7-رفضته رغم حبها الكبير له, خوفا من أن تكون تجربة عابرة في حياته, لا أكثر. لم تكن نظراته هذه المرة ساحرة و جذابة, بل حيية كأنه لم يكن متأكدا من ردة فعلها... أم أن ما رأت كان خيالا؟
في اليوم التالي وصلت سيارة أجرة. ودعت مارني وبكت, و كانت سعيدة أن روجر لم يظهر.
وعادت إلى انكلترا لتستأنف الحياة من جديد. لم يكن عندها شيء: جو تزوج دوروتي, و الترانسمارين استغنت عنها. كل ما بقي لها عمتها كلارا التي كانت تصغي إليها وهي تقص عليها ما حدث لها في رحلتها, وفي نهاية كل حكاية كانت تسألها:
-فيك الكثير من طباع أمك, يا ميراندا, لقد أحببت هذا الذي أسمه روجر, أليس كذلك؟
وكانت ميراندا تنكر ذلك باستمرار, غير أن عمتها كانت تقاطعها:
-نكرانك هراء, بقدر ما تعرفين يصير العبء أخف.
غير أن ميراندا كانت تعترف لنفسها في وحدتها. كانت تذكره و تبكي, لقد أحبت رجلا همه الوحيد الموسيقى. رفضته على رغم حبها الكبير له, رفضته خوفا من أن تكون تجربة عابرة في حياته, لا أكثر. أحبته كيي تصير زوجته, كي تعيش معه حتى النهاية, كي تقاسمه الأحزان و الأفراح.
وأخيرا وجدت ميراندا وظيفة. وذات يوم دخلت المنزل فسمعت عمتها كلارا تقول بصوت عال:
-تعالي, يا ميراندا, نحن هنا.
وفجأة رأته, كان روجر.
التقت عيناها عينيه للحظة خاطفة, وابتسم لها. لم تكن نظراته هذه المرة ساحرة و جذابة أو تحتضن دعوة لا يمكن تجاهلها كما في كل مرة ينظر إليها. بل على العكس من ذلك, بدت نظراته حيية كأنه لم يكن متأكدا من رد فعلها حيال رؤيته ثانية... روجر غير متأكد و متردد!! أم أن ما رأت كان خيالا؟
-لماذا أنت هنا, يا روجر؟
سلمت عليه, و أحست بالقشعريرة في كفها. من زمان لم تكن بهذه الغبطة.
-هنا في انكلترا أو هنا في البيت؟
-هنا في البيت.
-كي أراك. كذلك أريد التعرف إلى العمة كلارا.
-كنا نتحدث عن مسرحية شيكسبير العاصفة. إنه يؤلف قطعة موسيقية ستعزف الخريف المقبل في لندن. لهذا هو في انكلترا حيث يقضي بضعة أشهر. أين شقتك, يا روجر؟
لم تسمع ميراندا جوابه. كانت تتذكر قوله:"قد نلتقي في لندن, لدي شقة فيها".
ثم قال بصوت متأفف:
-يسعدني جدا إذا ما قبلتما, أنت و عمتك, دعوتي إلى العشاء هذا المساء.
-اذهب أنت و ميراندا (سارعت العمة كلارا تقول من دون تردد) فهي لا تخرج إلا ما ندر. أما أنا فعلي أن أذهب إلى المعهد حيث أتابع دروسا خصوصية.
حدقت ميراندا في عمتها بدهشة لا تحفظ فيها, لعلمها أن هذه الأخيرة لا تذهب إلى المعهد مساء الجمعة. إضافة إلى أن العمة لم تكتفي بالكذب بل هي غمزتها بطرف عينها!
-اذهبي و بدلي ثيابك, ميراندا (قالت العمة بلهجة تحمل معنى الأمر) البسي أجمل ما عندك, بينما أخبر روجر أي المطاعم في المدينة هو الأفضل لتناول العشاء.
حارت, وهي في غرفتها, في اختيار ثوب للسهرة. ذلك أن ذهنها كان في دوامة. أخيرا, ارتدت ثوبا عاديا بسيطا أبرز جمالها ورشاقة قوامها.
السيارة التي استأجرها روجر, كانت متوقفة قرب المنزل. جلست إلى جانبه, وانطلقا إلى حيث نصحته العمة كلارا.
في الطريق, كانا في البدء صامتين, التوتر على أشده داخلهما, وأخيرا بادرته بالقول:
-كيف حال مارني؟
أجابها:
-قالت لي أن أشكرك على الرسالة التي بعثت بها إليها.
ضحكا معا ضحكة مسترسلة. وعاد الجو نقيا من أي تشنج.
-مارني بخير. لقد أعلنت, هي و أوبري, خطوبتهما. سيتزوجان في نهاية حزيران. وهي تود لو تعودين إلى فورتوغا لحضور حفلة زواجهما. هل ترغبين في ذلك؟
فجأة أحست بالارتباك.
-إني سعيدة لكليهما, ولكن كيف أستطيع الذهاب؟ إنها رحلة طويلة. و لا يمكنني تأمين كلفة السفر. كما أن الوقت لا يسمح لي. لقد وجدت وظيفة أخرى. وليس سهلا أن أطلب إجازة ولم يمض شهر بعد على بدئي العمل.
كانت الكلمات تتدفق من فمها بتسارع لم تستطع معه تمالك نفسها. أوقف روجر السيارة إلى جانب الطريق. وأطفأ محرك السيارة. وكانت الأضواء خفيفة إلى درجة بالكاد يستطيع المرء أن يميز الظل من صاحبه. التفت نحوها, و بصوت هادئ ملؤه الحزم, قال:
-كفى, ميراندا.
امسك يدها المرتعشة, وأضاف:
-لابد أنه كان شهرا صعبا عليك مذ تركت فورتوغا, أليس كذلك؟
وبصوت خافت مستسلم, قالت:
-نعم.
-كذلك كان الأمر بالنسبة لي. لقد عانيت الكثير بعد رحيلك و ندمت لأني سمحت لك بالذهاب. ووجدتني وحيدا, افتقدك كل لحظة, لذا ترينني هنا, الآن, بقربك. هل تقبلين حضور حفلة زواج مارني, كزوجة لي؟
هجعت يدها في راحة يده, ونظراتها في عينيه. ثم مدت يدا تتحسس قسمات وجهه. وأخيرا قالت:
-إني أتأكد فقط من أنك هنا, معي, وإني لا أتخيل الحقيقة.
ابتسم قائلا:
-إني هنا فعلا بجسمي و عقلي وروحي.
واستطرد:
-حسنا, ما هو جوابك؟
-أريد أن أتأكد أولا أنك لم تعرض علي الزواج لأنك لم تستطع أن تنال مني بطريقة أخرى, لأني اعتبر الزواج رباطا مقدسا قويا لا يمكن حل وثاقه.
نظر إليها بعبوس و قال:
-وهل تظنين أن رأيي في الزواج يختلف عن قناعاتك؟ و لماذا في اعتقادك, لم أتزوج إلى الآن؟ أليس لأني لم أكن وجدت بعد المرأة التي تستحق أن تكون شريكة حياتي إلى الأبد؟ و لماذا أنا هنا معك؟ أليس لأني أحبك؟
-آه, كيف لي أن أعبر عن أسفي على كل ما فعلت, أو قلت؟
-لا تقولي شيئا. فقط دعيني أعرف إن كنت تقبلين دعوة مارني.
-سأذهب أنى ذهبت, فأنا أحبك يا روجر.
وفي الليل الداهم راحت السيارة تشق الظلام.
منتديات ليلاس
تـــــمــــت