لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


1032 - رجل صعب - كاي غريغوري - دار النحاس ( كاملة )

رجـــــل صعــــــــب العنوان الأصلي لهذه الرواية بالانكليزية: An impossible kind of man كاي غريغوري . من المحتمل ، أن سلايد ما يزال يعتبرها شقيقة

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (2) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-04-09, 03:12 PM   2 links from elsewhere to this Post. Click to view. المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات عبير المكتوبة
New Suae 1032 - رجل صعب - كاي غريغوري - دار النحاس ( كاملة )

 

رجـــــل صعــــــــب

العنوان الأصلي لهذه الرواية بالانكليزية:
An impossible kind of man
كاي غريغوري


.


من المحتمل ، أن سلايد ما يزال يعتبرها شقيقة صديقه الصغيرة ، التي تحتاج للحماية ... ولكن أدركت برونوين خلاف ذلك . هالها منذ ثماني سنوات ماكانت عليه تصرفاته الفظة ، ولهذا لن تؤخذ الآن بجاذبيته المدمرة . بالإضافة إلى ذلك ، فهو لم يتغير البتة . أدركت برونوين أن العداء قد يكون ... على الأرجح ... الشعور الوحيد الذي تكنه نحوه . ولكن كانت لدى سلايد أفكار أخرى.
منتديات ليلاس



" طالما أنت هنا ، يجب ، على الأقل ، أن تتصرفي بطريقة متمدنة ومهذبة ."

قاطعته بعذوبة :" ألا تعني بذلك ، الخنوع ؟"
" لاتدفعي الأمور إلى نهايتها ، أرجوك ، أنا أفقد صبري معك بسرعة ."
فقالت متهكمة :" إنك تخيفني . ماذا ستفعل ، إذا أنا فعلت ذلك ؟"
" تفعلين ماذا ؟"
" أدفعك لفقدان الصبر معي ؟"
" أنت حقاً ، تريدين أن تعرفي ما سيحصل ، أليس كذلك ؟ حسناً ، لقد أصبحت متحمساً مثلك كي أجعلك تحصلين على مرادك ."

"~الفصل الأول~"

نامت برونوين تلك الليلة نوماً عميقاً،فقد كانت تعاني من ضعف شديد ولم تكتشف حتى وقت مبكر قبل الظهر أنه ورد خبر في الصحيفة يقول أنها توفيت.
استيقظت في الصباح على صوت رجلين يتبادلان الصراخ في الشارع. وعندما وقع نظرها المرهق على ورق الجدار المكسو بزهور دوار الشمس المتقشرة جفلت وأغمضت عينيها مرة ثانية.
ولما كانت في الليلة الماضية مرهقة إرهاقاً شديداً لم تعر أي اهتمام إلى المكان الذي تنام فيه، طالما لم يكلفها ذلك كثيرآ. أما الآن فأصبحت تدرك تدريجيآ أن الفندق الذي أنتهى بها المطاف إلى النزول فيه كان من النوع الذي يمكن نعته على الأرجح بالقذر.
فتنهدت وخرجت مندفعة من الفراش وتوجهت، بعد أن ارتدت ثياب السفر البالية النظيفة التي كانت ترتديها أمس، إلى الطابق الأسفل سعياً وراء فطور متأخر جداً.
وحينما كانت تنحني في المطعم المهمل المجاور فوق مائدة ملطخة بالزيوت وقع بصرها على صحيفة تركها خلفه أحد الزبائن _ ولمحت فقرة قصيرة على صفحة خلفية ورد فيها: "فتاة غامضة قتلت في حادث سيارة أجرة."
تناولت قضمة من قطعة الخبز المحمص المدهون بالزبدة، ولاحظت أنه كان ساخناً وهشاً، كما يقدم في بيتها في ولز، وألقت نظرة سريعة على
الخبر الذي جاء فيه أن امرأة شابة وصلت حديثاً من بريطانيا
قتلت البارحة في شارع بندر بفانكوفر، عندما صدمت السيارة التي كانت هي إحدى ركابها، حافلة. وقد نجا السائقان وركاب الحافلة. وأما
المرأة الشابة فنقلت إلى المستشفى بسرعة، غير أنها توفيت بعد ساعات قليلة في ما بعد. وتدعى الفتاة برونوين إفنز.
فانزلقت قطعة الخبز المحمص من أصابعها واستقرت على الجهة المدهونة بالزبدة على الطاولة. فطرفت عينيها وأعادت قراءة الخبر مرة ثانية

من أوله.
"لكنني لم أمت." تمتمت بصوت مرتفع، بينما كانت إحدى النادلات قادمة إليها لملء فنجانها مرة ثانية.
"يسرني سماع ذلك، ياعزيزتي." قالت المرأة غير الأنيقة والمتوسطة العمر، وهي تبتسم جانبيآ لبرونوين. "لا يمكنني أن أقول الشيء نفسه لجميع زبائني، على كل حال." وألقت نظرة اشمئزاز على رجل منحن فوق إحدى الطاولات عبر الممر وهو مغمض العينين، يكاد أنفه يغرق في الحساء الذي كان يتناوله.
نظرت برونوين إلى الخبر قائلة: "لقد انتهيت للتو من قراءة هذا المقطع في الصحيفة، وأظنه يعنيني، لأن سيارة الأجرة التي كنت فيها وقع لها البارحة حادث اصطدام، وكانت سيارة التي صدمناها، على كل حال، وليست حافلة."
ألقت النادلة نظرة سريعة على الصفحة، وقالت موافقة:"ذلك لايعني لي كثيرآ، يفترض بهم إعلام أقرب أنسبائها أولآ."
غصت برونوين، ثم توقفت فجأة عن السعال الخافت، وقالت، وهي عابسة: "أقرب الأنسباء. . . آه،يا الله. لو أن مايكل يرى إحدى الصحف. . ."
وقفزت واقفة فكادت توقع فنجان القهوة الممتلىء، وألقت ببعض النقود على الطاولة، وهرعت مسرعة نحو الباب.
"هاي." نادت الخادمة: "هاي هاي، ياآنسة، لقد تركت كثيراً. . ."
غير أن برونوين لم تكن تصغي إليها. فلم يكن لديها متسع من الوقت لتستخرج أوراق العملة غير الشائعة. إذ كان يترتب عليها أن تعود إلى المستشفى وتزور مايكل. كان يرقد في المستشفى جريحاً، وذلك الأمر كان سيئاً بما فيه الكفاية. ولا يحتاج لصدمة إضافية حيال وفاة شقيقته. وفكرت باشمئزاز وهي تسرع الخطى لتلحق بالحافلة التي ستقلها إلى وجهتها مباشرة، بأنه لم يبد قلقاً على أعمالها خلال السنوات الثماني الماضية.
وصعب عليها أن تصدق أن وقتآ طويلآ قد مضى منذ أن غادر هو وسلايد بونتغلاس فجأة. . . وهذا التصرف كسر قلب والديه. بعد رحيل مايكل، تقدما في العمر بسرعة. وعندما هاجمهما المرض بعد ثلاث سنوات كانت قدرتهما على المقاومة قد ضعفت، وفارقا الحياة خلال أسبوعين تاركين برونوين المالكة الوحيدة للمحل، الذي كانا يحلمان بتوريثه لابنهما.
قبل وفاة ذويه كان مايكل قد كتب مرة أو مرتين لهما يطلعهما على أنه بخير وسعيد في العيش بكندا. لكن في السنوات الخمس التي مرت فقد ذلك الحنين، ولم يكتب لهما على الاطلاق. وذلك لم يفاجئ برونوين كثيراً لأن

تلك هي طبيعة شخصيته. عديم التفكير وغير مسؤول، ولكن ليس غليظاً عن عمد.
وعندما تلقت المكالمة الهاتفية البعيدة من شخص غريب ذي صوت حسن يطلعها فيها على إصابة أخيها بطعنة في عراك في الشارع، لم يفاجئها ذلك على الاطلاق. إلا أنها حزمت حقائبها فوراً، وتركت المحل برعاية زوجين متقاعدين كانا يقدمان لها المساعدة أحيانآ، واستقلت أول طائرة إلى فانكوفر.
أقلعت الحافلة، وألقت نظرة قلقة على ساعتها. . . ثم أدركت أن وقت النهار ليس له أهمية. أما ما كان يهم فهو أن مايكل، الذي أصبح الآن معافى على طريق الشفاء، يجب ألا يرى الصحيفة قبل أن تصل هي إليه.
كان مايكل جالسآ في فراشه، ينظر من وراء ميزان حرارة بإعجاب إلى ممرضة جميلة سوداء الشعر. استندت برونوين إلى إطار الباب، وقد شعرت بالوهن. وخالجها شعور بأن مايكل لايمكن أن يغازل الممرضات بعينيه لو أنه سمع للتو أن شقيقته قتلت.
"برونوين!" صرخ متعجباً، عندما كانت الممرضة الشابة تسحب ميزان الحرارة من فمه، ولمح وجه زائرته الأبيض، وقال: "ماخطبك؟ إنك تبدين بحالة أسوأ من حالتي."
ألقت برونوين نظرة على تنورتها وكنزتها. كانت ملابسها أنيقة بدرجة كافية، برغم الحرارة القليلة التي اتسم بها المناخ بعد ظهر هذا اليوم من شهر أيار. لذلك لابد أن مايكل قد أشار إلى وجهها.
قالت بسرعة: "إنني بخير. فقد صدمت بعض الشيء، ذلك كل ما في الأمر." ووضعت كرسياً إلى جانب فراشه وراحت تروي له الخبر الذي جاء في الصحيفة. وعندما انتهت من ذلك، ألقى مايكل برأسه القاتم إلى الوراء وأطلق ضحكة.
وقال: "يا للدهشة." وجفل لأن الضحكة شدت قطب جرحه.
"إنني أعجب كيف حصلوا على هذا الخبر."
"لست أدري على الاطلاق. يجب أن أنزل إلى دائرة الطوارئ وأحملهم على نفيه. فهناك ابتدأت المشكلة على ما أفترض."
ابتسم مايكل وهو يقول: "سوف تدهشينهم. إنني أرهن على أنه لا يحدث في كل يوم أن تأتي إحدى جثثهم لتطاردهم."
دمدمت برونوين بالموافقة، وهي لم تكن متأكدة كفاية من أنها قد استوعبت فكرة موتها الطريفة. "وعلى ذكر الجثث، إنك تبدو اليوم أفضل كثيراً، يامايكل. وأظن أنك ستغادر إلى البيت في وقت قريب."

"آمل ذلك."
فحدقت به بقسوة، وقالت: "ولن يكون هناك بعد ذلك أي من ذلك القتال الأحمق."
"طبعاً." أجاب، بادياً عليه الندم. "فذلك لم يكن خطأي، كما تعلمين."
"كلا." قالت شقيقته بجفاء: "لم تخطىء مطلقاً." وبقدر مايمكن أن تتذكر، لم يرتكب مايكل أي خطأ على الاطلاق. وعندما وقع في المشكلة، بناء على روايته، كانت دائمآ غلطة شخص آخر. . . عادة غلطة سلايد. وقد أخذ به العجب عند ذاك لماذا لم يستحسن والداها صداقته مع الشاب الأكبر سناً.
هزت برأسها، وعادت بقوة إلى الحاضر، أخبرت أخاها أنه يجب عليها أن تنزل إلى دائرة الطوارىء، بما أنه يبدو في اللحظة الراهنة على مايرام، لتزيل الإرباك الذي حتماً سوف يحدث مع تحسن حالتها الصحية الملحوظ.
وأردفت: "سأراك هذا المساء." وتعجبت عندئذ لماذا جاءت حتى على ذكر ذلك.
وفكرت مستسلمة، بأنه بلغ التاسعة والعشرين من عمره.
فهو أكبر منها بثلاث سنوات، ومازال عقله يشبه عقول الفتيان مادون العشرين. فأطلقت تنهيدة. ربما كان للهرمونات فعلها أيضآ.
أزاحت خصلة من شعرها الأحمر عن عينيها وأسرعت بخفة في الممر. لكنها لم تمش إلا بضع خطوات حتى أدركت أن الرجل الذي يلبس القميص الأبيض القادم باتجاهها، توقف فجأة قاطعاً عليها طريقها حتى لايمكنها أن تتحرك.
"اسمح لي." قالت. وأخذت خطوة جانبية وهي لاترى إلا قميصاً أنيق التفصيل يغطي صدر رجل عامر العضلات.
"برونوين؟" وكان الصوت مألوفاً، عميقاً حاداً وحسياً بصورة غريبة، تغلفه لهجة أميركية شمالية لم تُخف اللهجة البريطانية التي تذكرها.
رفعت نظرها بكل تؤدة, قائلة بصوت خافت :" سلايد."
وهي تتحسس نضوب اللون من وجهها. وعند التقاء عينيها في النهاية بعينيه المحدقتين الزرقاوين التي لم تنسهما على الإطلاق, رأت أن لونه هو ايضا قد تحول إلى اللون الأبيض... مع انها لم تفهم كيف يتمكن أي شخص أن يبدو أبيض بلونه الذهبي الطبيعي.
" برونوين إفنز." قال بصوت اجش, ومدَّ يده للمسها , كأنه أراد أن يتأكد من انها كانت هي نفسها في الواقع.
وأردف:" برونوين افنز . لكنك ... يا إلهي."

وأخذت الهزة التي اعترت برونوين تتلاشى , وشعرت بغضبها القديم يعود إليها:" يمكنني أن أقول الشيء نفسه ."
قالت بشكل جاف:" وكنت أفضل لو أنك كنت اختفيت من حياة مايكل أيضاً. وكذلك ماهو الباعث على الدهشة حيال وجودي هنا؟ فأنا شقيقته ,تذكر هذا."
"نعم" أجاب موافقاً, كان صوته خالياً من التعبير:" وأؤكد لك أنني لم أختف. وأنت , من ناحية أخرى ,لم تتوفي."
فقالت برونوين :" شكراً لك .لم أفكر بأنني كنت كذلك .إلا أنه من دواعي سروري أن أثبت ذلك."
وهمت بأن تتخطاه, إلا أن يده أمسكت بها من مرفقها, وشاهدت عينيه الزرقاوين تلمعان بصورة خطرة. وكما هي الحال دائماً عندما كانت تسمح لنفسها بالتفكير بسلايد , لم تقو على عدم ملاحظة ان توع شعره الأشقر الذي يشبه شعر القرصان اسكندينافي كان المرادف التام لتينك العينين الجذابتين. والجذابتين كانت التعبير المناسب في هذه اللحظة, كما قررت. وبدا كأنه لم يكن متأكداً من أنه أراد أن يضحك أو يصفعها, فتراجعت خطوة بسرعة إلى الوراء عندما تركها ترحل, تقوس فمه بابتسامة مترفعه.
وتمتم :" برونوين الصغيرة الخجول, كيف تغيرت الى هذا الحد .لقد اكتسبت لساناً حاداً منذ أن اجتمعنا آخر مرة."وكان صوته متشوقاً وحالماً, لكنه خشن فجأة وقال:" لماذا, يابرونوين؟"
"عمّ تتساءل؟"
" الاتسرك رؤيتي؟ أظن أننا كنا صديقين."
صديقان؟ لم يكونا صديقين على الإطلاق. ربما كان هناك تعارف بينهما , إلا أنها لم تكلمه كثيراً عندما كان يجول مع مايكل . لقد كان لامعاً, دائماً محور الاهتمام, وبرونوين الصغيرة الخجول لم تحب ذلك في الواقع كثيراً. فكانت تفضل لويد لوغان الهادئ في ذلك الوقت.بالإضافة إلى ذلك , لم يستحسن والداها , سلايد. وقد أخذا برأي برونوين الخاطئ, في ان تأثير نفوذه هو الذي دفع بابنهما لأن يفقد اهتمامه بعائلته وبالمحل . ولم تكن لديها أية رغبة في زيادة قلقهما.
"لم نكن صديقين تماماً." قالت بلا تحيز:" ولست مسرورة برؤيتك بصورة خاصة, اذا كان لابد أن تعرف , غير أن ذلك لايهم, أليس كذلك؟ لقد جئت لزيارة مايكل , على ما أظن." وكانت ابتسامتها فاترة

لقد جئت لأطلع مايكل على نبأ وفاتك , قبل ان يقوم بذلك أي شخص آخر." فذكرتها عيناه الآن بالجليد الذائب." لكن ذلك ليس ضرورياً على

مايظهر . غير أنه يهمني أكثر أن أكتشف في هذه اللحظة ماذا تفعلين , وانت تقفين هنا على قدمين جامدتين, خلافاً لما ذكر في الصحيفة أنك وضعت في عنبر الجثث."
" ذُكر بصورة غير موثوقة. آسفة لأكون مخيبة للأمل."
كانت مستاءة ليس فقط من صوته ., ولكن أيضاً من الإشارة الخالية من الاطراء الى حذائها الايرلندي المسطح . وكانت مستاءة أيضاً من إدراكها لاهتمامها بالأمر . يجب ألا تهتم لرأيه بحذائها.
" آه , لست مخيبة للأمل." قال وهو متجهم الوجه:" إنها صدمة , بالتأكيد , تماماً كأي شيء مثير , لكن ليس خيبة , أمل اؤكد لك." وجال بنظره فوقها ببرودة ومن دون تأمل مما جعلها تشعر بالحياء. وجعلها تشعر ايضاً بحرارة وعدم ارتياح وباحساس مزعج لرجوليته ولجسده النحيل الجذاب من دون شك.
وقالت فجأة:" علي أن أنصرف , سيكون مايكل منتظراً رؤيتك."
" لقد شاهدني مايكل مرتين في اليوم منذ أن أنزل نفسه في هذا المكان . سيتدبر أمره جيداً من دوني لساعة أو اثنتين . أما أنت وأنا فسننزل إلى المطعم لنتحدث."
فقالت معترضة :" لكن علي أن أذهب الى دائرة الطوارئ." وهمت بالانسحاب فيما التفَّت أصابعه الطويلة حول ذراعها .
" نذهب في مابعد."
" لا , إنني ..."
ورأته يزم شفتيه ويقول :" برونوين إفنز , إن صبري ينفذ , لقد واجهت يوماً شاقاً في العمل , وعندما حصلت على فرصة لألتقط صحيفة وجدت أن شقيقة صديقي قتلت بحادث اصطدام . ومن ثم أكتشف أنها مابرحت حية تماماً ولكن بلسان في رأسها أقطع من حد السيف....."
"نعم، ولكن علي أن أقوم بزيارة دائرة الطوارىء." قاطعته برونوين. إذ لم تشأ التحول عن رأيها.
"ياعزيزتي، ماعليك عمله هو أن تنزلي معي إلى المطعم، فتتناولي فنجان قهوة وتتحدثي. وإذا ما قدمت أية اعتراضات إضافية، أعدك بأنك ستكونين حالة طارئة. هل تفهمين؟"
عندما طرح الأمر بهذا الشكل فهمت برونوين تماماً.
علاوة على ذلك، لم يكن هناك أي داع للإسراع إلى تصويب الخبر. ومهما كان ما قالته الصحيفة، فإنه لم يغير من أمرها شيئاً. أو فكرت بذلك، وهي تحدق بوجهه الجامد.

على كل حال، عندما قبض سلايد وهو عابس الوجه على ذراعها بقوة وقادها إلى اليسار، كانت مرتبكة ومنزعجة، لتجد أنها شعرت بوخزة خفيفة.
وعندما شعر سلايد بأنها تتجمد ألقى نظرة على قمة رأسها. مازال لونه أحمر نقياً، فكر سلايد. لم يصف أحد على الإطلاق شعرها بأنه ضارب إلى اللون الأحمر. ومع ذلك فقد أحبه. وكان دائماً يحبه. وكانت تصففه بالطريقة البسيطة نفسها، فانساب متناثراً فوق كتفيها. ومازالت بقع النمش فوق وجهها هناك أيضاً، والعينان الرماديتان الكبيرتان. وكان لها وجه رقيق الملامح. . .
حلواً بادي البراءة. لكن يبدو أن مزاجها بدأ يتحول نحو الأسوأ منذ أن رآها لآخر مرة في السنوات الماضية.
فلم يعد مزاجها يتناسب مع ملامحها اللطيفة. فنقر بأصابعه على فخذه بصورة لاشعورية. قد يتوجب عليه القيام بعمل ما لبرونوين. ربما إقناعها بعدم جدوى مزاجها السيئ. وفي أية حال، لقد تطلع بلهفة إلى ما يأمل بتحقيقه.
وبينما كانا يدخلان المطعم الصاخب سألها فجأة: "هل شاهد مايكل الصحف قبل وصولك إليه؟"
"كلا، لقد وصلت أولاً."
"حسناً. تخلص من الصدمة على الأقل." وأشار إليها بالتوجه إلى طاولة خاصة نسبياً في الزاوية.
وقالت ساخرة: "اشك في أن الصدمة كانت مزعجة إلى ذلك الحد."
فهز رأسه موافقاً: "على كل حال، من ناحية، كنت مسروراً برؤية شبح يعود إلى الحياة ولسانها يعمل بانتظام جيد."
عبست برونوين، وسألته: "هل كان ذلك ساراً؟" وقد أرادت أن يبدو السؤال مهيناً إلا أنه بدا أشبه بالتوسل للتأكد.
لم تصل ابتسامته العريضة إلى عينيه، وأجاب: "في الوقت الراهن، نعم. بكل تأكيد. أما في ما إذا كانت ستبقى على ذلك النحو. . ." وهز بكتفيه: "بدأت اتساءل."
فتحت فمها، وقبل أن تتمكن من قول شيء ما، كان سلايد يبتعد.
وقال من فوق كتفيه: "انتظري هنا. أتأخذين شاي أم قهوة؟"
"شاي، إن سمحت." أجابت برونوين التي كانت تفضل القهوة. غير أنها عرفت أنه كان يعرف ذلك وشعرت بدافع لمفاجأته.

بعد أن انصرف، فكرت، من ناحية المفاجآت وفي ما يتعلق بالصدمة التي كانت سببتها له اليوم، إن حق إختيارها المشروبات لم تأت على رأس قائمة اهتماماته.وكانت على صواب. عندما رجع وضع إبريق شاي أمامها
وهو يبتسم ابتسامة ضيقة، وجلس ثم سألها: "حسناً، أخبريني الآن ماهو ذلك الشيء السخيف الذي أوردته الصحيفة؟"
بلعت برونوين ريقها، وأجابت: "لم يكن ذلك خطأي." وكانت مستاءة من لهجته، متضايقة قليلآ، مع ذلك، من الوميض الأزرق الفولاذي في عينيه.
هز سلايد رأسه وسألها: "هل تعلمت تلك الطريقة من أخيك؟"
نما فيها الإستياء. ويجوز أن ذلك كان أحد طرق مايكل المفضلة، إلا أن سلايد لم يكن له أية مصلحة في انتقاد أخيها، وليس بعد المشكلة التي كان هو نفسه السبب فيها. وربما وقعت تلك المشكلة قبل ثماني سنوات، إنما نظراً إلى قرار مايكل المتسرع للحاق به إلى كندا فإن نتائج سلوك سلايد غيرت حياتها.
أجابت، وهي ترفع ذقنها: "إنني قادرة على التحدث بنفسي."
"حقآ؟ كنت غير معتادة على ذلك."
"ربما لم أختر أن أتحدث إليك."
قالت وهي تحرك السكر في فنجانها دون أن تنظر إليه. وكان ذلك أسهل عليها، لأنه خلال السنوات التي وقع فيها نظرها عليه لآخر مرة، قد اكتسب هالة مميزة من القوة ورجولة بالغة لم يحظ بها في شبابه إلى تلك الدرجة. وكانت مغرية بصورة ملحوظة. وكانت تدرك دائماً أن فمه الثابت القاسي تقريبآ وملامحه الصارمة التي يغطيها شعر أشقر كثيف تكتنف جاذبيته، لم تخفَ على الشابات المتلهفات في بونتغلاس. غير أنها كانت، على الأقل، في تلك الأيام متمنعة أما الآن فلم تكن متأكدة. . . وإذا ترتب عليها أن تستسلم لأي رجل، فحتمآ تنوي أن يكون سلايد.
رفعت الفنجان إلى شفتيها وشاهدت أصابعه الطويلة تنقر على الطاولة بإيقاع. وعندما رفعت نظرها وهي تشعر بشيء من التهديد تحمله تلك الأصابع وجدت عينيه مثبتة عليها كالزجاج الأزرق البارد.
"كلا." قال: "لم تختاري التحدث إلي، أصحيح ذلك؟ وكما أذكر، كنت مشغولة جداً بمغازلة لويد مورغان بعينيك."
شعرت برونوين ببرودة تجتاح عنقها وترتفع لتشمل أذنيها. "لويد؟" تمتمت متسائلة بصوت خافت من دون أن تقدر على إشاحة نظرها عن تحديقه البارد: "أنا. . . لم أكن. . . لويد لم يكن. . ."
"كلا، هو لم يكن بكل تأكيد." وافق سلايد.

أغمضت عينيها وهي تشعر بتوهج وجهها وتتالت ذكريات الماضي تتدفق من جديد. وكذلك حتى سلايد كان يعرف أمر افتتانها بلويد. نعم، لابد أنه كان يعرف. فالقرية بكاملها علمت ذلك. وإذا كان يحاول متعمداً أن يلحق بها أذى لم يكن ليستطيع أن يقول أي شيء بمزيد من الحنكة ليجعلها تشعر مثل فتاة صغيرة ساذجة. ومازالت غير قادرة على التفكير بلويد من دون أن تعايش من جديد تلك الأيام عندما أرادت أن تختبئ في أقصى زاوية منعزلة يمكن أن تجدها حتى لا يتمكن أي فرد من خداعها مرة ثانية أبداً.
وسعمت صوت سلايد عبر ضباب من الارتباك يقول بثبات :" إذاً , الآن , يابرونوين , بقدر مايتعلق الامر بي , فإن الشعر الأحمر لا يبرر المزاج السيء. وأود أن أعرف كيف وصل ذلك الخبر الى الصحيفة."
ذلك ما لا تستطيع برونوين أن تفسره:" كذلك أريد أنا أن أعرف ." قالت بجفاء فيما تستعيد بشرتها النمشة حالتها الطبيعية.
"أتعنين أنك لاتعرفين؟"
" وكيف يمكنني أن أعرف؟ لقد جئت من المطار فوراً إلى المستشفى . وبعد ان شاهدت مايكل اخذت سيارة أجرة , وكنت أود أن أطلب من السائق أن يوصلني إلى نزل رخيص لكن صدمتنا إحدى السيارات واكتشفت نفسي أعود إلى المستشفى مرة أخرى."
وسألها بحدة:" هل لحق بك أي أذى؟"
"كلا, كلا , مجرد بعض الخدوش وجرح صغير في عنقي يغطيه شعري, وقد تركوني أنصرف في الحال." وعندما رأت أنه بدا متجهماً, أضافت بجفاء :" أنا لم أكن مسرورة لأكتشف وفاتي , لذلك يمكنك أن تتوقف عن التحديق بي كأنك تتمنى لو أن ذلك الخبر كان حقيقاً ."
وضع سلايد فنجانه على الطاولة بعنف إلى حد توقعت معه برونوين أن ينكسر , وقال:" لا أحمل لك يابرونوين إفنز , على كل حال , أية نية سيئة. غير أنني أتمنى فعلاً , مع ذلك لو كان هذا المكان أقل شعبية."
" لماذا؟" سألته بشك.
"حاولي أن تستفزيني أكثر ويمكنك أن تكتشفي ذلك."
"هه" تمتمت برونوين :" وإذا كنت تتكلم كما يتكلم رجل الكهف عن شيء غامض فإن ذلك لايؤثر فيّ على الاطلاق."
برغم ذلك, فقد أثر بها بطريقة ما , حيث أخذت تتخيل يدي سلايد تلامسانها حيث لا ينبغي ذلك.
وعندما نظرت إليه رأته يبتسم ابتسامة رائعة أقنعتها بأنه خمن بما كانت تفكر به تماماً.
" ألا يؤثر بك ذلك؟ لكنني لست متاكدأ من أنني أود ذلك." قال لها سلايد.
" نعم , تماماً , انك لاتريد ذلك." أجابت برونوين بحدة.
"أرى ذلك." وكانت عبارته باردة كصوته " هل تريدين قطعة من الفطائر ياعزيزتي؟ أو ربما عصير الليمون؟"
نظرت إليه عن كثب , فرأت أثر رعشة في طرف فمه . يا إلهي . فالرجل كان يهزأ بها . أو يحاول ألاّ يفعل ذلك.
وافترضت أن عليها أن ترى الناحية الهزلية بنفسها. فالاثنان لم يشاهدا بعضهما بعضاً منذ ثماني سنوات ، ومن ثم قرأ أنها قتلت . وعندما اكتشف أن الرواية لم تكن صحيحة , وأنها مازالت تتعافى من الصدمة , حيّته كما تحيي عدواً قديماً كان قد اختفى . وتذكرت بأنهما في الأيام البعيدة الماضية , لم يكونا عدوين حقيقيين. وإنما , بعد أن رحل مايكل واكتشفت ماذا فعل , أصبح كرهها له شديداً.
فلا عجب ان سلوكها أغضبه . وفكرت بحزن , مع أنه لم يُظهر أنه قد تأثر بتصرفها وكان يستطيع أن يضحك, ساخراً إذا شاء ذلك , إلا إنها لم تكن قادرة على نسيان الماضي.فقد أساء إلى كثير من الناس الأبرياء.
"كلا" قالت الآن , رافضة السماح منحه حتى طيف ابتسامة:" لا أحب أن أتناول أية قطعة من الفطائر فشكراً. وما أوده هو معرفة كيف تورط مايكل في هذه المشكلة, فلم يود اطلاعي على الأسباب." لم تكن تحب سلايد , أما إذا أصر على المحافظة على مرافقتها فسوف تقوم باكتشاف مايمكن اكتشافه.
اجابها سلايد" لست دهشاً."
عبست برونوين قائلة :" لماذا؟ إن مايكل ليس مقاتلاً."
وتوقفت , ثم تابعت :" آه , افترض أنك تعني أنت ..."
"كلا , ياذات اللسان الحاد, لا أعني نفسي, ولم اعتد التورط في قتال الشوارع, إن لم أدفع إلى ذلك."
"آه . إنك تعني مايكل..."
"لست متاكداً مما أعني , لأنني لم أكن هناك, وعلى كل حال, لي طريقتي في الحصول على المعلومات . ويظهر أن أخاك كان يخرج من الحانة مع جماعة من اصدقائه عندما وقع بصره ..." وتردد في حديثه , مختاراً كلماته بدقه." على فتاة صبية لعوب قد نقشت على خدها علامة واضحة بشكل ملفت للنظر فعلاً. فلابد أن مايكل قد اعتبر ذلك دعوة."
" ولم تكن كذلك؟"

كانت ابتسامة سلايد واهية، وأجاب:" آه , لقد كانت ولكن ليس له , كما عرف ذلك لاحقاً . وقد اكتشف ذلك عندما ظهر صديقها تآزره مع مجموعة وأذكر أنه نشبت مشاحنة صغيرة دنيئة , ووصلت الشرطة في نهاية الأمر . وضربت بعض الرؤوس ببعضها, وأوقفت مهاجم مايكل الذي كان يمسح الدم عن سكينه ... وانتهى الامر بأخيك هنا على الحمالة ."
"آه" تنهدت برونوين برعب وقالت " أشياء مثل هذه لاتقع في بونتغلاس. باستثناء مرة واحدة عندما طاردت السيدة جونز السيدة غريفيث في الشارع العام وهي تحمل مقشرة بطاطا وذلك لأن السيدة غريفيث نعتت السيدة جونز بتيس أشمط وهو كذلك."
همهم سلايد ومد رجليه , ومسح فمه بيده وقال:" أذكر. تلك الأوضاع تحمل مشابهات معينة , أوافق على ذلك."
والتقت عيناهما بنظرات مرح وتشاركا لبرهة ذكرى الماضي مما جعل برونوين تشعر بود مفاجىء مع هذا الرجل الذي كان قبل دقائق وجيزة يدفعها إلى التفكير بأنه انما يخطط لهجوم ما.
"تقول إنك لم تكن مع مايكل." قالت بحذر، متجنبة كل أفكار العلاقة الحميمة.
"كلا. سترتاحين إذا عرفت أنني كنت أحاول أن أبقى خارج حياة مايكل بقدر المستطاع مؤخراً." توقف ومن ثم تابع بأسلوب يخفي أسفه: "اعتدنا في أحد الأوقات أن نطوف البلاد معاً كما أفترض أنه أطلعك على هذا. ولكن بعد أن انتقلنا إلى هنا قررت أنه حان الوقت لترسيخ وضعنا. ومن الطبيعي أنه عندما طلب مايكل عملاً مع الشركة التي كنت في سياق انشائها كنت مسروراً لأن يكون هو مندفعاً إلى العمل."
وحدقت به برونوين بشك: "كنت؟"
"لا تتظاهري بأنك فوجئت. فمهما يمكن أن يكون رأيك، فإن التخلي عن أصدقائي لم يكن أبداًَ أحد عيوبي، وكنت دائماً أفكر بأن أخاك الذي لا عيب فيه كان يملك قوى خارقة خفية لو أنه يمنح نفسه فرصة فقط. وإنني أفترض أن هذا هو السبب الذي جعلنا نبقى معاً إلى هذا الوقت. إلا أنني أخشى أن مايكل لم يتحمل المسؤولية المتوقعة منه، لذلك انسحب. ووجد لنفسه مكاناً خاصاً به وبأصدقائه أيضاً، مع عمل في ملهى. وأخبرني أنه يستطيع أن يتدبر شؤونه من دون مساعدتي. وقد شكل ذلك صدمة لي، إنما، بشكل ما، سررت لسماعي ذلك."
"وهل استطاع أن يتدبر أمره؟"
هز سلايد كتفيه، واتسعت حدقتا عينيها وهي ترى عضلاته تشتد تحت قميصه. وقال: "إذا كانت الطعنة التي نالها هي ماتعنيه بذلك، عندئذ أفترض أن الجواب يجب أن يكون إيجاباً."
حدقت برونوين به وقالت: "معنى ذلك أنك قد تخليت عنه."
فتجمدت نظرات سلايد متسائلاً، واستطردت هي:
"أجل، ليست المرة الأولى، أليس كذلك، أن تتخلى عن شخص ما؟ ذلك سيئ جداً."
"ما الذي ترمين إليه، يا برونوين؟" سألها ذلك ويداه تحوطان بالفنجان، وانحنى عبر الطاولة كأنه كان يفضلهما أن تحيطا بها هي.
عبست برونوين. كان يعطي انطباعاً مؤثراً كرجل كان فعلاً محيراً وغاضباً. فتدنى رأيها به وتساءلت: هل يفتقر حتى للحشمة ليقر بذنبه؟
"أظن أنك تعرف ما أرمي إليه." أجابت وهي تدير رأسها لتحدق بطبيب متمرن بإعجاب وهو يضع طبقه على المائدة المجاورة.
"لست بقارئ للأفكار، ولا أعرف شيئاً من هذا القبيل."
فقال بحدة: "وربما كان بامكانك أن تساعديني على الفهم."
كان فعلاً غاضباً. وبدا لها في غاية الوقاحة. ويبدو أنه يعتقد بأن له الحق في معاملة الناس بأية طريقة يختارها، من دون أي نوع من المحاسبة على ذلك.
" ولا اعتقد ان هناك اية حاجة للتفسير." ردت برونوين, وهي تسكب ماتبقى من شاي في فنجانها . ولم تكن يدها ثابتة تماما فانسكب بعض السائل على الطاولة.
" هل سرق انتباهك المنظر؟" سخر منها سلايد وهو يلقي نظرة ذات معنى على الطبيب الشاب.
لكن برونوين فضلت عدم الرد.
حدق بها سلايد وملامحه خالية من التعبير, قال اخيراً:" حسناً , لايمكنني أن أحملك على إجابتي , ليس هنا على الأقل.."
لم يعجبها معنى ذلك وأجابت:"كلا, لايمكنك, لاسيما عندما تعرف الجواب مسبقاً. ولنعد الى مايكل..."
"لا أرغب في العودة إلى مايكل."
"حسنا, أنا أرغب في ذلك , فهو أخي."
"فقد بلغ التاسعه والعشرين من عمره وهو قادر على اتخاذ قراراته."
أجل , افترضت أن ذلك صحيحاً بشكل ما . فقرارات مايكل لم تكن دائماً قرارات صائبة, وغالباً ماكانت تتحكم بها النزوات أكثر من الفطرة

السليمة. والمثال الأفضل يكمن في نزوته المفاجئة لمرافقة سلايد إلى كندا من دون أن يتوقف ليفكر بأن والديه المحافظين علقا الآمال على تحويل عمل العائلة إلى ابنهما. فبالنسبة إليهما , لم تكن ابنتهما, مع محبتهما العميقة لها , القادرة على تحمل المسؤولية.فقد كرهت ذلك لمدة طويلة , تذكرت بحزن. أما في النهاية جعلها ذلك اكثر تصميماً على أن تبرهن لهما ولنفسها انها تستطيع النجاح كأي شاب اخر.
وقد فعلت ذلك, إذ أن المحل قد ارتفع إيراده منذ أن تولت إدارته.
إنما يبدو أن لا شيء من ذلك قد غير من الواقع.اذ إنها تجلس قبالة رجل لايزال في امكانه, برغم استقلالها , أن يخيفها بمجرد تضييق إحدى عينيه. وكان يضيق كلا عينيه الآن.
قال :"لو تتوقفين عن التهام ذلك الشاب المورد الخدين , بنظراتك, ربما يجب أن نتابع طريقنا, فما زال لدينا قدر كبير من العمل بعد هذا الظهر."
توقفت برونوين عن الشعور بالخوف وغمغمت:" لا ألتهم أي شخص." وكان لابد من أن تغمغم ذلك, وإلا فإن الشاب الوردي الخدين قد يسمع قولها وتابعت:" ربما باستثنائك ولست أعني بذلك مجاملة."
"أعجب لماذا لايفاجئني ذلك." رد سلايد شعرت برونوين كأن عمودها الفقري سينقصف إن هي تابعت جلوسها." هل ذلك كل مالديك قوله؟"
سألته وهي تبذل مجهوداً تحافظ به على صوتها خافتاً.
أوقع أحد الأشخاص طبقاً وأحدث ضجة عالية, فما كان من سلايد إلا أن ترك كرسيه فجأة ووقف وهو يقول :" كلا ليس كل مالدي . ولكن , بما أنني لا أود أن أقوله هنا, سنتوجه في الوقت الحاضر إلى دائرة الطوارئ لنطلعهم على واقعة الحادث, وبعد ذلك سأعمل على الاستقرار بصورة لائقة..."
" لقد استقربت." أجابت برونوين.
" واصلي ذلك, وقد تكونين كذلك.وكما كنت أقول سأعمل على استقرارك.وبعد ذلك أود أن أقدم لك عشاء... وسنتابع الحدث.على الأرجح سوف تكتشفين أن لدي اشياء لأقولها لك أكثر مما توقعت." ثم أبعد الفنجان الذي كانت تمسكه بأصابعها, تناول يدها يوقفها على قدميها, وسألها:" أين هي أمتعتك؟"
اخبرته عن مكانها.
" يا للسماء, حتماً لايمكنك أن تكوني حمقاء إلى هذا الحد؟"
" ماذا تعني؟" سألته برقة, وهي تختال لتسحق قدم حذائه الأسود بعقب حذائها.

شتم ثم قال:" أعني هذا هو الاسوأ جزء من المدينة يمكنك أن تختاريه." واستقر حذاؤه اللامع تماماً على قدمها بشكل متعمد .
" ذلك لأن ثمنه زهيد." ولهثت, كان ضغط قدمه يشدها ارضاً, على الرغم من عدم تألمها, إلا أنها لم تقو على الحراك.
ابتسم سلايد باشمئزاز, وانتظر حتى أسدلت عينيها قبل أن يرفع قدمه, وقال:" لايهمني اذا كانوا هم الذين دفعوا لك لتأخذي غرفتهم, فلن تقيمي هناك."
" لقد أقمت ." أكدت له.
"ليس أكثر من ذلك, ويجب عليك الامنتاع."
" اوه, وأين تقترح أن أنتقل؟"
" لا أقترح." أمسك بها من كتفها ودفعها بطريقة خالية من الاحترام باتجاه المخرج وقال:" إنني أنقلك إلى المكان الذي أقيم فيه, في هذه الساعة." وعندما رأى شفتيها تفتران بسخط، أضاف:" وإذا ما جادلتني أكثر, أنذرك, بأنني لست بعيداً عن تصرف رجل الكهف الذي ذكرته أنت سابقاً, ومن خلال طريقة تفكيري الحالية, لست متأكداً مما إذا كان ذلك سيجلب لنا خيراً كبيراً."



"~الفصل الثاني~"

حافظت برونوين على صمت مطبق حتى وصلا الشارع، ثم قالت ببرودة جليدية، متجاهلة يد سلايد على كتفها: "لعلني ألح عليك في السؤال عن مكان ذهابنا؟"
"كلا، أبداً، فنحن ذاهبان عبر الشارع إلى سيارتي."
"فهمت." قالت بصوت يقطر تهكماً. "ولكن، بما أن دائرة الطوارىء تقع خلفنا مباشرة، فلا يبدو ذلك منطقياً، أليس كذلك؟"
وتوقف سلايد فجأة. وللمرة الثانية في مدى دقائق قليلة أراها كفاءته في أكثر من ناحية في اللغة الانكليزية التي من الممكن أن تتصورها. وبعدئذ، ودون أن ينبس بكلمة، استدار وقادها عائدين إلى المستشفى.
اختلست نظرة إلى وجهه، وحاولت أن تكبت ضحكة خافتة. بدا كغيمة عاصفة تتجمع فوق القطب الشمالي. وفكرت بأنها عاملته كما يستحق تسلطه.
عمت دائرت الطوارئ حالة من الذهول الشديد لإكتشاف أن الجريحة المتوفاة كانت حية وتحتج على مصيرها. إلا أنهما لم يبلغا مرادهما، وجرى توجيههما إلى الإدارة.
"إنهم مسؤولون عن منع حق الدخول والخروج." أوضح ذلك شاب كان مسرعاً، وهو يحدق ببرونوين كأنه يتوقع أن تنبت لها مخالب تنهش عنقه.
"ميتة أم حية، محتمل." تمتم سلايد.
في البدء، رفضت تلك السيدة الضخمة التي كان عملها مقتصراً على تصويب الخطأ أن تصدق رواية برونوين.
"مستحيل." قالت بسخط، مشيرة لهما بيدها إلى مقاعد أمام مكتبها قائلة: "إن موظفي الدائرة حريصون جداً على الحفاظ على سجلاتهم."
"إنني أكيدة من أنهم كذلك." قالت برونوين بلطف: "ربما جرى الخطأ في مكان آخر. وعلى كل حال، إن ذلك التقرير الذي نشرته الصحيفة ليس صحيحاً."
همهمت السيدة الضخمة وألقت بنظرة من فوق نظارتها، ونهضت واقفة بكبرياء على قدميها، حدقت بهما وانطلقت مسرعة لتجري محادثة خاصة مع زميلة لها.
"إنها متصلبة تجاهي." أبدت برونوين ملاحظة وهي تلقي نظرة مزعجة على وجه رفيقها الصخري. "وأعتقد أنها تتمنى ألا أكون قد بعثت فعلاً."



"ليست مقتنعة بأنك كذلك." قال سلايد بجفاء وتخلى عن مظهره المتصلب، ومال برأسه جانباً، وأضاف متخيلاً: "لنفكر بذلك، إنك تبدين فعلاً شاحبة قليلاً، هل أنت متأكدة. . . ؟"
"بكل تأكيد." قالت برونوين، التي كانت تحاول مرة أخرى ألا تضحك. وإذا ظن سلايد أنه يصادف نجاحاً بإثارتها بوجهه المستطيل غير المعبر، فإنه على خطأ.
ورجعت السيدة الضخمة، وبعد وقت طويل من مراجعة العديد من الأوراق، والتنحنح والتحديق، أقرت بأن برونوين إفنز مازالت على ما يظهر حية، أما بربارة إفنز، البالغة من العمر إثنين وسبعين عاماً، فهي التي توفيت.
كلاهما كانتا قد وقعتا ضحيتي حادثة سيارة أجرة، وكلاهما كانتا ضيفتين من بريطانيا. فكيف انتهى الأمر بورود اسم برونوين إفنز في خبر حادث سير في الصحيفة؟ هذا مازال غامضاً. ولكن لم يكن ذلك خطأ المستشفى، من دودن شك، أكدت لهما السيدة.
"اذاً خطأ من يكون ذلك؟" سأل سلايد، مطوقاً السيدة الضخمة بعينين زرقاوين بغيضتين.
"هذا لايهم." أسرعت برونوين قائلة: "فلا يهمني فعلاً غلطة من هي تلك، ولايهمني كوني أنا حية أيضاً. أريد فقط تسجيل ذلك رسمياً."
وفوق أي شيء آخر، لم تفكر بأنها كانت تقوم بمهمة الحكم في صراع إرادات بين سلايد المقفل الشفتين وهذه الوصية على سمعة المستشفى.
"لقد جرى التسجيل على هذا النحو." غمغمت السيدة الضخمة بصوت كئيب.
اخفضت برونوين رأسها ووقفت بسرعة ولمست كتف سلايد. "هل يمكننا الذهاب الآن، أرجوك؟" طلبت ذلك بمحاولة متعمدة استدراراً للشفقة وقالت: "إنني متعبة جدآ. . ."
وقف سلايد وقال: "حسناً إذا كان ذلك ما يرضيك. . ."
"آه، أجل، أنا راضية تماماً." ولا حظت نفوره وقبضت على ذراعه، ممسكة بها كأنها كانت بحاجة إلى دعم.
حدق بها سلايد بعبوس طفيف، ثم وضع يده فوق يديها. وسرعان ماكانا في الشارع.

