كانت الساعة تقارب السادسة مساء عندما وصلا شقتهما. وبعد أن أخذ كل منهما حماما سريعا ارتديا ملابس السهرة الأنيقة واستقلا سيارة أجرة نقلتهما إلى الوسط التجاري.
لم يكن لديهما ما يكفي من الوقت لتناول وجبة على مهل, ولهذا أغفلا المقبلات وتناولا الطبق الرئيسي فقط, لكي يتمكنا من أخذ مقاعدهما قبل بدء عرض الفصل الأول من مسرحية البؤساء.
كانت المسرحية رائعة. وأطرت ساندرين بسخاء على إخراج المسرحية, عندما خرجا إلى البهو بعد انتهاء العرض.
اختارا مقهى حديثا لشرب القهوة ثم أوقفا سيارة أجرة لتأخذهما إلى البيت.!!http://www.liilas.com
أحاط مايكل خصرها بذراعه ما إن دخلا المصعد, وأراحت ساندرين رأسها على كتفه. كان يوما ممتعا, تبعته ليلة جميلة... ولم تخف عنه ذلك.
أضافت ببساطة وهما يدخلان صالون الشقة:" شكرا".
-على ماذا يا حبيبتي؟ على قضاء يوم مع زوجتي؟
-لأنك أعطيتني وقتك.
ضمها بين ذراعيه وعانقها, بنعومة في البداية, ثم بشوق متزايد فيما أحاطت ذراعيها عنقه.
مر بعض الوقت قبل أن يفلتها, تاركا يديه معقودتين حول خصرها.
-ألن تتحقق من ورود رسائل على الكومبيوتر؟.
-ليس هنالك من أمر لا يمكن تأجيله حتى الصباح.
عبرت الردهة الواسعة واتجهت إلى غرفة النوم الرئيسية, وهناك خلعت حذائها, ثم بدأت بانتزاع دبابيس شعرها, ولمست يدها يد مايكل وهي تحل عقدة شعرها الأنيقة.
وعندما انتهت ساعدته على خلع سترته وقميصه. راح يحدق إليها بنظرات ثابتة, فمبادرتها لمساعدته تترك في نفسه آثارا لا تمحى. وكان يترجم ذلك إلى مزيد من التشبث, والالتصاق بها. شعر, أنه مدين لها بالكثير من السعادة.
خلدا إلى النوم في أحضان بعضهما البعض, وآخر ما تذكرته ساندرين هو قبلة مايكل الرقيقة التي طبعها على صدغها, وصوت ضربات قلبه القوية في صدره.
حمل لقاء العشاء مع أمها وزوجها وأختها أنجلينا لمحة من الحزن.
طمأنتها أمها عندما اتصلت بها هاتفيا في اليوم التالي, ولكن ساندرين لم يقنعها هذا التطمين.
جاءها الجواب خلال جولة تسوق مع أنجلينا التي صارحتها بالأمر:" أمي وأبي سيتطلقان".
اعترت ساندرين مشاعر متضاربة ولكنها تمكنت من كبح معظمها وهي تتأمل ملامح وجه أختها الحزينة و تعابيره الشاحبة, فسألتها برقة:" ما شعورك حيال هذا الأمر؟".
-أكره ذلك.
رددت في سرها, أفهمك. قد لا يكون روبرتو الزوج المثالي, ولكنه أب حنون.
استنجت وهي ترى أختها تفور غضبا:" أتكرهينه؟".
-بل أكرهها. ما الذي تفعله؟ يكاد أبي يقيم في مكان عمله, وأنا كدت لا أذهب إلى امتحانات المدرسة, وقد حصلت على علامات رديئة.
نهضت من مكانها:" حسنا, دعينا نذهب".
ابتسمت لأنجلينا ابتسامة ذات مغزى, وهي تشير إليها بمواكبتها:" نذهب للتسوق. هيا,, انهضي يا فتاة, و سوف أحقق لك ما يعجز عن تصوره خيالك".
