كاتب الموضوع :
عيونك اخر امالي
المنتدى :
الارشيف
"3"
قبل عشرين سنة
كنت واقف اراقبها...صغيرة...نعومة...كلها جمال...كانت خايفة من العيال اللي واقفين قريب ويتمازحون...كنت تطيح العابها من يدها وتجمعها من جديد والخوف والتوتر ماليها...قربت منها...خطوة تجر خطوة...ووقفت قدامها...رفعت عيونها بتردد وهي تشوف جزمتي...ابتسمت براحة يوم شافتني...جمعت العابها معها... ومسكت بأيدها...اوصلها لبيت اهلها...ما تكلمت ولا نطقت...تركت ايدها بأيدي بكل براءة....
****
كنت وحيد...وكانت هي سلوتي الوحيدة....كنت ارتاح بمجرد شوفتها...احس بأحاسيس تتجمع بصدري وتفجر يوم تبتسم ببراءة...شعرها الناعم سايح حول وجهها المدور....وهي تلعب مع بنات الجيران...أو وهي توقف على شباك بيتهم تطالع الرايح والجاي...أو ببساطة يوم تجي تزور بيت عمي مع أمها....
****
كنت احس أنها تبادلني نفس المشاعر...كل شيء واضح فيها...حتى لو هي صغيرة ولا تعرف تعبر...فيه اشياء تبان حتى مع الانفاس....يمكن اللي زادني تعلق فيها....هو يتمي...امي توفت وابوي رحل....رحل لمكان مانعرف وين اراضيه فيها....وكأنه بموت امي...نسى وتناسى أن عنده طفل صغير...طفل محتاج كتف وصدر يبكي عليهم...طفل ماله احد في هالدنيا ابد....غير عم صغير بالعمر...توه متزوج....ولا هوو حمل تربية اطفال....لأنه يعتبر بنفسه طفل!!!
قبل عشر سنوات
كبرنا....وكبر الحب في دواخلنا....وزاد جمالها وزادت فتنتها..وتغير كل مافيها وازداد حسن....كنت احس بالموت يوم أشوفها تغطي عني....ولا حتى تفكر تطالع فيني....ولا حتى تخلي عيونها تجي بعيونها....بديت احس اني على الهامش....بس مارضيت أكون على الهامش....اهي بالذات أموت واحيا عشانها...موو معقولة تتركني لمجرد انها كبرت وتغيرت نظرتها للكون...أنا تغيرت نظرت للدنيا كلها...لكن ما تغيرت نظرتي فيها....
كانت مرات تطل من شباكها في الليل....وتشوفني اراقبها...تجلس تراقبني...واجلس اراقبها...بدون ملل أو كلل...عيوننا تتعانق...وقلوبنا تخفق بقوووة....كنت اموت بهاللحظات واحيا والدم يجري بعروقي زي النار....كنت اشوف شعرها الطويل وهي تحركه بدلال...ووجسمها المبينة ادق تفاصيله بقميصها الناعم...
في يوم...تجرأت...وحطيت لها علبة صغيرة عند باب بيتها...فيها جوال باسمي...ورقمي مسجل فيه...راقبتها وهي تنزل الشارع بحذر....واخذت العلبة على عجلة ودخلت البيت....بعد ثواني...شفت رقمها يبرق بشاشة جوالي...حسيت بدقات قلبي تتسارع....رديت عليها بصوت مسوي فيه أني ثقيل...وما اخق عند البنات بسرعة...كان صوتها نــــــــــــــاعم....يروي عطشي....ودلوووع حيل....كنت احس باسمي غيــــر من شفايفها....اسمي "يوسف"كان له لذة مميزة على شفايفها...وموو زي أي اسم في الدنيا....ضلينا نسولف لحد الصبح واهي جالسة على الشباك وتلعب بشعرها بدلال...والقمر يضللنا والليل يخفي سوالفنا!!
