كاتب الموضوع :
تمارااا
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الثلج سجن كبير
عندما استيقظت اندريا صباح اليوم التالي استبد بها شعور غريب بوجود خطأ
ما إذ خيم على المكان سكون غريب وكانت اشعة الشمس تخترق الستائر وتضفي على الغرفة نوراً بهيا.
قفزت من السرير الى النافذة وازاحت الستائر . كان كل شيء ابيض والثلج ما زال يتساقط من سماء رمادية تحمل في تجهمها
وعدا بمزيد من الثلج .
نظرت الى ساعتها واكتشفت ان موعد الفطور كان وشيكا .
كادت تتمزق من الغيظ اذ كان عليها ليس فقط ان تتحمل وجود سيمون بل ان تمضي ليالي اخرى في غرفة بليز.
ظنت لأول وهلة عندما دخلت غرفة الطعام ان لا احد فيها لكنها ما لبثت أن رأت فيليب على حافة النافذة وانفه على الزجاج وجسمه كله ينطق
بالأثارة والبهجه . التفت الى اندريا وصرخ وكأنه يرى الثلج لأول مرة في حياتت:
( ثلج!)
ابتسمت له وحاولت جاهدة برغم هواجسها وافكارها السوداء ، ان تشاركة حماسه وقالت:
( أليس جميلا ؟ سنخوض معركة بكرات الثلج بعد الفطور وسأرى اذا كان باستطاعة غاتسون ان يصنع لك كزلجة من الخشب.
بدا فيليب مترددا فهو غريب عن اللعب في الثلج ولكنه ابتسم لها بدوره وسمح لها بأن تقودة الى المائدة في اللحظة ذاتها دخلت كوتيلد الغرفة تحمل طعام الفطور.
كان الطقس بالنسبة الى اندريا بمثابة فاجعة حلت بها وكانت تعلم ان غاتسون سوف يضطر للذهاب الى القرية سيرا على الأقدام لأحضار الخبز، فجميع الطرق كانت غير سالكه .
وكأن مدام بريسون قرأت افكارها اذ قالت وكأنها ترد كلاما سمعته:
( يجب ان يكون من يسلك الطريق الى القرية حذرا جدا في هذا الطقس)
وبدا لاندريا ان السيدة بريسون كانت تقنعها بعدم خوض هذه التجربة!
فتح الباب مرة ثانية ودخل بليز وفي أعقابه ريح باردة .
وكانت ندف الثلج تغطي شعره وكتفيه .
فنزع معطفه وعلقه على كرسي امام النار قبل ان يجلس الى المائده معهما .
حيا اندريا بايمائة وجيزة من رأسه وعندما مر بقرب فيليب ربت رأسه بتحبب ومداعبة وقال له :
( اسعدت صباحا يا ابن أخي )
وجدت اندريا حركته تلك رقيقة وصادقة وكانت في عرفها من النوع الذي يثير عند سائر الأطفال ردة فعل ضاحكة
او متملصه ولكن لم يصدر شيء من ذلك عن فيليب .
لم تصدق اندريا عينيها فلقد كان في عيني فيليب رعب حقيقي وكأن انامل عمه قد لسعته .
ولاحظت ايضا ان بليز هو الأخر قد لاحظ ردة الفعل تلك اذ انكمش في مكانه وبدت الندبة على خده الأسمر الذي لفحته الشمس شديدة البروز .
( لماذا يا فيليب )
سأله بالفرنسية ثم أضاف وهو يرفع يده الى الندبة.
( هل هذا ما يخيفك؟)
تسمرت عينا فيليب على مفرش المائدة وتحول وجهه الى لون قرمزي وانتفض بتشنج وتمتم شيئا بالفرنسية
لم تفهم اندريا منه شيئا .
وقف بليز برهه يراقب الرأس المنحني واكتست ملامحه بتلك المسحة من الجمود وخطأ نحو كرسيه وجلس ثم تناول ابريث القهوة
وسكب لنفسة فنجانا .
ابتدأت اندريا تثرثر لمجرد ان تكسر الصمت المخيم على الغرفة .
روت لفيليب مغامراتها في الثلج في طفولتها واخبرته عن تمثال الرجل الذي نحتته هي وكلير
في الثلج وعن غضب عمها ماكس عندما اكتشف انهنا لفتا عنقه باحسن مشلح عنده .