أدركت برونوين أنها بدأت تشعر بجوع شديد، وتذكرت أن سلايد كان قد ذكر أمامها تناول طعام العشاء. وتذكرت أيضاً لسوء الحظ أنها كانت تنوي التخلص من قبضته عندما تحين الفرصة.
" لا أود البقاء معك." قالت بصراحة , وهي تبتعد عنه وهما واقفان على الرصيف يستنشقان هواء شهر أيار الدافئ ." ولست بحاجة للتفكير بأن تهديدك يخيفني البته ،لأنه لا يخيفني."
لم يجب سلايد.
" قلت لن أمكث معك." رددت وهو يأخذ ذراعها.
ومازال على صمته , لكن قبضته اشتدت وهو يحثها على السير أمامه عبر الطريق.
" سلايد " وعرفت ان في صوتها توسلاً الأن, غير أنها لم تتمكن من لجمه."سلايد أجبني."
" اعتقد أنك كنت متعبة." وفتح باب سيارة حمراء لامعة وأوما لها بالدخول.
" وما علاقة ذلك بأي شيء؟"
" مجرد حقيقة أنك لابتدين لي متعبة البتة.أنت تحبين الجدل كثيراً.هيا , ادخلي."
تراجعت إلى الوراء وهي تحدق بالباب الأحمر بشك. ومع أنها لم تعرف شيئاً عن السيارات , ظنت أن هذه السيارة يمكن أن تكون من نوع بورش.
" لست ذاهبة بصحبتك." قالت بحزم.
" آه , أجل, ستذهبين. ادخلي."
وسمعت الرنة الحقود في صوته, وتذكرت كان النزل كريهاً،و كم كانت جائعة.ومن الممكن أن الرضوخ يكون أسهل كثيراً- وجميل أن أكون موضع عناية- لهذه الليلة فقط.
لو أنه لم يكن سلايد...
إلا أنه كان سلايد. وفكرت في وقت لاحق كيف حدث ذلك.
في مدى ثوان اكتشفت نفسها ترفع وتلقى بسرعة في مقعد سيارته.
" لاتحاولي الهرب" حذرها , واستدار بنفسه جالساً بجانبها.
توقفت أصابعها , التي كانت تتحرك بتستر نحو قبضة الباب فجأة. وبينما انحنى سلايد عليها واستل حزام مقعدها , شعرت مرة أخرى بحرارته ورائحته الآسرة وشعرت بكسل غريب.
لم تحاول النزول , وفي لحظة, كانت السيارة تسير في الشارع بتمهل.

" يا إلهي!" تمتم سلايد بعد برهة وجيزة, وبعد أن طاف حول نزلها أربع مرات بحثاً عن فسحة لتوقيف السيارة ،وفي النهاية قطع شارعاً من أمام وجهتهما.
" ماذا حدث؟"سألت برونوين, كارهه ضرورة التحدث إليه, إلا أنها كانت فضولية تريد أن تعلم ما إذا كان قد اكتشف إطاراً مثقوباً أو ثمة مشكلة أخرى أكثر خطورة.
"هذا المكان الوضيع. لابد أنك كنت تائهة لتجدي هذا النزل المتداعي." فتح باب السيارة وساعدها على الخروج، وهو يومئ نحو صناديق القمامة، ورجل نائم في إحدى الممرات.
قالت بعد قليل: "أخبرتك أنني تهت لأجد نزلاً رخيصاً.
فالعالم كله ليس ثرياً مثلك، يا سلايد. فلا تعيش الناس، غالباً، في أمكنة كهذه بإختيارها."
"آه!" قال سلايد: "إنك داعية إصلاح، وجديرة بالثناء. بالمناسبة، مالذي يحملك على التفكير بأنني ثري؟"
لجمت برونوين بنجاح رغبتها في أن تلطمه على أنفه الشامخ. "كان ممكناً أن أعيش معظم حياتي في قرية صغيرة." أجابت: "ولكن لا يعني ذلك أنني لا أعرف قميص الحرير عندما أشاهد واحداً. وإن لم أكن مخطئة، فالسيارة الحمراء اللامعة التي أقلتنا إلى هنا هي في الواقع من نوع بورش."
"ألا تحبين سيارتي؟" سألها.
"إنها جميلة جداً." أجابت برونوين بصوت ينم عن الصبر.
زم سلايد شفتيه وقال: "إنها لعبة مناسبة لولد صغير مفرط في النمو. هل ذلك ما تعنينه؟"
اختلست برونوين نظرة إليه عندما مر مسرعاً بجانبها، مما جعلها تقفز لتجاريه في سيره.
رأت ملامحه القوية وكتفيه المستقيمتين ومنظره الذي يوحي بكونه يتناسب مع سيارات البورش. كلا، ليس ولداً صغيراً بالتأكيد.
" كلا." قالت ببطء: "السيارة تناسبك."
التفت سلايد إليها وأجاب: "ذلك يبدو كأنه إطراء تقريباً. لكن، إذا ما اعتبرنا سجلك في هذا المضمار، افترض أنه ينبغي علي أن أحترس من الرضا الذاتي."
وحاولت برونوين ألا تبتسم. وعندما تكلم بتلك الطريقة، ونظر إليها مستفزاً ومستمتعاً كان في الإمكان أن تستكلف سلايد تماماً. . . إلى أن تذكرت ماذا فعل.
"أعتقد أنك كنت دائماً راضياً عن نفسك قليلاً." قالت ببرود، من دون أن تسمح لنفسها بالتمادي في الإعجاب به.
"لديك سبب وجيه لأن تكون, بقدر مايتعلق الأمر بذلك.فقد أوقعت جميع فتيات القرية بحبك في الفترة التي وصلت فيها لتقيم مع عمتك وعمك, كما أعجب بك الشبان كذلك... على الرغم من أنهم حسدوك على شعبيتك."
توقف أمام باب النزل البني المخدش الذي تنزل فيه , وبدت عينا سلايد قاتمتين, وقال باقتضاب:"ليس هناك الكثير لأحسد عليه.كنت في الخامسة عشرة , أحاول جاهداً أن أبدو رجل العالم بين أناس كانوا يعرفون بعضهم بعضاً طيلة حياتهم.فالحقيقة أنني كنت مجرد فتى وحيد مات أبواه في حريق منزلي سببه أب مستهتر كان قد غفا وبيده سيكار مشتعل. فليس هذا سبباً وجيهاً يحمل على الرضى."
" أوه!" قالت برونوين دون ارتياح .لابد أنها سمعت برواية سلايد... كيف عاد إلى البيت بعد مشاهدته أحد الأفلام ليجد أبويه, اللذين كانا بعيدين عن المثالية, متوفيين... لكنها لم تسمعه ابداً يتحدث عن ذلك أمامها. فنظرت إلى وجهه متعجبة إذا ماكان يتوقع تعزية ،فرأت في الحال أنه لم يكن كذالك. فظنت أنه كان يختبرها, ليرى ردة فعلها, ويريد أن يفقدها توازنها على الأرجح , حتى لا تتمكن من مقاومته عندما يحاول أن يجبرها على الانتقال إلى شقته.
" لقد نجحت." قالت ببراعة موجزة.
" نجحت؟" وبدا وكأنه فوجئ.
همهمت وقالت :" فكر معظمنا أنك كنت مثيراً .بالتحديد رجل العالم."
" معظمنا؟"
رد برقة وتوقف خارج غرفة رقم ستة." لكن لم تكن برونوين إفنز من دون شك." ولمس بيده خدها .
أطلقت ضحكة وهي منزعجة, وقالت:" أعتقدت أنك وسيم" قالت ذلك دون أن تلتفت إليه.
" الأمر الذي لم يؤثر بك." أجاب سلايد.
" مطلقاً." قالت وهي تأخذ نفساً عميقاً ثم تطلب منه متسائلة:" ماذا تفعل هنا, ياسلايد؟ لماذا لاترحل حالاً وتتركني..."


"سننتقل خارج هذه الحفرة القذرة, وهذا ماسنقوم بعمله. ولا أنوي أن أتركك وحدك في مدينة غريبة لاتعرفين فيها أحداً..."
" أعرف مايكل." أجابت
" المتمدد على ظهره في المستشفى, حيث يستحق أن يكون.وذلك لايساعدك, للأسف." أكمل سلايد حديثه.
" بحق السماء اسمع , يا سلايد." قالت له:" لست بحاجة للمساعدة, ولا أقدر على الدخول معك, فذلك ليس صواباً."
"لِمَ لا؟ أخائفة من أنني سأنتهز الفرصة وأنقض على جسدك الفاتن؟" نطق سلايد بهذه الكلمات الوقحة، إلا أن برونوين شعرت أنه كان غاضباً.
"لقد مرت الفكرة برأسي." قالت بجفاء، وهي تتمنى لو أنها استطاعت أن تفكر بجواب أفضل.
"حسنآ، إلغيه مرة ثانية. فأنا لست معتادآ على التغرير بشقيقات أصدقائي، اللواتي يبدين أنهن لا يحبذن ذلك لسبب ما. ومن الناحية الأخرى، إذا قررت الشقيقات أن يغررن بي. . ." وخفت صوته بتثاقل، وشعت العينان الزرقاوان بتحد واضح.
"بعيد الاحتمال." قالت وهي تمط شفتيها، ثم وضعت مفتاحها في القفل وفتحت الباب بدفعة قوية فصدر عنه صرير عال. إذا كان سلايد سيرتفع إلى ذلك النوع من التحدي فإنه يكون قد خدع نفسه.
"كنت خائفاً من أن تقولي ذلك." تمتم وهو يحني كتفيه العريضتين ليدخل الغرفة الحقيرة. وعندما انتصب مرت ثانية طرفت عيناه وأضاف غير مصدق: "يا لها من تعاسة. هل تعنين، يا برونوين، أن تطلعيني بأنك استطعت أن تنامي فعلاً في هذا الكابوس المزهر؟ يبدو أنه يشبه نتيجة مجهود باحث مخبول بذلها لأنتاج زهور دوار الشمس الوحشية."
قهقهت برونوين ونسيت سخطها مؤقتاً وقالت: "أعرف ذلك. إنه لأمر فظيع، أليس كذلك؟"
"إنه تصريح لا يصور الفكرة بشكل أقل من الحقيقة. يتعارض مع شعرك أيضاً. لذلك، وبما أننا قررنا بصورة مؤكدة بأنني لن أقيم علاقة معك من دون موافقة، هل يمكننا، من فضلك، أن نجمع أمتعتك ونخرج من هنا قبل أن تهاجمنا هذه الزهور اللعينة؟ لدي شعور بأن إحداها في الزاوية تعتقد أنني عشاء مفضل."
"لا تكن سخيفاً." فكرت برونوين بالاحتجاج مرة ثانية، لكن سلايد الطيب القلب الساخر إلى حد ما كان أشد إقناعاً من متعسف متسلط والذي أجبرها على الاتيان به إلى هنا في المقام الأول. تستطيع أن تثق به تقريباً. وعلى
أية حال، فهي متأكدة من ثقتها بنفسها_ وهو على صواب حيال زهور دوار الشمس. فالزهور القائمة فوق مائدة الطعام المخلعة تحدق بعينها السوداء بها.
تناولت خفين وقميص نوم أبيض شفافاً وحشرتهما في حقيبتها وأقفلت غطاءها.
وبعد دقيقتين، بينما كان سلايد يجتاز الدرج ثلاث درجات في وقت واحد وكانت هي تقفز في أثره، حاولت في الوقت نفسه أن تخمن كيف نجح في حملها على تنفيذ ما يريد تماماً. وكان سؤالاً محيراً، لأنه بعد إدارة المحل بمفردها لمدة خمس سنوات أصبحت برونوين تنتظر عمل معظم الأشياء كما تريد هي تماماً.
فقررت أن الشيء كله، ربما، يمكن أن يعزى إلى تصادم ثقافة، قلق، وشعور مبني على أمل أكثر من أي شيء آخر، بأن سلايد لم يشأ لها أن تصاب بأي أذى. ولم تكن تلعب دوراً مبهماً. وإذا كانت تقوم بذلك. فإن ذلك الدور لم يكن في نيتها القيام به لمدة طويلة.
وعندما وصلا إلى السيارة وجداها محاطة بعدد من الفتيان الصغار. وكان أحدهم داخل الحلقة قد أطلق لحيته من أيام قلائل أمسك بقفل السيارة بعناية.
منتديات ليلاس
أغمضت برونوين عينيها قليلاً. وكان سلايد قد قال إنه لم يتعود التورط في مشاحنات الشوارع، لكنه لم يؤثر عنه انه من الرجال الذين يحجمون عن التصدي ولا يمنعون تعرض أملاكهم للخراب.
وقد فاجأها أنه بدلآ من أن يشتاط غضباً وينزل متصدياً بقبضتيه، مشى عمداً نحو حفنة الفتيان الصغار المنهكين وقال بصوت منخفض رقيق إنما يتخلله شيء من الحدة: "أعتقد أنني سأستعمل مفتاحي، إذا لم تمانعوا، فإن هذه السيارة هي سيارتي. ربما يمكنني القيام بنقلكم إلى مكان ما؟ إلى مركز الشرطة، أتصور ذلك."
فما كان من الفتيان الصغار إلا أن ضحكوا، ورفع الفتى المطلق لحيته عينيه كأن القمر نزل على رأسه، وتخضب وجهه بالاحمرار، وأخذ يقول: "لا تحاول القيام بفعل أي شيء، يا سيد."
"لم أكن أحاول أن أفعل شيئاً. واقترح أن لا تحاولوا كذلك، وإلا ندمتم. وعلى كل حال، إذا قررتم في أي وقت أن تحصلوا على معيشة شريفة، إليكم بطاقتي. إذ يمكنني أن أقدم عملاً لواحد منكم يمكنه أن يستعمل يديه، كما يظهر ذلك من مظهركم." وأومأ نحو باب البورش الذي فتحه منذ لحظة.

تحول وجه الفتى من أحمر قاتم إلى وردي شاحب، وهز برأسه كأنه يحاول نزع شيء غير متوقع علق في أذنيه.
"هل أنت مجنون؟" سأل الفتى وعيناه قلقتان.
"ممكن." أجاب سلايد. "والآن افسحوا الطريق وأعتقد أنه حان الوقت لنوصل هذه السيدة إلى بيتها."
ففغرت أفواه الفتيان غير مصدقة وسلايد يناول برونوين يده ويأتي بها عبر الجماعة الصغيرة المدهوشة.
وعندما نظرت برونوين في المرآة وهما يسيران بالسيارة، شاهدت العصابة كلها، مع الرجل المخمور الذي كان ينام في الممر، يحدقون بهما كأنهما زائرين من الفضاء قاما بزيارتهم منذ برهة من الوقت. ففكرت برونوين بإمعان لأن ذلك حدث بطريقة ما. فلا يمكن أن تتصور أن سلايد يوقف سيارته عادة في هذه الناحية من البلدة. ولم يقم بذلك اليوم إلا من أجلها.
"أظن أن ذلك الشاب كان على صواب." حين قال: "إنك لمجنون."
"أشكرك، إنه لطف منك أن تقولي ذلك."
"كلا، حقاً، يا سلايد. أعني، ولا بد أن أقر بأنك تعاطيت مع الوضع بصورة حسنة، لكن لماذا عرضت عليه عملاً؟ ولماذا جازفت بتوقيف سيارتك هنا. ألتلك المسألة؟ كان في إمكاني أن أستقل الحافلة.
"أنا لا أشك أنه كان بمقدورك، وربما إلى بيت غير لائق آخر، ويجوز أن يكون على جدرانه صور جراء الكلاب هذه المرة." وقبض بأصابعه الطويلة على المقود، متابعاً: "لا أعني بأن أترك ذلك يحدث، يا برونوين. ودون شك أعرف أن سيارتي لا يمكن أن تدوم في هذه الانحاء، ولكن، بما أنني لم أنو أن أبقى طويلاً على كل حال، فإن ذلك لم يكن يشكل مشكلة."
هزت برونوين برأسها وقالت: "حسناً فهمت. إنما تقدم عمل له فلا معنى له."
"ربما لا. إلا أنني قطعت أميالاً قليلة في مكانه. فقد كنت بلا هدف ومثبط العزيمة ومفلساً إلى جانب أبوين كانا دائماً مخمورين تماماً. لو لم يتوفيا، وتقوم عمتي تيريز بتربيتي، لتحولت أنا نفسي إلى مجرم صغير."
حدقت به، ورأت الخطوط النحيلة على جانبي فمه الحاد. . . فهزت برأسها بعد برهة مؤكدة ذلك. وقالت: "كلا. لايمكن أن تتحول. فإرادتك قوية جداً لتمنعك من الإنحدار إلى ذلك. إنك مغرور، بلا شك. إلا أنك قوي جداً." وعندما لم يجبها، أضافت بابتسامة صغيرة باهتة: "ولكن لو أنك لجأت إلى الجريمة، لكنت برعت فيها. . . ليس في حقل الجريمة الصغيرة."

تقوس حاجباه فوق عينين زرقاوين لامعتين وهو يلتفت ليرشقها بنظرة ساخرة، وأجاب: "أعتقد أنه جميل جداً أن أكون صريحاً."
"وماذا تعني بذلك؟"
"لقد كنت على وشك أن تدلي لي باطراء، فكم أنت محظوظة كونك سارعت إلى قول ذلك في الوقت المناسب."
حدقت به برونوين، وقالت باقتضاب: "متشامخ ومغرور كذلك."
"آه، أفضل بكثير. فقد عرفت أنك لا تخذلينني."
رأت شفتيه تنفتحان ويئن أنة طويلة تنم عن رضا ذاتي. فأشاحت بوجهها عنه والتزمت الصمت وهي عابسة. ولم يعكر هو ذلك الصمت إلى أن دخلا في موقف سيارات تحت الأرض في مجمع شقق طويل في بونيت غراي رود.
"إنه مكان مظلم." قالت بتردد بينما فتح سلايد الباب بسرعة.
"إنه غالباً تحت الأرض." همهم سلايد. "ولذلك لدينا أشياء تدعى أضواء."
"نعم." ولكن غصت برونوين وصمتت. كان على حق.
فالمكان مضاء كفاية. إنما هي كانت تكره الأمكنة القاتمة المغمورة منذ حبسها مايكل في خزانة وهو يمزح معها ثم نسيها هناك حيث بقيت لأكثر من ساعة فيها. وقد تركت فيها الحادثة خوفاً دائماً من الظلام. إلا أن ذلك لايبرر سلوكها كتلميذة متوترة أمام سلايد. . . والذي كان يراقبها ويبتسم ابتسامة صغيرة غريبة.
"تعالي." قال لها: "فالمصعد هو من هذه الناحية."
وكانت سعيدة جداً أن تقبل بأن يأخذها من ذراعها بينما تسمع صدى خطواتهما فوق الخرسانة. وكان يستحيل عليها أن تشعر بالواقع وهي متوترة لأنه يسير إلى جانبها. . . ملامساً من حين إلى آخر فخذه بجنبها مما أعطى انطباعاً مطمئناً ومثيراً كذلك إثارة مدهشة.
"ذلك أنيق للغاية." قالت برونوين, وعيناها لا تتحولان عن المصعد المفروش الذي يصعد على مهل.
"أتعتقدين ذلك?" ابتسم لها, فشعرت برضا وراحة غريبين.
وعندما توقفا في النهاية وأدخلها سلايد عبر ممر إلى غرفة مضاءة إضاءة شديدة تأسر الألباب لم تر مثلها من قبل, لم تقو على كبت تنهيدة رغماً عنها.
"أتعجبك?" سألها باقتضاب.
"إن. . ان هذا لا يصدق." أجابت. وكانت حقاً كذلك. حيث أن جداراً بكامله كان يشكل نافذة تطل على شرفة واسعة مواجهة لبحر يغور بالألوان. أما في الداخل, فكانت خضرة البحر تنعكس في الألوان الزرقاء والخضراء الداكنة على المفروشات. وكان السقف عالياً, بالاضافة إلى سعة المكان, ولم يكن على الأرض سجاد, فقط بلاط كبير أخضر وأبيض. وكانت اللوحات على الجدران, رسمها فنانون لم ينحدروا إلى مستوى الابتذال.
"حقيقة أن ذلك شيء لايصدق?" سألها سلايد بجفاء. "أفترض أنك تعنين أنها عارية وباردة ولا تحاكي البتة منزلك الجميل?"
"من دون شك, إنها مغايرة لبيتنا." أقرت وهي تفكر باللوحات اللوحات المطبوعة وأغطية الأضواء التي لم تتكبد عناء تغييرها منذ يوم وفاة والديها. "لكنها ليست عارية."
تابعت: "وغير محشورة بالتأكيد. غير أنني أعتقد أنها جيدة لهذه الفسحة."
"إذن, أنت توافقين." والتقط خصلة من شعرها وعلقها وراء أذنها قائلاً: "وذلك يسعدني."
شيء ما في لهجته جعل برونوين ترميه بنظرة حادة, إلا أن شفتيه تجعدتا بابتسامة صغيرة سلسة ولم يبد من عينيه أي شيء.

"أين هي غرف المنامة?" قالت من غير تفكير. . . وكان في إمكانها ألا تدفع نفسها إلى هذا السؤال.
وتحولت البسمة الفاتنة إلى نظرة ساخرة, تماماً كما عرفت أنها ستتحول إلى ذلك. "غرفة النوم." صحح لها: "هناك واحدة فقط."
شعرت برونوين بالخجل يثب في عنقها ويصعد إلى الأعلى, وتحولت عنه بعيدة بسرعة.
وكان سلايد وراءها يضحك بشكل خافت, وأكد لها بقوله: "لست بطائر أزرق."
"ألست كذلك? إن ذلك موضع نقاش. لكنه. . ."
"لكن ألم تخططي لتشاطريني فراشي? لاتقلقي, يجوز أن أتحمل الإحباط المدمر."
آه, ستفعل ذلك جيداً, فكرت برونوين بمرارة. نظراً لأنك لم تتذمر البتة. فإنك تهزأ مني.
وبصوت مرتفع, كل ما قالته كان: "إنه العون الثاني الكبير الذي حصلت عليه اليوم. فهل لي أن أطلب منك معرفة أين تتوقع مني أن أنام?"
"في غرفة نومي." أجاب.
تلك هي المسألة. لقد عانت من ضعف مؤقت في سلامة عقلها, إلا أنها تعافت الآن.


وقبل أن تصل إلى الباب بوقت طويل كان سلايد يلحق بها, ويقول لها, ممسكاً ذراعها ومديراً إياها بقوة: "لن أتركك, تعرفين ذلك."
"لا يمكنك أن توقفني." أجابت وهي تزدرد ريقها وتلاحظ الوميض الخاطف في عينيه. "على الأقل. . ." ولم تكمل.
"على الأقل أنا أستطيع, إلا أنك تأملين أني لا أقدر." أكمل عنها وهو يرفع يده الطليقة ويطوق بها عنقها من الوراء, وقال: "آسف أن أحطم آمالك, ياعزيزتي, ولكن سأوافقك بكل تأكيد."
ولأول مرة منذ أن ألتقت به في ممشى المستشفى شعرت برونوين بخوف قليل من سلايد. وكانت متكدرة ومنزعجة من قبل. حتى أنها كانت متخوفة. ولكن ليست خائفة.
ويجب أن يكون ذلك قد بدا في عينيها, لأنه تركها فجأة, وقال بشيء من عدم الصبر: "بحق السماء يا برونوين, أين تعتقدين أن أكون? سأنام في الخارج هنا على الأريكة, وأنت تتمتعين بغرفة النوم وحدك."
"آه." قالت وهي تشعر مرة أخرى بالخجل. على كل حال, لقد قدمت إلى هذا المكان بمحض إرادتها.
"هل ذلك يعجب سيادتك?" سألها بصورة لاذعة.
لم تكن أكيدة من أنه سيناسبها على الاطلاق, إلا أن ذلك ربما كان متأخراً جداً لتغير فكرها. إنها بحاجة إلى مكان تنام فيه. وهي تثق تماماً بأن سلايد لن يغتنم الفرصة, ولليلة واحدة على الأقل فالأسهل أن تستسلم بدلاً من الجدل.
ومع أن سلوكه كان في السنوات الثماني الماضية قاسياً ويستحق التوبيخ, فلم يقترح أحد قط أنه سيفرض نفسه على فريسة مسلوبة الإرادة.
"ذلك يناسبني." أجابت باقتضاب.
"هذا حسن. إنني مسرور للحصول على موافقتك, في النهاية." ومسح جبهته بمنديل تعبيراً عن رضائه, وتابع: "والآن وقد توصلنا إلى تسوية, ماذا تودين أن تفعلي. أن تتناولي الطعام هنا أو تخرجي للعشاء قبل أن تقومي بزيارة أخيك?"
وسألته برونوين بشيء من الشك والدهشة: "هل تعني أن في إمكانك أن تطهو?"
"بالتأكيد لا. ولكن أنت تستطيعين." أجاب سلايد.
فغرت فاها وقالت: "حسناً, من بين جميع الدعوات التي تلقيتها, فهذه يجب أن تكون أكثر الدعوات المتميزة لأن المرء يقوم بخدمة نفسه بنفسه. . ."

" إنني عادة أتدبر فعلاً أمر القيام بخدمة نفسي بنفسي, كما أشرتِ. إلا أنه يمكنك ان تمسحي مظهر الغضب عن وجهك المرقط بالنمش.فالسيدة دويل, التي تدير شؤون منزلي , هي في اجازة, وقد تركت الخزانة محشوة بالأطباق التي يمكنني أن أتدبر أمرها."
" أوه" قالت برونوين.
" أوه , ليس جواباً."
" جواب؟"
" برونوين, إنني لا اعتقد في الحقيقة أنك غبية .على الأقل اعتدتِ على أن لاتكوني كذلك, فهل تريدين أن تتناولي الطعام في الداخل أم في الخارج."
إن ماكانت تريد فعلاً أن تفعله هو صفعه . فحدقت وقالت:" " أوه" مرة ثانية ثم توقفت وقالت:" في الداخل سيكون ذلك أسهل."
ربما لم يكون ذلك أسهل, إلا أنها كانت مترددة في أن تدع سلايد يدفع مقابل وجبتها, وشعرت أنه سيرفض علناً السماح لها بشراء وجبتها . وآخر ما يحتمله مزاجها لهذه الليلة هو جدال جديد.
" صحيح." قال سلايد, وهو ينحني لتناول أمتعتها, وقال :" في تلك الحال سأريك غرفتك."
ومرة اخرى وجدت برونوين نفسها تسير مهرولة وراء سلايد.في حين كان يخترق الطريق عبر ممر مدهون بالأزرق يفضي الى غرفة نوم صغيرة مزدانة بلون اسمر ذهبي.وكانت الغرفة دافئة متناقضة بصورة مفاجئة مع جو باقي الشقة الصغيرة .
" آه" قالت بتعجب:" انها مخططة نظيفة كالأجزاء الأخرى , إلا أنها مختلفة..."
همهم سلايد موافقاً وقال:" أحب أن أكون دافئاً في سريري." إن النظرة الجانبية التي وجهها إليها جعلتها تخجل إن هي سمحت لنفسها بأن تلتقي بعينيه.كان السرير كبيراً جداً, لاحظت أنه مصنوع من الخشب الداكن بغطاء ذهبي أصفر... يتسع لأكثر من شخصين ...
ووبخت نفسها على أفكارها بسرعة.
" هل أنت الذي زينت هذا المكان بنفسك؟" سألته لتشيح فكرها عن موضوع الفراش أكثر من أنها أرادت أن تعرف فعلاً :" لم أفعل ذلك." قال لها:" ولذلك السبب أوظف اناساً يعملون لي, وأطلعهم على ما أريد فعله, وهم يقومون بالتنفيذ."

عبست برونوين، وراحت تفتح الحقائب التي ألقى بها على السرير، وأعادت متسائلة: "يعملون لك؟ ولكن ماذا تعمل فعلاً، يا سلايد؟"
تنهد، وأجاب: "لا تنظري إلي كأنك تشكين في أنني أمتهن أعمالاً قذرة. فالحقيقة هي أقل بكثير من أن تكون مثيرة."
"إذن، ماهي الحقيقة؟"
"مجرد أنني بعد أن قضيت سنوات أتنقل في هذه البلاد من عمل إلى آخر وأهدر كثيراً من الوقت في المقطورات والبيوت النقالة، توصلت إلى تحسس مصلحة البيوت النقالة. لذلك قررت القيام بوضع خطة لهذا العمل وأسوقه لحسابي الخاص."
"وكيف؟" سألت برونوين، التي ترى دائماً الجانب العملي للأشياء: "فذلك يتطلب رأس مال."
"عمدت إلى الحصول على من يقدم لي الدعم." أجاب بنبرة تتسم بالدهشة. . . وربما كان ذلك في الحقيقة، أدركت شبه مشمئزة. يتوقع سلايد دائماً أن يحصل على ما يريد، ونادراً ماكان يعترف باحتمال عدم النجاح.
"وقد نجحت في مشروعك، دون شك." قالت وعلى وجهها ابتسامة صغيرة جافة.
"يمكنك أن تقولي ذلك."
أجل، جالت بفكرها، وهي تفكر بالغرفة وبالمواعيد الممتازة التي تجري فيها، مستعيدة في ذاكرتها سيارة البورش وقميص الحرير. أجل، يمكنها أن تقول ذلك بصورة أكيدة. فذلك ليس بالأمر السيئ لشاب ترعرع في الأزقة السيئة، وانتقل بعد ذلك إلى قرية ريفية صغيرة. ذلك ليس سيئاً على الاطلاق.
"الطعام." قال سلايد وهو يمسك بذراعها مما جعلها تقفز. "بإمكانك أن تتخلي عن تفريغ أمتعتك إلى وقت لاحق." ووضع ذراعه حول خصرها مصادفة وسحبها إلى الصالة. وعندما تركها في الفترة التي وصلا عبرها إلى فجوة المطبخ غمرها شعور مذهل بالندم. . . انحسر فوراً عندما قال سلايد: "أجل، هناك الثلاجة." وانتظرها لتقوم بالخطوة التالية.
"جميل." قالت برونوين وهي تلقي نظرة فاحصة على المحتويات.
"يوجد طعام." قالت له.
فأجابها: "يسرني أن أسمع ذلك."
وسمعت بجانبها تنهيدة سخط، إذ فتحت الغطاء. "يا عزيزتي، سيمكنك أن تجدي لنا شيئاً ما لتناوله."

"أعتقد أنك قلت إنه بمقدورك أن تتدبر أمر تسخين بعض الأطباق المعدة سلفاً." وراحت تتابع مرور قارب يحمل شراعاً أحمر وهو يمخر حالماً عبر المدخل.
"جائز أنني قلت شيئاً من ذلك القبيل، إلا أنني لست ماهراً في إعداد الطعام مطلقاً. فهل تريدينني أن أحرق عشاءك؟"
نظرت إليه عندئذ فرأته يتراجع على اعقابه إلى الوراء ويداه في جيبه وهو يبتسم ابتسامة ساحرة ولكن ثابتة تماماً.
يا إلهي، كم هو جذاب، فكرت برونوين بذلك. وكم هو غريب إنني لم أستسلم أبداً لمفاتنه من قبل. ولن تستسلم الآن، ذكرت نفسها بسرعة. ومن ناحية أخرى، فقد كانت تعد العشاء. كانت تستمتع بإعداد الطعام، وكانت تجيد ذلك.
سلايد لا يجيده على مايظهر، أو أنه كسول جداً أو أنه يمتنع عن المحاولة. وبصورة عامة، ربما من الأسهل لها كثيراً أن ترضخ. فهو يقدم لها مأوى وطعاماً من دون مقابل. على كل حال، لايقدم بمعنى محدد، وإنما كان أقرب إلى فرضه.
"حسناً." قالت وهي تهز بكتفيها بلا مبالاة حتى لايمكنه أن يفهم أنه حقق نصراً كبيراً وتابعت: "سأحضر العشاء، أين أجد الخضروات؟"
"الخضروات؟" سأل دون أي تعبير. "لاتظنين أن لدي أي منها. آه قد يجوز. . . أجل، الآن أفكر بذلك، أعتقد أنني رأيت كيساً مملوءاً بالفطر الطازج في مؤخرة الثلاجة. وكان ذلك يوم الثلاثاء أو الأثنين."
والتفتت برونوين تنظر إلى السقف. وعلى ما يبدو، أن طهو هذه الوجبة سيثبت أنه تحد أكبر مما توقعته.
وظهر أن الخضروات كانت فلفلاً أخضر ومضى عليه وقت طويل. وانتهى في سلة المهملات. واكتشفت وراءها دهاناً أسمر كان في مامضى خساً. ورزمة من الجزر يبدو أنها كانت أفضل من ذلك. وراحت تقشرها، بينما راح سلايد يجول بعيداً، وهو يبدو أنيقاً، وكان يتمتم شيئاً عن الشراب.
وفي وقت لاحق، وبعد أن طهت برونوين أحد أطباق السيدة دول الشهيرة، جلس الإثنان على طاولة الصنوبر اللامعة التي كانت تفصل مساحة القاعة الرئيسة عن المطبخ.
في البدء لم يتكلما أبداً . لشعور برونوين بالتوتر, ولعدم كونها متأكدة من نفسها, ولأن سلايد كان يدرك أن ضيفته لم تكن مرتاحة, كان يريد ان يرى كم ستأخذ من الوقت حتى تخترق الصمت.
إستغرق ذلك خمس دقائق. وبعد أن حشرت شيئاً من المعكرونة بين أسنانها, فيما كان سلايد يراقبها باهتمام وهي تنزعه, وفي النهاية لم تتمكن من تحمل الطعام أكثر من ذلك.
" سلايد" انفجرت , لأنها كانت تفكر في الطعام وكان عليها أن تتفوه بشيء ما أو تصرخ." سلايد, إذا كنت لاتجيد الطهو تماماً , فكيف عشت كل تلك السنين عندما كنت ترتحل مع مايكل حول هذه البلاد؟ فمن الواضح جداً أنك لم تعان من الجوع."
ابتسم ابتسامة رقيقة , وقال:" أشكرك , فجميل أن أعرف أنك لاتعتقدين أنني بحاجة إلى الغذاء."
"بحاجة إلى الغذاء!" قالت بتعجب وهي تحدق به . كلا , لا يبدو كذلك . فجسده الذي يبدو كالرمح ومعدته المسطحة يجعلانه تقريباً نموذجاً للرجل المميز.إلا أنها لم تكن مستعدة لأن تبوح له بذلك. وقالت مره ثانية ببرود :" سألتك كيف كنتما تتدبران تناول طعامكما."
أرخى سلايد الشوكة من يده وقال:" أن أخاك ليس بطاه سيء , حين يقرر ذلك. وفي أوقات أخرى كنا نعمل في معسكرات لقطع الخشب أو في مشاريع إنشاء حيث كانوا يقدمون لنا الطعام .هل ذلك يفي بسؤالك؟"
" اظن ذلك." أجابت برونوين.
" حسناً.ألا يهمك ذلك؟"
أجابت مواقفه, وهي تأمل ان تتعادل معه:" ليس بالفعل."
مد سلايد شفتيه عابساً بخبث وقال:" فكرت بأنك لست موافقه . وفي تلك الحالة, ستأسفين ان تسمعي ذلك, وعندما أُدفع , ففي مقدوري أن أصون نفسي."
" أفهم ذلك." قالت برونوين ببرود :" إذن , تلك الفكرة حول كونك ذكراً لا تستطيع ان تفعل شيئاً كانت مجرد فعل... لتحملني على القيام باتمام كل العمل."
هز كتفيه وأجاب" لم يكن لي الخيار مطلقاً أن أكون بلا مقدرة ،يا برونوين , إلا أنني أكره الطهو فعلاً."
"وأنت تحب كثيراً أن تصل إلى ماتريد بطريقتك الخاصة, وربما كنت أعرف ذلك."
فقال مواقفاً:" قد تكونين كذلك.إلا أنك لم تعرفي على مايظهر .بالمناسبة, هذا حسن جداً."
وضعت برونوين كأس الشراب بهدوء, قبل أن ترشقه بمحتوياته في وجهه وقالت: "يجب أن يكون ذلك. إنني موقنة من أنك تستخدم الأفضل."


"والآن لماذا تراودني فكرة أن تلك الملاحظة لم تكن تعني مدحي?" وأغمض عيناً واحدة ورفع كأسه نحو الضوء.
فأجابت برونوين باقتضاب: "ربما لأنها لم تكن تعني ذلك." أنزل سلايد الكأس ووضعه على الطاولة, وأجاب بسرعة, متخلياً عن مظهر تجرده وقال بسرعة مثيرة: "ذلك جميل جداً. فلنضع حداً لهذا الشيء التافه. فقد أخذ التعب يدب في قليلاً لمعاملتي معاملة سئية. وحسب علمي, لم أسئ إليك مطلقاً. . ."
فقالت برونوين: "لم تسئ إلي. إنني لست المشكلة." لاحظت أنفه كما لاحظت وضع فمه الصلب وعينيه الضيقتين. . . ولاشمئزازها وجدت نفسها. تكبح رعشة أصابتها.
"وما هي المشكلة, إذا سمحت بهذا السؤال?" كان صوته منخفضاً رهيباً, وربطت برونوين فوطتها في حضنها بإحكام. كانت هي التي بادرت بهذا ولن تكون هي التي ستتراجع.
قالت بهدوء: "جيني برايس." وشعرت بوجهها يتحول وردياً.
"جيني برايس?" ذكّرها سلايد الآن بنسر ينقض على فريسته, وتابع متسائلاً: "ما علاقة جيني برايس بك, أوبي, على كل حال?"
لم تستطع برونوين أن تصدق ماكانت تسمعه, فسألته وصوتها يعلو على الرغم من الجهد الذي بذلته لتحافظ على الهدوء: "كيف يمكنك أن تسأل ذلك?"
"يدهشني أن ذلك هو سؤال معقول تماماً. ترفضين أن تثقي بي, وتبتعدين عني كأنني نوع من الوحوش, وعندما أسألك لماذا, تجيبني, جيني برايس..."
ازدردت برونوين ريقها وقالت: "حسناً جداً." وكان صوتها بارداً شديد الوضوح. "وإذا كنت تريد أن أكون صريحة معك, ربما لم تفت ذاكرتك أنك جعلت جيني تحمل منك عندما كانت مخطوبة لبرايس باركر. أو عندما انهارت وأخبرته, وهدد بقتلك, فهربت خارج البلدة بسرعة لكي لا نتمكن من رؤيتك تجر ذيول الخيبة. لذلك, لا أثق بك. فليس هناك من سبب على الأرض يحتم عليّ ذلك. وإذا كنت أبتعد عنك فذلك لأن. . . لأنني لا أريد أن أنتهي مثل جيني التعيسة."

"~ الفصل الثالث~"

لم تكن برونوين تنظر إلى سلايد، بل كانت تحدق بطبقها الفارغ وهي تستعيد في ذاكرتها كيف انتشرت الأخبار في القرية وكيف فر سلايد الفاتن من غضب برايس باركر.
وكانت المكالمة الهاتفية قد أتت في وقت لاحق من مايكل.
كان الشابان في ذلك الوقت في لندن. وكان شقيقها قد أعلن بعنفوان الشباب المتهور أنهما لن يعودا إلى بونتغلاس.
وانتحب صوت والدتها الرقيق: "ولكن، أين ستعيشان؟" ومازالت برونوين تذكر كيف بدا وجه تلك المرأة اللطيفة عندما أجاب مايكل: "كندا." وتذكرت وجه جيني أيضاً كما بدا بعد شهور عدة. . حزينة ومرتاعة، علاوة على كون الأسى في عينيها.
وعاد عقل برونوين تدريجياً إلى الحاضر بعد أن أدركت أن سلايد كان يتكلم وأن الحدة في صوته كانت قاطعة كالسكين عبر ذكرياتها.
سألها ببرود: "أين سمعت تلك القصة الصغيرة الساحرة؟" ما الذي يجعلك تعتقدين أنك في خطر من أن تصبحي مثل جيني؟
رفعت بصرها عندئذ. وكان وجهه صفيقاً وبارداً كقناع الموت، ما عدا جلده. كان شاحباً، على كل حال. . . كان شحوب الغضب الذي لم يستطع كبته.
"إنني. . . إنني سمعتها من. . . لست أدري ممن سمعتها." أقرت، وهي تطوي طرف فوطتها تحت الطاولة. "كانت حديث القرية بأسرها بعد رحيلك. لم يقل برايس كلمة لمخلوق، وإذا سأله أية كان فإنه كان يهم بلطمه على أسنانه. لقد انتشر الكلام على أية حال. وأعتقد أن شخصاً ما يجب أن يكون قد سمع بجزء من حديث خاص، غير أن برايس لم ينقض الرواية، كما أن جيني لم تفعل ذلك أيضاً. وقد تزوجها في النهاية، ومنح اسمه للطفل." رتبت الفوطة فوق ركبتيها وقالت: "أعتقد أنهما كانا سعيدين. . . إلى أن قتل برايس في حادث منجم بعد سنتين."
"فهمت." قال سلايد، دون أن يطرأ أي تغيير على وجهه.
"الطفل. . . طفلي." أضاف بكآبة. "ماذا كان، ذكراً أم أنثى؟"
أصبحت عينا برونوين واسعتين جداً، ولم تجرب أن تخفي إشمئزازها. فسألته: "ألم تكترث بما فيه الكفاية لتكتشف أن بوبي لم يعد طفلاً؛ يا سلايد. إنه الآن صبي صغير، وسيصبح عمره بعد شهور قليلة ثماني سنوات."


فهمت." قال سلايد مرة أخرى. ودفع نفسه إلى الوراء بعيداً عن الطاولة ونهض وسار نحو النافذة. وعندما أدار ظهره إليها. قال: "لذلك. . ." وتوقف لبرهة، ثم بدأ مرة ثانية قائلاً: "حسن جداً، إذن أعرف الآن كيف سمعتِ عن. . . هل نقول حماقتي؟ غير أنك لم تجيبي على سؤالي الآخر، لماذا تعتقدين أنك في خطر من أن تصبحي مثل جيني؟"
"أنا. . . أنا لم أعنِ ذلك." اختلست برونين نظرة إلى وجهه الجانبي، لم يعجبها ما رأت فيه، وشغلت نفسها بقطعة خبز متبقية في طبقها.
"أذلك صحيح؟ كم هو ممتع. وبذلك هل تعنين أنك قررت أنني شخص جرى إصلاحه؟ أم أنك لست من ذلك النوع من النساء اللواتي يتخيلن أنني مميز وأنا في السرير؟"
"أنا. . . لا شيء من هذا القبيل." قالت برونوين دون أن تعرف ماكانت تعنيه، ما عدا أنها كانت أكيدة من أنه لم يتلق إصلاحاً، وتمنت أن تكون في أي مكان ولكن ليس وحدها معه في هذه الغرفة.
"هل ذلك صحيح؟" استدار سلايد لمواجهتها. واستدار بهيكله إزاء النور ووجهه في الظل وضغط براحتيه على عتبة النافذة. "في هذه الحالة، لابد أنك لاتثقين بنفسك أليس ذلك صحيحاً؟ ويبدو أن هذه الليلة ستكون ليلتي المحظوظة."
وعندما تنهدت برونوين قام بخطوة نحوها، حيث أصبح في إمكانها الآن أن تشاهد الانعطاف الخبيث على شفتيه وقراءة نيته الحادة في عينيه.
"ماذا تفعل؟" صرخت وهي تقبض على طرف الطاولة.
"سلايد، لا يمكنك. . ." قالت له.
تجمد، وقال بهدوء: "أستطيع، إنك تعرفين."
"كلا. إنك وعدتني."
ضحك سلايد، مما جعلها ترتجف وقال: "لكن حتماً لا تنتظري من العابث بجيني الصغيرة المسكينة أن يحافظ على وعد؟"
وفجأة وجدت برونوين أنها لم تعد مذهولة أو مرتبكة، إنما كانت غاضبة. فكيف تجرأ سلايد على أن يتكلم عن جيني التي هدم حياتها تقريباً بتلك السخرية البشعة في صوته؟ لكن ليس هناك ما يحمله على تكبد تلك المشقة. وأثبت بوضوح أنه لم يكن رجلاً قادراً على تحمل الندم. ومع ذلك، كان هناك ثمة معنى في وضع نهاية لهذا المشهد.
"أجل." قالت: "أجل، يا سلايد، أتوقع منك فعلاً أن تحافظ على وعدك. وفي حال أنك نسيت، فإنني شقيقة مايكل."

"آه، أجل، مايكل. كلا، لم أنسَ." ولم يكن في صوته برود وعنف. بدا كأن شيئاً ما كان عالقاً في حلقه. "هل أنت تحبين مايكل؟"
"أحبه دون شك." قالت بصبر نافد: "فهو شقيقي".
"أجل." ونظر إلى ساعته، وكان وجهه مرة أخرى في الظل. "إنك تحبينه بلا شك." ولم تقل برونوين أي شيء.
وعندما تكلم مرة ثانية كان صوته خالياً من التعبير: "إذن أفضل لنا أن نذهب، إذا كنت تودين أن تقومي بزيارة المستشفى مرة ثانية الليلة. وفي الوقت نفسه يتعين علينا نحن الإثنين أن نتوصل إلى تفاهم."
"تفاهم؟"
"ذلك ما قلته وطالما أنت موجودة في فانكوفر فستقيمين معي. . ."
"كلا! يمكنني أن أقيم في شقة مايكل. . . عندما أطلب منه أن يخبرني عن مكانها." تكلمت بسرعة، آملة أنها لم تبد مذعورة بقدر ما شعرت.
فقال سلايد: "لا يمكنك أن تقيمي في شقة مايكل. فإنها ليست مناسبة."
"مناسبة دون شك، إنها. . ."
"لا تجادليني. إنني لم أنقلك من المقلاة حتى تتمكني من الإرتماء في النار. صدقيني، يا برونوين، إن شقة مايكل ليست مناسبة."


