المنتدى :
الامومة
بنوك الحليب الكثير من المحاذير الدينية والطبية
بنوك الحليب،،،
خلال عقد السبعينيات من القرن العشرين، ظهرت في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية فكرة بنوك الحليب، بعد أن انتشرت من قبل مجموعة من البنوك، مثل بنوك الدم، وبنوك القرنية، وبنوك المني وبنوك الأعضاء..
وتتلخص فكرة بنوك الحليب في جمع اللبن من أمهات متبرعات (أو بأجر) يتبرعن بشيء مما في أثدائهن من اللبن، إما لكونه فائضًا عن حاجة أطفالهن، وإما لكون الطفل قد توفي وبقي في الثدي اللبن..
ويؤخذ هذا اللبن بطريقة معقمة من المتبرعة، ويحفظ في قوارير معقمة بعد تعقيمه مرة أخرى في بنوك الحليب.
ولا يجفف هذا اللبن، بل يبقى على هيئته السائلة حتى لا يفقد ما به من (مضادات الأجسام) التي توجد في اللبن الإنساني، ولا يوجد مثيلها في لبن الحيوانات مثل الأبقار والجواميس والأغنام.
أطفال خدج وناقصو الوزن:
أما الأطفال الذين يتم إعطاؤهم هذا اللبن فيمكن أن يشمل الفئات الآتية:
* الأطفال الخدّج: أي الذين ولدوا قبل الميعاد (أقل من تسعة أشهر)، وكلما كان ذلك أقل من التسعة أشهر، كانت حاجة الطفل أكبر.
* الأطفال ناقصو الوزن عند الولادة: رغم أنهم قد أكملوا مدة الحمل الطبيعية تسعة أشهر (280 يومًا من آخر حيضة حاضتها المرأة أو 266 يومًا منذ التلقيح)، قد تزيد قليلاً أو تنقص.
لهذه الأسباب قامت فكرة بنوك اللبن.. والقصد منها إنقاذ مجموعة من الأطفال الذين يحتاجون بصورة خاصة إلى اللبن الإنساني في الوقت الذي لا تستطيع فيه أمهاتهم أن يقمن بالرضاعة.. ولا يوجد في هذه المجتمعات مرضعات بأجر أو بغير أجر يقمن بهذا العمل الإنساني النبيل.
محاذير استعمال بنوك اللبن؟
ـ أول هذه المحاذير التي ينبغي أن نركز عليها في المجتمعات الإسلامية هو المحذور الديني، وذلك أن جمع اللبن من أمهات متعددات وخلطه، ثم إعطاءه الأطفال يؤدي إلى عدم معرفة مَنْ مِن النساء أرضعْنَ مَنْ مِن الأطفال؛ فإذا حدثت الجهالة فقد يؤدي ذلك إلى أن يتزوج الأخ أخته من الرضاعة، أو خالته، أو عمته، والرسول صلوات الله عليه يقول: "حرم من الرضاع ما يحرم
من النسب".
ـ إن بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة تقنيًا محفوفة بمجموعة من المحاذير، منها أن كلفتها عالية جدًا، وأن اللبن المتجمع يتعرض إما لإصابة بالميكروبات، وإما لفقدان بعض خصائصه وميزاته، نتيجة تحلل المواد الموجودة فيه، مع تقادم الزمن. ولندرة الحاجة إليه.
