لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-04-09, 02:06 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 107705
المشاركات: 578
الجنس أنثى
معدل التقييم: جين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 436

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جين استين333 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جين استين333 المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

1-ميراندا تحلم كثيرا, ولكنها تحتفظ بأحلامها في سرها لأنها تعرف أن إمكانيات تحقيقها بعيدة. حتى بادرتها رئيستها ذات صباح:" ما رأيك في رحلة إلى البحر الكاريبي؟".


قالت موظفة المكتب الجديدة:
-السيدة فيبس تريد أن تراك في مكتبها الآن آنسة ميراندا بنسن.
فسألت فندي شو إحدى زميلات ميراندا العاملات على الآلة الكاتبة:
-ما الذي كنت تنوين عمله يا ميراندا, عندما كنا غافلين عنك؟
وقالت جين تايلر مازحة وهي عاملة أخرى على الآلة الكاتبة:
-إن فيبس تود رؤيتك في مكتبها لتعرف إذا كنت قد ارتكبت خطأ ما. هل أنت متأكدة أنك لم ترتكبي أي خطا, يا ميراندا؟
ابتسمت ميراندا للمزاح الذي تعودته خلال سنوات أربع كعاملة على الآلة الكاتبة في شركة ترانسمارين هولدينغ حيث كانت تعمل بجد يوميا, مكتفية بأن تكون موظفة عادية في شركة عالمية كبرى. ذات فرع في لندن, علما أن مصالحها كانت منتشرة في العالم كله. مرة واحدة فقط خلال تلك المدة دعتها السيدة فيبس التي كانت مسؤولة عن قسم الطباعة إلى مكتبها, وكان ذلك منذ ثلاثة أشهر.
يومها حلت مكان جانيت كولي سكرتيرة دوغلاس انغرام أحد أقوى المديرين العاملين في الشركة. إذ مرضت الآنسة كولي بينما رئيسها وسط مفاوضات مهمة تتعلق بشراء ممتلكات, وفي أيام قليلة تعلمت ميراندا كيفية الاطلاع على إحدى (صفقات ترانسمارين الكبيرة).
ولأنها عرفت أنها لم ترتكب خطأ, سحبت ورقة مطبوعة بإتقان من الآلة الكاتبة ووضعتها بعناية في ملف. وسرحت شعرها الأسود الناعم المنسدل على كتفيها ثم نفضت فستانها الأزرق البحري وحملت حقيبة يدها وتوجهت إلى مكتب السيدة فيبس.
قرعت على الباب, فسمعت السيدة تأذن لها بالدخول. فتحت الباب الزجاجي ودخلت المكتب.
-هل تودين رؤيتي يا سيدة فيبس؟
كانت برندا فيبس جالسة خلف مكتب عريض وفي يدها رسالة. شعرها مصفف بعناية, لباسها الأسود تزين ياقته شريطة بيضاء. وعلى أنفها نظارتان لهما إطار أسود. كانت ميراندا دائمة الإعجاب برئيستها إذ كانت برندا فيبس بالنسبة لها مثال المرأة الناجحة. ودليها إلى ذلك أنها كانت تقوم بمسؤوليات عملها في المكتب دون أن تقصر في التزاماتها حيال عائلتها. لقد كانت ميراندا تأمل في أن تصير يوما مثلها أما لطفلين رائعين, وزوجة رجل لطيف مثل جورج فيبس ورئيسة قسم العمل على الآلة الكاتبة, أو سكرتيرة فعالة لدى أحد المديرين الكبار.
كانت لميراندا أحلام أخرى, لكنها احتفظت بها في سرها, ذلك أنها كانت تعرف أن إمكانات تحقيقها بعيدة. ورغم هذا, كانت هذه الأحلام تشغلها دائما وهي في طريقها إلى العمل دون أن تؤثر عليها سلبا.
عاودتها أحلام اليقظة هذه في حضرة السيدة فيبس فتلونت وجنتاها وبدت في عيناها الرماديتان ملامح حالمة شاحبة. لاحظت برندا فيبس هذا اللون وهذه الملامح فبدا وجهها الصارم أكثر سماحة. وفكرت والحزن يعتريها, لكن بمحبة, كم هو رائع أن يكون الإنسان فتيا مثل ميراندا.
-صباح الخير, ميراندا . نعم, أريد رؤيتك. تفضلي واجلسي.
جلست ميراندا على كرسي جلدي عريض, ركبتاها متلاصقتان ويداها في حضنها, تماما كما علمتها العمة كلارا. وبدت بشعرها المتساقط شلالا على كتفيها وخديها المخضبين وعينيها الصافيتين كأنها فتاة مدرسة مثالية رغم أنها في الثالثة والعشرين من العمر.
اعتدلت برندا في كرسيها, وأسندت ذقنها بيديها. وانتقت كلماتها بدقة:
-ما رأيك في رحلة إلى البحر الكاريبي؟
لدى سماعها كلمة كاريبي تراءت لميراندا بسرعة خريطة الجزر الواقعة شمال أميركا وجنوبها. إنه مكان ساحر الجمال... شواطئ رملية ذهبية تحت شمس ساطعة تظللها أشجار النخيل. مكان يمكن للمرء أن يحقق فيه أحلامه.
استعادت حضورها الذهني وسألت:
-وكيف السبيل إلى ذلك؟
-باستطاعتك السفر كسكرتيرة لدوغ انغرام.
-ولكن ماذا عن الآنسة كولي؟ ألا يريد أن يأخذها؟
أوضحت برندا:
-كان لابد لها من أن تأخذ إجازة اضطرارية. ذلك الألم الذي عانته في الخريف عاودها الآن. السيد انغرام سأل عنك لأنك اشتركت في المفاوضات الأولى حول شراء عقار في جزيرة هناك.
-نعم, أذكر. فالصفقة لم تتم لأن السيد انغرام اكتشف في اللحظة الأخيرة أن اتفاقا مع شخص آخر, له حصة في الأرض موضوع الحديث على الجزيرة, كان ضروريا. عندئذ قال السيد انغرام أنه سيحاول العثور على هذا الشخص وإقناعه ببيع حصته.
قالت ميراندا هذا بأسلوب يدل على خبرة واطلاع مهني مما حاز إعجاب برندا.
-حسنا. يسرني أنك تذكرين التفاصيل. واضح انك كنت مهتمة, والاهتمام في هذه القضية ضروري إذا أردت أن تكوني سكرتيرة جيدة. ربما كان اهتمامك هذا هو الذي عزز أسهمك وأوصى بك لدى دوغ انغرام. هل أفهم من هذا أنك تقبلين؟
-طبعا.
بدت ميراندا فتاة متحمسة, وهجرتها برودتها إذ تراءت لها فرصة العمر أمامها. فجأة تذكرت جو وتغيرت قسمات وجهها. وسألت بشيء من التحدي:
-كم من الوقت ستستغرق الرحلة؟