يا للغرابة، أخذت تفكر في شعورها حيال سلايد، وحيال عدم مبالاته القاسية تجاه جيني وطفله وقد صدقت برونوين كلامه تجاهها. وكان وجهه يبدو كالصخر مما أقنعها بأنه لم يطلعها إلا على الحقيقة. وعلاوة على ذلك، قد يكون مثل مايكل تماماً استأجر شقة في مكان ما ولا يمكنه أن يريها لشقيقته.
"هذا حسن جداً." قالت وهي تأمل أن تكون قد تكلمت بكبرياء: "أعتقد أنك يجب أن تعرف. ومن ثم ما هو هذا التفاهم الذي تتحدث عنه؟"
تخلل شعره بأصابع يده وقال باحترام: "أريدك أن تبقي هنا، يا برونوين. إلا أنني لا أحب أن تشاطرني منزلي امرأة سليطة لا تفوت فرصة مناسبة لتدعني أعرف أن رأيها بنمط حياتي ومعنوياتي وأخلاقي سلبي. . . وفي الواقع، كل شيء عني باستثناء ذوقي البسيط في الزينة الداخلية."
ليس هذا فقط، فكرت برونوين وهو يعلق ابهاميه في حزامه ومشى عبر الغرفة ليقف بجانبها. لايمكن لأية امرأة تتمتع بعقل سليم أن يكون لديها رأي سلبي بذلك الجسد الرائع. وطردت الفكرة للحال، عندما وضع يديه على أعلى ذراعيها وسحبها بإتجاهه.
"الآن." قال لها، وهو ينحني فوقها حتى قارب أنفاهما التلامس. "وكما كنت أقول، لن أصبر على ذلك، يا برونوين. ففي مقدورك أن تفكري بما


تشائين حيالي، فهذه بلاد تنعم بالحرية ولكن طالما أنت هنا ستحجمين عن إلقاء الماضي بوجهي، واسلكي سلوكاً مهذباً ومحترماً على الأقل."
فقاطعته برقة: "ألا تعني بذلك العبودية؟"
وطوى أصابعه حول ذراعيها، وكان في صوته قلق عندما أجاب: "لا تذهبي في اختباري بعيداً، أرجوك، فإنني على وشك أن أفقد صبري."
فقالت هازئة: "أنت ترعبني. وماذا تستطيع أن تفعل إن أقدمت على ذلك؟"
"تقدمين على ماذا؟"
"اختبارك إلى حد بعيد؟"
حل في عينيه بريق خطر مكان النظرة الباردة لم ترق لها، لاسيما عندما أجاب بكثير من اللطف: "ألا تريدين حقاً أن تعرفي؟ حسن جداً، لقد أصبحت أتوق كثيراً لأدعك ترين. تعالي!" ترك ذراعيها، ودار بها، ووضع يده على ظهرها وراح يدفع بها عمداً نحو الأريكة.
"هه." قالت بصعوبة: "سلايد ماذا تعتقد أنك فاعل؟"
"اعتقدت أنك تودين أن تكتشفي."
انتزعت نفسها منه واستدارت. وكانت توشك أن ترتمي على صدره الواسع. وقالت فجأة بحدة: "آه، أرجو أن توقف هذا العمل البدائي السخيف. إذا كنت تعتقد أنني سأشاطرك عواطفك. . ."
"لا أعتقد. فهناك طرق أخرى لمعالجة إحباط الرجال. دون ذكر النساء المثيرات."
تنفست برونوين بعمق وقالت: "إذا كنت تود أن تتحدث عن الإثارة أو الازعاج فإنك تمتاز بذلك."
"أشك في ذلك." قال ذلك وهو يضع راحتيه حول خديها.
"والآن، إذن، أيتها الشيطانة الصهباء، أقترح أن نتوقف عن الخصام حالياً ونتوصل إلى اتفاق معقول."
لم تكن فكرة سيئة، افترضت مكتئبة وهي تحدق بخط فمه المستقيم. فمن ناحية، لم تعتقد أن بإمكانها أن تتحمل مزيداً من هذا النقاش والزمجرة. وكما قال سلايد، إنها بلد تنعم بالحرية. فيمكنها أن تفكر بما تشاء حياله سراً.
وسألته باحتراس: "أي نوع من الاتفاق؟"
أسبل يديه وأجاب: "أن أقدم لك غرفة وطعاماً، دون شروط مرفقة، وأنت تحجمين عن مهاجمتي بمخالبك فلست جذع شجرة ولا أستطيب ذلك. وكذلك لا أود العبودية، يا آنسة إفنز، فقليل من التهذيب يكفي." وتجعدت شفتاه بابتسامة واثقة، كأنه عرف أنه الرابح.
حدقت به برونوين بغضب. إنها لم تكن لطيفة حياله حقاً فلم يكن لديها أي سبب لتكون كذلك. كان متعجرفاً ولا يحتمل. وقبل ثماني سنوات، كان قد جلب التعاسة لأناس كثيرين. لكنه اليوم كان متعاوناً، على طريقته. ليس بإمكانها نكران ذلك. وبدا أنه يكن الولاء لمايكل.
وقالت أخيراً: "حسناً جداً اتفقنا."
وعندما حدق بها ولم يقل شيئاً مدت له يدها.
أخذها، وقال بهدوء: "هذه طريقة فاترة جداً لإتمام صفقة." فبانت في عينيه نظرة غريبة الآن. . . نوع من الاجهاد،كأن شيئآ ما كان يسبب الألم.
فسألته: "ماذا تعني؟"
"هذا." أجاب. وقبل أن تسحب يدها كان قد جرها إليه، فانحنى فوقها. ثم، بخفة كبيرة، لثم فاها.
فغرت فمها وقد ادهشها وفاجأها تجاوبها لقبلة لم تدم طويلاً ولا تكاد تكون قبلة على الاطلاق.
"الآن، ألم يكن ذلك أفضل من هزة يد؟" قال ذلك بسرعة، وعيناه تومضان متحديتين.
"لا. أجل. . . إنني. . ." وابتعدت، لا تعرف أين تنظر، وفي النهاية ركزت نظرها على لون مائي صغير يتدفق بسلاسة فوق صخور تغطيها أعشاب الماء وقالت بجفاء: "يجب ألا يتكرر هذا الشيء مرة ثانية."
"كما تشائين. على كل حال، لم يقع الشيء اليسير، هل حدث؟ والمزيد هو شعور بالأسى."
رفعت رأسها وقالت: "سلايد، إن كنت ستحاول الاستمرار. . ."
" لن أحاول . وأعدك أن أحافظ مستقبلاً على يدي بعيدتين عنك.تعالي, فقد حان الوقت لنذهب لرؤية مايكل."
وامسكها بيدها
"الأطباق..."
"انسيها..."
ألقت برونوين نظرة على ساعة بيضاء رائعة على الجدار. فلا بد أن ينسياها, على رغم أن ذلك كان بخلاف ما أرادت.ولم يكن في إمكانها أن تتذكر أنها خرجت مرة دون أن تغسل الأطباق مطلقاً. وهذا مثال آخر على تأثير سلايد المؤسف عليها وهو سلوك يتبعه حتى الآن.
تنهدت, وسحبت يدها من يده, وذهبت لتضع مسحوقا على البقع التي على وجهها.
وعندما وصلا الى المستشفى وجدا مايكل منهكاً من التعب بعد يوم من الغزل الجاد وكان نائماً تقريباً .فبقيا بمافيه الكفاية ليتمنيا له الشفاء وتركاه مع وعده بالعودة إليه في اليوم التالي.
وقال سلايد وهما ينزلان في المصعد:" لا أعتقد أنك بحاجة إلى أن تقلقي كثيراً حيال ذلك الشخص.سينهض في أي وقت."
وافقت برونوين وهي تطلق تنهدة أجل ." وسيغازل كل فتاة جميلة تقترب منه بلاشك. أتمنى أن يعثر على صديقة ملائمة ويستقر."
همهم سلايد وقال مفكراً:"لقد بلغ التاسعة والعشرين من عمره.فهو يصغريني بسنة واحدة .فهل تعتقدين أنه يتعين عليّ أن أستقر أيضاً؟ ومع سيدة فتية ملائمة؟"
تجاهلت برونوين الوميض المثير في عينيه.وقالت باقتضاب:"لست مسؤولة عنك." وعندما لم يجب,لم تقو على مقاومة ان تضيف:"لكن أية امرأة تتمكن من الحفاظ عليك ستحظى بإعجابي."
توقف المصعد, وتمتم سلايد وهو يأخذ بمرفقها." هل ستفعل الآن؟ أتعتقدين أنني بحاجة فعلاً لمن يحافظ علي؟"
أجابت :" كثيراً جداً, إلا أنني أخشى أن تكون المهمة مستحيلة." ودفعت براسها الى الوراء فلمس شعرها كتفيه وهما يخرجان من المصعد.
ألقى سلايد عليها نظرة معبرة كانت ستفاجأ لو انها شاهدت تلك النظرة وقال:" آه ،لن أكون متأكداً من ذلك.وأنت لاتعرفين مطلقاً. ربما اكون طيّعاً كالعجين في يد المرأة الصالحة ."
فوافقت برونوين: "ستكون في يديها، ذلك حسن جداً. ولا أشك في ذلك. غير أنني متأكدة من أنك لن تكون طيعاً كالعجين."
وسمعت إلى جانبها صوت ضحكة تختنق، فأدركت فوراً ماذا قالت. وشكرت الله أن النور كان يخبو. لم يكن سلايد قادراً على رؤية لون وجنتيها على الأقل.
ووصلا إلى السيارة، فأوصدت الباب على مسلسل أفكارها. كان سلايد مثيراً لدرجة مرعبة. وحتى هي، التي لم تعتد الرغبة، لم تكن تفشل في تقدير ذلك. وكان هو آمناً أيضاً مثل أفعى. كما اكتشفت جيني برايس التي دفعت ثمن ذلك.
عندما أضاء سلايد النور في شقته بعد نصف ساعة، لم تكن الأفاعي التي راودت فكرها موجودة. غير أن ما راودها في الواقع أنها كانت بمفردها في الطابق الأخير من بناية شاهقة العلو مع رجل كان يفك أزرار قميصه بحرية ويلقي بها فوق أقرب كرسي.

"ماذا تفعل؟" تنهدت قائلة، وهي تحاول كبت الذعر في صوتها.
"ماذا يبدو أنني أفعل؟"
"يبدو وكأنك. . . تنزع ثيابك."
"جزئياً فقط. فالليلة ليلة دافئة." وانتقلت أصابعه إلى بكلة حزامه.
"سلايد!" هتفت بتعجب، متخلية عن التظاهر بالاختناق.
"لا يمكنك أن تفعل ذلك."
"أفعل ماذا؟"
"تنزع بنطلونك إنه. . . إنه. . ."
"إنه سلوك يجعلني غير جدير بأن أكون رجلاً شهماً إن لم أكن أفكر في الاغراء."
أتم لها ما كانت تريد أن تقوله. "لا تقلقي. فأنا نادراً ما أستسلم للتجربة. وفي هذه الحالة، فأنا لم أكن أريد إلا رؤية ذلك التعبير الرائع للغضب في عينيك الرماديتين الواسعتين. وذلك مافعلته. ذلك تعويض عن الإحباطات القليلة في هذا اليوم." وابتسم ابتسامة رضا فاتنة مما جعل برونوين لا تقوى على التفكير ما إذا كانت تود أن تضحك أم تبكي أو ترميه بالوسادة الزرقاء القريبة منها على رأسه.
في النهاية هزت رأسها فقط وجلست بثقل على الأريكة. في الحال جلس بجانبها ووضع ذراعه على ظهرها دون تعمد. وأمكنها أن تشعر بأصابعه تعبث بشعرها.
ألقت نظرة من جانب إلى آخر وهي تشعر بجلده الذهبي الدافئ يفوح منه عطر غالي الثمن. ازدردت ريقها وهي تعجب في نفسها مما إذا كانت تستطيع أن تتدبر أمرها في ماتبقى من هذه الليلة.
وكان حسناً جداً أن تثق بنفسها وبطريقة أخرى غريبة بسلايد. . . لكن خبرتها قليلة جداً مع الرجال. وفكرت بأنها بلغت السادسة والعشرين من عمرها، وأنها بلا شك لم تخرج إلا مع عدد قليل من الشبان. لكن المحل جعلها مشغولة باستمرار، ومنذ اخفاق لويد مورغان كانت منيعة، كما لم تكن في عجلة من أمرها لتترك عواطفها تذهب مع قلبها.
حدقت بأنوار الغرفة المنعكسة في النافذة الكبيرة، وشعرت بأن سلايد كان يداعب شعرها. لويد، يجب أن لا تنسى لويد. وكان سهلاً جداً أن تنسى أن الأشياء ليست كما تبدو دائماً. . .
راقب سلايد، بجانبها، العبوس الطفيف يجعد جبينها، كما شاهد جسدها ينحني قليلاً، وتساءل عما يجول في رأسها الأحمر من خطط لتعذيبه في المرحلة التالية. قد تساعده المعرفة. ابتسم مفكراً، وألقى بيده على كتفها.
لم تكد برونوين تشعر بيده وكانت تتساءل من شعور جيني عندما هجرها سلايد. وتحول تفكيرها إلى لويد، الذي كان دائماً لطيفاً معها، والذي عانت من أجله كثيراً. ولكن بدلاً من أن يصبح صديقها الدائم، كما كان دائماً في أحلامها، ترك القرية فجأة وسحابة سوداء فوق رأسه.
أبرز ما قيل حيال الفضيحة أنها لم تتورط شابة واحدة بل ثلاث شابات، ومبلغ كبير من المال فقد من المكان الذي كان يعمل فيه.
"بماذا تفكرين؟" سألها سلايد متطفلاً بهدوء على أفكارها.
ترددت. ولكن، على كل حال، ذلك لم يكن سراً كبيراً.
فالقرية بأسرها كانت تعرف أنها كانت متيمة به. "كنت أفكر بلويد مورغان."
"يا إلهي." ذلك كان آخر ما يتوقعه سلايد. "لا تخبريني أنك مازلت. . .؟"
"كلا. كلا." أجابت بسرعة، وهي تستدير لتنظر إليه أخيراً. "إنني فقط أفكر أحياناً أنه شيء حسن أن. . . استعيد تلك الذكرى."
"ولماذا تودين أن تتذكري ذلك؟ أعرف أنك كنت مولعة به ولعاً طفولياً إلا أن الرجل كان لصاً صغيراً فاسداً يطارد كل مخلوق يلبس تنورة. لا بد أنك علمت ذلك."
" أنت رجل رائع للتحدث اليك. أجل, إنني لاشك أعرف أنه ليس ذلك."
" وماهو إذن؟"
سمعت برونوين ملاحظة نفاذ صبره. وردّت:" مجرد ذلك... فليس من السيئ أن تبقى في ذهنك أنه من السهل جداً أن تصاب بأذى عندما تسلم قلبك بسهولة فائقة ودون تفكير." وكانت الكلمات التي نطقت بها غزيرة بالتهم.
" وفي حالتك دون أدنى فهم للرجل الذي كنت تمنحينه قلبك." قال سلايد وهو متهجم الوجه.
ردت مواقفه وهي تدير زراً في قميصها ."كنت في ذلك الحين صغيرة السن."
قال بصوت لم تسمعه ينطق به من قبل ." وبريئة بصورة مدهشة." وأردف:" غير عادي في هذه الأيام وهذا العصر."
"كان ذلك امراً غير عادي دون شك." قالت برونوين, مستاءة مما اعتبرته تنازلاً." ولذلك سخر الجميع , وعرفوا أن لويد كان كازانوفا لم يبلغ العشرين من عمره."
" هذا صحيح فأبواي لم يسخرا.وكذلك أنت." أضافت, وعيناها تتسعان وهي تتذكر بشيء من الدهشة أن ذلك كان صحيحاً, وغريباً أيضاً لأن سلايد وفي تلك الايام كان يسخر من كل شيء تقريباً.
"كلا" أجاب: "لم أعتقد أن ذلك كان مثيراً للسخرية. وكذلك لا
أعتقد أنه يتعين عليك ان تقضي بقية حياتك تتجنبين أي نوع من العلاقة خشية أن تصابي بأذى من جديد."
قالت برونوين بشيء من الغضب:" ليس الأمر هكذا, وانما جعلني.... حذرة فقط. وعلاوة على ذلك، لم يكن لدي الوقت الكافي لما تسميه علاقات."
وابتسمت له ابتسامة سريعة صغيرة وجافة. والواقع أيضاً أن اختيار الشبان المؤهلين حول بونتغلاس لم يتحسن بصورة ملحوظة منذ أن رحلت.بل حصل العكس."
همهم سلايد ومسح فمه براحته قائلاً:" أعتقد أنه لايجوز أن آمل بأنك عنيت تلك الملاحظة كأي شيء غير عبارة دقيقة مضجرة جداً."
فقالت برونوين:"لايجوز ابداً."
ضحك سلايد, وأدركت هي بعد إنقضاء مدة من الوقت أن تلك الضحكة كانت نوعاً ما ضحكة وحشية. وراحت تبتعد على مهل , إلا أن يديه كانتا قد وصلتا الى خاصرتها.في حين فغرت فمها باتجاهه, وهي دهشة , وجذبها ببطء بين ذراعيه. وفي اللحظة التالية كان جسدها المستسلم مستلقياً على صدره.
"م. . . ماذا؟" تمتمت على عنقه وقالت: "سلايد. . ."
انقطعت كلماتها وهو يحرك رأسه بإتجاهها. يعانقها، كان عناقه قوياً وكأنه صياد تمكن من فريسته.
ما عدا أن هذه الفريسة الخاصة كانت ضحية راضية عرفت أنه يجب عليها أن تقاوم. . . تدفعه عنها بعيداً. لكنها لم تتمكن. وكانت بلا شك، قد خبرت العناق من قبل، ولكن ليس على غرار ما فعله سلايد. وكأن الزمن قد توقف ولم يكن إلا هذه اللحظة، وهنا بين ذراعي سلايد، كان جسدها يلتهب بكامله برغبة لا يمكن أن يطفئها غيره.
وعندما أطلق سراحها تركها مترنحة، اتكأت إلى ذراع الأريكة وحدقت به كما يحدق الأرنب بالصقر مذعوراً متجمداً. باستثناء أنها لم تتجمد. ولم تكن أرنباً على كل حال، فكرت وهي تدفع نفسها جالسة مستقيمة.
"لماذا فعلت ذلك؟" سألته وهي تشد قميصها وتتمنى لو تتمكن من نزعه.
"ألا تحبين ذلك؟" سألها سلايد.
حدقت به. ففهم أنها أحبت ذلك، ولم يكن هناك مجال كبير للكذب.
"كانت رائعة جداً." قالت وهي تلزم نفسها بابتسامة صغيرة. "إلا أنك قلت دون شروط. . ."
"عنيت ذلك أيضاً." قاطعها: "ولكن عندما أطلعتني على الفجوة الحزينة التي خلفها رحيلي بين شبان بونتغلاس العازبين شعرت أنه من العدل أن أعوض عن ذلك الرحيل الذي حدث في غير أوانه." وابتسم لها ابتسامة كبيرة، وسألها: "بالمناسبة، أتعتقدين أنني مؤهل حقاً؟"
"آه،" فغرت فمها ثم قالت: "بين جميع الأنانيين والراضين ذاتياً والمتنازلين. . ."
فقال سلايد مدعماً رأيها: "أوغاد."
قفزت برونوين واقفة على قدميها، وقالت بقساوة: "كنت على وشك أن أقول فئران."
حنى سلايد رأسه ولطم يده على ساقه وهو يفكر وسألها: "أين تعتقدين أنك ذاهبة؟"
"إلى الفراش."
"آه." ووقف.
"لن تأتي معي." صرخت وهي تتراجع إلى الوراء. "فلقد وعدت. . ."
"أظن أنني فعلت. ولكن قد تطرقنا إلى هذا الموضوع من قبل، ألم نفعل ذلك؟ وقد اعتقدت أننا توصلنا إلى مفهوم أن الفئران لا تفي بوعودها." وكانت في عينيه إيماءة عقاب، بينما راحت ذراعه تلتف حول خصرها، وقبل أن تتمكن من التملص كان قد ضمها إلى صدره بقوة.
وقد حاولت هذه المرة أن تقاوم، وأمرته: "سلايد، دعني أذهب."
"بكل تأكيد، لا. فالفئران لا تفعل ذلك." متجاهلاً مقاومتها غير المجدية ورفعها بين ذراعيه، ودفع الباب بقسوة وهو يحملها إلى المخدع.
عندما ألقى بها فوق غطاء السرير الذهبي، وسمر كلا معصميها بيد واحدة، ولكن بثبات فوق رأسها، حاولت أن تتملص لبرهة، ومن ثم صرخت


"~الفصل الرابع~"

انحنى سلايد فوق برونوين وقدماه ما زالتا مثبتتين على الأرض بأمان، إنما نقل قبضته.
وسألها: "أما زلت فأراً؟"
فلم تصدق أنه كان يبتسم. وكانت ابتسامة خبيثة خالية من الحياء لم تذكرها البتة بأي فأر.
تراخى جسدها بارتياح. وكبتت شيئاً آخر بلا رحمة.
تنهدت تسأله: "هل تمزح معي فقط؟" وكان قلبها مازال ينبض بقوة.
"كلا مطلقاً. إنني أقتص منك لانتهاك اتفاقنا واطلاق نعوت علي. . . بعد أن وعدتني تحديداً أن تسلكي سلوكاً مهذباً ومحتشماً."
وأطلق معصميها، وجلس إلى جانبها على السرير.
ثمة قصاص، فكرت برونوين، وهي تسرح نظرها على صدره العاري تلحظ تمدد القماش الضيق على ساقيه. وإذا استمر في الجلوس هناك على هذا الشكل المثير ساخراًَ منها، فلن يستغرق الأمر كثيراً لتحويل قصاصه إلى مكافأة، مما سيكبدها في مابعد شعوراً بالندم بلا شك.
"سألتك ان كنت مازلت فأراً." قال وهو يضع يده فوق جنبها.
حدقت في عينيه الزرقاوين العميقتين، وفكرت بعجب ما سيحدث إذا أجابت إيجاباً.
قالت بعد برهه:" كلا . ولكنك انتهكت اتفاقك أنت أيضاً, واكثر ماتذكرني في هذه اللحظة بذئب."
"ذلك أفضل, ولكنه ليس مديحاً. وحاولي مرة ثانية,"
فأجابت:" كلا بكل تأكيد.إن نفسك مليئة بالغرور بمافيه الكفاية."
هز رأسه وتمتم , محاولاً الوصول إلى معصميها:" ألا تأخذين عبرة؟"
تخوفت برونوين فجأة ليس منه, بل من نفسها. كان قريباً جداً منها, عيناه الزرقاوان آسرتان متطلبتان... أصابعه تضغط على ذراعيها. وكانت قد قرأت عن لمسات حارقة, وفكرت بعبارة درامية لامعنى لها. لكنها شعرت بحرارة لمساته, ولم تقوَ على ضبط قوة تجاوبها.وكان سلايد يمسك بها بخفة, إلا أن التعبير الذي حمله وجهه الجميل أزعجها .إذ كان جذاباً, بلاشك , غير أنه كان في الوقت نفسه قاسياً وخالياً من الرحمة قليلاً.لن يؤذيها, عرفت ذلك في قرارة نفسها, ولكن إن هي مدت يدها فقط ولمست شعره الذهبي الوضاء....

وفي النهاية لم يكن الشعر الذي لمسته على جبهته , إنما كانت النعومة الفائقة على صدره.
وضاقت عيناه حالاً, وسمعته يتنفس بشده قبل أن يزيح يدها ويدفعها إلى جانبها.
"إنني ... ماذا دهاك؟" سألته برونوين متعلثمة ومرتبكة من دون أن تكون واثقة مما حدث.
نهض سلايد فجأة على قدميه وسألها:" أما زلت تلك الصغيرة البريئة؟" وراح يحدق بها بمزيج من الانزعاج وعدم التصديق.
أرادت برونوين رأسها على الوسادة حتى لاتتمكن من رؤية جسده أو التوبيخ الذي حملته شفتاه. فلم تتكبد عناء الإجابة عليه , لأنها لم تكن تتسم بكل تلك البراءة , كما لم تكن التيارات التي عصفت حولهما منذ اللحظة التي التقيا فيها مرة ثانية اليوم صعبة للغاية لترجمة ذلك. فلم يعجبها , لأنه اعتقد أنها كانت ساذجة وغبية . إلا أن كلاهما وقعا في قبضة شيء كانت والدتها قد أشارت إليه دون موافقه على أنه رغبة صبيانية. أجل... يجوز ان سلايد لم يكن . إذ أن عواطفه لم تكن كتاباً مفتوحاً على الاطلاق.
وعمّ الصمت بينهما ودام بضع ثوان ثم شعرت برونوين بأصابعه تتسلل في شعرها فجأة, فدفعها الى الوراء على كتفيها.
"طابت ليلتك، ياشقيقة مايكل." قال بصوت خشن يصر في أذنيها. "أرجو لك نوماً هانئاً، فالذئب اللعين الضخم لن يعضك حتى الآن."
"دعه يحاول فقط." رددت وهي تنظر بثبات إلى الجدران الشاحبة.
سمعته يتمتم شيئاً بدا مثل "لا تجربيني." أغُلق الباب بعدئذ وراءه بهدوء.
فأر، فكرت برونوين. كنت على صواب للمرة الأولى.
قامت من السرير ببطء وراحت تبحث في حقيبتها عن قميص نوم قطني نظيف. ولكن في الوقت الذي لبسته فيه كانت مجبرة أن تعيد لباسه من جديد نظراً لكونها نسيت أن تخلع بلوزتها أولاً، فوضعها العقلي يتململ بين الانزعاج العنيف والذعر الحاد. وكانت قد تذكرت منذ بعض الوقت أنها شاهدت يافطة كتب عليها: "عندما تكون في حالة شك، أطلق العنان للذعر." ومن الجائز أنها كانت صائبة.
رمت بنفسها في السرير، متجهمة الوجه، وغطت نفسها بالأغطية الحريرية، التي زادت في انزعاجها، لأن هذا الثراء دفعها لتتذكر أن سلايد كان يمسك بأفضل الأوراق. فلعنت نفسها إن هي نوت أن تطلق العنان لذعرها. وكانت هذه حالة تبعث على السخرية. وعلى كل حال، كانت حال مايكل هي التي تهم، وطالما أن سلايد يحافظ على وعده بالابتعاد عنها، فلم
يكن هناك أي سبب يدعو إلى عدم نجاح التدابير الحالية. الثغرة الوحيدة في ذلك كانت تكمن في أن سلايد لم يحتفظ بيديه في الواقع، بعيدتين عنها.
في الفترة التي أغلقت فيها عينيها واستعدت لتنام بعفة راودتها أفكار بالرغم من إرادتها بأنها لم تمانع في بعض أجزاء من كيانها لمسات أصابع سلايد القوية.
أغمضت عينيها بشدة، واستدارت إلى جنبها دافعة ذلك التفكير خارج ذهنها.
"حسناً أيتها العظام الكسول، لقد خضعت لضعفك الشديد لمدة طويلة كافية. انهضي." سمعت صوتاً يهدر ويصل إلى مسمعها وهي غافية.
همهمت، وتساءلت: "ماذا؟" ولم تتمكن لبرهة أن تتذكر أين هي. "ضعف شديد. . .؟"
"انسي ذلك. " أمرها الصوت. "لقد قلت لك انهضي."
آه. لقد تذكرت الآن. إنها في سرير سلايد. ولحسن الحظ دون سلايد، الذي كان ينحني فوقها، عندما رفعت جفنيها، وفي عينيه بريق مغرض.
"ما زلت متعبة. " غمغمت وهي ترجو أن يرحل.
"يمكنني القول إنك كذلك." كان الجواب سلبياً كما توقعت تماماً. وتابع: "لكن أفضل سبيل للتأقلم مع تغيير الوقت هو ألا تدعيه يهزمك. فأنت في فانكوفر الآن، والوقت قد بلغ العاشرة صباحاً."
سألته وهي لا تبدي حراكاً: "لماذا لم تذهب إلى العمل، إذن؟"
"لأنني لا أريد وربما ذلك من سوء حظك. "
كانت برونوين تميل لموافقته، لكنها كانت قد استيقظت تماماً الآن، ولم يبد أن هناك معنى في إضاعة مزيد من الوقت في السرير. "من فضلك أود منك أن تخلي الغرفة، فسأنهض." قالت بصوت كانت تأمل أن يكون متعاطفاً كثيراً.
غير أن سلايد لم يكن ذلك الرجل السهل الذي يمكن أن يتنازل_ لا سيما عندما كانت مستلقية على ظهرها في قميص النوم القطني، وهو يقف فوقها مرتدياً سروالاً داكن اللون وقميصاً شاحباً قشدي اللون يظهر أنه غالي الثمن.
واللباس غير الرسمي هو للأثرياء وأصحاب الشهرة، فكرت برونوين بانفعال. . . مع أنه توجب عليها الاقرار أنه كان يتوخى في لباسه الراحة التامة، وربما قد يبدو رائعاً في سروال جينز باهت اللون وقميص قطني.

"لكن لست متأكداً من أنني أرغب في الذهاب." أجاب وهو يحدق بقوامها النحيل تحت أغطية السرير. "أود أن أرى تلك الثياب غير الجذابة التي تجعل من نصفك الأعلى يشبه جدة جدتي في يوم الأحد. "
"لماذا تود رؤية ذلك؟ " أوكد لك أن النصف السفلي سيكبد خيالك المرهق كثيراً.
تنهد وقال: "لا أشك في ذلك. فلا تقلقي، فأمامنا النهار بكامله، وأقترح أن تصرفي بعض الوقت في شراء بعض الحاجيات لخزانة ثيابك. "
"لن نقوم بأي شيء من هذا القبيل. " قالت برونوين وهي تستقيم بسرعة في جلستها. فخزانة ثيابي لا ينقصها أي شيء.
"بصرف النظر عن أن القماش الأخضر غير صالح البتة لشهر أيار، علاوة على أن قميص نومك يصلح لأن يوضع في المتحف، فقد تكونين على صواب. " وأضاف: "وماذا جلبت معك أيضاً؟"
دون أن ينتظر جواباً, فتح أبواب خزانة كبيرة وجال بعينيه من ثيابها وقال:" كما فكرت تماماً, إنها غير كافية."
"إنها تكفيني تماماً." سارعت برونوين إلى القول وهي تنظر الى ظهره فيما هو واقف أمام خزانة ثيابها الهزيلة وقد بدا انيقاً جذاباً, ولأنه كان في غرفة نومها فإنه كان يبدو رجلاً من الطراز الحديث, بكل معنى الكلمة. وقد ذكرها بأحد الرجال الأثرياء الذين يقدمون الهدايا لعشيقاتهم.
إلا أنه لم يقدم الهدايا لجيني, فلم تسنح له الفرص لذلك.
وعندما استمر يحدق في الخزنة باستخفاف قالت دون تفكير:" يجوز أنك اعتدت ان تكسو عشيقاتك كما تكسو الدمى, ياسلايد, غير أنني لست عشيقتك..."
"وأنت لست دمية بلا ريب." أكمل وهو يوصد الخزنة " فلا تقلقي, إنني أشك إذا كانت الملابس المحتشمة ستحولك إلى دمية, كما لن تجعلك عشيقتي بالتأكيد. واتكأ على الباب الموصد وهو مكتوف الذراعين, يتأملها بعينين ضيقتين بينما وهي مستلقية والغطاء يصل حتى أنفها تقريباً.
تراءت لها جيني برايس فجأة في وضع مماثل, وسلايد ينظر إليها عندما كان أصغر سناً فشعرت بالغثيان, ونظراً لأنها كانت خائفة من أن يرسل جسدها الغادر إشارات نحوه قالت بغيظ:" اخرج , لا أود هداياك, ولا أود أن أكون عشيقتك."
"ليس هناك خطر كبير في ذلك." أجاب ببررود جعلها تود أن تغطس مجدداً تحت الأغطية فعضت على شفتيها, وهي تقرر أن تفعل ذلك فقط, عندما أكتشفت أن سلايد كان يقف بجانب السرير. وشعرت بيديه على


كتفيها " تعالي!" قال بصوت مازال بارداً ومتغطرساً. " توقفي عن استنباط طرق تهينيني بها, وافعلي كما أشرت عليك وانهضي."
وعندما حدقت به برونوين رمى بالأغطية إلى الوراء وجرها لتقف على قدميها.
" كما فكرت تماماً." قال وهو يبعدها عنه ويمسك برباط عنق قميص نومها المحتشم وسألها:" هل يأتي مع حزام عفة أيضاً؟"
بقدر مايتعلق بك الأمر , إنه كذلك." نطقت بحدة سائلة:" أخبرني , ياسلايد, هل هذه الطريقة هي التي تعامل بها ضيوفك؟ تجرهم من السرير وتعطي ملاحظات لاداعي لها حول ملابسهم...؟"
قاطعها بابتسامة هازئة:" أعطي ملاحظات لاداعي لها حول ملابسهم, هذا صحيح, أحياناً. وعادة عندما يكونون غرباء عن المصلحة التي في متناول اليد. ولكن , لأكون صادقاً , أعتقد أن هذه هي المناسبة الأولى التي جررت فيها ضيفاً من سريري."
" أظن أنك تجر عادة صديقاتك الى السرير." سخرت برونوين.
" في بعض المناسبات, ولكن إذا كن مقبولات." وشعت عيناه تكادان تثقبانها لشدة تألقهما, سألها:" هل أنت مقبولة يابرونوين؟ يمكننا إرجاء موضوع التسوق لفترة ومرر اصبعه برفق على عمودها الفقري, حتى أنها لم تتأكد أنها شعرت بها."
"لا" قالت لاهثة, وهي تعرف أن ذلك ليس حقيقياً في هذه اللحظة, وإذا مالمسها مرة ثانية فستتركه يجرها إلى حيثما يشاء.
فتراجعت إلى الوراء بسرعة حتى ارتطمت ساقها بالسرير." لا , ياسلايد. أريدك أن ترحل الآن."
وعندما لم تبد منه أية حركة, أطبقت على أسنانها نكس رأسه, وكان مستوى وجهه منبسطاً غامضاً وقال:" هذا ما أعتقدت أنك ستتفوهين به. ولأنك قلت رجاء بلطف... فحسناً، ياشقيقة مايكل , فأنت الرابحة. وعلى الأقل حالياً. أسرعي، فالفطور ينتظرك."
ولم تر برونوين صينية الخزف بجانب سريرها إلا بعد رحيله. وكان فيها ابريق من القهوة وكوب أزرق وصحن وآنية للسكر وابريق من الحليب.
طرفت عيناها. وكان سلايد فعلاً، على رغم كل طرقه التعسفية، يتمتع باحترام كافٍ لأن يحضر لها قهوة. فسكبت بعضاً منها وتناولت رشفة سريعة. لم تكن رديئة مطلقاً. فهزت رأسها والعجب يثيرها مما إذا كان سلايد فعلاً متناقضاً بقدر ماكان يبدو أو ما إذا كان يتصرف عمداً بغير طريقته لمجرد إرباكها.
وإذا كان قد قصد ارباكها، فإنه عندما تعلق الأمر باتخاذ قرار حيال ماتلبس، فإنه قد نجح نجاحاً باهراً.
حدقت بكآبة بمجموعة التنانير المنتقاة من بونتغلاس والقميصين القصيرين حتى الخاصرة. وكان القميص الأخضر الباهت بأزراره الذهبية واحداً من بين ما أعجبها ولكن الآن، وفي ضوء ملاحظات سلايد المريرة، فإنها بدت شاحبة ومرتبكة قليلاً.
انتزعته من علاقته بتحدٍ ولبسته.
وكان سلايد متكئاً بتكاسل على الطاولة يقرأ الصحيفة، عندما ذهبت لتنضم إليه.
وقال بلطف: "صباح الخير."
فقالت: "لقد سبق لك أن شاهدتني."
"أعرف ذلك، ولكني أقولها مرة أخرى من جديد. وأظن أنني أشعر أنك لم تقدري صحبتي في المرة الأولى."
"نعم، لم أقدر."
همهم سلايد، وحدق بالثوب الأخضر متأملاً، فتجمدت برونوين بصورة دفاعية. لكنه هز رأسه باتجاه المطبخ فقط وقال على نحو قاطع. "أعددت كعكاً حلواً، تفضلي وتناولي بعضاً منه." واستمر يقرأ الصحيفة.
وبعد توقف قصير هزت برونوين بكتفيها وانتقلت إلى المطبخ فوجدت ثلاث كعكات متجمدة باردة ومهملة في صحن. ابتسمت مرغمة عندما وقع نظرها على صندوق خليط كعك مفتوح وكومة من الكسارة الوسخة في حوض الغسيل. ولم يكن سلايد يخدعها عندما قال لها إنه لم يكن يحب الطهو.
غير أنها سخنت الكعكات في السخانة الكهربائية التي جعلتها طرية وحارة بدلاً من باردة متجمدة وجاءت بها إلى الطاولة.
"شكراً لك. " قالت وهي تبذل جهداً لتجدد نوعاً من الصداقة: "كان ذلك لطف منك لتعد القهوة. . . والفطور."
"والتي أظن أنها فشلت في التأثير عليك." قال بجفاء: "وكذلك لأنها ليست خدمة أقدمها عادة. أما غداً فيمكنك أن تعدي لي عجة بيض. . . مع بعض شرائح اللحم والبطاطا المقلية إلى جانبها."
قالت برونوين بصورة لاذعة: "والتي ليست خدمة أقوم أنا بتقديمها عادة."
"لقد حان الوقت لتبدئي." أدار صفحة وطوى الصحيفة بلباقة.

"سلايد." نادته، وهي تحدق بزاوية فكه الحاد. "لا أعرف سبب مجيئك بي إلى هنا، ولكن إذا كنت لمجرد أنك بحاجة إلى خادمة دون مقابل، ففي إمكانك أن تعيد التفكير بذلك."
أنزل سلايد الصحيفة عمداً. وقال: "تعرفين، أنني لم أفكر بذلك." واستطرد والعجب يأخذ منه مأخذاً: "وعلى كل حال، الآن ما دمت هنا. . . "
"الآن ما دمت هنا، فلن أكون تحت تصرفك."
"لم أطلب منك ذلك. " وإذا كان لا بد أن تعرفي، فإنني جئت بك إلى هنا لأنني مدين لشقيقة مايكل، لتلك الفتاة الصغيرة اللطيفة التي تتسم بابتسامة عذبة والتي حاولت دائماً أن تسلك سلوكاً سلساً فوق مياه متعكرة. ومع ذلك، أرى الآن أن تلك الطفلة لا وجود لها بعد الآن. " وأطلق نحوها نظرة لم تتمكن من إدراك معناها. "وفي أية حال، لدي عمل يجب أن أقوم به وأنت معي. ولا أرى سبباً يمنعني من أن أتوقع منك أن تؤدي دوراً بيتياً من حين إلى آخر. أو أن ذلك يشكل مطلباً كبيراً؟ "
صِيغَ على ذلك الشكل، لو أنه صاغه بلطف لما كان مطلباً كبيراً. وإذا لم يتمتع بهذه الموهبة فقط لإعادتها. . .
وقالت: "أنت لا تعمل الآن."
"إنني آخذ اليوم عطلة. وسأدفع غداً مقابل ذلك، بلا شك، عندما أجد أن كل الموظفين لدي قد تمتعوا بيوم عطلة كذلك. "
فسألته: "هل تحاول أن تثير شعور الذنب عندي؟ "
"هل ذلك ممكن؟ "
"أجل، لا بد أن ذلك ممكن. . ." توقفت عن الكلام عندما لاحظت تجعيدة ساخرة ترتسم على زاوية فمه. "لا بد أن ذلك ممكن. " أكملت ساخطة: "حسنآ جداً، يا سلايد، أنت الرابح هذه المرة. سأعد الفطور غداً. "
"عرفت أنك ستفعلين. " أجاب، وهو يعود إلى تصفح الصحيفة.
وانتهت برونوين من تناول القضمة الأخيرة من الكعكة الباردة، وأخذها العجب مما إذا كان السم ما زال يستعمل. وباستبعادها لذلك، فإن الملح في قهوته ربما يقوم مقامه. لم يكن سلايد يعير أي اهتمام عندما راحت تنظف الطاولة. عضت برونوين على شفتيها وأخذت تضع الصحون الوسخة في آلة غسيل الصحون. لم تكن تكره ذلك العمل، إلا أنها انزعجت من أنه ظهر مستخفاً بذلك. وألقت نظرة على رأسه اللامع المنحني باهتمام فوق الصحيفة. ولتكون عادلة، لم يكن معتاداً على تنظيف الطاولة بعد أن يتناول طعامه. وربما كان يقدم للسيدة دويل أجراً جيداً. إنما من ناحية أخرى ، لم تكن هي السيدة دويل.


استمرت في النهاية تنظيم المطبخ من أجل نفسها بصورة خاصة لأنها، على غرار أمها من قبلها، لم تكن قادرة مطلقاً على السكن في بيت يتسم بالفوضى.
"عمل جميل. " قال سلايد محنياً رأسه بالموافقة عندما وضعت الصحن الأخير في مكانه وشرعت في تنشيف يديها بمنشفة. "ويجوز أن أحتفظ بك. " قال أيضاً.
"لن تسنح لك الفرصة. "
"لا تكوني متأكدة كثيراً من ذلك. " ودفع بنفسه عن الطاولة إلى الوراء، ونهض برشاقة جعلتها، تفكر عفوياً، بمد يدها ولمسه. "والآن." تابع حديثه: "وأنت قد انتهيت من واجباتك المنزلية، اقترح أن نبدأ بوضع برنامج لهذا اليوم."
"أي برنامج؟" تجهمت برونوين بوجهه سائلة وهي على استعداد للاعتراض على ما يمكن أن يجول في عقله. واجباتها المنزلية، فعلاً! بعد أن قامت بترتيب مطبخه.
غير أنه لم يمنحها وقتاً للاعتراض وقال: "سترين. تعالي، لقد أضعنا وقتاً كافياً." وكان قد فتح الباب عندما سألها: "أين قميصك."
أجابته تاركة إياه يمسك بالمقبض وصبره يكاد ينفذ "في غرفة النوم."
واختارت عمداً، وهي واقفة أمام الخزانة الكبيرة، أقدم سترة صوف وأقلها جاذبية تمكنت من العثور عليها. . . زرقاء فضفاضة كانت ذات مرة تخص عائلة من الفراشين الفقراء.
وإذا ألح سلايد على تنظيم يومها فسوف تجاريه. فلم يكن لديها أي شيء آخر تقوم به. ولكن لن يكون هناك من سبيل تدعه فيه يفرض عليها ماتلبسه.
تلوى سلايد عابساً عندما عادت, ولم يقل شيئا وهو يفتح باب المصعد ويدخلها إليه.
" إلى أين نحن ذاهبان؟" سألته عندما وصلا الى الشارع " لاتنسي... فلا بد من رؤية مايكل..."
فاجابت:" لن أنسى على الأرجح. فالأشياء الأهم أولاً."
" مايكل أولاً."
" بالنسبة لك يجوز, أما بالنسبة لي فكلا."
رفعت نظرها, وأدهشتها حدة صوته الساخط. ووجهه القاسي بدا على غير طبيعته أيضاً. فهزت رأسها وهي تعجب مما دهاه الآن فمايكل كان

صديقه, ومع ذلك , عندما كان يتحدث عنه أحياناً كانت تأخذ انطباعاً أنه يكن لأخيها حقداً دفيناً.
بعد وقت قصير , دخلت سيارة البورش إلى أحد مواقف السيارات أمام مابدا أنه محل فخم حيث يحتوي دون شك على ملبوسات أنيقة وغالية الثمن وذلك ماتظهره واجهته اللأمامية التي نظمت بعانية.
قالت برونوين محذرة :"سلايد . إنني قلت أنك لن تشتري ثيابي."
" أعرف ذلك. وأرجوك أن لا تتفوهي بذلك مرة ثانية . فقد بدأت أتبرم من كلامك."
ودون أن يضيع أي كلام آخر فتح باب السيارة وأخرجها منها وسحبها عبر الرصيف
" سلايد, لايمكنك... لا أريد..." راحت تصرخ.
" يكنني وسأفعل." وكان فمه منبسطاً وملوياً بحركة موبخة." لاشك أن أقل مايمكن أن أفعله. ولمجرد أنني لم أسلك سلوكاً جيداً تجاه جيني لايعني أنني لايمكن أن أفعل شيئاً صالحاً تجاهك."
عبست برونوين. فلم يكن لكلماته صدى صحيحاً تماماً. وعلى كل حال, ومع أنه كان يقدم لها سقفاً مؤقتاً فوق رأسها بسخاء, فلم يكن يبذل أي مجهود يجعلها تشعر بالراحة وكأنها تقيم في منزلها. على العكس . فقد بدا أنه يتسلى بإغرائها, في حملها على الشعور بالجهل والسخرية الأسى الذي تشعر به نحو المرأة التي أهملها بقسوة . فضغطت براحتيها على جبينها. حسناً جداً . وستريه! فإذا أراد أن يؤكد سلطته بملء خزانة ثيابها فستدعه... وستغتبط هي بدورها اغتباطاً معاكساً في صرف أمواله .والكثير منه. ولن يقدر على تجنب ذلك فهي الوسيلة الوحيدة التي وصل بها فكرها الى تكبيده الخسائر.
رمته بابتسامة باهتة وهي تقوّم كتفيها، ومشت بمحاذاته إلى داخل المتجر.
تقدمت نحوهما امرأة طويلة فاتنة ترتدي ثياباً سوداء رسمت على شفتيها ابتسامة تقليدية. وبدا على سلايد أنه يعرفها. "سلايد." قالت بنعومة: "ياحبيبي، لقد مضى وقت طويل. . ."
فقاطعها سلايد: "أعتقد أسبوعين. وإذا كنت أذكر دون خطأ، فقد كان هناك ثمة مشكلة صغيرة حيال زوج."
قهقهت المرأة المتشحة بالسواد وقالت: "أجل. متعب للغاية. ربما في وقت آخر، ياعزيزي."
"وربما لا." قال سلايد باقتضاب. "فاليري، أقدم إليك الآنسة إفنز. فهي بحاجة ماسة لبعض الثياب المناسبة
وحينما عبست برونوين به، ألقت المرأة التي تدعى فاليري نظرة لا مبالاة ولكنها نظرة محترفة على ثوبها الأخضر البسيط وقالت متشوقة: "إنني أفهم ما تعني." وكانت تنظر تحت أنفها بطريقة شكت فيها برونوين أنها عنت إثارة منافس محتمل لها. ثم قالت: "أجل." ووضعت اصبعها على شفتيها، وتابعت: "شيئ بسيط. فصّل تفصيلاً جيداً، وليس ضيقاً كثيراً ولا أخضر."
"ولكنني ألبس اللون الأخضر دائماً."
"تماماً." قالت فاليري. فاكتشفت برونوين لأول مرة لهجة بريطانية في صوت المرأة. وأخذها العجب مما إذا كان سلايد يعرفها منذ وقت طويل. لا، ربما لم يعرفها. فقد قال شيئاً حيال زوج غير متوقع. . .
رفعت ذقنها وأعلنت بصراحة: "أحب الأخضر."
"غير مبتكر." قالت فاليري نابذة الاعتراض بحركة لا مبالية بيدها، وألقت نظرة سريعة تواطؤية مرحة على سلايد. إن ذوات الشعر الأحمر يعشقن اللون الأخضر.
"والآن، يا آنسة إفنز، يناسبك اللون القشدي مع مسحة ذهبية. أو ربما لون البنفسج الفاتح هذا." وأشارت إلى ثوب لم تحلم برونوين قط بمحاولة تجربته فكيف بها بشرائه؟"
"ولكن ذلك ليس. . ."شرعت برونوين تقول.
فقاطعها سلايد بقوله: "إذا قالت فاليري أنه يناسبك فإن في امكانك الوثوق بكلامها. فهي تعتبر خبيرة في هذا العمل."


