على الشاطئ الثاني وجدا مكانا مناسبا للراحة, وتمددا في الشمس يتبادلان أطراف الحديث. انه لم دواعي السرور أن ينقضي بعد الظهر هكذا. وهذا ما فعلت مرات عدة مع تشك, مع أن الحديث معه لم يكن له سحر الحديث مع روجر, ذلك أن تشك كان مهتما بنفسه فقط.
هو, مثل خوانيتا, كان قد قضى سنواته المبكرة في فورتوغا قبل قدومه إلى سان خوان حين افترق والداه, لكنه على عكس خوانيتا صمم على متابعة دراسته في الولايات المتحدة وليس بريطانيا. وأراد أن يدرس الحقوق ويعود إلى بورتوريكو.
منتديات ليلاس
حاولت ميراندا بلباقة أن تعرف المزيد عن روجر و مارني.
-إنهما مختلفان عن خوانيتا وعني. أمهما من انكلترا, وهكذا درسا في انكلترا في مدارس خاصة. بلكنتهما الانكليزية و بولائهما المبالغ فيه و تمسكهما بالتقاليد. بهذه كلها يجعلانني أحس أكثر انكليزية من الانكليز. ثم إني عندما أجد روجر يتصرف مع دون بالطريقة التي رأيته فيها بعد الظهر أعجب منه. ربما الدم اللاتيني الحار في عائلته يثور فيه بين وقت و آخر.
-أو ربما هو يقضي أوقاتا طويلة في الشمس.( تمتمت ميراندا بكسل شاعرة بأنها يجب أن تعود لأنها جلست طويلا في الشمس ذلك النهار).
-ماذا تقصدين؟ (سألها تشك وهو يقترب منها).
فتحت عينيها فرأته منحنيا فوقها.
-قبل المجيء إلى هنا قيل لي إني سألتقي أناسا يشبهون الانكليز ويتكلمون الانكليزية, لكن تصرفاتهم أبعد ما تكون عن تصرفات هؤلاء, لأنهم و أباهم عاشوا طويلا هنا في الشمس. والآن رأيت هنا تأثير شمس النهار في كل واحد, وأنا أفهم جيدا ما يعني هذا.
-وأنا أعرف, نهار تحت الشمس الاستوائية يزيل الانكماش والتمنع. هل زال تمنعك, يا ميراندا؟
رق صوته, ونار متوهجة في عينية. فمه ذو شفتين مكتنزتين قانيتي الحمرة, مثير كفم والده. لم ترد ميراندا الاقتراب, أغمضت عينيها جو, وكل وما رأت كان فما آخر, فما ثابتا وحساسا, فم روجر.
فتحت عينيها بسرعة كي تطرد هذه الأفكار الناتجة من مكوثها طويلة في الشمس.
-أنت مليئة بالتمنع, أليس كذلك؟ ( قالها تشك منحنيا صوبها أكثر). مشهد روجر و دون يتعانقان على رمل الشاطئ المهجور بعد الظهيرة أحدث فيها ما يشابه هزة عاطفية.
-لا بد من الاعتراف إني غير معتادة على رؤية الناس يتصرفون هكذا بعدم اكتراث خلال النهار وفي العلن, خصوصا حين يكون واحدهم متزوجا.
قالت ميراندا محاولة أن تجد طريقة لاجتناب قبلة تشك من دون أغاظته. أن تتصرف بلباقة في حال كهذه, كان خارج تجاربها.
-في العلن؟ لا شيء علني على شاطئ رملي مهجور مغطى بالنخيل ومغسول بالبحر الأزرق. وفي الحقيقة, إن هذا المكان هو الأكثر رومانسية في العالم.
بقيت عيناها مفتوحتين في السماء من خلال أوراق النخيل, إذ أنه من الخطر إغماضهما.
فجأة سيطرت روحها المرحة عليها وراحت تضحك عاليا, وهنا قعد تشك وأخذ يحدق فيها بعينين غاضبتين.
