6-وحدهما فقط
كانت غرفة ماندي في مؤخرة المنزل تطل على ملعب التنس وتسمح برؤية حافة البحيرة المحاطة بالقصب والمروج العشبية..وكانت الغابة التي تكلم عنها أليوت تشكل ستارة خلفيه من بعيد..منتديات ليلاس
أسندت ماندي مرفقها إلى النافذة المفتوحة غير آبهة ببرودة هواء الصباح الذي اخترق غلالة نومها..المكان كله مختلف عن جو لندن ورائحتها..وتنشقت بعمق تميل لان تصدق أنها لازالت تحلم.
نظرت خلفها إلى السرير الواسع الذي نامت فيه ليلا ملء أجفانها,كان فراشا عصريا,مريحا.السجادة الناعمة بألوانها الزهرية والرمادية تمتزج بجمال مع الحرير الرمادي الذي يزين الجدران,وهناك خزانة طويلة مصقولة ذات أدراج ومرآة,ومقعد طويل.
وتذكرت ماندي كم هي غير مناسبة مع ما يحيط بها وهي ترتدي ثوبا قطنيا عاديا..أنها متأكدة ان انجلا لاترتدي سوى الحرير والدانتيل للنوم..لكن انجلا معتادة على هذا النوع من الفخامة,أما هي فلا.
تنهدت ماندي وابتعدت عن النافذة وهي تنظر إلى الغرفة بشيء من الارتياب..وتساءلت للمرة التي لا تعد عما كان رد الفعل الحقيقي لوصولها بين الخدم..ليلة امس قدمها أليوت إلى مدبرة المنزل التي كانت مؤدبة جدا معها..واسمها ماغي ماكلونغ..لكنها كانت تعرف ان هناك خدم آخرين..وهل يمكن ان يفكرا سوى بالأسوأ؟
بالطبع كان الوقت متأخرا كثيرا عندما وصلا الليلة الفائتة..فبعد زيارته وعودته المفاجئة لها,وافقت ماندي على تناول العشاء معه لأنها لازالت لديها شكوك بالنسبة لمرافقته,لكن بعد الوجبة اللذيذة في مطعم هادئ,استرخت أعصابها وتوقفت عن الاحتجاج..تنعمت بدفء السيارة والموسيقى الناعمة في الراديو وقرب أليوت المريح,واحست أنها قانعة لاتستطيع المقاومة,وعندما فتحت عينيها للمرة التالية كانا على بعد أميال فوق الطريق الرئيسية.
كان منزل أليوت الريفي أكثر ثاثيرا عليها من شقته في لندن:سجاد حريري,جدران مكسوة بالخشب المصقول,نافذة ضخمة من الزجاج الملون,ومكتبة جدرانها مرصوفة من الأرض حتى السقف بكتب ضخمة..
انتشلت نفسها من أفكارها وتساءلت ما إذا كان أليوت قد استيقظ أم لا..إنها الساعة الثامنة وتشك في انه لازال في السرير..أحست بقلق,فدخلت إلى حمامها مسرعة قبل ان تغرق في أفكار مجنونة..
بعد الحمام, جففت شعرها ثم لفت نفسها بروب حمام وجدته خلف الباب وعادت إلى غرفة النوم.
فتحت الخزانة لتأخذ ما ترتديه وتفاجأت بوجود مجموعة ملونة متعددة الإشكال معلقة في الجهة الأخرى,لم تكن ملابسها بالطبع بل كانت ملابس امرأة أخرى فأغلقت الباب بحده.
ارتدت الجنز وقميصا قطنيا طويل الأكمام,وبينما كانت تمشط شعرها أمام المرآة المعلقة فوق الأدراج قرع احدهم الباب.
-نعم؟
انفتح الباب ببطء لتدخل فتاة في سن المراهقة حاملة صينية,ونظرت بارتباك إلى السرير حين رأته فارغا..لكنها سرعان مارأت ماندي تمشط شعرها,فتهللت أساريرها لتكشف عن بسمة ودية وقالت بلهجة ريفية محببة:
-فكرت السيدة موكلونغ انك قد تفضلين تناول الفطور في السرير هذا الصباح..آنستي..لقد اخبرنا السيد أليوت انك متعبة وطلب الا نزعجك..لكن السيد ماكلونغ ظنت انك سترحبين بفنجان شاي بعد ليلة في فراش غريب,وما إلى ذلك.
-اوه..شكرا,هذا لطف من السيدة ماكلونغ.
-الا تفضلين النزول إلى الطابق الاسفل وقد استيقضت الان آنستي؟
هزت ماندي رأسها نافية,فأردفت الفتاة:
-اذن سأضع الصينية هنا..هناك عصير برتقال وبيض مخفوق مقلي في حال كنت جائعة,وإذا كنت تفضلين القهوة,فلا مشكلة.
