2-إني خيرتك فاختاري!
أخذت ساندرين تتفحص مايكل جيدا, بعينين مستقرتين, ورباطة جأش ظاهرة. غير أنها كانت تعرف مقدار ما تبذله ن جهد للحفاظ على هذا المظهر الهادئ.!!http://www.liilas.com
-أنا واثقة من أن لدى طوني مصادر أخرى للحصول على التمويل اللازم.
-لقد استهلكها جميعا.
-كيف أمكنك أن تعرف ذلك؟
لم يستوجب هذا السؤال ردا منه. وأقرت في سرها بامتعاض, أن عائلة لانييه تملك الكثير من الاستثمارات, كما أن مايكل نفسه رجل ثري جدا وبالتالي لديه علاقات توصله إلى مثل هذه المعلومات الشخصية.
وبدون مال, لن يكتمل الفيلم, ولن يجد طريقه إلى صالات العرض.
ولم يرق لها أن يصبح مصير الفيلم بين يديها, ولا مخططات مايكل الماهرة.
رد مايكل بدون اكتراث:" باستثناء غريغور أندرس, لا يتضمن الفيلم أسماء نجوم مشهورين لإنجاحه وجذب الجمهور إلى شباك التذاكر.. فيما يتهافت كل من منتج الفيلم ومخرجه لإنعاش أوضاعهما المهنية المتضعضعة بعمل فني غير مسبوق".
كانت ساندرين تعرف أن ممولي الفيلم وضعوا ميزانية محدودة لا تكفي لتصوير فيلم مميز, كما أن التأخيرات المتكررة والمصاريف المتزايدة جعلت مشروع الفيلم مجازفة كبيرة لا يقبل عليها أي مستثمر واع.
ألقت ساندرين عليه نظرة وقالت:" أهذا رأيك؟".
لم يزحزح مايكل نظراته:" ليس رأيي فقط".
-إن كان ذلك صحيحا, فما السبب الذي دفعك إلى تمويل الفيلم؟
لم تتغير تعابير وجهه, وظنت لبضع ثوان أنه لن يجيب على سؤالها, ولكنه رد بتهكم:" بصراحة يا ساندرين؟ أنت".
اتسعت حدقتا عينيها ثم أطبقتهما قليلا.
-ماذا اعتقدت أني سأفعل؟ هل أتركك ترحلين عني هكذا, بكل بساطة؟
صرت أسنانها وعدت حتى عشرة ثم أنكرت بسخط:" كنت ملزمة بعقد, ولو لم ألتحق بالعمل في الموعد المقرر, للاحقوني قانونيا".
-عقد, أقدمت على توقيعه من دون أن تخبريني.
-كنت غارقا في اجتماعاتك الأوربية.
-ألن تقدميني يا حبيبتي؟
اللعنة, بالكاد استطاعت ساندرين أن تبتلع الشتيمة الحاقدة حين وضعت كايت ذراعها حول خصرها, في حركة تظهرهما كصديقتين حميمتين جدا.
تدخل مايكل بكل تهذيب مقدما نفسه:" مايكل لانييه".
-كايت ليندين.
حاولت بابتسامتها وصوتها وحركاتها ترك أكبر أثر ممكن:" إذن أنت الفارس ذو الدروع المجلجلة".
راقبت ساندرين كايت وهي تنظر إليه بوله.
-وزوج ساندرين.
شعرت بشهقة كايت الخفيفة, ولاحظت ابتسامتها الباهتة وأحست بضغط أصابعها على خصرها.
سلمت بالأمر وهي تستدير لتلقي نظرة باردة على ساندرين:" يا لتكتمك!".
أمسك مايكل يد ساندرين ورفعها إلى شفتيه, ثم نظر مباشرة إلى كايت:" هل تسمحين؟ كنا في خضم نقاش خاص".
يا الهي! إنه لا يوفر أحدا. راقبتها وهي تبتسم ثم تستدير على عقبيها وتبتعد عنهما وهي تهز ردفيها بفجور.
علقت ساندرين بخفة:" غزوة أخرى".
