-في استطاعتك تمشيط الشاطئ في أثناء العودة( قال بإصرار) هيا بنا.
صعدا المرتفع البسيط, وهبطا إلى الجانب الآخر. ومن خلال أوراق الجفنات وشجر النخيل رأت الرمل الأبيض منحدرا على طول مياه ناعمة زرقاء مخضوضرة. وما إن سارا خطوات إلى الأمام حتى اتسعت الفرجة إلى الشاطئ وشملت أشياء عدة. حقيبة بحرية بيضاء لامرأة, منشفتان ملونتان مرميتان دون اكتراث, جسمان نحاسيان يلمعان.
-آه, كلا!
جمدت ميراندا وأشاحت بنظرها بعيدا. أرادت أن تعود راكضة, غير أن رجليها خانتاها.
-و الآن نعرف أي مكان يقضي بعد الظهيرة ( قال لها تشك برقة) لهذا بوب قلق.
قالت له ميراندا:
-تعال نسبح في مكان آخر.
-كلا, أو تريدين أن تفوتنا هذه اللحظة قبل أن تؤدي إلى شيء آخر؟
وقل أن يتأكد مما إذا كانت ستنزل معه هبط المنحدر صارخا:
-إني أراكما! وإذا كنتما لا تستطيعان إخفاء نفسيكما في الرمال, فاختفيا في الماء!
رفع روجر رأسه. رأى تشك متقدما يعفر الرمل, فنهض وركض إلى البحر بخطى طويلة. بدا قويا , متناسقا, مرتديا أقصر ما يمكن للسباحة, وهرول مسرعا فوق الرمل. واندفع في الماء تاركا وراءه رذاذا لمع تحت الشمس. رفع ذراعيه فوق رأسه وعضلات كتفيه القويتين نفرت تحت جلدة. انحنى بجسمه واختفى غاطسا تحت سطح المياه الهادئة الموج.
بعد أن تركها روجر غالنت, حاولت دون حماية نفسها من الرمل الذي رماها به تشك. وصرخت به عاليا وهي تضع يديها على وجهها:
-آه, إنك كريه, كنت أتمتع بالشمس, وها أنت تفسد علي كل شيء.
أجابها تشك, ملتفتا إلى حيث روجر الذي كان يسبح بقوة:
-أراهن أنه هو الذي كان يفسد لذتك.
ردت دون شعرها الفضي الأجعد واتكأت على مرفقيها متطلعة إلى ابن زوجها.
-إذا, هذا ما يزعجك, أيها الصغير. هل ستخبر والدك؟ حان لك أن تكبر و تكف عن هذه القصص.
-احترزي من روجر, و إلا فإن مشكلة جدية ستنشأ له مع بوب, و هذا ما نحاول تجنبه. و إذا لم تفعلي, فإني سأجعلك تأسفين للنظرات المغرية التي كنت تنظرين بها إليه. لا تعتقدي أن أحدا لم يلاحظ ذلك.
-وهل تظن أني غير قادرة على الاهتمام باثنين في الوقت نفسه أو حتى بثلاثة؟
ردت عليه متحدية بينما كان بصرها ينزلق بإيحاء على كتفيه الكبيرين وصدره العريض حيث لمعة حول عنقه ميدالية معلقة بسلسلة.
-أظن أنك غير قادرة على إيقاع ذلك الغالنت في شباكك ( قال مشيرا برأسه إلى روجر).
-وهذا ربما ما جعلني أحس أن مغامرتي معه مثيرة ( أجابته في الحال, وتطلعت إلى ميراندا) أراك ما تزالين شاحبة. أليس كذلك؟ انك غير معتادة على الشمس, كما أن بشرتك رقيقة. ستكونين مثل سرطان مسلوق هذا المساء إذا لم تحترزي. لا شيء أسوأ من بشرة حمراء تتقشر.
وفي انحناءة, وقفت واندفعت إلى الماء, تقوس جسمها و اختفى. ثم ظهرت ثانية في لحظة وهي تسبح خلف روجر بمثل سرعته.
