وصلت السرير ثم جلست جوار جسدها الممدد لتمسح عليها وتهمس بحنان خالص:
بس يا قلبي.. أمي تبي مصلحتش
العنود بين شهقاتها: أمي عمرها ما كانت قاسية كذا
تقسى علي.. وعشان فارس؟!
مريم صمتت فهي تعرف العنود جيدا ومادامت بدأت بالبكاء فهي لن تتوقف حتى تنهي طاقة البكاء لديها وتهدأ
مضت فترة من الزمن والعنود تبكي ومريم تمسح على شعرها حتى هدأت
حينها رفعت رأسها وهمست بصوت مبحوح من أثر البكاء:
ممكن خدمة مريم؟؟
مريم بحنان مرح: بالعادة يقولون عيوني لش.. أنا بأقول أذانيي لش.. لأنها هي اللي مقام العيون عندي
العنود بخجل: أنا سألت أم فارس البارحة عن تلفوني قالت ما تدري
أنا خليته في الغرفة عند فارس
تكفين كلمي فارس خليه ينزله عند أمه تحت.. وأرسلي سونيا تجيبه
مريم بنبرة مقصودة: اخذي التلفون وكلميه
العنود بعتب: مريم تستهبلين علي؟!!
ثم أردفت برجاء: تكفين مريم تكفين
أبي تلفوني.. عندي كويز يوم الأحد وما أدري وش اللي داخل معنا لأني ماحضرت محاضرة أمس الخميس.. أبي اتصل في البنات
مريم تنهدت: زين ظنش فارس صحا من نومه؟؟
العنود بعفوية: عمره ما تأخر في النوم يوم الجمعة.. على ثقل نومه إلا إنه يقوم بدري
العنود بترت جملتها وهي تشعر بغصة كبيرة تتجمع في حلقها وهي تشعر برغبة حادة للعودة للبكاء
كيف هو حاضر في مخيلتها حتى بعاداته التي رسخت بتلقائية في فكرها!!
مريم تشعر بها تماما.. تشعر بألمها ووجيعتها
تتمنى لو كانت تستطيع حمل بعض آلام صغيرتها المثقلة بوجعها الشفاف
ما اعتادت على الألم ولطالما كانت مريم تحاول احتواءها واحتواء وجعها
فلماذا فشلت يافارس؟؟ لماذا؟؟!!
مريم تناولت هاتفها واتصلت به
ولكن مالم تعلمه العنود أن عادات راسخة قد تتغير في يومين
حينما يأتيها ماهو أقوى من رسوخها
ففارس لم ينم مطلقا خلال اليومين الماضيين
حتى انهار جسده من الإرهاق ونام بعد صلاة الفجر
لذا حينما رن هاتفه كان مايزال نائما
رن الهاتف مطولا وهو لم يشعر به
ولكنه نهض من نومه على الرنة الأخيرة والتقط الهاتف دون أن ينظر للاسم وهمس بنعاس غاضب: نعم
مريم باحترام: الله ينعم عليك
فارس حين سمع صوت مريم تحفزت حواسه كلها وهو يقفز جالسا
لأنه علم أن مريم لن تتصل إلاَّ من أجل العنود
وآه من العنود.. ومن كل ما يخصُّ العنود!!
همس باحترام: هلا والله ببنت محمد.. السموحة يأخيش ماشفت اسمش
مريم برزانة: مسموح طال عمرك في الطاعة
أشلونك فارس؟؟
فارس بهدوء راقٍ: طيب طاب حالش... بشريني منش؟؟
مريم بهدوء: يسرك الحال
ثم أردفت لتنهي سلسلة السلامات التي يتحرق كلاهما لإنهائها:
ممكن خدمة ولا عليك أمر؟؟
فارس شعر بتحفز لم يظهر في صوته الهادئ الواثق: آمري
مريم بذوق: تلفون العنود عندك في الغرفة يا ليت تخليه عند الوالدة تحت وبتجي سواقتي تاخذه
فارس تنهد تنهيدة لم تتجاوز أعماقه.. ثم همس بحزم: وليش العنود ما اتصلت تطلبه مني؟!!
يعني عشان زعلانة مني.. حتى من الكلام بتقاطعني ؟؟
أشلون بنتفاهم زين؟؟ بالحمام الزاجل؟!!
مريم ابتسمت: لا تعقدها يا ابن الحلال
عطها وقت
فارس بصراحة وثقة: ما أبي أعطيها وقت يامريم.. أبيها ترجع
العنود تهمس لمريم التي تراها تبتسم.. وحوار بدا لها غامضا بدأ يدور: "مريم وش يقول لش؟"
مريم تشير لها أن تصبر وتهمس لفارس برزانة: فارس مافيه شيء ينحل بذا الطريقة
لازم تراضيها
فارس بحزم: إذا رجعت لبيتها راضيتها.. قبل كذا لا..
مريم تنهدت: بأقول لها..
فارس بحزم صارم يخفي وراءه أملا شاسعا: عطيني إياها أكلمها
مريم همست للعنود: فارس يبي يكلمش
العنود برفض حازم وصل لمسامع فارس: مستحيل.. ما أبي أكلمه
قبل أن ترد عليه مريم همس فارس بنفس نبرته الحازمة: خلاص مريم خلي سواقتش تجي
أنا رايح للصلاة وبأخلي التلفون عند أمي
حينما أنهى الاتصال
همست مريم للعنود بخفوت: يقول لش ارجعي لبيتش وعقب بيراضيش
العنود بغيظ رقيق: أمانة عليش شفتي واحد مقفل مثل هذا؟!!
أنا أعرف الرضاوة قبل الرجعة
وهذا يبيني أرضى وأرجع بدون هو ما يتنازل وينزل من برجه العالي
خليه يولي يامريم
مريم بحنان: فكري ياقلبي فكري..المسائل ماتحل بذا الطريقة وأنتي عارفة إنش تحبينه
تنهدت العنود: الحياة الزوجية تحتاج شيء أكثر من الحب
تحتاج التفاهم والاحتواء أكثر
ثم أردفت: خلينا الحين من ذا السالفة.. أنا بأقوم أتسبح
قولي لسونيا إذا راحت تجيب تلفوني.. تستأذن أم فارس وتجيب كل الكتب والأوراق اللي على مكتبي وفي أدراجه ..أبي أدرس
على الطرف الآخر
حينما أنهى فارس الاتصال مع مريم
نهض ليبحث عن هاتف العنود واتصل به ليرى أين مكانه..
كان يرن ولكنه لا يسمع صوته
ثم وجده على ناحيتها التي كانت تنام عليها وكان مكتوم الصوت
وكان اسمه مازال يضيء على الشاشة
"فــارس قـلـبـي"
شعر بألم عميق ينتاب روحه.. فهو حتى لم يعرف بماذا كانت تحفظ اسمه في هاتفها
فهو لم يسبق أن فتش في هاتفها مطلقا
فهو مع شدة غيرتها عليها
لم يكن مطلقا يخطر له أن يشك فيها أو أن يفتش في هاتفها
فهي عنده كانت فوق كل الشبهات
أطهر من الطهر
حمامة بيضاء عذبة مثقلة بالطهارة
كم كان سعيدا ومحلقا بها ومعها!!
(آه.. يا أميرة قلبي أنتِ وحمامتي البيضاء
يابهجة أيامي.. ياخارطة عشقي ومسامات روحي النازفة ولهاً
أي جريمة ارتكبتها بحق نفسي قبل أن ارتكبها بحقكِ؟!!
حبيبتي لا تطيلي أيام عذابي
ماعاد بي صبر
يومان مرا كأنهما قرنان متطاولان وجعا وألما ويأسا
الشمس تشرق باهتة لأنها لا تشرق على محياكِ
والنسيم يمر متثاقلا لأنه لا يحمل رائحة عطرك
عودي إليَ حبيبتي.. عودي إليَ
عودي إلى حبيبكِ المتغطرس المتكبر
فهكذا هو فارس الذائب في غرامكِ!!
هكذا خُلقت!!
فلا تحاولي كسري)
فارس تنهد وهو يعود للهاتف في يده والذي أخذته ذكرى صاحبته إلى عوالم أخرى
عوالم مثقلة بالشوق اللا متناهي..
فتح الهاتف.. كان هناك عدد من الاتصالات لم يُرد عليها
من أشقائها وصديقاتها
وكان على الشاشة تذكيرا لورقة عمل لأحد مقرراتها
فتح فارس التقويم
كان على التقويم تحديد دقيق لأيام دورتها الشهرية خلال الشهرين الماضيين
ثم لأيام التبويض بدايتها ونهايتها
كانت العنود تخطط (بإذن الله ومشيئته) للحمل بأمل عميق
ولكنه جاء بقسوته لينسف كل أحلامها ويفسد كل ماهو جميل بينهما
تنهد بعمق موجع لاسع.. بصق وجعه نزفا وهو يتوجه للحمام ليستحم
حينما انتهى وارتدى ملابسه تناول الهاتف بحرص وهو يحتضنه في كفه بحنو وكأنه يحتضن بعض رائحة العنود
أعطاه لوالدته في الأسفل ثم توجه للمسجد
حينما عاد بعد الغداء في المجلس
جلس مع والدته قليلا ثم توجه لغرفته
عاد بعد أقل من دقيقة وهو يهمس بغضب حاد: يمه وين كتب العنود؟؟
أمه ببعض حزن لأنها عرفت ما أغضبه: عطيتهم سواقة أختها لأنها جات تبيهم
البنية تبي تدرس دورسها
تنهد فارس بحزن عميق..موغل في روحه المثقلة بالوجع
روحه ماعادت تحتمل.. فأي هم جديد هذا؟!!
اليوم أخذت كتبها.. سحبت بعضا من عبقها من حياته
ما يدريه أنها غدا لن تأخذ ملابسها وبقية أغراضها
لتتركه محروما حتى من رائحتها التي تصبره على بعض غيابها
ولتعطيه بذلك إشارة نهائية إنها لن تعود
*********************
ذات يوم الجمعة
الساعة التاسعة والنصف صباحا
بيت مشعل بن محمد
لطيفة تصحو من نومها على مداعبة جود لخدها
ابتسمت بعمق وهي ترى وجه صغيرتها وابتسامتها البريئة
ولكن ابتسامتها تحولت لكدر عفوي وهي ترى مشعلا يقف بجوار سريرها
رغم تضايق مشعل من تغير وجهها حين رأته..
لكنه استمر في ابتسامته وهو يهمس بعمق حنون عامر بعبق رجولة خاصّ: صباح الخير حبيبتي
همست بذات النبرة المحايدة التي باتت نبرتها معه مؤخرا: صباح النور
مشعل بحنان: أشلونش اليوم ياقلبي؟؟
لطيفة بهدوء: الحمدلله
مشعل بهدوء حانٍ: ترا عمتي أم مشعل هنا من الساعة سبع جابت لش ريوق.. وسبحت جود وعبودي
ومشطت شعر مريم عقب ماخلتها تسبح
وقعدت ورا حمود لين سبح ولبس.. وتوها راحت الحين
حينها ابتسمت لطيفة بشفافية: فديت قلبها.. وليه ماصحتني؟ وإلا قعدت؟؟
مشعل ابتسم بعمق لعودة ابتسامتها: تقول بترجع بس تبي تشوف أخوانش وجدتي أول
عادت لطيفة للكدر وابتسامتها للاختفاء ولكنها قربت جود منها وهي تحتضنها بحنان وشجن كبيرين
مشعل جلس جوارهما واحتضن الاثنتين
لم تمنعه من احتضانها لكنها في ذات الوقت لم تتجاوب معه
شعور كريه ومؤذٍ وجارح ومتوحش لأبعد حد
كما لو كنت تحتضن تمثالا.. لا يشعر بدفء أحضانك
تمثال خالٍ من الحياة والدفء والتدفق الإنساني
أكثر ما كان يفتن مشعل في لطيفة هو ذوبانها بين يديه
كانت تنصهر بعذوبة في أحضانه
ولكنها الآن تبدو كما لو كانت مخلوقا مجردا من أي إحساس معه بالذات
لأنه يرى لطيفة الطبيعية المتدفقة مع كل أحبابها عداه
"أحبابها؟!!"
هم أحبابها..
و هــو ماذا؟؟!!
************************
بيت محمد بن مشعل
غرفة ناصر ومشاعل
الساعة 10 صباحا
"أسبانيا"
همس عذب خافت
ناصر يفتح عينيه ويبتسم بشفافية وهو يرى وجه مشاعل القريب منه
وهي تتمدد جواره على بطنها وترفع جزئها العلوي استنادا على كوعيها وذراعيها
وتهمس له من قرب
يهمس بنعاس: يالله صباح خير..الناس يقولون صباح الخير
وإلا قوم ياحبيبي
وانتي مقومتني بأسبانيا
مشاعل بدلال رقيق: أبي أسافر أسبانيا
ناصر يبتسم وهو يضع كفيه تحت رأسه: وش معنى؟؟
مشاعل بعذوبة: ماجيتها قبل وحابة أشوفها
ناصر بخبث رقيق: وغيرها ماله من الحب نصيب؟؟
مشاعل بمودة دافئة: غيرها الحب كله له
ناصر بتمثيل مصطنع لطيف: إيه كلام في كلام..
مشاعل مالت عليه وطبعت على وجهه عدة قبلات رقيقة ثم همست بخجل: مهوب كلام بس
ناصر بانشراح ودود: آه يا قلبي..
وش أفطرتي اليوم الصبح؟؟ كل يوم لازم تاكلينه
مشاعل برقة: مابعد أفطرت.. ليه أنا تعودت افطر قبلك؟!!
ثم أكملت بمرح لطيف: وبعدين هذا شغل تمسيح حق سفرة أسبانيا
ناصر يلقي بالغطاء ليجلس وهو يهمس بمرح: صدق إن كيدهن عظيم
ثم مد يده لتحت السرير ليتناول ساقه.. مشاعل أمسكت بيده وهي تحتضن ظهره ثم تهمس عند إذنه برقة: أنا وش قلت؟؟
هذي مهمتي أنا
ناصر احتضن ذراعيها المحيطتين بصدره بقوة وحنان..
ثم أفلتها وهو يبتسم: زين ياصاحبة المهمات الصعبة.. قومي خلصيني
عشان أسبح وأروح لصلاة الجمعة
**************************
مرت أيام ستة على الأحداث الماضية
ومازال الوضع على ماهو عليه كل الجبهات
عدا جبهة ناصر ومشاعل اللذين سافرا قبل ثلاثة أيام إلى أسبانيا بعد انجاز الفيزا على أن يعودا قبل موعد زواج مريم
وكان وضعهما أكثر من رائع مودة وتفاهما وحبا
بالتأكيد مازالت مشاعل خجولة ولكنه الخجل الأنثوي الرقيق الذي بات يفتن ناصر ويراه يميز شخصيتها العذبة
وناصر بات يعرف كيف يتعامل معها تماما وكيف يحتوي خجلها بحنانه ومرحه
وهي من ناحيتها باتت شديدة التعلق به وتحكم سيطرتها على حياته وقلبه في ذات الوقت الذي برع فيه هو في العزف على أوتار قلبها
راكان وموضي وضعهما على ماهو عليه
"أصـــــــــحـــــــــاب"
صحبة عميقة وود متأصل واحترام متبادل
ولكن الوضع بات صعبا على راكان خصوصا
مازال يحكم سيطرته على نفسه
ولكنه لم يتوقع أن قرب موضي جواره سيحيي مشاعر من أي نوع فيه
وهي تقتحم بدون قصد منها كل حصونه لتدكها دكاً
سفره لسنغافورة سيكون الليلة وهو يراه جاء في موعده تماما حتى يبتعد قليلا عن الجو المشحون
ولكنه في ذات الوقت لا يريد الابتعاد عن هذا الجو ولا عنها
بقربها أصبح لحياته معنى آخر ونكهة أخرى أكثر سعادة وحلاوة واختلافا
موضي قررت أن تعود لعملها فور سفر راكان
حتى تلتهي عن غياب راكان عنها
لا تستطيع أن تنكر أنها ستفتقده وستفتقده بشدة
تشعر مع اقتراب موعد سفره بما يشبه الضياع.. شيء يشبه الحرقة والوجع غير المفهومين
لا تعلم ماذا فعل بها راكان.. لكن الأحاسيس التي تعيشها جديدة عليها
ولذيذة.. لذيذة جدا
"أ هكذا تكون المشاعر بين الأصحاب؟!!!!!!!!"
جبهة العقاب والعقاب المضاد
مشعل ولطيفة.. فارس والعنود.. يوسف وباكينام
مازال الحال على ماهو عليه
لطيفة تحسنت بعد يومين وعادت لممارسة حياتها بصورة طبيعية
مع الجميع هي لطيفة التي يعرفها الجميع
عدا مشعل.. هي أنثى أخرى مثقلة بالبرود
تمارس مهامها بطريقة آلية.. فهي عادت لترتيب أغراضه وملابسه والاهتمام بكل ما يخصه.. ولكن بطريقة آلية تماما
يفتقد لمستها الحانية الدافئة إلى حد الوجع المتوحش
لا تناقشه ولا تشاكسه ولا تعانده.. بل لا شيء.. لا شيء إطلاقا
إن أمسك بيدها لن تمنعه.. ولكنه ما أن يمسكها على أمل أن يقرأ على رعشة أناملها عودة حبيبته حتى يعود لإفلاتها
لأن هذه الأنامل الساكنة المسكونة بالجليد ليست أنامل حبيبته!!
فارس والعنود مازال كل منهما في مكانه
ولكن قضيتهما باتت أكثر تعقيدا
العنود أخبرت والدها أن هناك خلافا بينها وبين فارس ولا تريد العودة له
حاول محمد ومعه أبناؤه مشعل وراكان وحتى ناصر قبل سفره إقناعها بالعودة لبيتها
ولكنهم فشلوا مع إصرارها على رأيها ثم انهيارها في البكاء الذي نحر قلب والدها الشيخ وهو يراها تنتحب في حضنه
لذا طلب من أشقائها وقبلها من فارس أن يصبروا عليها قليلا
لأنه لا يستطيع إجبارها على العيش مع فارس إن كانت رافضة للعودة بهذه الصورة الحادة
فارس يعاني بصمت من غيابها..ويعتصم بكبريائه العتيد وإن كان يكاد يجن اشتياقا لها
ومايصبره أنها مطلقا لم تأخذ أي شيء من أغراضها
مازالت كل أغراضها عنده
وهو يتصبر على أمل أنها تركتها لأنها ستعود لها
ولكن مالم يعلمه أن العنود لم تأخذها لأنها لا تحتاجها فعليا
فلديها من الملابس الكثير في غرفتها في بيت أهلها
وهي تشعر بالخجل أن تتوجه لأخذ ملابسها من بيت فارس
يوسف وباكينام
يوسف استأجر له غرفة في سكن طلابي قريب من الجامعة
ولم يعاود الاتصال بباكينام مطلقا
ولكنه يعرف أخبارها من ماريا وسانتياغو
لذا كان إصراره عليها أن تبقى في البيت.. حتى يستطيع الاطمئنان عليها وعلى كل أخبارها
وباكينام خفت كدمة خدها وعادت للجامعة
ولكنها تشعر بألم وحشة متزايد
لأن جدتيها سافرتا اليوم عائدتين كلٌ لبلدها التي لا تحبها ولكنها لا تستغني عنها
صفية لمصر.. وفيكتوريا لبريطانيا
كان بود الجدتين البقاء مع باكينام ولكنهما تعلمان أن حفيدتهما قوية وتعرف كيف تتصرف في حياتها
الجدتان لم تخبرا أحدا بما حدث بين باكينام ويوسف ولا تنويان إخبار أحد
فبما أن باكينام لا تريد أن يتدخل أحدا بينها وبين زوجها فهما لابد أن تستجيبا لطلبها وتحترمانه
ساكنا واشنطن الآخران: مشعل وهيا
وضعهما مستقر ودافئ وربيعي ومنعش
مستغرقان في الدراسة.. والتفاهم بينهما أكثر من مدهش
الصغار..
سلطان الصغير سعيد وغير سعيد.. سعيد لأنه حصل على الكثير من البشارات على تبشيره برجعة مشعل
وغير سعيد لأن مشاعل سافرت وستغيب لفترة يراها طويلة وهو حاقد على ناصر الذي سافر بها
فيصل وفهد أبناء سعد.. يشعرون بالتوجس والترقب
كيف سيكون هذا الوجود الأنثوي في حياتهم؟؟ وهذه الأم الجديدة؟؟
أمهما توفيت وهما صغيران.. فهد بالذات لا يذكرها جيدا
ولم يعرفا لهما أما سوى عمتهما وضحى وجدتهما أم والدتهما قبل أن تتوفى
أو ربما بمعنى أصح لم يعرفا لهما أما وأبا سوى والدهما الذي حاول أن يقوم بالمهمتين معا
***************************
واشنطن
الساعة العاشرة والنصف مساء
بيت يوسف
باكينام تدور في البيت.. تشعر بوحشة عميقة
اشتياق عميق لجدتيها
واشتياق موجع.... لـــــه
تتمنى لو تعود للسكن.. ولكنها عاجزة عن التنفيذ ولا تعلم السبب
هل لأنها هنا قريبة من رائحة ذلك المتوحش الكريه؟!!
رغم كل شيء.. وبكل الجنون غير المفهوم: قربها من عبق رائحته يهدئ ألم قلبها ويبعث إحساسا عميقا بالأمان في روحها
قررت أخيرا أن تجلس في في الصالة السفلية وتقرأ لها كتابا
كانت حينا تقرأ وحينا تسرح في عالم أفكارها
ثم
سمعت صوت باب البيت يتحرك
شعرت بالرعب وهي تقفز لتتناول السيخ الذي يقلب به الحطب من المدفأة المطفأة
وتقترب بتحفز من الباب
كانت تقرأ آيات من القرآن الكريم في قلبها وهي تحاول أن تستمد بعض القوة رغم الخوف الشديد الذي تشعر به
فُتح الباب بهدوء وهي شهقت من الرعب وهي ترفع السيخ لتهوي به على رأس اللص المقتحم
لتتفاجأ أن اللص ليس سوى يوسف
باكينام تنهدت براحة وهي تنزل السيخ
ولكنها عادت للتقطيب وهي تهمس بغضب مكتوم: انته جاي ليه؟؟ وفي الوئت ده؟؟
يوسف ينظر لها باستغراب: إيه الاسئبال الغريب ده؟؟
باكينام من بين أسنانها: فزعتني.. كنت فكراك حرامي
يوسف يجيل بصره فيها وفي قميص نومها القصير: وأنتي كنت ناوية تضربي الحرامي وأنتي لابسة كده
ده أنتي كده خطر أكتر من الحرامي
باكينام تراجعت بخجل وهي تنتبه للبسها: ليه كنت عاوزني أئول للحرامي استنى لحد ما أغير ملابسي وأرجع لك
يوسف بهدوء حازم وهو يقول بجدية: ما يهمنيش.. لو كان فيه حرامي بجد
خليه يسرء اللي هو عاوزه بس أنتي ما تطلعيش ئدام أي حد كده
ثم همس بعمق وهو يقترب من أذنها: أنا ما أسمحش لحد يشوف حاجة بتاعتي أنا وبس
باكينام تراجعت بوجل وهي تهمس بحياد: أنته جاي ليه؟؟
يوسف تجاوزها وهو يخلع جاكيته ويلقي به على المقعد: مش هادايئك
محتاج شوية كتب من مكتبي وهامشي
باكينام بنبرة محايدة: الليلة؟؟
يوسف يبتسم: زي ما تحبي.. لو عاوزاني أمشي الليلة هامشي
يوسف فعليا لا يريد شيئا.. لكنه علم من ماريا أن العجوزين سافرتا
لذا قدم يريد الاطمئنان على باكينام فقط
تنهدت باكينام بحزم: آه عاوزاك تمشي الليلة
يوسف قطب حاجبيه ثم همس بحزم مشابه: عشر دئايئ..بس أخد كتبي وأمشي حالا
وبما إن ستاتك مشيو..لما تخرجي مكان ابئي اديني خبر رايحة فين وراجعة امتى.. ولو هتخرجي بالليل أنا اللي أوديكي وأرجعك
******************************
ذات الوقت في الدوحة
ولكن توقيت مختلف
الساعة السابعة والنصف صباحا
بيت مشعل بن محمد
لطيفة تعود لغرفتها بعد ذهاب أولادها لمدارسهم وإنهائها لجولتها الصباحية في أرجاء البيت
كان مشعل يستحم حين دخلت للغرفة
أخرجت ملابسه وعطرتها كما اعتادت ووضعتها في غرفة التبديل..
فعلت ذلك كعادة.. كواجب.. كالتزام اعتادت عليه.. وليس كروح!!
حين خرج مشعل وارتدى ملابسه
وجدها ترتب السرير
اقترب منها ليحتضن ظهرها بقوة حانية وهو يطبع قبلة دافئة على جانب عنقها
لم تتحرك مطلقا ولم تتجاوب.... كما لم تمنعه
تنهد مشعل في داخله بألم محرق يخترم روحه كالجمر.. ولكنه حاول الابتسام وهو يهمس في أذنها:
لطيفة حبيبتي.. ترا مشروع العمرة ما انلغى بس مؤجل شوي لين تطهرين ونروح
وش رايش؟؟
لطيفة بهدوء تام: على راحتك
مضى لها فترة وهي لا تهمس باسمه مطلقا..مــطـــلــــقـــا!!
اسمه غائب تماما في حوارتهما.. وهو بدأ يلاحظ هذا
ولكنه يعلم أن مافعله بحقها ليس بسيطا ولا سهلا
لذا (مــــــازال) يبحث عن العذر لها
وهو مستمر في محاولاته الدؤوبة لإذابة جليدها
*************************
الدوحة
بعد صلاة المغرب
بيت راكان
موضي تغلق حقيبة راكان بعد أن أنهت ترتيب ملابسه وأغراضه بعناية بالغة
بينما كان راكان يقف عند التسريحة ويضع جواز سفره وتذكرته في حقيبة رسمية صغيرة
موضي تتحاشى النظر لراكان
وتشعر أنها على وشك البكاء وهي تتمترس خلف قوة زائفة وتحاول ألا تنظر لناحية راكان حتى لا تتبخر هذه القوة
همست بصوت حاولت جعله طبيعيا: راكان خلصت شنطتك
راكان التفت لها ولاحظ أنها تتلهى بإعادة ترتيب بعض الأشياء في الدولاب
همس بهدوء: موضي تعالي
موضي اقتربت بتردد ودون أن ترفع بصرها إليه
همس لها بلطف: تدرين إنش اليوم من صبح ماحطيتي عينش في عيني
تعاقبيني أنتي؟؟
همست بجزع: لا والله.. بس
ثم صمتت
حينها مد راكان يده لذقنها ورفع وجهها بحنان
لتلتقي عيناها الدامعتان الوجلتان بعينيه الحنونتين العميقتين
وحـيـنـهـا.......... سالت دموعها بصمت
مد راكان كفيه الاثنين ومسح دموعها بحنان مصفى ثم همس برجاء فخم:
موضي لا تبكين واللي يرحم والديش
موضي بمصارحة شفافة وصوتها يختنق: باشتاق لك
راكان بذات الشفافية الموجعة: وأنا باشتاق لش بأكثر
غريبة هذه الشفافية!!..
ومصارحتهما العذبة بمشاعرهما دون ارتباك أو حواجز!!!
ولكن أ ليس الأغرب هو عجزهما عن تصنيف هذه المشاعر وإدخالها في خانتها الفعلية التي تنتمي لها؟!!
همست له بحنان ودموعها مازالت تسيل برقة على خديها: خلي بالك من نفسك.. ونبي ذهبية
همس لها بذات حنانه المصفى: إن شاء الله.. بس ما أبي أروح وأنا آخر شيء أشوفه دموعش.. تكفين
موضي مسحت دموعها وابتسمت: خبرك حن النسوان نحب نسوي أفلام هندية أو ما نرتاح
راكان بفخامة: مافيه في النسوان مثلش.. فلا تحطين نفسش معهم في الخطاب
ولا تقارنين نفسش بحد
انتفضت موضي بخفة وهي تنظر بشجن عميق لراكان
(هل تقصدها ياراكان؟!!
هل تقصدها؟!!
أ حقا لا ترى من تساويني؟!!)
قطع لحظاتهما الخاصة رنين هاتف راكان.. كان مشعل يستعجله وينتظره في الخارج ليوصله للمطار
همس راكان بهدوء: هذا مشعل ينتظرني برا.. ما تبين شيء
موضي تتذكر شيئا: بعد أذنك أبي أستأذنك.. فيه ناس محتاجين مساعدة.. وحدة من صديقاتي قالت لي عنهم..
تقول حالتهم تعبانة تعبانة.. أبي أروح لهم أعطيهم المقسوم..
ماني بنازلة.. بس بأروح مع السواق والخدامة.. عشان أتأكد إن السواق بيعطيهم اللي أنا عطيته كله
أروح؟؟؟
راكان ابتسم بحنان: جعل خيرش واجد والله يكتبه في ميزان حسناتش.. روحي
قالها وهو يمد يده لمحفظته ويستخرج كل مافيها ويمدها لها ويردف: وعطيهم هذي بعد
موضي بهمس متأثر: ماخليت معك شيء
راكان بهدوء عميق: الخير واجد يابنت الحلال.. ولئن شكرتم لأزيدنكم.. الحمد لله وألف شكر
موضي بتأثر: جعل خيرك واجد.. والله يردك سالم غانم
راكان علق حقيبته الرسمية في حقيبة ملابسه وكلاهما من طقم واحد بالغ الفخامة بلونه الأسود اللون الذي قد يمثل راكان بفخامته وغموضه
سحبهما بيد واحدة وهو يتجه للخارج وموضي معه
وتشعر بضيق عميق كما لو كانت روحها تغادرها
تكاد تشعر بألم حقيقي يمزق شرايينها وكأن الدم توقف عن عبور شرايينها احتجاجا على سفر راكان
حين وصل راكان للباب التفت لها وهمس بحنان حازم: خلي بالش من نفسش ولا تقعدين في البيت بروحش.. وأي شيء تبينه دقي علي في أي وقت
ابتسمت له: لا تحاتيني راكان.. الحين بأسكر البيت وبأروح لبيت هلي
وما أبي شيء إلا سلامتك بس
كان راكان على وشك الخروج لكنه عاد بنظرة عميقة مختلفة.. وموضي نظرت له مستفهمة
همس راكان بعمق خرافي: لو بغيت منش شيء.. ممكن ما تسألين ولا تزعلين ولا تحملينه بأي تفسيرات؟؟
موضي باستغراب: وش ذا الطلب الغريب؟؟ بس على العموم عيوني لك
حينها اقترب راكان منها.. اقترب كثيرا
وضع كفه على مؤخرة رأسها بحنو ليقربها منه أكثر
موضي شعرت أن قلبها سيتوقف.. بل ربما توقف وهي تتلقى قبلته التي لم تتوقعها مطلقا
قبلة تشبهه في عمقها وحنانها واختلافها
شعور صادم وثوري وعميق ورائع ومختلف وموجع تبادله الاثنان
لم يستطع أن يسافر دون أن يحمل معه ذكرى تصبره على بعد هذه المرأة التي أصبحت تزحف عبر كل مسامات جسده إلى حد الامتلاء
لم يعد يسأل كيف؟؟ ولماذا؟؟
فهذه المشاعر الثورية أعمق من كل شيء مُتخيل أو كوني أو معقول
شيء يتجاوز الأساطير والخيالات مهما كان كانت عصية على التصديق
ثم كما فاجئها بقبلته... فاجئها بافلاتها برقة
وهو يلوح لها بيده ويخرج ويغلق الباب خلفه
لتنهار موضي على أقرب مقعد
عاجزة عن التنفس
عاجزة عن التخيل
عاجزة عن الاحتمال
أي فيض مشاعر هذا !!
أي فــيــض!!
*************************
بيت عبدالله بن مشعل
بعد ذلك بساعة
"هيه.. هيه أنتي ماتسمعين"
"نعم.. هلا لطيفة"
لطيفة تبتسم: انبح صوتي أدعيش..ياموضي.. ياموضي
ثم أردفت بخبث: اللي ماخذ عقلش.. تو الطيارة ماطارت
موضي بحنين حقيقي لم تحاول أبدا إخفاءه: الله يرده سالم.. كن الدوحة خالية بسلامة أهلها كلهم
لطيفة بنبرة تمثيلية: تارارارااااااااااا.. وانزلوا الستار.. وعاشو في سبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات
موضي تقذفها بإحدى مخدات المقعد الصغيرة: تدرين إنش سخيفة
لطيفة تضحك: مافيه سخيف غيرش.. وعلى طاري الصبيان والبنات خلصينا انتي واختش.. دمكم ثقيل
بأموت أبي بيبي ألاعبه
موضي تبتسم: صدق مشفوحة.. انتظري ست الشهور الراحة اللي عقب التسقيط وعقبه جيبي لش واحد حقش..
لطيفة ترقص حاجبيها وهي تعيش شخصيتها الطبيعية بعيدا عن مشعل: لا يأختي أبي واحد جاهز ألاعبه متى ما كنت رايقة
مهوب في حلقي 24 ساعة
موضي بخجل تحاول اخفائه بالمرح: مشاعل وناصر أول
لطيفة تبتسم: بس أنتي وراكان أكبر
موضي تحاول تغيير الموضوع: زين أنتي وش كنتي تبين؟؟
لطيفة تتنهد: أبيش تروحين معي بكرة السوق.. فيه أغراض كثيرة أبي اشتريها لمريم وأبي مساعدة
موضي بأريحية: حاضرين.. مريم لو تبي عيوني ما تغلى عليها
يالله ياكريم سعد يعرف قيمتها ويسعدها
لطيفة بعمق: أنا والله خايفة عليها.. شايفتها متوترة أكثر من طبيعتها.. بالعادة مريم تتحكم بنفسها عدل
موضي بهمس: ما تنلام.. الموقف صعب على أي وحدة.. أشلون وحدة بوضعها
******************************
ذات الوقت
بيت محمد بن مشعل
غرفة مريم
العنود تقف أمام المرآة وتجرب أحمر شفاه جديد ثم تهمس لمريم:
ترا خلاص حجزت لش وحدة مكياج ووحدة شعر بس شنو شغلهم... خيااااااااال
مريم بهدوء رقيق: ماكان فيه داعي العنود
العنود باستنكار: وليه مافيه داعي.. أنتي عروس
وبعدين أنتي حلوة وتهبلين ولازم سعد يشوفش متعدلة ويعرف إنه انتي عروس صدق
حقه وإلا لأ؟؟
مريم تبتسم: حقه... وصايرة تعرفين تكلمين في الحقوق
العنود تبتسم: أفا عليش.. تربيتش
العنود مازالت تنظر للمرآة.. انتقلت لشعرها تمشطه
وتنظر لطوله
ثم همست لمريم: تدرين مرايم شعري يبي له شوي قص
أبي أقص لي قصة جديدة قبل عرسش
مريم بأمر هادئ: استأذني فارس قبل
العنود باستنكار جزع: نعم؟؟
مريم بذات الهدوء: سمعتيني عدل
العنود بذات الاستنكار الجازع: وليش استأذن حضرة جنابه إن شاء الله
مريم تبتسم: توش تكلمين في الحقوق.. وهذا حقه
أنتي مرته وعلى ذمته
العنود بغيظ: خلاص ما أبي أقصه إذا فيها مكالمة فارس
مريم بذات الابتسامة: والله أنتي غريبة
العنود تبتسم: أنا.. ليش؟؟
مريم بهدوء باسم تهدف لما هو أبعد منه.. أبعد بكثير: الحين أنتي ما تبين ترجعين له..
وفي نفس الوقت لا جبتي سيرة انفصال ولا طلاق ولا شيء
وش يعني؟؟ تبين تقعدين معلقة كذا؟!!
العنود بتوتر خجول: ما أبي أرجع.. بس بعد ما أبي أتطلق..
ما أتخيل نفسي وأنا ماني بمرت فارس
بس رجعة لا لا.. مابي.. أنا هنا مرتاحة من عصبيته
مريم تريد أن تضحك فعلا على غرابة شقيقتها التي تمثل نموذجا لغرابة المحبين
ولكنها اعتصمت بالهدوء وهي تهمس بخبث مُغطى: زين ولو بغى يتزوج.. يخليش على ذمته بعد؟؟
العنود بحزع مفجوع حقيقي: ويش؟؟ يتزوج؟؟
هنا كادت مريم أن تنفجر ضحكا من نبرة أختها المفجوعة ولكنها أكملت بذات الهدوء الخبيث وهي تشدد النبر على كل كلمة:
إيه يتزوج.. أنتي ما تبين ترجعين..
وفارس شاب توه صغير ومزيون..
مزيون زيادة عن اللزوم..
ولازم يحصن نفسه
حينها توجهت العنود للباب وهي تقول لمريم بنبرة غضب انفعالي:
تدرين إنش سخيفة يامريم..
وإن شاء الله سعد ليلة عرسكم يعطيش طراق مثل اللي فارس عطاني
عشان تعرفين تحريني وتحرقين قلبي كذا
ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها بصوت مسموع
حينها انفجرت مريم بالضحك الذي كتمته حتى كادت تنفجر حين كانت العنود معها
*****************************
اليوم التالي
مع آذن الفجر
الدوحة... مكانان مختلفان
غرفة فارس.. غرفة موضي في بيت أهلها
فارس نهض من نومه قبل الآذان بدقائق فتناول هاتفه ليغلق الجرس قبل أن يرن
فتفاجأ بل صُدم وهو يرى اتصالا لم يرد عليه من العنود
شعر بقلق عميق وأمل أعمق
ماذا تريد منه؟؟
ولماذا اتصلت في هذا الوقت المتأخر؟؟
الاتصال كان في الساعة الواحدة وهو كان قد نام وقت الاتصال ولم يصحُ عليه
وطبعا ما يستحيل أن يعلمه
أن العنود من بعد محادثتها مع مريم البارحة وهي تغلي وتغلي وتكاد تشعر ببخار حرائقها يخرج مع مسامات جسدها الذي اشتعل غضبا وغيرة
فهي تثق كثيرا بكلام مريم.. ومريم لن تقول أنه سيتزوج مالم تكن قد سمعت شيئا بهذا الخصوص
(ما لي إلا أسبوع وشوي من طلعت من بيته
بدل ما يراضيني يبي يتزوج الأخ
يمكن الشيخ فارس من أنصار نظرية أدّب النساء بالنساء)
لذا تهورت واتصلت به حينما بلغ غليانها منتهاها
كانت تريد أن تسمع صوته فقط.. فهي تعرف أنه لا يقاوم صوتها
تريد أن تثبت لنفسها سيطرتها عليه وعجزه عن مقاومتها
وتثبت هي لنفسها شيئا..
شـيــئـا مــا!!!
ولكن ما أن رن هاتفه رنة واحدة حتى قطعت الاتصال وهي تشعر بالندم على تهورها
بدا لها تصرفها سخيفا وخاليا من العقلانية
وربما أن هذا ما أرادته مريم.. أن تثبت لها أنها تغار عليه إلى حد التصرفات المجنونة.. كما كان هو يغار عليها إلى حد التصرفات القاسية
لذا حمدت الله أنه لم يرد وحمدت الله أنه لم يعاود الاتصال
وأرجعت ذلك إلى كبريائه العتيد الذي لم يسمح له بالتنازل للاتصال بها..
لتعود للشعور بالحزن لأنه تجاهلها وهي تدور في دائرة مغلقة متناقضة من المشاعر
وهاهي ماتزال نائمة.. لأنها في بيت أهلها تحب أن تصحيها مريم للصلاة لذا لا تنبه هاتفها
رن هاتفها تناولته بنعاس وهي تهمس: وش ذا الإزعاج؟؟
لتتساقط شرايين قلب فارس شريانا شريانا
وصوتها الخرافي يهزه كأعصار استوائي هادر ويقلب كيانه
حتى بعد ما أصبحت العنود زوجته واستماعه واستمتاعه اليومي والدائم لصوتها وبصوتها
ولكن صوتها بقي له ذات السحر الأسطوري الذي يشعر الآن كما لو أنه تضاعف أضعافا موجعة
وخصوصا مع بحة النعاس التي تأسره وتذيبه وتبعثره
ولكنه يبقى ملك التحكم في الأعصاب.. همس بهدوء: صباح الخير
العنود قفزت وهي تكح من الحرج ثم شرقت وهي تسمع الصوت الرجولي الخشن والعميق
فارس ابتسم ابتسامة شاسعة ولكن الابتسامة لم تتسلل لصوته الثابت: سلامات
العنود بحرج: الله يسلمك
فارس بهدوء: أنتو كلكم بخير؟؟
العنود تكاد تبكي من الحرج وهي تسب نفسها على تهورها البارحة: كلنا طيبين
فارس بتساؤل خبيث: زين ليش اتصلتي البارحة؟؟اشتقتي لي؟!!
العنود توشك على البكاء فعلا ووجهها يحمر حرجا وهي تفكر بشيء ما تقوله..
ثم وجدت شيئا غبيا لتقوله: كنت أبي أسالك عن ساعتي اللي وديتها لوكالتها
فارس يرفع حاجبا وينزل آخر: متصلة فيني الساعة وحدة في الليل عشان تسأليني عن ساعتش؟؟
صمتت وهي تكاد تختنق حرجا وخجلا ووجهها يشتعل احمرار وحرارة
فارس تنهد ثم أردف بعمق حازم: العنود خلش من لعب البزارين وارجعي لبيتش
العنود بهمس مختنق: وليش أرجع؟؟
فارس بذات الحزم: لأن المرة مكانها بيتها
العنود بخيبة أمل: وبس؟؟
فارس بثقة: وبس
العنود بألم: زين يافارس وأنا ما أبي أرجع لبيتي عشانه هو مكان المرة
ولاحظ فارس إنه هذا ثاني حوار يصير بيننا عقب ماطلعت بيتك
وأنك ما فكرت تراضيني أو حتى تعتذر عن اللي سويته فيني
وأنا مستحيل أرجع وأنت ما عرفت ولا اعترفت بغلطتك في حقي
فارس بحزم: وأنا قلتها لمريم وقلتها لش.. أراضيش إذا رجعتي لبيتش
المكان اللي زعلتش فيه هو المكان اللي بأراضيش فيه
العنود بحزم مشابه: وأنا آسفة.. ماني براجعة يا فارس
***************************
ذات الوقت
بيت عبدالله بن مشعل
غرفة موضي
كانت موضي تخرج من الحمام وهي تجفف وجهها ويديها بالمنشفة من أثر الوضوء
رن هاتفها.. ركضت له بلهفة لأنها علمت أنه لن يتصل بها أحد في هذا الوقت إلا هو
التقطته لترد بلهفة حقيقية: هلا والله
جاءه صوته العميق مثقلا ببعض إرهاق: هلا بش
موضي بحنان ممزوج بالحنين الغامر: الحمد لله على السلامة.. وبشرني عنك عسى ما تعبت؟؟
راكان بهدوء: الله يسلمش.. والتعب شوي.. الرحلة كانت متعبة شوي
موضي بحنان: خلاص ارتاح لا تنسى البطولة تبدأ بكرة..وانت وعدتني بذهبية
راكان بمودة صافية: زين بسولف معش لين أنام.. تعودت أخر شيء أسمعه قبل أنام صوتش
موضي بتأثر عميق: زين بأصلي الصبح وأنا بأدق عليك
***************************
بعد خمسة أيام
يوم السبت
الدوحة
الساعة التاسعة والنصف صباحا
موضي متخشبة أمام شاشة التلفاز تتنظر انطلاق المباريات اليوم بقلق حاد
فراكان تجاوز التصفيات وسيشارك اليوم في نهايات الفردي
كان تلفزيون قطر ممثلا بقناة الكأس لم ينقل التصفيات الأولى
ولكن مع وصول أحد لاعبين الفريق القطري للنهائيات قرروا نقل النهائيات
طوال الأيام الخمسة الماضية كان راكان يبدأ يومه بصوت موضي وينهيه به
في مكالمات شديدة الطول مشبعة بالمشاعر الدافئة وبرونق الحديث ومتعته
ورغم الفارق الكبير بين توقيت الدوحة وسنغافورة ولكن هذا لم يكن عائقا بينهما وموضي تقلب جدولها اليومي على توقيت سنغافورة
وحمدت الله أن المنافسات اليوم في يوم إجازتها من العمل
كانت المنافسات ستبدأ بعد نصف ساعة لذا هاهي تجلس متخشبة وبيدها كأس من (الكرك)
