كاتب الموضوع :
تمارااا
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
6- الوافد الجديد
استفاقت من نومها باكرا في صباح اليوم التالي وكانت تشعر بألم في رأسها لم تدع لأول وهلة سببا له ولا لتلك الكآبة التي غشيت كيانها .
لم يعد في مقلتيها دمع تذرفه لكثرة ماذرفت عيناها من دموع في الليلة السابقه . كانت مازالت غير مصدقه بانه عاملها بتلك القسوة . ايقظفيها رغبة كامنه وانتزع منها استجابه كامله ثم اعرض عنها هل كان يستحق تمزيقها لقميص النوم كل هذا الاذلال وذاك العقاب ؟
ولم يعزها ان عمله ارتد عليه وخطته فشلت بل شعرت بشكل لا يقبل الشكل بالجهد الخارق الذي كان عليه ان يبذله ليبعد جسمه المتمرد عن جسمها وكان عليه ان ينتزع نفسه انتزاعا وهي في ذروة استعدادها للعطاء .
نهضت من سريرها وانتعلت خفيها المطرزتين وجلست تفكر . لن تستطيع اتخاذ أي قرار نهائي قبل ان تهدأ . صحيح انها وعدت بليز بسنة من عمرها ولكن هذا التدبير لم يعد عمليا بعد ما جرى بينهما في الليلة السابقة .
ربما كان عليها ان تمكث في القصر ريثما يصل فليب وتصبح وصاية بليز عليه نافذه ونهائية وبعدها ترحل بوسعه ان يبرر غيابها كيفما يشاء .
تذكرت انها لم تكتب لكلير لتخبرها بما جد من تطورات ثم ما لبثت ان طوت فكرة الرساله لأنها ربما وصلت هي نفسها الى لندن قبل أي رسالة .
كان من السهل عليها ان تلقي اللوم كله على كلير ولكن قلبها لم يطعها والعقل قال لها ان ذلك ليس عدلا .
وعندما انطلقت في هذه المره المحفوفة بالمخاطر , كانت تحمل في رأسها بعض الاوهام التي سرعان ما تبددت .
كانت مثلا قد نجحت في اقناع نفسها بأنها ما رضيت بالزواج من بليز الا من اجل حماية عمها ماكس ولكن الحقيقة هي غير ذلك تماما . فهي ما برحت تقاوم انجذابها الى بليز مذ وطئت قدماها منزلة كانت اندريا عالقه في فخ من صنع يديها .
ارتشفت القهوة حتى اخر نقطه ثم غسلت فنجانها وتركته على المجلى ورأت ان تعود الى غرفتها وتكتب رساله الى كلير واخرى الى امرا عمها . لن تخبرها بالحقيقة كاملة بالطبع لكنها ستخبرها بعزمها على العوده الى لندن في اقرب فرصة وستطلب اليهما ان لا تقلقا بشأنها .
كانت تجتاز القاعه الكبيره عندما سمعت اصواتا من مكان قريب ظنت اول الامر انها كلونيلد واستعدت لملاقاتها فهي بلاشك سوف تلقي عليها محاضرة من نوع ما , وسوف تخضعها للاستجواب حول نهوضها المبكر ذاك الصباح .
انفتح باب غرفة الطعام وظهر بليز في حالة يرثى له . كانت سترته تتدلى باهمال من احد كتفيه وربطة عنقه اختفت . وكان قميصه مفتوحا حتى الخصر .
وقف امامها منبوش الشعر احمر العينين والجذامه تكسر ذقنه .
تقلصت عيناه عندما وقع بصره على اندريا وبدا وكانه يجد صعوبه في تركيز نظره . وكان على الطاولة خلفه زجاجه فارغة ... وعندما عرفها قال :
- اسعدت صاباحا يا سيدتي , ارجو ان تكوني قد امضيت ليلة هانئة .
تدفقت ذكريات الليلة السابقة الى رأسها . لكن ما لبثت ان سحقت تلك الذكريات واستحوذت على كيانها كبرياؤها المجروحه وكرامتها المهدورة واجتاحها غضب شديد .
رفعت رأسها بكبرياء وشموخ قبل ان تجيبه قائلة :
- على الاقل لم يكن علي ان استعين بالشراب !
- ألم تسمعي ابدا بما درج الناس على تسميته بليلة العازب الاخيرة ؟ اما انا ففضلت ان اعيش تلك الليلة بعد الزواج وليس قبله . هذا كل مافي الامر .
- ليس عليك ان تقدم أي تبرير لعمالك امامي ايها السيد واذا اردت ان تصل الى هذا الدرك فهذا شانك وحدك .