-شهرا, ستة أسابيع, ربما أطول. هل هذا مهم؟
-نعم. تعرفين, ربما... أعني أني آمل في الزواج في حزيران.
بحثت نظرات برندا المتفحصة في أصابع ميراندا المتشابكة. فلم يقع نظرها على خاتم خطوبة في يدها اليسرى. قالت بصوت خافت:
-لكنك لست مخطوبه.
-كلا. ما من شيء رسمي. فقط...
وتحت تلك النظرة الحادة القوية لبرندا تلاشى صوتها تدريجيا. وعلقت برندا بنبرة جافة:
-إذن, لو كنت مكانك يا ميراندا لأخبرته بهذا العرض. أنا متأكدة أنه سيتفهم, وإذا كان بالفعل يحبك, فلن يكون عقبة في سبيل ترقيتك. هذه ترقية, آمل أن تدركي ذلك.
-نعم, سيدة فيبس, إني أدرك ذلك. إني شديدة الامتنان لمجرد أن فرصة السفر هذه أتيحت لي...منتديات ليلاس
-اقبليها أو, ارفضيها وعودي إلى قسم الطباعة حتى تصيري زوجة عادية كسواك من الفتيات. وكما تعرفين, تبنت الشركة حديثا سياسة جديدة. فهي لن توظف في المستقبل متزوجات, يعملن على الآلة الكاتبة إلا على أساس دوام جزئي. بينما ستهتم من ناحية ثانية بتوظيف آنسات يبرهن على قدرتهن في السكريتاريا على أساس دوام كامل.
تطلعت ميراندا في عيني برندا القاسيتين وللحال طردت من ذهنها كل فكرة تتعلق بجو وقالت:
-إني أقبل عرضك.
كان لديها شعور غريب بأنها اتخذت أخطر قرار في حياتها.
وأردفت:
-ماذا علي أن أعمل؟
-انك فتاة طيبة.( وعادت إلى برندا ابتسامتها الدافئة ثانية) سأشرح لك الآن كل شيء. دوغ انغرام موجود الآن في نيويورك, حيث تمكن من الاتصال بالشخص
الذي ستكون موافقته ضرورية قبل أن تشتري شركة ترانسمارين العقار في جزيرة فورتوغا. وقد دعا هذا الشخص إلى القيام برحلة سياحية استجمامية إلى الجزر على يخت الشركة الفخم. وفي أثناء الرحلة يريد أن يزور الجزر حيث تمتلك ترانسمارين الفنادق, أو حيث تبني أماكن للاستجمام. وعلى اليخت سيكون أفراد من العائلة الذين كانوا اتصلوا بنا قبلا ويردون بيع حصصهم. طبعا, الغاية هي البحث في مسألة الشراء وإشاعة الانطباع بأن ترانسمارين تريد مساعدة المناطق المختلفة عمرانيا. هذا واعتقد أن دوغ انغرام بطلبه إياك لتكوني سكرتيرته دل على ذوق رفيع, لأني أعرف أنك ستكونين مضيفة جيدة.
-مضيفة؟ (هتفت ميراندا) ولكن ألن تكون السيدة انغرام هناك؟
-زلدا ستكون هناك, لكنها في حاجة إلى المساعدة, فهناك أفراد آخرون من العائلة. نساء, أخوات, بنات وأبناء. وأنا أعرف من مراقبتي إياك في العمل أن مرافقة هذه الفئة المختارة لن تزعجك. إنك أهل لمهمة كهذه.
تمتمت ميراندا:
-العمة كلارا.
قالت برندا بابتسامة خفيفة:
-تماما.
كانت تعرف كل شيء عن كلارا بنسن التي كانت تعلم الأدب الانكليزي في إحدى الثانويات والتي كانت تهتم بتربية طفلتين لأخيها الذي قتل مع زوجته في أثناء تمضيتهما عطلة في أوروبا.
-ولكن لنعد إلى العمل. اليخت يرسو في مرفأ سان خوان في جزيرة بورتوريكو. و دوغ انغرام يرغب في انضمامك إليه بأسرع ما يمكن. في استطاعتي حجز مكان لك على إحدى الرحلات السياحية التي تنظمها شركتنا. في إمكانك أن تتركي غاتويك بعد غد. أتعتقدين أنك ستكونين جاهزة؟
بدت ميراندا تلك اللحظة في دوامة من أفكار شتى.كان يصعب عليها دائما كعاملة على الآلة الكاتبة أن تشتري لنفسها ما يحلو لها من ثياب. خزانتها تقتصر على ما هو ضروري. ولم تكن تملك في ذلك الوقت من السنة فستانا مناسبا للصيف. ناهيك عن ملابس السهرة والبحر. و اذ لاحظت برندا ملامحها المنقبضة, قالت مبتسمة:
-في استطاعتك الحصول على سلفه لشراء ملابس جديدة. أنصحك بالألبسة القطنية كي تتجنبي لسعة الحر. كما تستطيعين أن تجدي ملابس ملائمة لرحلتك في أي مخزن جيد. وإذا لم تتمكني هنا من شراء ما أنت بحاجة إليه فما عليك سوى الانتظار حتى تصلي إلى الجزر العذراء. زلدا انغرام تقول أن المحلات هناك تبيع ملابس رائعة.
قالت ميراندا بشيء من الخوف:
-أخشى أن يكون الوقت دهمني.
قالت برندا:
-خذي ما تبقى من اليوم وغدا عطلة. أفضل ألا تذكري أي شيء عن رحلتك لبقية البنات في المكتب. سيعرفن بها فيما بعد.
وطوت الرسالة التي كانت تقرأها ثم أعادتها إلى المغلف وسلمتها إياها.
-إنها لك من السيد انغرام. فيها مزيد من التعليمات. لابد من القول أن عائلة غالنت تبعث على الاهتمام. طبعا التقيت طومس غالنت حين كان هنا.
قالت ميراندا بشيء من العفوية التي فطرت عليها والتي كثيرا ما أضحكت رفاقها في العمل:
-نعم, التقيته.
لم ترتح إلى الطريقة التي كان طومس غالنت يراقبها فيها خلال المرات القليلة التي التقته في مكتب السيد انغرام. بدا شديد الاهتمام بساقيها الظاهرتين تحت تنورتها القصيرة, على رغم أنه في الخمسين من عمره.
-فاسدون في معظمهم على ما أظن. (قالت برندا مازحة) وهذا قلما يدهشنا عندما نفكر في أنهم غالبا يتحدرون من سلالة قرصان. في أي حال أعتقد أنك قادرة على الاهتمام بنفسك.
-آمل ذلك.
-ربما كانت كلمة تحذير لا تذهب سدى. تذكري أن هؤلاء الناس, رغم أسمائهم ولكنتهم الانكليزية ليس لهم سلوك البريطانيين ولا خلقهم, عاشوا وسط البحار طويلا. حسنا, هل امضي وأحجز لك مكانا في الطائرة؟
أجابت ميراندا:
-نعم, أرجوك.
في طريقها إلى بيتها, ذلك المساء, في القطار السريع إلى دارتفورد في كنت حيث تعيش مع عمتها وأختها الصغرى دوروتي, قرأت ميراندا للمرة الثانية رسالة دوغ انغرام, هذه الرسالة التي ناولتها إياها السيدة فيبس.