ـ إن بنوك اللبن في البلاد النامية تتعرض لهذه المصاعب بصورة أشد وأعتى، لأن درجة التقنية والنظافة أقل بكثير مما هي عليه في الغرب، بالإضافة إلى كونها باهظة التكاليف جدًا بالنسبة إلى البلاد الفقيرة، وتعتبر غير ذات فائدة كبيرة لتعرض اللبن إلى الإصابة بالميكروبات، ولتحلل مواده المهمة بالتخزين الطويل..لسنا بحاجة إليها،،
وكانت خلاصة آراء بعض الاطباء الذين تم استشارتهم:
ـ لا توجد حاجة حقيقية لبنوك اللبن في البلاد الإسلامية بصورة خاصة، والبلاد النامية بصورة عامة.. وذلك لانتشار الرضاعة من الأم، وإذا لم تتيسر الرضاعة من الأم فإن المرضعات لا يزلن بحمد الله موجودات.. ولا تزال المجتمعات الإسلامية تعيش نوعًا من التكافل والترابط الأسري.. ففي الأسرة الكبيرة التي عادة ما تضم العمّات أو الخالات هناك أكثر من امرأة تستطيع الإرضاع في الأسرة، فإذا تعذر على واحدة منهن إرضاع طفلها، كان هناك من القريبات، أو الجارات، أو الصديقات من يقمن بهذا العمل الإنساني العظيم. وإذا تعذر ذلك كله، وهو أمر نادر الحدوث فهناك أيضًا المرضعات بأجر أو غير أجر احتسابًا للثواب عند الله تعالى.
ـ رغم أن (الطفل الخديج) قد يبقى في مستشفى الأطفال لمدة شهر، بينما لا تستطيع أمه البقاء معه طوال هذه المدة، فقد وفرت المستشفيات النظام الحديث الذي يطبّق الآن في الغرب، والذي يسمح للأم بالحضور إلى المستشفى في الوقت المناسب لها عدة مرات يوميًا، لإرضاع طفلها، وإذا لم تتمكن من ذلك، أمكن حضور العمة، أو القريبة، أو المتبرعة بالرضاعة فترضعه.
وبذلك يحصل الطفل على فوائد الرضاعة كاملة، ويتجنب مزالق اللبن الصناعي وسيئاته، أو اللبن الذي جُمع وحُفظ في بنوك اللبن.. كما أن المرضع تكون معروفة ومعلومة، فتصبح أمًّا للطفل الذي أرضعته،وتعرف بذلك دائرة المحرمات من الرضاع.
ـ إن تنفيذ بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة تعترضه المصاعب والعقبات، وهو مكلف.. باهظ التكاليف.. وبالنسبة إلى البلاد النامية الفقيرة فإن إقامة بنوك اللبن أمر مكلف للغاية، إذا أريد أن يكون على المستوى الصحي المطلوب.
ـ هناك احتمال إذا انتشرت هذه البنوك أن تتقاعس الأمهات السليمات والقادرات على الرضاعة، وخصوصًا الطبقة الثرية المترفة، أو الموظفات عن واجب الرضاعة، وأن يستبدلن بذلك اللبن الإنساني المأخوذ من بنوك اللبن على اعتبار أنه يمثل اللبن الإنساني المطلوب، والأفضل بكثير من لبن الأبقار والجواميس والأغنام.. وهذا بدوره يؤدي إلى عدة أخطار ومحاذير وهي:
(أ) فقدان الفوائد الجمة للرضاعة للأم.. فالرضاعة تفيد الأم كثيرًا، وذلك أن عملية مص الثدي تؤدي إلى إفراز مادة الأكسيرتوسين (Oxyrtocin) التي تساعد الأم على عودة الرحم إلى وضعه الطبيعي بعد الولادة.. كما أن الرضاعة تساعد الأم الوالدة على عودة جسمها إلى وضعه الطبيعي، وتمنع بذلك الترهل، على عكس ما هو شائع من أن الرضاعة تسبب الترهل. فالرضاعة الطبيعية تساعد الأم في العودة إلى رشاقتها، كذلك فإن الرضاعة الطبيعية تساعد الأم على منع الحمل لفترة الرضاعة، وتجنبها أخطار حبوب منع الحمل أو اللولب. هذا بالإضافة إلى الفائدة النفسية المهمة، لأن عملية الإرضاع وإلزاق الطفل بالصدر يعطي الأم فوائد جمة نفسيًا وبدنيًا.. ويزيد من ارتباطها بطفلها.
