1-ميراندا تحلم كثيرا, ولكنها تحتفظ بأحلامها في سرها لأنها تعرف أن إمكانيات تحقيقها بعيدة. حتى بادرتها رئيستها ذات صباح:" ما رأيك في رحلة إلى البحر الكاريبي؟".
قالت موظفة المكتب الجديدة:
-السيدة فيبس تريد أن تراك في مكتبها الآن آنسة ميراندا بنسن.
فسألت فندي شو إحدى زميلات ميراندا العاملات على الآلة الكاتبة:
-ما الذي كنت تنوين عمله يا ميراندا, عندما كنا غافلين عنك؟
وقالت جين تايلر مازحة وهي عاملة أخرى على الآلة الكاتبة:
-إن فيبس تود رؤيتك في مكتبها لتعرف إذا كنت قد ارتكبت خطأ ما. هل أنت متأكدة أنك لم ترتكبي أي خطا, يا ميراندا؟
ابتسمت ميراندا للمزاح الذي تعودته خلال سنوات أربع كعاملة على الآلة الكاتبة في شركة ترانسمارين هولدينغ حيث كانت تعمل بجد يوميا, مكتفية بأن تكون موظفة عادية في شركة عالمية كبرى. ذات فرع في لندن, علما أن مصالحها كانت منتشرة في العالم كله. مرة واحدة فقط خلال تلك المدة دعتها السيدة فيبس التي كانت مسؤولة عن قسم الطباعة إلى مكتبها, وكان ذلك منذ ثلاثة أشهر.
يومها حلت مكان جانيت كولي سكرتيرة دوغلاس انغرام أحد أقوى المديرين العاملين في الشركة. إذ مرضت الآنسة كولي بينما رئيسها وسط مفاوضات مهمة تتعلق بشراء ممتلكات, وفي أيام قليلة تعلمت ميراندا كيفية الاطلاع على إحدى (صفقات ترانسمارين الكبيرة).
ولأنها عرفت أنها لم ترتكب خطأ, سحبت ورقة مطبوعة بإتقان من الآلة الكاتبة ووضعتها بعناية في ملف. وسرحت شعرها الأسود الناعم المنسدل على كتفيها ثم نفضت فستانها الأزرق البحري وحملت حقيبة يدها وتوجهت إلى مكتب السيدة فيبس.
قرعت على الباب, فسمعت السيدة تأذن لها بالدخول. فتحت الباب الزجاجي ودخلت المكتب.
-هل تودين رؤيتي يا سيدة فيبس؟
كانت برندا فيبس جالسة خلف مكتب عريض وفي يدها رسالة. شعرها مصفف بعناية, لباسها الأسود تزين ياقته شريطة بيضاء. وعلى أنفها نظارتان لهما إطار أسود. كانت ميراندا دائمة الإعجاب برئيستها إذ كانت برندا فيبس بالنسبة لها مثال المرأة الناجحة. ودليها إلى ذلك أنها كانت تقوم بمسؤوليات عملها في المكتب دون أن تقصر في التزاماتها حيال عائلتها. لقد كانت ميراندا تأمل في أن تصير يوما مثلها أما لطفلين رائعين, وزوجة رجل لطيف مثل جورج فيبس ورئيسة قسم العمل على الآلة الكاتبة, أو سكرتيرة فعالة لدى أحد المديرين الكبار.
كانت لميراندا أحلام أخرى, لكنها احتفظت بها في سرها, ذلك أنها كانت تعرف أن إمكانات تحقيقها بعيدة. ورغم هذا, كانت هذه الأحلام تشغلها دائما وهي في طريقها إلى العمل دون أن تؤثر عليها سلبا.
عاودتها أحلام اليقظة هذه في حضرة السيدة فيبس فتلونت وجنتاها وبدت في عيناها الرماديتان ملامح حالمة شاحبة. لاحظت برندا فيبس هذا اللون وهذه الملامح فبدا وجهها الصارم أكثر سماحة. وفكرت والحزن يعتريها, لكن بمحبة, كم هو رائع أن يكون الإنسان فتيا مثل ميراندا.
-صباح الخير, ميراندا . نعم, أريد رؤيتك. تفضلي واجلسي.