سأراهن، فكرت برونوين وهي تتذكر الزوج. أما المسألة فهي ماهية العمل؟ وأضيئت عيناه بنظرة ضبابية كان أصدقاؤها قد تعلموا الحذر منها وقالت بعذوبة: "أي شيء تقوله. هو حسن جداً، يا سلايد."
وبينما برونوين تتبع فاليري إلى غرفة تبديل الملابس، قطب سلايد حاجبيه مفكراً. كان هناك شيء ما يتسم بالاذعان حيال استسلام الآنسة إفنز. لا يدعو إلى الثقة ومع أن ذكرياته كانت حيال برونون تتعلق بأشياء صغيرة هشة طيعة، أثبتت الحقيقة غير ذلك. فقد أثارت شعوره منذ الوهلة التي شاهدها للمرة الثانية في رواق المستشفى. وليس لأنه كان فخوراً بسلوكه الخاص. وليس لأنها، باشمئزاز، لم تكن قادرة على السيطرة على سلوكها أيضاً. وافترض أن ذلك ماجعلها تشكل هذا التحدي والإثارة.
في غرفة تبديل الثياب الأنيقة المزدانة بالنحاس، أجرت برونوين تجربة على كل ما اقترحته فاليري ووافقت بحيوية على أن تأخذ الكثير.

لم تتكلم المرأة كثيراً وهي تنظم العلب، وخالج برونوين شعور رغم أن الامرأة لن تتنازل عن شهرتها المهنية وتقترح لزبون ثياباً غير مناسبة، بأنها تفضل كثيراً أن تكون حرة في أن تقترح ملابسه من الخيش والمطاط في هذه المناسبة.

منتديات ليلاس
لم تقترح شيئاً كهذا، وفهمت برونوين تدريجياً أن سلايد كان على صواب. فهذه الثياب اتسمت بالتميز ومنحتها أناقة حديثة كانت تنقصها، لا سيما ثوب الحرير القشدي المطرز بالذهب.
وكان الثوب الأخير الذي جربته عليها ثميناً أنيقاً يتمتع بفتحة للعنق منخفضة وتنورة متماوجة مريحة.
"يجدر بك أن تدعي سلايد يرى هذا الفستان." قالت فاليري وقد قطبت جبينها. "فقد ينتظر بفارغ الصبر، وجميل أن تمنحيه نظرة مسبقة لما يدفع ثمنه."
قالت برونوين بحدة. ولم يخف عليها التلميح الخفي: "إنه لا يدفع ثمني."
"طبعاً لا." قالت فاليري بابتسامة مصطنعة، وعرفت برونوين أن فاليري لم تصدقها.
"هل سلايد صديق قديم لك؟" سألت فاليري بصورة عرضية وأطلقت ضحكة عالية. "إذا جاز القول، يتمتع سلايد بأصدقاء كثيرين.هلمي ، اعرضي عليه الثوب."
أصدقاء كثيرون. . . أجل، كان لديه بلا شك. وكان امكانها أن تتصور أي نوع من الأصدقاء أيضاً، إذا كانت فاليري الساحرة مثالاً لأي من تلك الأنواع.
لم تكن برونوين متأكدة من سبب إلحاح فاليري على أن تقف عارضة أزياء أمام سلايد.بدا واضحاً أنها استاءت من اهتمامه بامرأة اعتبرتها متأسفة لها. لذلك ، فإما أنها محترفة ، أو أنها لم تتمكن من مقاومة المباهاة بنفسها كخبيرة ... نظراً لكون الثوب مثيراً بلا شك.
وحثتها فاليري :" هيا . فسلايد يتمتع بذوق لايرقى إليه الخطأ ... في ثياب النساء."
لكن ليس في النساء ، كان الإيحاء الذي فهمته برونوين .
لايهم . فحياة سلايد العاطفية ليست من شؤونها . ولم تقوَ على الانتظار لتشاهد وجهه عندما يرى هذه العلب.
فخرجت على مهل إلى المحل وهي ترسم ابتسامة صغيرة باردة على وجهها ، والتفتت ببطء ، وتوقفت بعيدة بخطوات قليلة حيث كان متمدداً على كرسي ، أصغر من أن تناسب هيكله الرشيق . وكالعادة ، بدا رائعاً.


" هل يعجبك؟" سألته برونوين وهي تستدير على أصابع قدميها .
فأمرها سلايد :" لا، لاتأتي بحركة."
كان شيء ما في صوته جعلها تمتثل لما قال ، وعندما نظرت إلى وجهه ورأته يجول بنظره في مظهرها بتقدير دافيء دون عجلة من أمره مما جعلها تشعر بعدم ارتياح ووجدت نفسها تحبس أنفاسها.
" سألتك إذا كان قد أعجبك ." كررت برنوين عندما لم يجبها .
" نعم ." قال أخيراً ، وصوته الجهوري يلتف حولها كالحرير :" فالرزمة لاتقاوم البتة .أكاد لاأقوى على الانتظار لفضها."
وأطلقت برونوين أنفاسها بعجلة ." لن تفضها ." قالت بحرارة . وبعدئذ استجمعت كل مالديها من بقية شعور بالكرامة وقالت :" لقد اخترت أشياء أخرى قليلة كذلك ."
وأومأت بحركة من يدها إلى مجموعة العلب التي كانت فاليري تجمعها بقربه ، وانتظرت الانفجار المتوقع.
ولم يحصل شيء . وبدلاً من ذلك ، شاهدت حاجبيه يرتفعان قليلاً وظهرت ابتسامة سريعة تبتسم على محياه.
" إنني أراك تتعلمين بسرعة ." وقال بجفاء :" إن ذلك لمشجع جداً . أشكرك ،يا فاليري ، سنأخذها."
وتمتمت فاليري: "تتمتع الآنسة إفنز بقوام. . . فتي فعلاً. لكنني آمل أنك ستوافق على أننا فعلنا أقصى جهدنا."
فأجاب سلايد: "ذلك جميل جداً، وأنت تعرفين ذلك. كما أن قوام الآنسة إفنز ينسجم مع ذوقي."
"وهو ملكي أيضاً." أشارت برونوين بانفعال. "وأرجو ألا تبحث ذلك الموضوع كأنني بقرة قدمت جائز أو انتقيتها من معرض ريفي؟"
أدار سلايد رأسه جانباً، فرأت في عينيه تسلية مكبوته. وقال بهدوء بعد فترة تأمل: "كلا، لا أعتقد ذلك."
سألته وهي تتراجع إلى الوراء: "لا تعتقد ماذا؟"
"إنك لست مطلقاً ما أختار لو أنني كنت في السوق أسعى لاختيار بقرة في معرض ريفي."
وابتسم لها ابتسامة عريضة بأعجاب جعلت برونوين تترنح تقريباً ثم ضحكت. إلا أنها تمكنت من كبح ذلك، ورجعت إلى غرفة تبديل الثياب لتبدل الفستان الأخضر وهي تومىء برأسها، وتبتسم ابتسامة تظهر له بها الكبرياء.
ورأى سلايد في ذلك جمالاً وحياء وسحراً.
وبعد دقائق قليلة، انتابها شعور بالانقباض، وتبعته خارجة إلى السيارة. وبينما هما ينطلقان، هتفت فاليري.
"إلى اللقاء يا عزيزي، أتمنى لكما ليلة هانئة." وعادت من ثم إلى المحل وهي تبتسم ابتسامة صغيرة خبيثة.
وسألته برونوين: "ماذا كانت تعني بذلك؟"
"تماماً كما تصورت أنها عنت، يا عزيزتي. أي اننا سنتمتع بليلة متألقة بالهيام في سريري الواسع. وهي دعوة مغرية، يجب أن أقول. ذلك أنه لا يعجبني كثيراً أن أنام على الأريكة."
سألته برونوين من خلال أسنانها: "آه، الا يعجبك ذلك؟"
وهي تشعر بوجهها يتوهج حنقا. عرفت أن ردة فعلها تفاقمت بدافع شعورها بالترقب حيال تبذير أمواله عمداً. ومع ذلك، لم يمنعها ذلك من أن تعلن بثبات: "سلايد لقد اكتفيت. عد بي إلى شقتك حالاً، أرجوك. فسأرحل لأجد مكاناً على نفقتي."
"إذا كنت تصرين فسأعود بك إلى شقتي." أجاب برصانة: "إلا أنك لن ترحلي."
"إنك ستحملين إذن على البقاء بالقوة."
"ذلك يمكن تدبر أمره."
وفكرت في أن تقبض على المقود وتلزم السيارة بالتوقف غير أن السير كان مزدحماً، ولم تكن قد توصلت إلى نقطة كانت ترغب فيها أن تجازف بحياتها حتى تتمكن من الخلاص من قبضة سلايد.
وسألته، وصوتها يرتج. "لماذا تفعل هذا، ياسلايد؟ فأنا لست جيني برايس، ولست واحدة من أمثال صديقتك فاليري كذلك، إذا كان سبب شرائك كل تلك الثياب لي. . ."
"لن نأتي، مرة أخرى، على ذكر جيني برايس." قال بقسوة بالغة جعلت برونوين تثب: "وماذا تعنين بتلك العبارة التي لا مثيل لها، واحدة من أمثال صديقتي فاليري؟"
وطوى يده المكسوة بقفاز جلدي حول المقود.
"ذلك مفهوم، أليس كذلك؟" وحدقت برونوين بإحدى الدراجات المارة. "فاليري كانت عشيقتك. . . إلى أن دخل زوج غير مناسب. انك لم تتغير مطلقاً، أليس كذلك، يا سلايد؟" وعندما ألقت نظرة على وجهه الجانبي، رأت فمه يتقلص، كما لم يعجبها طريقة قبض أصابعه على المقود التي ذكرتها بالمخالب.


فقال سلايد وهو يميل برأسه قليلاً: "كلا، لم أتغير. إذا كان يجب أن تعرفي، فإن فاليري لم تكن ابداً عشيقتي. وقد عرفتها منذ مدة قصيرة معرفة عادية. وعندما خرجت معها قبل أسابيع قليلة بناء على طلبها اعترض حديثنا زوج لم أكن على دراية بوجوده. وقد بدا مستسلماً أكثر مما كان فزعاً. وكانت فاليري، كما لاحظت منزعجة أكثر مما كانت نادمة." وأدار مقود السيارة إلى اليمين بحدة وقال: "من الجائز أن يخيب أملك أن تعرفي أنني أفضل نسائي مستقلات."
"مثل جيني برايس؟" سألت برونوين بلهجة لاذعة وهي تشعر بالكراهية لطبيعته الساخرة وتصرفاته القاسية تلك.
اهتزت يد سلايد على المقود اهتزازة متشنجة وكاد يصطدم بسيارة قادمة. قال بعنف تخلله برودة جعلتها تجفل. "كلا. ليس كجيني برايس، التي كانت آنسة طيبة. وبعكس رأيك في شخصي فإنني، أتمنى لها كل السعادة"
"قالت برونوين دون أن تبذل أي مجهود لاخفاء ازدرائها: "هذا سخاء منك في هذا الظرف."
وتوقعت من سلايد أن يرد بجواب جارح. غير أنه، لدهشتها، اكتفي بأن اصر على أسنانه وهو يقول دون اهتمام: "ذلك صحيح، أليس كذلك؟ والآن، إن كنت تسمحين، سنتخلى عن هذ الموضوع الممتع المتعلق بحياتي الخاصة، والذي، ليس شأناً من شؤونك على الاطلاق، وركزي اهتمامك عوضاً عنه، بفانكوفر الجميلة."
وتبادر إلى ذهن برونوين أن سلايد قد أقدم على فعلته مرة ثانية مما جعلها تشعر أنها على خطأ ، على الرغم أن الوضع كله من صنع سلايد . وفي أول فرصة تسنح لها ستعيد تلك العلب إلى فاليري . وفكرت في أنها كانت معتوهة في قبولها.
وكان يساورها شعور بالقلق في أعماقها من انها كانت معتوهة تقريباً منذ اللحظة التي عاد سلايد فيها إلى حياتها.
وقالت :" حسناً جداً." كانت تشعر بإذعان كئيب ، نظراً لأنه لم يكن يبدو أن هناك سبباً وجيهاً للاعتراض وكانت متعبة من المشاجرة . واستطردت :" سأكون سائحة ممتازة."
حافظ الاثنان على نوع من هدوء حذر لبقية اليوم ، في حين كان سلايد يطوف بها في جميع البقع السياحية الجميلة المعروفة حتى أنه بذل جهده كي لايبدو كأنه قام بذلك مرات ومرات من قبل.
وابتدأ الشجار من جديد في وقت متأخر من بعد الظهر ، وقد وقع ذلك عندما تخلت برونوين عن حذرها ولم تعد تتوقع أن يحدث أي خلاف.
قال سلايد :" أظن أنك تودين مشاهدة الجسر المعلق بعد هذا ." كانا في طريق العودة من سد كابيلانو ، الذي بني بالخرسانة تحت الجبال ليمد فانكوفر بالمياه .
فسألته :" أيجب أن أشاهد ذلك ؟"
" إن كنت تودين أن تشعري بالخوف ، أجل ، يجب عليك أن تشاهدي ذلك."
لاحظت برونوين تقوس حاجبيه وأخذها شعور مألوف بالإثارة وقالت وهي ترفع ذقنها ." لاتهمني المرتفعات ."
وعندما نظر بغطرسة غير مصدق ، أضافت هي بحدة :" ربما أنك تخلط بيني وبين جيني ، فهي التي كانت تخاف المرتفعات."
سكت سلايد وبدا هادئاً تماماً ، وإذا وصلا إلى باحة توقيف السيارات الخرسانية ، روعتها لبرهة النظرة في عينيه . اعتقدت في بادئ الأمر أنه سيلحق بها أذى ، لكنها أدركت بعدئذٍ أن ذلك كان مجرد غضب شديد ، عندما ضرب بقبضته إزاء ساقه وتوترت أعصاب عنقه حتى بدت ملتفة كحبل مجدول.
رجعت خطوة سريعة إلى الوراء وقالت :" لم أعنِ..."
واختفى صوتها لأنه لم يبقَ في جانبها، بل كان يخطو خطوات واسعة أمامها نحو السيارة.
دخلت السيارة عندما فتح لها بابها، وقررت بعد القاء نظرة على وجهه أن الصمت أفضل جزء من الاعتذار. وذكّرت نفسها أنها لم ترتكب أي ذنب لتعتذر من أجله. ومع ذلك، قطعت شبه وعد لتحتفظ بآرائها لنفسها. وكان هناك شيء ما حيال ردة فعله لم يترك تأثيراً كبيراً. . .
بعد خمس دقائق، ودون أن ينبس بأية كلمة، دفع سلايد ما توجب عليه للقيمين على المتنزه الذي يعلن عن نفسه على أنه موطن جسر كابيلانو الشهير المعلق.
"إنها طريق طويلة منحدرة." بدأت برونوين قائلة وهي تمعن النظر في منحدر المضيق الصخري المسقوف بالأشجار، والذي يمتد فيه جسر متمايل مربوط بالكابلات.
"لا يتوجب عليك العبور إن كنت لا ترغبين في ذلك."
وحدق سلايد إلى الأمام مباشرة، دون أن يلتفت إليها.
"سأعبر بلا شك." قالت برونوين ذلك وهي تتقدم نحو الدرج المؤدي نزولاً إلى الجسر دون أن تكترث ما إذا كان يلحق بها. فقد كان في إمكانها أن تتدبر أمرها للحظة دون صحبته. وعندما وصلت إلى منتصف الجسر
توقفت تتمتع بالتمايل اللطيف وهي تحدق في النهر الذي لم يبد من هذا الارتفاع أوسع من جدول. وألقت بنظرة إلى الوراء فلم تتمكن من رؤية سلايد، وتابعت طريقها إلى الناحية المقابلة.
وعندما لم يظهر سلايد استنتجت أنه يتجنب مرافقتها. فقد سيطر عليه مزاج مكفهر منذ إشارتها غير المتوقعة عن خوف جيني من المرتفعات.
وراحت برونوين تمشي متمهلة في الممر، تستمتع بالليونة تحت قدميها، مغتنمة الفرصة للتمتع برؤية السراخس وأوراق النبات غير المألوفة.
وبعد نصف ساعة تقريباً، عادت أدراجها، وما زالت تغتنم الوقت للتوقف على الجسر مرة بعد أخرى تلقي نظرة على الماء المتدفق على الصخور في المنحدر البعيد.
وعندما وصلت إلى المتنزه من جديد لم يكن سلايد موجوداً لتراه.
فعرجت إلى محل الهدايا. ولكنه لم يكن موجوداً هناك أيضاً.
آه، يا إلهي، ربما قرر التخلي عني. ثم انزعجت من نفسها لأن الفكرة لم تعجبها كما توقعت.
"تباً! أين تعتقدين أنك كنت؟" جاء صوت غاضب من ورائها.
"أتمشى." قالت بجفاء: "أما أنت، فأين كنت؟"
أحست بيدين قويتين تمسكان بكتفيها وتديرانها على نفسها، فألقت بالختم أرضاً بسرعة.
"كنت أبحث عنك في هذا الجحيم الذي تبلغ مساحته نصف فدان."
"لماذا؟ كنت بخير."
"آه، هل كنت كذلك؟ وكيف كان عليّ أن أعرف ذلك؟ فقد شاهدتك تبلغين نهاية الجسر، ومن ثم اختفيت عني."
حدقت به والحنق يأخذ بها دقيقة بعد أخرى، فتذكرت والدها يلقي عليها درساً لتأخرها عن البيت بعد خروجها من المدرسة. فقد كان يضع على وجهه ذلك التعبير من الغضب الممزوج بالاهتمام الحقيقي بشأنها حيث أن سلطته لحق بها المهانة.
فقالت: "لم أتأخر طويلاً. وكان في وسعك المجيء أيضاً."
"لقد فعلت ذلك. وقد أمضيت الساعة الأخيرة أبحث عنك. أفلا تدركين أن أناساً سقطوا فوق هذه الصخور. . . ؟"
"إن الممرات مرسومة رسماً جيداً." قاطعته برونوين.
"فإنني لست بحمقاء، ياسلايد."
أخذ نفساً عميقاً، وحدق بهما عدة أشخاص بفضول.
"كلا." قال بقساوة: "كلا، فأنا الأحمق، وقد تكون حياتي أقل تعقيداً إذا ماسقطت وكسرت عنقك الجميل."
"لم يكن هناك أي خطر من ذلك مطلقاً."
أخرج منديلاً ومسح به جبينه. ولاحظت برونوين أن وجهه كان شاحباً جداً.
قالت بهدوء: "سلايد. لا أفهم."
قال باقتضاب: "لا. . لن تفهمي."
عبست قائلة: "وبعدئذٍ. . ."
أمسك بمرفقها، ودعته يجرها خارج المكان. "يكفي مرة في غضون يومين." أصر عندما جاء بها إلى الخارج.
"ماذا يعني ذلك؟"
"يعني أن اكتشاف موتك في الصحف كان مثيراً بما فيه الكفاية لمدة أسبوع واحد. ولم أنعم برحلتي إلى المستشفى لأطلع مايكل على أن شقيقته قد ماتت." كانت الكلمات ما زالت قاسية وغامضة، إلا أنه بدا الآن هادئاً قليلاً. ولم تعد تتوقع أن تجد نفسها ملقاة على كتفيه ومرمية في السيارة كولد متمرد.
قالت: "آه. مايكل." طبعاً، كان قلقاً حيال مشاعر مايكل.
فلماذا لم تفكر أبداً بأن قلقه كان منصباً تجاهها؟
"أجل، مايكل. أخوك."
أحنت برونوين رأسها. فلم يكن هناك شيء كثير تقوله: "آسفة أنك كنت قلقاً." قالت بجمود.
"ليس لأنني كنت قلقاً." أجاب بحدة في صوته. وتابع: "أنني مسؤول عنك، هذا كل شيء."
وفكرت برونوين أنها هي المسؤولة عن نفسها، ولكنها قررت أن تدع ذلك يمر.
"إلى أين نحن ذاهبان؟" سألت وهما يعبران بجانب صف من السيارات وأسرعا في نزول الهضبة.
"إلى المكان الذي أذهب إليه عندما تكون روحي بحاجة للشفاء وقلبي للانتعاش." كانت الكلمات شاعرية تقريباً، إلا أنه تفوه بها بمرارة جعلتها تجفل.
"آه، يا سلايد، إنني آسفة حقآ إنني. . . إنني أزعجتك. فلم أفكر في أنك قد تقلق."

"وما الذي يدفعك إلى الاعتقاد أنني كنت قلقاً ؟" وعندما لم تجبه أكمل دون أن ينظر إليها. "لقد كنت في وقت من الأوقات مرمم أبراج، وقتل شريكي في سقطة من عليها."
همست برونوين وقد أرعبتها عبارته الموجعة: "آه، يا إلهي، لم أعرف. . ."
"لماذا يجب أن تعرفي؟ لا تتشامخي عليّ مرة ثانية، فهل تفهمين؟"
كان بودها أن تقول له، إنما في أية ظروف أخرى، إنها ليست كلباً لإبقائه إلى جانبه. إلا أنها لم تقل شيئاً.
حتى سلايد لم يقل شيئاً أيضاً وهو يكمل سيره إلى المدينة. وكان الأمر كما لو أنه نسي وجودها إلى جانبه.
وتوقفا بعد نصف ساعة تقريباً بجانب حظيرة مسيجة بجدار أبيض غريب يعلوه إفريز قاتم قمري الشكل. وكانت هناك لافتة تعلن عن الوصول إلى حديقة الدكتور صن يات سن الصينية الكلاسيكية.
وكان سلايد مازال صامتاً، فقادها عبر ممر إلى باحة مرصوفة بنماذج حصى متشابك. ولما انتقلت، جذب نظرها بركة مرصوفة باليشم الأخضر ارتفعت فيها جزيرة بنيت بالحجارة الكلسية المنقرة، كجبل سوريالي. وكانت فيها نباتات أيضاً. . . صنوبر وخيزُران وبرقوق ونباتات أخرى لم تتمكن من معرفتها.
ألقت برونوين نظرة على وجه سلايد فرأت جميع تجاعيده قد زالت، وخالجها احساس مفاجئ بالسكينة.
تمتمت، وهي تحدق عبر الجزيرة: "يا لغرابة هذه الصخور التي تبدو مشوهة. فإنها تحاكي التنين والأحصنة والسمك. . . آوه، وأي شيء آخر أود أن أتصوره."
همهم سلايد قائلاً: "تلك هي الفكرة. فقد جيء بها من قاع بحيرة تاي، بالقرب من سوزهو. وقد بنيت هذه الحديقة على طراز الحدائق الكلاسيكية الخاصة بسلالة منغ، وهي الحديقة الوحيدة من نوعها خارج الصين."
"إنها جميلة." قالت برونوين ببساطة.
"نعم." أجاب سلايد موافقاً وهو يرقب تعبيرها الجذل: "فهل تعرفين أنه، في الفلسفة الطاوية، كل شيء مبني على أساس مبدأ ين وينغ؟"
"ين وينغ؟"
"قوتا التكامل الكونيتان." فهنا تشاهدين الصخور الصلبة والخيزران الرقيق الذي يتمايل في الريح، ونور الشمس والظل، والنور متوازٍ مع

الظلام." وألقى بيده على كتفها متابعاً: "والرجل مع المرأة. ذلك هو تكامل الطبيعة.
وقد عرف أولئك الفلاسفة الطاويون القدماء ما كانوا يتحدثون عنه."
"ربما" قالت برونوين، وهي تفكر بفقدان التناغم في ما بينها وبين سلايد. وراحت تصغي السمع لصوت شلال صغير ، ورأت صور النبات والأشجار منعكسة في صفحة المياه الخضراء كاليشم عن بعد، فقالت، وهي تلمس ذراعه. "إن المكان لهادئ. لماذا جئت بي إلى هنا، يا سلايد؟"
"لأنه المكان الذي آتي إليه عندما يبدولي أن الكون خارج عن نظامه. فهنا، ما أن تغيري منظورك فإنك تغيرين نظرتك للكون. كالحياة تماماً. وهنا لا وجود للخوف، والعيون لا يصيبها السأم كذلك. مجرد انتعاش وسرور للقلب. إننا جميعاً بحاجة لذلك أحياناً."
رفعت برونوين نظرها إليه فوجدت أنه يصعب عليها أن توفق في ما بين سلايد الرزين الحالم وبين القوة المحركة الديناميكية التي اعتادت عليها. ويظهر أن هذا الرجل يتمتع بنواح عديدة، فيبدو أحياناً غامضاً كالمياه الخضراء الراكدة.
إلا أنها كانت مسرورة لأنه أتى بها إلى هذا المكان. ولم تعد تشعر أنها تقف على حافة هاوية وهي على وشك السقوط في المجهول.
ومع ذلك، لم تستطع التخلص من الشعور بأن إبعاد التوتر كان مؤقتاً.
وعادا إلى شقة سلايد، بعد أن قاما بزيارة طويلة إلى مايكل، قبل أن يخطر على بالها أن الدافع من أخذها إلى الحديقة الصينية لم يكن بذلك القدر من البساطة كما تصورت.
إذ إنه قال: "الرجل والمرأة. فهما كينونتان منفصلتان، ومع ذلك جزء من الكمال الطبيعي. . ."
وكان سلايد يفتح وسط الغرفة زجاجة من الشراب بكفاءة.
فنادته سائلة بعبوس: "سلايد، ماذا تفعل؟"
"أنهي اليوم في ما آمل أن يكون احتفالاً رمزياً." أجابها برفق.
"وكيف ذلك؟" سألته وارتباكها لا يحتاج إلى تعليل.
وعندما انفتحت خياشيم أنفه بتلك الطريقة المرعبة التي أصبحت تعيش معها شكت في أنها سألته السؤال الخاطئ.
وكان ذلك.
"يا برونوين إفنز." قال بصوت خاطف: "أعتقد إنني قلت لك من قبل أنني متعب جداً من معاملتي كهنري الثامن حيال البحث عن زوجة سابعة إلى سريره وقطع. . ."

"لقد ذكرت كاليغولا، في الواقع." قاطعته: "ولم يقطع هنري إلا رأسي زوجتين."
"ذلك صبر جميل منه." تمتم سلايد: "وقد بدأت أشعر بعطف معين تجاه هنري المسكين." وسكب الشراب في كوب زجاج ضيق وناولها إياه.
وبعد لحظة تردد، تناولته.
قال وهو يرفع كأسه: "هذا نخب هنري."
غصت برونوين، وكانت على وشك القاء الشراب. "لا."
قالت وهي تسترد هدوءها: "بل نخب مايكل وشفائه العاجل."
همهم، وأطبق جفنيه الثقيلين على عينيه، فأخفيا ما يجول في أفكاره وقال: "إذا كنت تلحين، فنخب مايكل."
وأخذها العجب مما إذا كانت لاحظت التنازل المتجهم في صوته.
ولم يحاول، لحسن حظها، أن يتناول كأس الشمبانيا بكامله، كما لم يعد يذكر أية إشارة أخرى عن سريره.
وعوضاً عن ذلك، خلع حذاءه وجلس مركزاً على الكلمات المتقاطعة. ومع أنها تنفست بحرية أكثر، إلا أن شعوراً بالاحباط أزعجها.
وأمضيا ما تبقى من المساء جالسين جنباً إلى جنب على الأريكة مع الصحف، في صمت حميم تقريباً، تخللته محاولات من جانب برونوين من حين لآخر لتعتذر حيال قبولها الثياب.
وأكدت له للمرة الرابعة أنها تنوي ارجاعها، مما دفع سلايد إلى القاء الكلمات المتقاطعة وقال: "صحيح. قد ينفع ذلك."
"مابك؟" قالت برونوين لاهثة وهو ينحني نحوها.
توقف ويده فوق ركبته قائلاً: "يبدو لي أنك تشعرين بحاجة ملحة إلى أن تدفعي مقابل تلك الثياب." قال ذلك بصوت بعث الرعشة في عمودها الفقري: "فأنا على وشك التفكير بأن تفعلي ذلك."

"~الفصل الخامس~"

"ما. . . ماذا؟" سألت برونوين وهي تتراجع إلى الوراء مستندة إلى الوسادات الخضراء وعيناها الرماديتان تتسعان من الصدمة. "عمّ تتكلم، يا سلايد؟"
"إنني أتكلم عن عادتك التي تبعث الأسى والتي تركزين فيها على موضوع بضعة أثواب. . . لا تلبسين أياً منها، حسبي أن أبين لك."
"لكنني لا أستطيع لبسها. لقد قلت لك إنني سأرجعها. إنني. . ." وتوقفت وقالت بحزم: "لقد سمحت لك بشرائها لي فقط حتى أساير موقفك لكونك متغطرساً مستبداً. إلا أنني أخطأت. إنه عمل طفولي. وكان يجب ألا أقوم بذلك."
قال: "كلا. ربما لم يكن يتوجب أن تقدمي على ذلك. ولكن، لأنك أقدمت على ذلك، ولأنك تميلين إلى أن تكوني متآلفة تماماً حيال ذلك، فقد حان الوقت لتكتشفي إلى أي حد يمكنني أن أكون مستبداً تماماً."
"ماذا تعني؟" وابعدت شعرها عن عينيها بتوتر، كما تمنت أن يرفع يده عن ركبتها، لأنها جعلتها تشعر بحرارة وارتباك.
"أعني أنك ستدفعين لي مقابل تلك الأثواب." وتراجع إلى الوراء فجأة وتمدد على الأريكة قائلاً: "تعالي." وفتح ذراعيه. "قبليني."
"كلا بلا شك." قالت برونوين وهي تستقيم في جلستها: "قلت لك قبليني."
"كلا."
وابتسم ابتسامة طويلة حالمة بعثت غصة في نفسها وقال: "لكنك ترغبين في ذلك، أليس كذلك؟"
"كلا، دون شك."
"هل أنت متأكدة؟" ولامس قدمها بقدمه.
لهثت برونوين وقالت: "سلايد، لاتفعل هذا."
"إذن، افعلي مايقال لك، يا آنسة إفنز."
"يقال؟" كررت برونوين ببلاهة. لم تتمكن من التفكير جيداً وهو متمدد هناك بادي الرشاقة والجاذبية بقامته النحيلة وعضلاته الناطقة بالرجولة والحيوية مما ايقظ في نفسها الرغبة في. . .
"يا عزيزتي، برونوين، لا تحمليني على الإثبات لك مدى غطرستي." وكان صوته رقيقاً حسياً ومشمئزاً. . . ودون أن تشعر بما كانت تفعل تماماً، رفعت يدها وألقتها على ركبته
ورأت من خلال عينيه اللتين لم تكونا مركزتين تماماً سلايد يأخذ نفساً سريعاً، ثم قال بهدوء: "هذا أفضل. والآن، لو أنك تقتربين قليلاً. . ."
"قال العنكبوت للذبابة." همست مرتجفة.
ابتسم سلايد وقال: "لست متأكداً من أن التفسير يعجبني، ولكن، إذا كنت تودين أن تصوغيها بهذا الشكل. . ." ومرر اصبع قدمه على ساقها مرة ثانية، فتأوهت برونوين.
وفي اللحظة التي انحنت فيها نحوه، رفع سلايد ذراعيه وعانقها. فكان في إمكانها أن تشعر بضربات قلبه عبر قميصه الحريري الناعم.
همس قائلاً: "قبليني." وكان صوته أجش. فإستجابت لطلبه وفعلت ما أمرها به وهي في خضم مشاعر لم تختبرها من قبل.
شدها بذراعيه، وأحست بيده تداعبها.
"آه، يا سلايد." تمتمت وهي ترفع رأسها. "أرجوك. . ."
"قبليني أيضاً." أمرها بذلك.
لم تكن بحاجة إلى الالحاح. وعندما اقتربت منه تجاوب معها بعاطفة كادت تدفع بها إلى الصراخ لو أنها كانت قادرة.
وما كادت تدرك فجأة ما حدث حتى وجدت برونوين نفسها تستقيم. وجلس سلايد أيضاً بوجه كرعد الصيف، واضعاً مرفقيه على ركبتيه وسانداً جبهته بقبضته. وقال هادراً، دون أن ينظر إليها: "تباً لك ماذا تعتقدين أنك فاعلة؟"
لم تعرف برونوين ما كانت تفعل. ومهما كان ذلك، فسلايد هو الذي بدأ، ولم يكن لديه أي تبرير في إلقاء الملامة عليها الآن. فبذلت جهداً مضنياً لاخماد الحرارة التي كانت ما زالت تعصف في معدتها وقالت ببرود: "لست متأكدة مطلقاً، فلا بد أنني تخليت عن مشاعري مؤقتاً. . .
واعتقد أنه يمكن وضع سؤال معقول أكثر هو، لماذا حنثت بوعدك بعدم التعرض لي؟"
"لم ألمسك."
ورفعت يداً إلى فمها وسألته: "سلايد، كيف يمكنك أن تجلس هناك وتتفوه بهذه الأكاذيب السخيفة؟"
جلس عندئذٍ، ونظر إليها مباشرة قائلاً: "إنني لم أفه بشيء لو أنك تذكرين، لقد قلت ذلك لكي أضع حداً لعزفك المستمر على وتر واحد حيال تلك الأثواب التي سأجعلك تسددين ثمنها. وقد فعلت. ولم ألمسك، يا برونوين. فأنت التي لمستني."
كان ذلك صحيحاً بطريقة ما، غير أن أية امرأة يمكنها أن تصمد ازاء قوة سلايد العاطفية الفعالة عندما يختار أن يحولها إلى قوة ضاربة؟
قالت بغباء: "حسناً جداً، لقد أثبت إذن أنك تستطيع أن تحصل على مبتغاك تماماً، إلا أنك لم تحصل."
"أصحيح هذا؟ وكيف تعرفين أنني لم أحصل؟"
"حسن. . ." ورطبت شفتيها. "اعتقدت. . ." حاولت مرة ثانية. وقالت: "هل تخبرني أنك صرفت كل تلك الأموال من أجلي مقابل لا شيء أكثر من قبلة؟"
"لا شيء أكثر من. . .؟ آه، إنني أفهم. يا لك من ساخرة، يا برونوين." ولمس خدها برفق ووقف. "ألم تفكري أنني قد أختار أن أبتاع لك أشياء دون أي دافع سوى أن أراك تبدين جميلة ولائقة المظهر في ما يتوقع أن يكون صيفاً طويلاً حاراً؟"
قالت برونوين كلا: "لم أفكر. فلقد كنت تهتم بنفسك دائماً، يا سلايد. . . وليس من السهل تناسي الماضي."
فقال بخشونة: "اللعنة على الماضي." ماذا تعرفين عنه، يا فتاة القرية الصغيرة؟
تراجعت برونوين قليلاً إلى الوراء نحو ذراع الأريكة مشدوهة تجاه العاصفة المباغتة ومذهولة من الغضب القادح في عينيه الزرقاوين.
"سلايد, أرجوك..."
" لكن ,لا" وهو يشد على أسنانه, واضعاً أصابعه الطويلة على كتفها, ومحدقاً فيها كنسر يحاول التهام أية قطعه من فريسته أولاً. وعندما أخذ ابهاماه يضغطان بقسوة قليلاً جفلت.
ظهرت على قسمات وجهه علامات فشل ذريع , نوع من الصد اليائس, وما لبث أن تركها.
وقال بخشونة:"آه, اذهبي إلى السرير."
وعندما جلست لاتبدي حراكاً, فاغرة فمها تجاهه كرر:"هيا اذهبي إلى السرير.لدي عمل يتعين عليّ القيام به ولاتنسي أنني أريد عجة بيض في الصباح."
" وشرائح لحم."تمتمت برونوين بارهاق وارتباك. هل تقول له أن في إمكانه أن يعد نفسه محظوظاً إذا حصل على عصيدة مذاقها سم وقطع خبز محروق.كلا هذا الكلام يمكن تأجيله إلى الصباح إنما كانت حالياً أكثر من سعيدة في أن تذهب إلى السرير ، كما اقترح ، بشرط ألا ينوي الانضمام إليها . فنظرت إليه بشك.
وقال ، وكأنه فهم افكارها بدقة :" كلا بشرط ألا أسمع أية كلمة أخرى حيال تلك الثياب ، فأنت في أمان تام."
وفكرت بقنوط وهي تلبس قميص النوم الذي قال عنه أن مكانه المفضل في المتحف . كيف يمكن ان تكون آمنة مع سلايد وهو في الغرفة الثانية ، يحضر بلا شك هجمات أخرى على سلامتها النفسية ؟ والجسدبة ، اضافتها تلك الفكرة بسرعة .
لم تكن تتوقع أن يكون تأثيره على جسدها ذلك التأثير بهذه القوة . انها رغبة كاسحة لايمكن الهرب منها . وإن افضل طريقة للتخلص منها هي في الابتعاد ن بقدر الامكان عن مصدرها . انما ذلك ليس سهلاً ، طالما بقي مايكل في المستشفى . صحيح ، انه في الطريق إلى الشفاء ، ولكن إلى أن يقف على قدميه لم تكن لديها الرغبة في ترك فانكوفر.
رمت برونوين رأسها بإعياء . يمكنها ان تترك شقة سلايد ، مع ذلك . وكان البقاء هنا تدبيراً معقولاً من جهة واحدة ، ولكن ، كما كانت قد اكتشفت ، فإن المنطق لايدخل في الصورة كثيراً عندما يقرر سلايد أن يسلك سبيلاً ما.
ذلك يعني أن الحل الوحيد يكمن في الرحيل غداً . حالما يذهب إلى العمل.
قررت ذلك دون أن تنسى ، أنه من الأفضل عدم إثارة شكوكه ، لذلك عندما سمعت ساعة المنبه تدق السادسة صباحاً ، خرجت من السرير بسرعة بالغة . وكان سلايد في غرفة الجلوس يلبس بنطلوناً قصيراً جداً فقط.
وقالت لاهثة :" عفواً وتورد وجهها وتراجعت وهي تتابع :" كنت ... كنت سأقوم بإعداد فطورك ، لكن ..."
" في هذه الحالة ، لن أقبل لك عذراً ." أجابها فجأة :" اذهبي حالاً لاعدادها ." ولم يحاول أن يغطي نفسه في حين مرت برونوين ، حاجبة عينيها ، بجانبه إلى المطبخ.
" هل يبدو منظري سيئاً إلى هذا الحد؟" سمعت صوته يسخر برفق من ورائها ." أعرف أنني لست في أحسن حال في الصباح ولكن ..." وانتهت الكلمات بضحكات خافتة بينما وضعت برونوين مقلاة على الطباخ بطريقة كادت تعطب ابهامها.
وفكرت غاضبة ليس في أحسن حال في الصباح ، حقاً، بل كان سعيداً جداً في الصباح. فما من سبب يدعوه إلى أن يجول في المنزل بذلك الشكل.
وانهمكت في إعداد البيض وشرائح اللحم والخبز المحمص ، ولم تعر أي انتباه آخر لسلايد إلى أن دخل المطبخ ، لابساً بذلة رمادية فظيعة جعلته
يبدو بارداً ومنفراً بصورة رهيبة . وقررت برونوين أنها لاتحب أن تكون في الجانب المعارض في أي شيء يتعلق به.
قال وهو يسحب كرسياً ويجلس منتظراً بترقب مفتعل الفطور ." بالمناسبة لاتزعجي نفسك في الاختباء لحظة أدير فيها ظهري ، هل سمعت ذلك؟ لدي مصادر في مستشفى مايكل . وسيكون العثور عليك من السهولة بمكان ما في حال اختفائك لا." ورفع يده بينما برونوين ترفع طبقاً من البيض عن الطاولة سُدِدَ بنية واضحة إلى رأسه ." أنا لن أفعل ذلك . إنما أعيد الوجبات – والبيض المتطاير ." قال سلايد لها.
وعندما ألقت الطبق أمامه بصوت ظنه صادراً عن اصطكاك أسنان ضحك ومد يده يمسك يدها.
وقال برفق :" لا تعبسي . فذلك يجعلك تبدين كسمكة (تروت) مرقطة . وعلاوة على ذلك ، حتى إذا كنت لا تصدقين ، فأنا أكن لمصلحتك كل تقدير فعلاً . فالفنادق ليست زهيدة التكلفة في فانكوفر."
فقالت برونوين مقطبة :" انني لست مفلسة ."
" أنا متأكد من أنك لست كذلك . إلا أنه يتعين عليك أن تدخري أموالك للحالات الطارئة . فكري في ماكان سيحدث لو أن مايكل أصيب بانتكاسة ؟"
لم تفكر بذلك . فقد تركت بيتها على عجلة كبيرة لم تمكنها من تخطيط طويل الأمد.وكان سلايد يعاملها معاملة حسنة عوضاً عن ذلك . ولو أنه يبقى على ذلك الشكل ، عوضاً عن بقائه متسلطاً ومستبداً و – لامفر من ذلك – مثيراً عاطفياً.
" عديني أنك لن تسببي لي كل أنواع المشكلات غير الضرورية بهربك ." قال مبتسماً ابتسامة اقناع مغرية جعلتها تنسى سبب رغبتها في الهرب في المقام الأول.
" وعديني أنك لن تتفوهي بأية كلمة حيال تلك الثياب."
" نعم ." قالت وهي تقاوم احساساً بفقدان القوة في رجليها ." أعدك."
" هذا حسن ." وربت على مؤخرة ثوبها ، وأكمل تناول فطوره.
اعترت برونوين رجفة وأسرعت عائدة إلى المطبخ.
" رجل لا يرحم." قالت بصوت مرتفع لحظة أغلق الباب وراءه.
نادراً ما كانت برونوين تشتم ، وفي الواقع لم يكن سلايد بلا رحمة هذا الصباح خاصة ، إلا أنها كانت مرتبكة ، غير واثقة من نفسها ، كما كان الإرباك يجعلها دائماً سريعة الغضب . فنظرت إلى الساعة المعلقة في المطبخ ، فوجدت أن الوقت لم يتعد الثامنة صباحاً. فما زال الوقت باكراً
جداً للقيام بزيارة مايكل . عبست ، وسارت بخطى وئيدة إلى غرفة النوم وأخذت تفض العلب التي جاءت بها البارحة .
قررت أن تفض العلبة التي تحتوي على الثوب الأزرق الشاحب اللون الذي ألحّت فاليري على أن سلايد قد يوافق عليه . وتناست أن اعجاب سلايد لم يكن وارداً لديها ، فلبسته .
حدقت بنفسها في المرآة . أنيقة . هزت بكتفيها دون ارتياح ، ومازالت تشعر أنها وقعت في شرك حملها على الاحتفاظ بهذه الثياب . فقد يتوجب عليها أن تقوم بأي شيء كتعويض لسلايد ، سواء أراد ذلك أم لا – ليس لإرضائه ، ولكن لإرضاء نفسها.
راحت تجول في أرجاء الشقة لتقوم بالعمل الأفضل ، فدخلت الحمام وبدأت في تنظيف المغسلة . ومع أن غرفة الجلوس كانت نظيفة ومرتبة ، لاحظت أكواماً من الثياب الملقاة في غرفة النوم ، كما كان الحمام بحاجة لتنظيف جيد . وكان ورق الجدار الأخضر المخطط قد أخذ يتقشر.
همهمت برونوين ، ومدت يدها تنزع الورق فرأته يُنثر بسهولة . عجبت لها.
وبعد ساعة كانت تقف على طاولة المطبخ وفي يدها قلم ومسطرة تضع بواسطتها علامات على لفة ورق جدران جديد ومضت ساعة على ذلك ، وهي تعمل منهمكة بكل ما أوتيت من طاقة ، فلا تقف إلا عندما تكون منزعجة من شيء ما . كانت تجصص الورق على جدار غرفة الحمام بكفاءة.










عندما لم يبق إلا بضع أقدام لتغطيتها ، توقفت عن العمل تتفحص الوقت . شيء مزعج . لابد أن تنهي العمل في وقت لاحق ، فقد يكون مايكل منتظراً زيارتها الآن.
تأخرت ، لذلك طلبت رقم سيارة التاكسي التي تركها سلايد لها . وذهلت عندما أخبرها السائق أن الأجرة قد دفعت .
وفكرت من أن سلايد فعل ذلك مرة ثانية ، ولم تكن متأكدة مما إذا كان ينبغي عليها أن تكون ممتنة أو مستاءة من تحكمه.
" و، و ." صرخ مايكل حالما دخلت الجناح ." ماذا أصابك يابرون ؟ إنك تبدين كقطعة نقد من فئة المليون دولار ."
قالت برونوين مبتسمة :" أشكرك ." كذلك أنت لا تبدو سيئاً . فالضمادات تتسم بشيء مؤثر جداً.
فقال بمرح :" لقد اكتشفت ذلك ." " إنها تظهر الغريزة الوقائية في النساء."