-دعينا نركز على هذه المسألة الملحة, أتسمحين؟
أستاذ في التلاعب. اللعنة, لماذا تتملكها رغبة في تحطيم مظهره البارد الذي يخفي تحته تسلطا وهيمنة؟
مهاراته في التلاعب بالألفاظ في مواجهة ثورتها الكلامية, جعلتها ترتعش. يا للجحيم, لم يرفع صوته بينما كادت هي تفقد سيطرتها على نفسها.
والآن سيستخدم هذه المهارة في ابتزازه المجحف, ويضعها بذكاء بين المطرقة والسندان. إنها الثمن الذي يجب دفعه, والفيلم هو مكافأتها.
قالت له ببرود متعمد:" أنت لا تترك لي خيارا".
ثم انتظرت لحظة وأردفت:" . . . في الوقت الحالي".
تقدم منها ومسح خدها بقفا أصابعه ورد:" لا تضعي شروطا".
شعرت بردة فعل جسمها الفاضحة على لمسته, وأحست بالحرارة تسري في عظامها وتذيبها مثلما تذيب الشمع.
اغرورقت عينا ساندرين وارتعش فمها قليلا, ملأها شعورها هذا بالغضب والسخط والحاجة للهجوم عليه. إلا أن الوقت والمكان غير مناسبين, إذا أرادت الاحتفاظ بشيء من الوقار.
وكما كان متوقعا, انتشرت التكهنات بين زملائها والمدعوين الآخرين. هل عرف طوني أن ساندرين هي زوجة مايكل لانييه؟.
راقبها مايكل وهي تحاول أن تستر عواطفها المتضاربة, وتزنها. وكان يدرك, بحدسه, ما أثاره في نفسها من صراع قوي بين هذه الأحاسيس. إنه عازم على الفوز ولن يرضى بأقل من هذا.
قالت بتحجج وهي تراقب مايكل يلوي فمه بابتسامه هازئة:" أنا بحاجة لشراب".
رفع يديه فظهر إلى جانبهما نادل. كان مايكل يحاول التأثير في النساء, كل النساء بمثل هذه الأساليب. إنه سحر فطري يستخدمه من دون تردد.
تناول كأسين من العصير من الصينية, وسألها:
-هل ننضم إلى مضيفنا؟
تشابكت نظراتهما معا للحظات, ثم حجبت تعابير عينيها. ستطلق العنان لاحقا لغضبها وسلاطة لسانها بعد أن كبحت نفسها طويلا. لعله فاز في الجولة الأولى, ولكنها عازمة على الفوز بالثانية. حاولت الابتسام ببطء ولجأت إلى موهبتها في التمثيل للسيطرة على الوضع وهي تتأبط ذراعه.
-بما أنك قدمت للمدعوين عرضا حيا غير متوقع, ألا تظن أن أوان التعارف قد فات؟
وما هي إلا دقائق, حتى وقف مايكل إلى جانب طوني وأخذ يظهر اهتماما بقدرات المدعوين الفنية, ويطرح الأسئلة بسحره المعهود.
وتملكت ساندرين السخرية, وهي تجيل نظرها في الغرفة. إن ذاكرته القوية والواعية لا يفوتها شيء, سواء في الأعمال أو الحياة الاجتماعية.
-مهما كانت الأسرار, فإن سرك مذهل.
استدارت قليلا لتواجه امرأة شابة نحيلة لم تستطع تذكر اسمها, للوهلة الأولى.
قدمت نفسها:" ستيفاني سومرز, من دائرة التسويق".
ردت ساندرين وقد هفا قلبها لابتسامتها القليلة الخبث:" آه, طبعا".
-لا أفهم كيف تحجبينه عن الأنظار, أين عثرت عليه؟".
-في نيويورك, وتزوجنا في باريس.
-مدينة العشاق الأبدية.
شعرت بقشعريرة تسري في جسمها, وهي تستعيد ذكرى هذه المدينة وجوها العاطفي. سحر باريس في فصل الربيع عندما تنقشع السماء الرمادية وتدب الحياة من جديد, كما فعل قلبها عندما التقت مايكل لأول مرة.
شعرت بأحشائها تتقلص مع توارد ذكرياتها. ذكريات واعدة, ملأى بالحب, بحيث تخيلت حينها أن حياتهما معا ستدوم إلى الأبد.