(ب) الفوائد المتعددة للرضاعة للطفل لا تتحقق بأخذ اللبن الإنساني فقط، لأن عملية الرضاعة بحد ذاتها تفيد الطفل في نموه النفسي والجسدي.. والتقام الطفل الثدي يمنع عنه أذى الميكروبات، كما يمنع عنه أذى الاضطرابات النفسية المستقبلية. وتجعله متوازنًا نفسيًا.. ومنسجمًا مع مجتمعه. وقد وجد أن الأطفال الذين لم يرضعوا من أمهاتهم أكثر تعرضًا للانحرافات الخلقية، والنفسية، والأمراض العقلية، والسلوك الإجرامي.
(ج) إن عدم الرضاعة يؤدي إلى نقص إفراز اللبن من الثدي. وإن سحب اللبن من الثدي وحده لا يقوم مقام الطفل الذي يمص الثدي. وذلك لأن إفراز هرمون البرولاكتين الذي يزيد من إفراز اللبن مرتبط بعملية المص ذاتها.
(د) إن اللبن الإنساني المحفوظ في بنوك اللبن معرض للتلوث، إما عند جمعه، وإما أن عملية التعقيم غير مجدية ولا كافية.. وإما ـ وهذا متوقع ـ عند تناوله إذ يعطى في قوارير قد تحتاج إلى تعقيم شديد، وهذا أمر قد تهمل فيه الأم التي تعطي طفلها اللبن.
وهذا ما يحدث عادة بالنسبة إلى الألبان الصناعية إذ تكون هي في ذاتها معقمة.. ولكن عدم التعقيم يأتي من جهل الأمهات، وطريقة تحضيرهن لهذا اللبن، وقد أدى ذلك ـ كما تقول منظمة الصحة العالمية ـ إلى إصابة أكثر من عشرة ملايين طفل بنوبات الإسهال سنويًا في العالم الثالث، وإلى أن يموت نصفهم في كل عام نتيجة استعمال الألبان الصناعية.. كما أن عددًا آخر تضعف مقاومتهم للأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي نتيجة استخدام الألبان الصناعية، فيؤدي ذلك إلى مزيد من الوفيات. وتقدر الهيئات الطبية أن حوالي عشرة ملايين طفل يلاقون حتفهم سنويًا بسبب عدم إرضاع أمهاتهم لهم.. ومعظم هذه المحاذير موجودة أيضًا في لبن البنوك الباهظة التكاليف.
هذا مجمل لأقوال الأطباء في موضوع بنوك اللبن، أما من الناحية الدينية، فإن الجمهور وهو رأي المذاهب الأربعة الشافعية والمالكية والحنابلة والحنفية، يقولون بالتحريم من رضاعة لبن يجمع من أمهات متعددات ويبقى على هيئته، أي دون تجفيفه، وهذا ما يحدث في البنوك.
والمحاذير كثيرة طبيًا واجتماعيًا ودينيًا. ولهذا نرى عدم الحاجة إلى هذه البنوك.
احتضار بنوك الحليب في الولايات المتحدة!
هذه الفكرة قامت ونفذت بالفعل في أوروبا والولايات المتحدة.. وهي فكرة لها ما يبررها من الناحية العملية، وخصوصًا في أوروبا وأمريكا.. ومع هذا فإن بنوك اللبن قد انكمشت بصورة خاصة في الولايات المتحدة.
يقول الدكتور ماهر حتحوت (رئيس قسم الأمراض الباطنية بأحد المستشفيات الجامعية بالولايات المتحدة):
"إن حجم المشكلة أصغر مما قد تم تصوره: لأن الألبان الصناعية (الحيوانية) تكفي، وانحصر الاستعمال لمن لهم حساسية خاصة للألبان الصناعية، أو لمن لا يستطيعون هضمه.. ونسبة الأطفال الخدج حوالي 7% من المواليد. من هؤلاء أقل من 1% من الـ7% (يحتاجون إلى اللبن الإنساني) ولذلك فإن المشكلة صغيرة ومنكمشة. ولكن الاحتمال موجود ومطروح. وقد تختفي المشكلة ثم تظهر بعد ذلك".
|