جلست ميراندا على كرسي جلدي عريض, ركبتاها متلاصقتان ويداها في حضنها, تماما كما علمتها العمة كلارا. وبدت بشعرها المتساقط شلالا على كتفيها وخديها المخضبين وعينيها الصافيتين كأنها فتاة مدرسة مثالية رغم أنها في الثالثة والعشرين من العمر.
اعتدلت برندا في كرسيها, وأسندت ذقنها بيديها. وانتقت كلماتها بدقة:
-ما رأيك في رحلة إلى البحر الكاريبي؟
لدى سماعها كلمة كاريبي تراءت لميراندا بسرعة خريطة الجزر الواقعة شمال أميركا وجنوبها. إنه مكان ساحر الجمال... شواطئ رملية ذهبية تحت شمس ساطعة تظللها أشجار النخيل. مكان يمكن للمرء أن يحقق فيه أحلامه.
استعادت حضورها الذهني وسألت:
-وكيف السبيل إلى ذلك؟
-باستطاعتك السفر كسكرتيرة لدوغ انغرام.
-ولكن ماذا عن الآنسة كولي؟ ألا يريد أن يأخذها؟
أوضحت برندا:
-كان لابد لها من أن تأخذ إجازة اضطرارية. ذلك الألم الذي عانته في الخريف عاودها الآن. السيد انغرام سأل عنك لأنك اشتركت في المفاوضات الأولى حول شراء عقار في جزيرة هناك.
-نعم, أذكر. فالصفقة لم تتم لأن السيد انغرام اكتشف في اللحظة الأخيرة أن اتفاقا مع شخص آخر, له حصة في الأرض موضوع الحديث على الجزيرة, كان ضروريا. عندئذ قال السيد انغرام أنه سيحاول العثور على هذا الشخص وإقناعه ببيع حصته.
قالت ميراندا هذا بأسلوب يدل على خبرة واطلاع مهني مما حاز إعجاب برندا.
-حسنا. يسرني أنك تذكرين التفاصيل. واضح انك كنت مهتمة, والاهتمام في هذه القضية ضروري إذا أردت أن تكوني سكرتيرة جيدة. ربما كان اهتمامك هذا هو الذي عزز أسهمك وأوصى بك لدى دوغ انغرام. هل أفهم من هذا أنك تقبلين؟
-طبعا.
بدت ميراندا فتاة متحمسة, وهجرتها برودتها إذ تراءت لها فرصة العمر أمامها. فجأة تذكرت جو وتغيرت قسمات وجهها. وسألت بشيء من التحدي:
-كم من الوقت ستستغرق الرحلة؟
-شهرا, ستة أسابيع, ربما أطول. هل هذا مهم؟
-نعم. تعرفين, ربما... أعني أني آمل في الزواج في حزيران.
بحثت نظرات برندا المتفحصة في أصابع ميراندا المتشابكة. فلم يقع نظرها على خاتم خطوبة في يدها اليسرى. قالت بصوت خافت:
-لكنك لست مخطوبه.
-كلا. ما من شيء رسمي. فقط...
وتحت تلك النظرة الحادة القوية لبرندا تلاشى صوتها تدريجيا. وعلقت برندا بنبرة جافة:
-إذن, لو كنت مكانك يا ميراندا لأخبرته بهذا العرض. أنا متأكدة أنه سيتفهم, وإذا كان بالفعل يحبك, فلن يكون عقبة في سبيل ترقيتك. هذه ترقية, آمل أن تدركي ذلك.
-نعم, سيدة فيبس, إني أدرك ذلك. إني شديدة الامتنان لمجرد أن فرصة السفر هذه أتيحت لي...منتديات ليلاس
-اقبليها أو, ارفضيها وعودي إلى قسم الطباعة حتى تصيري زوجة عادية كسواك من الفتيات. وكما تعرفين, تبنت الشركة حديثا سياسة جديدة. فهي لن توظف في المستقبل متزوجات, يعملن على الآلة الكاتبة إلا على أساس دوام جزئي. بينما ستهتم من ناحية ثانية بتوظيف آنسات يبرهن على قدرتهن في السكريتاريا على أساس دوام كامل.
تطلعت ميراندا في عيني برندا القاسيتين وللحال طردت من ذهنها كل فكرة تتعلق بجو وقالت:
-إني أقبل عرضك.
كان لديها شعور غريب بأنها اتخذت أخطر قرار في حياتها.
وأردفت:
-ماذا علي أن أعمل؟
-انك فتاة طيبة.( وعادت إلى برندا ابتسامتها الدافئة ثانية) سأشرح لك الآن كل شيء. دوغ انغرام موجود الآن في نيويورك, حيث تمكن من الاتصال بالشخص
الذي ستكون موافقته ضرورية قبل أن تشتري شركة ترانسمارين العقار في جزيرة فورتوغا. وقد دعا هذا الشخص إلى القيام برحلة سياحية استجمامية إلى الجزر على يخت الشركة الفخم. وفي أثناء الرحلة يريد أن يزور الجزر حيث تمتلك ترانسمارين الفنادق, أو حيث تبني أماكن للاستجمام. وعلى اليخت سيكون أفراد من العائلة الذين كانوا اتصلوا بنا قبلا ويردون بيع حصصهم. طبعا, الغاية هي البحث في مسألة الشراء وإشاعة الانطباع بأن ترانسمارين تريد مساعدة المناطق المختلفة عمرانيا. هذا واعتقد أن دوغ انغرام بطلبه إياك لتكوني سكرتيرته دل على ذوق رفيع, لأني أعرف أنك ستكونين مضيفة جيدة.
-مضيفة؟ (هتفت ميراندا) ولكن ألن تكون السيدة انغرام هناك؟
-زلدا ستكون هناك, لكنها في حاجة إلى المساعدة, فهناك أفراد آخرون من العائلة. نساء, أخوات, بنات وأبناء. وأنا أعرف من مراقبتي إياك في العمل أن مرافقة هذه الفئة المختارة لن تزعجك. إنك أهل لمهمة كهذه.
تمتمت ميراندا:
-العمة كلارا.
قالت برندا بابتسامة خفيفة:
-تماما.
كانت تعرف كل شيء عن كلارا بنسن التي كانت تعلم الأدب الانكليزي في إحدى الثانويات والتي كانت تهتم بتربية طفلتين لأخيها الذي قتل مع زوجته في أثناء تمضيتهما عطلة في أوروبا.
-ولكن لنعد إلى العمل. اليخت يرسو في مرفأ سان خوان في جزيرة بورتوريكو. و دوغ انغرام يرغب في انضمامك إليه بأسرع ما يمكن. في استطاعتي حجز مكان لك على إحدى الرحلات السياحية التي تنظمها شركتنا. في إمكانك أن تتركي غاتويك بعد غد. أتعتقدين أنك ستكونين جاهزة؟
بدت ميراندا تلك اللحظة في دوامة من أفكار شتى.كان يصعب عليها دائما كعاملة على الآلة الكاتبة أن تشتري لنفسها ما يحلو لها من ثياب. خزانتها تقتصر على ما هو ضروري. ولم تكن تملك في ذلك الوقت من السنة فستانا مناسبا للصيف. ناهيك عن ملابس السهرة والبحر. و اذ لاحظت برندا ملامحها المنقبضة, قالت مبتسمة:
-في استطاعتك الحصول على سلفه لشراء ملابس جديدة. أنصحك بالألبسة القطنية كي تتجنبي لسعة الحر. كما تستطيعين أن تجدي ملابس ملائمة لرحلتك في أي مخزن جيد. وإذا لم تتمكني هنا من شراء ما أنت بحاجة إليه فما عليك سوى الانتظار حتى تصلي إلى الجزر العذراء. زلدا انغرام تقول أن المحلات هناك تبيع ملابس رائعة.
قالت ميراندا بشيء من الخوف:
-أخشى أن يكون الوقت دهمني.
قالت برندا:
-خذي ما تبقى من اليوم وغدا عطلة. أفضل ألا تذكري أي شيء عن رحلتك لبقية البنات في المكتب. سيعرفن بها فيما بعد.
وطوت الرسالة التي كانت تقرأها ثم أعادتها إلى المغلف وسلمتها إياها.
-إنها لك من السيد انغرام. فيها مزيد من التعليمات. لابد من القول أن عائلة غالنت تبعث على الاهتمام. طبعا التقيت طومس غالنت حين كان هنا.
قالت ميراندا بشيء من العفوية التي فطرت عليها والتي كثيرا ما أضحكت رفاقها في العمل:
-نعم, التقيته.