بعد شرحه لها كيفية الوصول إلى مطار سان خوان, طلب منها إحضار شريط التسجيل الذي كان سجل عليه محادثاته مع طومس غالنت في الخريف, وأن تحضر كذلك نسخة عن المراسلات التي تبادلها مع ذلك السيد في الأشهر الأخيرة.
" إنه زبون مراوغ. ( تابعت الرسالة تقول) إنه يطلب الآن مبلغا أكبر لعقاره لأن عليه, كي يبيعه من دون موافقة الشريك الآخر, أن ينقض اتفاقا قديما ينص على استحالة التصرف بحصة واحدة من دون موافقة الأطراف الأخرى... على كل, تمكنت من الاتصال بصاحب الحصة الثانية روجر غالنت ابن عم طومس. دعوته إلى القدوم إلى الجزر. هدف العملية الأول إقناعه بالموافقة على البيع, وإذا أمكن, أن يبيعنا حصته هو بالذات."
وتضيف الرسالة:" بما أنه يبدو أنانيا, عابثا لا يهتم بالملكية على الإطلاق, أعتقد أن لدينا حظا طيبا في إقناعه بالبيع. وما يدعو إلى الاهتمام أكثر أنه موسيقي, وله أغنيات شعبية عدة معروفة وربما سمعتها, وإلا فعليك التعرف عليها. كوني جاهزة لإطرائه, لأني أعرف من مصدر وثيق أنه ضعيف أمام السحر الأنثوي لذا من الضروري التأثير عليه."
طوت ميراندا الرسالة ووضعتها في المغلف. بدا أنه لم يكن لديها مجال للاختيار بين آل غالنت. فجميعهم متشابهون في نظرتهم إلى الحياة و النساء, وهي لم تكن متلهفة للقاء أي واحد منهم.
دخل القطار دارتفورد. وتركت المحطة مع عدد من الركاب لمواجهة الريح الشرقية التي كانت تهب عبر نهر التايمز من بحر الشمال.
رفعت ميراندا ياقة المعطف حتى أذنيها. وأسرعت وسط الشوارع المحاطة بمنازل شبه متفرقة تنبعث منها أضواء تشق ليل الشتاء المخيف. إنها تعيش مع العمة كلارا منذ زمن طويل دون أن تعرف عائلة أو أما سواها. كان والدها الأخ الأصغر للعمة كلارا. كان موهوبا, غير أن زواجه من امرأة أقل منه مستوى كان فاشلا.
لم يكن مهما بالنسبة إلى كلارا بنسن أن تكون زوجة أخيها محبة وكريمة, وأن تحب زوجها حبا عميقا. بل كانت القضية بالنسبة إليها أن كاترين كانت عاطفية, وأنها كانت تعبر علنا عن هذه العاطفة حيال زوجها فتعانقه مثلا من دون أي مراعاة لوجود أناس آخرين معهما. وبما أن كلارا لم تكن تستحسن هذا التصرف, حاولت ما في وسعها خنق هذه المشاعر في ابنتي أخيها. ونجحت إلى حد ما مع ميراندا التي كانت تخفي أحاسيسها وراء مظهر متزن بارد.
لم تكن كلارا ناجحة مع دوروتي, ابنة أخيها الصغرى, إذ كانت هذه تبدي دلائل تحرر في سن مبكرة, وكانت تمارس وهي لا تزال مراهقة كل الصرعات الجديدة. و على هذا الأساس تكهنت ميراندا أن أختها دوروتي لا بد سمعت عن غالنت وموسيقاه, بينما هي, بميلها إلى الموسيقى الكلاسيكية, لم تسمع به قط.
أخيرا وصلت إلى البيت وانفتح الباب حين أدارت المفتاح في القفل, وطريق الدار الضيقة المظلمة رحبت بها كالعادة.
هتفت عمتها من المطبخ:
-أهذه أنت, ميراندا؟
أجابت ميراندا وهي تعلق معطفها:
-آسفة يا عمتي. كان علي شراء بعض الأشياء.
وقالت فجأة:
-احزري, إني مسافرة إلى جزر البحر الكاريبي!
-لست جادة فيما تقولين!
وقفت دوروتي في مدخل غرفة الطعام حيث كانت تجهز المائدة للعشاء. كانت أطول من ميراندا, أكثر امتلاء ونموا من أختها, وهي في العشرين وكلها عزيمة.
-لا بل إني مسافرة فعلا. سأسافر جوا يوم الجمعة إلى سان خوان بصفة سكرتيرة للسيد انغرام مدة شهر أو ستة أسابيع.
صرخت دوروتي:
-وماذا عن جو؟
وقبل أن تجيبها أطلت العمة كلارا من باب المطبخ, طويلة ضخمة. شعرها الرمادي منفلت من رباطه, مما يوحي بأنها لا تهتم بمظهرها. وفي الحقيقة كان شعرها دقيقا يصعب ربطه.
كانت تبتسم هذه المرة, وهذا نادرا ما يحدث, بشهادة طالبات المدرسة التي كانت فيها معلمة.
-كنت أشعر دائما أن هذه هي رغبتك يا ميراندا.( قالت بصوت عميق) وأنا سعيدة لأنك لا تدعين أحدا يمنعك من عمل ما تريدين. حقا, ماذا عن جو, هل يحق له أن يمنعك من السفر؟
أجابت دوروتي وعيناها الزرقاوان تلمعان:
-إذا كان سيتزوج ميري, فله كل الحق.
ردت العمة كلارا:
-كلمة (إذا) هي الأساسية. من عامين تقريبا وهو يحكي عن الزواج. بالمناسبة, لا حب أن تختصري اسم أختك بهذه الطريقة. ميراندا اسم جميل, أنا اخترته من إحدى أفضل الروايات الأدبية عندي.
قالت ميراندا بلطف:
-لم يقل جو أي شيء محدد لأنه كان يحاول توسيع عمله وتطويره قبل أن يلتزم أي موقف.
كانت تحاول الدفاع عن جو لعدم طلب يدها وتحديد تاريخ موعد الأكليل.
-إذن, ليس له الحق في قول أي شيء يثنيك عن السفر. ليست له كلمة في الموضوع مطلقا, وفي اعتقادي انه ليس جديرا بك ميرندا... من الافضل نسيان هذه القضية. العالم مليء بالشبان امثال جو. والآن تعالي تناولي الطعام قبل أن يبرد.
طال وقت العشاء أكثر من العادة, ذلك أن الحديث عن رحلة ميرندا نال القسط الأعظم منه. وكانت هذه لا تزال في الطابق العلوي تغير ثيابها حين حضر جو كما هي العادة مساء كل اربعاء وسبت. كان يدعوها, ومن دون استثناء, منذ أن تعارفا من سنتين, مما جعل الجيران يعتقدون أنه كان يخرج معها بقصد الزواج.
وقبل أن تنزل إلى غرفة الجلوس كانت دوروتي قد أخبرته عن الرحلة الكاريبية.
بادرها قائلا بطريقته الخاصة:
-مفاجأة اليس كذلك؟
كان ممتلئ الجسم, في الثامنة والعشرين من العمر, شعره أسود أجعد, وقسمات وجهه حية. كانت ميرندا تراه جميلا, متجاهلة ثقل وزنه. وكان أبوه يملك شركة بناء, حيث صار هو أخيرا شريكا له فيها. كان طموحا وقويا يسعى دائما إلى تحسين وسائل عمله.