-شكرا لك,ارجو ان تقولي للسيدة ماكلونغ انني ممتنة لها.
-اجل..آنستي.
ابتسمت الفتاة وخرجت,وتقدمت ماندي إلى الصينية بشئ من الذهول..هزت راسها تعجبا وجلست إلى حافت السرير تصب الشاي لنفسها..لقد مضت سنوات طويلة منذ جاءها احد بفطورها إلى السرير ولم يكن يوما بمثل هذا الترتيب والفخامة.
كانت الساعة قد تجاوزت التاسعة عندما انهت ماندي طعامها ووضعت قليلا من الزينة على وجهها وتفحصت مظهرها قبل ان تترك الغرفة,فارتاحت لرؤية ان الخطوط السوداء التي كانت تحيط بعينيها في اليوم السابق كادت تختفي.وهناك القليل من اللون يغطي وجهها.وبالرغم من أنها ترى قسماته عادية,الا ان الترقب كان يعطي عينيها لمعان غير مألوف.
اقفلت الباب خلفها وسارت فوق السجاد العاجي اللون بمحلذاة عدة ابواب اخرى..وتساءلت ما اذا كان احدها لغرفت أليوت..
كان خشب السياج ينزلق بنعومة تحت اصابعها وهي تنزل السلم إلى الاسفل..وكانت تكتكة"ساعة الجد"القديمة الطراز,الصوت الوحيد المسموع..ثم بعدها يستطيع المرء سماع اصوات العصافير ونباح كلب من بعيد وحتى خوار ابقار ترعى في مكان ما ليس ببعيد.
سألها صوت من خلفها:"اتبحثين عن احد آنسة آبكوت؟"
وادركت أنها كانت تقف عند اسفل السلم كمن يقف في حلم..ووجدت مدبرة المنزل الصغيرة الجسم إلى جانبها فسألت:
-اوه..سيدة ماكلونغ..هل استيقظ السيد فرا يزر؟كنت اتساءل أين يمكن ان اجده.
-بالتاكيد..لقد استيقظ السيد أليوت منذ ساعتين آنسة آبكوت,اخبرنا انك قد تبقين غافية حتى منتصف فترة الصباح وانك ستجدين الجو غريبا هنا بعد ضجيج لندن.
ابتسمت ماندي:
-أنت محقة..يجب ان اشكرك ثانية على الفطور.كان لذيذا جدا..انا..تركت الصينية فوق.
-لاباس في هذا آنسة آبكوت,ستجلبها روز حين تصعد لترتيب السرير.
تمتمت ماندي بشئ من الارتباك:
-..في الواقع,اسمي السيدة آبكوت..اتعرفين أين هو السيد.. أليوت؟
لم ترد المرأة فورا على سؤالها:
-سيدة آبكوت؟وهل سينضم زوجك اليك هنا..سيدة آبكوت؟
-لا..فانا مطلقة..سيدة ماكلونغ,ولا فكرة لدي عن مكان زوجي السابق.
وضعت المراة مرفقها في كف يدها وامسكت اذنها مفكرة:
-اه..انت تبحثين عن زوج آخر سيده آبكوت.
-أنا لاابحث عن زوج آخر سيدة ماكلونغ.اتعرفين أين هو السيد فرا يزر ام ابحث عنه بنفسي؟
-طبعا اعرف,انه مع الجياد منذ السابعة والنصف,وإذا كنت تنوين الذهاب إلى الاسطبل ضعي معطفك قبلا,صحيح ان الشمس اشرقت لكن البرد لازال مسيطرا.
-شكرا لك.
ابتسمت مدبرة المنزل وقالت بخبث:
-أنا افكر فيما هو خير..لكما معا.لفي نفسك بشئ دافئ..انت لن ترغبي في الاصابة بنزلة صدرية..اليس كذلك؟
صعدت ماندي إلى غرفتها لتاخذ سترتها الزرقاء الواقية من الرياح,واعترفت مرغمة ان ماتقوله السيدة ماكلونغ صحيح رغم أنها اشياء مثيرة للسخط..احست ان المراة تفكر فعلا في مصلحت أليوت من كل قلبها..وبما أنها مطلقة فقد يقود هذا الواقع إلى تخمينات واضحة.
نزلت إلى الطابق الاسفل مرة اخرى,خرجت من الباب الامامي تدفع يديها في جيبي سترتها,وتنطلق عبر الفناء..كانت السيدة ماكلونغ محقة,فقد ارجع هواء بارد شعرها إلى الوراء عن وجهها,والطقس ابرد مما كان في الليل الفائت مع ان الشمس مشرقة.