لم ترتح إلى الطريقة التي كان طومس غالنت يراقبها فيها خلال المرات القليلة التي التقته في مكتب السيد انغرام. بدا شديد الاهتمام بساقيها الظاهرتين تحت تنورتها القصيرة, على رغم أنه في الخمسين من عمره.
-فاسدون في معظمهم على ما أظن. (قالت برندا مازحة) وهذا قلما يدهشنا عندما نفكر في أنهم غالبا يتحدرون من سلالة قرصان. في أي حال أعتقد أنك قادرة على الاهتمام بنفسك.
-آمل ذلك.
-ربما كانت كلمة تحذير لا تذهب سدى. تذكري أن هؤلاء الناس, رغم أسمائهم ولكنتهم الانكليزية ليس لهم سلوك البريطانيين ولا خلقهم, عاشوا وسط البحار طويلا. حسنا, هل امضي وأحجز لك مكانا في الطائرة؟
أجابت ميراندا:
-نعم, أرجوك.
في طريقها إلى بيتها, ذلك المساء, في القطار السريع إلى دارتفورد في كنت حيث تعيش مع عمتها وأختها الصغرى دوروتي, قرأت ميراندا للمرة الثانية رسالة دوغ انغرام, هذه الرسالة التي ناولتها إياها السيدة فيبس.
بعد شرحه لها كيفية الوصول إلى مطار سان خوان, طلب منها إحضار شريط التسجيل الذي كان سجل عليه محادثاته مع طومس غالنت في الخريف, وأن تحضر كذلك نسخة عن المراسلات التي تبادلها مع ذلك السيد في الأشهر الأخيرة.
" إنه زبون مراوغ. ( تابعت الرسالة تقول) إنه يطلب الآن مبلغا أكبر لعقاره لأن عليه, كي يبيعه من دون موافقة الشريك الآخر, أن ينقض اتفاقا قديما ينص على استحالة التصرف بحصة واحدة من دون موافقة الأطراف الأخرى... على كل, تمكنت من الاتصال بصاحب الحصة الثانية روجر غالنت ابن عم طومس. دعوته إلى القدوم إلى الجزر. هدف العملية الأول إقناعه بالموافقة على البيع, وإذا أمكن, أن يبيعنا حصته هو بالذات."
وتضيف الرسالة:" بما أنه يبدو أنانيا, عابثا لا يهتم بالملكية على الإطلاق, أعتقد أن لدينا حظا طيبا في إقناعه بالبيع. وما يدعو إلى الاهتمام أكثر أنه موسيقي, وله أغنيات شعبية عدة معروفة وربما سمعتها, وإلا فعليك التعرف عليها. كوني جاهزة لإطرائه, لأني أعرف من مصدر وثيق أنه ضعيف أمام السحر الأنثوي لذا من الضروري التأثير عليه."
طوت ميراندا الرسالة ووضعتها في المغلف. بدا أنه لم يكن لديها مجال للاختيار بين آل غالنت. فجميعهم متشابهون في نظرتهم إلى الحياة و النساء, وهي لم تكن متلهفة للقاء أي واحد منهم.
دخل القطار دارتفورد. وتركت المحطة مع عدد من الركاب لمواجهة الريح الشرقية التي كانت تهب عبر نهر التايمز من بحر الشمال.
رفعت ميراندا ياقة المعطف حتى أذنيها. وأسرعت وسط الشوارع المحاطة بمنازل شبه متفرقة تنبعث منها أضواء تشق ليل الشتاء المخيف. إنها تعيش مع العمة كلارا منذ زمن طويل دون أن تعرف عائلة أو أما سواها. كان والدها الأخ الأصغر للعمة كلارا. كان موهوبا, غير أن زواجه من امرأة أقل منه مستوى كان فاشلا.
لم يكن مهما بالنسبة إلى كلارا بنسن أن تكون زوجة أخيها محبة وكريمة, وأن تحب زوجها حبا عميقا. بل كانت القضية بالنسبة إليها أن كاترين كانت عاطفية, وأنها كانت تعبر علنا عن هذه العاطفة حيال زوجها فتعانقه مثلا من دون أي مراعاة لوجود أناس آخرين معهما. وبما أن كلارا لم تكن تستحسن هذا التصرف, حاولت ما في وسعها خنق هذه المشاعر في ابنتي أخيها. ونجحت إلى حد ما مع ميراندا التي كانت تخفي أحاسيسها وراء مظهر متزن بارد.
لم تكن كلارا ناجحة مع دوروتي, ابنة أخيها الصغرى, إذ كانت هذه تبدي دلائل تحرر في سن مبكرة, وكانت تمارس وهي لا تزال مراهقة كل الصرعات الجديدة. و على هذا الأساس تكهنت ميراندا أن أختها دوروتي لا بد سمعت عن غالنت وموسيقاه, بينما هي, بميلها إلى الموسيقى الكلاسيكية, لم تسمع به قط.
أخيرا وصلت إلى البيت وانفتح الباب حين أدارت المفتاح في القفل, وطريق الدار الضيقة المظلمة رحبت بها كالعادة.
هتفت عمتها من المطبخ:
-أهذه أنت, ميراندا؟
أجابت ميراندا وهي تعلق معطفها:
-آسفة يا عمتي. كان علي شراء بعض الأشياء.
وقالت فجأة:
-احزري, إني مسافرة إلى جزر البحر الكاريبي!
-لست جادة فيما تقولين!
وقفت دوروتي في مدخل غرفة الطعام حيث كانت تجهز المائدة للعشاء. كانت أطول من ميراندا, أكثر امتلاء ونموا من أختها, وهي في العشرين وكلها عزيمة.
-لا بل إني مسافرة فعلا. سأسافر جوا يوم الجمعة إلى سان خوان بصفة سكرتيرة للسيد انغرام مدة شهر أو ستة أسابيع.
صرخت دوروتي:
-وماذا عن جو؟
وقبل أن تجيبها أطلت العمة كلارا من باب المطبخ, طويلة ضخمة. شعرها الرمادي منفلت من رباطه, مما يوحي بأنها لا تهتم بمظهرها. وفي الحقيقة كان شعرها دقيقا يصعب ربطه.
كانت تبتسم هذه المرة, وهذا نادرا ما يحدث, بشهادة طالبات المدرسة التي كانت فيها معلمة.
-كنت أشعر دائما أن هذه هي رغبتك يا ميراندا.( قالت بصوت عميق) وأنا سعيدة لأنك لا تدعين أحدا يمنعك من عمل ما تريدين. حقا, ماذا عن جو, هل يحق له أن يمنعك من السفر؟
أجابت دوروتي وعيناها الزرقاوان تلمعان:
-إذا كان سيتزوج ميري, فله كل الحق.
ردت العمة كلارا:
-كلمة (إذا) هي الأساسية. من عامين تقريبا وهو يحكي عن الزواج. بالمناسبة, لا حب أن تختصري اسم أختك بهذه الطريقة. ميراندا اسم جميل, أنا اخترته من إحدى أفضل الروايات الأدبية عندي.
قالت ميراندا بلطف:
-لم يقل جو أي شيء محدد لأنه كان يحاول توسيع عمله وتطويره قبل أن يلتزم أي موقف.
كانت تحاول الدفاع عن جو لعدم طلب يدها وتحديد تاريخ موعد الأكليل.
-إذن, ليس له الحق في قول أي شيء يثنيك عن السفر. ليست له كلمة في الموضوع مطلقا, وفي اعتقادي انه ليس جديرا بك ميرندا... من الافضل نسيان هذه القضية. العالم مليء بالشبان امثال جو. والآن تعالي تناولي الطعام قبل أن يبرد.
طال وقت العشاء أكثر من العادة, ذلك أن الحديث عن رحلة ميرندا نال القسط الأعظم منه. وكانت هذه لا تزال في الطابق العلوي تغير ثيابها حين حضر جو كما هي العادة مساء كل اربعاء وسبت. كان يدعوها, ومن دون استثناء, منذ أن تعارفا من سنتين, مما جعل الجيران يعتقدون أنه كان يخرج معها بقصد الزواج.
وقبل أن تنزل إلى غرفة الجلوس كانت دوروتي قد أخبرته عن الرحلة الكاريبية.
بادرها قائلا بطريقته الخاصة:
-مفاجأة اليس كذلك؟
كان ممتلئ الجسم, في الثامنة والعشرين من العمر, شعره أسود أجعد, وقسمات وجهه حية. كانت ميرندا تراه جميلا, متجاهلة ثقل وزنه. وكان أبوه يملك شركة بناء, حيث صار هو أخيرا شريكا له فيها. كان طموحا وقويا يسعى دائما إلى تحسين وسائل عمله.