كان جو التوتر الذي ساد الغرفة ملموسا ولم تفلح اندريا بتبديده برغم الروايات والنوادر التي سردتها.
وكأن سيمون اختارت عن سابق تصور وتصميم ان تدخل الغرفة وسط هذا الجو المشحون.
جالت بعينيها في أرجاء الغرفة وجلست وهي تبتسم وتعتذر عن تأخرها .
كان مستحيلا ان لا تلاحظ سيمون ذلك الجو الثقيل الذي سيطر على الغرفة وكان مستحيلا كذلك ألا تعلق عليه بشيء اذ ما لبثت ان قالت:
( ما القصة؟)
وتناولت كعكة وراحت تقضمها وتنقل مظرها من وجه فيليب المحتقن الى وجه عمه الذي ارتدى تعبيرا جامدا وساخرا في آن واحد .
اشتد احمرار وجه فيليب وراحت اصابعه تتحرك بشكل آلي وتعبث بعصبيه ظاهرة بالكعكة
امامه التي تحولت الى كومه فتات في صحنه .
( يا آلهي )
صرخت سيمون وهي ترفع يدها الى فمها بألم مصطنع وتابعت .
( أوه يا بليز ...أنني أسفه . لا بد انه قال شيئا عن وجهك . فيليب يا صغيري. لم يكن هذا لطيفا منك ولقد حذرتك بان الأنسان عليه ان يخفي شعورة ويجب ان تتعلم ذلك)
قال بليز بصوت قاطع:
( الطفل غير ملام . لماذا نتوقع منه ان ينجح حيث فشل الكبار ؟)
ولكن سيمون لم تشأ ان تفهم بالاشارة والتلميح فنظرت الى فيليب وراحت توجه اليه سيلا من اللوم والانتقاد مما ازعج اندريا وتمنت لو تسكتها لانها بدت لها انها غير مدركة لحجم الاساءة التى كانت توجهها للجميع
بدون استثناء.
لم تستغرب اندريا عندما نهض بليز بعد دقائق عدودة وخرج من الغرفة واغلق الباب وراءه بعنف .
استرخت سيمون في مقعدها واطلقت تنهيده مصطنعه وقالت بدون ان توجهه كلامها الى أحد بالتخصيص :
( يا للمصيبه كنت أظن ان بليز أعتاد على ما أصابه)
لكن اندريا لم تكن قادرة ، من غيظها ، على الاجابة ففضلت ان تأخذ الصبي في نزهة الى الخارج.
لم يكن فيليب بحاجة الى أكثر من دقائق معدودة ليكتشف بهجة الثلج.
واستقبلت اندريا اول كرة قذفها بها بسرور بالغ وكأنها هدية ثمينة ولأول مرة منذ وصولة لاحظت اندريا انه ابتدأ يتكلم ويلعب كما يتكلم الأطفال في عمرة ويلعبون .
سمعت اندريا في وسط الهرج الذي رافق معركة الثلج قرعا خفيفا صادرا من مكان عال فرفعت بصرها لتتبين مصدر الصوت ورأت آلان في النافذة العليا.
لوحت له بيدها بمرح ودعته للنزول والمشاركة في اللعب وفي اقل من لمح البصر أصبح آلان الذي لم يصدق انه تلقى مثل هذه الدعوه ، في وسط المعمه .
على ان اندريا تذكرت متأخرة تحذير بليز لها ولكن لم يكن بوسعها ان تفعل اي شيء.
( من هذا ؟)
سألها آلان وهو ينظر الى فيليب ويمد له يدا مصافحة.
( انه ابن شقيق زوجي وتحت وصايته وسيقيم معنا )
( انه فتى محظوظ ! فهذا المكان هو الجنة بعينها للاطفال )
بعد فترة قصيرة لا حظت اندريا ان فيليب بدا مجهدا ، فهو لم يعتد مثل هذه الرياضة الشاقة ، اقترحت على الجميع ان يدخلوا الى الاسطبل علهم يجدون غاتسون . ظنت اندريا في البدء ان فيليب قد يخاف الجياد ولكنها رأته
يقبل عليها بشجاعة ويطعمها الشونان من راحتيه .
وجدت اندريا غاتسون في الورشة منهمكا في طلاء مزلجة قديمة الطراز .
فأطلقت ادريا شهقة فرح . اما غاتسون فاستمرت انامله تعمل برشاقة ومهارة ونظر الى اندريا بغبطة وسرور . استطاعت ان تفهم منه ان المزجله كانت لبليز ولا خيه فيما مضى.