وقالت برونوين بقساوة :" مايكل لقد حان الوقت لكي تتوقف عن القاء النظرات الغرامية وتستقر ."
سألها وهو يبتسم ابتسامة عريضة :" لماذا ؟"
" لأنك كبرت كثيراً ومازلت تتصرف كما يتصرف مراهق أحمق ، ذلك هو السبب . ومع ذلك ، لماذا يجب على أية امرأة أن تتحملك . لا يمكنني أن أفكر بذلك ."
قال :" لقد حدث ذلك مرة واحدة ." ودون أن يتوقع منها ذلك .
قالت برونوين بدهشة :" أصحيح هذا ؟"
" هم . منذ وقت طويل ."
فقالت باشمئزاز :" واعترت قدميك برودة وهربت ."
" ليس ذلك بالضبط . فقد قررت أن تقترن بشخص آخر ."
حدقت به برونوين . وكان في صوته شيء ما أقنعها أن أخاها قد لحق به أذى من جراء ذلك الرفض القديم . فلربما لم يكن عديم التفكير وسطحياً بقدر ماتصورت.
إلا أنه غيّر الوضوع وعاد إليها .
" ماذا عن هذا الثوب الجميل ، يابرون ؟ فهل أخذ المحل القديم يدر عليك في النهاية ثروة ؟"
ضحكت بخجل وقالت: "لا، مجرد معيشة كافية." ثم همهمت قائلة: "سلايد هو الذي اشترى الثوب."
"سلايد!" قال بتعجب وعيناه تضيقان: "علامَ ماذا تراهنين، يا شقيقتي الصغيرة؟"
"لا أراهن على شيء." قالت مدافعة: "فقد كان سلايد لطيفاً جداً، ذلك كل ما في الأمر."
"أي لطف هذا؟" سألها مايكل وهو يرسم إشارة شك خالية من الاطراء.
"حسناً. . . لقد سمح لي بالبقاء في شقته وطاف بي حول فانكوفر" وتقوقعت في زاوية من غطاء سريره. "وقد اشترى لي أيضاً بعض الثياب لأنه، حسب قوله، لم أكن أرتدي ثياباً لائقة تتناسب مع. . . الطقس."
"اللعنة على الطقس." أجاب مايكل: "فهل خالجتك أية فكرة، يا برون، عما أنت بسبيله؟"
تنهدت وقالت: "لا، ليس في الواقع، لكن. . . إذن، هل سلايد خليع لهذه الدرجة، يامايكل؟" ولم تكن متأكدة أنها تود أن تسمع جواباً.
"خليع؟" وضحك ضحكة استنكار وقال: "هذه كلمة لا أكاد أستعملها. ولكن، بما أنك سألت، أظن أنه كذلك بشكل ما. فهناك نساء يركضن


لاهثات دائماً وراءه. يا له من شيطان محظوظ. غير أنني لا أعتقد انه يهتم كثيراً بهن. وعندما يحظى بأية واحدة. . . شبه دائمة، فينبغي أن أقر أنه يقوم بلعب دور منصف."
"ولكن. . ." همت بالكلام وهي تشعر بغصة، ولكنها أعادت ابتلاع الكلمات التي كانت تود أن تنطق بها. ولم يكن هناك أي دافع لاسترجاع موضوع جيني برايس. . . التي لم يعاملها معاملة منصفة. من المحتمل أن مايكل لم يدر بجيني، ومن غير اللائق أن تحطم أوهامه حيال صديقه.
وانتقلا إلى أحاديث مشحونة قليلاً، ولم يذكر سلايد مرة ثانية إلى أن تمتم مايكل بصورة غير مباشرة وهي تغادر: "احذري، يابرون، لقد كسر صديقي القديم قلوباً كثيرة في زمانه."
"حسنآ، لن يكسر قلبي." قالت برونوين وهي تحدق به.
همهم مايكل مبتسماً بطريقة تنم عن إدراك، فتحول تحديقها إلى عبوس.
وكانت ما زالت عابسة وهي تترجل من الباص، بعد أن رفضت عرض سائق التاكسي نقلها. وقبل أن تصل ردهة البناء الذي يسكن فيه سلايد كانت شديدة الانزعاج من إشارات وتلميحات مايكل حتى أنها لم تلاحظ المرأة الصغيرة التي كانت تروي النباتات إلى أن كادت تصطدم بها.
" آه ،آسفة ." قالت لاهثة وهي تمد يدها لتشد المرأة الأكبر سناً.
"لا بأس، يا عزيزتي." ونظرت إليها المرأة نظرة تخمين سريعة وأضافت: "إنها ليست الحادثة الوحيدة التي أتلقاها اليوم. فقد صدمت سيارة متوقفة قبل دقائق قليلة مخفف الصدمات في سيارتي بينما كنت أحاول أن أتجنب أحد المشاة. . . وصدم طرف مقدمة سيارتي هذا الصباح أحد أضواء الشوارع المتنقلة الذي كان آتياً باتجاهي مباشرة."
"آه، يا عزيزتي." قالت برونوين بتردد: "إنني آسفة جداً. فلم أتعمد أن أصدم. . ." لا . لا، انتظري دقيقة. لم تتمكن من الاعتذار لصدمها هذه السيدة الصغيرة الحجم. وهمهمت، ثم راحت تمشي منحرفة إلى اليسار.
"أنت آنسة سلايد الجديدة، ألست كذلك؟" قالت المرأة وهي تخطو برشاقة أمامها.
قالت برونوين: "كلا أنني مجرد صديقة. فكيف عرفتي إنني باقية. . .؟"
"آه، أنا أعرف دائماً ماذا يجري في هذا البناء، يا عزيزتي. أنا السيدة بيكرسلي، وأنا معروفة بصفتي ملمة بأحوال الناس. والناس، كما ترين، ممتعون أكثر بكثير من الأشياء."
وانبسطت أساريرها تجاه برونوين، التي تساءلت إذا كانت صديقتها الجديدة تتوقع وساماً لانغماسها في التسلية بشؤون الآخرين.
همهمت السيدة العجوز وقالت دون أن تكون متأكدة: "ذلك جميل."
ولاحظت السيدة بيكرسلي عدم ارتياحها، ولمعت عيناها الشبيهتان بأعين العصافير وقالت: "أرى أنك في سرعة من أمرك، أليس كذلك، يا عزيزتي؟ وهل سيكون السيد سلايد في انتظارك؟"
"آه، لا أتوقع ذلك." قالت برونوين بسرعة، ووضعت يداً على زر المصعد قائلة: "هل قلت السيد سلايد؟"
"طبعاً، نعم يا عزيزتي. فذلك اسمه، أليس كذلك؟ ولكن ربما كان لديك اسماً شخصياً للرجل العزيز."
"كلا." قالت برونوين بسرعة: "كلا، ليس لدي."
وضغطت على الزر وانتظرت قدوم المصعد وعقلها يعمل بسرعة.
سلايد كان له اسم غير سلايد. لا بد أن الأمر كذلك وكم هو غريب ألا يخطر ذلك ببالها من قبل. إلا أنه كان دائماً سلايد. مجرد سلايد. ولا شيء آخر. . . حتى في المدرسة، حسب عملها، لا بد أن تسأله. . .
وصل المصعد، فدلفت إلى داخله بسرعة. وعندما أُغلق الباب، سمعت السيدة بيكرسلي تصيح في أثرها: "هيا تمتعا أيها الشابان العابثان."
جفلت برونوين. وفي الوقت الذي فتحت فيه باب شقة سلايد كانت غاضبة تماماً لدرجة أنها تركت معها الباب يرتطم بالجدار.
وتمتمت: "اللعنة على تلك المرأة. كيف تتجرأ؟"
ألقت بحقيبتها أرضاً، وسارت غاضبة نحو الطاولة وتناولت قطعة جديدة من ورق الجدران.

قال سلايد صارخاً وهو يلقي بحقيبته الصغيرة على الطاولة قبل أن ينزع عنه سترته ويلقيها على كرسي: "يا للجحيم، ماذا يجري هنا؟" ونقل انظاره بين قسائم الورق المقصوص الملقى على أرض المطبخ والمقص والأدوات الأخرى على الطاولة ونادى: " برونوين . أين أنت ؟"
أجابت برونوين من الحمام "هنا، في الداخل."
لاحظ سلايد أن صوتها الرقيق كان عادة يتسم بحدة من طبعها، فابتسم متجهماً وهو يخطو نحو الباب المفتوح.
كانت برونوين تقف على كرسي تمسح باسفنجة شريحة ورق جدران، رسمت عليها مجموعة من السفن الشراعية التاريخية تشق طريقها عبر بحر نقي. وكانت بزّتها الزرقاء ملطخة بالماء ومعجون التلصيق. "ماذا تظنين أنك تفعلين؟" سألها سلايد.
فقالت: "أضع ورق الجدران." وتابعت عملها.

إنني أرى، ذلك. إنما دعيني أسألك لماذا اخترتِ ازالة الورق الذي انتقيته شخصياً واستبدلِته بنسخة بيت حضانة؟"
نزلت برونوين من على الكرسي وكادت تسقط لو لم يبادر إلى الأمساك بها. "ألا يعجبك ذلك؟" سألته وهي تثبت نفسها باتجاه الجدار وتتملص من قبضته المثيرة.
"اعتقدت أنها تعجبك. فقد القيت نظرة على رفوف الكتب لديك فشاهدت فيها جميع أنواع الكتب التي تتحدث عن الابحار. . ." "إن استمتاعي بالابحار. لا يعني أنه يسرني أن يعاد زخرفة شقتي."
"آه." قالت برونوين. وكان يمكنها أن تشعر بالطاقة، الجنونية، التي جعلتها تستمر طيلة اليوم تقريباً، قد أخذت تتبدد وهي تتكلم. "كان يجب عليّ أن أفكر، على ما أظن، ولكنني أردت أن أفعل شيئاً ما. . . لتسوية الحساب مقابل الثياب. . ."
"آه لقد سويته جيداً."
واجبرت برونوين نفسها على لجم مزاجها. "وكما كنت أقول. . . أو أحاول. . . كان الورق القديم يتقشر، وكنت قد لاحظت متجر الدهان حول الزاوية. . ."
"وأنت كنت في مزاج سيئ للغاية وأردت أن تقومي ببعض العمل للتخلص منه."
كان صوته صارماً رهيباً وغير موافق، لكن لم تكن هناك نقطة جوهرية في استنكاره. وقد عرف جميع أهالي بونتغلاس أنه عندما تكون برونوين إفنز في مزاج سيئ، والذي لايحدث، لحسن الحظ، غالباً، فإنها كانت تصرف نقودها على ورق الجدران وتشرع في اعادة لصق الورق على جدران غرفتها.
"هل هناك أي سبب خاص يحدوك للصق الورق مقلوباً رأساً على عقب؟" سألها سلايد وهو يمرر أصبعه برفق على الشق. . .
منتديات ليلاس
وبدا السؤال عرضياً تماماً، إلا أن صوته لم يكن مستقراً. . .
"إنها ليست. . ." بدأت بالقول، ثم توقفت. "آه، يا الله. إنها فعلاً كذلك."
ولم يكن ثمة سبب. فالسفن التاريخية فوق النافذة كانت تبحر حالمة عبر سماء زرقاء متماوجة بهدوء.
قال سلايد: "لا بد أنك كنت منزعجة. فهل كان السبب شيئاً مما قلته؟"
نظرت برونوين إليه لأول مرة منذ دخولها الحمام، ولم يكن ما قرأته فوق التواء شفته الرقيقة أو على قوس حاجبيه عدم استحسان. كانت ملهاة سخرية وملهاة مؤازرة. وكانت القشة الأخيرة. قامت بمحاولة حقيقية
لتسدي إليه معروفاً، وكان كل ما فعلته هو منحه سبباً ليهزأ منها. وفوق تحذيرات مايكل والتلميح الذي كشفت عنه السيدة بيكرسلي وارباكها العقلي الخاص، كان ذلك كافياً.
"أرجو المعذرة." قالت وهي تقفز إلى الأرض وتسرع نحو المخرج منكسة الرأس منكس. فاوقفتها ذراع سلايد التي كانت تعترض الباب حتى تمنعها من الخروج.
وسألها بتحدٍ :" وإلى أين تظنين أنك خارجة ."
" لا أعرف . إلى أي مكان ، بعيداً من هنا."
" لماذا ؟ ألأنني زجرتك حيال ورق الجدران ؟"
" كلا ، ليس مجرد ذلك ." وحدقت بالباب المذهب وقالت :" إنه جزء من ذلك فقط ."
" ذلك ما افترضته . أما الآن فأخبريني ما الذي أثارك في المقام الأول ؟"
ما كانت لتخبره أنه أثارها بقبلاته وجسده الذهبي الجميل ، الذي لايمكن أن يكون ملكها أبداً ، ولأنه ، مقابل كل لطفه غير المصطنع نحوها ، كان لديها سبب تعرف به أنه لم يكن أهلاً للثقة .
" كان مايكل ." قالت ، وهي تقر أن جزءاً من الحقيقة أفضل من عدمها مطلقاً . " وتلك المرأة . فكلاهما يظنان أنني ... أنك ... حسناً ، أننا ..."
قال سلايد ، وهو يضع يده على فمها لوقفها عن كشف أشياء أخرى مبهمة : كفى أعتقد أنه أفضل لك أن تجلسي بهدوء سأسكب لك كأساً ونغوص بعد ذلك إلى قاع هذه الثرثرة الفارغة . عند ذاك سأشعر أنني سأكون الشخص الذي يحتاج إلى انتعاش ." وهكذا أخذ هذا الأمر يتبلور ليكون نهاية يوم جميل .
رفعت برونوين نظرها إليه بشك . لم يبد أنه كان متغطرساً أو مستبداً ، ولكن ... هو سلايد . فرأت أن وجهه بدا مغضناً وكانت تحت عينيه خطوط عميقة من التعب .
" هل صادفك يوم سيئ إلى ذلك الحد ؟" سألته ممتعضة .
" يمكنك أن تقولي ذلك . كان لابد من طرد موظفين انتهزا فرصة غيابي للراحة ، مما يعني ، طبعاً ، مزيداً من العمل لكل شخص آخر ."
فسألته :" هل تعين عليك أن تصرفهما ؟ ألم يكن في امكانك منحهما فرصة أخرى ؟"
فقال وهو يقودها نحو الأريكة :" كلا لم أتمكن . إننا نوسع العمل بسرعة ، وليس لدي أي وقت أضيعه على غير الأكفاء . وللحقيقة قد استبدلتهما بشخص تعرفينه."
" ولكنني لا أعرف أحداً في فانكوفر ."
" لقد التقيت هذا الشخص . أتذكرين ذلك الجائع الملتحي الذي حاول الدخول عنوة إلى سيارتي ؟ ففجأته بعرض العمل عليه . أعتقد أنه يمكن أن يعمل جيداً."
هزت برونوين رأسها. عرفت دائماً أن سلايد قد يكون عديم الرحمة، ولكن صعب عليها أن تجمع بين ذلك الرجل العنيد وسلايد هذا الغريب المثالي الذي حوّل أطفال الشارع إلى رجال أعمال محترمين. إنه يتمتع بعدة نواح طيبة من شخصيته تركتها في حيرة من أمره.
"اجلسي." أمرها، بذلك وهو يغير الموضوع فجأة.
"سألحق بك خلال برهة. وبالمناسبة، ذلك الثوب الأزرق الذي ترتدينه يقدم تعويضاً فعلياً ليومي المضني. إنه فاتن للغاية."
"ليس القصد منه أن يعني ذلك." قالت برونوين بسرعة وهو يبتعد.
"كنت خائفاً من أنه ليس كذلك." ونظر إلى البزة الزرقاء نظرة تخمين ايحائية عابرة لا تخطئ، ودخل المطبخ.
هزت برونوين رأسها. وتصورت أن فاليري كانت قد قالت إن سلايد يعجبه هذا الثوب، إلا أنها لم تتأكد من ذلك تماماً. . .
ولم يكن لديها وقت لانهاء التفكير بذلك قبل أن يعود حاملاً بين يديه كأسين طويلين فيهما شراب لم تذق مثله من قبل. ومهما كان ذلك الشراب، فقد ساعدها على الاسترخاء.
قال سلايد، وهو يجلس على كرسي بذراعين ويضع رجلاً فوق رجل دون اكتراث: "والآن، دعينا نسوي الأمر. كنت غاضبة مني بسبب مبادئ عامة بلا شك، لذلك بادرت إلى العمل في لصق أوراق الجدران. . ."
"شيء من هذا القبيل."
"اعتقدت ذلك. وكنت بعدئذٍ مضطربة نظراً لأنني لم أكن مجنوناً حيال قلب غرفة حمامي رأساً على عقب. . ."
"لم أقلبها كلها على ذلك النحو."
"صحيح. فقط الجزء الصغير قرب النافذة."
حدقت به برونوين. وكان يتكئ إلى الوراء على الكرسي وازرار ياقة قميصه مفكوكة وربطة عنقه كذلك، مما جعله يبدو بصورة اللامبالاة بأحد في العالم. وكان يعض على شفته كأنه يحاول كتم ضحكة.
ابتسمت ابتسامة صغيرة مغرية وقالت متنهدة: "آسفة لذلك. سأعمل على تغييره إلى ما كان عليه في السابق. . . أضع مزيداً من الورق المقلم الأخضر."
" لا أريد منك أن تضعي مزيداً من ذلك . فالسفن التي اخترتها تعجبني ."
" قلت إنها نسخة عن بيت حضانة ."
" وهي كذلك . وأنا لا أحب أن تتولى الفتيات الغبيات تزيين ما يتعلق بي . ومن ناحية أخرى ، لم يكن لدي بيت حضانة مطلقاً ، لذلك هي تمنحني فرصة لأتذكر طفولتي ."
وراحت برونوين تحدق به ملياً كأنها تدرس شخصيته.
فهل كان يهزأ بها أو أنه يبحث عن الشفقة ؟ لا هذا ولا ذاك ، وقررت في النهاية أنه كان يوضح واقعاً وينهي موضوعاً أخذ يضجره.
فقالت مؤكدة :" لن أعيد التزيين أكثر من هذا ."
" كلا ، يا آنسة إفنز ، لن تفعلي . والآن ، ما تلك الثرثرة التي لا معنى لها التي كنت تتحدثين بها عن مايكل وثمة امرأة بلهاء ؟"
" آه ." قالت برونوين وهي تترنح ولم تشأ أن تفصح ، لكن هناك بعض الفائدة من الدوران حول الموضوع ." اعتقد مايكل أنه يجدر بي عدم البقاء هنا ." وضمت يديها في حضنها بإحكام ." وثم التقيت هذه المرأة الصغيرة العجوز في الردهة ..."
" آه ، يا للسماء ." قال سلايد :" ألم تكن السيدة بيكرسلي ؟"
حدقت برونوين به وسألته :" كيف عرفت ؟"
" صدقيني ، إن أي شخص يمكث في هذا المبنى أكثر من يومين يعرف كل شيء عن السيدة بيكرسلي . فاذا لم تقو على نبش فضائح حسية مناسبة أو نشاط اجرامي أو عنف محلي للصقها بالمقيمين ، فسرعان ما تتدبر الأمر وتلصقها بسياراتهم."
قالت برونوين متعجبة ونور الصباح ينبلج ." لقد قالت ايضاً شيئاً عن تخطي احد المارة وعن سيارة متوقفة صدمت مقدمتها أعتقد على الأقل ذلك أن ما قالته ."
" ذلك ممكن . لايمر يوم للسيدة بيكرسلي . دون أن تصيب نصف دزينة من الأهداف ."
وضعت برونوين يدها فوق فمها ، لتكتشف أن مشاعرها في تحسن ، إلى أن تذكرت أن مايكل قد تخطى الحدود في استنتاجاته.
" ليست السيدة بيكرسلي فقط ، على كل حال." قالت موضحة ، وهي تتناول رشفة من كأسها ." فمايكل لا يوافق أيضاً على وجودي هنا . فلابد من الانتقال إلى الخارج ، يا سلايد ."
" الذي لابد من أن من أن تفعليه ، يا فتاتي ، هو أن تتوقفي عن القلق حيال آراء الآخرين ، بما في ذلك رأي أخيك ، وانهي كأسك ، وبعد ذلك أصحبك إلى تناول العشاء ."
" وإذا لم أشأ أن أقبل نصيحتك ؟" وكانت عيناها وهي تقول ذلك ثائرتين .
" حاولي ذلك وسترين ."
قال ذلك بابتهاج ، إلا أنه كان يبدو بارداً ومتأهباً وهو متمدد على الكرسي الكبير ، راسماً صورة عن سلطة محددة ، مما حدا بها إلى تقرير إرجاء محاولة القيام بأي شيء حالياً. بالاضافة ، إلى أنها قد صرفت معظم طاقتها المتوفرة على ورق الجدران ... التي لابد من اعادتها غداً.
وفي النهاية ، أخذها وخرجا ليتناولا العشاء كما قرر ، ونعم كلاهما بأمسية جميلة بصورة مفاجئة . وظنت أن ذلك كان من ناحية لأنها كانت أكثر تعباً من أن تورط نفسها في جدل ، ومن ناحية أخرى لأن سلايد خرج عن طبيعته ليكون مضيفاً فاتناً ومتأهباً للخدمة .
في وقت لاحق ، عندما رجع بها إلى البيت ودفعها برفق باتجاه غرفة النوم وقد ربت فوق خدها بطريقة أخوية بسيطة . راحت تفكر في أنه يمكن ، بعد كل ذلك ، أن تبني علاقة حب فعلية تجاه سلايد . لو أنه فقط ...
ولكن الأماني أحلام عقيمة ، والماضي لا يمكن إعادته مطلقاً.
ولم تتذكر ، حتى أغلقت باب غرفة النوم ، أن السيدة بيكرسلي قد قالت شيئاً ما .
نادت وهي تخطو حافية القدمين عائدة إلى غرفة الجلوس ." سلايد ، ماهو اسمك؟"
" ماذا ؟" وكان يستبدل زجاجة في خزانة المشروبات ، ونظر إليها كأنه يشك في سلامة عقلها وسألها :" يالمناسبة ، هل أسرفت في الشراب ؟"
" كلا ، طبعاً. إن السيدة بيكرسلي ..."
" إلى الجحيم بها ."
" حسناً ، نعم ، ذلك يجوز أن يكون قدرها تماماً . وعلى كل حال ، دعتك السيد سلايد ."
" لقد أطلق عليّ أبشع الأوصاف . وقال عامل صرفته اليوم إنني ..."
فقالت :" سلايد ، توقف عن ذلك . فماهو اسمك الأول ؟"
همهم سلايد وقال :" أخشى أن لي اسماً فعلاً." ودفع باب الخزانة بشدة .
" حسناً ، ماهو إذن ؟"
تنهد وقال :" هو أملين ... اسم لاأحبه . وإذا ناديتني بأي اسم آخر غير سلايد ، ستكونين مسؤولة من النتائج ."
فقات ساخرة :" التي أظن ستكون سريعة وبعيدة عن اللياقة ."
" بالتأكيد . وتذكري أن البناية شاهقة العلو ."
" هل من فرق في ذلك ؟"
" يجوز . فالدرابزين حول الشرفات متدنية بصورة مفيدة ."
" أصحيح ذلك ؟" قالت برونوين باهتمام :" سأحاول أن أتذكر ، طاب مساؤك ، يا أملين ." حيته وهي تضحك ضحكة كبيرة ساخرة . وعادت إلى غرفة النوم وأوصدت الباب وراءها.
وراحت تسترق السمع بشغف لغضبه الراعد من الناحية الأخرى ، عندما قال :" افتحي هذا الباب ، ياسيدة ، وأعدك بألا تمضي ليلة هانئة ." فانفجرت ضاحكة


كانت عينا سلايد ، عندما نهضت لتتم واجباتها في الصباح ، حالمتين . وبدا وكأنه لم يتوصل بعد إلى اتخاذ أي قرار بشأنها.
وفي نهاية المطاف ، أكد شكوكها عندما أشارت إلى أن اضطراره للعمل اليوم شيء غير ضروري .
" لست مضطراً لذلك ." قال باقتضب :" ومع ذلك ، إنه يوم نشتغل فيه أكثر من باقي الأيام وأفضل أن أراقب الأشياء ... عندما يكون ذلك ملائماً . في الواقع ، قد لايكون ذلك هذا النهار اذ لم أقرر بعد ما إذا كان ينبغي عليّ أن أتعامل معك الآن أم في وقت لاحق ."
" تتعامل معي ؟" سألته وهي تدعي الذهول.
همهم قائلاً :" أخبرتك أنك لن تحبي النتائج إذا ما ناديتني بأي اسم غير سلايد."
قالت برونوين ، غير وجلة ." من الأفضل أن تفعل ذلك في وقت لاحق ، إذن . فإذا ألقيت بي من الشرفة الآن توجب عليك أن تقوم بإعداد فطورك بنفسك ."
فقال موافقاً :" هذه نقطة جيدة جداً . فسيترتب عليّ أن أعيد التفكير في الوضع ، على الأقل إلى أن ترجع السيدة دويل ."
"يا له من تحرر." تمتمت برونوين وهي تضع طبقاً من البيض أمامه وتبتعد.
قال وهو يمسك بمعصهما فيما هي تبتعد، ويرفعها بإتجاه ركبته. "بإمكانك أن تكتفي بمصافحة."
فقالت هازئة: "يا لك من رجل عنيف." وانفلتت طليقة راجعة إلى المطبخ. "ستكون السيدة بيكرسلي مسرورة إذا أمكنها أن تسمعك."
"لن تكون السيدة بيكرسلي هي التي تستقبل." أجاب سلايد ساخراً.


لم تجب برونوين. وعندما رحل بعد عشرين دقيقة تقريباً، وبعد أن طبع على شفتيها قبلة غير متوقعة، كانت ما تزال غير متأكدة مما إذا كان يتسلى أم أنه يعني فعلاً أن يفرض نوعاً من العقاب عند رجوعه.
وصرفت باقي الصباح تغسل أكوام ثياب سلايد وترتب الشقة وتزيل أوراق الجدران المقلوبة رأساً على عقب وتستبدلها بلوح زجاج جديد تنظر من النافذة الواسعة إلى منظر الخليج والجبال المدهشة، التي كانت صافية في بادئ الأمر، ثم غمرها ضباب دخاني خفيف. وفي وقت لاحق، عندما خرجت إلى العراء، لاحظت أن الطقس قد أصبح حاراً ثقيلاً لا يحتمل.
وفي الوقت الذي رجعت فيه من زيارتها الأخوية لمايكل، كان سلايد قد سبقها إلى الشقة، وتحول منظر الجبال إلى منظر قاتم.
أتت الرعدة الأولى عندما ألقت حقيبتها.
"ألا تحبين الرعد؟" سألها سلايد عندما رآها تقفز. وكان متراخياً على الكرسي الكبيرة مرة ثانية، بادياً عليه الإسترخاء وهو مرتدٍ بنطلوناً رمادياً غير رسمي وقميصاً أزرق.
فأجابت برونوين: "إنه لا يهمني. لقد فاجأني، ذلك كل ما في الأمر." ثم نظرت إلى النافذة وأضافت بشك: "يبدو أن الظلام قد انتشر."
"أجل، أتصور أننا دخلنا في عاصفة."
كان في إمكان برونوين أن ترفسه لكونه بدا غير متهم كثيراً حيال العاصفة. وهي لم تكترث بها أيضاً، إلا أن الغرفة بدأت تظلم.
قال سلايد بعد نظرة قصيرة تأملية إلى وجهها: "سأضيء بعض الأنوار."
لم يقترح أن يخرجا هذا المساء، وكانت ممتنة لذلك.
ودون أن يطلب منها ، دخلت المطبخ لتسخن وجبة أخرى من وجبات السيدة دويل . حتى أنها كانت مسرورة ، لأن سلايد لم يقترح مساعدتها وذلك تمشياً مع طبعه . وشعرت بالارتياح لوجود شيء تقوم به . يعرف أنها ترتجف حينما ينفجر الرعد ويأخذ الشفق الأصفر الشاحب بإلقاء ظلال ممتدة في الغرفة .
تناولا الطعام في صمت إلى حد ما ، ولم تتمكن برونوين بعد ذلك من أن تتذكر ما كانت قد قدمت . كانت شاعرة تماماً بتهديد لم يصدر ولو مرة من سلايد. وعرفت أنه كان مدركاً عدم ارتياحها ، لأنه بقي يسترق النظر نحوها وينظر من ثم بعيداً مقطب الوجه.
وبعد أن انتهيا من تناول الطعام ، نهض وأسدل الستائر الرمادية الشفافة المطرزة على النوافذ .
فسألته :" لماذا فعلت ذلك ؟ إنك لاتسدل الستائر أبداً."
" اسدُلها عندما يكون رفيقي متوتر الأعصاب إلى حد ينسى فيه إعداد القهوة ."
ايقظها هذا القول من قلقها غير المعقول ." الآن جاء دورك، فقد اعددت العشاء ."
" كانت السيدة دويل تعد ذلك فعلاً."
" وعلى الرغم من ذلك ..."
" وعلى الرغم من ذلك ، لقد قررت أن تتدخلي . ولكنك ستكونين سعيدة جداً إذا مابقيت منشغلة ، أليس كذلك ؟"
وجلس مرة ثانية ، شابكاً ذراعيه ، وابتسم باعتداد يبعث على الغيظ.
فهمت برونوين أنه كان على صواب ازاء حاجتها إلى البقاء منشغلة ، وبعد أن حدقت بطريقة كانت ستحطم رجلاً إلا سلايد ، نهضت وتوجهت لاعداد القهوة .
عندما رجعت كان قد أضاء جميع الأنوار في الشقة مما جعل الغرفة الباردة تبدو دافئة أكثر من العادة ... حتى الساعة التاسعة مساء ، عندما انفجر رعد بدا قريباً فوق رأسيهما.
بعد خمس دقائق من وميض البرق في الناحية الأخرى من الستائر ، انطفأت جميع الأنوار في البناية .
تنهدت برونوين بحزن ، فقام سلايد وانتقل إلى المطبخ دون أن يخطئ سبيله ، ورجع يحمل مشعلاً.
وقال سلايد وهو يدور حول الطاولة ليقف قربها عمداً.
"هذا يكفي، تعالي، إنك ذاهبة رأساً إلى السرير، حيث يمكنك أن تتغطى إلى فوق أذنيك وتتظاهري بأنها ليلة عادية كأية ليلة أخرى تماماً. ذلك ما تفعلينه عادة، أليس كذلك؟ وستمضين عدة ساعات، إذا كانت الخبرة السابقة شيئاً نستطيع الإستفادة منه، فستمضي ساعات، قبل أن يعود التيار."
أصرت برونوين وهي تتمسك بكلتا يديها بالطاولة: "إنني بخير."
فقال: "لست بخير. فأنت خائفة جداً."
"لا، ابداً. . ."
قال، محافظاً على صوته منخفضاً بصعوبة: "كفّي عن الجدل. لست في مزاج لأتحمل البطولات الزائفة، لا سيما عندما تكون زائفة بوضوح. وإنني أعرف كل شيء عن مزحة مايكل الصغيرة عندما كنت طفلة. ذكريني لأنتزع جلدة رأسه مقابل ذلك يتحسن. غير أننا في الوقت الحاضر



سنركز عليك. فأنت ستذهبين إلى السرير حيث تشعرين بالأمان والدفء وحيث لن يكون للظلام بعد الآن تأثير. هيا."
"لا، أنا. . ."
"قلت، هيا واذهبي."
"سلايد، توقف عن محاولة السيطرة قلت لك إنني بخير."
"وأنا أقول لك إنك لست بخير. وما هو أكثر من ذلك، إذا لم تتحركي في هذه اللحظة سأفعل أكثر من السيطرة عليك. سأنزع ثيابك و أضعك في الفراش بنفسي."
رمقته بنظرة قلقة عبر أجفانها فرأت شيئاً في خط شفتيه الرقيقتين أقنعها أنه يعني ما يقول. لم تكن متأكدة من كفه التهديد الأكبر. . . سلايد أم الظلام.
وعندما مد يده وفك زر بلوزتها العالي بحركة من أصابعه كان عقلها قد قرر بسرعة.
قالت بسرعة: "أبعد يديك عني. إنني ذاهبة."
"حقاً، سآتي وأضعك بداخله بنفسي."
"إني لست طفلة، وأنت لست أبي." قالت باقتضاب وهي تتعثر نحو غرفة النوم عندما ضرب رعد آخر البناية.
فتمتم سلايد: "أنت على صواب بالتأكيد حيال النقطة الأخيرة." ثم قال: "هذا المصباح، تناوليه. وأتى من خلفها ووضعه في يدها."
فهمست: "وماذا بشأنك؟"
"يمكنني أن أرى في الظلام." أجابها بجفاء.
لن تمر بالقرب منه، فكرت والحنق يطغى مؤقتاً على قلقها. فقد كان هناك ثمة شيء في شخص يشبه القط.
أسرعت إلى غرفة النوم وهي تتناول المصباح دون أن تتكلم، خلعت ثيابها وغاصت بجنون في الفراش.
نفذت نصيحة سلايد وطمرت رأسها تحت الأغطية، ولم تتذكر إلا عندما بدأت تتراخى، في دثارها الشرنقي أنها نسيت أن تلبس قميص نومها. قد يستحسن سلايد ذلك. ليس ذلك مايهم، لأن سلايد لن يكتشف الأمر. الغريب في الأمر أنه يعلم بأنها دائماً تختبئ في تلك المناسبات النادرة في الفراش عندما كان عليها أن تتغلب على الظلام غير المتوقع، ربما كان مايكل هو الذي أطلعه على ذلك. . .
واخترقت ومضة برق أخرى شقا في الستائر، فرفعت رأسها. كانت الغرفة مظلمة كالحبر الأسود. ومن المضحك أن الظلمة لم تمنعها قط من
النوم، وكانت منذ مدة طويلة قد تغلبت على نور الليل. وربما أكثر ما أرعبها كانت فكرة أنها لاتتمكن من النوم في غرفة غير منارة. . .
تلمست المصباح، فلم تجده، فأطلقت صيحة ذعر خافتة. كان سلايد يقف أمام النافذة الكبيرة ويداه في جيبيه.
وكانت الستائر مفتوحة على الليل. رمى برأسه إلى الوراء بسرعة، جذلاً بتلاعب النور والظلام فوق الخليج مستمتعاً إلى أقصى حد. إنها العاصفة، والأصابع الذهبية الخطرة تشق طريقها من السماء. وابتسم مبتهجاً.
في تلك اللحظة سمع صرخة برونوين.
تجمد واستدار مصغياً، فسمعها مرة ثانية. أسرع يخطو وهو يلقي نظرة ندم على العناصر المتحاربة في الخارج بصورة فظيعة إلى غرفة النوم وطرقه.


نادى بحدة: برونوين، ماذا في الأمر؟"
"لا شيء." أجابت بصوت مختنق.
"هل مازلت خائفة؟"
"كل. . . لا."
آه، بالتأكيد، فكر سلايد بغيظ، وهو يسمع رجفة غير واضحة في صوتها كفأرة حاصرتها هرة في زاوية.
ونادى بهدوء: "برونوين، افتحي الباب."
"إنه موصد." أجابت.
"قد يكون. لا بأس، تمسكي."
وكانت برونوين تتمسك. . . بجذع السرير. وعندما أضاءت ومضة البرق التالية الغرفة، لاحظت أن المقبض يلتوي وسلايد يدخل ويتوجه نحوها. . . ليجلس على حافة السرير. . .
"إنني بخير، فعلاً." قالت وهي تحاول اقناع نفسها بقدر ماتريد اقناعه.
"إنني أرى ذلك." أجاب وهو يزيل أصابعها الممسكة بجذع السرير بصبر ويمسك كلتا يديها بيديه. "لا داعي للذعر، يا برونوين. فأنت في أمان تام."
"نعم، أعرف ذلك." همست: "إنني آسفة. ليست العاصفة بل الظلام. لم أتمكن من العثور على المصباح."
"إنه هنا." وسحبه من فوق الطاولة بجانب السرير وأضاءه. "هل تعرفين أن اسمه في هذه القارة الضوء الوامض؟"
"أصحيح ذلك؟" لم تكترث لإسمه طالما أنه يعمل.



ونظر إلى الجزء المكشوف من جلدها، بين عنقها وأعلى الأغطية، وقطب جبينه. "ستتحسنين الآن،" قال وهو ينزل يديها فجأة. "حاولي أن تحصلي على بعض النوم."
"سلايد، أرجوك. . ."
"ما خطبك؟"
كان صوته خشناً، غير صبور، كما كان يبدو من قبل.
وبدا تواقاً إلى الابتعاد عنها. إلا أنها لم تود أن يبتعد. والمدهش في الأمر أنها لم تعد خائفة بعد الآن كما لم يكن لذلك علاقة بالمصباح. إنه سلايد الذي جعلها تشعر بالأمان وهو يجلس هنا بقربها. . . على فراشها. كلا، بل على فراشه، ألم يكن ذلك فراشه؟ ولم تكن ترتدي أية ثياب.
ومررت يدها فوق جبينها، وهي تعتني بالأغطية. هل فقدت عقلها؟ كيف يمكنها أن تشعر بالأمان مع سلايد، بين كل الناس؟
وقف سلايد، وتوجه نحو الباب، سواء كان لذلك معنى أم لا، عرفت أنها لن تقوى على تحمل ذلك إذا ما تركها.
"لا ترحل." همست: "أرجوك لا ترحل."
توقف ويده على إطار الباب. "هل لديك أية فكرة عما تطلبين؟" سألها وهو ما زال يدير لها ظهره.
"إنني. . ." وترددت: "إنني أطلب منك البقاء معي، يا سلايد إنك. . . إنك تجعلني أشعر بالأمان."
"أمان!" قال متعجباً وهو يدور على نفسه ويتكئ على إطار الباب، حتى تتمكن من رؤية الظلال تتلاعب عبر قسماته عندما أضاءت ومضة من النافذة شعره البرّاق. "برونوين، بحق السماء، وفي حال لم تلاحظي، إنني رجل، وإن لم أكن مخطئاً كثيراً، أنت عارية. حتى إن لم تكوني، فلا يوجد إلا سرير واحد في هذه الغرفة. أو ربما تتصورين أنني سأنام على الأرض."
"إنني. . . إنني لاحظت أنك رجل." تمتمت.
شتم، باقتضاب وثقة، وبصوت جعلها تدرك أنه يعني كل كلمة. وعندما توقف قالت: "إنني آسفة، لم أقصد. . ."
"ماذا تعنين، يا برونوين؟" سأل بصوت أجش: "إنه ينبغي علي أن أصرف الليل في فراشك محافظاً على صحبتك؟" وسكب ثورة من التعنيف في الكلمة. "ألا تدركين؟"
أدركت برونوين فجأة أنها كانت فعلاً تطلب من هذا الرجل القوي تمضية الليل معها. . . لأنها كانت خائفة وحضوره يمنحها الراحة. ولكن إذا



اكترث لالتماسها فمن الجائز أن يكون لديها أكثر من الظلام لتخاف منه. فقط. . .
كان الشيء الغريب أنها لم تكن خائفة مطلقاً. بخلاف ذلك تماماً.
وهدر الرعد من جديد، وحدقت إثر الوميض وقالت ببطء: "سلايد، لا أود أن تتركني. أرجوك أن تبقى."


"~الفصل السادس~"


لم يقل سلايد كلمة للحظة، إلا أنه وقف كصخرة منحوتة إزاء الباب. ثم نطق بعبارة مقتضبة جداً وهو يقترب من السرير.
مدت برونوين ذراعيها فتلقفهما وجلس بقربها.
"برونوين." قال بصوت أجش: "ألا تعرفين أنك تسعين وراء المتاعب؟ أو أنك بريئة لدرجة تمنعك من إدراك المشكلة حتى مواجهتها؟"
"ليس عندما تأتي بساقين طويلتين وعينين زرقاوين وابتسامة قد تدفع أية فتاة للتضحية من أجلها." إنني أعرف هذا النوع من المتاعب."
"إذاً، لماذا؟"
"لقد أخبرتك. إنك تجعلني أشعر بالأمان."
همهم، وضغط كلتا قبضتيه فوق الاغطية بجانب منكبيها. وتلاقت عيونهما مظلمة ومبهمة في النور الظليل وأرخى سلايد ذراعيه تدريجياً وعانقها.
لم يكن تصرف سلايد كما توقعت. ليس متردداً، ولا خاطفاً صادر عن نفاد صبره. كان بدلاً من ذلك هادئاً ولطيفاً، وكأنه بداية شيء جميل قد يدوم أبداً.
دام، في الواقع، نحو ثلاثين ثانية قبل أن يئن سلايد مرة ثانية ويرفع رأسه.
"طابت ليلتك، يا برونوين." قال وهو يهم بالنهوض.
" لا." ومدت يدها وأمسكت بمعصمه ." لاتذهب ."
" إذا لم أذهب ." قال بصوت مقتضب شبه غاضب ." فمن الراجح أن يصاب كلانا بالندم ."
عرفت ماذا يعني ، إلا أن الخطر لم يكن إلى حد ما حقيقياً . فإن كل ماكان حقيقياً هو وجود سلايد المريح ، جسده الفارع الطول الذي يبدو مرتفعاً في الظلال فوقها ...
والظلام الدامس الذي سيطبق عليها إن هو غادر الغرفة .
" ضمني ." همست :" أرجوك يا سلايد . للحظة واحدة فقط ."
" إنني لست جليداً . إنك تطلبين مني الكثير ، يابرونوين ."
" الكثير ؟ لأنني طلبت منك أن تضمني ؟"
التقط سلايد المصباح ، وصوبه إلى وجهها ، فشاهد عينيها الرماديتين الكبيرتين مثبتتين عليه ، واسعتين متوسلتين . هز برأسه غير مصدق . أيمكن أن تكون امرأة شابة عصرية على هذه الدرجة من البراءة ؟ طبعاً ليس عندما تكون مستلقية من دون أية ثياب . لايمكن أن تتوقع منه أن يلعب دور الخصي . فهل في إمكانها ذلك ؟ فكر لبرهة قبل أن يتوصل إلى الاستنتاج الممكن فقط . يمكن لامرأة تبلغ السادسة والعشرين من عمرها



أن تكون تلك الساذجة . ففتاته الخجول القادمة من تلك القرية الصغيرة لم تكن عديمة الخبرة بقدر ماكان يفكر.
عبس ، وضغط شفتيه بخط مسطح لم تتمكن برونوين من رؤيته . ثم غاص في الفراش وجذبها بين ذراعيه وكان الغطاء مازال ملتفاً حول عنقها بصورة محتشمة .
شعرت به يتقلص . هاجمها شعور بالدفء ... شعور أصبح تدريجياً رغبة نابضة وملحة . خلصت ذراعيها من الغطاء ولفتهما حول عنقه ، ملقية خدها على كتفه.
وفي الحال رفع سلايد يديه ليخلص قبضتها ، وأبعدها عنه وهو يحدق في عينيها عندما أضاء وميض برق آخر الغرفة .
" قطعت لك وعداً." قال بصوت أجش.
" أي وعد ؟" وكانت فعلاً مذهولة .
" على أن أبقي يدي بعيدتين عنك . أعرف أنني لم أحافظ من جانبي على الاتفاق بأكمله ، إلا أنني بدأت أفكر بأن ذلك ربما لأنك لم تريدي الحفاظ عليه ."
" أردت ..."
" وهل أردتِ فعلاً؟ والآن ؟ إنني لست ملجأ مناسباً من الظلام ، يابرونوين ، إلا أنني أعتقد أنك تعرفين ذلك ."
أجل، إنها تعرف. ومع ذلك، في هذا الوقت الذي يحاكي الحلم والذي يبدو أن لا ماضي أو مستقبل له، فالشيء الوحيد الذي يهم هو أن سلايد كان هنا، معها، دون أن يكون ساخراً ولاذعاً بعد الآن، بل لطيف نوعاً ما. رفعت ذراعيها مرة أخرى مبتسمة وطوقت بهما عنقه. فانزلق الغطاء حتى خصرها.
تمتم سلايد شيئاً ما في صدره ودفعها إلى الوراء بخشونة على الوسادات.
"لم تحظي بكثير من التمارين في هذا المضمار، أليس كذلك؟" تمتم بعد دقيقة قريباً من خدها.
"ليس كثيراً." همست.
"ولكن بما فيه الكفاية." وكان لصوته نغمة قاسية.
لم تعارضه برونوين، ومررت يديها باغراء على ظهره وقالت: "أحس بك كما كنت أظن تماماً." همست وهي تتابع استكشافها.
"وكيف ذلك؟" كان في سؤاله ضحك وراح يعانقها بلطف.
"ثابتاً وقوياً ورقيقاً. . ." وضحكت بصوت عالٍ



"يا إلهي." قال بصوت مختنق: "وفكرت. . ." وتوقف فجأة لاسكات ضحكتها المزعجة بعناقه.
"سلايد." قالت لاهثة عندما رفع رأسه: "سلايد، أرجوك، أريد. . ."
"أعرف كذلك أريد أنا فعلاً، يا برونوين، يا للسماء، أريد أنا أيضاً."
وابتدأ الرعد في هذه الآونة يبتعد مختنقاً بدقات قلبها. أو هل كان قلبه؟ لم تعرف ولم تكترث. فالمهم أن سلايد لم يوقف ملاطفته لها.
لكن سلايد توقف وقال وهو يسند جسده على مرفقه: "برونوين، هل تعرفين ما أنت تفعلين؟ وهل أنت متأكدة؟"
لم تكن برونوين متأكدة من أي شيء، لكنها هزت برأسها، لأنها عرفت أن ما ابتدأت به يجب أن ينهى. ولن تكون قادرة على تحمله إذا لم يكن كذلك.
كان الرعد يتفجر بعيداً في الجبال، ولم يكن البرق هو الذي أضاء عالمها. إن ومضة الذهب التي أضاءت السماء كانت سلايد. . . وعرفت، حتى وهي تكبت صرخة ألم بأن الأرض بالنسبة لها لا يمكن أن تكون هي نفسها مرة أخرى أبداً. ذلك أنها ستتلون الآن، و إلى الأبد، بمعرفة الحب.
" برونوين ؟" لم يصدر هذا النداء إلا بعد دقائق قليلة ، إلا أن الغرفة كانت مظلمة لأن المصباح انطفأ فجأة . ومرة أخرى نادى :" برونوين ماذا ، بحق الجحيم ...؟"
كان مستلقياً بجانبها دون حراك فمدت يدها ولمسته فوق خده فجفل وابتعد عنها .
سألته مندهشة :" ما خطبك ؟" كانت تشعر بسعادة وأمان وغير خائفة اطلاقاً ، مع أن الغرفة كانت مظلمة . كانت تشعر أن الظلام قد تلاشى إلى الأبد .
وكان واضحاً أنه لم يشاركها شعورها .
" أيتها البلهاء الصغيرة ." قال بوحشية :" لماذا لم تخبريني ؟"
" أخبرك بماذا ؟"
" أنني كنت الأول . يا للجحيم ، يابرونوين ، هل تعتقدين للحظة أنني كنت لمستك لو كنت على معرفة ؟"
خالج برونوين شعور وهي تعيد النظر إليه أنها كانت تعرف تماماً أنه لن يلمسها . غير أنها كانت تود أن يقدم على ذلك ...
" لا." قالت بصوت رقيق وهي تحدق بجانب شكله الباهت ." لا ، لم أعتقد ذلك ."
" إذن ماذا ...؟"
" أردت أن تلمسني ." قالت ببساطة .