كانت مقدمة المنزل تواجه الطريق الداخلية التي مرا فيها ليلا..ورأت ماندي إلى يمينها سياجا ابيض يحيط بمجموعة من الخيل وصغارها,والى البعيد حقل ترعى فيه الأبقار التي سمعت صوتها في وقت مبكر..كما قال أليوت,المكان هادئ وريفي جدا..وتنشقت الهواء النقي ملء رئتيها وهي تسير بحماس.
لمحت أليوت قبل ان تصل إلى مجموعة ابنية تشكل الاسطبلات,وكان واقفا في الفناء يتحدث إلى رجل مسن,وتسارعت دقات قلبها بشكل مزعج عمد رؤية جسدة النحيل.كان يرتدي سترة قصيرة فوق بنطلون ركوب مخملي يندس تحت حذاء اسود بطول الركبتين..وبد منسجما تماما مع مايحيط به.
كان الرجل المسن السباق في رؤية ماندي.ولاشك انه لفت انتباه أليوت الذي استدار فورا وراح يلوح بيديه.ماذا يظن نفسه يفعل؟
وأبطأت خطواتها بتعاسة.كيف يفسر هذه الزيارة مهما كانت بريئة لانجلا؟وكيف ستكون ردة فعلها ان عرفت ان جارتها تجتذب اهتمام الرجل الذي تنوي الزواج منه؟لو أنها مكان انجلا لكرهت هذا حتما..فهل هي الان تتصرف بطريقة افضل مما تصرف بها هايد معها؟
سألها أليوت وهو يتقدم نحوها متكاسلا:
-لماذا تبدين غاضبة هكذا؟لم اعتقد انك قد تستيقضين الان..الم تنامي جيدا؟
ردت بلهجة رسمية:
-نمت جيدا جدا..وانت؟
-لا..في الواقع كان نومي سيئا..ويعود السبب اليك..هل تناولت الفطور؟
لوحت بيدها:
-أجل..ارسلت السيدة ماكلونغ لي الفطور إلى الغرفة..ولسوء الحظ,كنت قد غادرت السرير عندما وصلت.
-طلبت منها الا...
قاطعته بحدة:
-اجل..هذا ما قالته الخادمة.لكنني لست معتادة على الاستلقاء في السرير إلى ساعة متاخرة من الصباح,فأنا إمرأة عاملة.
-هذا ما تستمرين في تذكيري به..والان هل ترغبين في القاء نظرة على المكان؟لا اعرف ان كنت تهتمين بالجياد..لكنني احتفظ بجوادين للصيد.
-جوادين!لقد رأيت اعدادا مضاعفة في الحقل المسيج.
-كانت اناث للاستيلاد..هذا وليليان لوكا مدرب الخيول.سأريك ما لدينا من خيول اذا احببت..
اطرقت راسها تحاول ايجاد كلمات مناسبة:
-لا..فهذا..اليوت..من الافضل ان اعود.
ضاقت عيناه الرماديتان:
-تعودين إلى أين؟إلى المنزل؟هل هناك شيء خاطئ؟
-اعني إلى لندن..
اطلق سبابا من بين شفتيه ثم قال بصوت منخفض:
بحق الله!طننت اننا سوينا هذه المسألة.
دمدمت بغضب وهي ترفع شعرها بعيدا عن عينيها:
-حسنا..نحن لم نسوي شيئا..اليوت,اشعر انني مخادعة!انا لا انتمي إلى هنا.
-ومن يقول هذا؟هل قالت لك ماغي شيئا؟عل المح احد لك بشيء؟
-لا..على الأقل..ليس مباشرة.
-وماذا يعني هذا؟
-استمرت السيدة ماكلونغ في مناداتي بلآنسة آبكوت,فأخبرتها انني مطلقة.
-و..؟
تنهدت ماندي:"اوه..هل يهم هذا؟".
-يهمني أنا..هل علقت ماغي على كونك مطلقة؟
-حسنا..لقد قالت..انني لازلت شابة لأفتش عن زوج جديد..ولا اظنها صدقتني حين قلت انني لست هكذا.
لانت اسارير أليوت مجددا:
-هل هذا كل شيء؟اوه..لاتهتمي بماغي,إنها فولية هذا كل مافي الامر.
لم تستجب لابتسامته وصاحت:
-الن تشعر أنت بالفضول لو كنت مكانها؟أليوت اتتصور ماقد يظنه هؤلاء؟
اقترب منها وقال لها:
-ان كنت قد وافقت على شروطك فهذا لايعني انني احبها,والان هيا..اوقفي كل هذا الكلام الهراء بخصوص العودة إلى لندن,ودعيني اريك الاراضي..انا اريدك هنا..وهذا هو المهم.
ثم تابع مداعبا:
-سأدعك تقطفين الزهور من الغابة اذا وعدتني ان تكوني فتاة طيبة.
