4-ما سبب حزنه هل هو موت أبويه؟ هل هو عمي أخته؟ هل الحزن هو سبب سلوكه الجنوني أحيانا؟ تمشيا على البحر متشابكي الأيدي صامتين, فهما لم يعودا في حاجة إلى الكلام...
منتديات ليلاس
كان الصباح منعشا صافيا بعد هدوء العاصفة, سماء زرقاء فوق بحر أزرق, و ألوان فضية تعكس الأمواج تحت الشمس, وسمك يتطاول إلى سطح الماء بحركات بهلوانية.
كعادتها في كل صباح, وقفت ميراندا على سطح اليخت تراقب الرمال الشاحبة و النخيل, وخلفها جفنات خضراء تغيب في الزرقة البعيدة. لم تنتظر طويلا, كان عليها زيارة السيد انغرام في مكتبه كي تقدم إليه تقرير عما حدث. وحين رأت روجر يقترب صوبها هربت إلى الجانب الآخر حتى لا تقابله, وأخيرا إلى الصالون ومنه إلى المكتب.
كان السيد انغرام لطيفا, تطرق إلى الموضوع مباشرة. سألها إذا نجحت في مهمتها مع روجر. أجابته أنها لم تنجح وهي تشعر بالذنب. وهنا سألها غاضبا إذا كانت قد أهدرت وقتها الليلة الماضية.
-ظننت أنا فرصة سماوية حين تطوع للبحث عنك.
-أنا... أنا... حاولت. (وبشيء من الاشمئزاز تابعت) لا قدرة لي على تحقيق طلبك, هذا مستحيل, لست الشخص المناسب لذلك.
-هل هو خطر إلى هذه الدرجة؟
أجابته وقد احمرت وجنتاها:
-لا أريد أن يكون لي أي شيء معه.
-حسنا, أنا نفسي لا أدعي أني سعيد في العمل. يجب وضع الأحاسيس الذاتية جانبا إذا كان النجاح هو الغاية, ولكن ربما كنت صغيرة لتفهمي ما أقول. سنترك أمر روجر للسيدة غالنت المتمرسة. والآن علي كتابة بعض الرسائل. بعد زيارة الجزر أود أن أقضي قرابة يومين في المكتب الرئيسي. ربما توجد رسائل تنتظرنا بما فيها رسائل من أهلك.
ذكرى الرسائل من العمة كلارا و دوروتي وربما من جو أفرحت ميراندا, وهكذا ذهبت إلى العمل مسرورة لإعفائها من مسؤولية التودد إلى روجر.
توقعت ميراندا أن يترك روجر اليخت بعد أن عرف الحقيقة, كذلك توقعت أن يختفي من حياة دون. ولكن لدهشتها ولخوفها في آن, أخذ يبدي اهتماما أكبر بها. كانا معا في كل شيء, وكل منهما يتمتع بالآخر, وهذا سهل عليها الابتعاد عن روجر.
وذات صباح اختفيا معا. ما من شيء قيل حول هذا الاختفاء, ما من شيء قيل حول عدم رجوعهما إلى الغداء, أو عندما لم يسبحا بعد الظهر كالمعتاد في مسبح المطعم الخاص.
وحين حلت الظلمة الاستوائية المفاجئة ظهرت علامات القلق على طومس. قال انه سيبقى على سطح اليخت في انتظار عودتهما.
وعند العشاء كان طومس في حالة عصبية. وأخيرا رجعا بعد منتصف الليل بقليل في سيارة أجرة. صعدا إلى اليخت وعلامات الانشراح بادية عليهما. ما من شك أن دون تمتعت برفقة روجر, مما جعل زوجها طومس يعنفها على غيابها طوال النهار.
وفي اليوم التالي استيقظت ميراندا باكرا, رأت الجبال و الزرقة الداكنة فوق البحر. وأدركت أن محاولاتها في تجنب روجر كانت ناجحة حتى الآن,كما أنه لم يقم هو بمحاولات للتقرب منها, ذلك لأنه بدا منشغلا مع دون.
لم يكن سهلا على ميراندا تبرير محاولاتها هذه. حاولت ذلك بتظاهرها أنها لا تحبه, لكنها عرفت تماما أن هذا غير صحيح. والأصح أنها كانت خائفة منه, لأنه حولها إلى امرأة تضرب وترفس وتصارع. كانت امرأة مختلفة قبل تلك الليلة العاصفة على الشاطئ.