فأخذ سلايد يشتم .
" ليس من داع لذلك ." قالت له بشيء من الحدة .
" هناك داع ."
" آه ألم ... ألم أكن أنا ...؟"
" كنت رائعة . رائعة بصورة لا تصدق ." صمت هنيهة ، ثم استدار على جنبه ومر بأصابعه عبر شعرها .
ابتسمت في الظلام وسألت :" إذن لماذا ...؟"
" برونوين ." قال :" برونوين كنت قبل دقائق قليلة بريئة طيبة مثيرة وغبية إلى حد بعيد كما أظن . فلو كنت مدركاً..."
وتوقف ." ألم يخبرك أي شخص أبداً كيف يأتي الأطفال ؟"
دفعها عدم صبره المؤنب إلى الشعور بالرعب فأجابت باندفاع وهي تتذكر بمرارة :" نعم ، الآن بما أنك ذكرت ذلك ، أخبرتني جيني برايس مرة ."
ملء صوت أنفاسه جو الغرفة الراكد وشاهدت أصابعه تنثني على الغطاء.
" طبعاً، نسيت لبرهة ." قال بصوت كئيب .
لقد نسيت برونوين أيضاً . فقد أصبح الماضي ميتاً بسبب تلك اللحظات الوجيزة الرائعة ، بسبب الظلمة وقرب سلايد و ... يجب أن تعترف ... بسبب جوعها العميق الذي لم تكن تعرف بوجوده .


غير أنه لم يعد ميتاً . وكان سلايد على صواب حيال شيء واحد . كانت غبية بصورة لاتصدق . كانت قد دعته فعلاً إلى سريرها ولم تحتاط على الاطلاق . فلم تفكر بأنها قد تحتاج إلى ذلك . كان من الطبيعي أن يفترض أنها تعرف ماكانت تقدم عليه . فقد سألها عما إذا كانت تعرف ما تفعل .
وقالت لنفسها مجتهمة :" والآن ، يابرونوين إفنز ، أنت المسؤولة عن تصرفاتك ."
" حسن جداً." قالت للرجل المتمدد بجانبها بشكل متصلب :" لاداعي لقلقك ، فلن أحملك المسؤولية ."
" ربما لن تفعلي ، ياشقيقة مايكل ، إلا أنني سأفعل ..."
وكانت على وشك أن تجيب ، عندما شاهدت ومضة ضوء تحت الباب . أرخى سلايد قدميه إلى الأرض ووقف وارتدى بنطلونه ." عاد التيار الكهربائي ." قال باقتضاب ، وأضاء الغرفة بالأنوار .
طرفت برونوين عينيها وقالت موافقة ." نعم . سأكون بخير تماماً الآن . أشكرك يا سلايد ."
" نطقت كدوقة حقيقية ." قال هازئاً :" ولكن بما أنني لست خادمك لتصرفيني لدى انجاز العمل . فلن أرحل إلى أن أكون جاهزاً."
حركت رأسها على الوسادة . ما الذي بحق السماء يحدث لها ولسلايد ؟ فمنذ فترة وجيزة كانا حبيبين . أما الآن فإنهما يتحادثان كشخصين يكرهان بعضهما البعض من كل قلبيهما . ولكنها هي لا تكرهه .. ليس بعد الآن . حتى عندما كانت تفكر بجيني برايس . وأطلقت على الأثر أنة رقيقة دون تعمد وأغمضت عينيها . كانت تعرف ما يعني ذلك . فلو كان في إمكانها أن تغفر لسلايد بالنيابة عن جيني ففي امكانها أن تغفر له كل شيء . لأنها مغرمة به وربما دون أن تعرف ذلك ، كانت دائماً تحبه.
فتحت عينيها ورأت نظراته الزرقاء محدقة بها بثبات .
" سنتزوج بأسرع ما يمكن ." قال صراحة .
فغرت برونوين فمها وسألت :" سنفعل ماذا ؟"
" نتزوج بأسرع ما يمكن ." وتناول قميصه وألقى به فوق كتفه وهو يقول :" سأنظر في التفاصيل غداً . أما في الوقت الراهن ، فإننا سنتقيد بتدابير النوم القديمة ، هل ذلك ممكن ؟ وأعتقد أنني قمت بمهمتي هذه الليلة ."
فتحت برونوين فمها وأغلقته وهي تحاول الكلام. وفي النهاية تمكنت من أن تنطق اسمه فقالت: "سلايد إنك مضحك. أنا لا أتوقع، بالطبع أن تتزوجني."
"ربما لا. إلا أنني سأفعل ذلك، على كل حال."
"كلا." وحاولت النهوض من السرير وهي تطوي الغطاء فوق صدرها وقالت: "لا. . . لا أريد أن أتزوجك."
"ذلك سيء جداً، أليس كذلك؟" وأدار لها ظهره ومد يده يمسك مقبض الباب.
رضخت برونوين في النهاية للإلحاح الذي كانت تكبته منذ أن التقت بسلايد للمرة الثانية. وبحركة سريعة تناولت أقرب مخدة وصوبتها إلى رأسه عمداً فأصابته إصابة قوية.
"أتشعرين بالتحسن الآن؟" سألها وهو يستدير على عقبيه رافعاً حاجبيه دون مبالاة بصورة لا تصدق. فانحنى وتناول الوسادة وألقى بها دون اكتراث على السرير، فأصاب وجهها مباشرة.
وفي الوقت الذي كانت تحاول فيه أن تبتعد عن هذه القذيفة العائدة كان سلايد قد خرج.
"اللعنة عليه." تمتمت وهي تتناول قميص نومها الشفاف من ورائها، فارتدته عابسة.
وكانت قد اشترت من فاليري تحت اصرار سلايد ثوبين حريرين هزيلين ولكن لم تقو على ارتداء واحد منهما، نظراً لأنه لم يعجبها طرازهما إلى



حد ما. فالثوب الأبيض القديم أعجبها وأضفى عليها هذه الليلة راحة كصديق قديم. كانت بحاجة إلى الراحة، لأن السرير الكبير كان قد أصبح واسعاً وموحشاً.
عادت وتمددت على الوسادات وأغلقت عينيها وهي تتمنى عودة الارتباك القديم. والمشكلة كانت أنها لم تعد مرتبكة مطلقاً. وأدركت ما حدث تماماً. فقد وقعت في غرام سلايد على رغم اعتقادها أنه كان نوعاً من الرجال يستحيل الوقوع في حبه. لذلك السبب أقدمت على فعل شيء بعيد عن الأخلاق مثل الانتقال للسكن مع رجل لا تثق بأخلاقه. ولذلك السبب أيضاً كانا حبيبين في هذه الليلة. ولم يكن للأمر علاقة بخوفها من الظلام، بل للحالة التي شعرت بها حيال سلايد، والتي لم تشبه أي شيء حلمت به على الاطلاق. . .
غير أنه لا يحبها بالطبع. عرفت ذلك وقد أنتابها شعور من القنوط المقلق. أخبرها، فجأة، أنهما سيتزوجان إلا أن ذلك لا بد أن يقال، لأنه كان يعاني من وخز ضميره.
حركت رأسها على الوسادة بقلق إنه أمر غريب بشكل ما.
لم يظهر أي عطف من ضميره تجاه جيني التي كانت أم طفله. فقطبت برونوين حاجبيها. قد لا يكون الأمر غريباً. لقد دعاها شقيقة مايكل مرة ثانية، ربما شعر بولاء تجاه صديقه ولم يكن قادراً على أن يشعر به تجاه امرأة كان قد أحبها مرة ثم تركها.
واكتنفت نفسها لا يهم أي شيء من ذلك. الكآبة، لاشيء في العالم يبرر زواجها من سلايد. فهي لاتؤمن بزواج لا يقترن بالحب. . . ومع أنه ربما كان هناك نوع من العطف من نحوها، فليس هناك أي مجال لأي شيء آخر. وإذا هي قبلت بعرضه العرضي، فإنها لا تسعى إلا لانكسار قلبها فقط.
أغمضت عينيها وهي تتمنى أن تنام، فلا فائدة ترجى من هذا التحليل الذاتي كله.
غفت في النهاية عند بزوغ الفجر لتحلم بذراعي سلايد يطوقانها ولمساته القوية تغطيانها. . .
عندما استيقظت برونوين كانت السماء زرقاء صافية خارج نافذتها ولم يكن سلايد موجوداً. وبعد بحث وجيز في الشقة علمت أنه غادر المكان. فنظرت إلى ساعتها وكانت تشير إلى الحادية عشر قبل الظهر. لا بد أنه كان في العمل.



دخلت المطبخ تلقي نظرة على حوض الغسيل، لتجد مجموعة من الأطباق المستعملة المتناثرة يغطيها بعض فتات الخبز المحمص المحروق. ابتسمت بتجهم. وفكرت بأن ليلة شغف وإثارة وهيام لم تساعد على تحسين الأسلوب الذي يطهو به سلايد. إلا أنه على كل حال، قد راعى راحتها تماماً بسماحه لها بالنوم.
سمعت مقبض الباب يتحرك، فأغلقت الحنفية، سرعان ما كان سلايد يملأ بوجوده الغرفة كان مدهشاً كم بدت الغرفة وهو فيها صغيرة.
ألقت عليه التحية وشعرت فجأة بخجل لا يوصف.
هز رأسه وهو يرد التحية وقال: "لقد سوي كل شيء."


سألته بشعور خال من الارتياح وهي تدرك أنها عرفت الجواب مقدماً: "ما الذي سوي؟"
"الزفاف. لقد حددت موعده يوم الجمعة القادمة."
توقفت برونوين عن الشعور بالخجل وقالت: "لن أتزوجك، يا سلايد." قالت ذلك من خلال أسنانها وهي تحاول جاهدة ألا تطحنها.
نزع سلايد سترته الداكنة الجميلة وألقى بها فوق كرسي .
" لقد قلت ذلك ليلة البارحة . لكن ، لو توقفت ونظرت ملياً في الأمر ، لكنت أدركت أنه الحل المعقول ."
" لقد فكرت في الأمر ملياً ولا أرى أي شيء معقولاً حياله ."
أرخى سلايد ربطة عنقه وقال :" يجب عليك . إن في ذلك فوائد معينة ."
" مثل ماذا ؟" ووضعت يديها على وركيها وحدقت به . إلا أنه كان عليها أن تجاهد وهو يقف باسماً لها بطريقة مثيرة لا تخطئ ناظراً إليها وكأنه يعريها بعينيه .
وقال :" حسناً ، الفراش ، مثلاً . لا أعرف رأيك أنت ، أما أنا فأجده مرضياً بصورة استثنائية ."
وفكرت حانقة : كان يعرف رأيها فعلاً ، كان يعرف أنها تجده أكثر من مرض ." الزواج يقتضي أكثر من ذلك بكثير ."
قالت له ذلك بشموخ.
همهم قائلاً :" ذلك ماقيل لي . فلا يسعني أن أنتظر لأكتشف بنفسي ."
فردت قائلة :" حسن ، لابد من الانتظار ."
" نعم ، حتى يوم الجمعة ."
هزت على أسنانها هذه المرة فعلاً." سلايد ، ماذا ينبغي عليّ أن أفعل لأقنعك ؟ لن أتزوج منك حتى ولو ..."



" حتى ولو كنت الرجل الأخير الذي بقي في العالم ؟ هل هذه العبارة المبهمة إلى حد ما هي التي كانت في ذهنك ؟ فلم لا ، يا برونوين ؟ انك لم تعترضي على إقامة علاقة معي الليلة الماضية ."
" ذلك كان مختلفاً."
" هل كان مختلفاً؟ وهل أنت من ذلك النوع الذي يؤمن بقول أحِبهم ثم دعهم ؟"
قالت باقتضاب :" كلا ، لست من ذلك النوع ."
" آه ." قال وهو يعبر إلى النافذة :" لقد بدأت أفهم . تعتقدين أنني أنا من ذلك النوع ، أليس كذلك ؟"
" كيف يمكنني أن أفكر بأي شيء آخر ؟ وماذا بشأن جيني ؟ لقد تخليت عنها ."
" هل هذا صحيح ؟" ذكرها فمه فجأة كمصيدة فولاذية .
" لقد تخليت عنها ، طبعاً ولم تطلب منها أن تتزوجك ."
قال صراحة كلا :" لأنني لم أود أن أتزوج جيني برايس أكثر مما كانت تود هي . ومع ذلك ، أريد أن أتزوجك فعلاً ، يا عزيزتي ."
"لماذا؟ إنك لا تحبني."
"اتظنين ذلك حقاً؟" كان صوته صارماً كوجهه، ولم تستطع برونوين، التي كانت تراقبه، أن تصدق أنه قد يطرح ذلك السؤال.
فقالت: "طبعاً. . . لتشعر بكتلة تسد حلقها وتمنت من كل قلبها ألا يكون ذلك صحيحاً.
سألها وهو ينفض غباراً عن كمه. "هل إذا قلت إنني أحبك يساعدك ذلك على التغلب على وساوسك؟"
"كلا." قالت وهي تتنهد: "لن أصدقك."
"لم أفكر بأنك ستصدقينني. فمن هذه الناحية، سأتوقف عن الكلام. والآن من ناحية يوم الجمعة. . ."
توقفت برونوين إذ لم يكن هناك فائدة ترجى من الجدل معه فهو عندما يصمم على أمر يكون كقاطعة تشق طريقاً عبر الأدغال. ما عدا أنه لا يعترف بوجود الأدغال تذكرت أنه كان دائماً على ذلك الغرار، على كل حال الشيء الوحيد الذي يمكنها القيام به الآن هو أن تتظاهر بالموافقة ومن ثم تقوم بتخطيط أمورها الخاصة بنفسها وبهدوء.
أصغت دون اكتراث وهو يخبرها عن الكنيسة التي أختارها والقس الذي طلب منه أن يقوم بالاحتفال شارحاً لها أنه لن يكون هناك وقت كافٍ


لإقامة حفل استقبال كبير، إلا أنهما سيقيمان حفلاً عندما يعودان من شهر العسل.
ورددت برونوين بصورة خافتة: "شهر العسل؟"
همهم سلايد قائلاً: "اليونان، أعتقد، ألا تعتقدين كذلك؟"
حنت رأسها بغموض. كان في امكانه أن يقترح المريخ أو نبتون، دون أن تكترث، لأنها لن تذهب إلى أي مكان مع سلايد.
"ينبغي أن أعود إلى العمل، فسنراجع هذا المساء أية تفاصيل أخرى. اعلميني إذا كنت تعتقدين أنني نسيت أي شيء آخر."
لم تجب برونوين، فضاقت عيناه، ولاحظ ذلك بقوله: "انك التزمت الصمت فجأة."
فأجابت بصدق: "لقد فاجأتني."
فابتسم قائلاً: "حسناً. إنك أقل تسبباً للمتاعب عندما لا تتنفسين." وانتقل نحوها، ووضع ذراعاً حول خصرها وشدها إليه برغبة بمثل رغبته لتجد نفسها، تستجيب لعناقه.
"احسني السلوك في غيابي." قال وهو يربت بخفة على وجنتيها. ثم تناول سترته وربطة عنقه وخرج من الباب وهو يصفر من بين أسنانه.
واختالت برونوين راجعة إلى غرفة النوم وراحت تسوي الفراش. لترتدي بعد ذلك، بصورة آليه، تنورتها الخضراء وقميصاً صوفياً، وهي تحدق طوال الوقت في انحاء الغرفة حيث تعرفت إلى تلك البهجة غير المتوقعة. ووقع نظرها على أمتعتها المحطمة التي أودعتها إحدى الزوايا بجانب النافذة.
وبعد نصف ساعة كانت قد حزمت أمتعتها باتقان، إنما ثيابها التي كانت جلبتها معها فقط. حدقت للحظة، بأسى بالثوب القشدي والذهبي الذي كان سلايد شديد الاعجاب به أغلقت بعد تردد بسيط، باب الخزانة بإحكام وذهبت تجري فحصاً سريعاً أخيراً للمكان.
كانت الأطباق التي خلفها سلايد وراءه ملقاة في حوض الغسيل في المطبخ.
توقفت وهي تبذل جهداً في تجاهلها، وقررت، في النهاية، أنه لا يمكنها أن ترضى بذلك. وعلى أية حال، يجوز أن يكون غسل أطباقه الوسخة الشيء الأخير الذي تقوم بعمله لسلايد.
قبل أن تنتهي من افراغ الماء كان قد اختلط بدموعها التي لم تتمكن من كبحها. فالحياة مع سلايد قد تكون مستحيلة، إنما الحياة دونه ستكون مكفهرة وجافة كالصحراء


فيما هي تمسح عينيها بيدها؛ اعتدلت في وقفتها بتحد وفكرت بأن حياتها لن تكون مكفهرة وجافة، إذ كانت سعيدة قبل أن تغادر وايلز وستعود سعيدة مرة أخرى. ولن يكون هناك رجل أشقر بابتسامة مغنطيسية مغرية يستطيع حرمانها سعادتها لمدة طويلة. لن تتيح الفرصة لذلك أبداً.
رفضت برونوين وهي تتناول أمتعتها وتغلق الباب خلفها، أن تلقي نظرة إلى الوراء. . . إلى أن فتح مزلاج الرافعة في الطابق الأرضي. وقبل أن يحين ذلك الوقت كان قد فات الأوان.
كانت السيدة بيكرسلي تقف في البهو وهي تلوح بعلبة الري فوق بقعة على السجادة.
وقالت بمرح: "آه، يا عزيزتي، كنت أفكر بك."
سألتها برونوين بحدة كانت عادة تحتفظ بها للنشالي والزبائن الذين لا يدفعون فواتيرهم في المحل: "هل تقومين بري الأرض، يا سيدة بيكرسلي؟"
أجابت جارة سلايد بابتسامة مهذبة: "ماذا؟ آه، كلا، يا عزيزتي. فقد نزلت لريّ النباتات."
" لقد اتلف عمال الصيانة أمس النباتات ." ذكرتها برونوين بجفاء.
" هل أقدموا على ذلك ، يا عزيزتي ؟ في الواقع لم ألاحظ . تخيلي ذلك، الآن ."
تستطيع برونوين أن تتخيل ذلك جيداً . إن ساكنة المبنى المهتمة بأعمال الآخرين لم تفكر بسبب أكثر ملائمة من النباتات لتحتل مركزها في البهو .
وسألتها بينما كانت برونوين تنقل أمتعتها إلى الباب :" هل أنت راحلة ، يا عزيزتي ؟"
قاومت برونوين اندفاعها بسؤال :" كيف يبدو ذلك ؟"
وأجابتها بإيجاز :" نعم ."
" حقاً؟ آه يا عزيزتي سيصاب سلايد بخيبة أمل ، فهو يعرف؟"
إذا لم يكن على معرفة ، فإنه سرعان ما سيعرف ، فكرت برونوين ... وقبل أن يقرأ الرقعة التي تركتها له بوقت طويل تكون هي قد رحلت .
أجابت بتبرم :" أتوقع ذلك ."
التمعت عينا السيدة بيكرسلي اللتان تشبهان عيني العصافير وقالت بلهجة ملتوية :" لقد شعرت بالضياع ، أليس كذلك؟ يمكنني أن أتنبأ ، لأنني ألم بأحوال الناس . كنت أقوم بمعالجة النفوس الواقعة في مشكلات كمتطوعة ، غير أنهم قالوا لي إنهم لن يكونوا بحاجة إلي بعد أن حاول أحد الموظفين



أن يقتلني . وذلك كان عملاً غير منصف لأنه بقي في عمله ، بل رقي في وظيفته ." وتنهدت ." كنت استمتع بذلك العمل ."
فقالت برونوين :" آه ، إنني آسفة ." قد تقع في إن هي لم تعتد كبح جماح ضحكها . وكان كل ما تاقت إليه اليوم هو أن تنجو بجلدها. واستدارت نحو الباب الزجاجي الثقيل بسرعة .
ولكن السيدة بيكرسلي لم تستسلم بسهولة ." لم تجيبيني ، يا عزيزتي ." " لقد شعرت بالضياع ، أليس كذلك ؟"
فأجابت برونوين باقتضاب :" نعم إلى اللقاء ، يا سيدة بيكرسلي ."
" آه ، لكن ..."
لم تسمع برونوين الباقي ، إذ كانت مشغولة بنقل أمتعتها عبر الباب . وعندما ألقت نظرة إلى الوراء وشاهدت المرأة على وشك اللحاق بها إلى الخارج ، راحت تركض نحو الباص.
كان الباص متوجهاً إلى قلب المدينة، فترجلت في مركز منطقة الفنادق. وكان سلايد قد أقنعها أنه من غير الحكمة أن تعود أزهار دوار الشمس آكلة الرجال.
تأوهت وفكرت بأن الفنادق الممتازة مرتفعة التكاليف. غير أنه لم يكن لديها أي خيار آخر.
وجدت في النهاية غرفة صغيرة جداً في شارع روبنسن لم تبد لها سيئة، لم تبد لها سيئة، ورتبت أمرها على أن تمضي الليلة فيها، بينما تقرر ما الذي ستقوم به.
كانت متمددة في الحمام تحدق في جرح كبير أصابها في ركبتها من حافة الحقيبة عندما سمعت جرس رنين الهاتف فتجاهلته. كي لا يعرف أحد أنها هنا، لذلك لا بد أن يكون الرقم خاطئاً. ورن مرتين أخريين. لا يوجد أي متكلم يعترف بأخطائه بسهولة، فكرت بذلك غاضبة لم تكن في حالة نفسية تتيح لها إجراء حديث هاتفي مع أي كان. من الصعب جداً محاولة اتخاذ قرار عندما يشعر المرء بأن لا شيء يهم بعد الآن. فالهاتف المزعج يكاد يشكل تدخلاً لا يحتمل.
انقطع رنين الهاتف فجأة. وبعد خمس عشرة دقيقة، بينما كانت ترتدي قميصها القصير الأزرق سمعت قرعاً غير متوقع على الباب.
"من هناك؟"
أجاب صوت قوي من ممر القاعة: "عريسك المنبوذ افتحي حالاً أو سأفتحه بدلاً منك."

الفصل السابع~"

أغمضت برونوين عينيها وسألته بجفاء: "ماذا تريد؟"
"أريدك أنت، مع جميع الأشياء. قلت لك افتحي."
"كلا."
"قد يأخذ الفندق نظرة سيئة إذا ما كسرت الباب وفتحته، يا برونوين، ولكن أعدك أن ذلك لن يثنيني."
كلا، افترضت أن ذلك لن يحصل. اذ لا شيء يقف في طريق سلايد إن هو قرر أن يسلك طريقاً ما. مع ذلك فهو لا يتمكن من الاقتران بامرأة رفضت أن تنطق بعبارة القبول.
مشت ببطء نحو الباب وهي تسرح شعرها الرطب إلى الوراء. فلم يكن في طلب النجدة من الفندق أي معنى. حتى وإن أبعد مكبلاً بالقيود، فان سلايد سيجد سبيلاً ما ليحصل على مايريد.
"للمرة الأخيرة، هل تسمحين لي بالدخول؟" طلب منها بصوت تجلى فيه تهديد بتصرف مباشر.
فتحت الباب وسألته وهي تدعي عدم مبالاة مزعجة لم تشعر بها. "هل ينبغي أن تنفذ مبتغاك دائماً؟"
"دون شك." قال، وهو يعبر عتبة الباب أمسك بمنكبيها وجذبها نحو صدره سائلاً: "وهل ينبغي أن تتسبي بالمتاعب دائماً على هذا النحو؟ لدي أشياء أخرى أفعلها أكثر من مطاردتك عبر نصف المدينة." وكان في صوته نبرة فولاذية وفي عينيه وميض دافئ.
واعترتها رجفة مباشرة، ولكن عندما أخذت أصابعه تشد على منكبيها رفعت رأسها وقالت بقساوة: "لماذا لم تقم بها، إذن؟ لم أطلب منك أن تطاردني، يا سلايد." وقطبت جبينها وهي تسأل: "كيف اكتشفت أنني هنا؟"
"السيدة بيكرسلي." قال بحزم.
هزت نفسها متحررة من قبضته وقالت: "آه، لكنها لم تعرف. . ."
"آه، بلى، لقد عرفت بالفعل. فعندما يلاحق كلب الجيران بأنفه رائحة ما فهو لا يستسلم حتى يقع ما يبحث عنه في الزاوية. فقد استعملت فضولها، يا حلوتي. ذهبت في أثرك، مما وفر علي قدراً كبيراً من الوقت."
"ولكن كيف. . .؟"
"ليس لدي أية فكرة. كما أن ذلك لايهم. فقد أسرعت لتقدم إلي الأخبار السارة."
"آسفة للصدمة ولكن، في ما يتعلق بالباقي. . ."


"في ما يتعلق بالباقي، فأنت راجعة معي مباشرة إلى شقتي، وإذا كنت صاحبة حظ كبير يجوز أن أعدل عن لفك ببقايا أوراق الجدران اللعينة وشحنك إلى البيت في بونتغلاس."
قالت برونوين بجفاء: "يمكنني أن أفكر بما هو أكثر سوءاً."
"وكذلك أستطيع أنا. فلا تدفعيني لذلك."
"سلايد، لست قادرة على الرجوع معك، ولن أتزوجك و. . ."
"إنني أفهم أفترض أنك تعتقدين أنني أحد تلك الأقدار السيئة." وكانت النظرة التي سددها إليها قاسية ومروعة على غير عادته.
" لا. نعم . لست أدري..."
"حاولي أن تقرري."
" لقد قررت . لن أتزوجك . فلن تحصل على مبتغاك هذه المرة ."
" سنرى . وأنت في الوقت الراهن آتية معي إلى البيت . فقد تلقيت مكالمة من مايكل عندما وجد أنه لم يتمكن من الاتصال بك . فقد أخلى المستشفى سبيله ، وقد جئت به للإقامة في شقتي حتى يتعافى . فهو بحاجة إليك للعناية به ، يا برونوين ... وحسبما فهمت ، هذا هو السبب الكامن وراء مجيئك إلى فانكوفر." وشعت عيناه الزرقاوان تأكيداً بارداً على أن هذا كان جدلاً عرف أنه لايمكن أن يخسره.
ولم يخسره.
فقالت بصوت متعب :" حسناً أنت الرابح من أجل خاطر مايكل ."
" إنني أربح غالباً." وشعرت أنه كان يقول الحقيقة.
وعادا بسيارة سلايد صامتين إلى شقته . وشعرت برونوين أنها تشبه طالبة متهربة تعاد إلى المدرسة تواً. أما شعور سلايد ، فلم تكن متأكدة منه ولكن ، من إلتواء فمه كانت واثقة من أنه راضٍ... مما لم يسهم في تحسين وضعها النفسي.
وجدا مايكل متمدداً على الأريكة الخضراء يمثل دور بطل جريح . وعندما تقدمت برونوين نحوه ابتسم لها ابتسامة لطيفة وقال :" لقد أطلق سراحي من السجن ." ولم يبدُ عليه المرح.
فأجابت وهي تلمس بيدها جبينه برقة :" أقدم إليك تعازي الحارة ."
" لن يكون هناك مساعدات فاتنات في خدمتك ." عللت ذلك له بابتسامة أخوية .
فعبس قائلاً :" لا بأس ، فأنت تكفيني لذلك ... إلى أن أعود وأقف على الأقل على قدمي ."


أطلق سلايد من ورائها صوتاً ربما كان شخيراً مزدرياً وقال :" أتمنى لك حظاً سعيداً."
استدارت برونوين وقالت باقتضاب :" فقد طهوت وجباتك وغسلت ثيابك و ..." توقفت فجأة وهي تشاهد حاجبيه يتقلصان بزاوية غير معهودة .
"أجل؟" كانت كلمته مترعة بفيض من المعاني.
تنحنح مايكل بشكل لا يعني الموافقة، وقال وهو يحاول أن يبدو أبوياً: "لكنه لم يفلح، يا شقيقتي برون، سلايد إذا كان لديك. . ."
فقال سلايد: "ليس لدي. وفي واقع الأمر، أريد أن أتزوج من شقيقتك. وأعتقد أن ذلك كان سبب هربها."
نظر إليه مايكل وقال بتعجب: "تود فعلاً أن تتزوج!"
ومرر يداً عبر شعره بصورة عابثة وأردف سائلاً: "من برونوين؟ هل أنت جاد يا سلايد، أو. . .؟"
"آه، نعم. إنني جاد. ولكن، إذا كنت تشك في أنني أعاني من آثار شمس غير منتظرة، يجب أن أوافق على أن الأمر يبدو كذلك."
وقالت برونوين: "إذا انتهيتما أنتما الاثنان من التحدث عني كلياً." "فربما يمكننا أن نطرق الموضوع مباشرة."
وضع سلايد يديه في جيبي بنطلونه الرمادي واستند إلى الجدار قرب الباب وقال بجفاء: "أظن الاقتراح ليس وجيهاً كما يبدو. بماذا تفكرين، يا عزيزتي؟"
أخذت نفساً عميقاً وأجابت وهي تحدق في بلاطة أرضية خضراء بدت أشد اخضراراً من الأخريات وقالت: "تدابير المنامة."
فقال سلايد: "حسناً لقد أكد لي مايكل أنه مرتاح تماماً على الأريكة، التي تخلف. . ."
"لا." قالت برونوين وهي تحاول الجلوس في أقرب كرسي.
فحدق بها مايكل وقال بتردد: "برون إذا كنت أنت وسلايد ستتزوجان. . .
فقالت برونوين وهي تلفظ كلمة بوضوح: "سلايد وأنا لن نتزوج."
"آه، بلى، سنتزوج." ناقضها برقة: "ولكن بما أنك تصرين على تعقيد القضية، فإنني سأنحني أمام وسادتك البريئة واتخذ إقامة مؤقتة لي مع السيدة بيكرسلي، فهل ذلك يعجبك؟" وحدق في السقف بصورة لا معنى لها.
"لا تكن أخرق." ردت برونوين التي لم تكترث للطريقة الساخرة التي نطقت بها شفتاه عندما أشار لوساوسها بعبارة بريئة.
ابتسم سلايد بطريقة مستنفرة. "هذا حسن، إذا كانت تلك الفكرة لا تؤثر بك، فكيف إذا انتقلت إلى مسكني الريفي. . . إلى أن نتزوج طبعاً؟"
" ليس لديك مسكن في الريف."
فقاطعها مايكل :" لديه عشرة فدادين قرب بحيرة آلويت ... وهو مكان يضم مزرعة مؤلفة من خمس عشرة غرفة . وبحيرة سباحة ."
شبكت برونوين أصابعها بساعد الكرسي وحدقت بسلايد بشك وقالت :" لم تأت على ذكر ذلك مطلقاً."
" ألم أذكر ذلك ؟ ربما لم أفكر بأن ذلك يهمك ."
" كان يمكنني أن أقيم فيه ..."
" بعيداً عن الذئب اللعين الكبير ؟ لكن فكري كم كان سيكون مقفراً. وليس ملائماً على الأقل."
" لي أو لك ؟" سألته دون استسلام .
" لكلانا ، كما يجب أن أظن . بعيداً عن أية اعتبارات أخرى ، ومع أنه ربما فاتك الانتباه ، لست سائق سيارة تاكسي خاصة ، يا آنسة إفنز ."
" ماذا تعني ؟"
" أعني أنها مسافة طويلة بين منزلي والمستشفى . أو أنك كنت تتوقعين سيارة ليموزين ؟"
" كلا ، طبعاً لا."
هز منكبيه قائلاً:" كان بإمكاني أن أقدم واحدة ، طبعاً ، إلا أنني لم أر فائدة في ذلك ."
فكرت برونوين في ذلك لم يكن في امكانه إلا أنها لم تقل شيئاً.
وابتدأ سلايد يعتبر الموضوع منتهياً، وعندما استمر في النظر إليها من عينين شبه مغلقتين وجدت نفسها تسأل بامتعاض :" إذا كان بلوغ منزلك والعودة منه يشكل هذه المعضلة ، فلماذا تعرض علي الذهاب إلى هناك ؟"
فقال وهو يدير كتفيه :" لأنه يؤثر بي إنه ، إذا لم أعرض ذلك ، فمع إقتراب يوم زواجنا لربما أقدم على قتل عروسي الخجول . أو أنغمس على الأقل في بعض العنف العلاجي القابل للتسامح ."
" ليس ثمة تسامح في العنف أبداً . ليس ذلك لأننا لن نحظى بيوم زواج ."
" ذلك ما تستمرين في قوله . وإنني ابتدأت أتعب فعلاً."
قال سلايد ذلك وهو يتكئ إلى الجدار كأنه كان يقصد أن يمضي المساء في الحديث عنه.
قال مايكل فجأة وكانت نظراته القوية تنتقل بينهما باهتمام زائد :" لابد أن ترضخي ، يا برونوين ، لأن سلايد لن يقدم على ذلك ."


أحنى سلايد رأسه بتأثر ورزانة وقال لصديقه :" شكراً لك أقدر لك توصيتك ."
وقررت برونوين ربما يكون مايكل على صواب تماماً حيال تقديم نصيحة بالرضوخ . على الأقل حالياً.
" حسناً تماماً." قالت برونوين لسلايد ببرود :" سأقبل عرضك ."
فسألها بابتسامة عنت لها أنه فهم تماماً ما تعنيه :" للزواج ؟"
فقالت منزعجة :" لا ، طبعاً ، ليس للزواج . بل كنت أتكلم عن موضوع عرضك عليّ الانتقال إلى ... إلى ..."
فأكمل لها :" المكان في الريف . إنه ليس حفرة أشواق خاصة ، إذا كان ذلك هو ما تفكرين فيه ."


كانت تلك الفكرة في مؤخرة ذهنها ، إلا أنها سوف لن تدعه يعرف ذلك وقالت :" طبعاً لا ." وهي تحاول أن تبدو متعالية .
قهقه مايكل وقال مؤكداً تلك الحقيقة :" إذ أني لم أعرف أن سلايد أخذ أية امرأة إلى هناك ."
" ربما ." قالت برونوين التي لم تحب تغيير الحديث :" فسلايد يود أن يذهب بنفسه إلى هناك . ويفضل ذلك حالاً."
قال موافقاً:" ذلك جائز . وبشرط أن أتلقى تقديراً مناسباً."
" إنني شاكرة ." قالت برونوين في محاولة منها لتؤكد عاداتها الحسنة وامتنانها المناسب بدلاً من رغبتها العادية في عودته لماضيه ... أو ، إن فشلت في ذلك ، مبادلته الحب .
حاول سلايد ، وهو يراقبها مقاومة الرغبة في عناقها ... أو إذا فشل في ذلك ، أن يأخذ بكتفيها ويهزها هزاً.
" أريني امتنانك ." أمرها بقوله وهو ينشر ذراعيه متحدياً إياها هيا ... أريني امتنانك :" قبليني ، يا برونوين ."
وبللت هي شفتيها بلسانها عجزا . وقد بدا أخّاذاً بقامته الفارغة المنتشرة كالنسر إزاء الجدار ، وعرفت أنه لو لم يكن مايكل موجوداً هناك لكانت أقدمت على أكثر من مجرد تقبيله.
وعلى كل حال ، نهضت واقفة ببطء وسارت نحوه . فلم يتحرك . وفي النهاية ، وضعت يديها على منكبيه وقبلته بقدر ما يمكنها من اللامبالاة لأن الأمر يبدو أقل مذلة من انتظاره ليقوم بالخطوة الأولى .
وللحال طوقها بذراعيه بقوة وأدارها نحو الحائط . لم يتمكن مايكل من تلك الزاوية من مشاهدة ما كانت يداه تفعلان ... وهما تحاولان مداعبتها الخفيفة إلى تمرين عاطفي .


" نعم ." قال عندما انتهى :" أعتقد أن ذلك كافٍ حالياً. ويمكنك أن تشكريني أكثر يوم الجمعة . فسأكون هنا ظهراً تقريباً لأحملك ."
كانت برونوين تحاول جاهدة إلتقاط أنفاسها وعواطفها ، فلم تجب .
فدخل سلايد إلى غرفة النوم ورجع يحمل سترته ويسير هادئاً نحو الباب.
" اهتمي بمايكل ." قال بخفة . وتمنى لها أحلام ليلة هانئة .
أغمضت عينيها ، وعندما فتحتهما كان قد خرج.
" إنه لرجل مريع ، أناني مغرور بصورة تدعو للإشمئزاز ." قالت باقتضاب وهي تحدق في المكان الذي كان يقف فيه ." كيف يمكنك تحمل اتخاذه صديقاً ، يا مايكل ؟"
فقال بلطف :" ولكنك بدوت لطيفة معه للغاية أنت نفسك . إنك تدهشينني يا شقيقتي الصغيرة ."
أدارت برونوين زراً في ثوبها واستدارت ببطء معترفة :" إنه جذاب . فلم أدرك قط كم كان من قبل جذاباً تماماً . إلا أنه ما زال أنانياً لا يحتمل ."
قال مايكل وعيناه السوداوان تسبحان في حلم غريب :" لذلك لن تتزوجيه؟"
" هل تظن ذلك ؟"
" كلا . لكنني لم أرك من قبل قط منزعجة على هذا النحو ."
" تلك دلالة تساعد على القبول بالزفاف."
" لقد ازداد النمش في وجهك ." قال ذلك دون ترابط منطقي .
" ما علاقة ذلك بأي شيء آخر ؟"
" لا أعرف . اعتقدت أن لذلك علاقة بسلايد ."
" حقاً ، يا مايكل . بإمكان سلايد أن يسبب مزيداً من الأسى أكثر من أي رجل أعرفه ، ومع ذلك لايمكنه أن يصنع بقع نمش ." وجلست على يد الأريكة وحدقت بكآبة فوق رأس أخيها إلى طائر بحري حط على الدرابزين .
رفع مايكل بصره إليها عابساً بطريقة صبيانية وسأل :" مالديك ضد سلايد ؟ فهو ليس أنانياً كما تظنين . فقد بذل على مر السنين الكثير من أجلي . وانظري كم هو ملزم الآن ... متيحاً لنا الإقامة في شقته متكبداً الكثير لأجلنا ."
فقالت بعناد :" إنه إلتزام خطط له . فهو يريد شيئاً ما ."
" نعم . أنت . هو الذي قال ذلك . صدقيني ، يا شقيقتي الحلوة الصغيرة . إن سلايد لا يفعل أي شيء لايريده . أقل ما في ذلك أن يتزوج صهباء منمشة عنيدة ."
" إنه يحب أن يحقق مقاصده بطريقته الخاصة تماماً."


أصرت برونوين على القول . وسقط الزر الذي كانت تلعب به في يدها فوضعته في جيبها .
" لا تكوني سخيفة . لماذا يتزوجك أو يتزوج أية واحدة أخرى لسبب واهٍ مثل ذلك ؟"
" لا أعرف ." وتابع نظرها خط تحليق طائر البحر وهو يهم برفع جناحيه وينطلق محلقاً في الجو.
ضاقت عينا مايكل وقال :" أنت مغرمة به ، أليس كذلك ؟ يمكنني معرفة ذلك ."
" وماذا تعرف عن الغرام ؟ لا أظنك جربته في حياتك قط ."
ولدهشتها ، لم يضحك أو ينفي التهمة .
" يمكن أن تكوني على صواب ." قال ببطء :" إلا أنني لا أعتقد ذلك ."
" هذا جيد ، لقد جربته اذن ؟"
" أجل ، إلا أن ذلك كان قبل سنين . ومنذ ذلك الحين لم يكن هناك فعلاً أية واحدة بصورة جدية ."
قالت برونوين بلهجة تهكم :" إذن ذلك لا يكاد يجعلك خبيراً . على الأقل في الحب."
" ربما لا . إلا أنني ما زلت أعتقد أنك تودين الزواج من سلايد."
" يجوز ذلك ." قالت موافقة على ذلك بتذمر :" لكن لا أستطيع . فهو ليس ... من النوع الذي يتزوج."
" يبدو أنه يعتقد أنه من ذلك النوع . وإذا ما توصل إلى قرار ..."
" مايكل إفنز ." قالت برونوين وقد نفد صبرها وقفزت واقفة على رجليها متابعة :" لن أتزوج سلايد لمجرد أنه توصل إلى اتخاذ قرار . فقد اتخذت أنا قراراً أيضاً. وهو أنه ليس ... ليس مناسباً."
فقال ساخراً:" يا لسذاجتي . إنها تنتظر أوناسيس."
أجابت برونوين باقتضاب :" لقد توفي ؟"
" وكذلك أنت رسمياً."
" ليس بعد."
"حسناً." قال مايكل: "لأن ذلك يعني أنك تستطيعين أن تأتي لي بما يمكنني أن أتناوله."
نظرت برونوين إلى الساعة، فاعتبرت أنه كان على حق، فقد فات وقت العشاء.
وراحت تهيء الطعام بسرعة، إلا أن أفكارها كانت مشغولة بشيء آخر. لقد أصر مايكل، الذي عرف سلايد كأي شخص آخر، على أن صديقه لم
منتديات ليلاس

يكن أنانياً، وإذا قال إنه يريد الزواج منها فإنه يقصد ذلك فعلاً. لكن ذلك لم يغير شيئاً في الموضوع، وكسرت بيضة في الوعاء بسرعة خاطفة. مهما أحبته، فلا يمكنها أن تتزوج رجلاً كان قد هجر فتاة صبية حملت منه وترك رجلاً آخر يربي طفله. قد يكون سلايد الذي عرفته كبر وأصبح ناضجاً قد يتصرف بصورة مختلفة. ومع ذلك، فلا يمكن أن تقوى على نسيان اهماله القاسي لجيني وابنها الطفل. وفي النهاية سيدخل الإثنان بينها وبين أية علاقة حميمة وصحيحة بسلايد، لأن بذرة عدم الثقة قد زرعت، وستبقى وتنمو هناك دائماً وتفسد حبها له.
علاوة على ذلك، لم تكن مقتنعة بأية حال أن سلايد يكن لها شعوراً أكثر من مجرد عاطفة معتدلة وانجذاب جسدي قوي.
"توقفي عن الحلم وانهي إعداد فطوري واتخذي قراراً بالزواج من سلايد." قال مايكل مفاجئاً إياها وهي مستغرقة في تأملها: "فاذا أنت استمررت في كسر البيض في الحوض، يابرون، سأعود إلى المستشفى لأتناول الطعام."
وابتسم مبتهجاً، ثم تابع: "فهناك ممرضة في الجناح أظن أنها، لكن. . ."
لم تكن برونوين تهتم بممرضته. وهي تحدق مشدوهة بالنهر الأصفر اللامع الذي كان يسيل لزجاً. اللعنة. إذ كانت تعتز دائماً بشيء فهو مهارتها في الطبخ. . . حتماً ليس لسلايد تأثير في ذلك.
طبعاً كان له تأثيره.
مر اليومان التاليان في انشغالها بالتسوق والطهو والإعتناء بمايكل وهي تحاول أن تشيح تفكيرها عن يوم الجمعة حينما وعدها سلايد بالرجوع. لم تكن على يقين مما إذا كانت تخاف ذلك اليوم أو تتطلع إليه. لكنها كانت على يقين تماماً أنها وجدت غيابه لا يحتمل. فهو لم يقم بإجراء أية مكالمة هاتفية أو الاتصال بهما على الاطلاق.
لقد افتقدته بصورة فظيعة.
ظنت أنه صدق ما قالته وألغى خططه بصدد الزفاف. . .
وذلك ماكانت توده تماماً دون شك، أو أنها حاولت أن تقنع نفسها بذلك.
جاء يوم الجمعة، وكان يوماً ممطراً، مما لم يكن يبشر بالخير.
خرجت برونوين لفترة وجيزة لشراء بعض الحاجيات وتركت مايكل مستلقياً على الأريكة. وعندما رجعت، بعد الثانية عشرة بقليل، كان سلايد قد عاد إلى الشقة وكان جالساً في كرسي إلى جانب شقيقها العليل يضحك. كان يرتدي بزة داكنة وربطة عنق قرمزية، لكن دون قرنفلة قرمزية لسعادتها.
بادرها قائلاً: "لقد تأخرت."

ونزعت معطفها الذي كان الماء يقطر منه وعلقته في الخزانة بجانب الباب: "لماذا تعتبرني متأخرة؟"
"لا تقولي لي إن ذاكرتك ضعيفة إلى هذه الدرجة. سنتزوج اليوم، أتذكرين؟" وأومأ بيده إلى كرسي متنقل كان مهيأ بجانب الأريكة وقال: "لقد جئت بوسيلة نقل لمايكل."
وقال أخوها: "يبدو أنني سأكون العراب."
انهارت برونوين واتكأت إلى الجدار ومرت بيد مضطربة في شعرها الأحمر الرطب، وقالت بهدوء تام: "سلايد لا أعرف كيف يمكنني أن أوضح أكثر من ذي قبل، فقد اخبرتك عدة مرات على الأقل أنني لن أتزوجك. . ."
"أعرف ذلك. لقد أصبح ذلك الموضوع مملاً لدرجة أنني قررت البقاء بعيداً لأيام قليلة." نهض وانتقل بسرعة نحوها وقال: "لا." وراح يضع يديه فوق منكبيها وهو مسترسل في تفكيره يتأمل جسدها المتشح بلباس محتشم أنيق. أضاف: "إن ارتداءك ثوب ربة بيت لن يكون كافياً. فالقشدة والذهب، أعتقد." واحنى رأسه. "أجل، بالتأكيد، القشدة والذهب هيا اذهبي."
نظرت إليه فاغرة فمها، لا تقوى على تصديق مدى الجد في حديثه، وقبل أن تدرك ما جرى، راح يديرها بسرعة ويدفعها برقة نحو غرفة النوم.
وقفت مولية ظهرها له وكبلت قبضتيها إلى جانبيها وهي تحاول يائسة أن تتحكم بمزاجها. . . الذي بدا منسجماً مع لون شعرها فقط منذ عودة سلايد للظهور في حياتها من جديد. وقررت في النهاية أنها لن تجني أية فائدة من ابقاء الموضوع هادئاً. فلربما نوبة غضب من الطراز القديم قد تفضي إلى اجتذاب انتباهه وتكون الشيء الوحيد الذي يلوي غروره.
نظرت حولها لتجد شيئاً ما تلقيه به ، فوقع نظرها على وسادة حريرية زرقاء . فالتقطتها ورفعت بها فوق رأسها وللحال قال سلايد :" لن أحاول ذلك . فهدفي أفضل من هدفك فعلاً."
تذكرت أن ذلك كان صحيحاً . ولم تكن من النوع الذي يدوس على الأقدام. ويبدو ، من ناحية أخرى ، أن المنطق لم ينجح مع سلايد ...
عادت وألقت بالوسادة في مكانها على الكرسي وقالت :" حسن جداً . لقد حاولت أن أقول لا ، وأن ألقي بأشياء وأن أقول لاأريد الزواج منك . فما ينبغي عليّ أن أفعل لأحملك على الاقتناع بأنني أعني كل ذلك ؟"
" آه ، إنني على اقتناع تام أنك تعنين ، أو تظنين أنك تقصدين ما تعنينه."
هزت برأسها بعجز وقالت :" لا يمكنني ، يا سلايد ، أن أمنعك من اختطافي وإلقائي فوق كتفيك وإلزامي على الذهاب معك إلى مذبح الكنيسة . إلا أنني أستطيع وسأرفض أن أقول كلمة القبول عندما أصل إلى هناك ." وحدقت في عينيه الزرقاوين الباردتين مباشرة ، وكانتا لاتعبران عن شيء وقالت :" إن كنت لا تريد أن تسبب الارتباك للكثيرين ، فاقترح أن تأخذ كلامي بالإعتبار."
حيرتها ردة فعله . اذ لم يحاول أن يؤكد سلطته فوراً بإلقائها فعلاً فوق كتفيه ، مع أنه بدا ، للحظة ، كما لو أنه يود ذلك . كما أنه لم يتجاهل كلماتها تماماً ويتصرف كأنها لم تقل شيئاً. وبدلاً من ذلك ، أغمض عينيه قليلاً ، وعندما فتحهما مرة ثانية ، ظنت أنها شاهدت ألماً فيهما ونوعاً من اليأس المؤلم . إلا أن انطباعها انحسر بسرعة وعادت نظراته الباردة ترمقها.
" أنت صغيرة عنيدة ، أليس كذلك ؟" قال وهو يضع يديه في جيبه ويتراجع إلى الوراء على عقبي قدميه .