 
 

 

عرض البوم صور جين استين333   رد مع اقتباس
قديم 03-04-09, 02:09 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 107705
المشاركات: 578
الجنس أنثى
معدل التقييم: جين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 436

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جين استين333 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جين استين333 المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

أجابت ميرندا:
-نعم, هذا صحيح. ولكن هذه ترقية.
حدجها بنظرة حادة محاولا معرفة شعورها الحقيقي حول عملها الجديد.
-لا شك أنهم يقدرونك كثيرا حتى يوكلوا إليك هذه المهمة.تكونين حمقاء إذا ما رفضتها.
ثم قال بشيء من اللياقة:
-ربما هي خبرة جيدة, وقد تأتيك بالخير فيما بعد.
أحست بالخيبة. فرغم كل شيء لا يبدو أنه سيعرض عليها الزواج. ومع أنها ستغيب ستة أسابيع, وربما ثمانية, لم يبد أن هذا كان يهمه.
قالت بنعومة:
-سأغيب نحو شهرين.
-هذا ما قالته دوروتي. حسنا, المدة ليست طويلة. لا أريد القول أني لن اشتاق اليك, بل على العكس, لكني في الوقت الحاضر مشغول جدا, وهكذا سيكون وضعي في الأشهر القليلة المقبلة, لهذا لن يكون قي مقدوري رؤيتك كثيرا. على أي حال, حين تعودين...
توقف قليلا.
سألت وهي تحبس أنفاسها:
-نعم؟ حين أعود؟
-سيعرف واحدنا شعوره أكثر حيال الآخر, أليس كذلك؟ يمكننا أن نعتبر هذا حكما لنرى إذا كان الغياب سؤثر في علاقتنا. أنا لست ماهرا في أمور الحب.
بدا جو مرتبكا لأول مرة مذ عرفته.
-أتعرفين ما أعني يا ميرندا؟
-نعم, أعرف ما تعني, يا جو.
أجابت بصوت رقيق غريب, لكنه لم يلاحظ هذا.
-حسنا, هذا ما كنت متأكدا منه. متى تسافرين؟ يوم الجمعة؟ ربما سأجد الوقت لأوصلك إلى المطار وأودعك.
إنه مستعد لذلك. يفرحه أن يوصلها مع دوروتي والعمة كلارا بسيارته الجديدة. وباحساس المنهزم وافقته ميرندا. وأمضين بقية السهرة يستمعن اليه يحدثهن عن مشاريعه الجديدة.
شعرت ميرندا بارتياح لابتياعها ما تحتاج إليه, في يومها الأخير في انكلترى, وهكذا كان, إذ أمضت يوم الخميس تنتقل من متجر إلى آخر تتبضع ما تحتاج إليه من ألبسة صيفية و أحذية, كذلك دوروتي أخذت يوما واحدا اجازة ورافقتها, وكانت خير معين لها في اختيار الألبسة.
في أثناء تناولهما غداء خفيفا سألت ميرندا أختها عن روجر غالنت و أغانيه.
-هل سمعتك جيدا؟ ( سألتها دوروتي) آه, أقسم لك ميري, أنه يؤلف أروع المعزوفات. والعاطفة في أغانيه ليست من هذا العالم. لابد أنك سمعت أغنية "نجوم في البحر" الجميع سمعها. حتى العمة كلارا قالت مرة أن لحنها جميل. إنها كذلك بالفعل. طبعا, أنت غارقة في الموسيقى الكلاسيكية إلى درجة أنك لا تصغين إلى أبة قطع موسيقية محترمة. في الواقع إن الأغنية تلك كانت مقطعا موسيقيا في فيلم اميركي عن الكاريبي. لكن لماذا تسألين؟ آه, يا ميرندا, هل ستلتقينه في هذه الرحلة؟
ارتفع صوت دوروتي, وهي تقوم و تقعد بحماسة على كرسيها, مما لفت إليها انظار رواد المقهى.
همست ميرندا:
-اسكتي, يا دوروتي. الجميع ينظرون إليك. ماذا ستقول العمة كلارا؟
-لا يهمني. كيف تبقين لا مبالية حيال لقائك شخصية كهذه؟
-إذا كان مثل ابن عمه طومس, فاني لا اريد لقاءه. انه على الأرجح في الخمسين, على وشك أن يشيخ.
-آه, كلا, إنه ليس كذلك. وهذا هو الشيء العجيب فيه. كانت موسيقاه في ذروة نجاحها وهو في العشرين من العمر. ( علقت دوروتي بجدية) كان هذا من ستة أعوام. آه, يجب أن تصغي إلى كيت ويليامز يغني هذه الأغنيات. إنه يبعث الارتعاشة في اعماقي!
بدت دوروتي ثانية على وشك الاغماء, وتملكت ميرندا رغبة لا تقاوم في أن تضحك لتصرف اختها المبالغ فيه.
وسألتها:
-ولكن من هو كيت ويليامز؟
-جهلك يا ميرندا يخيفني. ( قالت مقلدة العمة كلارا) أحقا تسألين عن كيت ويليامز؟ الا تذكرين أنه كان يغني في ناد ليلي في الطرف الغربي من المدينة العام الفائت؟ ألا تقرأين صفحة التسلية في الصحف؟ إنه مغن من هنود الغرب, وهو فوق ما يتصوره العقل.
-ما علاقته بروجر غالنت, عدا أنه يغني أغانيه؟ (سألت ميرندا وفي ذاكرتها ما قاله لها السيد انغرام أن عليها جمع ما امكنها من المعلومات عن روجر غالنت).
-انهما صديقان من نفس الجزيرة والأغنية التي أخبرتك عنها وضعتهما على طريق الشهرة. لقد أحسنت بسؤالك و إلا لكنت سافرت إلى سان خوان دون معرفة أي شيء عنه. وليس هذا مستحسنا. لدى عودتنا إلى البيت سنعرج على منزل سيو, عندها تسجيل لكيت ويليامز يغني مختارات من أغاني روجر غالنت. هناك سيكون في استطاعتك سماع أي موسيقى من تأليفه.
بعد ظهر ذلك اليوم جلست ميرندا في غرفة سيو غرين المتميزة بفوضاها. كانت سيو غرين أفضل صديقة لدوروتي. وأخذت تستمع إلى صوت كيت ويليامز يغني "نجوم في البحر" بمرافقة الغيتار. على سرير سيو المفرد, وهي فتاة سمينة شقراء عيناها زرقاوان مستديرتان, تمددت كل من سيو و دوروتي. فمهما فارغان, جسماهما متراخيان وكلتاهما غارقتان في موسيقى الأغنية وفي صوت الذي يغنيها. كانت الكلمات حزينة, عاطفية, تحكي قصة حب ضائع. أما الموسيقى فقد كانت شيئا آخر, لم تكن دائما في المنحنى المنتظر, وتلفت المرء بتمايز أنغامها, وهذا كان شيئا غير مألوف في أغنيات شعبية من هذا النوع. كان فيها العمق والتنوع. ألفها شخص يجيد الموسيقى و ليس متطفلا على عالمها.
وينمى هي تصغي, قلبت ميرندا غلاف الاسطوانة وقرأت ما كتب عليه, لمحة عن كيت ويليامز وكيف أنه كان يغني في ناد ليلي مظلم في سان خوان حين دخل صديقه القديم روجر غالنت.
قال كيت ويليامز:
"قتاة التقيتها في سانت طومس أعطتني هذه القصيدة. عرضتها على روجر الذي لحنها وفي تلك الأمسية غنيتها في النادي. سمعها المخرج السينمائي نيوتن الذي كان في سان خوان يخرج فيلما. جاءني طالبا مقابلة مؤلف اللحن. وهذا ما جعلني و روجر نقدم موسيقى هذا الفيلم المذكور".
القصة المختصرة لم توفر لها معلومات كافية عن روجر غالنت. كل ما هناك أنها أعطتها لمحة مقتضبة عن عالم آخر وحياة أخرى. قصة النجاح السريع هذا كانت برهانا على أنه ليس من الضروري أن يكون المرء تخطى الثلاثين حتى يحقق النجاح.
في صباح اليوم التالي وكما وعدها, أوصلها جو إلى المطار. قدم اليها باقة الورود دون أن يفكر بما يمكنها أن تفعل بها في الطائرة, وعلبة كبيرة من الشوكولا. بهرها سخاؤه ولم تتمالك ميرندا دموعها حين قبلها على خدها للمرة الثانية وطلب منها الكتابة اليه. في الحقيقة, كانت المناسبة تستحق رحلة كهذه, لمجرد أن تسمع اطراءه وتتسلم هداياه. هكذا حدثت نفسها وهي تسير في الممر إلى الطائرة, ولكن لو أنه طوقها بذراعيه ورجاها ألا تذهب طالبا الزواج منها لكانت شعرت بسعادة أكبر.
لكن الحماسة التي ولدتها الرحلة بددت دموع الفراق. أخذ جميع المسافرين يتوجهون نحو الطائرة التابعة لهولدينغ ترانسمارين التي كانت تستخدم قاعدة سان خوان لرحلات أسبوعية بين جزر الكاريبي.
جلست ميرندا في مقعد بين اثنين, احتلت الأول امرأة بدينة متوسطة العمر ذات شعر أشقر, ووجه كثير الحمرة والمساحيق واحتل الثاني رجل مثلها مكتنز الوجه.
قدمت المرأة الشقراء نفسها دون تردد. كان اسمها ماري موات. من سكان وسط البلاد.

