قال هذا متهكما ما جمدها. هل يمكن أنه فهم ما كانت ترمي إليه؟
-انك تستحقين الإعجاب لإخلاصك لرئيسك و لصاحبك الشاب. ولكن يؤسفني أن أقول لك انك تضيعين الوقت. لا شيء أراه أو أسمعه عن فنادق الترانسمارين أو عن المنتجات يجعلني أغير رأيي بالنسبة إلى بيع غالنت فانسي.
-ولكن ماذا سيفعل ابن عمك؟
-كما وقع في هذه المشكلة يجب أن يكون قادرا على الخروج منها, لست مدينا له بشيء. خدعني ومارني مرة, كنت يومها دون السن القانونية وكانت مارني في انكلترا. هذه المرة لن أتركه يعاود الكرة. حين ترين غالنت فانسي ستفهمين موقفي, وحين تلتقين أختي مارني ستعرفين لماذا لا أريد بيع بيتها لتعيش في لندن أو في نيويورك, أو في أي مكان آخر.
-منذ متى هي عمياء؟
-من نحو عشر سنين.
-أما من شيء يمكن عمله لشفائها؟
-كلا.
-كيف أصيبت بالعمى؟
-في حادث.
-آسفة. (تمتمت بصوت خافت)
-شكرا. (أجابها بصوت رقيق كأنه شعر بأنه جرحها لرفضه توضيح ماهية الحادث) أتمنى أن تلتقي مارني, بينكما أشياء مشتركة. إنها مثلك مخلصة ومتمسكة بالتقاليد.
صمت قليلا ثم أضاف:
-رأيت شيئا آخر بعد الظهيرة من غير المفروض أن أراه. السيد انغرام قدير. قد يكون مفيدا معرفة ما كان يبحث فيه بهذه السرية مع دون. انك تعرفين موضوع حديثهما, أليس كذلك؟ هل ستخبرينني؟
-لا أظن أني سأفعل ذلك.
-لا تظنين, ولكن ماذا تشعرين؟ هذا هو المهم.
شعرت ثانية أنها تود لو تقطع كل علاقة معه, لو تبتعد عنه قدر المستطاع, لو تبتعد عن صوته المؤثر, الذي كان قريبا يهمس عند أمواج الشط وتحت النخيل في الريح.
-هل ستخبرينني, يا ميراندا؟
-وماذا تفعل إذا لم أخبرك؟
ضحك, كانت ضحكته دافئة مما جعلها تضحك بدورها, نازعا عنها كل مقاومة.
-ليس لدي سوى القليل لأفعله. دائما كنت أعتبر نفسي مثقفا إلى درجة أني لا ألجأ إلى العنف. ربما في استطاعتي أن أخيفك.
أغمضت عينيها, جسمها فقد جموده وصار لينا وسرى فيها شعور رائع وغمرها, شعور يشوبه الألم, تشوبه الرعشة. كان المطر يسقط على أوراق النخيل العريضة, وكانت الريح تشتد.
-ليس هذا عدلا. (صرخت ميراندا به, كان صوتها غريبا ومخنوقا) ليس من الحق أن تستقوي على امرأة لا عون لها.
-ما من امرأة من دون معين. قلت لك أن كل شيء حق في الحب والحرب, وهناك حرب بيني وبين انغرام. لم أنس أنه خدعني بالالتحاق بهذه الرحلة البحرية, انك تعرفين ما وراء حديثه مع دون, وأنت ستخبرينني به حتى لو أبقيتك هنا طوال الليل.
حاولت الهرب, لكنه منعها لاويا يدها وراء ظهرها.
-أيها الحيوان ( صرخت به محاولة الإفلات منه, ولكن من دون جدوى) ظننتك قلت انك لا تلجأ إلى العنف!
قالت له هذا وهي تحاول أن تتحرر منه.
-أنت بدأت العنف بأن طعنتني. لا تعتقدي مطلقا إني لن أرد بالعنف عليك لمجرد انك امرأة. فأنا أؤمن بالمساواة إلى النهاية. والآن, يا ميراندا, اخبريني ما الذي كان يدبره انغرام مع دون, وإلا سنبقى الليل كله هنا.
-انك لا تقدر أن تحتفظ بي هنا. (ردت عليه وهي تلهث من التعب).
-بلى, إني أقدر. (أجابها بهدوء).
حاولت ميراندا المقاومة, لكنه قبض عليها بقسوة وجرها وراءه فتبعته.
أمرها بالجلوس, فجلست, وإلى جانبها جلس قابضا على معصمها.