وقال مايكل من مكانه على الأريكة :" كانت دائماً كذلك تحت ذلك القناع المرن الطيب كما هي الآن."
همهم سلايد قائلاً:" إذن أصبحت أدرك فحالما تنشب مخالبها في مكان معين ، فإنها تحتاج إلى كثير من التهديد لتزيلها حتى عندما يكون الأمر في صالحها إلى حد بعيد."
تدخلت برونوين قائلة بغضب :" أرجوكما أنتما الاثنين أن تتوقفا عن التحدث عني كما لو كنت صماء تماماً . أفضل لك ، يا سلايد ، أن تلغي ذلك الزفاف."
وهمت بالخروج، إلا أنها وجدت نفسها مسمرة بعينيه، كانتا زرقاوين وقاسيتين. وبدتا وكأنهما كانتا تخترقانها. فقال لها بهدوء: "الاستعطاء ليس عادتي، يا برونوين، فإذا كان ذلك ما تريدين. أخشى أنك ستصابين بخيبة أمل. لكن ذلك ما لاتريدين، أليس صحيحاً؟"
هزت رأسها.
"مايكل." قال سلايد من فوق كتفيه. "لا تزد في ذبذباتك الأخوية، فإنني وشقيقتك سندخل إلى غرفة النوم." وتناول برونوين من ذراعها برفق وقادها بقوة أمامه. "أريد أن أتحدث إليها على انفراد."
فصرخت برونوين. "مايكل لا تدعه. . ."
فقال مايكل: "لا يمكنني أن أفعل شيئاً حيال ذلك، لا تقلقي، يا برونوين، فلن يلتهمك."
لم تكن برونوين قلقة من التهامها. إذ لم تكن تعتقد أن التهام لحم البشر كان إحدى عادات سلايد المولع بها.
"والآن." قال سلايد وهو يغلق الباب ويتكئ عليه بذراعيه المطويتين. "أود منك أن تجيبيني، بصدق."
لم يكن ذلك ما كانت تتوقعه، وسألته بقلق: "ماذا تريد أن تعرف؟"
"هل تكرهينني؟"
"لا، طبعاً لا."
"لكنك لا تحبينني؟"
فأسدلت عينيها لأنها لم تتمكن من احتمال تحديقه الكثيف النافذ، كما أنها لم تتمكن من إيجاد جواب أيضاً.
فإن هي باحب له بالحقيقة فيمكن أن تحملها قوة شخصيته إلى مذبح الكنيسة.
"إنني أدرك." قال سلايد بتمهل: "أعتقد أن ذلك يجيب على سؤالي."
رفعت عينيها ونظرت إليه بدهشة فرأت شفتيه ملتويتين بتلك الابتسامة الساخرة المعهودة.
"ليس ذلك على الاطلاق، أليس كذلك؟" قال بدقة متناهية: "إن سبب عدم رغبتك في الزواج مني هو شيء وقع قبل زمن طويل جداً وتعتقدين أنني كنت مسؤولاً عنه."
وازدردت ريقها. "ألم تكن؟" سألته والأمل ينهض فيها دون أن تتمكن من كبته. إذا أنكر ذلك، ربما عندئذ يمكنها أن تتزوجه. . . حتى ولو لم يكن يحبها بالفعل. فحبها سيكون كافياً لكليهما.
غير أنه لم ينكر ذلك. وبدلاً من ذلك رفع يده وطوى خصلة شعر من شعرها وقال بحدة: "أيمكنك الوثوق بي، يا برونوين؟ لقد شاطرتني بيتي وفراشي وغرفتي منذ سنين عديدة. . ."
أجل، لقد كانت تعرفه. عرفت ذلك الشاب المتهور، صديق أخيها، وحبيبها هي. لكن لو لم يكن مسؤولاً عن محنة جيني لكان عليه عندئذ أن يقول ذلك فقط. ولكنه لم يشأ ذلك.
"كلا." قالت وهي تهز رأسها وتحدق بربطة عنقه القرمزية. "كيف يمكنني أن أثق بك، يا سلايد؟ إنك لا تريد أن تنكر ما حدث."
وشاهدت صدره يرتفع تحت القماش الداكن وقال: "حسناً." وكانت الخشونة في صوته تدفعها إلى ازدراد ريقها. "ثم ماذا لو اعترفت أنني مذنب كما اتهمت؟ ذلك حدث قبل زمن طويل. لقد انتهى. أما الزواج منك، يا برونوين، الآن."

"لماذا؟" سألته وهي تنظر في وجهه مباشرة.
"يا للسماء، يا امرأة، ألا تعرفين؟" واشتدت قبضته على شعرها وقبض عليه وأداره إلى وراء عنقها.
رطبت شفتيها، مما دفع بسلايد إلى التنفس بعمق: "انك لن تقول لي إنك تحبني؟" سألته وهي تفتح عينيها واسعتين جداً.
"لا، لن أقول. لأنك قلت لي مرة إنك لن تصدقيني إذا قلت ذلك."
كان ذلك صحيحاً. وتنهدت وهي تبحث في وجهه عن شيء لم يكن موجوداً فيه. شيء يمكن أن يجيب عن الأسئلة التي رفض الإجابة عنها. لكن لم يكن هناك أي شيء غير فك شرس وأنف معقوف وعينين زرقاوين تلمعان لا تعبر أن عن شيء.
"انتهى كل شيء، يا سلايد." قالت بعد صمت قانط طويل. "أنا . . . أنا آسفة. أشكرك تجاه كل. . . تجاه كل شيء." وأتت بحركات مبهمة وهي تمشي في الغرفة. "سأنتقل مع مايكل خارجاً لتتمكن من استعادة شقتك..."
"لن تقومي بأي شيء من هذا القبيل. فمصلحة مايكل تكمن في البقاء حيث هو حتى يتعافى. وهو بحاجة إليك للإعتناء به." وتحول سلايد فجأة إلى وضع جديّ الآن.
قالت برونوين بتعاسة: "نعم مايكل بحاجة إلي طبعاً. إلا أنني لا يمكن أن أستمر في قبول ضيافتك بعد. . ."
"يمكنك ويجب ذلك. فمايكل يجب أن يقف على قدميه من جديد في مدة ستة إلى ثمانية أسابيع. ففي إمكانك أن تذهبي إلى البيت بعد ذلك. . . إلى مكان وجودك الصاخب تديرين المحل في ونتغلاس."
قالت برونوين: "لا تسخر، يا سلايد. فلا يمكنني أن أتحمل أكثر من ذلك."
لم تلن ملامحه تماماً، إلا أنه وضع يده وراء رأسها وضغط بوجهها على كتفه. وبعد برهة وضع اصبعه تحت ذقنها ورفعه إلى أعلى.
حدقت به دون أن تنبس ببنت شفة. كانت عيناه زرقاوين بصورة لا تصدق. وكانتا تلتمعان ببريق غريب. فابتسم لها ابتسامة واهية. وشد بذراعه حولها قليلاً، ثم قال بصوت أجش: "يمكنك أن تنشبي أظافرك الآن، أيتها الهرة الصغيرة. فلن أزعجك مرة أخرى، إلا لأتفحص مايكل من فترة إلى أخرى. فهو في يد أمينة."
أغلق الباب وراءه بإحكام، كأنه عرف أنها بحاجة إلى أن تكون وحدها.

"من أجل السماء، يا برونوين كفي عن الحلم في غرفة الحمام وتعالي انظري إلى السماء، فقد تحولت قرمزية اللون ومخملية و. . ."

فقالت برونوين: "كذلك الرضوض. ولست أحلم. إنني أمرض."
"آوه." همهم مايكل، وأصغى لسعال شقيقته وعجب إذ كان يتعين عليه أن يقوم بعمل أي شيء وقال: "ماذا وقع؟ لقد سمعت أنك متيمة، لكن. . ."
"لست متيمة." قالت برونوين ودخلت الغرفة كان وجهها شاحباً وأردفت: "إنني مريضة."
"آوه." قال مايكل مرة ثانية: "هذه هي المرة الثانية اليوم. فهل أصبت بزكام قوي؟"
"لا أعرف مابي، غير أنني أتمنى أن لا أكون قد أصبت بزكام." وهرولت متداعية وسقطت جالسة في إحدى الكراسي. "كنت مريضة البارحة أيضاً."
همهم مايكل وقال: "سأجلب لك كوب شاي، فربما ينبغي عليك أن تستشيري طبيباً." ووقف وسار ببطء إلى المطبخ.
حدقت برونوين وراءه وهي تفكر كم أصبح أقوى في الأسابيع الأربعة الماضية . فما برح يتجنب القيام بحركة مباغتة وثقيلة ، عندما خرج من المستشفى كان لايكاد يقوى على السير . وهو الآن يجلب لها قدحاً من الشاي.
ويبدو من ناحية أخرى أن صحتها قد تدهورت بصورة ملموسة . وكانت تشعر في اليومين الماضيين بالتعب وبألم في معدتها . ابتسمت ابتسامة شاحبة . لقد افتقدت وجود سلايد افتقاداً غريباً ، وعلى الرغم أنها اتخذت القرار الصحيح ، فلم تستطع شيئاً حيال الندم على ما تخلت عنه...
والأسف أيضاً أنها كانت في لياليها وحيدة ومستوحشة . إلا أنها لم تعتقد أن الحب هو الذي أدى بها إلى ذلك الوضع .
صحيح أنها كانت حزينة ويائسة ، ولكن لم تكن مريضة.
" إن سلايد سيعرج هذا المساء إلى هنا ." قال مايكل وهو يناولها شاياً أعده للتو :" ربما يمكنه أن يأخذك إلى الطبيب."
فأجابت :" لست بحاجة إلى طبيب."
" بل أنت بحاجة . تلك البشرة الجافة لا تناسبك ."
" أظن ذلك ." ورشفت رشفة شاي ، دون أن تعير اهتماماً ببشرتها . وإذا كان سلايد سيعرج هذا المساء إلى هنا فينبغي عليها أن تستعد للرحيل . إلا أنها لم تشعر في هذه اللحظة أنها على استعداد لذلك .
كان في الأسابيع الماضية يقوم بزيارتهما مرات عديدة لمشاهدة مايكل وللسؤال عما إذا كانا بحاجة إلى أي شيء.
وكانت متأكدة أنه كان مصدر الصناديق الغامضة من الحاجيات التي استمرت في الوصول إليهما ، وهو رأي أثبتته السيدة بيكرسلي التي احتفظت بقائمة كاملة بكل بما تتسلمه.
في الأيام التي كانت تتوقع زيارة من سلايد ، كانت عادة ، تجد الأعذار للخروج . ولكنه فاجأها في مناسبتين أو ثلاث فلم يكن في إمكانها إلا أن تتحمل صحبته.
وكانت قد توقعت أن أي اجتماع يعقد بينهما سيكون مربكاً ومحرجاً إن حدث أن التقيا فإنها ستكون هي الملامة حيال النتيجة بصورة كاملة . وكان سلايد يأخذ حريته ويعاملها معاملة راقية ومهذبة ... وكأنها لم تعد بالنسبة إليه أكثر من شقيقة صديق الفتوة.
شهدت مرة وحيدة سقوط القناع ، عندما كانت تناوله كوب قهوة وتلامست أصابعهما . الشرارة التي تأججت في ما بينهما كانت سريعة ومعناها واضح بدت عيناه كأنهما تظلمان ، وظنت أنها رأت في زرقتهما العميقة أسفاً يمزقه ثم تراخت أساريره وراح يبتسم بتهذيب عندما بادر إلى شكرها.
"الأفضل لي الخروج." قالت برونوين لمايكل الذي كان يتذمر فيما هي ترتشف الشاي الذي قدمه لها.
أجابها مناقضاً قولها: "الأفضل أن تبقي هنا. فأنت لا تبدين بحالة جيدة كافية لتمشي."
وفكرت أنه على صواب . فلم تشعر بحالة جيدة كافية لتمشي.
وقبل أن يدخل سلايد في الساعة الخامسة، كانت قد أخذت تشعر أنها أصبحت أفضل بكثير من ذي قبل.
"برونوين مريضة." أنبأ مايكل سلايد لدى دخول صديقه الباب. "إنها بحاجة لطبيب."
"لست مريضة، ولست بحاجة لطبيب." اعترضت برونوين بسرعة . تجاهلها سلايد وتمشى عبر الغرفة يتحسس جبينها: "لا توجد حرارة." صرح بحذر.
"طبعاً لا. إنني بحالة ممتازة."
"كلا، ليست كذلك." قال مايكل. "فقد كانت هذا الصباح تبدو شاحبة شحوباً فظيعاً. . . وكانت مريضة."
همهم سلايد، وتناول الهاتف وطلب رقماً.
"ماذا تفعل؟" صرخت به برونوين.

لم يجبها، غير أنها سمعته بعد لحظة يتحدث بصوت مقتضب، وعندما وضع سماعة الهاتف واستدار كان قد حدد موعداً.
"سيراك دكتور سوايل في غضون ساعة."
"لكنني لا أريد. . . لست. . . سلايد، الأطباء لا يستقبلون المرضى في ساعة متأخرة كهذه. إلا إذا كانوا بحالة سيئة فعلاً."
"دكتوز سوايل يفعل، إذا طلبت منه ذلك."
"آه، ولكنني لست بحاجة لطبيب."
نظر سلايد إلى الساعة وقال كأنه لم يسمعها تتكلم: "سأقلك بسيارتي في مدة خمس وأربعين دقيقة." واستدار نحو مايكل وسأله: "كيف حالك؟ إنني أرى أنك أكثر حركة هذه الأيام."
تمددت برونوين في كرسيها إلى الوراء وهي تصر على أسنانها وتعتقد أن سلايد يسيطر على حياتها مرة ثانية، وشعرت ذلك اليوم أنه يمكنها مواجهته.
لم تكن كذلك عندما ألقى نظرة على ساعته وأخذها من كرسيها وحملها إلى الباب كأنها لم تكن أثقل من خبوط عنكبوت فلم تبد أية حركة إلا قولها بغموض. "لا، انتظر لحظة. . ." قبل أن ينزلها في المصعد ومن ثم إلى البهو وحملها أمام عيني السيدة بيكرسلي المحملقتين إلى سيارة البورش.
"شكراً للسماء." قال سلايد: "إنها في مركز قيادتها آمنة وليست في الخارج ترشق سيارتي."
ابتسمت برونوين، وشعرت فعلاً لأول مرة منذ أسابيع أنها تحب أن تضحك. ربما كان وجهها شاحباً ومعدتها تؤلمها، إلا أنها كانت آمنة وراضية هنا وذراعاً سلايد تطوقانها.
وضعها برفق في المقعد، وعندما توقف ليغطي ركبتيها بدثار شعرت أنها عادت في النهاية إلى البيت.
ذلك لن يدوم، طبعاً. وكيف يمكن أن يدوم؟ ومع ذلك. . . كان سلايد لطيفاً، يهتم بها. . . وكان يضحكها. فهل يمكن أن يكون فعلاً ذلك الذي هجر جيني وولده؟
هزت رأسها. وكان كل ذلك كثيراً عليها حالياً. . . وكانا على كل حال قد توقفا خارج بناية بيضاء مؤلفة من طابقين في شارع غرب برودواي.
حاولت جاهدة أن تخرج من السيارة، لكن سلايد جاء حالاً وفتح لها الباب وحملها وصعد بها الدرج.
كان الدكتور سوايل رجلاً صغير الحجم ذا عينين سوداوين تشبهان عيون جراء الكلاب. وبعد أن أجرى فحصاً لبرونوين وأعلن أنه ليس هناك أي
شيء خطر، طوى أصابعه تحت ذقنه وسأل بسرعة: "هل هناك أي احتمال في أن تكوني حاملاً؟" وألقى بنظرة ثاقبة نحو الباب الذي كان من خلفه يستطيع أن يسمع طرقات سلايد على ذراع الكرسي وهو نافد الصبر.
"آه." قالت برونوين. وتابعت وهي تشعر باللون يفر من وجهها،
رددت: "آه، يا دكتور! لا!"




















"~الفصل الثامن~"

"أفهم." قال دكتور سوايل وهو يحني رأسه: "اعتبر ذلك يعني إيجاباً؟"
"لم يحدث ذلك إلا مرة واحدة." همست برونوين.
"أخشى أن ذلك كل ما يحتاج له الأمر."
أجل، كانت تعرف ذلك. ولكن. . .
"الأفضل أن نجري بعض الفحوص." قال الطبيب الذي يؤمن بمواجهة الحقائق. "سأكتب كتاب توصية للعيادة."
وكتب شيئاً بسرعة بينما كانت برونوين تحاول أن تستجمع أفكارها المشتتة.
والآن وقد دوّن الطبيب كتابه بالفعل ، تأكدت أن الفحوص ستثبت أنه على حق تقريباً. كانت في الأيام الأولى على كل حال ، بالطبع ، إلا أنها عرفت أن بعض النساء يعانين من عوارض باكرة فعلاً. وشعرت أن صدرها أصبح ثقيلاً مؤخراً على غير عادته...
وسأل سلايد حالما ما رجعا إلى السيارة ." حسن ؟ ماهو التشخيص؟"
" لابد أن أجري بعض الفحوص ." أجابت متلكئة.
" حسن . سأصطحبك . متى ؟ غداً؟"
أحنت رأسها ، وانطلقا دون أن يتحدثا بأي شيء آخر ، مع أن برونوين كانت تدرك أن عيني سلايد بقيتا تنحرفان تجاهها ، كأنه كان يحاول أن يسأل شيئاً ما لكنه كان يتردد في ذلك.
غادر بعدما أوصلها إلى البيت ، ووعد بالعودة في اليوم التالي .
أمضت ليلة قلقة وهي تترنح أماماً وخلفاً ، تارة ساخنة جداً وطوراً باردة جداً ، تستمع إلى نقر المطر فوق السطح دون كلل . فتجد له صدى في رأسها . هذا بينما عقلها كان يوقع ذهاباً إياباً على الخط نفسه.
كانت في ظروف أخرى ستجد سعادة في الحمل بطفل سلايد ، فكرت بحزن . لكن مهما كانت الحال ... اغلقت عينيها بشدة .
في النهاية ، قد لايكون ذلك صحيحاً . وربما أصيبت برشح قوي فعلاً.
لكن عندما استيقظت في الصباح التالي وشعرت بالغثيان لدى استنشاقها قهوة مايكل ، عرفت أنه لم يكن هناك مجال للوهم . وبالإضافة إلى ذلك ، لقد فكرت بالأمر الآن ... راحت تعد الأيام على أصابعها .
أجل ، كان تماماً كما أوجست .
جلست برونوين إلى مائدة الإفطار وركزت نظرات غائمة على الخبز المحمص الذي أعده لها شقيقها مايكل القلق.
" لن تغص ." أكد لها :" إنني أعرف انها تبدو لينة قليلاً، ولكن ..."

" ليس ذلك . فلا أشعر أنني بحال جيدة تماماً."
وكان الأمر صحيحاً في أكثر من مجال . لقد شعرت أنها مريضة جسدياً ، بالطبع ، لكن لم يكن وضعها العقلي بحالة أفضل.
ماذا يجب أن تفعل بحق السماء.
كانت ما تزال تصارع المشكلة عندما وصل سلايد ليأخذها لإجراء فحوصها الطبية، ولم تكن قد وصلت إلى أي حل عندما أعادها إلى البيت مرة ثانية وأصر على الصعود معها إلى ما كان، شقته الخاصة.
وقالت مؤكدة: "إنني بخير الآن، وأشعر بحالة أفضل بكثير."
فقال: "يجوز ذلك. إلا أنني مازلت أفكر بأنه يتوجب عليك أن تذهبي إلى فراشك."
أجابت دون أن تتوقف لتفكر: "إنك عنيد."
تمتم سلايد شيئاً لم تستطع سماعه. وقال بحدة: "أخشى أن لدي اعتباراتي الخاصة. فاشتهاء الجيف ليس رذيلة من رذائلي، وإنك تبدين الآن بعيدة قدر قدم عن القبر."
"أشكرك على هذه الكلمات المواسية. وفي هذه الحال، لابد أن صحتي قد تحسنت كثيراً منذ أن أعلن في بادئ الأمر أنني توفيت لدى وصولي. . ." حاولت برونوين أن تتابع كلامها سريعة، لكنها فقدت توازنها وانتهت بين ذراعيه. وصرخت "مايكل." وهي تنظر حولها طالبة نجدة بقلق.
قال سلايد: "أقدم لك خدمة ممتازة لكونك وقحة. وقد رحل مايكل لاجراء فحصه المعتاد، ألا تذكرين؟"
يصر أنه يقدر تمامآ أن يتدبر بنفسه أمر الرحلة القصيرة. أن يستفيد من ضعفها الحالي. فقال: "تعالي، ينبغي عليك أن تستريحي." وأدارها باتجاه غرفة النوم.
"لا،" صرخت برونوين وهي تحاول أن تقاوم. "سلايد، ليس في أي عيب إنني. . . إنني. . ." ووضعت يدها على فمها. وكانت على وشك أن تقول لا شيء لايمكن أن تشفيه تسعة شهور.
"كان لا بد أن تنطقي بذلك." قال سلايد وهو يحول اتجاهه ويساعدها نحو الأريكة.
غصت وهي تسأل: "أقول ماذا؟"
"ألم توشكي على القول إنه ليس فيك أي خطب على أن غيابي من حياتك لا يمكن أن يؤدي إلى حالة أفضل؟ "
"كلا! أنا. . ."


يا إلهي، ما يجب أن تفعل؟ هل تود أن تتزوجه بعد كل هذا؟ وإذا ما أخبرته، هل هو ما برح يريد أن ينفذ ذلك؟ إنه لم يتزوج جيني عندما كانت حامل بطفله.
قست ملامحها دون أن تشعر فلم يكن من الصواب أن يتهرب سلايد من مسؤولياته ، ليس مرة واحدة فقط ، بل مرتين . فقط ... لم يكن صواباً أن تتزوج دون حب أيضاً.
ووضعت مرفقيها على ركبتيها وأسندت رأسها بين يديها .
وكانت تدرك أن سلايد يجلس إلى جانبها.
" ما خطبك يا برونوين ؟" سألها وكان صوته خفيفاً وآسراً ، صوت رجل يعني أنه يريد جواباً.
كان لابد أن تطلعه . وكان يحق له أن يعرف . وإن لابنه الحق بأبوته . وعرفت بصورة ما أن سلايد يمكن أن يكون أباً إذا هو ألقى على عاتقه المسؤولية ... ولم يكن لشعورها الخاص أية أهمية بعد الآن.
رفعت رأسها دون أن تعرف أنها كانت تحمل تعابير شهيدة تصعد إلى المشنقة . وقالت بصوت واضح ، بصوت يعبر عن حقيقة واقعة :" إنني انتظر طفلاً ، يا سلايد . ومع إنني لم أتلقَ نتيجة الفحوص حتى الآن ، بالطبع ، لكن ليس هناك من شك . كنت على صواب عندما أطلقت عليّ بريئة غبية . والآن سأدفع لقاء غبائي."
ولم يبدُ على وجه سلايد أي شعور ، إلا أنها رأت نبضاً ينبض فوق خط فكه تماماً ." إنني أفهم . هل أنا محق في الافتراض بأن الجزء من الدفع سيكون بالزواج من والد طفلك؟ نظراً إلى حقيقة أنه طلب منك وليس من عادته أن يعود عن كلمته؟"
غصت برونوين بريقها وهي تحدق في وجهه لم يكن مسروراً . إلا أنه ما برح يود الزواج منها .
قالت بصوت مختنق ." نعم ، سأتزوجك ، يا سلايد . من أجل الطفل."
خفض رأسه وقال :" من أجل الطفل . أجل ، طبيعي . سأرتب ذلك."
لا عاطفة ولا إشارة تدل على أنه الرجل الذي ضمها وأحبها لفترة وجيزة ذات ليلة ساحرة لقد بدا الآن مجرد رجل يقوم بإجراء ترتيبات ملائمة.
ألقت برونوين رأسها مرة ثانية بين يديها وحاولت أن توقف كتفيها من الارتعاش . ظنت وكأنها في حلم ، إنها تشعر بسلايد يلمسها . لكن ربما كان ذلك وهماً فقط ... فقد فقدت في الأسابيع القليلة الماضية كثيراً من الأوهام

" لا تقلقي ." قال لها بصوت بارد سمعته عبر ضباب من التعاسة :" سنتزوج ." ولكن ليس بالمعنى الكامل لهذه الكلمة.
ومع أنه كان هناك حين من الوقت اعتقدت بأننا أنا وأنت. . ." وتوقف وفكرت هي بأنها سمعته يتنهد، ومن ثم قررت أن لا بد من أن يكون ذلك وهماً أيضاً. وعندما تكلم مرة أخرى كان صوته أكثر جفاء من أي وقت آخر. "لا تبالي. يمكنك أن تكوني متأكدة من أنني لن ألحق بك أي ازعاج."
"ازعاج. . .؟"
رفعت رأسها ونظرت إليه، إلا أنه كان قد سبقها إلى الوقوف على قدميه. "اعتني بنفسك، يا برونوين." قال بلطف: "سأدعك تعلمين حالما تستقر الأمور."
وبعد أن ذهب جلست تحدق لمدة طويلة تحت الباب.
وبعدئذٍ دخلت إلى غرفة النوم لتنام في الفراش الكبير وتحدق في السقف.
إذن، وبعد كل شيء، ستتزوج سلايد لشعورها بواجب رئيسي تجاه طفلها . وكان ذلك غريباً بطريقة ما ، لأنه هو يتزوج أيضاً لشعوره بالواجب . وقد بدا ذلك في كل خط من خطوط وجهه ... كلا . وعبست . ربما لم يكن غريباً بهذا القدر . لقد أصبح سلايد رجلاً الآن ، ولم يعد ذلك الشاب غير المبالي الذي كان قبل ثماني سنوات ، وكانت هي ، من بين كل الناس ، مدركة بأنه يستطيع أن يكون لطيفاً ومحترماً ووفياً لإصدقائه . إلا أنه ليس سعيداً بزواجه منها . كان ذلك واضحاً من الطريقة التي قال فيها أنه ليس بالضرورة أن يكون زواجاً حقيقياً.
وضغطت بمفاصل أصابعها على عينيها . ألم يعرف أنها تريد زواجاً كاملاً؟ وأن اللحظات التي أدت بهما إلى هذا المأزق كانت أسعد لحظات في حياتها تنهدت وحدقت بالسقف الأبيض العالي . ولو عرف فعلاً ، فيبدو أنه لايكترث بعد الآن .
فتح الباب الخارجي ، ودخل مايكل وبدأ يصفر مرحاً. ونهضت لتأكد له الخبر.
وبعد خمسة أيام كان سلايد وبرونوين قد تزوجا . وكان مايكل ، الذي قارب على الشفاء ، العراب . أما برونوين ، التي لم تعرف أحداً يمكنها الطلب منه أن يقف بجانبها ، فكانت شاكرة عندما عرضت سكرتيرة سلايد اللطيفة أن تكون الشاهد الآخر . وقد اتفقا على إجراء احتفال قصير في كنيسة صغيرة في ريتشموند تقع وسط حديقة من الزهور

أو كان سلايد ، بالأحرى ، هو الذي قرر ذلك ، ووافقت برونوين دون أن يكون لها أدنى رغبة في ذلك .
وترددت عندما أتت اللحظ التي تقول فيها :" اقبل." ولكنها قالتها في النهاية بهدوء تام . فنظر إليها سلايد ورفع حاجبيه ، إلا أن جوابه دوى خارجاً بقوة ووضوح.
وما أن انتهت المراسم مباشرة حتى قدم لعروسه المساعدة على الركوب في سيارة البورش ، وشكر مايكل والسكرتيرة اللطيفة وانطلق بسيارته بسرعة فائقة.
" أين نحن ذاهبان ؟" سألته برونوين التي لم تكترث أن تسأل من قبل :" إلى منزلي الريفي ليوم أو يومين . أعتقد أن اليونان قد تكون في هذه الظرف مناسبة ." وكان صوته جافاً خالياً من الرغبة . ثم تابع يقول :" رجعت السيدة دويل ، التي تعتني بمنزلي ، من إجازتها ، وهي الآن هناك تنظم الأمور . بالمناسبة ، وقبل أن يحين موعد توجهنا إلى المدينة مرة ثانية ، يقول مايكل إنه قد يكون ترك شقتي وانتقل إلى شقته الخاصة ."
" نعم." قالت برونوين وهي تتمنى عدم سماع قول ذلك بصورة باردة وخالية من الاكتراث ." لقد أخبرني هو ذلك أيضاً."
" وهل أخبرك أيضاً أنه سيعود إلى البيت في وايلز عندما تنتهي محاكمة مهاجمه؟"
فقالت بسرعة :" نعم ، ولكن ليقوم ببيع المحل نيابة عني فقط . ولن يبقى هناك ."
" لاتكوني متأكدة كثيراً من ذلك ." وأدار سلايد السيارة بمهارة حول منعطف حاد وأضاف دون مبالاة بادية :" لم يعرف أن برايس باركر توفي إلى أن أخبرته."
" ألم يكن يعلم ؟" قالت برونوين متعجبة من علاقة زوج جيني في أي أمر ." أظن أنني نسيت أن أذكر له ذلك ."
همهم سلايد وقال :" أعتقد ذلك ." واستدارت تنظر إليه ، إلا أن منظر وجهه الجانبي المحير لم يعبر عن أي شيء .، وبدا أنه يركز نظراته على الطريق.
بعد ساعتين ، بعد نزهة جميلة تخللتها إشارات مهذبة إلى شروق الشمس وسهول الريف وإمكانية تساقط المطر ، توقفا في نهاية أحد المعابر حيث كان يقوم بيت على طراز بيوت أصحاب المزارع الكبيرة في وسط غابة من الأشجار .
وكانت تمتد أمامه أرض خضراء ، وبدا البيت واسعاً ومريحاً وباهظ التكاليف ، كأن صاحبه تكبد متاعب جمة من أجل أن يجعل محيطه متناسباً.
سألها سلايد عرضياً عندما وقع بصره على وجهها المدهوش :" هل يعجبك ؟"
" نعم ، إنه جميل . توقعت شيئاً ... مختلفاً."
" قصر قوطي ضخم ، كما أظن ، بسلاسل وقلاع وأشباح وممرات خفية وحديقة بورود مهملة أطمر فيها كل من يشك ."
" ربما ." قالت برونوين بقلق وقد أزعجها تهكمه كما أنها كانت أيضاً متأثرة فلم تفكر بجواب حاد.
" بيت لائق في مكانه ، دون شك ، إلا أنه ليس حسب ذوقي ." وتوقف سلايد ، ثم قال :" إضافة إلى ذلك أفضل الزهور البرية على الورود ."
" والنساء البريات ." قالت برونوين ، وتمنت بسرعة لو أنها فكرت بابتلاع لسانها .
" كذلك لائقات في مكانهن ." قال سلايد موافقاً بجفاء.
أأجبرت برونوين نفسها على ألا ترفسه على ساقه ، ومن ثم أخذها العجب مما إذا كان يجب أن تفعل ذلك . كان سيرد الضربة ، طبعاً ، ولكن أي شيء كان أفضل من السلوك البارد الذي عاملها به منذ اللحظة التي أخبرته فيها عن الطفل .
فتحت السيدة دويل الباب الأمامي .وكانت امرأة ضخمة ذات وجه قرمزي ترتدي رداءاً رياضياً جعلها تبدو امرأة محبوبة ، ولكن بطيئة الحركة .
استقبلتهما بوجه باش مرحبة : "أهلاً بالزوجين السعيدين ." قالت بصوت خافت ملؤه الدهشة :" لقد حان الوقت ليقوم شخص ما بحمل هذا الوغد الشاب على أن يكون رجلاً شريفاً."
وغد شاب ؟ ألقت برونوين نظرة سريعة على سلايد وبذلت جهداً موفقاً لكي لاتختنق.
لم تطرف له عين ." لا تظن برونوين أنني رجل شريف أبداً." قال للسيدة دويل بصورة لا شعورية .
استدارت السيدة دويل متثاقلة ، نظراً لضخامته ، لتحدق بالعروس وقالت بعد برهة :" لا أصدق أن فتاة عقلها سليم يمكن أن تتزوج شيطاناً شاباً مثلك إذا لم تكن تثق به . يمكنك أن تثق من ذلك ."


أحست برونوين بوجهها يحمرّ وقالت :" إن سلايد غير مقتنع أنني بعقل سليم ، على كل حال ." قالت ذلك وهي تتصور إذا كانت السيدة دويل تلك المرأة الذكية دائماً.
كانت ذكية ." إذن فهو مخبول . وكنت أشك في ذلك دائماً . فلا بأس ، فهو يدفع أجري ." قالت ذلك وهي تمنح سلايد ابتسامة رقيقة :" تفضلا وأدخلا الآن . لقد اعددت لكما في غرفة الفطور عشاء خفيفاً. فقد تصورت أنكما تودان أن تكونا منفردين ." واستدارت ونزلت تتهاوى في رواق قصير ، تاركة برونوين وسلايد ليدخلا وراءها.
دهشت برونوين لقاعة الطعام غير المكتظة بالفرش التي تشرف على فسحة تنبت فيها الزهور وشاهدت ، كما ذكرت السيدة دويل ، عشاء بارداً ينتظرهما على المائدة .
" سأترككما إذن يا عصفوري الحب لتتناولا الطعام ، فلن تحتاجا أي شيء آخر ." وكان ما قالته بلاغاً وليس سؤالاً.
صدر عن سلايد وهو يجلس إلى المائدة حركات بعد أن رحلت وقال بخفة :" الأفضل أن نعمل كما أشارت ، فالسيدة دويل لا تنسجم مع عدم اطاعة التعليمات ، وسأجلب حوائجنا في ما بعد."
جلست برونوين ، التي كانت ما برحت ترتدي ملابسها ذات اللون القشدي والذهبي وهي في ريبة من أمرها وقالت :" لا أعتقد أنك فعلت ما أبلغت به تماماً . يبدو أن السيدة دويل امرأة طيبة ، لكن ليست ... ليست على غرارك تماماً."
ابتسم سلايد قليلاً وقال :" إنها على غراري تماماً . فهي طاهية ممتازة ، لا تقيم الدنيا وتقعدها حيال تنظيف الأشياء بعدي وتعبر عن فكرها بحرية ، وإذا قالت إنها ستفعل شيئاً ما فإنها تنفذه . أتمنى لو كان بإمكاني أن أقول الشيء نفسه عن جميع الموظفين لدي ." وناولها الملح والبهار . " عيبها الوحيد هو ذوقها في اللباس الرياضي ، الذي لايحتمله النظر ."
أطلقت برونوين ضحكة خافتة . وشعرت بالتوتر وعدم الارتياح ، كما كانت طيلة النهار ، إلا أنها تستطيع أن تتدبر أمر سلايد اللاهي والمتسامح . فقد كان ذلك الغريب البارد الذي دفعها إلى الانفجار بسذاجة .
واستمر في الحديث بالطريقة السطحية الخفيفة نفسها وهما يتناولان الطعام الممتاز الذي كانت قد أعدته السيدة دويل . وسرعان ما انتهيا من تناول القهوة ووضع فنجانه قائلاً إنه ذاهب ليأتي بحوائجهما من السيارة .
" سأساعدك ." قالت برونوين.
" كلا ، لن تساعديني . إن إبني ووريثي لن يحب ذلك ."

" لست على هذا القدر من سرعة العطب !" قالت بتعجب :" فلم أكن منحرفة الصحة أبداً اليوم . وعلى كل حال هو ... هي ... يجوز أن تكون ابنة." وحدقت متعبة في طبقها الفارغ ، لأنها المرة الأولى منذ أن أخبرته عن الطفل يتطرق سلايد إلى الموضوع من جديد.
" في هذه الحال ، آمل أن تتسم ببقع النمش التي تتسمين بها." أجابها مفاجئاً.
نظرت إليه في الحال ، إلا أنه كان قد خرج من الباب.
وعندما رجع خالي اليدين عرفت أن الحوائج قد أحضرت بأمان . هزّ برأسه مشيراً أن عليها أن تتبعه ، وسارا في ممر عريض ذي نوافذ تمتد من الأرض إلى السقف على طول جدار واحد . وكان في الخارج فسحة معشوشبة تنحدر نحو مجرى ماء صغير يفصل بين الحديقة وحرج بري من شجيرات غير مشذبة وأعشاب.
دخل سلايد وتوقف في غرفة نوم واسعة مبنية بأثاث صنوبري . وكانت أرضها اللامعة مفروشة بسجاد مرقط باللون الأخضر الذي يفضله سلايد.
" هل تعجبك هذه ؟ أو تودين أن تشاهدي الغرف الأخرى أولاً؟"
نظرت بونوين إلى السرير المزدوج المرح الذي تغطيه الأغطية الخضراء ثم نحو سلايد ." تبدو كأنك صاحب فندق رخيص ألقى مؤقتاً بالفئران جانباً." قالت ذلك بغموض :" نعم ، تعجبني الغرفة تماماً."
حنى رأسه متجاهلاً سخريتها وقال :" هذا حسن ، غرفتي تقع تحت القاعة تماماً."
" أوه . لكن ..."
" من أجل الطفل ، أعتقد أنك قلت." قال هذا وكانت ملامحه لا تنم عن أي شيء.
" نعم ، طبعاً . إلا ..."
" أنت حتماً لا تريدين أكثر من أب لطفلك ؟" سألها بمرارة :" لا سيما شخص لا تثقين به بصورة خاصة ."
" إنني أثق بك فعلاً." قالت بهدوء وهي تحدق بخط فكه القاسي.
إنه لمضحك . كان ذلك صحيحاً . إنها تثق به . وما حدث في الماضي لم يعد له أية أهمية الآن.
" أحقاً؟" ولوى شفتيه بشكل لم يعجبها ." ولكنك مازلت لا تفكرين كثيراً بأخلاقي."
" لا أعرف." ونظرت في أنحاء غرفة النوم قانطة تبحث عن مؤازرة لم تجدها . ووقع نظرها على لوحة فنان رسم فيها ساقية بعيداً عن الحديقة
كان منظرها يبعث على الطمأنينة والسلام واستقرت عيناها على المياه الزرقاء الباردة.
" لا تعرفين ." كرر سلايد قولها :" أجل ، أظن أن ذلك تقدم ." وبدا قلقاً فجأة ثم قال :" نامي جيداً ، يا عزيزتي ." ولمس بيده وجنتها.
حنت رأسها وقالت :" سأحاول ." قال :" طاب مساؤك ، يا برونوين ."
لم يكن الوقت قد تجاوز بعد التاسعة مساء، وكان باكراً جداً للذهاب إلى النوم . فجلست على كرسي كبير مريح قرب النافذة وراحت تحدق بمجموعة من الزهور تتمايل برقة مع النسيم.
إذاً هكذا سوف تمضي ليلة زفافها . ما السبب ؟ لم تصدق أن سلايد لم يعد يريدها . ربما لم يكن يحبها ، إلا أنه كان رجلاً نشطاً وبصحة جيدة ، وكان منذ وقت قليل يريدها كثيراً . والآن هما متزوجان . فما السبب الذي حدا به ليصر على هذه البدعة السخيفة لشهر العسل ؟ هل كانت كبرياؤه لأنها قالت له ذات مرة إنها لا يمكن أن تثق به ؟ أو لأنه تصور أنه يقدم لها خدمة ؟ فمهما كان ذلك ، لا علاقة له في رفضها إلا أنه كان في المدة الأخيرة بارداً جداً...
قطبت حاجبيها ووقفت بسرعة وهي تشعر بحاجة ملحة للهواء.
كان المساء دافئاً يفوح منه الشذا ، وكان العشب تحت قدميها العاريتين بارداً وناعماً. وعندما بلغت الساقية جلست دون أن تكترث بالأوساخ التي لطخت فستانها.
جلست هناك لمدة طويلة تحدق بالمياه المترقرقة ، وعندما سمعت وراءها وقع أقدام قفزت واقفة .
" ستصابين بالبرد ." قال لها سلايد بصوت خافت رنان .
قالت وقد ملأتها المشاعر . لكن الوضع كان كله سخيفاً ، وأدركت فجأة . إنها سبب ما يحدث ." أوه ... كنت أفكر ." قالت ذلك وهي تتناول ذراعه وتسير عائدة إلى البيت برفقته.
" بماذا كنت تفكرين ؟" سألها بصوت متعب انما خال من البرود.
تنفست بعمق وأجابت :" بنا نحن الاثنين وأن هذه الليلة هي ليلة زفافنا . لا أشعر أنني مريضة ، يا سلايد ، ولا أود أن أمضي الليلة وحيدة ."
" كلا ، لا أعتقد ذلك . في الواقع ، وأنا لا أود ذلك ."
توقفت عن متابعة سيرها وسألته :" إذن لماذا ...؟"
" لأنك لست مستعدة أن ترضي بي كما أنا . ولا أعتقد حتى أنك تعرفين من وما أنا . عندما ... إذا ... أنت إذن ..." وهز بكتفيه ." عندئذٍ سنرى ."
أرادت أن تقول :" أقبل بك فعلاً ، وأعرف من وما أنت ، وأحبك برغم ذلك ." لكنها لم تقو على قول ذلك ، لأن سلايد كان يتقدمها في السير ، وبدا مرة أخرى ، غريباً بارداً خالياً من المشاعر ، وليس زوجاً يتوق إلى عروسه .
وعندما بلغا البيت ، تناولت يده مرة ثانية ، آملة أن تبعث لمستها بالرسالة التي لم تعبر عنها . إلا أنه أرخى يدها ، وعرفت أنها إن لم توقفه فسيدخل غرفته ويغلق الباب بوجهها .
" سلايد ." نادته والغصة تكاد تخنقها ." أقبل بك فعلاً . فما فعلت ... لا يهم ..."
ارتفع حاجباه ورد :" ما فعلت ؟"
" أعني أنك لم تتزوج جيني ..."
" عدم زواجي بأم طفلي لا يهم ؟ إنك تفاجئيني ، يا برونوين ."
كانت تلك الحدة القارصة في صوته ، تلك الطريقة التي ينظر بها نحوها... كلها برود وتشامخ وسخرية . وكان بودها لو أنها كرهت كل شيء عنه في تلك اللحظة ، لو أنها فقط لم تكن تعشقه إلى هذا الحد .
وتابعت بشجاعة :" أعني أنه يمكنني أن أقبل الآن أن ما وقع في الماضي قد انتهى . وقد قلت ذلك بنفسك ، ونحن متزوجان الآن ، وسأنجب لك طفلاً . ألا نستطيع ... ألا نستطيع أن نبدأ من جديد ، يا سلايد ، ونعمل على إنماء شيء جميل بدلاً من كل هذه التصرفات السيئة ؟"
" أنت تعنين ، على ما أظن ، أنك تصفحين عني ."قال سلايد ببرود لاذع.
لماذا بدا غاضباً بهذا الشكل ؟ كأنها هي التي كانت بحاجة إلى غفران؟
" أجل ، أصفح فعلاً." أجابت وهي تعرف أنها كانت تقول شيئاً خطأ ." والآن يأخذني العجب ، ربما لا يمكنك أنت أن تصفح عني من أجل ... حسناً ، انني اصفح عنك ."
أطلق ضحكة قصيرة حاقدة لم تكن ضحكة على الإطلاق.
وقال برفض :" أيتها العالمية النفسية ، لا تحاولي تحليل شخصيتي ، يا برونوين ."
" لا أود ذلك ." قالت وهي تحدق به بشيء من القنوط :" أود أن أحبك فقط. أعرف ... أعرف أنك لست الرجل نفسه الذي كنت أعرفه قبل ثماني سنوات."
" أنا الرجل نفسه تماماً." قال بسرعة خاطفة :" كبرت قليلاً ولكن أصبحت على قدر كبير من الحكمة ... انما لا شيء مهماً حيالي قد تغير."
هزت برونوين رأسها ، دون أن تتظاهر بالفهم ، ومرة أخرى استدار سلايد عنها.
امسكت بذراعه تشد بها وهي ترغمه على النظر إليها ... وعندما نظر وشاهدت عينيه ، تمنت لو أنها تركته يذهب .
كانت عيناه فارغتين ، خاليتين من أي تعبير إنساني .
وشعرت كأن طوقاً لُفّ حول رقبتها يكاد يودي بأنفاسها .
فرفعت يدها ووضعتها على وجنته المجلدة بقنوط.
أغمض عينيه ، فتحركت موجة خفيفة من العاطفة تحت قناع وجهه الخالي من التعبير.
وراحت برونوين تطوق عنقه بذراعيها ببطء شديد.
ظل واقفاً متيحاً لأصابعها مداعبة أعصاب عنقه المشدود وفكه...
أحنى رأسه عندئذ وشدها إليه ، وراح يعانقها مما دفعها إلى الصراخ وجسدها يتجاوب بغبطة معه.
ازداد التجاوب عمقاً فتمتم :" برونوين ." وراح يقودها تجاه غرفته ، ولكن عندما مدت يدها من ورائه لتمسك مقبض الباب ، ولم تجده ، رفع رأسه مرة ثانية ووقف ينظر في عينيها.
حتى وهي ترقبه ، كان الشوق قد اختفى من عينيه.
" لا ." قال بخشونة وهو يبعدها عنه :" آسف ، يا برونوين ، كان يجب ألا أدعك تلمسينني ."
" تدعني ... يا سلايد ، عمّ تتكلم ؟ هل ... هل نسيت أنني زوجتك ؟"
" لم أنسَ." تكلم بقنوط قاس فسمعته برونوين وعرفت أنها خسرت.
ورفضت لبرهة أن تقبل ماكان قلبها يخبرها . حدقت به وهي تأمل أن تكون على خطأ . إلا أنها لم تكن مخطئة . كان يتسم بشيء من القساوة ، لم تعرف كيف تتغلب عليها.
وشرعت تقول :" سلايد ..." ثم توقفت . وكادت تستسلم عندئذٍ لو لم تدخل السيدة دويل بثوب قرمزي ، ولم تكد تدخل ممر القاعة حتى توقفت وغمغمت بصورة مقيتة ." هه، الأضداد تتلاقى عندما لايتمكن العروسان من بلوغ غرفة النوم دون عراك ." ومرت بجانبهما ودخلت غرفتها وهي ما زالت تتمتم .
حدق سلايد وراءها ومسح جبينه براحته وقال :" إنها على حق ، لا أود أن أتشاجر معك ، يا برونوين ."
" كذلك أنا ."
حنى رأسه ." أعرف . إذن أرجوك ، اذهبي إلى غرفتك فقط ." والتوت شفتاه ألماً وقال :" ونامي جيداً."
وأدارت له ظهرها ، غير قادرة على تحمله أكثر من هذا .
" نعم . إني ذاهبة لأنام الآن ." قالت بهدوء وهي تسير بخطى متثاقلة عبر القاعة إلى نومها المفردة .
في الأيام الماضية كان يسألها ، وفكرت بقنوط أنه إذا كانت تود مرافقته . لكنها عرفت أنه لن يسألها الليلة .
لم يكن راغباً، وكانت ليلة زفافها طويلة وموحشة وهي تشعر بالوحدة.
لم يسألها ، وبقيت طيلة الليل قلقة ووحيدة . وتساءلت إذا كانت ليلته هو كذلك ، لكن ، وهي تستعيد رفضه القارص للحب الذي عرضته عليه ، ظنت أنه لابد أن يكون نائماً نوماً عميقاً.
عضت على شفتها . وغصت بريقها أنها ترفض أن تتيح لدموعها الجريان.