 
 

 

عرض البوم صور جين استين333   رد مع اقتباس
قديم 03-04-09, 02:10 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 107705
المشاركات: 578
الجنس أنثى
معدل التقييم: جين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 436

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جين استين333 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جين استين333 المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

-رغم محبتي لبلدتي, أنا سعيدة أن أبتعد عنها في هذا الوقت من السنة.
هذا ما باحت به إلى ميرندا:
-إذا ما رأيت أي شيء يستحق الرؤية من خلال هذه النافذة فسأدعوك إلى رؤيته. فالطيران سيكون مملا, مدته تسع ساعات, كما يقولون. يمكننا أن نتصاحب من البداية. هل أنت أيضا في رحلة الاستجمام هذه؟
وقبل انقضاء الساعة الأولى كانت ميرندا قد اخبرت السيدة موات بكل شيء عن وظيفتها, كما أنها سمعت من السيدة عن رحلاتها الاستجمامية في الشتاء إلى حيث المناخ الدافئ. كانت امراة حيوية واسعة الاطلاع, طيبة المعشر كما هي الحال بالنسبة إلى الكثيرات من أرامل انكلترا.
-انها رحلتي الأولى إلى الكاريبي (قالت السيدة موات) سأقوم بزيارة الكثيرين. سأتعرف إلى رئيس القضاء الأعلى لاحدى الجزر وسأزور ابنة صديقة لي في كندا, أبحرت إلى هناك مع زوجها على متن قارب شراعي. تصوري, هذه الأميال كلها في قارب صغير! ستة أسابيع فقط, آه أنظري, الغيوم أخذت تنقشع. في استطاعتي رؤية المحيط. أنظري.
تطلعت ميرندا, وكانت مدهوشة لرؤية مساحة زرقاء تحتها بآلاف الأقدام, إنها المحيط الأطلسي. حتى أنها تمكنت من رؤية سفينة كبقعة صغيرة تتحرك ببطء في مياه المحيط.
منتديات ليلاس
أحضرت المضيفة المقبلات, وعرفت ميرندا أن الجالس إلى يمينها كان هاري ولتون وهو تاجر لندني في أول رحلة له إلى الكاريبي أيضا.
-لم يكن في استطاعتي احتمال طقس الشتاء في انكلترى اسبوعا آخر. ( قال ولتون) لهذا طلبت من سكرتيرتي الاتصال بوكيلي للسفر لتستعلم عن رحلات الاستجمام, فاقترح سان خوان وقضاء اسبوعين في التنقل بين الجزر. وها أنا هنا مع ليلي. ها هي ليلي, زوجتي, جالسة في الأمام. آه, بالكاد يمكنني الانتظار حتى أحس بأشعة الشمس تلفح جلدي. و الآن ماذا تودين أن تشربي؟ عصير الفاكهة؟
أشياء كثيرة كانت تحدث في الطائرة فلم تشعر ميرندا بالضجر. راقبت المضيفات يحركن العربات بين المقاعد ويخدمن كل واحد بابتسامة عذبة. وبالكاد انتهين من تقديم المشروبات حتى عدن بوجبة الطعام. لم تعرف ميرندا تماما أية وجبة هي, ذلك أنها لم تكن متأكدة من الوقت.
حين انتهت السيدة موات من وجبة الطعام نامت واخذت تشخر قليلا. كذلك غفا السيد ولتون و أخذ يشخر هو الآخر. أما ميرندا فتناولت مجلة تتصفحها وهي تتساءل عمن سيكون في انتظارها في مطار سان خوان.
بعد الشاي خاطبهم قبطان الطائرة. كان عليهم ضبط ساعاتهم لدى اقترابهم من سان خوان إذ كانت الساعة شارفت الرابعة لعد الظهر. كان الطقس عاصفا والمطر ينهمر و الحرارة اثنتين وعشرين درجة.
عاودت الحماسة ميرندا. قريبا ستكون على أرض أجنبية لأول مرة في حياتها. ومع أنها تركت انكلترا منذ ساعات, فإنها لم تشعر أنها تركتها, لأن الطائرة كانت بريطانية وكذلك المسافرين الذين حولها. نصف ساعة وتكون في بورتوريكو, وهذه حاليا جزء من الولايات المتحدة, لكن الاسبان هم الذين يسكنونها منذ البداية ولغة سكانها اسبانية.
كانت هناك جلبة حماسية بين المسافرين. واكتشف كل من السيدة موات والسيد ولتون أن لهما معارف مشتركين. ليلي والتون اعتدلت في مقعدها تتحدث مع ميرندا. وبدا أن الضحك واللطف هما الشعور السائد في الطائرة.
اتكأت السيدة موات إلى ظهر مقعدها كي تتمكن ميرندا من التطلع عبر النافذة. رأت البحر أقرب. تبعثر زرقته أمواج كبيرة من الزبد الأبيض... وبانت لها الجزيرة عالية تنعكس أضواؤها في المياه مؤلفة مهرجانا من الألوان المتلألئة.

 
 

 

عرض البوم صور جين استين333   رد مع اقتباس
قديم 03-04-09, 02:14 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 107705
المشاركات: 578
الجنس أنثى
معدل التقييم: جين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 436

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جين استين333 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جين استين333 المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