-على أي شيء تضحكين؟
أجابت:
-عليك. (ناسية بهذا كل لباقة). صح قول روجر. إنك كنت تحسده اليوم بعد الظهر, أليس كذلك؟ كنت تحسده لأنه كان في قمة تمتعه. وهكذا فكرت أن تستمتع مثله فوجدتني أمامك ولكن عبثا تحاول, تشك. أنا لست كما تظن. لا آخذ الحب بهذه السهولة كالآخرين, إنه بالنسبة إلي شيء مميز وشخصي.
حملق بها. وأدركت أنها جرحت شعوره.
-انك أكثر من معقدة. انك جليدية, لم تمكثي طويلا في الشمس.
-إني عائدة إلى اليخت, اعتقد إني مكثت في الشمس ما فيه الكفاية, علي أن أبعث برسالة إلى صديقي, حتى الآن أرسلت إليه بطاقات, وهو الآن ينتظر رسالة.
-حسنا. (بدا خجولا كولد صغير حرم من شيء أراده بإلحاح). إذن عندك صديق في بلادك. أما من مفاجآت أخرى لديك؟ من المضحك أنك لم تخبريني عنه سابقا, اعتقد أن هذا شخصي وخاص, وأنك جادة معه.
-نعم, سنتزوج حين أعود إلى انكلترا. (قالت ميراندا).
-آسف إني حاولت استغلال الوضع. ولكن كان في وسعك إعلامي بالأمر.
كانت الكتابة إلى جو أصعب مما توقعت. وتراءى لها شخص صديقها, وهي في حجرتها تسمع الأمواج تلطم جوانب اليخت ونسمة المساء الباكر تلاعب ورق النخيل فتحدث هذه حفيفا. كانت تتأمل الصدفة القرمزية تلمع, حاولت أن تتصوره معها ماشيا إلى جانبها على الرمال بعد الظهر يسبح في المياه الدافئة الحريرية يعانقها في ظل النخيل, ولكن على رغم هذا لم تقدر على الكتابة.
حاولت شيئا آخر, أن تتصوره معها يتناولان طعام الإفطار على متن اليخت المشمس, يرافقها عبر الممرات الوارفة الظلال واضعا على رأسها القبعة وهو ينظر إليها من الخلف نظرات متفحصة ناقدة, تصورته يشتري لها صدفة ويهديها إليها بكلمات قليلة مخلصة. وعلى رغم هذا لم تقدر على الكتابة.
انه لا يناسب هذا المكان و أجواءه, وحين حاولت أن تقارنه بأفراد عائلة غالنت المتحررين رأته كائنا بليدا, طائرا يرفرف خارج سربه.
مزقت ميراندا الورقة ورمتها في سلة المهملات. غدا ستحاول الكتابة إليه عندما تكون أكثر هدوءا.
كان العشاء على الشاطئ لحما مشويا, ولأن الملاحين أخذوا إجازة حتى المساء اهتم السيد انغرام و السيدة قرينته بتحضير الطعام.
وقفت ميراندا تساعد في سكب المقبلات, وحين جاء دور روجر لم تنظر إليه. بهد رؤيتها له عند حوض السباحة أدركت بوضوح أنه يستحق السمعة التي اكتسبها كمستهتر بكل ما للكلمة من معنى, وهي لن تخدع نفسها بالتصور أنها يمكن أن تصادقه.
لم يكن لديه ما يقول, وبعد أن أخذ نصيبه من المقبلات تراجع وراء موقد النار, ربما ليكون قرب دون.
كانت الحيوية تملأ خوانيتا فأخذت تتكلم بحماسة عن بركة طيور الفلامنغو التي وجدتها مع رامون بعد الظهر. عاكسها رامون بلطف ومحبة, وبينما كانت تراقبهما تذكرت ميراندا جو وتساءلت إن كانت ستحظى بسعادة كهذه بعد زواجها به.
منتديات ليلاس