حين تطلعت ميراندا إلى تشك رأته يحدق إليهما في الماء, وعلى وجهه تعبير شك وريبة. عبوس ثقيل جعل حاجبيه الكثيفين الأسودين يلتقيان فوق أنفه البارز. كانت عيناه تضيقان, وعلى فمه شارة غير سارة. وذكرتها بشرته الخشنة وملامحه الصقرية بصورة رأتها مرة لغاز يدمر بلادا احتلها.
التفت إليها وابتسم, وللحال تبدلت صورته وعاد تشك من جديد كسولا ولكن خفيف الظل, وهو ما أحب شيئا أكثر من السباحة والاسترخاء في الشمس.
-دون غاضبة لأننا قطعنا عليهما خلوتهما, وهي تلومك لذلك. غير أنها على حق, عليك اليوم ألا تعرضي جسمك للشمس كثيرا. دعيني أدهن ظهرك بالزيت, لا أدري متى سيلتقيان بعد الظهيرة.
تعجبت ميراندا, إنها لم ترد أن تهتم للأمر. كانت يد تشك كبيرة ولطيفة ولكن من دون حرارة بينما كان يدهن كتفيها بالزيت, وهنا خرج روجر من الماء, بدا طويلا وجميلا, شعره كأعشاب بحرية حمراء قانية, ولما وقف هنيهة يتطلع نحوهما بان صدره الناعم وكنفاه وقد علقت عليهما نقط لؤلؤية. لامس عدة الغطس بقدم حافية وقال:
-أين وجدت هذا؟
قال له تشك:
-في اليخت. توجد عدة للغطس و فلك شراعية, في استطاعتنا الإبحار غدا.
-لا بأس. من سيغطس الآن؟
-ميراندا و أنا.
-إلى أين تقدرين أن تسبحي, ميراندا؟ ( سألها روجر بصوت نبرته حادة بددت لامبالاته).
تطلعت إليه. كان يراقب تشك الذي كان يفرك كتفها اليمنى بالزيت, وعلى زاوية فمه الصارم المستقيم ابتسامة خفيفة.
-لا أدري, لست متأكدة.
-ما يساوي مرتين طول حوض سباحة عادي؟
ذكرها سؤاله بحوض السباحة حيث اعتادت أن تسبح في عطلة الغداء مع صديقاتها في مكتب لندن. كان قاع الحوض أزرق كي تبدو المياه استوائية اللون, وعلى الحائط ألقرميدي رسمت أشجار نخيل.
-قد يكون في إمكاني أن أقطع اربعمئة ياردة.
-هل سبحت سابقا تحت الماء؟
-كلا, ليس تماما.
-يجب أن تتمرني أولا, قبل أن تستعملي عدة الغطس. فالحوض محمي هناك أكثر, وأنت يا تشك اذهب وأحضر أجهزة أخرى, وأنا سأجعل ميراندا تتمرن حتى أتأكد أنها لن تتأذى.
كانت تنهيدة تشك مسموعة, على شاكلة انفجار.
-بل اذهب أنت وأحضر الأجهزة, وأنا سآخذ ميراندا للتمرين. يبدو أنك نسيت أنك بعد هذه الظهيرة ستلهو مع واحدة في عمرك ووزنك, كما هي العادة طوال هذا الأسبوع.
تلفت إلى دون التي كانت قادمة من جهة البحر بشعرها الفضي المتلألئ بنقاط من الماء, وبقامتها الرقيقة الضامرة الخصر, بدت كأنها عروسة البحر التي تقود الرجال إلى هلاكهم.
تبسم روجر متطلعا إلى تشك.
-هل يعني أنك تغار؟ ( وتراجع حين وقف تشك محاولا ضربه بقبضته) حسنا, قل لي أين الأجهزة, ومن ثم نغطس نحن الأربعة.
ضبط تشك ثورته وأخبره عن مكان الأجهزة, فانطلق روجر يصعد الصخور.
-لا شيء يؤثر فيه. ( قال تشك متعجبا و بغضب) لو قال لي ما قلته له لنفخت في راحة كفي و صفعته.
-كدت تفعل ذلك ( قالت له دون وهي مقبلة) أين ذهب روجر؟
-ليخفي نفسه عنك ( قال تشك بخبث) تعالي, ميراندا, دعينا نسبح عند الجانب الآخر من الحوض.