هزت رأسها بضعف ادركه حتما.
-أليوت..وماذا عن انجلا؟ماذا ستقول حين...؟
-دعيني أنا اقلق بخصوص انجلا..وتوقفي عن توقع شئ قد لايحدث ابدا.
ابتسم:
-والان..هل تريدين اصطحاب الكلاب معك؟احذرك,أنها محبة مثل صاحبها.
كان صباحا رائعا بصحبة كلبي صيد رائعين امضيا معظم وقتهما يتشممان العشب,سارت ماندي لأميال وهي ترتدي حذاء من المطاط وجدها لها أليوت في الاسطبل,تماشي خطواته إلى المرعى حيث تنتشر مجموعة من الماشية.لم يكن يهمها أين تظع قدمها وهي في هذا الحذاء المطاطي,وكان أليوت يعود إلى جانبها كلما بعد خطوة خاطئة لتنظف الحذاء من الوحل.
قال ممازحا:
-لا باس في هذا..طالما لاتخطئين تجلسين على الأرض.
تحدثا كثيرا..اشياء عامة في معظمها,اخبرها أليوت القليل عن الشركة والدور الذي يلعبه فيها وكان متكتما فيما يخص مؤهلاته,يقلل من اهمية دراستة في اوكسفورد وذكائه الحاد..مع ذلك فقد احست ماندي بالفخر الذي يحسه..انها شركة توظف مئات الملايين من الدولارات بكل ماتعنيه من مسؤوليات..بينما هي من ناحية اخرى ابنة مراقب منجم من"تاينسايد"قتل داخل المنجم حين كانت ساري لاتزال صغيرة..منتديات ليلاس
تناولا الغداء في غرفة الطعام,غرفة جذابة تطل على المناظر الخارجة..بعد مشوارهما,اصبح خدا ماندي محمرين بلون جميل ولم يحرك أليوت عينه عنها وهي تتناول وجبتها بشهية.
قالت بعد ابتلاعها لقطعة اللحم من الفطيرة التي أحضرتها لهما السيدة ماكلونغ :
جيد أنني لن أبقى هنا إلى أكثرمن الغد..فلسوف أصبح سمينةجدا..مثل لاسي سأل أليوت بكسل: ومن هي لاسي؟
إنها قطة ..قطة أمي في الواقع ،وساري تعذبها بدون رحمة وضع أليوت ذقنه على يده :
أود أن أقابل ساري.. هل أستطيع ؟-
وضعت سكنتها والشوكة من يدها:
-وكيف يمكنك هذا؟قلت لك..إنها تعيش مع أمي
-في نيوكاسل.. أعرف
تابع بتوسل :
لكنك تذهبين إلى هناك دائما ..ألاتفعلين؟في نهايات الأسبوع حاولت ماندي التهرب من الإجابة ، فرفعت نظرها إليه
لماذا تريد مقابلتها؟
لأنها ابنتك .. لأنني أريد أن أعرفها..لأنها جزء من حياتك تنهدت :أوه ..أليوت ..
قال بصوت ناعم :
مار أيك في بنهاية الأسبوع القادم ؟يمكنني أن أوصلك إلى هناك
مساء الجمعة أو صباح السبت ..ولا تقلقي .. أنا لا أدعو نفسي إلى بيت أمك .. بإمكاني الإقامة في فندق . أعتقد أن هناك في نيوكاسل..
أليس كذلك ؟
بالطبع يوجد فنادق .. لكن .. حسنا ، لست أدري ماإذا كان هذا سيعجب أمي .. أعني إقامتك في فندق .. ستظن ..حسنا، بإمكانك التخمين بما ستظنه..أنا واثقة ..
أن منزلها لا يليق بي ؟ حبيبتي ..لو دعوتني لإقامة معكما ، فسأكون أسعد الناس وسأقبل الدعوة حتما
لاتكن سخيفا!
مايقترحة جنون,تهور طائش تماما مثل وجودها هنا 0
ألا تحبين ان تذهبي إلى بلدتك في نهاية الأسبوع القادم ؟
وماذا سأقول لأمي ؟
وهل يجب ان تقولي لها شيئا ؟
هزت رأسها :
وكيف أقدمك لها ؟
كصديق 00وماهو الغريب في هذا ؟صديق غني !
مجرد صديق 00ماندي !توقفي عن وضع العراقيل بيننا لأنني من أسرة فرا يزر!