وأخيرا, عندما نظرت إلى تحت, رأت زرقة المياه في قاع البحر تتحول ارجوانية, ثم أقل عمقا. وعند الرمال الشاحبة الصفراء صارت موجا مزبدا يتكسر عند أطرافها, وأشجار النخيل ترفع أوراقها العريضة في الريح. ثم بانت ناطحات السحاب ما وراء الشاطئ و النخيل, تطل على سطوح مستوية لمنازل متواضعة و أكواخ خشبية. وخلفها التلال مغطاة بالعشب الأخضر, كغابات بورتوريكو الشديدة الإخضرار. ثم اختفى كل شيء من أمام بصرها بسبب عاصفة استوائية ماطرة أخذت تضرب البلدة.
أخذت الطائرة تهبط ثم لامست المدرج, وابطأت في اندفاعها حتى وصلت أمام بناية المطار حيث توقفت. وللحال دبت الحركة بين المسافرين فوقفوا وراحوا يجمعون معاطفهم وحقائبهم من تحت المقاعد.
أول انطباع أخذته ميراندا عن سان خوان, أن هواءها دافئ, رطب بسبب المطر الإستوائي, ومشبع برائحة البحر. وتناهت إليها ضحكات بورتوريكيين قدموا معها على الطائرة, ثم لاحظت دموعهم وهم يلتقون أقارب وأصدقاء جاءوا لاستقبالهم كما طربت للغة الاسبانية ذات النبرة الموسيقية في كل مكان حولها.
وقفت إلى جانب السيدة موات في قاعة الوصول للمطار, وأخذت تراقب بشغف اللقاءات العائلية: بنات جميلات يرتدين ثيابا اميركية على آخر طراز, ألوان بعضها صارخ متنافر, شبان ممشوقون أكتافهم عريضة, شعرهم كث أسود, وملامح تعود بالذاكرة إلى الاسبان القدامى, على مناكبهم قيثارات. كانت القيثارة في الواقع عبارة عن رمز, وراح أحدهم يعزف على قيثارته ويغني بالاسبانية أغنية حب, مما أفرح العائلة والرفاق الذين أتوا لاستقباله.
لم يكن البورتوريكيون وحدهم الخارجين من الطائرة الأميركية. بل كان هناك اميريكون أيضا, سواح قصدوا هذا البلد الدافئ لقضاء عطلة منتصف الشتاء. نساء متوسطات العمر, صففن شعرهن بعناية, ورجال في ثياب خفيفة يحملون حقائب تميزها أسماء نوادي غولف, وهذا رمز آخر يشير إلى المرتبة والمركز. بدا اللون الأبيض غالبا على ثيابهم. بناطيل وسترات بيضاء. بذلات بيضاء مزركشة بالأحمر أو الأزرق. بلوزات بيضاء, جزادين بيضاء, أحذية بيضاء.
رفع ولتون إحدى حقائبها وقال بمرح:
-ها أنت هنا الآن. علينا اللحاق بالباص الذي سيأخذ إلى سفينة الرحلة الاستجمامية. هل كل شيء على ما يرام؟
-نعم شكرا.
قبلتها ماري موات على خدها, مما أثار دهشتها.
-انتبهي أيتها العزيزة, ولا تضيعي. لقد سرني السفر معك, يا ميرندا, وتذكري زيارة لورا بالتون في حال مرورك في غرينادا. ستكون سعيدة للقائها شابة مثلك آتية من وطنها الأم.
تركاها, ولأول وهلة تدفقت الدموع إلى عينيها. كانا رباطها الأخير بالوطن حتى تلتقي السيد انغرام. مسحت دموعها, لم ترد أن تبدو عاطفية وسخيفة. فالعمة كلارا نادرا ما كانت تستحسن التعبير عن الأحاسيس في العلن. على أي حال, لم يمض على معرفتها بماري وهاري سوى ساعات قليلة, لذا يجب ألا تهتم بهما كثيرا. كل ما في الأمر أنهما مواطنان طيبا المعشر خفيفا الروح من الذين في استطاعتها الركون إليهم في بلد غريب.
وصلت حقيبتها الثانية, رفعتها متعجبة من ثقلها. وخف الجميع عبر الأبواب الزجاجية, إما إلى سيارات الأجرة و إما إلى الباصات. كانت مهمتها التالية إيجاد المكتب الذي كان مفترضا أن تجد فيه رسالة من السيد انغرام كما سبق وذكر هذا في تعليماته إليها. تطلعت حولها, فلمحت المكتب عند زاوية كبيرة. حملت حقائبها, وجرت نفسها إليه. وصلت و العرق يتصبب منها إذ هي لم تعتد على مثل هذه الحرارة. وتمنت لو تحصل على شراب بارد منعش.
الشاب الذي وراء المكتب كان يتكلم الانكليزية بلكنة اميركية يشوبها سحر لاتيني. وبالفعل كانت في حوزته رسالة لها من السيد انغرام. وأدركت من قراءتها الرسالة أنه لم يتمكن للأسف من إرسال أحد لملاقاتها. وكان عليها بالتالي أن تستقل التاكسي إلى المرفأ وتسأل عن نادي اليخوت سي كويست و أي سائق تاكسي يعرف أين ترسو المراكب المخصصة للرحلات الاستجمامية.
أخفت تبرمها من عدم وجود أحد لملاقاتها, ومن احتمال أن يخطئ السائق فهم التعليمات التي عليها أن تعطيها له. ابتسمت ميرندا للموظف بثقة وتهذيب. وما إن استدارت لتخرج حتى وجدت نفسها تدوس قدم شخص كان يقف خلفها.
-آه إني آسفة! آمل ألا أكون آذيتك؟
قالت تعتذر بصدق, ورفعت عينيها فاصطدم نظرها بنظارتين شمسيتين ساطعتين. كان الوجه حول النظارات نحيلا ورجوليا لوحته الشمس قليلا. فمه حسن الشكل مقوس في ابتسامة سحرية خفيفة.
قال لها:
-أنت بعيدة عن الوطن.
كانت لكنته انكليزية من دون شك, وكان يرتدي الجينز كما هي حال كثير من الشبان, مما جعله يبدو كأي شخص آخر.
كانت ميرندا تحدق في نظارتيه المعتمتين وتتمنى لو ينزعها عن عينيه.
قال لها:
-اعتقد أنك من لندن.
وللحال لاحظت شيئا غير انكليزي في كلامه, كان فيه شيء من هنود الغرب.
أجابت ميرندا:
-صحيح.
بدت مرتبكة وهي تخاطب رجلا غريبا وكأنه يعرفها من زمان. أشاحت بوجهها عنه وهمت بالتقاط الحقائب.
-اسمحي لي.
وقبل أن تستطيع اكمال سيرها كان قد حمل أثقل حقائبها. بينما أمسك بيده الثانية حقيبته التي كانت مغطاة بشارات عديدة, مما يدل على الأسفار الكثيرة التي قام بها.
-لكنني سأدعو حمالا.
-جميعهم مشغولون, كما تلاحظين إذا ما تطلعت حولك. إلى أين أنت ذاهبة؟
-إلى الميناء.
-أنا أيضا.( قال بصوت خافت) سنذهب معا.
ترددت مرتابة, فابتسم لها بلياقة وسحر وبانت اسنانه البيضاء المتناسقة.
-تعالي.
وبثقة متزايدة مصدرها ابتسامة المحببة ولكنته الانكليزية المألوفة, تبسمت ميرندا له. رفعت حقيبتها الأخرى وأسرعت وراءه, وهو يحث الخطى على رغم مظهره الوقور.