بقيت طويلا على سطح اليخت. ثم ظهر روجر وتقدم صوبها, اتكأ على الدرابزين و تطلع إلى الجزيرة. مرفقه لامس مرفقها, فابتعدت عنه قليلا, وهنا نظر إليها قائلا:
-هل ستهبرين كعادتك كل مرة اقترب فيها منك؟ ما من حاجة إلى ذلك. فأنا لن أحاول الحصول منك على معلومات, إذا كان هذا ما يخيفك.
-كلا, لست خائفة من ذلك, فقط أريد التمتع بالصباح, وقد كان تمتعي به رائعا حتى مجيئك.
ضحك وعيناه تلمعان بين رموش قصيرة سوداء.
-وهل ستجربين مخالبك؟ إذا أردت خدشي, عليك فعل شيء آخر.
تأسفت للصباحات التي قضتها معه. كرهته فجأة, كانت كراهيتها له من العنف بحيث أصابها الذهول, ذلك أنها لم تكره أحدا في حياتها من قبل.
-أكرهك.
-أنت لست أول من قال هذا, لقد سبقتك كثيرات.
وهنا تذكرت دون وهي ترميه بكأسها قائلة أنها تكرهه. وحالا حقدت على نفسها, لأنها لم تكن بأحسن من دون.
تأملها مليا, تأمل وجنتيها السمراوين بفعل أشعة الشمس.
-اعترف أنك لم تقولي سابقا شيئا بهذه الحدة.
وتملكتها الخيبة لأنه لم يبد غاضبا لكلامها. ألا يفقد أعصابه أبدا؟ حتى أنه عندما تشاجرا على الشاطئ لم يغضب.
-أعني ما أقول, لا أقول أي شيء لا أعنيه. أكرهك لأن...آه, لأن...
أدركت أنها إذا أخبرته لماذا تكرهه, فإنه سيمتلك سلاحا جديدا ضدها, وهكذا توقفت, صدرها يرتفع ويهبط تحت قميص من القطن الأزرق, عيناها داكنتان و قلقتان, بلون البحر عند هبوب العاصفة.
-لأني أيقظتك من الحلم إلى الحقيقة. صاحبك جو ليس كما يجب, هل يتوقع أن تتزوجيه من دون معرفة شيء في أمور الحياة؟
-إني أعرف حقائق الحياة.
لكنه لم يكن خطيبها, ولأنه لم يكن خطيبها ولن يكون, سيطر عليها شيء من الخوف. ولكي لا يكشف ما في قلبها أدارت رأسها إلى الجهة المعاكسة.
-هل تخطيت الحدود؟ هل من الممكن أن أكون على حق, و أن جو لم يكن يطلعك على أسرار الحب؟
ظلت صامتة وأعلن صمتها ثانية ما في قلبها.
-إذن لماذا الزواج منه؟
-كفى, لقد تخطيت الحدود, لا علاقة لك بحياتي الخاصة. على كل حال, بالكاد أعرفك.
-بل يعرف واحدنا الآخر من سنوات, ميراندا.
-بعد أسابيع قليلة أعود إلى لندن, وكل شيء يصير ذكرى.
-ذكرى توقظك في الليالي. بالمناسبة إني أسافر أحيانا إلى لندن, ولي فيها شقة. في استطاعتنا أن نلتقي, في لندن أماكن رومانسية.
-لا, لن يكون في استطاعتي لقاؤك, هذا غير أخلاقي, لا أريد أي علاقة بك.
-بسبب ما قاله انغرام عني؟ بسبب دون؟ إذا قلت لك لماذا...
قالت صارخة, مقاطعة إياه:
-لا أحب أن أسمع!
راحت تبتعد, لكن يده على ساعدها أوقفتها.
-لا تهربي, أعدك بأني لن أغضبك. نحن قريبان الآن من خرائب سانت بيار, انظري, هناك برج إحدى الكنائس, إنه يذكرني بقصة سمعتها عن أحد الناجين من الهلاك. كان يعزف الحان موسيقاه في الكنيسة, حين ثار البركان, فاحتمى تحت آلته الموسيقية ونجا كي يخبر الحكاية. الحكاية تسحرني لأني أحب أن أعتقد أنه نجا بسبب حبه للموسيقى.