قال بتوسل :
دعيني أذهب معك 0دعيني أقابل ساري 00وأعدك الاأفعل ما يجرحك 0
أنقذ وصول السيدة ماكلونغ مع الحلوى ماندي من الرد ,لكن عينا أليوت كانتا متوسلتين بطريقه مقنعة 00قال لمدبرة المنزل مشجعا :
لقد أعجبت السيدة آبكوت باختيارك للطعام 0هذا صحيح ماندي ,
أليس كذلك ؟
كانت الفطيرة لذيذة جدا ,ولا أظن إنني قادرة على تناول المزيد0
قالت السيدة ماكلونغ :
أنا واثقة انك قادرة على تذوق القليل من التوت البري الطازج 00
هل ستتناولان القهوة هنا أم في غرفة الجلوس ؟
سنأخذها في غرفة الجلوس0
والتفت إلى ماندي يدفع الفاكهة نحوها :
تفضلي 00فأنا استمتع بمراقبتك 0
احمر وجهها فنظرت إليها السيدة ماكلونغ بشيء من الإشفاق,
وقالت :
لا تهتمي به سيدة آبكوت 0إذا رغبت في القليل منها فتناوليه00فهو لم يتناول وجبه لائقة منذ مجيئه إلى هنا
غادرت المرأة الغرفة فالتفتت ماندي إلى أليوت تسأله:(هل هذا صحيح؟)
نحن هنا منذ ليلة أمس فقط!
أولم تتناول الفطور ؟
رد بهدوء:
لست جائعا 00تناولي التوت البري 00لارضائي فقط0
امضيا فترة بعد الظهر في غرفة الجلوس يصغيان إلى الموسيقى ويراقبان تغير الطقس في الخارج0
بدأ المطر يهطل وهما يتناولان الغداء 00واخذت حباته تضرب زجاج النوافذ الان وتلفهما معا في عالم
معزول عن أية تأثيرات خارجية 0
وهي تجلس متكورة فوق الأرض مرتدية جينزها وكنزه صوفيه بدون
تبرج ,لم تكن تعي أبدا كم كانت تبدو شابه 00لكن ,حين رفعت نظرها ورأت نظرة أليوت المركزة عليها,أدركت
أنها لم تكن حذرة فأبعدت شعرها عن عينيها بحركة دفاعيه0
قال :
استرخي 00انت مرتاحة , أليس كذلك ؟
أنت تعرف هذا0
مدت ذراعيها فوق رأسها تتمطى ,وتحرك أليوت فوق السجادة الناعمة ثم تمدد و قال:
اشعر بالنعاس 00اتمانعين ؟
لكنه كان سؤالا عفويا ,فعيناه كانتا قد أطبقتا قبل ان تجيب 0
نام لفترة كانت ماندي تحس فيها بتوتر بالغ ثم نظرت إلى عينيه المغمضتين اللتين أعطتا وجهه ضعفا يثير الاضطراب 0
ان هذا الرجل يؤثر في مشاعرها كثيرا ويجعلها تتسأل عن كنه هذه المشاعر 0
تحرك ثم فتح عينيه 0بقيت تنظر إليه للحظه ,تحس بشوقها إليه 0
وفجأة وقفت على قدميها ,وذهبت لتجلس على مقعد قرب النافذة 00
وعندما سيطرت على نفسها نظرت خلفها لتجده قد عدل جلسته على الأرض مستندا إلى الاريكه0
دخلت الخادمة التي جاءت لماندي بالفطور حامله صينية شاي في حوالي الساعة الخامسة 0
فتخلت ماندي عن مقعدها بعد ان أمضت نصف الساعة الأخيرة وهي تحدق خارج النافذة وجلست على مقعد قريب
من الطاولة 0ابتسم أليوت للفتاة وهي تضع الصينية قرب ماندي 0
مرحبا روز 00كيف حال أمك ؟هل تحسنت ؟
استقامت الفتاة ونظرت إليه بسعادة ظاهرة :
اوه 00اجل سيداليوت 00لقد أفادتها تلك العطلة كثيرا 00يقول الطبيب إن لا سبب يؤخر شفاءها 0
هذا جيد 00اعلميها إنني سالت عنها,أتسمحين؟
احمر وجه روز فخرا :(شكرا لك00سافعل هذا )
جيد0
نظر أليوت إليها بمرح ,وبانحناءة منها نحو ماندي ,خرجت الفتاة مسرعه 0
سألت ماندي :
أنت تحب الشاي بدون حليب 00اليس كذلك ؟
أرجوك 00انت تذكرين هذا 00وهو شيء مميز 00كما اعتقد0
أليوت00 أرجوك
اعرف 00اعرف 00انا آسف 00لن أتفوه بشيء آخر 0
ولم يقل شيئا 00وخلال ماتبقى من وقت ,كان يتصرف بطريقة مثلى , يحافظ على علاقة ودية غير شخصية
قالت ماندي لنفسها أنها تريدها هكذا ,لكنها وجدت صعوبة في تقبلها 00سيكون أمامها وقت طويل تستسلم فيه لمشاعر الذنب التي
تختبئ قاتمة تحت غلالة تحفظها 00لكن مع حلول الساعة العاشرة واضطرارها إلى النوم 00كانت تحس بالفراغ في داخلها ,إحساس رفض ان يزول 0
*****
أوصل أليوت ماندي إلى لندن مساء الأحد 0
عندما غادر المنزل في (ستو نور اند)
كان الوقت لا زال مبكرا, ونظرت ماندي من فوق كتفها بإحساس بؤس00من المستحيل ان يكون قد مر يومان فقط على مجيئهما إلى هنا 00لقد
أحست بتعلق كبير بهذا المنزل وسيكون من الصعب ان تنساه 0
كانت إحداث اليوم بحد ذاتها غير منطقيه 00فلم يظهر أليوت قبل وقت الغداء 0
وأشفقت السيدة ماكلونغ عليها وهي تراها تتجول في غرف الطابق الأسفل ,فأعلنت ان أليوت بقي مستيقظا طوال الليل مع البيطري ,يحضر ولادة الفرس التي جاء وليدها من قوائمه أولا 00لكن ماندي عرفت ان مدبرة المنزل تشك بشيء ما ,فقدا مضى أليوت كثيرا من وقته الثمين يتحدث إلى
جايمس لايتون ألجنائني الذي رأته ماندي من غرفة نومها عندما صعدت لتوضب حقيبتها 0ووقفت قرب النافذة لعدة دقائق تراقبهما 00
تحس ان قلبها يتمزق000إنها لا تريد الذهاب 00لا تريدا لعودة إلى لندن
فهي تعرف أنها حين ستتركه قد لاتراه مرة أخرى 0
كانت روز ترتب الفراش وعرضت عليها ان تساعدها في توضيب الحقيبة 00لكن ماندي رفضت عرضها بلطف 0
وابتسمت الفتاة شاكرة:
أنت مسافرة اليوم ,أليس كذلك انسة؟هل تحبين العيش في لندن؟
ردت صادقة :
ليس كثيرا00لكن البعض منا لا خيار له 0
لا00احيانا أظن ان هذا ممكن 0
والدتك مريضه ؟أنا اسفه 00هل هو مرض خطير ؟
كشرت روز :انه السرطان00لقد اجريت لها جراحة 00ثم الكثير من العلاج للتأكد من موت كل الخلايا السرطانية 00كانت مريضة جدا,وظن
والدي أنها لن تعيش0
نظرت ماندي إلى الفتاة بلطف :(لكنها عاشت)
اوه 00اجل 00والشكر في هذا للسيد أليوت 0لقد رتب أمر كل شيء!
ثم حين أصبحت حالتها جيدة أرسلها ووالدي إلى باربادوس لقضاء عطلة كي تبتعد عن الطقس البارد0
اخذت ماندي نفسا عميقا :(هذ لطف منه )
اجل 00انه لطيف 00اليس كذلك؟لكنك تعرفين هذا00كونك صديقته 0
علقت ماندي بشيء مالم تعد تذكره 00وسرعان ماانهت روزعملها وتركتها00لكن كلماتها بقيت عالقة في ذهن ماندي0
إن أليوت لطيف ,كريم,وهي لم تعرف ابدآ رجلا مثله من قبل 0
تمت رحلة العودة إلى لندن بدون أي تاخير ,وكانت الساعة تكاد تبلغ التاسعة إلا ربعا عندما توقفت الامبرغيني خارج بوابة المنزل 00
لم يقترح أليوت التوقف للعشاء حتى انه لم يحدثها كثيرا ,وافترضت ماندي انه سيكون مسرورا بتوديعها الان
لكنه فاجاءها بإصراره على حمل حقيبتها إلى الباب صارفا النظر عن مخاوفها من ان تراه السيدة موركير 0وهي تكافح
لدس المفتاح في قفل الباب , تساءلت لماذا لم ينزلها وحقيبتها عند البوابه الخارجيه 00واضح انه كان يتشوق للخلاص منها لذلك لم تعرض
عليه تناول الشاي أو القهوة 00وفتحت فمها لتعبر عن شكرها لضيافته,لكنه اسكتها بالقول:
-اعتقد انك لن توجهي لي دعوة لزيارة نيو كاسل في نهاية الأسبوع القادم..هل ستفعلين؟
-أنا..هل تريد..لازلت تريد الذهاب؟
-لازلت اريد..
تدفقت دموع حمقاء كانت تترقرق في عينيها,فأقفل الباب خلفة وهو يتمتم:
-ياإلهي!ماذا تحاولين ان تفعلي بي!
-ظننتك تريد الرحيل..ظننتك سئمت مني.
تأوه:أنت طلبت ان اظل بعيدا عنك,الاتذكرين؟لو كنت غيرت رأيك,لكان من الواجب ان تبلغيني.
شهقت:هذه طريقه بذيئة لوصف الامور!
-ماذا تتوقعين مني؟لست معتادا على قضاء يومين كاملين في حالة احباط مستمرة!
نظرت الية بمرارة وقد حل الغضب مكان التسامح:
-اوه..لا..بالطبع لا..لقد نسيت..انت معتاد على ردات فعل مختلفة تماما!
رد بوحشية:
-اجل..هذا صحيح.
ثم استدار قائلا:
-من الافضل ان اذهب..علي ان اتمم بعض الاعمال قبل الذهاب إلى النوم.
استدارة ماندي غير راغبة في ان يرى العذاب الذي سببته لها كلماته..وسمعت صوت القفل والباب ينغلق خلفه,فرددت من بين انفاسها:تبا..اوه..تبا!وركضت إلى غرفت نومها ترمي نفسها فوق السرير..الاشياء التي يجب ان تفعلها مثل افراغ الحقيبة والقيام ببعض الاعمال المنزلية التي لم تقم بها منذ ذهابها إلى نيو كاسل,نسيتها تماما واستسلمت لحاجتها إلى التعبير عن الالم في داخلها.
من الطبيعي ان تكون ماندي قد امضت ليلة قلقة..ومن الطبيعي ان تغط في النوم صباحا,فعندما فتحت عينيها المرهقتين لتقدر بنعاس كم هي الساعة,وجدتها قد تجاوزت التاسعة صباحا واشعت الشمس تتسلل بقوة عبر شقوق الستائر.
شهقت وهي تكافح لتجلس ثم خرجت من السرير وسمحت لنفسها بإلقاء نظرة سريعة على صورتها المنعكسة في المرآة..كل ما رأته كان هالات سوداء حول عينيها دليل ليلة مضطربة امضتها,ولم تجد شيئا مغريا في نفسها فأجبرت نفسها على التحرك نحو الحمام..عندما خرجت والمنشفة حولها,تمكنت من ارتداء ملابسها بسرعة قياسية..وعندما تركت غرفتها نحو المطبخ لتحظر فطورا سريعا..أحست أنها مستعدة لمواجهة العالم.
*****
رن جرس الهاتف الداخلي لمكتب أليوت في الوقت الذي كان يضع فيه الاوراق التي سيحتاجها داخل حقيبتة اوراقه..للحظة توترت اعصابه من امكانية ان تكون المتصلة ماندي..لكنه تذكر كيف خرج من شقتها ليلة امس,وصرف النظر عن الفكرة..لديه الان رحلة إلى نيويورك يهتم بها في الوقت عينه الذي يحتاج فيه إلى وقت للتفكير.
التقط السماعة يقول بدون حماس:"نعم"
وتنهد لسماع صوت خطيبته:
-حبيبي! أنا في الاسفل.اعرف ان الوقت متأخر..لكن كان علي ان اجيء لاعتذر..اضغط زر باب المصعد حبيبي,فأنا انتظر في الاسفل.
رد أليوت ردا ايجابيا وضغط الزر الذي يسمح للمصعد الخاص بالصعود إلى الطابق الثاني والعشرين..ثم اقفل حقيبة اوراقه وترك مكتبه متجها نحو باب شقته.
برزت انجلا ضمن غمامة من العطر الفرنسي:"حبيبي!"
ثم اردفت:اوه حبيبي..انا آسفة جدا لانني لم اكن في المنزل ليلة امس كما وعدتك..لكنني امضيت وقتا رائعا في باريس!
رسم أليوت ابتسامة باهتة على شفتيه وهي تسير أمامه متهادية بمعطف فرو انيق باتجاه غرفت الجلوس,وهناك وقفت ثم خلعت المعطف ورمته بدون اكتراث إلى الاريكة.
قالت بلهفة:اعرف انك غاضب مني حتما..عندما وصلت منذ ساعة لم تستطع السيدة موركير الانتظار لتخبرني انك اتنظرت في شقتي..لكن..كان من المستحيل ان اصل بالامس..كان هناك حفل استقبال امسية البارحة وان..اعني جميع المشترين بقوا لحضوره.
زفرانفاسه ودس يديه في جيبيه,يلوم نفسه لانه لم يسافر إلى نيويورك في طائرة الليل بعد خروجه من منزل ماندي بالامس,وسأل:
-استمتعت بوقتك كما اعتقد.
-اوه..بشكل رائع..امضيت وقت مرحا جدا!ولست ادري لماذا لم اذهب إلى هناك من قبل.
هز أليوت رأسه:"حسنا..عظيم"
تنهدت انجلا تسأل:
-وماذا عنك أنت؟اعتقد انك امضيت نهاية أسبوع سيئة!هل ذهبت إلى ستونور؟طبعا فعلت!