-لقد أفلت زوجك من طوني وهو يتجه نحونا. إنه مخلوق وحشي, أليس كذلك؟
مخلوق وحشي وصف مناسب, إنما ليس بالمعنى الذي قصدته ستيفاني.
-طوني أم مايكل؟
بادلت ستيفاني النظرات المباشرة بالمثل, ولمحت فيهما التهكم قبل أن تحجبهما بابتسامتها الخبيثة:
-أنت تمزحين, من دون شك؟
تمنعت ساندرين عن الرد عندما دنا مايكل منهما.
شعرت بجسمها يتصلب وهي تتوقع أن يلمسها. حبست أنفاسها عن غير وعي, ولم تفلتها إلا عندما لم تبدر عنه أي محاولة للمسها.
تدبرت أن تقول بنعومة:" مايكل, هل تعرفت إلى ستيفاني؟".
-نعم. تبادلنا نقاشا مثيرا للاهتمام حول وسائل التسوق.
-لكنه كان وجيزا.
-وضع سنقوم بتصحيحه, أليس كذلك؟
إنه ذكي, ولديه الجاذبية المطلوبة, والقدرة على التأثير والحنكة في الأعمال التجارية.
حيته ستيفاني ثم انسحبت:" سعدت بالتعرف إليك".
راقبتها ساندرين فيما كانت تتحدث مع طوني قبل أن تغادر.
-أهي صديقتك؟
لم تنخدع باعتدال صوت مايكل فردت:" لا شأن للممثلين مع رؤساء الأقسام التجارية إلا فيما ندر".
-هل لي, إذن, أن أفترض بأنكما لم تلتقيا قبل هذه الليلة؟
ألقت عليه نظرة مستهزئة.
-هل تريد مني أن أعطيك تقريرا مفصلا عن كل شخص موجود في هذه السهرة؟ من كلمت أو لمست؟
حذرها مايكل بسلاسة:" على مهلك, أنت تدخلين دائرة الخطر".
أضافت وهي تشعر بالرضى حين رأت كيف ضاقت عيناه استياء:" غني عن القول, أن كل ذلك في سبيل الفن".
رد متشدقا:" لو ظننت أن الأمر غير ذلك لحملتك على أول طائرة تغادر هذا المكان حتى وأنت تصرخين وترفسين.
-أساليب إنسان العصر الحجري لا مكان لها في حضارتنا الحديثة.
-رجل العصر الحجري والرجل المتحضر لا يلتقيان. ولكن استمري على هذه الوتيرة, وسوف أريك كم أستطيع أن أكون همجيا.
رفعت رأسها وأبقت نظراتها متشابكة مع نظراته الثابتة:" لقد فات الأوان يا حبي, لقد اختبرت ذلك قبلا, أتذكر؟".
-ما زلت أتذكر صورة قطة برية صغيرة, تقذفني في غمرة غضبها ببعض الأغراض.
كريستال وترفورد الغالي الثمن, وزجاجة حبر, وحافظة أوراق والساعة الصغيرة التي تزن مكتبه الأثري في غرفته الخاصة.
حينها كانت غاضبة بحيث لم تبال, ولكنها شعرت بعد ذلك بالندم لتحطيمها هذه التحف الفنية المصنوعة من الكريستال, التي ارتطمت بالحائط الخشبي ووقعت على الأرضية الرخام وتناثرت قطعا قطعا. لقد تفاداها مايكل, ونأى بنفسه عنها.
استعادت في ذهنها ردة فعلها العنيفة, وشعرت بالخجل لأنها فقدت أعصابها وتصرفت على هذه الصورة.
-لقد أثرت حفيظتي.
-كان الأمر متبادلا.
جاءت كلماته متحفظة وهادئة, فيما تلك التي صدرت عنها متشنجة ورعناء.
ولكن الكلام الذي صدر عنهما معا, كان جارحا للغاية.
استفهمت ساندرين بشيء من المرارة:" مايكل, هل ستعطيني الوقت والمجال كي أهدأ وأدعي أن كل هذا لم يحدث قط؟".