أوضحت له:
-أشرطة التسجيل هي مصدر ثقل الحقيبة.
سألها متطلعا إليها برفع حاجبيه:
-أشرطة تسجيل؟
-نعم, طلب مني رئيسي احضارها.
-هو الذي ستلتقينه في الميناء؟
-نعم. سنبحر في رحلة إلى الجزر.
-الآن؟ وماذا ستقول زوجته؟
-ستكون معنا. إنها رحلة عمل, وليس كما تظن.
قالتها بجدية وبنبرة مؤنبة مداعبة في آن, لكنه تبسم لها, فأحست بالاحمرار في خديها.
خرجا إلى الهواء الرطب, وللحال اندفعت صوبهما سيارة كبيرة وتوقفت أمامهما.
نادى الرجل على السائق بالاسبانية فلوح هذا بيده مبتسما, وخرج من التاكسي ودار حول السيارة ليفتح الصندوق ويساعد الغريب في وضع الحقائب.
فتح الرجل باب السيارة الخلفي, داعيا ميرندا إلى أن تدخل.
-هذا لطف كبير, سيد...
قالتها بتردد ثانية.
-هذا من دواعي سروري. ( أجابها باقتضاب) لنستقل التاكسي نفسه مادمنا في الاتجاه ذاته. اعتبري عملي شكرا للخدمات الكثيرة التي قدمت إلي يوم كنت في لندن, إذا كان هذا التبرير يجعلك تقبلين خدماتي من دون ارتباك.
صعدت إلى السيارة, جلس إلى جانبها وأغلق الباب, وبسرعة انطلقت السيارة بهما مبتعدة عن المطار إلى طريق ضيقة على جانبيها أشجار نخيل. كان المطر قد توقف وسطعت الشمس, أشعتها تكاد تؤذي العيون.
فتحت ميرندا حقيبة يدها لتتناول نظارتيها الشمسيتين, فسحبت عن غير قصد رسالة السيد انغرام. وقعت الرسالة على أرض التاكسي فانحنى يلتقطها, ولاحظ الاسم والعنوان على الغلاف قبل اعادتها إليها.
سألها إن كانت ميراندا:
-نعم.
قالت له بشيء من عدم الرضا, وسحبت الرسالة من يده.
-ميراندا ( قال يلفظ اسمها بتأن). كم هو رومنسي هذا الاسم بالنسبة إلى فتاة انكليزية. هل أنت ميراندا شكسبير, تلك البريئة العاطفية في مسرحيته "العاصفة"؟ ميراندا الحائزة على كل اعجاب, الكاملة التي لا مثيل لها, خلاصة فضائل البشر؟
انزعجت لكلامه هذا كما لم تنزعج من قبل. الا أنها اخفت مشاعرها وراء نظارتيها المحكمتين بعناية على أنفها. ومن خلف زجاجهما الأسمر تفحصته بدقة.
لم يتبادر إليها ساعة التقته في قاعة المطار أنه يكبرها سنا بكثير, أما الآن فقد تأكدت أنه في نحو الثلاثين من عمره, بل قد يكون بات في المقلب الثاني من عمره.
إلا أنه كان على شيء من الأناقة لم تلاحظها بادئ الأمر. وقد يعود هذا, في ظنها, إلى أنه كان يرتدي تحت سترته الزرقاء قميصا وربطة عنق. صحيح أن طوق القميص كان مرتخيا وحل ربطة العنق بسبب الحرارة, غير أن كليهما من نوع ممتاز وينمان عن زوق رفيع. أما شعره فبدا حديث التقليعة مقصوصا مصففا يلمع, بلون الكستناء, وبسمرة حمراوية داكنة. تمنت ميراندا رؤية عينيه, ذلك أن رؤية عيون الآخرين تجعل معرفتهم أسهل. ويبدو أنه أدرك هذه الحقيقة فتعمد حجبهما.
سألها فجأة, مما جعلها تجفل:
-هل اكتفيت؟
-اكتفيت؟( سألته بدورها وهي تنظر إلى فمه عساها تعثر على مفاتيح شخصيته).
كان حازما في حساسية, صارما في راحة, يميل إلى الابتسام متى تكلم.
-مني. كنت تقيسينني كما قاست ميراندا الأخرى فرديناند حين تحطمت سفينته على جزيرتها. كانت تظن أنه روح من العالم الثاني حتى أكد لها والدها أن فرديناند كان بشرا. هكذا يمكن أن أصف نفسي. إنك في مأمن. لست خاطفك, بل أعرض عليك شيئا من ضيافة الجزيرة.
-آه, هل تعيش هنا, إذن؟
-ليس هنا, ولا في أي مكان آخر بصورة دائمة في الوقت الحاضر, لكني ولدت ونشأت على جزيرة في الأندوس الغربي.
هذا يفسر لهجته, قالت ميراندا في سرها, إذ تذكرت من دراستها الجغرافيا في المدرسة أن العدد من جزر الأندوس الغربية كانت مستعمرات بريطانية سابقا, وأن غالبيتها لا تزال منضوية في الكومنولث.
كانت سيارة التاكسي مسرعة من دون اعتبار لوعورة الطريق ولا لقوانين السرعة وظهرت اكواخ خشبية قديمة بين غابات الموز والنخيل وأشجار التمر وقد تفتحت براعمها زهورا صفراء ووردية لامعة. هنا وهناك على جانب الطريق سيارات عتيقة معطلة كان البورتوريكيون يتخذون منها دكاكين يبيعون فيها أغراضا متنوعة.
وحين استوضحت ميراندا مرافقها عنهم, أجاب:
-انهم باعة متجولون, يبيعون برتقالا مقشرا, سراطين وأراجيح وسلالا من جوز الهند ذي العصير الأكثر انعاشا لدى اشتداد الحر.
وصلا إلى مفترق حيث تتصل الطريق بأخرى عريضة عليها شاحنات وسيارات و باصات زرقاء وبيضاء مسرعة. لم تكن هناك شارات سير, فأخذ السائق خطه, وانحرف بسيارته إلى اليمين وانطلق في مجرى السير, مما دفع بسائقي السيارات الذين فوجئوا به إلى إطلاق أبواق سياراتهم عاليا, حتى أن إحدى السيارات تخطته وأمطره سائقها, وهو في محاذاة سيارته, ببعض الشتائم, فرد سائق التاكسي عليه بمثلها. ورمقت ميراندا مرافقها وقد دهشت لما رأت, وما سمعت. أما الرجل الغريب فكان يراقب ويصغي, وابتسامة خفيفة على فمه. وحين تحركت السيارة الأخرى إلى الأمام في أثر السيارات الأخرى, مال إلى الأمام صوب السائق وحدثه بالاسبانية.
ثم قال لميراندا:
-طلبت منه أن يسلك الطريق الفرعية في المناطق الآهلة بدل الخط السريع هذا. بهذا يمكنك رؤية المنطقة عن كثب. مع الأسف, إن شوارع سان خوان متخمة بالبنايات العالية. في أواسط الأربعينات قرر الحاكم أن شيئا ما يجب أن يتم لتشجيع السواح على زيارة الجزيرة. لهذا انطلقت حملة كبيرة في هذا الاتجاه,
فشيدت فنادق عالية وفخمة. ومع أن السياحة بدأت بفتور أولا إلا أنها قويت فيما بعد. الفنادق في كل مكان. عندئذ ظهرت مشاكل تبعها تراجع في العمران. ستلاحظين الكثير من الفنادق المغلقة.
-على هذا الأساس بفضل أصحاب شركة ترانسمارين عدم البناء هنا.