- لا تستفزيني ياعزيزتي ألم تأخذي من الليلة السابقه اية عبرة ؟
هزت كتفيها وتعمدت ان تدير له ظهرها لئلا يرى ما ارتسم على وجهها من مشاعر وقالت بحذر :
- انا لا اريد استفزازك . وما تفعله لا يعنيني في شيء ويتعلق بك وحدك وهذا كفيل على الاقل بعدم تدخل احدنا في شؤون الاخر .
- انك تخدعين نفسك , فلن اتأخر عن التدخل في شؤونك عندما لا ارضى عن سلوكك .
قال ذلك واقترب منها وراح يتأملها بعينين فيهما كآبة وحزن ثم تابع :
- ولذلك فأنني افضل ان تقللي من زياراتك الى البيت قرب البوابة .
اجفلها كلامه فنظرت اليه وعيناها تقدخان شررا واجابت :
- لن امتثل لهذا الامر ولا يحق لك ان تتوقع ... .
- بل ان لي كل الحق , لا تنسي انك زوجتي وعليك ان تتصرفي بطريقة لا ئقة .
- ليس هناك شيء غير لائق بالنسبة الى اجتماعي بآلان وردهاوس انني اجد رفقته مسليه , هذا كل مافي الامر .
- وهذا بحد ذاته يكفي !
- انني لا اصدق اذني ! لا تنس اننا ابناء وطن واحد في بلد غريبه ومن الطبيعي ان نتبادل الزيارات من وقت الى اخر . الا ترى ذلك ؟
- بل ارى ذلك وابعد من ذلك لكنني احذرك يا اندريا . فإن لم تنفذي اوامري سوف يجد ابن بلدك هذا نفسه مضطرا للتفتيش عن مكان اخر يقيم فيه لأنهاء دراسته .
- لم اسمع في حياتي شيئا اقل عدلا من هذا يا الهي , ان من يسمعك تتكلم هكذا يظن بأنك تشعر بالغيرة بدل ان ... .
- بدل ان ماذا ؟
- بدل ان تشعر كمن اعطى شيئا لا يرغب به ولا يشتهيه .
- ربما كان هذا صحيحا . ولكن اجدني مضطرا الى ان احذرك فعضتي اشد ايلاما من نباحي . كما يقول المثل ولابد انك اكتشفت ذلك انت بنفسك في اكثر من مناسبه , رجائي ان تأخذي ما اقوله كنصيحه من صديق وتعملي بموجبها .
- وهل للصداقه عنى بيننا ؟
سألته بيأس وتمنت بعد ان رات ما ارتسم على وجهه لو تسحب الكلمات ولكن ما قيل قد قيل وكان عليه ان يجيب . ومضت عيناه برهة ثم ما لبث بريقهما ان خبا وجاء صوته عندما تكلم خاليا من أي تعبير .
- ربما انت على صواب , فالصداقه لا تعني الكثير لنا بالنظر الى التدبير القائم بيننا . فما بيننا يمكن ان نسميه تحملا متبادلا .
انهى كلامه وهو يتمطى ويمرر اصابعه بين خصلات شعره الاسود. قالت :
- صنعت بعض القهوة وهي لا تزال ساخنه على ما اعتقد .
- انك تغمرينني بلطفك يا عزيزتي ... لو ان الظروف كانت مختلفه .
وعندما لم تجب اطلق ضحكه خفيفه ثم انصرف . وغمر اندريا شعور بالرضى وهي تهبط الدرج , فالاسبوعان اللذان صرفتهما في ترتيب العلية وتحيلها الى غرفة لفيليب اعطيا نتائج طيبه . كانت اندريا بمساعدة غاستون
قد طلت الجدران بلون اصفر هائى وغطت الارض ببساط وعلقت على النوافذ ستائر ذات الوان ونقوش زاهية غلب عليها اللونان البنفسجي والاحمر .
وكانت ايضا قد صنعت مجموعة من الوسائد والارائك وغطتها بقماش ذي الوان ملائمة وكدستها على افريز النافذه الداخلي وحولته الى مقعد مريح .
وكان غاستون قد اكتشف خزانه صغيرة في احدى زوايا القصر فاحضرها لها . طلتها اندريا حالا باللون الابيض وحولتها الى خزانة للألعاب والكتب وبذلك اصبح عليها ربما ان تشتري بعضا منها . لم تشأ ان تسأل بليز او تأخذ رأيه في هذا الموضوع لئلا يعتقد بانها كانت تتحرش به .