فوجئت بدخول لطيفة يتبعها أولادها الأربعة
موضي بانزعاج لطيف: وش جايبكم يالمزعجين؟؟ اليوم نهائي راكان
اسحبي شواذيش واطلعي برا
الأطفال الأربعة ركضوا للأعلى
ولطيفة ألقت بحقيبتها على المقعد: نعنبو دار عدوينش حتى السلام ماخليتني أسلم
وبعدين وش نهائي راكان.. أبي أروح أنا وأنتي للسوق.. قومي
موضي برفض استنكاري: وش سوقه أنتي بعد؟؟ أقول لش نهائي راكان تقولين لي سوق؟؟
وبعدين كل يوم كنت أروح معش.. اليوم سوري.. نهائي راكان
لطيفة تضحك: سجليه وشوفيه عقب
موضي تضحك ضحكة تمثيلية: الله يخلف على مشعل اللي أنتي مرته وأمي اللي أنتي أكبر بناتها
قومي طسي روحي للسوق بروحش.. حافظة أسواق قطر مجمع مجمع وشارع شارع وداعوس داعوس
يمكن لو احتاجوا خبير في الأسواق يأخذونش
لطيفة تضحك: الله وأكبر عليش يأم عيون
وش أسوي يوم إنكم كلكم مافيكم فايدة.. لا سوق عرايس نافعين
ولا سوق عيد نافعين.. ولا حتى سوق رمضان نافعين
موضي ترقص حاجبيها: وليش نتعب نفسنا وعندنا وحدة مشفوحة على السوق
وممنونة تسّوق وتشرى لنا وللجيران بعد
لطيفة تبتسم: الشرهة علي مهيب عليش.. وإلا حد يتكلم مع وحدة عقلها في سنغافورة
أنتي وأنتي عقلش في رأسش مامنش فود.. وأشلون لا صار في ديرة ثانية
ثم ألتفتت لطيفة حولها: زين وين أمي وجدتي؟؟
موضي بابتسامة: مسيرين على بيت عمي محمد يتقهوون عندهم
لطيفة تضحك: مسيرين؟؟ وإلا أمي هيا درت بزعل العنود على فارس ورايحة تغسل شراعها.. كل شيء عندها ولا فارس
موضي تضحك: هذا أنتي عارفة سبب الزيارة.. والله يعين العنود عليها
ثم أردفت باهتمام: إلا الشباب وش مزعلهم من بعض؟؟
لطيفة هزت كتفيها: ماحد منهم راضي يقول.. يقولون خلاف وبس
ثم أكملت بجدية: وبعدين أنتي وفارس اللي صحوبية.. إسأليه
موضي باستنكار: لا لا لا.. أنتي صاحية؟؟؟.. كنش ما تعرفين فارس.. ما يحب حد يتدخل في خصوصياته
وهما في حوارهما نزل سلطان بوجه منقلب وبه آثار النوم
قبل رأس كل من شقيقتيه ثم جلس وهو يسكب لنفسه كأسا من الحليب
لطيفة همست لموضي: وش فيه الأخ ماد البوز شبرين؟؟
موضي ابتسمت وهمست لها بخفوت: عطيه دقيقة وبتدرين
كل يوم على ذا الموال
وبعد أقل من دقيقة كان سلطان يهمس من بين أسنانه: لطيفة.. حماش الشيخ ناصر بيطول وهو ذالف بأختي
لطيفة تبادلت النظرات مع موضي وهي تكاد تنفجر من الضحك
ثم همست بمرح: "أختك"؟؟؟
ليه أنا وموضي وريم ويش؟؟ قطاوة الفريج؟؟
سلطان بمزاج مقلوب: لطيفة تكفين لا تستهبلين علي
أنتي عارفة أنكم كلكم خواتي وعلى الرأس والعين
بس هذا أنتو ثلاثتكم قدامي وملوعين كبدي.. أسال عن مشاعل لأنها هي اللي مسافرة
لطيفة تعيد جملته: "تسأل عن مشاعل لأنها هي اللي مسافرة"؟؟
ثم أردفت بنبرة عادية مصنوعة: أمس ناصر اللي هو رجّال مشاعل اتصل في مشعل ويقول هناك خوش جو
ويبون يسوون جولة على كل أسبانيا..فيقول يمكن يأخذون شهر كامل
كان سلطان يرتشف من كأسه وهي تتكلم.. فشرق وكح
وموضي قفزت مرعوبة وهي تتناول الكأس يده وتمسح وجهها و تهمس بغضب للطيفة التي استغرقت في الضحك: حرام عليش بغيتي تذبحين الصبي
لطيفة تضحك: خليه.. لمتى وهو واقف للمرة ورجّالها
ماعاد هو ببزر خليه يصطلب شوي
سلطان وقف وهو يهمس بغيظ: بأروح أبدل ثيابي
ما يسوى علينا ذا السؤال.. طلع علينا بأكثر من بيع السوق
لطيفة مازالت تضحك وهي ترى سلطان يغادر.. وموضي التفتت لها: حرام عليش فجعتيه
لطيفة تحاول أن تتماسك لتهمس بهدوء: يأختي خليه يفك من مشاعل شوي ماصدقنا يزين وضعها هي وناصر
ثم أردفت باستعجال: هاه بتروحين معي؟؟
موضي بهدوء ثابت: لا فديت عينش.. أصلا كلها خمس دقايق وتبدأ منافسات النهائي
فأنتي توكلي على الله
لطيفة وقفت لترتدي نقابها وتعدل عباءتها: خلاص بأروح بروحي ولو أنه مشعل ما يحب أطول في السوق وأنا ما معي إلا الخدامة
وهي تقف عند الباب همست لموضي بعفوية: إيه نسيت أقول لش
حمد ولد عمتي وصل من السفر البارحة في الليل
قولي لأمي عشان تهني خالي وعمتي بسلامته
وقتها كانت موضي تصب لنفسها كأسا آخر من الكرك وعائدة لمقعدها
ولطيفة قالت جملتها وخرجت
ليسقط الكأس من يد موضي على الرخام
وينكسر بصوت مدوٍ
ويتناثر السائل الساخن على قدميها
#أنفاس_قطر#
.
.
.
.
|