-يخيل لي أننا سوينا هذه المسألة من قبل؟
تراقصت النقاط الذهبية في عينيها وأصبحت أكثر وضوحا وهي تلجم غضبها, وتلونت وجنتاها بالأحمر القاني. لقد بقيت ذكرى ما أعقب ذلك الشجار حية في بالها. استطاعت أن تتغلب على ما تملكها من غيظ, ولجأت إليه غير عابئة بما صدر عنها من كلمات. فأظهر تجاوبا يبعث على الدهشة والاعجاب. لقد كان يوما مشهودا في حياتها, ولكن. . .
انتظرت حتى خلد إلى النوم, ثم ارتدت ملابسها, ووضعت بعض أمتعتها في حقيبة, وعلقت على الباب مذكرة كتبتها على عجل وخرجت من البيت مع ساعات الفجر الأولى.!!http://www.liilas.com
ما جرى بينهما ليس الحل لهذه المسألة, فقالت بوقار رزين:
-لا.
لم يشعر في حياته بمثل الإحباط الذي أحس به عندما استيقظ وأكتشف أنها رحلت. ولو استطاع, لاستقل أول طائرة متوجهة إلى استراليا ولحق بها, غير أن شقيقه راوول كان في امريكا, وسيبستيان أصغر الأخوة لانييه يقضي شهر العسل متنقلا من بلد إلى آخر. ولم يعد أمامه سوى متابعة الأعمال بنفسه وحضور الاجتماعات المقررة في مدن أوربية عدة, والقيام بزيارة قصيرة لجدته في باريس فور الانتهاء من أعماله.
رد عليها:" فراش خال, ومذكرة مقتضبة, وزوجة في الطرف الآخر من العالم ترفض أن ترد على مكالماتي الهاتفية. كان بإمكاني أن أخنقك لما فعلته".
قالت ساندرين بتصلب:" إذا انتهيت من التحقيق معي, أود أن أذهب, فلدي عمل في الصباح الباكر".
تصلبت أسارير وجهه أطبق جفنيه قليلا. كان بارعا في إسدال ستار على تعابيره, وقال:
-إذا لنشكر مضيفنا على ضيافته.
أمسك بذراعها, غير أنها حاولت التخلص منه.
-لن أذهب معك إلى أي مكان.
رفع حاجبه معمدا التهكم:" هل نسيت ما اتفقنا عليه بهذه السرعة؟".
ردت ساندرين بشجاعة:" لا, إطلاقا. ولكن لن أسمح لك بأن تقيم معي في المسكن نفسه!".
لم تكن ابتسامته تنطوي على أي مرح وهو يقول:" الإقامة في سكن منفصل ليست بندا في الصفقة".
صرخت به وهي تشعر بالإرهاق:" اذهب إلى الجحيم".
رد عليها مايكل بلهجة مليئة بالوعيد:" وصلت لتوي من هناك, وليس في نيتي أن أعود من جديد".
أخبرته بتهذيب مصطنع :" أعتقد أن علينا أنؤجل النقاش إلى وقت لاحق".
فقال لها باصرار متعمد:" لم نبدأ بعد. وليقل الحاضرون ما شاؤوا.".
لف ذراعه حول خصرها وشدها إليه بحزم وأضاف:
-ضعي قدما أمام الأخرى وابتسمي عندما تحيين طوني".
جابهته ساندرين وهي تكظم غضبها:" أو ماذا؟".
أجابها مايكل بنبرة سلسة مثل الحرير:" إنها مسألة كرامة, كرامتك. . . أمامك خياران, إما الخروج من هنا على قدميك, وإما مغادرة هذا البيت وأنت محمولة على كتفي".
انقلبت معدتها رأسا على عقب, لأن نظرة واحدة إلى تعابير وجهه الحازمة أقنعتها بأنه ليس من الحكمة معارضته.
كانت نظراتها الجليدية تماثل برودة القطب الشمالي وقالت له بتهذيب صاعق:" أفضل الخيار الأول".
استغرق تبادل المجاملات والاتفاق على موعد في صباح الغد بين مايكل و طوني عشر دقائق. ولم يفت ساندرين ابتسامة طوني التي دلت على توتره أو القسوة الخاطفة التي بدت في عينيه.
تدخلت وهما ينزلان المصعد إلى الطابق الأرضي:" إنه يتصبب عرقا بانتظار قرارك. هل هذا مخطط استراتيجي يا مايكل؟".