وفي أي حال لم يكن حتى ذلك الوقت قد ابدى اهتماما بما كانت تقوم به من اعمال .
وعندما احضر غاستون مزلاجا وركبه على النافذه وثبت الباب الموجود في ارض الغرفة كما طلبت اندريا , كان مخيم على المكان جو من الكآبة لم تستطع حتى الحمائم التي كانت قد صنعت اعشاشها على السطح المائل , ان تبدده .
لم يكن غاستون قد اتى على ذكر ماري دنيز اطلاقا غير ان صورة ذلك الطفل مابرحت في خيالها . هل دفعه احد من النافذه متعمدا قتله ام انه وقع عرضا ولقي مصرعه ؟
بدا لها انهماكها غريبا وهي لا تعرف الطفل . على ان ذلك لم يزعجها اطلاقا فأنشغالها في الاعداد لاستقبال فيليب صرفها عن التفكير في امورها الشخصية .
ولطالما حاولت ان تكون صورة عنه الا ان بليز لم يساعدها على ذلك واكتفى بانه كان كثير البكاء وبانه لم يره منذ كان في الاشهر الاولى من عمره .
لمست اندريا عدم اكتراث عند بليز تجاه الطفل فهو لم يكن يبدي أي اهتمام بكا ما يتعلق به لذلك لم تفهم سبب اصراره على حقه بالوصاية ,
اللهم الا اذا كان حب سيطرة وتملك هو الدافع الوحيد لذلك . اوليس في تصرفه تجاهها هي بالذات الدليل على ذلك ؟ وهذا الطفل , ألم يكن عليه ان يتغلب على شتى الصعوبات ليتأقلم مع بيته الجديد ؟
ربما كان شعور بليز بالمسؤولية تجاه اخيه المتوفى هو الدافع الحقيقي وراء رغبته في جعل نفسه الوصي الوحيد على فليب.
وكلمة مسؤولية بحد ذاتها كانت في نظرها مجرده من كل عاطفة واهتمام حقيقي . وفي هذه الحال ألن يكون من الافضل ان يبقى الطفل مع خالته التي كان من المفروض ان تكون قادره على منحه الحب والحنان اللذين محتاجهما طفل في عمره ؟
سرت قشعريرة في جسمها فتركت العلية وتوجهت الى المبنى الرئيسي ووقفت في القاعه الكبيرة وراحت تجول بعينيها في ارجاءها . عزمت ان توليها عنايتها حالما تفرغ من تجهيز غرفة فيليب .
ومع ان القاعه كانت تتطلب جهدا كبيرا لتصبح في حاله مقبولة . الا ان اندريا كانت تعلم تماما ماذا كان ينقصها ومالذي كان عليها ان تفعله لتضفي عليها جوا مرحا وجذابا .
توجهت الى المطبخ لتفتش على غساتون ووجدته جالسا يحتسي القهوة وعلى الطاولة امامه اكوام من الخضار والفاكهة بانتظار عودة كلوتيد .
كانت اندريا تجد غاستون صعب المراس ومشاكسا بالاضافة الى جهله اللغة الانجليزية وكانت تعتقد في سرها بانه غالبا ما يتظاهر بعدم الفهم لمجرد ان يراقبها وهي تفتش عن الكلمات المناسبة باللغة الفرنسية .
استقبلها هذه المرة بعينين صافيتين لا مكر فيهما ولا دهاء واشرق وجهه بابتسامة عريضة حين رآها .
- سوف يتساقط الثلج قريبا يا سيدتي .
- آه , كلا .
صرخت بغيض ولكن غاستون بدا واثقا مما قاله فعاد واكده قائلا :
- بلى ! سوف يسقط الثلج وسوف يقطع الطريق الى القرية .
لم يفرحها قوله وغمرها شعور بالكآبة فلقد كانت تجد متعه في الذهاب الى القرية سيرا على الاقدام ولطالما تخيلت نفسها بصحبة فيليب في نزهة بين الحقول .
وعدا ذلك كان المشوار الى القرية المتنفس الوحيد الذي تبتعد به عن القصر واهله . اما اذا قطعت طريق القرية فعلا فستضطر للبقاء في القصر وربما على امتداد ايام .
نظرت الى غاستون وقالت له :
- اريدك ان تشعل النار في الموقد في القاعه الكبيرة .
حملق غاستون في وجهها وهز رأسه وكانه اصيب فجأة بالسم ولم يعد يسمع شيئا . فعادت اندريا وكررت طلبها . ولدهشتها رأت غاستون يهز رأسه ولكن بعلامة الرفض هذه المرة وسمعته يقول :
- كلا يا سيدتي , هذا غير ممكن .
- بل ممكن لم أر في حياتي اكبر من الموقد الموجود في القاعه الكبيرة واذا ما اوقدت النار فيه فسيبدو المكان اقل وحشة .
وكان عليها ان تكرر ذلك القول مرتين ولكنها في المره الثانية استبدلت عبارة وحشة بعبارة اقل كآبة على ان غاستون وجد نفسه فجأة في محنة عظيمة .
اعتقدت اندريا في اول الامر ان غاستون كان يريد ان يتهرب من العمل الاضافي الذي كان ذلك سيجلبه عليه . رمته بنظرة خانقة ولم تملك الا ان ترى كميات الشحم التي تراكمت على جسمه وما لبثت ان خاطبته بنبرة آمرة قائلة :
- يمكنك ان تبدأ بتقطيع الحطب حالما تنتهي من شرب القهوة .
وبانتظار الححطب , اختارت ان تنظف بنفسها الموقد وتلمع البلاط حوله . وكان خيالها يدور وهي في ذروة انهماكها في هذا العمل حول الجو الدافي الذي ستضيفه على القاعة .
وما ان انتهت من عملها حتى اقبل غاستون حاملا رزمة من الحطب وعلى وجهه علامات التذمر والاستنكار .
نظر اليها بغيظ وقال بالفرنسية :
- هذا لا يجوز . علينا اولا ان ننظف القاسطل من السخام .
لم تفهم اندريا بالطبع شيئا مما قاله وابتسمت له وقالت :
- لا عليك ياغاستون . سوف ترى كم سيبدو المكان افضل بعدما تشعل النار .
هز غاستون كتفيه وكأنه استسلم لقدره المحتوم ووضع الحطب قرب الموقد . تناولت اندريا قطع الحطب وصفتها في الموقد بترتيب ثم اضرمت النار فيها وهي تبتسم بفرح .
وما كادت تبعد بضع خطوات حتى سمعت صوتا غريبا ينبعث من الموقد الذي مالبث ان انفجر مرسلا دخانا اسود كثيفا انتشر في القاعه كلها وغطى كل ما حوله بما في ذلك اندريا نفسها وغاستون بطبقة كثيفه من السخام .
- ياللجحيم !
صرخت اندريا بغيظ وهي تتراجع الى الوراء لتتقي مزيدا من السخام .
نظرت الى غاستون وكان قد اصبح اسود اللون من رأسه الى اخمص قدميه وتصورت نفسها وحالة شعرها ووجهها . وعندما رات ابتسامة الشماته على وجه غاستون لم تعد تتمالك اعصابها فجن جنونها وصرخت بشكل هستيري.
- لا تقف هكذا ! تحرك وافعل شيئا !
وما كادت تتفوه بهذه الكلمات حتى سمعت بوق سيارة في الخرج معلنا قدوم بعض الزوار . اسقط في يدها ولم تعد تدري كيف ستواجه بليز وهي في تلك الحالة وما عساه ان يقول لزواره مبررا استقبالهم في قاعة سوداء كالفحم وزوجته كأحدى المهرجات ...
نظر اليها غاستون وهز رأسه بتأسف ومرة اخرى تمتم بالفرنسية ما معناه بأنه كان يجب ان تنظف القساطل اولا .
اندفعت بعصبيه باتجاه الدرج المؤدي الى الطابق العلوي لتلوذ بالفرار قبل وصول الزوار . ولكن ويا للآسف كان قد فات الاوان اذ انفتح الباب فجأة وظهر فيه بليز بنفسه وكان برفقة صبية حسناء وفتى صغير .
تسمرت اندريا في مكانها ها ان فليب قد وصل اخيرا وبدون ان يعلن عن موعد قدومه .
التقت عينا الفتى بعينيها ورفع اصبعه يدل عليها ويصرخ بصوت حاد:
- ماهذا ؟
ارتفع في داخل اندريا انين صامت ورات الغضب يحل محل الدهشة على وجه بليز وبهرها جمال رفيقته المميز .كان جسمها متناسقا بغير طول مفرط . وبدت شديدة الاناقة في ثياب بدت انها اختيرت بعناية وذوق .
حولت الصبية نظرها الى بليز وبشفتين ساخرتين قالت له :
- ألن تقدم لي زوجتك ياعزيزي ؟
- بكل تأكيد .اجابها بليز وهو يتقدم باتجاه اندريا بضع خطوات وملامحه جامده كالصخر :
- اسمحي لي ان اقدم لك سيمون دالتون , خالة فيليب .
منتديات ليلاس
|