سمعت اندريا شهقة مكتومة صادرة عن شخص يقف بقربها . كان فيليب قد وصل لتوه وما ان وقع نظرة على المزلجه حتى صرخ:
( أهي لي ؟)
( أنها لك)
أخذ فبليب نفسا عميقا وشعرت اندريا بيد صغيرة تندس في يدها .
( لقد وجدت طريقك الى قلب فيليب يا اندريا )
جاءها صوت سيمون المتهكم . اابتسمت لها اندريا مكرهه وهي تحاول ان تكتم غيظها .
نظرت سيمون حولها مبتسمة وقالت:
( ياله من مشهد عائلي رائع)
ثم التفت الى آلان وتابعت:
( لا اذكر انني رأيتك قبل الآن. الا تقومين بواجب التقديم يا اندريا ؟)
ولم تنتظر رد فعل اندريا بل رفعت يدها الى فمها وكأنها تتذكر شيئا وهتفت:
( آه لقد نسيت، جئت لادعو الجميع الى الدخول لتناول شراب الشكولا . سيبرد اذا لم ندخل في الحال )
وما ان انهت كلامها حتى قفزت من مكانها ودست ذراعها تحت ذراع آلان ومالت عليه تقول بدلع :
( يجب ان تأتي انت ايضا ايها السيد. فشراب الشكولا من يد كوتيلد شيء لا يفوت . اؤكد لك ذلك)
كانت تتحدث اليه بالانكليزية بلكنه فرنسية مستعينه ببعض كلمات فرنسية.
وما انهت كلامها حتى خرجت من المستودع وذراعها في ذراع آلان مخلفة اندريا وفيليب وراءهما .
ولم تستغرب اندريا عندما نهض آلان بعد قليل معلنا رغبته في الانصراف ولكن ما ادهشها فعلا كان خيبة الامل التي ارتسمت على وجه فيليب الذي
ابدى اعتراضة على انصراف آلان المبكر بقولة:
( ولكنك قلت بانك ستعلمني ركوب المزلجة)
( سوف أعلمك)
اجابه آلان بروح طيبة ثم أضاف:
( انما ليس اليوم لان الطلاء لم يجف بعد)
وعندما رأى الكآبة تغلف وجه فيليب قال له مطمئناَ:
( لا تقلق يا صغيري فالثلج باق لبضعة أيام)
وجف قلب اندريا عند سماعها تلك الكلمات فمعناها ان سيمون باقية معهم طوال تلك المدة.
وكانت ما زالت غارقة في تفكير عميق عندما عادت الى الغرفة بعد ان شيعت آلان للباب الخارجي.
طالعها وجه بليز المتجهم وما ان جلست في مقعدها حتى قال بجفاء واضح:
( اظن بانني عبرت عن عدم رغبتي في استقباله كضيف في بيتي . يكفي انني قبلته كنزيل في القصر)
انتفضت اندريا بكبرياء وارادت ان تجيبه بما يناسب ذلك الكلام لكن سيمون لم تسمح لها بذلك واسرعت تقول بدهاء وهي تنقل بصرها من وجه بليز المتجهم الى وجه اندريا الذي علته الحمره .
( يا آلهي ! لقد تصرفت بقلة دراية . كان يجب ان تحذريني يا اندريا وانت يا بليز. لا توجه اللوم الى زوجتك فأنا من دعا هذا الشاب الى تناول شراب الشكولا )
توقفت قليلا ثم التفتت الى اندريا وقالت لها وكأنها تنفث سما :
( لا الومك ابدا على تعلقك به ، انه شاب ساحر)
اجابتها اندريا بحدة لكنها عادت وتوخت الحكمة والحذر ولزمت الصمت.
مرت ثلاثة أيام وكأنها ثلاث سنوات . وكانت اندريا تفتح عينيها كل صباح على دنيا يكسوها البياض رغم ابتهالاتها الليلية لتحصل معجزة ما وتذيب الثلج اثناء الليل .
وكان فيليب يسرع بعد كل نزهه الى سيمون وكله شوق ويروح يحدثها عما قاما به وكان دائما يقدم لها شيئا من ريشة طائر الى حصوة ذات شكل غريب الى زهرة غير عادية الى ما هنالك .
على انه لم يكن ليقترب من بليز وكان يخيم على المكان جو ثقيل كلما التقيا . وعلى الغداء ، كان فيليب يجلس مقوس الظهر وعيناه مسمرتها على الطبق امامه .