اكتسى وجه أختها بجملة من العواطف المتضاربة:" حقا؟".
التزمت ساندرين بكلمتها, وعندما نزلت أنجلينا من سيارة الأجرة أمام منزلها عند الغروب كانت محملة بمجموعة واسعة ومتنوعة من أكياس المشتريات.
طبعت أنجلينا قبلة على وجنتها قبل أن تخرج من السيارة:" شكرا يا ساندرين, أنت أفضل أخت".
أنكرت ساندرين ذلك في صمت, فيما انطلقت سيارة الأجرة. لقد سرت على الخطى نفسها عندما تطلق والدي, وددت لو وجدت إلى جانبي شخصا يتفهم ألمي.
كلمت مايكل من هاتفها الخلوي لتخبره أنها ستتأخر في العودة, وكانت الساعة تقارب السابعة مساء عندما ولجت الشقة.
قابلها مايكل عند الباب, ولما لاحظ توترها الظاهر, ألغى فورا البرنامج الذي وضعه للسهرة. وبدلا من ذلك, طبع قبلات رقيقة على جبينها ودفعها برقة باتجاه غرفة النوم.
-اذهبي وغيري ملابسك, وسوف أطلب عشاء.
ألقت ساندرين عليه نظرة امتنان:" بيتزا؟".
-حسنا.
تابعت سيرها, ودخلت الحمام الملحق بغرفة النوم, وأخذت حمامها على مهل ثم ارتدت روبا حريريا قصيرا وعقدت شعرها.
كان مايكل متمددا على إحدى أرائك الصالون, فربت على المقعد إلى جانبه, وهي تعبر الصالون.
-تعالي إلى هنا.
بعض السلوى سيشعرها أنها في الجنة, ولهذا اندست على الأريكة إلى جانبه ولفت قدميها تحتها واستلقت في أحضانه.
-أتخبريني بما يكدرك؟
هل هي واضحة إلى هذا الحد؟ أم أن هذا الرجل يعرفها جيدا بحيث لا يفلت منه إلا القليل؟
أخبرته بإيجاز, وهي تتساءل في سرها كيف يمكن لشخص لم يمر بتجربة مماثلة أن يفهم معنى تحطم العائلة.
-هل أنت قلقة على أنجلينا؟
فردت ساندرين ببطء:" تتسبب الأزمات العاطفية بتأثيرات بعيدة المدى. فقد وعيت قدرتي على التحمل, و أصبحت استقلالية جدا, ومتكاملة بذاتي. أظن أنني بنيت حول نفسي قشرة واقية".
وافقها مايكل في سره. لقد أزالتها من أجله, غير أنها ترفع الحاجز ثانية عند أول إشارة عدم اتفاق: حماية الذات ... وهو يعرف هذا الأمر تمام المعرفة.
رن هاتف المبنى الداخلي, فرد عليه مايكل, ثم فتح بوابة المبنى للشاب الذي جاءهما بالبيتزا. أخذا يلتهمان قطعها الطرية, وهما يشاهدان فيلما عاطفيا كوميديا.
سار اليوم التالي على المنوال ذاته. خصص مايكل النصف الأول من يومه للعمل على الكومبيوتر والهاتف الخلوي, فيما التقت ساندرين صديقاتها. كانا يتناولان العشاء معا في غالبية الأمسيات ويذهبان بعدها لحضور فيلم سينمائي أو عرض مسرحي.
*****
اختار أخوها من أبيها ايفان حضور العرض الأول لآخر فيلم من سلسلة أفلام حرب النجوم, و دعته لتناول الهامبرغر و الكوكاكولا المفضلين عنده.
ظهر أن تبادل الحديث مع أمها صعب للغاية, خاصة وأنها أجلت موعدين لتناول الغداء. ولكنها أصابت الهدف في المرة الثالثة, حيث اندست شانتال على الكرسي المقابل لساندرين, وهي تتمتم بالاعتذار حول صعوبة إيجاد مكان لإيقاف السيارة وسط المدينة. طلبت من النادل شرابا مميزا.