-اجل..هل تودين شرابا؟
اعطاها كوبا وصب لنفسه فنجان قهوة.
جلس على الاريكة المقابلة,وجاهد ليفكر بشيء له علاقة بهما ليقوله..لكن الصداع الذي لازمه طوال النهار عاد الان ليضرب صدغيه..ووجد صعوبة كبرى في التحدث مع انجلا في وقت تفكيره مشغول في مكان آخر.
أخيرا قالت تحمله على الكلام:
-اذن..كيف كانت عطلتك؟
-اوه عظيمة!
-وامضيت ليلة امس في الشقة؟كنت سأتصل بك لو عرفت..لكنني اتصلت بستنور واتصلت بشقتك هنا ولم اجدك..ونسيت ان ليلي كانت تقضي اجازتها عند امها.
-لايهم.
وتساءل في نفسه كيف كان سيبرر عدم رده على اتصالها لو أنها اتصلت بشقتها..وفكر غاضبا..يجب ان يشعر بالارتياح بدلا من تمزق نفسه لأجل امرأة لاتهتم ما اذا كانت ستشاهده مره أخرى ام لا؟
لاحظت انجلا على غير عادتها دلائل التوتر على وجه أليوت:
-اثمة خطب ما؟
تركت مقعدها لتجلس بقربه وتمتمت:
-حقا أنا آسفة بخصوص ليلة امس..لكن يجب ان تعرف,كان هناك رجل فرنسي رائع,اسمه اندريه,ولقد سمحت له ان يصطحبني إلى العشاء,لكن هذا كل شيء.
ادار أليوت رأسه نحوها:"وهل يروق لك؟"
-اعتقد هذا.
-إلى أي حد؟
-حبيبي..كان مجرد..صديق فقط..اخبرتك بهذا..ولاداعي للقلق..
تمتم شاتما..ووقف ليصب المزيد من القهوة لنفسه..الواقع انه كان يريدها ان تقول أنها خائنة..ربما حينها يستطيع ان يبرر تصرفه..كان انجذابه إلى ماندي يزيد في عذابه وكأنه حمى لايستطيع السيطرة عليها في دمه.
-أليوت حبيبي..انت لا تغار.اليس كذلك؟أنت تعرف انك لست مضطر لهذا.
-أنا لا اغار..!ارجوك انجلا..
ابتعد عنها:
-اسمعي..يجب ان اخبرك انني مسافر إلى نيويورك في الصباح..انا آسف لكن الامر طارئ..ولا اعرف متى اعود.
-نيويورك؟لست جادا!تعرف ان يوم مولد ابي يوم الاربعاء..وماذا عن حفل العشاء؟لقد وعدت بالمجيء!
-أنا آسف..لقد طرأ أمر لم اتوقعه..ويجب ان اذهب بنفسي,وعدت ابي بهذا.
-وعدك لابيك اهم من وعدك لي..
-انجي..إنه يوم مولد والدك فقط..اما سفري فمهم جدا!
نفخت بغضب:-يوم مولد ابي مهم..حبا بالله,الايمكنك إرسال شخص آخر بدلا منك؟كنت تقول دائما انك تستطيع ارسال من ينوب عنك.
-ليس في هذه المسألة بالذات.يجب ان احضر اجتماع الممولين بنفسي..بإمكانك المجئ معي لو احببت.
هزت رأسها بغضب:
-لا.. شكرا لك..انا لا أحب نيويورك في افضل الاوقات,ولا انوي ان اخيب امل والدي.
مال أليوت برأسه عنها,يكره الراحة التي غلفته لكلماتها..لو انه اعتقد أنها ستقبل لما عرض عليها السفر معه..يا الله..ماذا فعلت ماندي به؟لماذا لايستطيع ان يبعدها عن تفكيره؟
كأنما احست انجلا بمزاجه المتقلب..فتنهدت:
-اوه..حسنا..لاداعي للغضب..لديك عملك ولدي عملي.
اخذت نفسا عميقا وتابعت بحذر:
-اذن..لن تمانع اذا لم ابق معك الليلة,أليس كذلك؟أنا..في الواقع متعبة.كانت نهاية أسبوع مرهقة.
كان أليوت يحاول ايجاد عذر ليبعدها,تنفس الصعداء وقال بسرعة:
-اظن ان هذه فكرة جيدة..فأنا مضطر لأن اذهب إلى المطار باكرا في الصباح.
ترددت انجلا..قبوله المفاجئ لم يلق اعجابها,فقالت:
-أنا.. استطيع البقاء.
لكن أليوت كان قد رفع معطفها من على الاريكة ليقول بصراحة:
-ليس الليلة انجي..
وافقت على مضض..فأردف:
-سأتصل بك غدا من نيويورك..وحينما اعود,ربما سيكون لدينا وقت اكثر نقضيه معا.