كان من الممكن ان تفسر اندريا تصرف فيليب ازاء بليز على انه نفور من الرجال بشكل عام لو لم يكن فيليب يرتاح الى آلان ويسعى اليه كلما سنحت الفرصة ويستمع الى احاديثة عن القائد فيرسنجتوركس
والحرب التي خاضها ضد الرومان وكذلك الى غاتسون الذي غالبا ما كان يساعده في اعماله وينقل معه الحطب.
بدا لاندريا ان الشيء الوحيد الذي كان يروق لسيمون ويستهويها هو التفرد بالحديث
مع بليز باللغة الفرنسية وكأنها تتعمد اقصاء اندريا عن الحديث. على ان بليز لم يكن يبادلها حماسها في الحديث وغالبا ما اكتفى باعطائها اجابات مقتضبة.
وبما ان سيمون كانت قد درجت على تناول وجبة الفطور في غرفتها كل صباح وعلى ملازمة الغرفة حتى الظهر ، لم تكن اندريا ذاك الصباح بالذات ومهيأة نفسيا للمشهد الذي طالعها عندما دخلت غرفة الطعام.
كان فيليب مكورا في المقعد قرب النافذة وكـأنه يتلقي هجوما وشيكا وفي عينيه رعب جقيقي ، وكان بليز يقف فوقه والغضب يسطع من عينيه .
وعندما رأها فيليب واطلق صرخة مكتومه واندفع نحوها يحتمي بها وهو ينتحب . التفت اليها بليز ويداه على خصرة ثم قال بنبرة فيها تهكم واستهزاء:
( يالها من صدفة . فابن اخي يا سيدتي يجد فيك ملاذا على ما يظهر وظهورك في الوقت المناسب وفر عليه الكثير)
( ما الحكاية؟)
سألت اندريا وهي تضع يديها حول كتفي فيليب المرتجفتين .
( لقد اخذ بعض الادوات من غاتسون ونسي ان يعيدها له وهو ايضا لا يعرف مكانها وغاتسون
الآن بحاجه اليها )
التفتت اندريا الى فيليب ورفعت وجهه بيدها وقالت :
( انه عمل طائش يا فيليب . يجب على الانسان ان يعيد ما يستعير الى صحبة. والآن اين الادوات؟ سنعيدها معا الى غاتسون)
( انها ليست معي)
( أين هي أذن؟)
( لقد أعدتها اليه . لا بد ان غاتسون يكذب)
( هناك كاذب واحد في هذة الغرفة)
قاطعه بليز بنبره جافة.
( أرجوك!)
قالت اندريا وهي تتجه نحوه وتضع يدها على ذراعه ثم ابعت.
( لن يفيد هذا التصرف في شيء)
( وما العمل اذن؟ هل تظنين انه باكانك اقناعه بقول الحقيقة ؟ حاولت انا ذلك ولكنني لم اجد نتيجه واذا كنت قادرة تكونين قد اسديت خدمة لكل منا )
هز كيان اندريا انين صامت وركعت على الارض قرب فيليب وسألته :
( الم تستعر الادوات من غاتسون؟)
( اردت ان انحت تمثالا في الثلج للقائد فيرسنجتوركس)
( حسناً وبعدها ماذا فعلت؟ هل تركت الأدوات في الثلج)
( كلا نبهني غاتسون الى ضرورة الاعتناء بالادوات واعدتها اليه عندما انتهيت من نحت التمثال)
( اذن يجب ان تكون الادوات هناك عنده)
قالت اندريا بمرح مفتعل ثم اضافت :
( ربما لم تضعها في مكانها )
( لقد قمت وغاتسون بتفتيش دقيق )
أجابها بليز واضاف :
( لم نجد للأدوات اي أثر . والحقيقة ان فيليب ربما تركها في الثلج وهو يخاف ان يعترف)
علا الأحمرار وجه فيليب فجأة وبصوت حاد ثاقب صرخ:
( انا لست جبانا وانا لا اخاف . انت هو الجبان يا ذا الندبة ! ولقد تركت ابي يموت وانا اكرهك!)
واندفع من بين يدي اندريا التي حاولت ان توقفه وصفق الباب وراءه.
نظرت اندريا الى بليز وكان وجهه شاحبا والندبة اشد احمراراً من عادتها . وعندما رأى التسأول في عينيها قال:
( وماذا تريدين ان أقول ؟ بودي لو استطيع ان ادفع هذه التهمم عن نفسي فاخي مات فعلا وانا لم استطع انقاذه واذا رغب ابنه ان يدمغني بالجبن فهذا شأنه ويصبح علي في هذه الحالة ان اعيش مع هذا اللقب
ومع هذا..!)
ورفع يده الى خده المشوه . اسرعت اندريا تقول :
( فيليب يقول بانك تركت اباه يموت، وانت تقول بانك لم تستطع ان تنقذه وبين الروايتين فرق شاسع)
( الفرق يكمن في التعبير . الواقع ان جان بول مات وهذه هي الحقيقة)
( كيف حدث كل ذلك يا بليز؟ موت أخيك. الجرح في وجهك وكل شيء؟)
سألته بصوت متهدج وظنت اندريا بانه سيتجاهل اسئلتها ويظل قابعا في ذلك الجحيم
الخاص الذي اقامه حول نفسه. لكنه وبعد فترة صمت تنهد في حزن وضاقت عيناه وكأنه يراها لاول مره وقال:
( قضى جان بول في الحريق الذي التهم بيل ريفيير . الله وحده يعلم لماذا ظن ان فيليب كان في البيت وحده عندما شب الحريق واندفع كالمجنون برغم محاولاتي ومحاولات العديد من من سواي منعه.
كان هائجا وكأنه فقد الادراك ورأيته بعيني يقتحم النيران ورحت اصرخ طالبا اليه العودة وانا على يقين بأنه سمعني ولكنه لم يأبه وتابع اندفاعه وفجأة سمعنا دويا كالانفجار وفقدت الوعي.
وعندما عدت الى وعيي كان عدد من الفلاحين في المزرعة يحملونني من بين الركام ورأيت وجوههم من حولي ثم قالوا لي بعدها بانهم لم يجدوا أي أثر لأخب)
ادار لها ظهرة واتجه صوب النافذة وسرح نظرة الى البعيد وبعد فترة من الصمت قال:
( انا اشعر مع فيليب ، كان جان بول محبوبا من الجميع وفيليب بالذات لم يستطع ان يفهم لماذا مات والده وبقيت انا حيا ولطالما طرحت انا هذا السؤال أيضا . استطيع ان افهم كذلك لماذا ينكمش فيليب على نفسه كلما رآني فوجهي يذكره بوالده
وكيف مات)
( ولكنه كان طفلا رضيعا آنذاك)
( هذا صحيح ..يمكن لأي انسان ان يزرع اي شيء في ذهن طفل صغير)
اعترتها رجفه شديدة وشعرت بحاجه يائسة لأن تسأله ، وماذا عن خطيبتك السابقة)
لكن الكلمات ماتت بين شفتيها . كان في ذهنها اسئلة اخرى ملحه فاسرعت تقول قبل ان تتخلى عنها شجاعتها :
( يجب ان لا تلوم نفسك . فلقد قمت بكل ما تستطيع)
خيم صمت طويل حتى ظنت اندريا بانه لم يسمعها ثم بصوت بالكاد سمعته اجاب:
( هذا ما حاولت جاهدا ان افعله . لكنه مغاير للحقيقة . كان بوسعي ان امنع وقوع الحادث كله)
هزت اندريا رأسها بحيرة وارتباك ولم تكن تعرف الى ماذا كان يشير، الى موت اخيه ام الى الحريق الذي التهم بيل ريفيير.
اقتربت منه ووضعت يديها على ذراعه وجعلته ينظر اليها . كانت نظرته جامدة وحول فمه علامات حزن دفين واخيرا قال:
( لا تزعجي نفسك من أجلي يا عزيزتي . واحتفظي بطاقتك واحسانك لقضايا اكثر استحقاقا من شخصي)
( انها ليست مسألة أحسان . كيف يمكنني ان لا اهتم فانا انسانة ولدي مشاعر واحاسيس . وان كنت لا تحسبني اكثر من حجر شطرنج بين يديك تنقلة كيفما احببت
في هذه اللعبة الرهيبه بينك وبين ضميرك. انا لست آلة صماء ولن اتحول الى آلة حتى اذا رغبت انت ذلك)
قالت هذا بصوت مرتجف وعينين دامعتين ولم تدر ماذا دهاها فاقتربت منه ووقفت على رؤوس اصابع قدميها
وعانقته عناقا قويا فيه من العذوبة بقدر ما فيه من عنف العاصفة .
ازعجتها يداها المرتجفتان وهي تتناول فنجان القهوة مريقة بعض محتوياته على المفرش الناصع البياض
وبنبرة حادة لا مبرر لها سألت السيدة بريسون عن مكان فيليب . نظرت اليها مدبرة المنزل بدهشة ولكنها اجابتها
بصوت هادئ بانها رأته يتجه الى بيت آلان قرب البوابة واضافت مطمئنة قبل ان تنصرف:
( لا تخافي يا سيدتي . فان آلان سيطعمه جيدا)
لم يكن من السهل على اندريا ان تنهي وجبة الطعام تلك وهي جالسة قبالة هذا الرجل الذي ايقظ في نفسها كل تلك المشاعر والاحاسيس .
اخافتها عواطفها وادهشتها وخشيت ان تكون قد وفرت له فرصة اخرى ليعذبها بقسوة كما فعل ليلة زواجها .
وتحول طعم الكعك الى طعم التبن وفقدت القهوة مذاقها اللذيذ وهي تسترجع في ذاكرتها ذلك الذل الذي رأته على يديه .
على انها شعرت فيه هو الأخر تغييرا من نوع ما .
فلقد كان عناقه رقيقا متوسلا كما لم يكن في السابق وكأنه هو ايضا اصبح قابلا للأنجراح مثلها.
( استرخي يا عزيزتي )
جاءها صوت بليز الساخر واجفلت مريقة مزيدا من القهوة.
( أعدك بانني لن استسلم لأي رغبة ونحن حول المائدة . افضل الانتظار الى وقت انسب حين لا يعود ياستطاعة احد ان يقطع علينا
خلوتنا)
( لم .. اعني انني لم..)
ولم تكمل واصطبغ وجهها باللون الاحمر وزاد ارتباكها .
( مسكينه اندريا لن يكون من الانصاف في شيء ان اجعلك تتعذبين على هذا النحو.
ولكن سحرك لا يقاوم، صدقيني !
والآن علي ان اذهب فعندي اجتماع في الصباح وأخر بعد الظهر ولذلك لن احضر على الغداء
ولكنني سأعود قبل موعد العشاء)
وكان صوته يحمل وعودا ومعاني .
وجدت نفسها اخيرا في الغرفة وحدها . انهارت فوق مقعدها وحاولت ان تجمع افكارها.
طلب منها ان تذكره وتفكر به ذاك النهار وكأنها تستطيع ان تفعل غير ذلك.
ستكون سعيدة جدا ان هي استطاعت ان تحول فكرها عنه ولو لبرهو واحده.
وبرغم تلك الينابيع من المشاعر التي فجرها في داخلها لم تغب عن ذهنها المشكلات التي كان عليها ان تواجهها .
كان فيليب اولى تلك المشاكل .
كانت تشعر براحة سرعان ما عرفت مصدرها . فلجوء فيليب الى آلان وليس الى سيمون امر افرحها واعتبرته كدليل على انه قبل اجراء فكرة
الافتراق عنها وضرورة كسر القيود التي كانت تغله وتربطه بها .
كان اندريا ان تحضر فيليب من عند آلان . فبقاؤه معه طوال النهار.
من شأنه ان يصرفه عن مسؤولياته وهذا امر لم تكن اندريا لتسمح به.
وكانت وهي في طريقها اليه قد رسمت برنامج النهار في رأسها .
كانت عازمه على ان لا تأتي اطلاقا على ذكر ما حدث ذاك الصباح بين فيليب وعمه وان تتصرف ازاءه وكأن كل شيء طبيعي .
وربما عرجا على الخيول لاطعامها قبل قيامها بنزهتهما المعتاده .
خرجت اندريا من غرفة الطعام وذراعاها حول جسمها اتقاء للبرد .
التقت بغاتسون في غرفة الطعام وكان يحمل سلة فيها حطب .
افتر ثغرة عن ابتسامة عريضة عندما رآها ولمعت عيناه وقال:
( انظري يا سيدتي ، لقد ابتدأ الثلج يذوب أخيراً)
( هذا صحيح!)
اجابته اندريا وهي تنظر حولها وترد على ابتسامته بمثلها وكان في قلبها
غصة وفي نفسها مرارة. ابتدأ الثلج يذوب حقاً ولكن فات الآوان ؟
نهاية الفصل السابع
|