 
 

 

عرض البوم صور جين استين333   رد مع اقتباس
قديم 03-04-09, 02:15 PM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Nov 2008
العضوية: 107705
المشاركات: 578
الجنس أنثى
معدل التقييم: جين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداعجين استين333 عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 436

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
جين استين333 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : جين استين333 المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

أجابته ميراندا مداعبة وهي تتأمل الفيلات ذات الطابع الاسباني القديم والشرفات الحديدية المزدانة بزهور قرمزية حمراء.
-ترانسمارين؟ ( سألها مرافقها والاهتمام في صوته) لاحظت العنوان على رسالتك. ما علاقة فتاة طيبة مثلك بهؤلاء القراصنة؟
فوجئت بتهجمه على الشركة التي تعمل فيها وأجابته ببرودة:
-اشتغل عندهم. كنت في قسم العمل على الآلة الكاتبة في المكتب الرئيسي في لندن, وبسبب مرض سكرتيرة السيد انغرام جئت مكانها فيما كان يجري المفاوضات الأولية لشراء عقار كبير على جزيرة فورتوغا. قد تكون سمعت بها.
-نعم, سمعت بها.
كان في صوته هذه المرة مزاح جاف, فتذكرت أنه من الأندلس الغربي و لا بد طبعا, أنه سمع بفورتوغا.
وسألها بعدم اكتراث:
-وهل هذا ( الانغرام) الذي تتحدثين عنه هو الرئيس الذي ستلتقينه في المرفأ؟
-نعم. إنه المسؤول عن شراء العقارات في المنطقة الغربية. إنه فائق الذكاء, فقد أتم صفقات خيالية, لقد دعا عائلة صاحب العقار في جزيرة فورتوغا إلى القيام معه برحلة بحرية لاطلاعها على بعض فنادق ترانسمارين وأماكن الراحة.
-ولكن لماذا يريد فعل ذلك؟
-يبدو أن موافقة أحد أفراد العائلة ضرورية لتحقيق عملية البيع, لهذا دعاهم عساه يبت في الأمر بطريقة ودية. كذلك يقول السيد انغرام أن العقبة هي في أحد أفراد العائلة, فهم أناني لا يهتم بالعقارات موضوع الصفقة, مع أنه يملك نصفها, وهو لا يعيش هناك مطلقا. واعتقد أنها ستنتهي إلى الخراب, وهذا عار, في الوقت الذي يمكن تحويلها إلى مكان استجمام لقضاء عطلات جميلة فضلا عن إفساح مجال العمل لابناء المنطقة في مشروع كهذا.
-وهل التقيت أحدا من العائلة المذكورة؟
-نعم, الذي يريد البيع. قدم إلى مكتب لندن في الخريف. إنه متشوق إلى أن يرى شركة ترانسمارين تلتزم هذا المشروع.
-كيد, انما بثمن.
أجابها بملاحظة مبهمة جعلتها تلتفت إليه وتحدق فيه بينما ينظر خارج السيارة متظاهرا بعدم الاهتمام.
لاحظت ميراندا بعض المنازل. لمعالمها الهندسية جمال فريد. كانت لها حدائق جميلة تحوي شتى أنواع الورود. وأعجبتها الطرق الضيقة وعند أطرافها البحر يلمع تحت الشمس وأمواجه الفاتحة الزرقة تتكسر فتستحيل زبدا عند الشاطئ الذهبي.
انعطفت سيارة الأجرة إلى طريق رئيسية, حيث اصطفت بنايات حديثة من الاسمنت, شديدة البياض تحت الشمس. بعضها دل في هندسته على أثر اسباني, القناطر مغربية فخمة شرفاتها من حديد. فجأة لاحظت إلى اليمين حجرا أسمر دافئا يتوهج كالذهب تحت أشعة الشمس, وأبراجا ضيقة مستديرة الرأس, وجدرانا كبيرة مائلة.
سألته وقد أعجبها هذا المظهر الاثري:
-ما هذا؟
-حصن سان جيرونيمو. إنه واحد من سلسلة حصون بناها الاسبان لحماية الميناء من القراصنة البريطانيين و الفرنسيين. سان خوان قديمة بالنسبة إلى عالم اليوم. عمرها أربعمائة وخمسون سنة, منذ قدوم المحتلين إلى هنا.
فجأة استطرد يسألها:
-ماذا ستفعلين في هذه الرحلة العملية التي نظمها رئيسك؟
-أسجل الملاحظات, أطبع رسائل وأساعد السيد انغرام في عملية الترفيه.
-وتساعدين على تليين قلب ذلك العاصي في العائلة الذي لا يريد البيع؟
كان سؤاله ذكيا و موحيا بالمعاني, مما لم يعجب ميراندا.
-سأعرف كيف أقوم بذلك. (أجابته بجدية) ثم إني لا أظن أن السيد انغرام يلجأ إلى أساليب كهذه.
-وأنت؟
كان في سؤاله شيء من السخرية.
-كل ما سأفعله هو إظهار الفوائد التي تقدمها شركة ترانسمارين, هذه الفوائد التي ستفوق ما تقدمه أي جماعة أخرى.
-هل مكثت في أي من فنادق ترانسمارين؟
-كلا.
-إذن, أنت لا تعرفين الكثير عنها, أليس كذلك؟ كذلك لا أعتقد أنك فكرت بشعور أهالي الجزر الذين يتضررون في المدى الطويل من مؤسسات أمثال الترانسمارين بدلا من تركهم ينمون إمكاناتهم الذاتية بأساليبهم الخاصة.
-لكنهم يستفيدون كذلك من وظائف وتسهيلات جديدة.
-ليس دائما, وهنا المشكلة. نحن في طريقنا إلى البلدة القديمة الآن, هنا سترين الجمال الحقيقي, قليل من القدم و الانحلال, ومع هذا هي بلدة رائعة الجمال. فجأة, يأتي أحدهم ليبدي اهتمامه بها واستعداده لينفق على تحسينها.
كانت سيارة الأجرة تعبر شوارع ضيقة بين منازل عالية الجدران, نوافذها طويلة وأنيقة مشرعة على شرفات حديدية دقيقة وبواباتها الجميلة تحمي باحات خضراء وشجيرات تنعكس أشكالها في مياه الينابيع وقريبا من المرفأ بنايات متصدعة جرداء اللون تقوم على أعمدة خشبية.
فجأة وصلا إلى شارع عريض يحاذي الميناء حيث مساحة من المياه وسيعة كانت تلمع تحت الشمس. وسفن كبيرة للنزهة ترفع مراسيها. طلاؤها أبيض مضيء, أعلامها البهيجة ترفرف مرحة في الريح.
انعطف السائق إلى الشارع وسألها بالانكليزية عن اسم الرصيف الذي يقصدانه. ولما تطلع الرجل نحوها متسائلا بدوره أدركت ميراندا أنها لا تعرف العنوان. فأقرت بجهلها وأعطته اسم اليخت. أبلغ الرجل الاسم إلى السائق الذي أومأ برأسه قائلا كلاما بالاسبانية.منتديات ليلاس
تمتم صاحب النظارتين الشمسيتين :
-يقول السائق إنه نقل أحدهم إلى اليخت الذي تقصدين, وهو على الرصيف.
بدا باردا ومغلقا على ذاته. وأحست بأن الدفء الذي لاقاها به تبدد عن قسماته كما أحست بالأسف أن انسانا بهذا اللطف وهذه المساعدة سيفلت من حياتها إلى الأبد.
خرجت إلى الرصيف, كانت الشمس حادة تخترق خيوط سترتها وتلصقها بجلدها. كانت ساقاها دبقتين تحت جوارب النايلون, وتمنت لو تغطس في المياه الزرقاء. أخرج مرافقها محفظته, ونقد السائق أجرته قبل أن ينطلق هذا مبتعدا. اقترب حمال ووضع الحقائب على عربته. اذ ذاك تأكد لها أن الرجل ذا النظارتين سيرفقها حتى اليخت.
دخلا قاعة باردة وعبرا ممرا, وخرجا من الطرف الىخر واتجها إلى حيث رسا مركب للنزهة كبيرة يلمع. كان الناس يصعدون إليه. حين عبرا مقدمته رأت ميراندا الاسم وتحققت أنه المركب الذي سيقل ماري موات و ولتون في رحلة استجمام بحرية لمدة اسبوعين.
أخذ التعب ينال منها وهي تسير خلف الحمال والرجل ذي النظارتين. كان يومها طويلا, وقد بدأت تحس بآثاره. بينما بدا الغريب الداكن البشرة بلون النحاس غير آبه بالحرارة. كان يسير على هواه وهو يتحدث إلى الحمال. وقدرت ميراندا بادرته في مرافقته اياها إلى هنا. إذ لم يكن ليكترث إليها كثيرون غيره.
كانا قريبين كفاية من قارب صغير مربوط وراء يخت النزهة فاستطاعت أن تتبين اسمه المحفور بأحرف ذهبية عند مقدمه.
قال الرجل مشيرا إلى المعبر:
-ها قد وصلنا...
وبتردد خطت ميراندا صوبه تتساءل إذا كانت لحظة الفراق قد دنت.
-سآتي معك.
قالها بصوت خافت, مما جعلها ممتنة له, من دون أن تدعه يلاحظ ذلك لأنها كانت نضع على عينيها هي أيضا نظارتين شمسيتين.
انعطفت وراحت إلى المعبر الذي كان فوق مساحة من الماء ضيقة تفصل اليخت الأبيض عن المرسى. على متن القارب وجدت نفسها أمام بابين من الزجاج. فتحت أحدهما, ودخلت مكانا مبردا.
نزعت عن عينيها نظارتين بتمهل لتعتاد الضوء الخفيف بعد نور الشمس القوي خارجا, لهذا لم تنتبه إلى شابة في الممر سمعتها تهتف:
-ماذا تفعل هنا يا روجر؟
-كما تفعلين.
لم تستطع حرارة صوته أن تخفي برودة ما في داخله.
-إني هنا للبحث في مستقبل أملاك غالنت.
التفتت ميراندا نحوه وعيناها الرماديتان الواسعتان تتهمانه. كان قد ازاح نظارتيه فظهرت عيناه إذ التقتا عينيها, خضراوين بشفافية الجليد.
-نعم ميراندا. ( قال يرد نظرتها المتهمة) أنا هو المتمرد في عائلة غالنت, أنا هو الأناني الذي يرفض بيع حصته. أنا روجر غالنت , وأريد أن أقدمك إلى واحدة من أبناء عمي, خوانيتا غالنت خوانيتا, هذه ميراندا بنسن, سكرتيرة انغرام.

 
 

 

عرض البوم صور جين استين333   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
flora kidd, gallant's fancy, روايات, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير القديمة, رواية اليخت, عبير القديمة, فلورا كيد, قلوب عبير, قلوب عبير القديمة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:34 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية