كاتب الموضوع :
تمارااا
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
اجود القطعان للتناسل في افيرون . وهكذا لن تتحول سان جان دي روش الى مأوى للعجزة )
( وما هو دورك انت في هذه التعاونية ؟)
( أنا مديرها العام).
أجابها وأسرع يضيف عندما رأى النظرة الساخره التي رمته بها :
( أنا لست أقطاعيا ولو لم اكن املك من الخبرة مايؤهلني لادارة التعاونية لكنت وجدتني الآن عاملا بسيطا. لا أخفيك الأمر بأنني تدربت على أعمال الادرارة في مزارع المارتينيك وسواها ).
توقف قليلا وظهرت على وجهه ابتسامة ساخره وأضاف :
( اذا كنت يا عزيزتي قد اتيت الى هنا وانت تظنين بأنك ستقومين بدور سيدة القصر الفاتنة فأنت مخطئة في ظنك)
( انه امر لم يخطر ببالي )
وضعت مدام بريسون الطعام على المائده وفاحت منه رائحة الثوم
والاعشاب بشكل يفتح الشهية . عندها فقط شعرت اندريا بالجوع .
كان العشاء مؤلف من الفاصولياء مع اللحم والنقانق بطريقة مبتكرة والجبنة البلدية وشراب الفاكهه الفاخر .
تناولته اندريا بلذة وشهية حتى لم بيق عندها متسع للفاكهه واستعاضت عنها بفنجان من القهوة .
( يبدو ان طعام كلوتيلد اعجبك)
( جداً)
ولم تكمل كلامها . فأجابها وهو يبتسم ببرأة وكأنما فاته معنى كلماتها .
( سوف أراقب هذا التحول باهتمام )
برغم الضيق والحرج اللذين شعرت بهما اندريا لنوع الحديث الذي دار بينهما استغنمت الفرصة لتفاتحه بالموضوع ووضعت فنجان القهوة
من يدها في تأمل واخذت نفسا عميقا وقالت:
( انك تدرك يا سيد لوفالييه مثلما ادرك انا تماما ان هذا الزواج لا يمكن ان يتم )
( انك مخطئه يا آنسة وانا لا ادرك شيئا من هذا )
( اذا كنت في الماضي قد ابديت موافقتي على موضوع الزواج فلأنني كنت في ظروف صعبة ولا اظنك ترغمني على إبقاء وعد قطعته في ظروف غير طبيعية . فوعد كهذا لا يجب ان يلزم أحد)
( انك واهمة يا آنستي اذا كنت تظنيني بأنني سأتخلى عن الموضوع . فما زلت أصر عليه)
انكمشت تحت وطأة النظرة التي ارتسمت في عينيه وسمعته يقول :
( ربما ، ولكن هل تظنين أن الحياة لم تقس علي ؟ فما عرفت في حياتي كلها الا الظلم !)
وبحركة لا شعورية ارتفعت يده لتغطي الندبة فوق خده وتابع:
( وماذا تعرفين أنت عن الظلم يا آنسة وما عرفت في حياتك الا الرخاء
والدلال )
(أجابته بتهكم وقد نسيت دورها :
( وها انا أتلقى درسي الأول على يديك!)
هو كتفيه بلا أكتراث وقال :
( أليك وحدك يعود أختيار نوع الدرس . فأن شئت أن تجعليه سهلا فالأمر في يديك. ولكنني أجد نفسي مضطرا الى أن احذرك بأن الزواج سيتم في القريب العاجل جداً . فقد تأجل بما فيه اكفاية )
( ولكن لماذا ؟ من حقي ان أعرف السبب الذي يجعلك تصر على هذا الزواج )
سكب لنفسه مزيدا من القهوة وبجفاء قال :
( غريب امر هذا الفضول المفاجئ. لا اذكر انك أبديت أي أهتمام لمعرفة السبب قبل الآن . كنت منشغله تماما بمشاكلك الخاصة
ولم يكن لديك وقت لأي أمر آخر . ولكن لا بأس سأخبرك الآن . لقد اوصاني أخي بابنه قبل ان يموت ولكنه وضع شرطاً في الوصية يعلق فيه حقي بالوصاية على زواجي . فلكي امارس حق الوصاية على أبن أخي امتوفي يجب ان اكون متزوجا . هذا كل ما في الأمر )
وكأن الزواج وحده لا يكفي ! فكان أذن على من ستصبح زوجه لهذا الرجل أن تتحول بسحر ساحر الى أم في الوقت نفسه !
( ولكن لماذا وضع أخوك هذ الشرط ، وقد كنت أعزباً آنذاك؟)
( كنت على عتبة الزواج عندما حرر أخي وصيته )
أجابها بمرارة . وسرح نظرها بدون ان تستطيع كبحه الى الندبة فوق خده . لم تفته نظرتها تلك اذ سمعت صوته المتهكم يقول :
( انك شديدة الملاحظة يا آنسة ولكنك بالتأكيد أقدر بكثير من خطيبتي السابقة على أخفاء مشاعرك)
وبضحكة خالية من أي مرح تابع:
( في يوم واحد فقط فقدت كل من أحببت في هذة الحياة . كانت ساعات لا تنسى . لم يبق لي الا ابن أخي ولا أريد أن افقده ايضاَ)
( ولكن ربما أنك قريبه الوحيد ..)
( كلا لست قريبة الوحيد . له خالة وهي عازمه على أستئناف حكم الوصاية أمام المحاكم .
ولن أوفرلها أي مادة لذلك . لن أستطيع محاربتها اذا لم اكن مستوفيا جميع شروط الوصية . ولا أريد أن يصل الأمر الى المحاكم ، فلست مستعدا لذلك خاصة ان التعاونية قد أبتلعت تقريبا كل أموالي )
( كم يبلغ من العمرأبن أخيك هذا ؟ ربما من الأفضل له أن يبقى مع خالته التي أعتاد عليها و ..)
شعرت بنظرته كحد السكين وتوقفت عن الكلام ولم تعد تجرؤ على المتابعة . وبأقتضاب أجابها :
( كلا ، لن يكون أحسن حالاً معها . ربما العكس هو الصحيح انه وريثي الشرعي ومكانه هنا )
( و اذا ما رزقت أنت اطفالا فعندها ...)
وتوقفت فجأة وملأ الأحمرار وجهها ولم تعد تعرف كيف تخفي ارتباكها . لكنه أبتسم وقال :
( الا تخشين أن اطالبك بكلامك هذا في يوم من الأيام ؟)
قال هذا وعيناه تخترقانها وتنفذان الى أعماقها ثم تابع وفي صوته رنة استهزاء وتهكم :
( ستغمضين عينيك عندئذ وتسرحين بفكرك الى بيطانيا كما يقول المثل عندكم أو الى فرنسا في مثل هذة الحالة )
غطت وجهها بيديها وبتعثر وتلعثم قالت :
( لم أكن أعني ..)
وتوقفت عندما رأت الأبتسامة المتهكمة تعلو وجهه لكنه طمأنها قائلا :
( لا تخافي . أنا أصدقك . وفي أي حال لن أطلب منك تضحية بهذا الحجم . أنا أعرف أن وجهي هذا كاف ليسبب كوابيس مزعجه لمعظم النساء )
انقبضت نفسها أمام المرارة التى عكستها كلماته . من ياترى تسبب له بكل هذا ؟
لعلها خطيبته السابقة . حسنا فعل بالتخلص منها !
ولكن ما هذه الأفكار قالت في نفسها . مالها ولمشاعره . عادت تحاوره علها تصل معه الى نتيجة مرضية وقالت :
( يبدو اك تألمت كثيرا في حياتك . من من لم يتألم ؟ ولكنه ليس من العدل ان تجعل الأخرين يدفعون الثمن .
وهذا الزواج مكتوب له أن يفشل ، فأنت لا تعرفني وأنا لا أعرفك ولا يربطنا أي رابط )
شعرت كأنها كانت تدلي بمرافعه أمام المحكمة ولكن عمن تدافع ؟
عن كلير أم عن نفسها ؟ واعتراها شعور غريب لم تدرك كنهه وارتعشت قليلا فقال لها :
) انك ترتعشين . هل تشعرين ببرد ؟ أقتربي من المدفأة )
وأشار الى مقعد قرب الموقد وتناول قطعة من الحطب وألقاها في النار .
( أنني على ما يرام )
كان صوتها مضطربا وفي عينيها خوف ازعجه فقال لها بضيق :
( مما أنت خائفة ؟ اطمئني يا آنسة فزواجنا سيبقى حبرا على ورق . كل ما ابغى هو ان يقتنع المحامون وعندئذ يصبح فيليب تحت وصايتي قانونيا
وعمليا وبعدها يمكنك الذهاب حيث تشائين . ستكونين حره تماما )
( هذا استغلال لا يجوز)
( آه . وأنت ؟ ألم يكن في موقفك مني استغلال . لم تزعجك فكرة الاستغلال نذاك . ما ذا دعوتني عندها ؟... ( خشبة الخلاص ) على ما اذكر . لقد كنت صريحه جدا ولم تشعري بأي حرج وأنت تفين حبك الفاشل
وشعور اليأس الذي يغلفك . ليس من حقك الآن أن تتذمري اذا شعرت ان تلك الخشبة التى كانت للخلاص تحولت في نظرك الى أغلال تقيد حريتك )
لم تعد اندريا تقوى على تحمل المزيد فوقفت وهي تزيح عن جبينها خصلة من الشعر وقالت بتبرم ونزق ملوحظين :
( ارجو المعذرة فأنا اشعر ببعض التعب وأود أن استريح قليلا )
( بكل تأكيد . سأطلب الى كلوتيلد ان ترافقك الى غرفتك)
ثم قام من مكانه واقترب منها ورماها بنظرة طويلة قبل ان يقول :
( ربما بدت لك الامور مختلفة غدا. والآن أسمحي لي ان ارجو لك نوما هانئا وليلة مريحه )
لم تجب اندريا بشيء واكتفت بهزة من رأسها ، لكنه استمر ينظر أليها ثم دنا منها ورفع يده وجعل انامله تلامس شفتيها المنفرجتين .
حرصت اندريا على ان تبقى في مكانها حتى لايفسر تراجعها نفورا منه .والحقيقة عكس ذلك تماما .
كان عليها ان تعترف . هذا اذا ارادت ان تبقى امينه مع نفسها
بأن الشعور الذي أعتراها كان ابعد ما يكون عن النفور . شعرت برغبة في الأرتماء على صدرة والاحتماء بين ذراعية .
قطع عليها صوت الباب استرسالها في تحليل مشاعرها . ووجدت في مدام بريسون عندما ظهرت خشبة خلاص فعلية .
سرها ان تد الغرفة المخصصة لها في الطرف المقابل وتفصلها عن الغرفة الرئيسية مسافة ليست قصيرة .
فتحت مدام بريسون الباب ووقفت جانباً مفسة الطريق لندريا . كان جو الغرفة هادئا ومريحا . في احدى زوايا موقد نار مشتعلة ، وكان الاثاث من الطراز القديم مريحا للعين وخاصة السرير الكبير المصنوع من خشب السنديان . ربتت اندريا على الفراش بيدها وسرها ان تجد ه وثيراً.
جالت مدام بريسون بعينيها في الغرفة ثم تفقدت الموقد ونظرت الى اندريا وابتسمت لها بمودة وهمت بالخروج .
ثم استوقفتها اندريا وسألتها عن مفاتيح السيارة . بدا في أول الامر انها لم تفهم ثم ما لبث وجهها ان اشرق بابتسماة عريضة وقالت لاندريا مطمئنة :
( لا عليك يا آنسة . لا بد ان غاستون أعادها الى السيد لوفالييه لكي يعيدها بدوره الى الشركة التي استأجرتها منه .
اطمئني فالسيد يتدبر كل شيء)
قالت اندريا في نفسها وهي ترى الباب يغلق خلف مدام بريسون ( بدون شك !) . جلست على حافة السرير وغرقت في تأملاتها . كانت تأمل ان تحتفظ بالسيارة لبضعة أيام فقط ريثما
تنجلي الأمور . ولكنه اصبح عايها الآن ان تبقى تحت رحمة اوتوبيس القرية .
قامت عن السرير واتجهت صوب الموقد وارتمت على السجاد امامه ومدت يديها الى النار تدفئهما .
وطغى عليها شعور بالذنب لوفالييه لتطلعه على الحقيقة . استوت في مكانها وابعدت عن رأسها فكرة اللجوء اليه .
لم يكن في قلبه مكان للرحمة . سوف تترك هذا المكان غير آسفة وتدع السيد لوفالييه يفتش عن فتاة غيرها يلعب معها هذة اللعبة .
لم تدر سببا لارتجافها المفاجئ . واستحوذت على تفكيرها فكرة واحدو :
السرعة . يجب ان تخرج من هذا القصر بأقصى سرعة قبل ان تتطور الأمور على غير ما تشتهي .
استفاقت من نومها مذعورة . كان الماء يتساقط عليها تلمست بيديها علبة الكبريت في الظلام وعندما وجدتها اضائت المصباح بالقرب من سريرها . ويالهول ما رأت ! كان المطر ينهمر بغزارة في الخارج والداخل معاً
رفعت رأسها الى السقف وطالعتها بقعة كبيرة من الرطوبة حيث قطرات الماء تجد طريقها من شقوق السقف المتصدع .
بعد جهد وعناء استطاعت ان تزيح السرير الضخم قليلا ووجد وعاء وضعته على الارض لالتقاط قطرات الماء المنهمرة .
كانت نار الموقد قد خبت اثناء الليل والجو في الخارج عاصفاً . وكانت اندريا تسمع صرير النوافذ . شعرت ببرد اخترق عظامها فعادت الى السرسر لعلها تجد فيه بعض الدفء.
عبثا حاولت ان تبعد عن مخيلتها صورة ذلك الوجه ذي الندبة .
اغمضت عينيها تطالها صورة بليز لوفالييه بنظرته الثاقبة وخطوط وجهه القوية . قالت لنفسها مئة مرة انه لا سلطة لهذا الرجل عليها ، فلما اذن تخشاة ؟
وهي سيدة ومالكة لحريتها . فلماذا تخشى غضبة؟ وهي في اي حال لن تكون هناك عندما يكتشف الخدعة التي دبرتها ويعرف الحقيقة.
برغم كل هذا الايحاء الذاتي ظل القلق مسيطرا عليها والهواجس تتقاذفها .
عبثا حاولت اندريا ان تبتعد تلك الافكار عن مخيلتها . وصل بها الامر الى ان ترسم في رأسها صورة لمن كانت خطيبته . تخيلتها فتاة شقراء صغيرة الجم دقيقة التكوين وذات وجه مثير ومميز ، تماما مثل ابنة عمها كلير.
حتى أخلاقها وتصرفاتها تصورتها مثل اخلاق وتصرفات كلير .
وباحساسها المرهف ادركت اندريا ان الرح في وجهه لم يكن ليذكر نسبة الى جراح قلبة ونفسة . كانت على يقين ان وراء ذك القناع من الجفاء
والعدوانية يقبع انسان قدر على الحب والعطاء وكانت له آمال وأحلام وكان يري ان ينشئ عائلة ويغدق على من حوله الحنان والعطف .
والأىن عليه ان يقنع بعلاقة سطحية باردة مع امرأة بالطاد يعرفها وان يعلق كل آماله علة فتى ليس ابنه ولا من صلبه.
عندما استفاقت اندريا كانت الدموع تبلل وجهاا ونور الشمس الذهبي يغمر الغرفة ويضفي عليها جمالا ورونقا .
مسحت اندريا دموعها عندما سمعت وقع اقدام مدام بريسون .
وسرعان ما انفتح الباب وظهرت كوتيلد تحمل وعاء فيه ماء ساخن وعندما وقع نظرها على الوعاء الذي كانت اندريا قد وضعته لالتقاط قطرات الماء المنسابة من السقف ، راحت تتكلم بسرعه وقالت كلاما كثيرا فهمت منه اندريا ان جميع غرف القصر كانت
على هذة الدرجة من الخراب باستثناء الغرفة التى كان يشغلها بليز.
وضعت اناء الماء من يدها وراحت تحوم حول اندريا وتطلق اصواتا كصوت الدجاجه وهي تنادي صغارها .
ومما قالته انها كانت ستكلف غاتسون ان يصعد الى سطوح القرميد ويصلح ما مكن اصلاحة .
وبعد ان تأكدت ان اندريا لم تكن بحاجة الى أي شيء انصرفت مغلقة الباب وراءها .
كان بليز ، عندما دخلت اندريا غرفة الطعام ، جالسا يراجع بعض الاوراق امامه . وامامه رزمة من البريد الذي وصل حديثا . رفع بصرة اليها وقال :
( ارجو ان تكون الآنسة قد امضت ليلة هادئة )
ولا حظت اندريا ان ملامحة بدت في وء النهار اكثر انفراجا من الليلة السابقة وانه هو بدا اكثر أنساً.
( ليس تماماَ)
اجابته وهي تأخذ مكانها الى المائدة وتتناول قطعة من الكعك .
( وهل لي أن اسأل لماذا ؟)
سألها بتهذيب .
( بالطبع )
اجابته واخذت قطعة من الكعك وراحت تغمسها بالمربى ثم تابعت :
( الماء يدلف من السقف فوق رأسي)
فطب جبينه وقال :
( سأكلم كوتيلد بالأمر . كان يجب ان تختار لك غرفة غيرها )
( الذنب ليس ذنبها )
اجابته اندريا وهي تسكب بعض القهوة في فنجانها ثم تابعت :
( يبدو ان جميع الفرف هكذا ).
( لكن غرفتي لا يدلف الماء من سطحها !!)
( بالطبع !)
اجابته وهي ترسل له ابتسامة عذبة . اخذ بضع رشفات من فنجان القهوة قبل ان يقول بصوت متأمل :
( وما هو الحل في نظرك ؟ الحل الطبيعي لهذة المشكلة يطرح نفسة بنفسه )
اصطبغ وجهها لون احمر قان وحاولت جاهدة ان تحتفظ بتلك الابتسامة العذبة وبمرونة لم تعتدها في نفسها . قالت :
( يوجد حل آخر . ما عليك الا تكليف احدهم باصلاح السقف )
هز كتفيه وقال :
( غاتسون يقوم بكل ما يستطيع )
( هذا مالاحظته . ولكن يبدو ان الوقت حان لتستعين بشخص محترف الا اذا كنت ترغب في رؤية البيت يتداعى من حولك)
اعجبها كلامها وتمنت ان تكون كلماتها قد بددت شكوكه حول دوافعها الحقيقة . فان مهمتها ستهون عليها جداً اذا نجحت في جعله يقتنع بأنها
رضخت للامر الواقع وقبلت بالزواج منه .
( ربما كان هذا صحيحا )
قال وهو يتأملها بحيرة واضحة وأضاف :
( فلقد سلمت اذن بفكرة الزواج )
( وهل لي خيار غير التسليم ؟)
سألته بجدية ثم تابعت :
( سبق ان شرحت لي بشكل واف ما يمكن ان يحل بي وبأسرتي ان انا نكثت بالوعد . وهذا ما أود ان اتجنبه )
( هذا عين العقل . لا يمكن ان تتصوري ماكان سيلحق بك وبعائلتك من ضرر اذا لم تفي بالوعد )
اعادت اندريا فنجان القهوة الى المائدة وبتلعثم سألته :
( ماذا تعني؟)
( ألا تدرين ما أعني ؟)
سألها وهو يرسل اليها نظرت حادة ثم تابع :
( لقد أوضحت لك الامر . والدك رجل مرموق في اوساطة والتوعك الذي أصابه اقلق العديد من اصدقائة . لقد سمعت ذلك في الأوساط التي اعتدت ارتبادها
انك تدركين بالطبع بأنه كان كان علي ان اقوم ببعض التحريات حول محيطك )
هذا بالضبط ماكانت تخشاه . ان يقوم بتحريات حول آل ويستون
ويكتشف الحقيقة . وقفز قلبها في صدرها بجنون .
وبعد لحظة صمت قالت :
( بالطبع . ولولا هذا ما كنت لتقدر على تديدي يهذا الشكل . فصحة والدي في الميزان )
( كل ما في الأمر انني بنيت لك ما قد يترتب على رجوعك عن وعدك من عواقب قد تكون في غير صالح عائلتك . أنا لم اهددك وتركت لك حرية القرار )
( عسى ان يستحق الانتصار الذي تود احرازه هذه الحظه التى اعتمدتها لتحقيقه )
( ما علينا الان ان ننتظر لنرى )
أجابها وهو يرشف آخر قطرة في فنجان القهوة ثم وقف ودعاها لمرافقته في جولة تفقدية
على ظهور الخيل وقال :
( بسعدني ان ترافقيني في هذة الجوله . فان لك كما سبق ان ذكرت ، حقاً مكتسبا في هذا القصر وفي هذه الارض . ربما كان من المناسب ان تتعرفي الى التغييرات التى نحن في صددها )
اوشكت ان ترفض طلبه وتقول له بأنها صباحا كاملا على ظهر حصان اسوأ حتى من صباح كامل في رفقته ولكنها تذكرت في الوقت المناسب بأنه لا بد ان تكون كلير قد ذكرت له شيئا عن فروسيتها . فلقد كانت
فارسة ما هرة وشديدة الولع بالخيل . ولوا خوفها من أثارى شكوكه لتظاهرت بالمرض او بأي شئ من هذا القبيل ولكنها آثرت الحرص وقبلت دعوته قائلة بمرخ مصطنع :
( رائع ! سأحضر سترتي )
( حسنا . سألقاك عند المدخل الرئيسي خلال عشر دقائق )
كم كانت دهشتها كبيرة عندما لا حظت ان حال الاسطبلات كانت أحسن بكثير من حال البيت . وبحذر علقت على هذة الحقيقة . فقال :
( ربما لأنني اجد في الحيوانات ما لا اجده في البشر )
جاء جوابه سريعا وقاطعا :
غاص قلبها في صدرها عندما رأت غاتسون يسوق المهرة التي أختارها لها بليز.
كانت مختلفة تماما عن بنلوب الفرس العجوز التي اعتادت اندريا ركوبها في لندن أثناء دروس الفروسية.
هذة الغبراء تعدو وتخب وتقذف برأسها يمينا وشمالا وتصهل .
( يا آلهي )
قالت أندريا في نفسها وامسكت قلبها بيدها .
( انها بحاجة الى الرياضة)
قال معذبها بدا _ حتى بأعتراف اندريا نفسها _ وكأنه قطعة من الحصان الذي أعتلاه .
فتشت اندريا بعينيها على غاتسون ليساعدها في امتطاء المهرة ولكنه قد اختفى داخل الاسطبل .
بدت دلفيت صعبة المراس ومشاكسة وتذكرت اندريا كلام كلير عن الجياد من ان لها حاسة خاصة وهي تخضع من يمتطيها لا متحان لتعرف من يسيطر على الآخر ، الفرس أم الفارس ؟
وبدا واضحا ان دلفين مدركة تماما انه لم تكن اندريا قادرة على السيطرة عليها لذلك أخذت حريتها تماما وما ان اصبحت خارج ساحة القصر حتى خرجت على الطريق العام وراحت تأكل العشب عن جانبي الطريق .
وعندما شدت اندريا الرسن قليلا حرنت ولم تعد تتقدم .
وكانت الطامه الكبرى عندما مر طائر فوق رأسها . صهلت بسخط واعتراض وانتصبت على قائمتيها الخلفيتين وكادت ان تقذف اندريا عن ظهرها .
وبدل ان تشكر ربها لوجود بليز بالقرب منها في تلك اللحظه بالذات لعنت حظها وهي تشعر بحرج عظيم .
أمسك بليز بالرسن وجذبة بطريقة جعلت دلفين تهدأ في الحال .
( شكرا لك )
( انه لا شيء)
أجابها وهو ينظر اليها بتأمل ثم أضاف :
( ما كان يجب ان ادعوك الى ركوب الخيل هذا النهار . فأنت ما زلت متعبة
بعد عناء السفر ولم تنالي بعد قسطاً كافياُ من الراحة خاصة أن امضيت ليلة مؤرقة)
تباً لي قالت اندريا في سرها ولماذا لم تخطر هذه الحجة في بالي ؟
وبصوت جاف اجابته:
( ربما كان هذا صحيحا )
كان عليها ان تتمالك نفسها وان لا تدعه يراها يائسه وضعيفة .
أخذت الرسن بين يديها وتابعت طريقها .
كان الجو من حولها متألقا والطبيعة في أجمل حلة وبدت اوراق الخريف التي تشبثت بالاغصان لا تبارحها وكأنها تتحدى شتاء اصبح على الابواب ، جميلة وخلابه . كان كل شيء حولها يدعوها الى الأستمتاع بيوم جميل وكان من الصعب جدا ان لا تستجيب .
كانت اندريا في نشوة عارمة عندما اوصلتها دلفين اخيرا الى فسحة من الارض مغطاة بالعشب الأخضر .
نسيت خوفها تماما عندما بدأت تسرع قليلا ثم تخب ثم تجري مطلقة لساقيها العنان وكأنها في ميدان للسباق .
لم تعد دلفين في نظرها الوحش الذي اراد تدميرها ، بل تحولت الى مخلوق جميل اراد فقط وبطريقته المندفعة ، ان يشاركها بما كان يجيش في نفسه من فرح وسرور وحب للحياة .
توقفا اخيرا في مكان مشرف يطل على القرية . رأت اندريا البيوت كلها وبدأ القصر في وسطها مهجوراً وكئيباً .
اختلست نظرة الى رفيقها فهالتها مسحة الحزن التى اكتست وجهه والمرارة في نظرتة .
وقف بقربها ساكنا شارد الفكر وكأنه نسي وجودها تماما ثم جاءها صوته فجأة يقول :
( هيا )
لم يفارق العبوس وجه بليز ولا زمه مزاجه القاتم خلال كل المدة التى امضياها في تفقد الكروم .
عكس اندريا التى ابدت اهتماما صادقا بكل ما رأته .
ولم تحظ منه بأكثر من أجابات مقتضبة .
ضايقها صمته وأزعجها ان يتجاهل وجودها بهذا الشكل الصارخ فقالت :
( كانت فكرتك انت ان تقوم بهذة الجولة وعليك في المستقبل ان تحسن اسلوبك في التعليم اذا كنت تريدني ان احفظ شيئا )
رماها بنظرة جعلت الدم يقفز في عروقها ولم يجب بل ادرار حصانه باتجاة القصر وانطلق وهي في اثره.
( وهكذا نأتي الى نهاية الدرس الأول )
قالت اندريا بتهكم وكانا قد وصلا اخيرا الى باحة القصر الخارجية .
جاءها الجواب هذه المره وكان صوته جارحا وهو يقول :
( قد يكون الأمر بالنسبة الى فتاة مثلك مجرد مزحه ولكنه لي وللعديد من الناس مسألة حياة او موت .
فأنت ترين الأمر بمنظار الفتاة الانكليزية سليلة العائلة النبيلة التى تنعم بالثراء والجاه .
هل تعلمين كم عائلة في فرنسا يقبع العجائز فيها وحدهم في بيوتهم لأن اولادهم نزحوا الى المدينة سعيا وراء الرزق ؟
هذا الأمر لا يهمك ولكنه يهمني أنا كما يهمني الأ أرى هذا البيت الذي تملكة عائلتي منذ مئات السنين ، ينهار من حولي .
هل تعتقدين انني كنت أسمح بهذا الأهمال لولا ظروف قاهرة فوق طاقتي ؟
اسمعي جيدا يا آنسة ، ان ما ترينه من دمار وخراب هو نتيجة البغض والكراهية والضغينة وحب اأنتقام . انه جميلا ، ايه ؟)
( بغض من لمن ؟)
سألته اندريا مستفسرة :
(بغض والدي ياآنسة . كان أخي الاصغر هو المفضل لديه ولم يسامحني ابداً كوني ولده البكر ووريثه الشرعي . لم يكن ليرضى عن أي شيء مما اقوم به من الاعمال
ولم يبق امامي الا ان ارحل عنه . كان بامكانه ان يمنع هذا الانهيار الذي اصاب االقصر ولكنه لم يشأ .
لم يكن ليهتم حتى لو تحول القصر الى ركام قبل ان يؤول الي بالوراثة .
احتفظ والدي بكل قرش لبيل ريفيير وهي المزرعة التى كانت تمتلكها العائلة والتي خص بها أخي جان بول )
( وهل كانت المزرعة بادارة أخيك؟)
( نعم، كانت حصته من الميراث . واله وحدة يعلم انني لم أحسده ابداً عليها . وحدث ان صادفته صعوبات كثيرة وكان من سوء طالعة ان عرفت المزرعة سنوات قحط متتالية وتعرضت المواسم الى آفات عديدة أتلفت المحاصيل وضربت الزرع.
وفي النهاية اصدر والدي امره الي بأن أذهب الى المزرعة وأصلح ما استطيع اصلاحه . عندما وصلت كان جان بول على حافة الافلاس . لانه راهن بكل ما يملك عله يعوض الخسارة التي ترض لها .
وأدركت اننا كنا بحاجة الى معجزة لتنقذنا مما كنا فيه)
|