-أتحتفلين يا شانتال؟
لم تناد شانتال بـ "ماما" منذ كانت في سن المراهقة.
-يمكنك أن تقولي ذلك يا عزيزتي.
-حياة جديدة؟
ردت شانتال من دون أن يظهر عليها الاكتراث:" أخبرتك أنجلينا".
أومأت ساندرين برأسها:" كدرتني هذه الأخبار".
-إنها حياتي, وأنا حرة فيها.
-مع رجل يصغرك بسنوات عديدة؟
أعطت شانتال النادلة طلباتها ثم أسندت ظهرها إلى المقعد وأخذت رشفة من شرابها قبل أن تقول:
-ظننت أني سألتقي ابنتي الكبيرة على الغداء لتبادل الأحاديث.
-وأنا أظن أنه يحق لي بعض الإيضاحات.
-لماذا؟ هذا لا يؤثر في حياتك أبدا.
لذعها الرد.
-انه يؤثر في أنجلينا, مثلما أثر في انفصالك عن لوكاس.
أجابت شانتال بعدم اكتراث:" سوف تتخطى الأزمة. أنت فعلت ذلك".
نعم, ولكن بأي ثمن؟ لقد جعلها الأمر تنطوي على ذاتها بحيث أصبحت لا تفكر إلا في نفسها وفي حاجاتها ومتطلباتها ورغباتها, وكاد يكلفها ذلك الانطواء زواجها.
أحست برعشة خفيفة تسري في جسدها النحيل. إنها لا تريد أن تصبح مثل شانتال, تنتقل من رجل إلى آخر عندما لا يعود باستطاعتها أن تسير بالحياة على شروطها. هذا ليس حبا, إنه الانطواء على الذات في أشد درجات خطورته.
قالت في سرها: أنا اهتم بمايكل بما يكفي لأبني مستقبلا معه.
بدا لها وكأن الأمور عادت إلى نصابها. لذا, قررت التوقف عن مناقشة تصرفات شانتال غير الرزينة. واختارت بدلا عن ذلك طرح أسئلة لا معنى لها, أجابت عليها شانتال ببراعة فيما كانتا تتناولان الطعام.
غادرا المطعم عند الثالثة بعد الظهر, وذهبت ساندرين للتسوق, ولم تسرف في الشراء. ابتاعت ربطة عنق لمايكل, رغم أنه يملك عددا كبيرا منها, لكنها أعجبت بهذه الربطة ودفعت ثمنها بواسطة بطاقة اعتمادها الخاصة, وليس ببطاقة الاعتماد البلاتينية, التي أعطاها إياها مايكل صبيحة زواجهما.
قالت وهي تقدم له ربطة العنق حالما دخلت الشقة:" هذه لك".
-شكرا يا حبيبتي.
-إنها ليست بالشيء الكثير.
ابتسم لها ابتسامة دافئة, جعلت الدم يفور في عروقها.
-الفكرة بحد ذاتها يا حلوتي الصغيرة لها قيمة أكبر بكثير من قيمة الهدية الفعلية.
-لقد اتصلوا بك بعد الظهر. يريدك طوني أن تعودي إلى الاستديو لإعادة تصوير إحدى اللقطات.
اللعنة! الاضطرار إلى إعادة التصوير أمر تمنت تجنبه.
-متى؟
-غدا, لقد حجزت لك مقعدا على رحلة تقوم باكرا وغرفة في فندق هناك.
أدركت أن العمل في الأيام القادمة سيستمر على قدم وساق, وسيلي التصوير العمل على الدعاية والتسويق.
طلب منها مايكل:" اذهبي وبدلي ملابسك. سوف نتناول الطعام خارجا ونخلد معا إلى الفراش باكرا".!!http://www.liilas.com
☻☺☻☺