-الآن في استطاعتك إخباري ما كان انغرام يدبره مع دون.
جلست ميراندا هادئة, نار الثورة فيها كانت تخمد, لم تزل في أعماقها مدهوشة لما فعلت على الشاطئ. ماذا ستقول العمة كلارا عن ميراندا الواعية لو رأتها تصارع هذا الرجل كهرة برية؟
-أيها الوحش. (قالت له وهي تحاول الابتعاد عنه).
غير أن يده شدتها حتى آلمتها.
-لست وحشا, ما أنا إلا رجل عادي يحاول حماية من يحب, والإبقاء على ما تبقى من إرث بعيدا عن قراصنة القرن العشرين, وهذا باستخدامي كل ما عندي من سلاح. اخبريني, ميراندا.
-ما عساهم يفكرون إذا عرفوا أننا كنا معا طوال الليل؟ دعنا نعد إلى الفندق.
-لا أهتم بما يفكرون, ولكن يمكن اجتناب كل سوء تفاهم بإخباري ما أريد معرفته. عندئذ اصطحبك إلى اليخت.
مال صوبها هامسا في أذنها. أحست به قريبا منها, وشعرت بالرغبة في أن تتركه يستمر, ولكن فجأة تذكرت مارني العمياء التي من أجلها كان يحاول الإبقاء على البيت, وراحت تعترف بصوت خافت:
-يأمل السيد انغرام في أن تضغط عليك دون كي تبيع غالنت فانسي. لا أعرف تفاصيل خطته.
-إذن, كنت على حق.
برودة صوته جعلتها تقشعر.
-يبدو أن انغرام سيلجأ إلى كل حيلة حتى ينال مبتغاه. وهو لا شك, طلب منك الشيء ذاته.
-نعم. لكن لا أريد هذا, فأنا لست أهلا لتحقيق هدفه.
-كلا, أنت لست كذلك. ماذا كان اقتراحه؟
-أن أكون طيبة معك, أن أكتشف سببا لعدم إرادتك البيع, وأن أفعل كل شيء, إلا... إلا.
-إلا ماذا؟ (كان صوته حادا).
-قال انه لا يتوقع أن أتعدى الحدود اللائقة.
-وهل ذكر سبب اعتقاده انك و دون تصلحان لذلك؟
-نعم. ( أجابته بسرعة) قال انك ضعيف أمام النساء. وبادئ الأمر لم أعرف أن قوله كان صحيحا.
-ربما كان قوله هذا صحيحا, ولكن, على رغم هذا, لن أبيع بيت مارني و إرثي من أجل امرأة. أتفهمين؟
-نعم, آه طبعا, لكني آسفة, فأنا غير قادرة أن أخبرك أكثر. في الحقيقة, لا أعرف كيف اعتقدت السيدة غالنت أنها تستطيع التأثير عليك.
-أخبرتني ما فيه الكفاية, فأنا الآن مستعد لكل شيء, سأعامله كما يستحق. شكرا ميراندا. آسف لأني أخفتك, ولكن كان لابد من أن أعرف حقيقة الأمر.
اتكأت بحزن على الحائط, متردد في أن تترك ظلمة الكوخ اللطيفة حيث جرى مشهد انكسارها. كان المطر يتساقط في الخارج, وحين انفتح الباب سمعت صوت انهماره.
-لم تعد تمطر بقوة. (قال روجر) هل تجازفين بالركض إلى اليخت؟
-لا مفر من ذلك. لا أقدر على البقاء معك مدة أطول! (صرخت بصوت مخنوق).
هبطا إلى الشاطئ, كان الرمل رطبا, وهذا ما أعاق سيرهما, ولكن رغم كل صعوبة, أسرع, وأسرعت وراءه.
كانت السيدة انغرام في مدخل صالون اليخت. كانت في حال عصبية, وفي ريبة ظاهرة. رمقت ميراندا قائلة:
-كنت أتساءل ما حل بك. إنها الساعة الواحدة صباحا, وأنت تعرفين أننا سنرحل باكرا. من الحماقة التجوال بعيدا حتى الآن, دوغ يرغب في رؤيتك في الصباح كي تبرري تصرفك الغريب. أين وجدتها, روجر؟
-قرب مستنقع, كان لابد لنا من الاحتماء من العاصفة, وإلا لكنا رجعنا قبل الآن.
دخلت ميراندا حجرتها, أغلقت الباب خلفها كأنها بهذا أرادت أن تمحو من ذاكرتها ما حدث لها الليلة على الشاطئ.
منتديات ليلاس