ألقى عليها نظرة غاضبة ومتفحصة, ولمحت شيئا من التهكم خلف قناعه الذي لا يخترق.
لم يستوجب سؤالها تأكيدا, فالأخوة لانييه يديرون شركة تقدر أعمالها بالمليارات.
توقف المصعد فعبرا الردهة إلى البوابة الخارجية الرئيسية.
أخرجت ساندرين الهاتف الخليوي من حقيبتها وفتحته وهي تقول:" سأطلب لك سيارة أجرة".
فأعلمها مايكل بنبرة صوته الانسيابية:" لقد استأجرت سيارة وسوف أتبعك بها".
-باستطاعتك الانتقال غدا. . .
قطعت كلامها معه لتتكلم على الهاتف:" هل باستطاعتكم أن ترسلوا سيارة. . .
أنهى مايكل المخابرة بانتزاع الهاتف الصغير من يدها.
-كيف تجرؤ على ذلك؟
انطلقت الكلمات الغاضبة متقطعة من فمها, وحاولت جاهدة أن تخطف الجهاز الخلوي منه, لكن محاولاتها باءت بالفشل الذريع لأنه أبعده عن متناول يدها. صاحت به:" أعطني الجهاز!".
رفع حاجبه بتهكم صامت وهو يراها تضرب الأرض بقدميها من شدة الحنق.
سألها بهدوء:" أين أوقفت سيارتك؟".
نظرت إليه بعينين متوقدتين, وغاظها أن ظلام الليل أخفى الغضب البادي على وجهها وقالت له:" ألم تحجز غرفة في مكان ما؟".
ظهرت مسحة من السخرية على جانب فمه وهو يجيبها:" دفعت الحساب هذا الصباح وغادرت الفندق".
شتمت في سرها, ثم قالت له بنبرة جامدة:" سيارتي الهوندا البيضاء المكشوفة".
استدارت لتبتعد عنه, لكنه أمسك بذراعها فاستدارت على عقبيها لتواجهه وهي تستشيط غضبا:
-ماذا تريد بعد؟
أجابها مايكل بنبرة معتدلة مادا يده لها:" هاتفك الخلوي".
خطفت الجهاز من يده وكأن أصابعه شعلة نار ستحرقها.
قررت بحنق وهي تجلس خلف مقود سيارتها, وتدير المحرك, أنها ستقودها بسرعة لتتمكن من الافلات منه. لكن ساندرين هزأت من نفسها بصمت بعد دقائق عندما تجاوزت الاشارة الضوئية وشاهدت في المرآة سيارته تتبعها.
لن يدهشها أن يكون مايكل قد اكتشف مكان سكنها, فهي تعرف اهتمامه بأدق التفاصيل. إنه قادر تماما على الوصول إلى بيتها.
أيقظها هذا التفكير وجعلها تعدل عن تصرفاتها الحمقاء.
قررت ألا تجازف أكثر واختارت تخفيف سرعة سيارتها لتقطع المسافة المتبقية إلى منزلها, وحاولت أن تتجاهل الأضواء الأمامية للسيارة التي تتبعها على بعد بضعة أمتار.
أدارت ساندرين الراديو, واختارت محطة عشوائية ورفعت الصوت عاليا. تعالى صوت موسيقى الروك الصاخبة في السيارة وحاولت أن تتابع ايقاعها على أمل أن تلهي نفسها عن التفكير في مايكل.
لم يفلح الأمر, فأطفأت الراديو بعد مرور دقائق وأخذت تركز على الطريق.
فتحت باب المرآب وأدخلت سيارتها بينما ركن مايكل سيارته الحديثة إلى جانب سيارتها.
أقفلت ساندرين باب المرآب لتجد مايكل يفتح صندوق سيارته ويخرج منه حقائب ملابسه. رغبت بتجاهله, لكن مايكل لانييه لم يكن رجلا من السهل تجاهله.
شعرت بانقباض مؤلم في معدتها وهي تفتح الباب الفاصل بين المرآب و الفيلا.
تمهلت واستدارت نحوه وأخبرته بنبرة تماثل نبرة مضيفة تدل ضيفا:
-هناك ثلاث غرف نوم في الطابق العلوي. اختر إحداها. ستجد شراشف نظيفة في الخزانة.
لم يرد عليها, فتلاعب صمته بأعصابها. دخلت الردهة ثم توجهت إلى المطبخ من دون أن تضيف كلمة واحدة.
كانت الفيلا من الداخل عصرية, وذات إنارة طبيعية. فنوافذها الزجاجية تمتد من الأرض إلى السقف المرتفع.
كان الصوت الوحيد المسموع هو ضرب كعبي حذائها الدقيقين على أرضية الرخام وهي تسير إلى المطبخ. وبعد لحظات فاحت رائحة القهوة في المكان.
أخرجت ساندرين فنجانين وطبقين وسكرا وحليبا ووضعتها على طاولة المطبخ. ثم ملأت فنجانا وأخذت تتلذذ بشرب القهوة.
كان المكان ساكنا, ساكنا أكثر مما ينبغي, فتوجهت إلى غرفة الجلوس وشغلت التلفزيون وحاولت انتقاء محطة ما حتى رست على برنامج أثار اهتمامها. تراقصت المشاهد أمام ناظريها ولكنها لم تركز عليها لأن عقلها انشغل بالرجل الذي اقتحم عليها بيتها.
بيتها المؤقت! . . . صححت لنفسها وقد أدركت أن تصوير الفيلم سينتهي في غضون أسبوع أو أسبوعين. وقبل ذلك بالنسبة لها, لأنه لم يبق أمامها سوى بضع لقطات. وماذا بعد ذلك؟.
أين ستذهبين بعد ذلك؟.
قلبت في ذهنها الخيارات القليلة المتوفرة. الخيار الأول. . العودة إلى سيدني, الخيار الثاني. . . ايجاد عمل في عرض الأزياء, الخيار الثالث. . . لا, لا تريد حتى التفكير في الخيار الثالث. يجب أن يقوم الزواج على أسس المساواة والمشاركة وتفهم كل من الزوجين لحاجات الآخر. سيطرة أحدهما على الآخر هو أمر غير مقبول عندها.
انتهت ساندرين من شرب قهوتها, وغسلت الفنجان ثم نظرت إلى ساعتها وتنهدت بشدة. لقد تأخر الوقت وهي متعبة. اللعنة عليها إن كانت ستنتظر مايكل أكثر, كي يظهر. ستخلد إلى النوم.
بدا السكون غريبا ووجدت نفسها ترهف السمع لتتبين أقل حركة فيما كانت تصعد الدرج. ولكنها لم تسمع أي صوت.
إن كان مايكل قد استحم وأخرج أمتعته من الحقائب ورتب سريره, فقد حقق ذلك في وقت قياسي.
استدارت ساندرين إلى الجهة اليمنى عندما وصلت إلى أعلى الدرج ودخلت غرفة النوم التي تستعملها. كانت أنوارها خافتة. وداعبت رائحة الصابون ورائحة عطر رجالي قوية أنفها فيما التفتت ناحية السرير الضخم.
شاهدت الغطاء الحريري مرميا عند أسفل السرير وقوام رجل طويل تحت الشرشف. أنه مايكل! رأسه على الوسادة, وعيناه مغمضتان, وأنفاسه بطيئة هادئة.
اللعنة, لقد نام على سريرها!
حسنا, عزمت بغضب وهي تعبر الغرفة, سيتغير هذا الوضع بسرعة. ومن دون تردد التقطت وسادة رمتها بعنف على مقربة منه.
صبت جام غضبها عليه وهي تصر أسنانها:" استيقظ. اللعنة عليك, استيقظ!".
رفعت الوسادة ورمتها مرة ثانية:" لن أسمح لك بالنوم في غرفتي!".
لم يهتز. ولشدة غيظها رمته بالمخدة على صدره.
امتدت يدها مجددا لترفع الوسادة وتضربه ثانية, وتأوهت عندما أمسكت أصابعه بمعصمها من دون رحمة, والشرر يتطاير من عينيه.
-هذه غرفتي, وهذا سريري, ولم أسمح لك باحتلال أي منهما.
بدت عيناه وكأنهما تخترقان روحها وهو يرد عليها:" أتريدين غرفة منفصلة, وسريرا منفصلا؟ اذهبي واختاري مكانا آخر".
اتهمته وهي تشعر بالوهن:" تفعل ذلك عمدا, أليس كذلك؟".
شعرت بصداع شديد, فرفعت يديها وأخذت تدلك صدغيها بأصابعها لتخفف الألم. ثم قالت:" لن أنام معك".
أجاب مايكل بروية:" هذه كلمة تعني الكثير".
أحجمت عن رغبتها بضربه وعضه:" هل تتوقع مني أن أصدق ذلك؟".
بدا رائعا. . . وخطيرا كالجحيم. وأرسلت جاذبيته المدمرة انذار الخطر إلى عروقها.
-أتخشين مشاطرتي الفراش يا ساندرين؟
تاقت للصراخ بالايجاب, إذ يكفي أن تلمسه عرضيا خلال الليل وهي غارقة في النوم, لتنسى حذرها لبضع ثوان.
-اللقاء الحميم لن يصلح الخلافات بيننا.
-لا أتذكر أنني اقترحت مثل هذا الأمر.
تلعثمت وهي تشير إليه وإلى السرير:" إذن ربما تتفضل وتشرح لي لماذا اخترت النوم في غرفتي وعلى سريري".
أخذت نفسا عميقا ثم زفرته ببطء, قبل أن تضيف:" لو كان عندك أي احساس بالنبل, لبحثت عن غرفة أخرى لنفسك!".
-لم أدع قط أنني نبيل.
رمقته ساندرين باستياء, ووافقته الرأي:" لا, الهمجية هي الصفة الملائمة أكثر!".
حذرها مايكل بلطف:" على مهلك يا حبيبتي".
لمحت مخدة صغيرة في متناول يدها, فالتقطتها وقذفته بها وهي تقول:" أنا أكرهك".
وجدت نفسها ملقية على الفراش في لمح البصر ومايكل يقول:" دعينا نختبر كراهيتك هذه, ما رأيك؟".
حاولت أن تخلص يديها من قبضتيه:" لا تفعل ذلك بي".
لم يكن كلامها ذلك توسلا, ولاحظ غضبها المفرط وعنادها الجريء وانفعالاتها. جل ما يتطلبه اخضاعها هو شيء من الاقناع الحاذق والمهارة.
-كان عليك أن تفكري قبل أن تضربيني بالوسادة.
حملت عليه بقوة:" يجب أن تتوقع ردة الفعل هذه, عندما تحاول إيقاعي بشراكك".
لم تتغير تعابير وجهه, بيد أنها لمحت مرحا على قسماته.
-إذن . . . هل ترغبين بمتابعة اللعب, أو نتوقف عن ذلك؟ هذا خيارك يا ساندرين.
أرادت أن تصرخ. . سأقاوم حتى الموت ولو ذهبت إلى الجحيم. غير أنها هي من سيموت, عاطفيا وجسديا وعقليا. وهي لا ترغب أن توفر له هذه السطوة.
اقترحت عليه بطريقة مؤثرة:" إن تزحزحت, سأستحم وأبدل ملابسي".
-حاضر. . .
ابتعد عنها واستلقى على ظهره قائلا:
-تصبحين على خير, يا صغيرتي الحلوة.
استلقى على جنبه وسحب الغطاء إلى فوق خصره وأغمض عينيه.
انزلقت عن السرير بحذر شديد. . . واتجهت إلى الحمام حيث استحمت بنشاط, وتركت الماء الساخن يزيل تشنج رقبتها وعضلات كتفيها.
كان مايكل قد خلد إلى النوم, وأخذ يتنفس بعمق وانتظام, عندما عبرت الغرفة لتطفئ النور.
سوف ينام لساعات, ومع أنها لن تكون موجودة, لكنها مستعدة للتضحية بأي شيء كي تلمح تعابير وجهه, عندما يستيقظ.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة ماكرة. يريد ممارسة الألاعيب, فلنر ما سيحدث؟
شعرت بشيء من الرضى وهي ترسم مخططا تلو الآخر حتى استولى عليها النوم ونقلها إلى عالم الأحلام. وتحول الحلم إلى فيلم مثلت فيه دور البطولة من دون أي استذكار للحوار.!!http://www.liilas.com
☺☻☺☻