كانت الأيام القليلة التالية طويلة . يملؤها وجود سلايد ، ولكن ما زالت تشعر بالوحدة بصورة لا تطاق . بقي معها معظم الأوقات ، حريصاً على أن تتناول طعامها بانتظام وتأكل جيداً ، وتشغل وقتها بالكتب والموسيقى وعندما كانت تود أن تسبح في المسبح الكبير أو تتنزه في الريف كان يرافقها . وأظهر معرفة بعلم النبات أدهشتها ، ولكن لا شيء على الإطلاق بالنسبة لنفسه. إلا أنه كان يحترمها ويقدرها بطريقة لم تعرفها منه خلال الأيام الماضية في شقته ، وافتقدت ذلك الرجل الذي كان غالباً يدفعها إلى الضحك بقدر ما كان يدفعها إلى لطمه.
" ما دهاكما أنتما الإثنين ؟ لم أر بحياتي مثلكما ." استهلت السيدة دويل ، التي كانت ترتدي بزة رياضية زيتونية اللون مطرزة بلون قرمزي، كان الكلام مع برونوين في غرفة تناول الفطور بعد أن صعد سلايد الطابق الثاني ليستحم.
" مثل ماذا ، يا سيدة دويل ؟" قالت برونوين ، وهي ما زالت تجد في بلاغة مدبرة شؤون المنزل قليلاً من الازعاج ، لكنها كانت قد بدأت تقدرها.
" شهر عسل ." قالت السيدة دويل بإقتضاب :" وغرف نوم منفردة . ذلك غريب."
ولما كانت برونوين توافقها بكل قلبها ، لم تجد أي جدوى في الجدل معها.
" أعرف ، أعتقد ذلك أيضاً."
هزت مدبرة المنزل رأسها وقالت :" إذن لا ترفعي له يديك . إن زوجك مجنون بحبك ، وذلك واضح كأنفه المستقيم في وجهه تماماً."
" أوه ، لا ." قالت برونوين بسرعة :" لا أعتقد أنه كذلك . هو يقول ... إنني أكاد لا أعرفه."
همهمت السيدة دويل وردت :" وهل أنت تعرفينه؟"
" حسناً ، أنا ..." وحدقت برونوين بصورة السيدة دويل التي تقف مشرفة فوقها . يجوز ، يجوز فقط ، من هذا المصدر غير المرجح ... ووضعت يداً فوق عينيها واسترسلت في التفكير لمدة طويلة .
" نعم ." قالت في النهاية ." نعم ، يا سيدة دويل ، أعتقد أنني أعرفه . اعذريني لدي ... لدي شيء يجب أن أقوم بعمله."
" أظن ذلك ." قالت السيدة دويل وأدارت لها ظهرها ." لقد حان الوقت ."
ماكانت برونوين تود أن تقوم بعمله ربما ليس ما تفكر به مدبرة شؤون المنزل . لابد أن تفكر أولاً . بصورة جدية . فهرعت إلى غرفتها الوحيدة وألقت بنفسها فوق كرسي.
ورويداً, وهي تنظر عبر النافذة إلى الورود, وقعت أنظارها على مكان يشبه رموز الموسيقى...فمنحتها تلك المعرفة التي كانت تنمو معها لمدة أسابيع, دون أن تدركها, منحتها في النهاية الجواب الذي كانت بحاجة إليه.
من الجائز أن يكون سلايد الذي متغطرساً وعديم الرحمة, ومعتاداً على سلوك طريقه...إلا أنه لم يكن أنانيا وغير مسؤول .بخلاف ذلك, كان شريفاً معتداً برأيه.وكان صلباً في رأيه وفي جسده.الخلاصة, كان رجلاً غير قادر على هجر والدة طفله.لكن الاشاعات كانت على ذلك الشكل.
الاشاعات.من المحتمل ان يكون سللايد والد بوبي الصغير.
حدقت بالورود الصفراء بعينين بللتهما الدموع .فلا عجب إن كان بعيداً جداً. ولاعجب أيضاً أنه كان مشمئزاً من إقامة علاقة مع امرأة فكرت بأنه كان مذنباً بفعلة يجدها شائنة.ولاعجب أنه تزوجها على كل حال, على رغم تدني ثقتها فيه.كان ينبغي أن تفهم أي نوع من الرجال هو, عندما أخبرها أن فاليري لها زوج, وكيف كان يفضل أن تكون نساؤه غير مرتبطات.
لوت حزام ثوبها الحريري الجديد وهي تدرك وجود سؤال ضخم لم يحظ بجواب.فإذا لم يكن سلايد والد بوبي, فما كان سبب رفضه أن يقول هذا مباشرة؟ وما كان سبب التزامه الصمت؟
وبعد فترة, فيما الورود الصفراء تتمايل مع النسيم عرفت أنه يمكن ان يكون هناك جواب واحد فقط. الإخلاص.

الإخلاص لشخص كان يهمه, لشخص لم يكن يريد له أن يصاب بأذى....
عرفت الآن من الذي تبنى أبوة طفل جيني . ربما عرفت في أعماق نفسها ذلك منذ وقت طويل.... لذلك كانت مستعدة لإتهام سلايد.
أغمضت عينيها وأطلقت صرخة ألم خافتة

الفصل التاسع


ذهبت برونوين تبحث عن سلايد, لكنها لم تتمكن من العثور عليه.
"لقد غادر في سيارة السباق. قالت السيدة دويل, التي غيرت ثوبها ببزة رياضية صفراء. وقال إن لديه عملاً يجب أن يُعنى به, لكنه بدا كأنه كان يبحث عن شخص ما ليركله."وكعادتها, لم تهتم مدبرة شؤون المنزل أن توضح كلامها.
قالت برونوين ." آه,هل قال متى يعود؟"
"اتى وقت الغذاء. وأفهمني أن عروسه ستكون بحالة أفضل إذا بقي بعيداً."
لم تعتقد برونوين ذلك.كانت بحاجة ماسة لأن تتحدث إليه, مهما يكن مزاجه. ولكنها لم تكن قادرة على فعل اي شيء, باستثناء ان تكلم ربما مايكل هاتفياً.
تناولت الهاتف في غرفة الشمس التي تشرف على الحديقة.
"هالو." كان صوت مايكل واضحاً وصحيحاً ومبتهجاً.
"برونوين تتكلم."
"مرحبا , تبدين وكأنك تختنقين أين سلايد؟"
"أنه لايخنقني. وكما قالت السيدة دويل, خرج يبحث عن شخص يريد ركله."
" هم؟" وبدا صوت مايكل دهشاً." ما الأمر يابرون؟"
لفت شريط الهاتف ونادت " مايكل..."
"نعم؟ انطقي."
رطبت برونوين شفتيها اللتين كانتا جافتين بصورة غير اعتيادية وقالت:" مايكل , هل أنت ..... هل أنت والد بوبي باركر؟" وعرفت أنها كانت تنق كالضدفدعة. إلا أنها استطاعت أن تنطق بالكلمات.
أجاب مايكل بأسرع مما كانت تتوقع :" نعم , نعم , أنا والده, يابرون. أعتقد أنك ربما كنت تعرفين. فهل أخبرتك جيني؟"
وارتمت إزاء الجدار وقالت."لا , لم يخربني أحد .لقد تصورت ذلك بنفسي. كنت .... كنت أعتقد أن سلايد كان دائماً والد الطفل. وكان الجميع يعتقد كذلك."
سمعت مايكل يتنهد بشدة.
هتف مايكل بتعجب :"سلايد! لماذا سلايد؟ ياللجحيم, يابرون , كان الرجل على وشك أن يسلخ فروة رأسي عندما عرف . أكره الإقرار بذلك , لكن



سلايد لايورط جيني بتلك الورطة, إن لم يكن متأكداً من قدرته على الزواج منها."
" أعرف . وكان ينبغي أن أدرك ذلك." قالت برونوين.
توقف الإثنان عن الحديث برهة جمعا خلالها أفكارهما, وسمعت بعدها صوت مايكل يتحدث اليها بشيء من الحياء:" هل كانت تلك المشكلة بينك وبين سلايد, يابرون؟ لم أعرف. إنما ما أعرفه هو أنني تركت بونتغلاس بسرعة جهنمية , دون أن أطلع أحداً على السبب, إلا أن ذلك كان لأنني لم أود أن أؤذي والدتي. وكنت آمل ألا تكتشف ذلك, ولم أتصور أبداً أن أحداً يمكنه أن يعتقد .... أي , لم أقصد...."
"كلا لم تقصد مطلقاً." قالت برونوين بصوت خافت.
" لكن كيف يمكنني تصحيح ذلك؟" اعترض مايكل " انك لم تخبريني."
ردت برونوين بحدة" كان في إمكانك أن تتصف بالحشمة وتبتعد عن جيني عندما عرفت أنها مخطوبة لرجل آخر."
يا إلهي , كان شقيقها يحتاج إلى حس بالمسؤولية دائماً , ولكن كان هذا برمته كثيراً جداً.
" لكنها لم تكن مخطوبة ." اعترض مايكل ." لم تشأ ذلك , على الأقل . وكنت وإياها نهتم دائماً ببعضنا بعضاً , غير ان والديها لم يوافقا عليّ . و...."
"لايمكن أن ألومهما. " قالت برونوين بصورة توشك فيها على فقدان صبرها .
" كلا إنك لاتدركين. أعرف إنني لم أكن معتدلاً كثيراً كما لم أكن مستقراً, ولكنني أحببت جيني . وكنت أود أن أسعدها. ولكن والديها لم يريدا لها أن تتزوج إلا برايس لأنه كان يكبرها وكان أغنى منها كما أن والده كان مرشحاً لرئاسة البلدية."
ذلك كان صحيحاً, فكرت برونوين وتذكرت كيف كان آل برايس يتباهون بخطبة ابنتهم.
"على كل حال , لم يكن في إمكانهما إجبار جيني على الزواج منه." أشارت برونوين لمايكل.
"كلا, إلا أنهما أرهقاها في النهاية, ودفعا بها إلى الاعتقاد أنه لايمكنها أن تسعد معي. إذ لم تكن تتحلى في تلك الأيام بإرادة قوبة. ولا أعرف كيف هي الآن , لكنها كانت في ذلك الوقت لطيفة وسهلة الانقياد ولم يكن عمرها أنذاك إلا سبع عشرة سنة.
" هل نجحت لهذا السبب في تركها تحمل طفلك؟" قالت برونوين وكانت قد بدأت تألف عادة السيدة دويل في التعبير مباشرة.
"برون!" هتف مايكل بتعجب" كلا , لم يكن السبب . أقول لك إننا كنا نعشق بعضنا بعضاً . وإن كنت تودين الحقيقة , ما زلت أحبها, ولما علمت الآن أن برايس توفي , سأتوجه عائداً إلى الوطن لأرى ما إذا... ما إذا برحت تريدني."
"آه." ردت برونوين مقتنعة بقوه. " ولكن , يامايكل , إذا كنت تحبها بقوة , فما السبب الذي دفعك في المقام الأول إلى الهروب؟ ولماذا تركك سلايد تفعل ذلك؟"
لم يتركني.فقد تكلمت معه من لندن هاتفياً . وبعد أن وبخني وقال لي أي مجنون كنت وأستحق الرفس على قفاي بقسوة, أدرك في النهاية أنني لن أرجع إلى المنزل وكان ذلك عندما وافق على مساعدتي . وقال شيئاً عن كوني مازلت طفلاً سارحاً في الغابات, وإذا ماكنت مصراً على البقاء غبياً , فسيعمل مافي وسعه على تحقيق عمل ملائم لي."
" كونك غبياً؟" رددت برونوين متسائلة.
فرد مايكل :" أظن ذلك .فلم توافق والدتي ووالدي أبداً عليه إلا أنه كان فعلاً الرجل الذي أبقاني بعيداً عن المشكلات.... معظم الوقت."
أجل فكرت برونوين مواقفة إلا في المرة الأكثر أهمية عندما كان مايكل مشغولاً بوضع جيني في طريق العائلة.
وابتسمت على الهاتف باشمئزاز. حتى سلايد لم يكن متوقعاً منه أن يتمكن من الحؤول دون ذلك.
قالت بعد لحظة تفكير:" يمكنني أن أرى سبب شعور سلايد بالالتزام في مواصة إبقائك بعيداً عن المشكلات. فهو من ذلك النوع من الأشخاص. إلا أنني لا أرى سبباً حتم عليك الهرب فعلاً.... مما كدر أمي وأبي.فلماذا لم تبق وتناضل من أجل جيني ؟"
" لقد حاولت . ولم نعرف أنها كانت حاملاً حتى بعد أن رضخت للضغوط ووافقت على أن تخطب لبرايس."
لكن حتماً كان يمكن لذلك أن يشكل سبباً لفسخ الخطوبة؟"
"لم يدعها تفعل ذك. كان برايس مغرماً بها . وقال إنه سيعمل على تربية الطفل بنفسه, وإذا لم أغادر البلد بسرعة فسيكسر كل عظام جسدي . وكان قادراً على فعل ذلك تماماً.وقد أخبر جيني أيضاً أنه إذا لم تشجعني على الرحيل, فسيأخذ في تكسير عظامها هي .ذلك ماحملني على الرحيل في نهاية المطاف.لقد أخذ بها الخوف , حتى أنها لم تكن متأكدة من حبها لي


بعد ذلك, وقد توسلتني لأرحل, ولا أواصل الاحتكاك بها. ذلك كان السبب في عدم معرفتي ..."
توقف وتنحنح بصوت مرتفع وأكمل:" على أية حال , تصورت أنه بخروجي من الصورة , فقد تتاح لها فرصة لا بأس بها لتكون فيها سعيدة. ولا أظن أن برايس كان رجلاً عنيفاً بصورة طبيعية. كان مغرماً فقط. ولم يكن ذلك الذي يستسلم."
أما مايكل فكان كذلك, فكرت برونوين.لكنه أصبح الآن أكبر من ذي قبل ويجوز أن يكون أقوى. وربما مع حب جيني وولد يعتني به قد يتعلم في النهاية أن يكون رجلاً .
وتنهدت برونوين وقالت :" حسناً ، أتمنى لكما حظاً سعيداً!." وكانت تعني ما تقول.
أجل ، قد يكون مايكل بحاجة إلى الحظ ، واسترسلت في التفكير وهي تضع سماعة الهاتف في مكانها . إنما ، قد تكون هي بحاجة إلى الحظ أكثر منه . لدى سلايد الكثير ليصفح عنه . ولم يثبت لها أنه رجل يصفح بعفوية طيبة عن أخطاء الأخرين.
رجع عند وقت الغداء وهو يبدو شبيهاً بجوبيتر وهو ينزل من عرشه ليثير المشكلات بوجه أول انسان غير محظوظ يعبر طريقه.
" ها ." قالت السيدة دويل ، التي كانت تقف بجانب برونوين قرب نافذة المطبخ :" لم يجد ذلك الشخص الذي كان يريد أن يرفسه."
قالت برونوين بصوت خافت :" أظن أن ذلك الشخص كان أنا فعلاً."
همهمت السيدة دويل ثم قالت :" على الأرجح . إلا أنه سيستدعيني إلى التدخل ، إذا حاول ذلك ." وتناولت السيدة دويل دبوساً مفتولاً رخامياً وهزت به باتجاه السقف مهددة.
ثم أنزلته مرة ثانية وأضافت شبه نادمة :" لن يحاول ذلك ، على كل حال . فهو ليس من ذلك النوع الذي يجرؤ على ذلك ."
اكتشفت برونوين ، التي كانت قبل برهة توشك على الانفجار أنها كانت بدلاً من ذلك تضحك.
" أنت ساخرة ، يا سيدة دويل ." قالت برونوين ممازحة وهي تمسح بيدها عينيها ." شكراً لك ."
ولما ذهبت تبحث عن سلايد ، الذي توارى حول جنبات المنزل كأن الخفافيش كانت تلاحقه من الجحيم ، سمعت السيدة دويل تتمتم من ورائها : ساخرة حقاً.زيت خروع ، ما أظنك تعنين."
وجدت برونوين سلايد يتكئ إزاء شجرة سنديان بالقرب من الجدول . كان يرتدي بنطلوناً قشدي اللون وقميصاً أصفر . وكانت يداه في جيبيه يحدق بالمناظر البرية وفي عينيه قنوط مطبق فشعرت وهي تراقبه برغبة في البكاء.
نادته بهدوء وهي تقترب منه :" سلايد ، سلايد ، إنني آسفة ."
أدار رأسه ، ولكن بقي التعبير السقيم مسيطراً عليه ، وسألها دون اكتراث مما جعلها تشحب :" لماذا أنت آسفة ؟"
" لأنني لم أثق بك حيال جيني ."
استدار مرة أخرى وقال :" لقد فهمت ، كنت تتحدثين مع مايكل ."
أحنت برونوين رأسها وقالت :" نعم . لكن لم أكن بحاجة إلى ذلك ."
" ألم تكوني ؟ وهل تحاولين أن تقولي لي إنك رأيت النور فجأة ؟ وأن صوتاً من الأعالي ، صوت مايكل بالتأكيد ، أعلن لك من وراء السحاب براءتي ؟"
كلن سلايد يتكلم بمرارة حادة أذهلت برونوين ، التي أجابت بما أمكنها من لطف :" كلا . فقد فكرت ملياً. استعملت عقلي ، بدلاً من الإنجرار إلى التعامي بالوفاء العائلي."
فقال ساخراً :" الشيء الوحيد الذي يرجع أن يعميك حول هذا المكان هو بدلة السيدة دويل الصفراء."


نظرت إليه بعينين ضيقتين وهي تتساءل فيما إذا كان يحاول اخفاء مشاعره خلف ذلاقة لسانه ؟ أو هل كان يستفزها ؟ لا ، حتماً لا . ليس الآن ، من بين جميع الأوقات ، عندما كانت تحاول أن تصحح أخطاءها.
أمعنت فيه النظر وتتفرس منه عن كثب وقررت أنه لم يكن يستفزها . ولم تكن الأخاديد العميقة بجانب فمه مجعدة من الضحك.
" سلايد ، أحاول أن أقول لك إنني آسفة ."
" هذا رائع . لقد قلت لي ذلك ."
" سلايد ..."
" انظري ." قال سلايد وهو يبتعد عن الشجرة ويستدير ليواجهها ." اعتذرت ، وقبلت اعتذارك . دعينا من ذلك الآن ."
" لكنك لم تقبل بأي شيء . أنت غاضب ولا ألومك . وطبعاً كان يتوجب عليّ أن أدرك أنك كنت آخر رجل الأخير على وجه الأرض الذي ينتهز الفرصة ويستفيد من جيني . ولكن ، يا سلايد ، إن مايكل هو شقيقي . لم أفكر ..."
" إلى أن أخبرك."
" لا . لقد تكلمت مع مايكل فعلاً ، ولكن لم أكن بحاجة إلى ذلك . لقد بحثت عنك أولاً ، انما لم أتمكن من العثور عليك ."
قالت هذا وفتلت خصلة من شعرها الأحمر حول اصبعها وأضافت :" في الواقع ، كان يجب أن أدرك الحقيقة منذ زمن بعيد . لكن لم يحدث يوم بدا كأن كل شيء سقط في مكانه. أنا ... أنا أحبك ، يا سلايد . أظن ... آمل... هل هناك أية فرصة تسنح لتحبني فيها أيضاً؟" ةمدت يدها وكانت عيناها رماديتين داكنتين كبيرتين . لكنه تراجع كأن لمستها قد تودي بقتله.
" طبعاً أحبك ." أجاب بقسوة بالغة مما دفع برونوين إلى الذعر . لماذا تفكرين أنني أردت أن أضربك ذلك اليوم على أذنيك ؟ ولماذا طلبت منك أن تتزوجيني ، بحق السماء ؟أتصدقين أنه بعد أن رفضتني كان لدي أمل ضئيل في أن تكوني حاملاً حتى أحملك على تغيير رأيك ؟ آه ، لقد عرفت أنه لم يكن لديك رأي حسن بأخلاقي ، لكنني فكرت لو أنني أتمكن من إقناعك بأن تتزوجيني ، فعاجلاً أم آجلاً سوف تفهمين أنني لم أكن رجلاً يحب بخفة ... أو يملأ الأرض بأطفال غير مرغوب بهم ." ونظر إلى قمم الأشجار وجعلها صوته اللاذع تجفل وقال :" لم يكن في إمكاني أن أهدم ثقتك بشقيقك ، يا برونوين . فماذا يمكن أن تفكري بي لو أنني دافعت عن نفسي بجبن بصب اللوم على مايكل ؟"
" ذلك هو الشيء لبصحيح ." قالت بهدوء . وكانت قسوة سلايد غير المتوقعة تمزقها . وقد ألحقت بها هزيمة ، مع أنها فهمت الآن أن اتهاماتها يجب أن تكون قد ألحقت به أذى لا يطاق...
وتجمعت أفكارها الصاخبة فجأة ، كأنها سمعت صوتاً يخرج من وراء الغيوم حقاً.
لقد قال سلايد للتو أنه يحبها . حتماً ذلك هو الشيء الوحيد الذي كان يهم؟
" قلت إنك تحبني ." همست . " أرجوك ، ألا يمكننا أن نبدأ من جديد ؟"
لقد اعتقدت ذلك في وقت ما . أجاب ببرودة لاذعة كادت تدفعها إلى الصراخ ." وكما أخبرتك ، كنت مقتنعاً أنك لو تزوجتني فقد تتعلمين أن تحبيني أكثر مما صدف أن رأيت مني ." والتوى فمه بقساوة وقال :" كنت أعرف أنه لم يعقك أي شيء."
" ولكن أحب فعلاً..."
" نعم ، قلت ذلك . وأظن أن ما كشفه مايكل قد يسلط ضوءاً مختلفاً على المسألة ."
" سلايد أحببتك من البدء تقريباً . وقد أخبرني مايكل فقط ما كنت أعرفه من قبل ." لقد قاومت الإلحاح في أن تتوسل عندما شاهدت خط فمه الذي لايغفر.
لم يجب . وعندما تجعدت شفتاه بسخرية باهتة شعرت أنها عاجزة . وكانت يداه مازالتا في جيبيه ورأسه إلى الوراء يعرض شرايين عنقه المجدولة . وكان النسيم يلعب بشعره وينثره فوق جبينه بإغراء.
حدقت برونوين به وهي قانطة متشوقة إلى لمسه لتمرر يديها عبر شعره . لكن لم يكن هناك أي شيء مشجع من جانبه ، وعرفت إن هي حاولت الوصول إليه فقد يرفضها وفجأة لم تتمكن من تحمل رفضه أكثر من هذا .
وبآهة أشبه ما تكون من حيوان جريح ، ابتعدت تتعثر فوق العشب .
كانت عيناها مفعمتين بالدموع ، فلم تتمكن من رؤية وجهة سيرها ، وأصبحت تدرك بعد فترة أن الأرض لم تبق بعد الآن معشوشبة تحت أقدامها بل مرصوفة رصفاً قاسياً.
وراحت تخرج متعثرة في بؤسها إلى الشارع . وكان الجدول الذي يخترقه مبتعداً عن الحديقة يتدفق مترقرقاً بجانبها.
توقفت ، وألقت بيدها فوق عينيها ، ولمحت في تلك اللحظة شيئاً أزرق رمادياً يلوح في الضباب.
إنها حافلة .
أومأت بذراعيها بصورة جنونية ، ورجعت إلى الوراء ، وشعرت بالهواء يلسع وجهها ، وسمعت هدير المحرك ... ثم زلت بها قدمها على كومة وحل فسقطت على أثرها نحو المياه الجارية .
لم تكن تلك السقطة طويلة ، وكان الجدول بارداً منعشاً .
رأت أمام عينيها أنواراً ملونة غريبة حدقت فيها مستطلعة ، دون أن تكترث بتبلل تنورتها الزرقاء وبلوزتها البيضاء ، ودون أن تكترث بأي شيء آخر بعد الآن على الإطلاق ...
" برونوين برونوين ، يا حبيبتي ، استيقظي ."
كانت مبتلة حتى جلدها ، لكتها لم تكن بعد ذلك في الجدول وكان يبدو صوت سلايد قريباً منها بصورة مدهشة .
فتحت أجفانها بتثاقل لا عجب إن كان يبدو قريباً . وقد حملها بين ذراعيه وصعد بها الدرج إلى البيت . وكان قميصه الأصفر مبللاً مثل بلوزتها ، ولم تعد النظرة في عينيه باردة وساخرة ولكنها كانت دافئة وقلقة . هل ماتت بعد كل ذلك وذهبت إلى السماء ؟ وقررت على كل حال أنها كانت حيث تريد أن تكون ، وأغمضت عينيها مرة أخرى متمتمة راضية ...
" برونوين ، قلت استيقظي ."
" هم ؟"
وكانت في فراشها الآن ، ومع أنها كانت تشعر بالدفء تحت الأغطية ، فلم يبدُ أنها كانت ترتدي ثياباً. وكان صوت سلايد آمراً لها يصرخ في أذنها.
" أنت تثير ضجة كبيرة ." قالت بصوت مغمغم.
" سأثير أكثر من ضجة إن لم تفتحي عينيك . فلابد أن تبقي مستيقظة ، يا برونوين . لقد أصيب رأسك ."
" أعرف . ذلك كان جميلاً."
سمعت أنة غضب ." إذا توجب عليّ أن أجبرك على البقاء مستيقظة فلن تجدي ذلك جميلاً على الاطلاق ." هددها بقوله.
" لن أجد ؟" تمتمت . وشعرت بيده تحيط وركها ، فأضافت :" أحب ذلك."
" حسناً ، لن تحبي ذلك إذا ما استمررت باغماض عينيك . قلت ، افتحي عينيك ."
وبدا شرساً للغاية حتى قررت أنه من الأفضل لها أن تفعل كما قال .
" ذلك أفضل ." قال وقد انحسر العبوس من بين حاجبيه .
و للحال هز رأسه وقال :" هل لديك أية فكرة عن مدى أهميتك بالنسبة لي ، يا برونوين سلايد ؟"
" برونوين سلايد ؟ اسمي ... أوه . لا. ليس ذلك ، أليس كذلك ؟"
ابتسم ، وكانت ابتسامته رقيقة للغاية ." لا ، يا حبي . ليس كذلك ."
ردت له ابتسامة حالمة وقالت :" قلت لي ، يا حبي وحبيبتي ."
" لأنك كذلك . لا تحاولي أن تقتلي نفسك مرة أخرى ."
" لم أحاول ..." وتحولت ابتسامتها إلى عبسة أذت رأسها ." أنك تتحول إلى إنسان ."
" اعتقدت أنني غاضب . وكان دكتور سوايل مقتنعاً بذلك في آخر زيارة له ."
" كلا ، أعني أنك كنت بجانب الجدول غاضباً ..."
أبعد شعرها عن وجهها بيده برقة وأجاب :" أعرف ذلك ."
وأسدل أهدابه الكثيفة لتغطي عينيه وقال :" أخشى أنني ، يا عزيزتي ، بعد مضي عدة أيام على زواجي منك ، والتي أمضيتها وأنا بودي أن أقتلك رويداً نظراً لأنني لم أتمكن من دفع نفسي لأعبر عن حبي ، لم أكن في أي مزاج لأهدأ بسبب اعتذارك الذي شعرت أنك لست بحاجة له في الدرجة الأولى ." وابتسم بكآبة ." أترين ، لقد أحببتك منذ مدة طويلة ، لقد كنت
قبل ثماني سنوات مشغولاً جداً عن الاقرار بذلك لنفسي . ثم التقيت بك من جديد ، وعرفت للحال ما أريد . وقد فكرت بحماقة في أن أقيم علاقة معك مع أنه لو تزوجتك لكان كل شيء سار على ما يرام . إلا أن ذلك لم يحدث. لم أتزوجك ، لأنني وجدت أنه لا يمكنني أن أقيم علاقة مع امرأة تكرهني ... مهما كنت أريدها ومهما كانت تتوق إلى جسدي ." ونظر إليها وهو يهزأ من نفسه وأردف :" وبكلام آخر ، وجدت نفسي في ورطة ."
هزت رأسها ، وتمنت بعدئذٍ لو أنها لم تقم بذلك . فقد أذى ذلك رأسها . فقالت :" أرى ذلك فعلاً ... ما الذي دفعك إلى أن تهدأ بعد كل ذلك ؟"
" يمكنني القول إنني فهمت ذلك ، على كل حال . كانت الأمور تتداعى بسرعة عندما تبعتك إلى الطريق ورأيتك تحاولين قتل نفسك أمام عيني . قبّل طرف أنفها . واعتقدت أن البداية على وشك أن تمسي نهاية ، وأن كل شيء يدور في حلقة مفرغة وأنك كنت على وشك أن تقتلي فعلاً بالحافلة ، كما جاء في الصحيفة . وعرفت أنذاك تماماً أنني لم أشأ أن أعيش في عالم لاتوجد فيه امرأة صهباء تدفعني إلى الجنون."
" آه ، يا سلايد ." تمتمت ، وهي تمد يدها وتلمس بها كتفه الذي ما زال مبللاً ." إنني آسفة جداً."

أخذ يدها ولثمها وقال :" لقد كنت مسؤولاً بقدر ما كنت أنت . إنني أدرك ذلك الآن . طبعاً أنت تصدقين شقيقك . ولم يكن لديك أي سبب يحملك على عدم تصديق كل تلك الإشاعات ، لاسيما عندما رفضت أن أنفيها . كان يجب عليّ أن أعثر على طريقة أقنعك بها دون أن ألحق ضرراً بسمعة مايكل . والحقيقة أنني كنت متكبراً إلى درجة لم أحاول فيها ."
سحبت أصابعها ومررتها على القماشة التي تغطي صدره . فتحركت في داخلها حاجة ملحة . وقالت برقة :" لقد أذيتك . وليس هناك من خطأ في الكبرياء . ولو أن مايكل كان لديه مزيداً منها ، فربما كنا جميعاً ما برحنا موجودين في بونتغلاس . ومن ناحية أخرى ، ربما كان ذلك بسبب أنك كنت مكابراً إلى درجة ملحوظة ، وبديت أكثر صموداً من مايكل ، مما دفع الجميع إلى الاعتقاد أنك كنت الطرف المذنب ."
" يجوز ." قال ذلك وحنى رأسه ثم رفعه مرة أخرى بسرعة ." هل صدمك الأمر بالنسبة لمايكل ؟"
تنهدت وقالت :" لا ، لا أظن ذلك . ليس فعلاً . إنما شكل إحباطاً شديداً ، بالطبع . لكنه شقيقي ، وينبغي أن أقف بجانبه."
همهم ، وقال :" أعرف ذلك . أنا صديقه ، وأشعر الشعور نفسه ." عبس ورجع إلى موضوع ذكرته من قبل وقال :" أشك في ما إذا كنت بقيت في



بونتغلاس . سواء مع مايكل أم دونه أظن أنني كنت في ذلك الحين قلقاً ومستعداً للإنتقال بحثاً عن شيء ما ."
" ما الذي كنت تبحث عنه ؟"
حرك كتفيه وقال :" كنت أبحث عن الحب . الشيء الوحيد الذي كنت أود أن أقاتل من أجله . في باديء الأمر من ذويّ اللذين كانا يعشقان الزجاجة أكثر مما يعشقان أي شيء آخر . ومن ثم عمتي تيريز التي كانت ذات مزاج خاص لا تكترث إلا به . وأخيراً ، محبوبتي الصهباء ، منك أنت ... التي أثبتت تحدياً أكثر منهم جميعاً."
" لقد ربحت ." قالت برقة :" وهزمتني ، يا سلايد ."
" كلا ." قال وهو ينحني ليقبلها ." لم أود أبداً أن أهزمك ، يا حلوتي برونوين . وأظن أن كلانا يتمتع بالمعركة كثيراً."
ضحكت برونوين وقالت ساخرة:" لم أفكر أبداً أنني كنت عملاقة ."
هز سلايد برأسه وأجاب :" لست بعملاقة ، يا حبيبتي ، ولكن ليس أكثر من قاتلة بعوض . وعندما تنزلين تحت جلد رجل فإنك تثيرينه إثارة لا حد لها ."
" أشكرك ، إنك تجعلني أبدو كمن أصيب بالحصبة ."
ابتسم سلايد وقال :" ليس بالحصبة ، بل بحكة دائمة . حكة لابد أن أعالجها في اللحظة التي تخبريني فيها أنها داهمتك ."
" لقد داهمتني ." قالت هذا ووضعت ذراعيها حول عنقه.
ضحك سلايد ، ورمى بنفسه إلى جانبها وهو يضم رأسها إلى كتفه ." أتذكرين الحديقة الصينية ؟" سألها وهو يفاجئها بتغيير مزاجه بسرعة .
" طبعاً, لماذا؟" أجابت متسائلة.
" أعتقد لأنني وجدت مكاناً أكثر بهجة لقلبي."
سألته وهي تمرر اصبعها فوق وجنته"أين؟"
"هنا. وفي أي مكان أكون فيه معك."
ابتسمت برونوين وقالت دون اكتراث :" قلبي يقول لي الشيء نفسه." فهل أنك مبتل؟"
همهم قائلا:" إنني مبتل, أليس كذلك؟ وأنت عارية كذلك. وكذلك كما يجب أن تكوني."
عبرت السيدة دويل الباب بعد لحظات قليلة , ولدى سماعها تمتة رجل تبعتها ضحكة امرأة منقطعة الأنفاس, هزت برأسها هزة رضى وتمتمت بصوت عال بأنه قد حان وقت بدء شهر العسل.
ولو أن أياً من اللذين كانا في غرفة النوم سمعها, لكان في إمكان أي منهما أن يطمئن السيدة دويل إلى أن شهر العسل لم ينطلق فقط, ولكنه راح يحلق بعيداً في السماء أيضاً.
منتديات ليلاس

" تواجه السيدة بيكرسلي مشكلة ." همست برونوين لسلايد.
رفع سلايد كأس الشراب وابتسم ساخراً وقال :" السيدة بيركسلي مشكلة بحد ذاتها, ياعزيزتي, فخذيها كلها."
ضحكت برونوين ونظرت في انحاء الغرفة المغمورة بأشعة الشمس والتي كانت قد امتلأت بجمع من الثرثارين الذين قدموا للتهنئة. وكانت السيدة بيركسلي تقف بجانب النافذة تحدق بورقة للكتابة وتلوح بها بوجه أي شخص ضل طريقه ليقترب منها.
لقد مضى الآن ستة أسابيع على اليوم الذي سقطت فيه برونوين في الجدول واكتشف سلايد يومها أن الحياة من دون عروسه الصهباء لن تحتمل. واليوم يستقبلان المهنئين كما وعدها ليلة تقدم فيها طالباً يدها. وسيغادران إلى اليونان غداً.
كان معظم الضيوف من أصدقاء سلايد, طبعاً, مما دفع برونوين إلى الإصرار بضم السيدة بيكرسلي.
وفسرت ذلك بقولها :" إنها وجه معروف هنا. وباستثناء سكرتيرتك والسيدة دويل, فلم تتسن لي الفرصة لأتعرف إلى أصدقائك."
"ستتعرفين, كما ستختارين أصدقاءك الخاصين. أما الآن فأريدك لنفسي."
وكان له ما أراد, إلا عندما كان العمل ومايكل يتعرضان وقته.
وكان مايكل , لسوء حظ برونوين , قد غادر فانكوفر قبل أسبوع . وفي اللحظة التي انتهت فيها قضية المحكمة وتم إصدار الحكم على مهاجمه , استقل مايكل أول طائرة متاحة وطار فيها إلى لندن. وكانا قبل يومين قد تلقيا مكالمة هاتفية منه أخبرهما خلالها أنه تزوج جيني وأن بوبي الصغير هو ابن رائع يمكن لأي أب أن يتمناه لنفسه. وعندما أضاف أنه ينوي أن يدير دكان العائلة وجدت برونوين نفسها تمسح دمعة ذرفتها.
وكانت متأكدة أن والديها أينما كانا في العالم الآخر, فلا بد أن يعرفا بشكل ما ويسعدا لذلك.
" ماتحمل تلك القسيمة من ورق التي تلوح بها السيدة بيكرسلي؟" سأل متكاسلاً وهو يعيد برونوين إلى الحاضر من جديد.
ضحكت ضحكة خافتة وطمرت أنفها بكأسها.
" يفترض أن تحتسي الشراب احتساء ولا تشفيه شفاً." قال سلايد بجفاء:" ما الممتع في الأمر؟"
استدركت برونوين نفسها وقالت :" يظهر أنها تلقت رسالة خيالية تماماً من مواطن قديم قامت بزيارته كإجراء لكونها تشكل شخصاً مكرساً للناس. وقد أطلعوها أن تعليلها لاختراقها سياجهم فقط بسبب توقف سيارى أخرى قريباً جداً منها ليس تعليلاً كافياً تماماً . وقد استاءت تماماً لأنهم أوردوا ذلك كتابة, بناء على نص قانوني, فإذا كان طريقهم معرقلاً لسبب أو لآخر, فلا يمكنها أن تنطلق وتخترق طريقاً لها بتلك السهولة."
" وطبعاً لاتفهم لماذا, وذلك بالتحديد هو كانت تفعله دائماً." قال سلايد ووضع كأسه على الطاولة بسرعة واستدار في حين كانت السيدة بيكرسلي تلوح عبر الغرفة, وتمتم من فوق كتفه." أقدم تعازي للمواطنين القدماء."
اتجهت السيدة دويل إليهما , تتألق بثوب برتقالي جميل, رسم على مقدمته حرف7 نافرة, مما جعل أعصاب برونوين تتوتر قليلاً. وأعلنت بصوت رنان:" مقدمو الطعام يمزجون الكافيار بالافوكادو, وقد وضعوا السالمون بجانب الزيتون. إن مزيج ألوانها, يا سيدة سلايد, لاتطاق ، لا تطاق." كررت ذلك مؤكدة:" كان ينبغي أن أقدم الطعام بنفسي."
تراجع سلايد بسرعة من الغرفة وهو يضع يده على فمه.
قبل أن يتسنى لبرونوين فرصة تتحدث فيها إليه من جديد, كان الجميع قد خرجوا ما عدا مدبرة المنزل, التي كانت ما زالت تتذمر في المطبخ بصوت مرتفع.
" وحدك أخيراً." قال سلايد وهو يتقدم وراءها بينما هي تنظر من النافذة إلى الخارج بصورة حالمة.
أجابت " باستثناء السيدة دويل."
" صحيح. وسلايد الصغير." قال هذا, ووضع يده فوق بطنها.
" ماذا لو كانت برونوين الصغيرة؟"
" كلا , أشعر ان هذا سيكون ولداً. والأولاد الخمسة بعد ذلك سيكونون برونوين."
" خمسة!" صرخت متعجبة وأضافت :" إن كنت تفكر , يا سلايد , بتأسيس سلالة, أعدك أنهم سيكونون جميعاً أولاداً وسأسمي كلاً منهم إملين."
" إنك تسعين إلى المتاعب , أليس كذلك؟" قال ذلك وعيناه تلمعان.
ابتسمت برونوين بخبث وقالت: " يجوز. وذلك يعتمد على أي نوع من المتاعب


همهم سلايد , وضم خصرها ثم قال حالماً:" السيدة دويل مشغولة في المطبخ تبحث عن أخطاء. وستكون سعيدة لإنشغالها لعدة ساعات."
" نعم, أظن ذلك." واستدارت بين ذراعيه مررت أصابعها في شعره الذي يحاكي نور الشمس وقالت " سلايد؟"
" نعم؟"
" أليست أخطاء الصحف من حسن الحظ؟ ولو لم يقع ذلك , لما كنتُ هنا."
أغمض عينيه قائلاً :" نعم . وإنه لحسن الحظ أيضاً أن ألم يصدمك الباص . وأرجوك , يابرونوين سلايد , لاتجربي القدر مرة ثالثة , وإلا تعين عليّ أن أسجنك في غرفة النوم."
" حسناً, طالما أنك هناك أيضاً , فيمكنني أن أعيش مع ذلك." رفت برونوين بأهدابها وابتسمت متذكرة." أتذكر وأنت تدخل ممر المستشفى وترميني بتهمة كوني مازلت حية؟"
"تماماً . وأذكر أيضاً أنك شكرتني على اثبات الحقيقة، مما دفعني للارتباك كثيراً."
" هل حدث ذلك فعلاً؟"
قال سلايد:" إنك على وشك مواجهة المتاعب التي تسعين إليها . نعم حدث ذلك فعلاً فلم أتمكن من اتخاذ قرار بشان ما إذا كنت أود أن أضحك أو ."
" لم تفعل أياً منها."
" أعرف ذلك." وضحك بصورة ماكرة. وقبل أن تتمكن من فتح فمها كان يتناولها ويضمها بذراعيه وقال :" لقد فعلت شيئاً أكثر عقلانية من ذلك."
" نعم." أجابت برونوين, وهو يحملها عبر الممر." لقد تزوجتني , أكان ذلك عقلانية؟"
أجاب صراحة وهو يرفس باب غرفة النوم ويفتحه ." لا يجب ان اظن في ذلك." ولكن شيئاً ما يقول لي بأن العقل لا يرجح أن يتعلق كثيراً بحياتي من الآن فصاعداً."
"قد تكون محقاً ." قالت موافقه وهي تلقي بنظرة من فوق كتفه.
" ومن ناحية أخرى, مازال لديّ احساس قوي بالحفاظ على نفسي, ولا أظن أنها فكرة جيدة إلقاء الحذر في مهب الريح بصورة كاملة."
" لِمَ لا؟" والتقت أعينهما , قوية واثقة ومتملكة .
" حسن , لست متاكداً أن هذا هو الوقت الصحيح والمكان ....."
" أي وقت هو الوقت هو الوقت الصحيح والمكان......" وتوقف فيما نظرته المدهوشة تقع على غطاء سرير قرمزي مزركش بلون فضي وذهبي. وكانت وراءه خزانة مفتوحة مملوءة بالثياب الرياضة الملونة
" أوه , لا ."
قال :" لا. كنت أعرف دائماً أن بإمكانك أن تدفعيني إلى الجنون , ياحبي , لكن..."
" ولكن لم تفكر أن بإمكاني أن أنسيك نفسك إلى درجة أدفع بك إلى غزو مخدع السيدة دويل؟ المعروفة من ناحية اخرى بجنة الثياب الرياضية؟"
هز سلايد برأسه, وأجاب وهو يبدل الطريقه التي كان ابتدأ بها بحذق :" جميع الأمور معك ممكنة, والتي أود أن أثبتها لك الآن مباشرة."
رفس الباب الصحيح وفتحه هذه المرة , وألقى بها فوراً على الفراش.
وراح يثبت لها قصده.
....تــــــــــمــــــــــت بحمد الله ....

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس

قديم 01-04-09, 03:22 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 33834
المشاركات: 1,230
الجنس أنثى
معدل التقييم: تمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عاليتمارااا عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 815

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
تمارااا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

يسلمووووو ياعسل:)

 
 

 

عرض البوم صور تمارااا   رد مع اقتباس
قديم 01-04-09, 05:49 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 103835
المشاركات: 336
الجنس ذكر
معدل التقييم: زونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدازونار عضو سيصبح مشهورا قريبا جدا
نقاط التقييم: 502

االدولة
البلدKuwait
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
زونار غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

موفقة عزيزتى مشكورة على الرد

 
 

 

عرض البوم صور زونار   رد مع اقتباس
قديم 02-04-09, 01:07 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2006
العضوية: 14658
المشاركات: 157
الجنس أنثى
معدل التقييم: ناعمة عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 42

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
ناعمة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

مشكورة ياعسل


:)

 
 

 

عرض البوم صور ناعمة   رد مع اقتباس
قديم 02-04-09, 03:05 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Oct 2008
العضوية: 101656
المشاركات: 70
الجنس أنثى
معدل التقييم: zoubaida عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدGermany
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
zoubaida غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : زونار المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

hilwa ktiiiiiir tislam

 
 

 

عرض البوم صور zoubaida   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
an impossible kind of man, دار النحاس, kay gregory, رجل صعب, روايات, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, عبير, كاي غريغوري
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t108345.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ط±ظˆط§ظٹط§طھ ط§ظٹظˆظ†ظ‡ط§ظٹ ظ…ظ†ط­ط±ظپظ‡ ط¬ط¯ط§ This thread Refback 23-08-14 09:38 PM
ط±ط¬ظ„ طµط¹ط¨ ظƒط§ظٹ ط؛ط±ظٹط؛ظˆط±ظٹ ط¯ط§ط± This thread Refback 03-08-14 04:27 AM


الساعة الآن 10:23 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية