2-لم تتخيل ميراندا أن مهمتها شائكة إلى هذه الدرجة. وجدت نفسها ممزقة بين مصالح الشركة التي تعمل فيها وبين عائلة غالنت التي تحبها. وخصوصا روجر, الموسيقي الذي له أكثر من موهبة!
منتديات ليلاس
وقفت ميراندا جامدة هادئة محاولة التغلب على عاصفة الغضب التي هددت تماسكها. كان غضبها ممتزجا بشعور من الخيبة, ذلك أن الشاب الذي صاحبها في المطار ورافقها إلى اليخت خدعها. وأحجم عن ذكر اسمه عمدا وتركها تفصح عن خطط الترانسمارين.
-كيف حالك؟ إني سعيدة بوصولك سالمة. كنت في انتظارك. السيدة انغرام رغبت في الذهاب إلى شاطئ لوكويلو لتمارس هواية السباحة, فأخذها السيد انغرام وطلب مني استقبالك. يا له من حظ أن تحضري وروجر معا إلى اليخت.
على رغم اسمها وملامحها الاسبانية كانت خوانيتا تتكلم الانكليزية بلكنة كالتي لروجر. كانت الكلمات تفيض منها بسرعة كأنها خائفة أن يقاطعها أحد قبل أن تقول كل شيء. كانت في نحو الثالثة والعشرين من العمر, شعرها أسود كالليل, عيناها رماديتان ضاحكتان وملامحها كاستيلية, ترتدي تنورة فضفاضة وقميصا يصل إلى ما دون كتفيها. ابتسمت ميراندا بجهد كبير وشكرتها.
-لم يكن هناك داع لأن تزعجي نفسك. ( أجابتها الشابة الذهبية البشرة).
ثم التفتت إلى ابن عمها وقالت:
-من زمن طويل لم يلتئم شمل العائلة هكذا, يا روجر.
-جميعنا؟ ( استوضحها ببرودة) هل مارني هنا؟
بدت خوانيتا على غير ما يرام, وهربت الضحكة من عينيها.
-نسيت مارني. ( اعترفت بصوت خافت).
رد بحدة قائلا:
-معظمكم ينساها أكثر الاحيان.
ولاحظت ميراندا, اذ رمقته, أن روجر كان غاضبا بمقدار غضبها هي والشرر يتطاير من عينيه وفمه الجميل تقلص.
-لمجرد أنها ضريرة لا يعني عدم وجوب حضورها في أي حال, أي صفقة بيع يجب أن تشملها مباشرة. هل عرفت أن طومس لم يعلمها برغبته في البيع؟ كما لم يعلمني بالأمر أنا أيضا.
-إذن كيف عرفت الأمر؟( سألته خوانيتا).
التفت ينظر إلى ميراندا بعينين خضراوين تشعان, وأجاب بلباقة:
-عرفت في طريقي إلى هنا. الآنسة بنسن أخبرتني.
أحست ميراندا بقواها تكاد تخور وتمنت لو تجد حائطا قربها لتلطمه. واقتضى منها هذا الموقف كل ما عندها من برودة لتبدو وكأن شيئا غير عادي لم يحدث. وهي لم تستطع إلى الآن أن تتعامل مع روجر غالنت كما يجب. كشفت كل شيء حتى قبل شروعها في المهمة الجديدة.
سألته خوانيتا وقد أخذتها الحيرة:
-ولكن لماذا جئت إذا كنت لا تعرف الهدف من رحلة الاستجمام هذه, ومن الذي دعاك؟
-قدمني كيت ويليامز إلى انغرام خلال حفلة في نيويورك. وذكر لي هذا الأخير أنه سينظم هذه الرحلة إلى الجزر. وقال أنه يرغب في تسميتها فورتوغا, وكذلك دعاني إلى الالتحاق بها. ولأنه لم يكن لدي ما هو أفضل رأيت أن أقبل الدعوة. لم أكن أعرف أنه يعمل في الترانسمارين, أو أن شركته كانت مهتمة بشراء العقار. وإلا لما أتيت. متى بدأت هذه المفاوضات, يا خوانيتا؟ هل تعرفين؟
-كل ما أعرفه هو أن والدي ذهب إلى لندن الخريف الماضي للاجتماع بمسؤولي الترانسماؤين. كان يجس نبض المهتمين بتنمية الفنادق وأماكن الاستجمام بغية بيع العقار المسمى الفولي. تقدمت الترانسمارين بأفضل عرض. عندئذ اكتشف السيد انغرام أن الفولي لا يباع من دون أن يباع الآخر المعروف باسم الفانسي ولهذا السبب اتصل بك.
تمتم روجر علامة الموافقة ثم قال معلقا:
-وبدهاء عظيم اقنعني بالمجيء إلى هنا. لماذا يريد طوم البيع؟
اجابته خوانيتا بخجل:
-أظن أنه في ضيق مادي. أرجو الا تغضب, يا روجر. انك تعرفه.
-اعرفه جيدا. ( غمغم روجر بمرارة) هل أتى رامون معك؟
-نعم.
وأضاء وجه خوانيتا بالضحك.
-لدينا الكثير لإبلاغك إياه. اننا ننتظر مولودا في حزيران.
لمعت ابتسامة شاحبة في وجه روجر النحيل:
-حسنا. اعتقد أنه من الافضل أن تفعلي ما قاله انغرام وأن تأخذي سكرتيرته إلى حجرتها. من المفروض وجود من يحمل حقائبها. ثم اني في حاجة إلى شراب منعش.
قالت خوانيتا:
-هناك مقصف. اليخت رائع يا روجر يحوي كل شيء.
-ثقي بأن لدى ترانسمارين كل شيء. ( قال روجر متهكما, ملتفتا إلى ميراندا ببرودة, وابتعد يصعد درجات مغطاة بسجادة. رأته ميراندا يختفي فداخلها شيء من الراحة).
-أنت تعبة من دون شك. ( خاطبتها خوانيتا بصوت حنون وبشيء من القلق بان في عينيها العسليتين وهما تتفحصانها) أعلم جيدا معنى السفر بالطائرة كل هذه المسافة. كنت أتلقى دروسا هناك.
وذكرت خوانيتا اسم مدرسة مخصصة للبنات في غرب انكلترا, وسألتها إذا كانت تعرفها. فردت ميراندا بانها سمعت بها لكنها تحاشت أن تذكر لها أن هذه المدرسة أرقى بكثير من المدرسة التي تعلمت هي فيها.
-من هنا. ( قالت خوانيتا وكأنها معتادة على اعطاء الأوامر) حجرتك قريبة منا. أخي يأتيك بالحقائب فيما بعد. لو كنت مكانك لاستحممت وحاولت النوم. وحين يعود الآخرون من لوكويلو نتناول عشاءنا ونذهب إلى نادي ليلي لمشاهدة رقص الفلامنغو . زوجي رامون من بورتوريكو. عائلته اشترت مصفاة غالنت من سنوات. إنهم مشهورون بصناعة العصير. آمل في أن يأتي روجر معنا إلى النادي. إنه المكان الذي كتب فيه موسيقى النجوم في البحر. هل عرفت انه مؤلف موسيقي؟
توقفت خوانيتا عن الكلام, ربما بسبب تعبها الناتج من نزولها الدرج إلى الطابق السفلي الذي يفضي إلى رواق عريض شبيه بالرواق الذي كانا فيه لتوهما والذي يمتد من مقدم اليخت إلى مؤخره.
أجابت ميراندا دون أن تخفي برودة في صوتها:
-أخبرني السيد انغرام.
والتفتت خوانيتا إليها قائلة:
-انك منزعجة. لم يكن روجر لطيفا, إنه ليس دائما كذلك. حتى لو كان مضطربا, فهو لا يظهر غضبه, خلافا لي. حين, اغضب, تعرفين.
وضحكت خوانيتا.
-آمل ألا يرحل روجر. فأبي يحاول الاتصال به منذ فترة للبحث في مستقبل اراضي غالنت, ولكن روجر لا يجيب على رسائله. إنه يتهرب كثيرا ويكره العمل. الموسيقى همه. يبدو أحيانا غريبا ومأخوذا إلى عالم آخر, وهذا يزعجنا.
انعطفت في ممر ضيق يمتد على طول جانب اليخت. تبعتها ميراندا والقلق على مستقبلها يستبد بها فجأة.
-آمل ألا يرحل. ( قالت ميراندا) انه يعرف سبب دعوته إلى هذه النزهة البحرية, وإذا رحل قبل قدوم السيد انغرام سأكون في مأزق. كنا قادمين معا إلى الميناء, وفي أثناء الحديث اعلمته بسبب مجيئي إلى هنا وغاية السيد انغرام من دعوته للآخرين, وهذا قبل أن أعرف من يكون. كيف كان في مقدوري معرفته؟
وقفت خوانيتا خارج باب ضيق محدقة في ميراندا.
كان في استطاعتك معرفته من صورة ربما اطلعت عليها من قبل. ( ردت خوانيتا) طالما أنه في هذه الملابس والنظارتين السوداوين سيكون من الصعب التعرف إليه, وربما لهذا السبب أراد أن يبدو كذلك على ما أظن.
قالت ميراندا بشيء من الغضب:
-ما رأيت صورته أبدا من قبل. وما سمعت به أو بموسيقاه حتى أول من أمس.
-لم تسمعي به حقا؟( سألتها خوانيتا متعجبة) آه, انه يحب معرفة ذلك. انه انطوائي ويكره الدعاية التي ترافق أغانيه. من هنا خوفي الا يأتي معنا الليلة إلى النادي, ذلك أن لويز بينتز قد يثير ضجة حوله ويسلط عليه الاضواء. ما هو المأزق الذي ستقعين فيه إذا رحل قبل وصول دوغ انغرام؟
-قد أخسر وظيفتي وأنا لم أبدا بها بعد.
-لا تخافي, لن أدع هذا يحصل. والآن هذه حجرتك.
فتحت خوانيتا الباب, ودخلتا إلى مقصورة صغيرة مرتبة تحتوي على سرير, خزانة, علاقة ثياب وحمام. وكان الضوء يتسرب إليها من كوتيها الصغيرتين.
-بيننا بابان, وهذا شيء مفرح, عندك راديو.
لم تعرف ميراندا كيف تخاطبها, فلقبتها سنيورة.
-أرجوك ناديني نيتا. 0قاطعتها خوانيتا ضاحكة) إن كلمة سنيورة كلمة اسبانية فيها كثير من التكلف بين انكليزيتين. عليك أن تتذكري دائما أني درست في انكلترا وأني ابنت طومس غالنت. مع أني أشبه أمي البورتوريكية وطبعي لاتيني.
-ولكن أكيد أن السيدة غالنت والدتك.
لاحظت ميراندا متذكرة جمال دون غالنت الفضي كأشعة الشمس شاحبة وذلك في عتمة مكتب في لندن بعد ظهيرة أحد الأيام من شهر تشرين الثاني.
-دون زوجة أبي. تزيدني بست سنوات فقط. التقاها أبي في ميامي. يومها كانت تغني مع فرقة في ناد. حين التقت روجر أحبته, لكنه كان في عالم آخر, وهكذا صارت من نصيب والدي.
قالت خوانيتا ذلك بشيء من العبوس والتهكم.