قبل خمس سنين
طالعت بعمي وهو يواري التراب على زوجته....وقفنا أنا وهو والمعزين للحظات...قبل ما يتفرق الجميع...كانت ملامح عمي عادية حيل....لا هي حزينة ولا هي سعيدة....ملامح اسى خفيفة...مسح على وجهه وتحركنا أنا وياه للسيارة...ضلينا طول الطريق ساكتين.....دق جوالي...وطلعته من جيبي...وشفت رقم"اجمل احساس" ابتسمت ابتسامة صغيرة...بس عطيتها مشغول ورجعت الجوال لجيبي...بعد لحظات دق جوال عمي....طلع الجوال من جيبه....طالع بالرقم للحظات... وكأنه نسى العالم كله....رد على الرقم....وما قال ولا كلمة....بس بآخر المكالمة...قال كلمة:"أن شاء الله...اشوفك بعدين"....
طالعت فيه بتعجب....مين هاللي بيقابله وزوجته دوبها ميتة ماجف قبرها...صحيح الرجل ماله حداد...لكن هذي شغلة تتعلق بالاحاسيس...معقولة بيروح يسهر بالاستراحة وطقتها بلا مبالاة....كنت بعلق وبتكلم...لكني سكت...لأن علاقتي بعمي...علاقة فريدة من نوعها...لا هو ابوي...ولا هو عمي...ولا هو اخوي... يمكن اقرب لزمالة العمل....زوجته كانت حنونة علي...بس عمي كان عادي...صحيح ما كان يقصر معي ماديا...لكن ما كان ذاااك القريب مني....
وصلنا البيت...ودخل كل واحد غرفته...مريت من غرفة مرت عمي الله يرحمها...شفت الشغالة تجمع اغراضها وملابسها وتحطها بشناط....وصورها كلها بالشنط....ترحمت عليها ورجعت غرفتي....وقمت اسولف مع حبيبتي لحد مادخت....
مرت ايام وليال مافيها أي شيء غريب بحياتي...لحد ما مر شهرين من وفاة مرت عمي....وكان وقتها....تخرجي من جامعة البترول والمعادن...بعد خمس سنين كفاح....كانت فرحتي لا توصف....حسيت بمشاعر لا يمكن احد يحس فيها....احساس الناجح واحساس الحرية....بشرت حبيبتي....قبل لا ابشر الكون كله....وباركت لي بصوت عادي بارد...استغربت...وقلت لها وأنا احاول استشف اللي فيها
:حبيبتي.....وش فيك؟؟؟....طمنيني"غادة"..."
ردت وهي مختنقة بدموعها:
مافيني شيء....الف مبروووك يا قلبي..الف مبروووك حبيبي...رفعت الراس والله..."
رديت عليها وأنا اعتقد اللي فيها دموع السعادة
لولا الله ثم وجودك في حياتي...ما كان حققت ذا كله....هانت يا عمري...بجي اخطبك قريب...
وزواجنا ان شاء الله بعد سنة...ما راح يقصر معنا عمي...."
وكملت وانا متشقق
:يعني ما عاد لأهلك حق يضغطون عليك....بتصيرين مرتي....قدام البشر كلها..."
بكت اكثر...وقالت بصوت ناعم يقطعه الدلع والدموع...وميعت قلبي معاها
:بسسس....بسسس.."
وماقدرت تكلم...دخلت سيارتي....وسكرت الباب وحركت السيارة بعيد عن زحمة الخريجين والدنيا...حتى اني طنشت بعض اصحابي
وسويت نفسي ماشفتهم
:وش فيك؟؟؟؟...قووولي...تكلمي...لا تخليني محروووق هنا...ابوك صار له شيء...؟؟؟امك؟؟؟اخوانك؟؟؟...وش فييييييييك؟؟"
صرخت فيها بقلق....وزاد صياحها وبالأخير قالت
:ما راح نتزووو...ووج...لأن زوااجي بعد كم يوم....اسفه يا"يوسف"...آآآآسفة..."
وقفلت الخط بوجهي....ضليت اطالع بالجوال وانا مووو مصدق ولا اتصلت عليها....