كانت مياه الحوض صافية وعميقة, كانت مثالية للسباحة والغطس. سبحا برهة, ولما اكتفيا, سبحت وحدها بعيدا تحت الماء دون جهاز وبعدما علمها كيف تستخدمه اندفعا معا إلى وسط الحوض وغطسا تحت سطح الماء المتلألئ.
في أعماق المياه كان عالم بارد شفاف حيث تموجت أعشاب جميلة طويلة السيقان بين جذوع من مرجان أبيض. زرافات من السمك الاستوائي, ذات لون فضي وياقوتي, وأخرى لونها ذهبي وزمردي, كانت تسبح بين الأعشاب, والرمل الشاحب المنبسط في القاع كان مبرقعا بقناديل بحرية ملونة من كل الأشكال والأحجام.
حين رجع إلى الشاطئ كانت دون وحدها تدخن بعصبية وبتجهم.
-لم يعد روجر, ماذا قلت له؟ ( سألت تشك بنرفزة).
-أخبرته عن مكان أجهزة الغطس, فقال أنه سيأتي ببعضها كي يغطس معك أيضا. ( أجابها في صورة طبيعية). ربما لم يجد شيئا.
-لاشك أنك قلت له أكثر من هذا.( علقت دون بنبرة عدائية) قلت شيئا لم يعجبه, ففضل عدم الرجوع. انك لعين وعلى رغم أنك تشبه أمك , فإن لك طبع غالنت وهو التدخل في مالا يعنيك. تماما كما فعلت مارني... و تذكر ما حدث لها.
-لا بأس, يا دون. لن تكوني وحيدة مدة طويلة إني أرى معجبا آخر.
كان في صوت تشك تحذير, كل من ميراندا و دون التفتتا صوب الشاطئ. كان دوغ انغرام يقترب, مرتديا لباسا بحريا قاني الحمرة. ارتاحت ميراندا لرؤيته, لأن النقاش بين تشك وخالته بدأ يخيفها. كانت مسرورة لرؤية بشرة السيد انغرام كبشرتها شاحبة, وفي يديه جهازان للغطس. خاطب دون مبتسما:
-التقيت روجر, قال أنك هنا. هذه بقعة ساحرة, ولكن طومس يقول أن الحوض في فورتوغا أجمل. هل من شيء خلاب تحت الماء؟
وبشيء من الشعور بالواجب وصفت له ميراندا ما رأت, ملاحظة أنه لم يكن مصغيا, تبدد عبوسها, واتكأت إلى الخلف على مرفقيها كأنها عرفت أنها في وضعيتها هذه ستكون شديدة الإغراء.
-سأرى بنفسي.( قال السيد انغرام حين انتهت ميراندا من كلامها) أتحبين أن تأتي معي, سيدة غالنت؟
رفعت بصرها إليه ببطء, ولمعت عيناها بإثارة في الشمس حين تفرست فيه صعودا ونزولا.
-إني أحب ذلك, سيد انغرام.
سمحت له بأن يساعدها في وضع جهاز الغطس, على رغم أن ميراندا كانت تحس أن دون تتقن استعماله.
راقبهما تشك يبتعدان على الرمل نحو الماء اللامع وشيء من الثورة في وجهه, ثم راح يجمع أجهزته.
-دعينا نذهب إلى مكان آخر لنستحم في الشمس.( قال لها متمتما).
تمشيا على طول الشاطئ وفوق الصخور. كان الرمل دافئا وناعما تحت أقدامها, وبعد السباحة أحست ميراندا بالارتياح. كان المكان جميلا, عبارة عن رمال متوهجة, النخيل في محاذاتها من جانب, و البحر من الجانب الآخر.
قال تشك فجأة:
-أعجب مما يبتغيه رئيسك, واضح أنه سبب عدم عودة روجر إلى الشاطئ.
-وأنا كذلك متعجبة.
تمتمت ميراندا متظاهرة أنها لم تفهم ملاحظته التي حطمت جوها الكسول المرتاح, وتذكرت أن السيد انغرام يريد استخدام دون لإقناع روجر ببيع غالنت فانسي.
حين تسلقا الصخور هذه المرة توقفا لجمع الأصداف. كان لدى ميراندا مجموعة منها في حجرتها, وكانت اشترت دليلا من مكتبة لأنواع الصدف المتوافرة في الكاريبي وهي الآن قادرة على التمييز بينها.