اتصل علي عمي كثير....بس مارديت عليه....وبعد ما اتصل عشرين مررة يمكن...رديت عليه بتثاقل
:هـ...لا..."
عمي بكل بساطة وهو مبسووووط ومتشقق
:هلا "يوسف"......الف مبروووك التخرج...وعقبال الوظيفة اللي ترفع الراااس....ابيك ترجع للرياض...."
وكمل بعد لحظات
:لأن عرس عمك بعد اسبوع...."
قطبت حواجبي....بسس....بس زوجته دوبها ماتت...شلون يتزوج؟؟؟؟.....سكت ولا رديت عليه وبعدين تداركت نفسي وباركت له وقلت له اني راح انزل الرياض اليوم.....
تزوج عمي...ولأني كنت في حالة مايعلم فيها إلا الله...ما سألته عن زوجته...ولا من تكون....كان الزواج بسيط...رغم أن مشاء الله العايلة ما عليها قاصر...وحالتنا المادية حلووة...بس يقولون العروس طلبت كذا مراعاة لظروف البيت...طلبته يكون عائلي....غير عمي اثاث البيت كله....وغير غرفة النوم بغرفتي...وتبدلت الدنيا كلها... والعز اللي ما كان لمرت عمي....في يوم...صار كله ملك للجديدة...
ناظرت بأهل العرس...كانوا اللي واقفين كلهم اعرفهم...لاحظت أبو"غادة"موقف قريب من عمي...ويصافحون الضيوف سوه...وأخوانها بعد يهلون ويرحبون... مسكت جوالي بحالة تجمد للاحاسيس ما مريت فيها بحياتي من قبل...حتى يوم وفاة امي...ما حسيت بهالشعور الغريب...وكأن الدم جمد بعروقي....معقــــول؟؟؟؟... اتصلت عليها...لقيت الجوال مقفل....تحركت بسرعة وطلعت من البيت....حركت السيارة بجنون...بيتها اصلا قريب من بيتنا...وقفت عند البيت من بعيد... شفت الأنوار تحيطه...والابواب مفتوحة عشان الحريم يجون....خنقتني العبرة....ماقدرت اتحرك....شفت سيارة عمي وسيارة اخوانها مسوين زفة...ويوقفون عند الباب... شفت عمي يدخل...وبعد دقايق كأنها ساعات...طلعوا كلهم...شفت فستانها الأبيض من تحت عبايتها السوداء....
عضيت على شفايفي....حاولت اتماسك...حاولت اجبر نفسي اتماسك....حاولت اني ما ارتكب جريمة بهالناس...حاولت اسيطر على نفسي....قمت اتنفس بصعوبة....وهم يحركون السيارة راجعين للبيت....ما قدرت ابكي...بس برقت الدموع بعيوني....
حبيبتي...وعمي!!!! ليـــــــــــــه؟؟؟؟...وش سويت أنا عشان يكون لي مثل هالمصير؟؟؟؟....ضليت ادق على جوالها مثل المجنون....انكر اللحظة وانكر اللي شفته واحاول ارجع الزمن وره...ضليت ساعات وساعات انتظرها تطل علي من الشباك..بس للأسف ما طلت....
قبل شهر واحد فقط
مثل المجنون....كتفي يألمني...وقاعد انزف...هارب من عمي...عشان ما يقتلني...لأنه اكتشف كل شيء...كل شيييء...وحاول يذبحني بس قدرت اهرب..طلعت من الرياض كلها...وصرت مثل الرحالة...ادور مكان اقدر استقر فيه...بدون ما اخاطر بحياتي...عمي واصل....وممكن بكل بساطة يعرف اراضي....
اخذتني الأماكن...ومن قرية لقرية...ومن هجرة لهجرة...ومن محافظة لمحافظة....حتى وصلت لقرية مميزة....تحيط فيها الجبال....منظرها غريب...واهلها اغرب... فيها قصر مميز...يطل بشموخ من فوق التل....بينما كل البيوت الثانية اقل من عادية....
|